الذكاء الاصطناعي بين تحديات الحماية الحقوقية الدولية وفعالية المبادرة المغربية الأمريكية بشأن القرار الأممي

* الدكتور محمد البغدادي

/ باحث في العلوم القانونية

/ بكلية الحقوق بطنجة

 

مقدمة:

يخوض موضوع الذكاء الاصطناعي معركة دائمة الحيوية ومتجددة النشاط يتم تحديثها باستمرار من خلال ما يشهده هذا المجال من تقدم وتطوير مستمر ورغم الأهمية التي يستحوذ عليها مصطلح “AI” الشائع حاليا باعتباره مفهوم عام جدا من شأنه أن يغطي نطاقا واسعا من التقنيات المختلفة، إلا أن مجال الذكاء الاصطناعي والذي امتد لأكثر من 60 عاما هو مجال واسع النطاق وأكثر تعقيدا وثراء من معظم مجالات العلوم والتكنولوجيا. ولما كان المستقبل يمثل في خيار البشر مزيجا من الشعور بالخطر والحزن تجاه المجهول ورغم الحاجة الكبيرة لمزيد من المعرفة حول القيم والمعتقدات والنظريات التي نشأت حول تاريخ الفكر البشري والظروف البشرية، إلا أنه لن يبقى أي مجال بمنأى عن التقدم المتسارع للذكاء الاصطناعي والكائنات الاصطناعية، الأمر الذي من شأنه الاستمرار في التفكير في المستقبل المجهول إزاء الروبوتات. [1] فالمجتمع الدولي حاليا في خضم الثورة الاصطناعية الرابعة والتي سبقتها ثلاثة أطوار يمكن رصدها كالتالي:

الأولي: وهي التي حدثت في القرن الثامن عشر واستمرت حتى القرن التاسع عشر وشهدت التحول من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي يشجعه البخار والماء.

الثانية: وفيما تميزت الثورة الصناعية بأشكال الطاقة المكتشفة حديثا الكهرباء والنفط والصلب التي أصبحت الأسس التي تطورت منها اختراعات الهاتف.

الثالثة: الثورة الثالثة الإنترنت الذي يمكن الشخص من الوصول إلى معرفة العالم دون الحاجة إلى مغادرة مكتبه.[2]

وعليه ،فالذكاء الاصطناعي ظهر في فترة الخمسينات وبضبط عام 1956 في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ ذلك بدأ ظهور الابتكارات المتعلقة بذكاء الاصطناعي ونشرها مثالها لعبة الشطرنج إلا أنه عرف كذلك انهيار مفاجأ وذلك سنة 1987 بسبب تراجع في الصناعة في  هذا المجال ومن سنوات الصعبة لذكاء الاصطناعي والتي عرفت ابسم “شتاء الذكاء االصطناعي”وكذا بسبب قطع الحكومتين الأمريكية والبريطانية تمويلهما بالأبحاث الاستكشافية ،لكن لم تبقى على هذا الحال، إنما عرفت تطورات ونجاحات وازدهار العصور الحديثة خلال القرن 21 في العديد من المجالات كتشخيص الطيب وتقدمي جوجل لبرنامجها ألفا جو Alpha Go إلى غاية يومنا هذا، ومن الدول المتطورة اليت تعمل على الذكاء الاصطناعي وتستغله في احتياجاتها هي فرنسا والصين واليابان وبريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها.[3]

وفي خضم تصاعد المخاطر الأمنية المعاصرة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وبروز التطور التكنولوجي والتقدم التقني في عصر الثورة الرقمية والانفجار المعرفي، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 22 مارس 2024 قرارا أمميا بشأن الإطار العام المنظم للذكاء الاصطناعي.[4]

ويمكن تعريف الذكاء الاصطناعي على أنه علم استنباط نظم قادرة على حل المشاكل وأداء الوظائف من خلال محاكاة العمليات الذهنية.[5]

واعتبارا لأهمية ومكانة الذكاء الاصطناعي داخل المنظومة الدولية في ظل التحديات والأخطار والتهديدات التي همت مختلف مناحي الحياة بشأن صور الجريمة الالكترونية، فإن الإشكالية المحورية تتمثل فيما يلي: كيف يمكن للمجتمع الدولي وضع تصور جماعي ومشترك بشأن مخاطر الذكاء الاصطناعي؟

وتحت هاته الإشكالية المركزية تتفرع عنها التساؤلات التالية: تحديات الحماية الحقوقية الدولية للذكاء الاصطناعي؟ وماهي قيمة القرار الأممي للذكاء الاصطناعي من طرف المبادرة الاستراتيجية بين الرباط وواشنطن؟

ولمقاربة هذا الموضوع، ارتأينا الاعتماد التقسيم التالي:

المبحث الأول: تحديات الحماية الحقوقية الدولية للذكاء الاصطناعي

المبحث الثاني: قيمة القرار الأممي للذكاء الاصطناعي من طرف المبادرة الاستراتيجية بين الرباط وواشنطن

