طلب إبطال العقود بسبب الغبن في ظل التشريع المغربي

الغبن في القانون هو وضع اللاتناسب بين ما يعطيه أحد المتعاقدين، وما يأخده كمقابل في إطار عقد بيع أو معاوضة أو مرابحة أو كراء أو غيرها من المعاملات المادية المتصورة في الواقع، ومثاله أن يبيع شخص سلعة بثمن بخس، بينما ثمنها الحقيقي مرتفع جدا، وسواء أكان المغبون هو البائع أو كان هو المشتري.

وعليه، فالغبن يتجسد من خلال التفاوت الصارخ بين الثمن المدفوع والقيمة الحقيقية الشئ المبيع.

فما هو موقف المشرع المغربي من الغبن الحاصل في التعاقد؟

القاعدة العامة في الغبن المجرد الذي يلحق الراشدين، لا يعتد به في ظل التشريع المغربي، ولو كان ذلك الغبن فاحشا، طبقا لما جاء في الفصل 55 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي، والذي مفاده أن الغبن لا يخول الحق في الإبطال كقاعدة عامة، التي لا يستثنى منها إلا ما نتج منه عن تدليس لطرف من أطراف العقد أو وكيله أو نائبه القانوني أو الإتفاقي أو القضائي، مع الأخد بعين الإعتبار إستثناءا آخر مقرر  بمقتضى الفصل 56 من ذات القانون، والذي سوف نرجع لتوضيحه في نفس الموضوع.

يرى أغلب الفقه القانوني المغربي بأن الموقف الذي يتبناه التشريع المغربي والمقارن، يتماشى مع الرأي السائد حتى في الفقه الإسلامي، الذي يؤكد على أن الغبن غير المقترن بتغرير، لا يخول الفسخ كقاعدة، حيث أن الشرع الإسلامي أجاز التجارة بالرضا من غير تحديد سقف لقيمة الربح، كما جاء في قوله تعالى: “إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم“، ومنه ما روي عن الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: “دعوا الناس في غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض

ويستند ذات الفقه القانوني المغربي في تفسير لإرادة المشرع المغربي أثناء صياغته لهاته القاعدة، أن السبب في إعتماده إياها، كون الراشد يكون على درجة من الإدراك والوعي أثناء التعاقد، تؤهله لحماية مصالحه بنفسه، أما إذا كان جاهلا بأصولها فيجب عليه إستشارة ذوي الخبرة والإختصاص، قبل الإقدام على أي تعاقد، وذلك بالأساس من أجل الحفاظ على مبدأ إستقرار المعاملات بين الأشخاص، رغم ما يمكن ان يكتنف هذا المبدأ “الغبن لا يخول الإبطال” -كقاعدة عامة- من إضرار لمصلحة بعض الأشخاص قليلي الخبرة.

ويستثنى من هذا المبدأ مجموعة من الحالات يمكن إبرازها فيما يلي:

أولا: حالة إرتباط الغبن بالتدليس

يجب أن يقترن الغبن بتدليس أحد أطراف العقد أو وكيله أو نائبه، وحيث يكون الغبن صالحا كأساس قانوني للطعن في العقد بالإبطال، طبقا لما ينص عليه الفصل 55 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي، الذي يؤكد على أن الغبن يخول الإبطال متى نتج عن تدليس أحد طرفي العقد أو من يمثلهما بصفة مباشرة أو غير مباشرة.

كما يجب التنبيه في هذا الصدد، لما يمكن أن يتبادر إلى الذهن، بأنه لا جدوى من إشتراط إقتران الغبن بالتدليس حتى يعتد به لطلب الإبطال أمام القضاء، مادام القانون المغربي يقر بإمكانية الطعن في العقد بالتدليس صراحة!

والإجابة حول ذلك،  يجبب أن نرجع لظهير الإلتزامات والعقود المغربي، إذ سيتبين لنا بأن القانون يميز في التدليس بين نوعين: التدليس الدافع، والتدليس العارض، في حين أن هذا الأخير لا يخول طلب إبطال العقد، وإنما طلب التعويض فقط، لكنه إذا أقترن التدليس بالغبن فإن الجزاء يكون في هذه الحالة هو الإبطال، وليس فقط التعويض.

ثانيا: الحالة التي يكون فيها المغبون قاصرا أو ناقص الأهلية

ينص المشرع المغربي على هاته الحالة ضمن الفصل 56 من ظهير الإلتزامات والعقود، الذي يقضي بأن الغبن لا يخول الحق في طلب الإبطال، إلا متى كان الطرف المغبون ناقصا للأهلية أو قاصرا، ولو كان قد تعاقد بمساعدة وصي أو مساعد قضائي، وفقا لوضعيته القانونية التي يمكن أن تختلف، في حين يعتبر غبنا طبقا لما قرره نفس الفصل كل فرق في الثمن المبيع بين القيمة المدفوعة والقيمة الحقيقية للشيء المبيع، أما إذا إختل أحد هذين الشرطين فيعتبر طلب الإبطال بسبب الغبن، غير متصور من الناحية القانونية في ظل التشريع المغربي وحتى المقارن.

من إعداد محمد أجغيد

فريق عمل موقع المعلومة القانونية

قد يعجبك ايضا