 

المبحث الأول: تحديات الحماية الحقوقية الدولية للذكاء الاصطناعي

يؤثر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في العديد من قطاعات ومجالات الحياة، مثل العمل والصحة. وليس خافياً على أحد الطرائق التي يمكن أن يوفر بها الذكاء الاصطناعي فرصًا كبيرة للنهوض بحقوق الإنسان في العديد من مجالات الحياة، فعلى سبيل المثال، ساهم الذكاء الاصطناعي بتسهيل عملية التعليم، وتمكين وصول المعرفة لمختلف الفئات المجتمعية وخاصة خلال فترة الأزمة الوبائية التي كان من الصعب جدا تخطيها دون اللجوء لتقنيات الذكاء الاصطناعي. إلا أن العديد من الإشكاليات والتحديات يجب أخذها بعين الاعتبار عند التعامل مع الذكاء الاصطناعي التي بإمكانها أن تقوض أو تنتهك حماية حقوق الإنسان بشكل عام أو خاص. فمثلاً يمكن أن يهدد استخدام الذكاء الاصطناعي الحق في المساواة ومنع التمييز وهو أحد أهم الركائز التي تقوم عليها منظومة حقوق الإنسان بشكل عام.

بالإضافة إلى ذلك، قد تتسبب تقنيات الذكاء الاصطناعي بتهديد وانتهاك الحقوق الخاصة كالحق في الخصوصية للأفراد أو أن تعززها بشكل ممنهج ومنظم كأن تعمل هذه التقنيات كصمام أمان للتمتع بالحقوق الأساسية والحرية الشخصية والسياسية، وعليه فإننا نتحدث هنا عن سلاح ذو حدين.

وعليه، سوف نعالج الذكاء الاصطناعي في ضوء القانون الدولي لحقوق الإنسان في المطلب الأول والذكاء الاصطناعي في صلب القانون الدولي الإنساني في المطلب الثاني.

المطلب الأول: الذكاء الاصطناعي في ضوء القانون الدولي لحقوق الإنسان

ندرك جميعنا إلى أي مدى يتم اختبار عالمنا وحالة حقوق الإنسان اليوم. فأزمة كوكبنا الثلاثية الأبعاد تهدّد وجودنا. والنزاعات القديمة مستفحلة منذ سنوات طويلة، ولا يبدو أنّ خواتيمها قريبة. كما تندلع نزاعات جديدة، وللكثير منها انعكاسات عالمية بعيدة الأمد. [6]وما زلنا نعاني من عواقب جائحة كوفيد- 19، التي كشفت سلسلة من أوجه عدم المساواة وعمّقتها في جميع أنحاء العالم. لكن السؤال المطروح أمامنا اليوم هو التالي: ما هي الحدود التي يجب فرضها على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الناشئة؛

وهذا السؤال من بين أكثر الأسئلة إلحاحًا التي تواجه المجتمع والحكومات والقطاع الخاص. لقد شهدنا وتابعنا جميعنا خلال الأشهر الأخيرة، التطورات الرائعة التي سجّلها الذكاء الاصطناعي التوليدي، مع ChatGPT والبرامج الأخرى التي أصبحت اليوم متاحة بكلّ سهولة أمام الجمهور الأوسع نطاقًا.

كما ندرك تمامًا أنّه بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يعود بفوائد جمّة على البشرية. حيث يمكنه أن يحسن الاستشراف الاستراتيجي والتنبؤ، وأن يضفي طابعًا ديمقراطيًا على الوصول إلى المعرفة، وأن يفعّل التقدم العلمي بلمح البصر، وأن يزيد من القدرة على معالجة كميات هائلة من المعلومات.لكن من أجل تسخير هذه الإمكانات كلّها، علينا أن نتأكّد من أن الفوائد تفوق المخاطر من جهة، وأن نفرض الحدود اللازمة.

في هذا الصدد من جهة أخرى. وما نعنيه في الواقع عندما نتحدث عن الحدود هو تنظيم القطاع. وكي نكون فعالين وإنسانيين، وكي يتمحور تطوير التكنولوجيات الجديدة حول الإنسان، يجب أن يستند أي حل أو أي تنظيم إلى احترام حقوق الإنسان. وتشكّل مدرستان فكريتان التطور الحالي الذي يشهده تنظيم الذكاء الاصطناعي.[7]

-الأولى قائمة على المخاطر حصرًا، وتركّز بشكل قاطع على التنظيم الذاتي والتقييم الذاتي من قبل مطوري الذكاء الاصطناعي. وبدلاً من الاعتماد على قواعد مفصلة، يركّز التنظيم القائمة على المخاطر على تحديد المخاطر والتخفيف منها لتحقيق النتائج المرجوة. وينقل هذا النهج الكثير من المسؤولية إلى القطاع الخاص. وقد يزعم البعض، ومنهم القطاع الخاص بحدّ ذاته، بأنّه ينقل الكثير من المسؤوليات إليه.

كما أنه يولّد ثغرات بارزة على مستوى التنظيم.  أمّا النهج الثاني فيدمج حقوق الإنسان في دورة حياة الذكاء الاصطناعي بأكملها. فمنذ البداية حتّى النهاية، تندرج مبادئ حقوق الإنسان في عملية جمع البيانات واختيارها، وفي تصميم النماذج والأدوات والخدمات المتأتية عنها وفي عمليات تطويرها ونشرها واستخدامها. كما أننا لا نطلق تحذيرنا هذا من أجل المستقبل، فنحن نشهد منذ اليوم آثار الذكاء الاصطناعي الضارة عامةً، لا الذكاء الاصطناعي التوليدي فحسب. فالذكاء الاصطناعي يتمتّع بالقدرة على تعزيز الحكم الاستبدادي.كما يمكنه تشغيل أسلحة فتاكة ذاتية القيادة. ويمكنه أيضًا أن يشكل الأساس لأدوات أكثر قوة ترمي إلى السيطرة على المجتمعات ومراقبتها وفرض الرقابة عليها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، قد تتحول أنظمة التعرف على الوجه إلى مراقبة جماعية لأماكننا العامة، ما يدمر أي مفهوم للخصوصية. لقد ثبت أن نظم الذكاء الاصطناعي المستخدمة في نظم العدالة الجنائية للتنبؤ بالسلوك الإجرامي في المستقبل تعزز التمييز وتقوّض الحقوق، بما في ذلك افتراض البراءة. وقام الضحايا والخبراء، بمن فيهم العديد من بينكم، بدق ناقوس الخطر لفترة لا يُستهان بها، لكن صناع السياسات ومطوري الذكاء الاصطناعي لم يبادروا إلى العمل كي يبدّدوا هذه المخاوف بالشكل الكافي أو بالسرعة الكافية.

على الحكومات والشركات أن تعتمد الإجراءات العاجلة المطلوبة فورًا.[8] أمّا على الصعيد الدولي فبإمكان الأمم المتحدة أن تضطلع بدور مركزي في دعوة أصحاب المصلحة الرئيسيين إلى عقد اجتماعات بهذا الصدد وتقديم المشورة بشأن التقدم المحرز. لا وقت لنا كي نضيعه. لقد انتظر العالم وقتًا طويلاً قبل أن يتحرّك ويتصدّى لتغير المناخ. لا يمكننا تكرار الخطأ نفسه. لكن كيف يمكن أن يبدو التنظيم؟ يجب أن تشكّل الأضرار التي يتعرَّض لها الناس أو من المحتمل أن يتعرضوا لها، نقطة الانطلاق. ما يتطلّب بالتالي الإصغاء إلى المتضرّرين، وكذلك إلى أولئك الذين سبق وأمضوا سنوات طويلة في تحديد الأضرار والاستجابة لها. وتتأثر النساء والأقليات والمهمشون على وجه التحديد وبصورة غير متناسبة بتحيز الذكاء الاصطناعي. وعلينا أن نبذل جهودًا جدية لإشراكهم في المناقشات بشأن الحوكمة. ومن الضروري أيضًا إيلاء الاهتمام الواجب لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الخدمات العامة والخاصة حيث يبرز خطر متزايد من إساءة استخدام السلطة أو اقتحام الخصوصية، في العدالة وإنفاذ القانون والهجرة والحماية الاجتماعية والخدمات المالية.

ثانيًا، يجب أن يشترط التنظيم تقييم المخاطر التي تنطوي عليها نظم الذكاء الاصطناعي والآثار المترتبة في مجال حقوق الإنسان قبل الاستخدام وأثناءه وبعده. ومن الضروري للغاية ضمان الشفافية والرقابة المستقلة والوصول إلى سبل الانتصاف الفعالة، لا سيما عندما تستخدم الدولة نفسها تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي. ويجب حظر أو تعليق تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي التي لا يمكن تشغيلها بما يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان إلى حين اعتماد الضمانات المناسبة في هذا الصدد.

ثالثًا، من الضروري للغاية تطبيق الأنظمة والضمانات القائمة، على غرار الأطر المتعلقة بحماية البيانات وقانون المنافسة واللوائح القطاعية، بما في ذلك ما يتعلّق بالصحة والتكنولوجيا والأسواق المالية. فمنظور حقوق الإنسان لتطوير الذكاء الاصطناعي واستخدامه لن يحمل سوى أثرًا محدودًا إذا كان احترام حقوق الإنسان غير كاف في المشهد التنظيمي والمؤسسي الأوسع نطاقًا.[9]

رابعًا، يجب مقاومة قطاع الذكاء الاصطناعي نفسه ومنعه من إقناعنا بأنّ التنظيم الذاتي كافٍ، أو الادعاء بأنه يعود له وحده تحديد الإطار القانوني المعمول به. وأظنّ أنّنا تعلمنا الدرس في هذا المجال من منصات التواصل الاجتماعي. وفي حين أنّ مدخلاته مهمّة، من الضروري أن تساهم العملية الديمقراطية الكاملة، عبر القوانين التي يسنّها أصحاب المصلحة كافة، في قضية ستؤثّر على جميع الناس في كل مكان وحتّى وقت بعيد في المستقبل. وفي الوقت نفسه، على الشركات أن تفي بمسؤولياتها عن احترام حقوق الإنسان بما يتماشى مع المبادئ التوجيهية المتعلقة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان.

والشركات مسؤولة عن المنتجات التي تتسابق لطرحها في الأسواق. وتتعاون مفوضيتنا مع عدد من الشركات ومنظمات المجتمع المدني والخبراء المعنيين بالذكاء الاصطناعي بهدف تطوير إرشادات حول كيفية التعاطي مع الذكاء الاصطناعي التوليدي. لكن لا بدّ من بذل المزيد من الجهود في هذا الصدد.

وأخيرًا، قد يكون من المفيد استكشاف إمكانية إنشاء هيئة استشارية دولية معنية بالتكنولوجيات الشديدة الخطورة، على الرغم من أنّ هذا الحلّ ليس بسريع. وبإمكان هذه الهيئة أن تقدم وجهات نظر مختلفة بشأن كيفية مواءمة المعايير التنظيمية مع الأطر العالمية لحقوق الإنسان وسيادة القانون. ومن الممكن للهيئة أيضًا أن تشارك نتائج مداولاتها علنًا وتقدم توصياتها بشأن حوكمة الذكاء الاصطناعي[10]. هذا ما اقترحه أمين عام الأمم المتحدة ضمن إطار الاتفاق الرقمي العالمي الخاص بالقمة من أجل المستقبل التي ستنعقد العام المقبل.كما يقدّم إطار حقوق الإنسان أساسًا راسخًا يمكن الاستناد إليه لتوفير الحواجز اللازمة التي تحمينا من استغلال إمكانات الذكاء الاصطناعي الهائلة، وتمنع مخاطره الهائلة وتخفّف من حدتها[11].

المطلب الثاني: الذكاء الاصطناعي في صلب القانون الدولي الإنساني

أشكركم على فرصة التحدّث أمامكم اليوم ضمن إطار هذا الاجتماع. ويسرّني أن أفتح فصلًا جديدًا من التعاون بين منظماتنا بهدف دعم حقوق الإنسان في عالم التكنولوجيا الرقمية.فمنذ جيل واحد فقط، لم يكن بإمكاننا أبدًا أن نتخيل أن حياتنا ستحظى بهذا القدر من الغنى والتمكين كما هي الحال اليوم بفضل واقعنا الرقمي المترابط للغاية. أمّا المعايير التقنية فتؤدّي دورًا حاسمًا في هذا الواقع الجديد. إذ تدعم بنيتنا التحتية الرقمية وتحافظ على عملها السليم. وتحدد كيفية تدفق المعلومات، وتضمن وصول مكالماتنا إلى الشخص الذي نريد التحدث إليه، وتسمح بسير الخدمات المصرفية عبر الإنترنت بأمان. كما تدركون هذه الحقيقة تمامًا بصفتكم من الخبراء في هذا المجال.[12] وتدركون أيضًا التأثير الكبير للمعايير على حياة مليارات الأشخاص اليومية. لم تتمّ دعوتي اليوم كي أتناول أمامكم ما تعرفونه أصلاً. بل أود أن أشير إلى أن حقوق الإنسان والمعايير التقنية تتمتّع بالكثير من القواسم المشتركة، وأكثر مما نظنّه حتّى.

فحقوق الإنسان هي في الواقع مجموعة من المعايير التي تربط البشرية ببعضها البعض. كما تشكّل قيمًا مشتركة وقوة ملهمة للتغيير، وتهدف إلى صون كرامة الإنسان للجميع وفي كل مكان. وتمثل حقوق الإنسان أيضًا لغة مشتركة، لغة تقاوم الظلم والقمع والجشع وإساءة استخدام السلطة. وهي لغة تحافظ على سلامتنا وتتطلب من الآخرين، بمن فيهم من هم في السلطة، حمايتنا عندما تدعو الحاجة. إلاّ أنّ النطاق غير المسبوق للتقدم الذي يحقّقه العالم الرقمي يعرِّض هذه السلامة لخطر جسيم. فنحن نشهد يوميًا انجازات تكنولوجية، حيث يتقدّم الذكاء الاصطناعي بسرعة هائلة، كما أنّ التكنولوجيا القادرة على قراءة الأفكار والتلاعب بها لم تعد من نسج الخيال، وتقنيات الواقع المعزز والافتراضي تتحسن يومًا بعد يوم.ومع هذه الاتجاهات، ستتفاقم التحديات التي تهدّد حقوق الإنسان. حان الوقت لدمج لغة حقوق الإنسان المشتركة في الطريقة التي ننظم وندير ونصمم ونستخدم فيها التكنولوجيات الجديدة والناشئة.

ويجب أن تبقى الضمانات لحماية حقوق الإنسان مترسّخة في صميم مراحل ابتكار التكنولوجيا كافة وطوال دورة حياتها. فهذه الحواجز هي شرط لا غنى عنه للتكنولوجيا التي تخدم الإنسانية وتعزز الصالح العام. ندرك تمامًا أنه عندما يتم تصميم البنية التحتية الرقمية بدون معايير قانونية وتقنية تحمي حقوق الإنسان وتعززها، يمسي من الممكن استخدام التكنولوجيا أو إساءة استخدامها [عن قصد أو عن غير قصد] لتسهيل الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة لحقوق الإنسان. حيث يتمّ انتهاك الحق في الخصوصية بطرق وبوتيرة لم نشهد مثيلهما يومًا. كما يتم جمع البيانات عن حياتنا الشخصية وتخزينها واستغلالها بعدة طرق، وبشكل مخيف ومن دون أن ندرك حتّى.وباستطاعة المجرمين الذين يصلون إلى هذه المعلومات الحساسة أن يقلبون حياة الناس رأسًا على عقب. وعبر استخدام أدوات وبرامج تجسس معقدة، تُخضِع الجهات الحكومية والجهات الفاعلة غير الحكومية الأفراد للمراقبة التعسفية.وغالبًا ما يتمّ تصميم التكنولوجيات الجديدة والناشئة من قبل الرجال ولهم، مع استبعاد خبرات النساء وتجاربهن وأولوياتهن، ومن دون مراعاة الضرر الذي تلحقه هذه التكنولوجيات بالمرأة.لقد أدى الازدهار الصارخ لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، من دون تنظيمه بما يكفي عبر فرض حواجز للحماية، إلى انتكاسات مروعة في مجال القانون الدولي الإنساني.[13]

فحرم التحيز الخوارزمي الناس من الخدمات الاجتماعية ومن الوصول إلى العمالة. كما اتُّهم أشخاص أبرياء بارتكاب جرائم بسبب أنظمة التعرف على الوجه غير الدقيقة. وحُرم المنحدرون من أصل أفريقي من الرعاية الطبية بسبب البيانات التي تعكس افتراضات عنصرية متجذّرة.

وفيما يمكن أن يعمل الذكاء الاصطناعي أيضًا كقوة لصنع الخير، تم تصميم العديد من الخدمات والأدوات بطرق تجعل من الصعب أو حتى من المستحيل على الأشخاص ذوي الإعاقة استخدامها، وهو انتهاك واضح لحق الإنسان في الوصول إلى المعلومات. ندرك جميعنا أنّ هناك معايير تجعل الصفحات الإلكترونية متاحة للأشخاص ذوي الإعاقة، لذلك دعونا نستخدمها. آمل من كلّ قلبي ألا ننظر إلى العام 2023 بعد انقضائه، باعتباره العام الفاصل الذي قضى فيه الذكاء الاصطناعي والروبوتات على الفكر والخيال والحشرية العلمية لدى البشر.تتحمل المنظمات المسؤولة عن تشكيل البنية التحتية الرقمية التي نستخدمها جميعنا، مسؤولية هائلة تتمثّل في العمل خدمةً لصالح مستخدميها وحماية رفاههم وكرامتهم[14].

والمنظمات التي تحدّد المعايير هي في صميم هذا الهيكل. فمعاييركم تضع حدودًا للمراقبة وتحمي البيانات الحساسة وتحدّد مدى سهولة الرقابة. لكننا شهدنا مرارًا وتكرارًا أنّ ضمان أن تكون المعايير سليمة من الناحية التكنولوجية وقابلة للتطبيق اقتصاديًا، لا يكفي. فهذه العدسة ضيقة ومبسطة وغير فعالة في تقديم إطار معياري يحترم ويعزز حقوق الإنسان الأساسية بشكل كامل في نهاية المطاف. بل يجب أيضًا تصميمها بهدف نهائي يتمثل في تحسين الحياة والمجتمعات المحلية والمجتمعات ككل، من خلال صون الحقوق والحريات التي تربطها مع بعضها البعض. لقد أدركنا أن الحاجة ملحة إلى التعاون والتعاضد والتآزر.

ففي العام 2021، طلب مجلس حقوق الإنسان من مفوضيتنا أن تحلل المعايير التقنية الخاصة بالتكنولوجيات الرقمية الجديدة والناشئة وعلاقتها مع حقوق الإنسان. فأجرينا مشاورات واسعة النطاق، وتحدثنا مع منظماتكم ومع خبراء أكاديميين ونشطاء ومنظمات تحديد المعايير ومع المجتمع المدني.

وقد شكّل ذلك وحده خطوة بالغة الأهمية لكسر التقوقع وبناء الجسور وربط الخبراء في مجال حقوق الإنسان مع الخبراء في مجال المعايير التقنية. كما أتيح لنا المزيد من الفرص منذ ذلك الحين، بما في ذلك عقد استشارة عامة واسعة قبل تسعة أيام، شارك فيها ممثلون عن مفوضيتنا وعن الاتحاد الدولي للاتصالات والمنظمة الدولية لتوحيد المقاييس واللجنة الدولية للتقنيات الكهربائية، وخبراء آخرون [من شركات أعمال وخبراء من المجتمع المدني ومن فريق عمل هندسة الإنترنت وفرقة العمل المعنية ببحوث الإنترنت، وائتلاف الشبكة العنكبوتية العالمية] بهدف مناقشة أفضل السبل لإدماج حقوق الإنسان في تحديد المعايير.كما يسعدني كثيرًا هذا التقدّم الذي أحرزناه. فعالمانا، أي عالم الخبرة التكنولوجية الذي لطالما كان عالم تحديد المعايير، وعالم حقوق الإنسان، يتقاربان يومًا بعد يوم. وهو توجّه يبرز في أماكن أخرى أيضًا.[15]

ويتمّ بذل الكثير من الجهود من أجل تعزيز أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك توصية العام 2021 الصادرة عن اليونسكو، التي تحثّ الدول الأعضاء على ترسيخ حقوق الإنسان في صميم الأطر التنظيمية والتشريعات الخاصة بتطوير واستخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي.

وأود أيضًا أن أذكر عمل معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات في مجال مبادئ التصميم المتوافقة أخلاقيًا، التي توفر مبادئ توجيهية صارمة في مجال حقوق الإنسان عند تصميم الذكاء الاصطناعي.

بالإضافة إلى ذلك تتابع مفوضيتنا عن كثب قانون الاتحاد الأوروبي بشأن الذكاء الاصطناعي، وكيف سيدمج مقتضيات حقوق الإنسان.هذه مجرد خطوات أولية ولكنّها بالغة الأهمية. إلاّ أنّ السؤال الذي يجدر طرحه اليوم هو التالي: كيف يمكننا تسخير هذه الرغبة الجماعية في إنجاز عمل أفضل بعد؟ كيف يمكننا أن نتعاون فنضمن أن تدعم المعايير التقنية حقوق الإنسان وتحميها لا بل تعززها؟ ما مِن خلطة سحرية من شأنها أن توفر حلاً لهذا التحدي المعقد. فتحديد المعايير عمل شاق، تمامًا كما إدراك حقوق الإنسان وترجمتها على أرض الواقع.ولكن من الواضح تمامًا أن التغلب على هذه التحديات يتطلب من مجتمعات الخبراء المختلفة أن تبذل جهودًا متّسقة ومتضافرة.يجب ترسيخ الشفافية في صميم جهودنا الرامية إلى إدماج حقوق الإنسان في عملية تحديد المعايير.

لقد سبق وأنجزت منظماتكم عملًا استثنائيًا في تحسين   الوصول إلى المعلومات.لكن، لا بدّ من بذل المزيد من الجهود، تمامًا كما بيّنته جليًا مشاورات خبرائنا الأخيرة. من خلال التواصل بصورة استباقية مع المجتمعات التي من المحتمل أن تتأثر بأي معيار جديد.

ومن خلال إعداد الوثائق التفسيرية، بما في ذلك أثناء عملية الصياغة، وإتاحتها بسهولة أمام الجمهور، من دون فرض رسوم باهظة للوصول إليها. ومن خلال عقد مشاورات عامة أو تعزيزها. ومن خلال شمل عدد أكبر في الأصوات المتنوّعة، لا سيما أصوات النساء والشباب وسكان بلدان الجنوب، ومن دون إهمال الفئات المهمشة والأكثر ضعفًا في مجتمعاتنا[16].إن انخراط النساء والفتيات في هذا المجال على وجه التحديد، أمر بالغ الأهمية. فقد أشارت الكاتبة والناشطة في مجال حقوق المرأة كارولين كريادو بيريز قائلة: “الحقيقة هي أن القيمة مسألة رأي، والرأي مستمد من الثقافة. فإذا كانت هذه الثقافة متحيزة للذكور مثل ثقافتنا، لا يسعها إلا أن تكون متحيزة ضد المرأة. بصورة تلقائية.”

وهذا لا يقل صحة في عالم التكنولوجيا والتقنيات الرقمية. علينا أن نكافح هذه الثقافة بكلّ ما أوتينا من قوّة. وفيما تنمو مشاركة المرأة، جزئيًا بفضل برامج الدعم التي بدأتها بعض هيئات تحديد المعايير، نحتاج إلى تكثيف الجهود لتحقيق المساواة بين الجنسين.

كما أنّ بذل العناية الواجبة لمراعاة حقوق الإنسان وتقييم الأثر يشكّل جزءًا لا يتجزأ من عمليات تحديد المعايير، بناءً على المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان ومعايير حقوق الإنسان الأخرى.وعبر استخدام هذه الأدوات، يمكننا أن نطوّر معًا مناهج مبتكرة لتحديد المعايير، مع ترسيخ حقوق الإنسان في صميمها.

فعلى سبيل المثال، بإمكان الآليات على غرار فريق التنسيق المعني ببرنامج توحيد المقاييس أن تدمج عمليات استعراض حقوق الإنسان وتقييم الأثر بطريقة منهجية. كما أعتقد اعتقادًا راسخًا أن دمج خبراتنا هو من أذكى الخطوات التي يمكننا اتخاذها بغية التصدّي لجميع التحديات التي ستعالجها مناقشتكم هنا اليوم. فإذا عملنا جنبًا إلى جنب بهدف تعزيز ودعم حقوق الإنسان في التكنولوجيات الجديدة والناشئة، يمكننا بدءًا من اليوم أن نخفف من موجة المخاطر التي تواجهنا اليوم وستواجهنا في المستقبل.وتتمثل مسؤوليتنا الجماعية تجاه الأجيال الحالية والمستقبلية في الحد من الأضرار التي يمكن أن تحدثها التكنولوجيات الرقمية وتسخير إمكاناتها الهائلة خدمةً للخير والطالح العام، في موازاة صون الكرامة والسلامة والحماية الصارمة لحقوق الإنسان باعتبارها المنارة التي تضيء طريقنا.[17]

وفي ذات السياق ، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إنه يشعر بقلق متزايد إزاء قدرة التقنيات الرقمية على إعادة تشكيل المجتمعات والتأثير على السياسة العالمية، داعيا إلى حوكمة الذكاء الاصطناعي التوليدي ترتكز على حقوق الإنسان. وفي كلمته اليوم الخميس أمام قمة الذكاء الاصطناعي التوليدي وحقوق الإنسان، قال فولكر تورك إن ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي يشكل مفارقة على صعيد التقدم، مشيرا إلى أنه يمكن أن “يحدث ثورة في الطريقة التي نعيش بها، ونعمل، ونحل بعض التحديات الأكثر تعقيدا التي نواجهها. ومن ناحية أخرى، فهو يزيد من المخاطر العميقة التي يمكن أن تقوض كرامة الإنسان وحقوقه”.

وأضاف أن هذا الأمر يزيد من أهمية ضمان إدراج حقوق الإنسان في صميم دورة حياة تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، مع بذل جهود متضافرة من جانب الحكومات والشركات لإنشاء أطر فعالة لإدارة المخاطر، وكوابح على صعيد عملية تشغيله. وحذر من أن حملات التزييف الرقمي والتضليل الإعلامي يمكن أن تلعب دورا في الانتخابات حيث من المقرر إجراء 70 عملية انتخابية في 2024 في دول يعيش فيها 4 مليارات شخص، مشددا على أنه “من الضروري أن نقف كركيزة منيعة ضد المعلومات المضللة والتلاعب”.

وأكد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان على ضرورة أن يكون هناك “تقييم شامل” للمجالات المتعددة التي قد يكون للذكاء الاصطناعي فيها تأثير تحويلي، بما في ذلك التهديدات المحتملة لعدم التمييز، والمشاركة السياسية، والقدرة على الوصول إلى الخدمات العامة، وتآكل الحريات المدنية. وأعرب عن السرور إزاء إطلاق مشروع الأعمال التجارية و وحقوق الإنسان والتكنولوجيا (B-Tech) “الذي يمكن أن يساهم في فهم أوسع للمخاطر الحالية والناشئة”.

وتحدث كذلك عن أهمية المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان للأمم المتحدة والمبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لتوفير حواجز حماية قوية للدول والشركات، مما يمهد الطريق للتطوير المسؤول للذكاء الاصطناعي. لكنه شدد على أن تلك المبادئ لن تكون كافية وحدها لمواجهة التحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي، مضيفا أن احتمالات إساءة استخدام تلك التقنيات من قبل الدول، أو العصابات الإجرامية، تتطلب مجموعة من الأطر القانونية والتنظيمية ومتعددة الأطراف، التي يجب أن ترتكز على المعايير الدولية لحقوق الإنسان.[18]

وشدد فولكر تورك على الحاجة لأن تقوم جميع الدول بحماية الأفراد من انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن الذكاء الاصطناعي، “وهذا يعني أن جميع الدول بحاجة إلى مواءمة أطرها التنظيمية مع التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان”.وتحدث أيضا عن دور الشركات قائلا إنه ينبغي لها التأكد من أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي والعمليات التشغيلية ونماذج الأعمال لديها تضمن احترام حقوق الإنسان.

وقال تورك إن الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس ظاهرة محلية أو وطنية، “بل سيكون لها تأثير على الجميع”، وسيتطلب نهجا عالميا وتعاونيا. وأضاف “يتعين علينا أن نتأكد من أن حماية حقوق الناس تقع في قلب هذا النهج”. وشدد على أن التعاون يجب أن يوحد الدول والشركات والمجتمع المدني والأفراد من خلال “مهمة مشتركة، وهي التأكد من أن الذكاء الاصطناعي يخدم المصالح المثلى للبشرية، والمشاركة في خلق عالم لا تخدم فيه التكنولوجيا مصالح الأثرياء والأقوياء فحسب، وإنما أيضا تمكن النهوض بكرامة الإنسان وحقوقه”.[19]

المبحث الثاني: قيمة القرار الأممي للذكاء الاصطناعي من طرف المبادرة الاستراتيجية بين الرباط وواشنطن

إن الذكاء الاصطناعي مرتبط بحياة الأفراد، فإنه من جهة، يسهم بمنح البشر فرص جديدة لتحسين حياة الأفراد وتمكينهم من التمتع بمعايير أفضل لحياة كريمة، فكما نعلم فإن المعيار الأساسي لحماية حقوق الإنسان هو تمكين الأفراد من التمتع بالكرامة الإنسانية. إلا أنه من جهة أخرى، يفرض الذكاء الاصطناعي على المجتمعات البشرية تحديات وإشكاليات عديدة مستجدة قد تهدد حقوقهم وحرياتهم الأساسية بشكل مباشر أو غير مباشر. والبد لنا من التعرف على هذه الفرص والمخاطر في حدود عالقة الذكاء الاصطناعي بالفرد عن طريق تحديدها وتقييم تأثير هذه الفرص والتحديات على حقوق الأفراد وحرياتهم.

وتبعا لذلك، سوف نتطرق إلى قدسية ومكانة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الذكاء  الاصطناعي في المطلب الأول و الرهانات الأربعة الاستراتيجية لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة  بشأن الذكاء الاصطناعي في المطلب الثاني.

المطلب الأول: قدسية ومكانة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي

لقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الخميس 21 مارس 2024، بتوافق الآراء، أول قرار أممي بشأن الذكاء الاصطناعي كان قد حظي في البدء برعاية المغرب والولايات المتحدة الأمريكية قبل أن يحصل على دعم 123 دولة عضوا حين اعتماده. وجرى تقديم هذا القرار الذي تمت صياغته تحت عنوان “اغتنام الفرص التي تتيحها أنظمة الذكاء الاصطناعي الآمنة والموثوقة من أجل التنمية المستدامة”، يوم الخميس الماضي أمام الصحافة الدولية، من قبل السفيرة الممثلة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، ونظيرها المغربي، السفير عمر هلال.ويشدد هذا القرار المتوافق بشأنه على الحاجة إلى مواصلة المناقشات حول مناهج الحكامة الملائمة للذكاء الاصطناعي التي ترتكز على القانون الدولي، والشاملة والمصممة لتلبية الاحتياجات والقدرات المختلفة للبلدان المتقدمة والنامية .ويدعو القرار الدول الأعضاء، على وجه الخصوص، إلى تعزيز أنظمة الذكاء الاصطناعي الآمنة والموثوقة لمواجهة أكبر التحديات التي يواجهها العالم، بما في ذلك تلك المتعلقة بالقضاء على الفقر، والصحة العالمية، والأمن الغذائي والمناخ والطاقة والتعليم.وكانت المملكة المغربية الدولة الإفريقية والنامية الوحيدة التي شاركت في المؤتمر الصحفي الذي انعقد بعد الاعتماد التاريخي لهذا القرار، وذلك إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة واليابان وهولندا وسنغافورة.وفي كلمة لها خلال المؤتمر الصحفي، أشادت السفيرة ليندا توماس غرينفيلد بتوافق الآراء بشأن هذا النص غير المسبوق، مؤكدة أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة تحدثت بصوت واحد لصالح حكامة هذه التكنولوجيا الجديدة.وقالت إن هذا القرار “الثوري والشامل” يعزز التوافق العالمي حول أنظمة ذكاء اصطناعي آمنة وموثوقة تعزز التنمية المستدامة وتحترم الحريات الأساسية، مشيرة إلى أن أكثر من 120 دولة تمثل مختلف مناطق العالم وجميع مستويات التنمية قد قدمت دعمها لهذا النص.وأشارت الدبلوماسية الأمريكية، في هذا السياق، إلى أن المغرب كان راعيا رئيسيا لهذا القرار، وهو أمر غير مسبوق في سجلات الأمم المتحدة.ويشهد اختيار الولايات المتحدة الأمريكية للمغرب كمشارك رئيسي في رعاية هذا القرار على متانة وقوة الشراكة الاستراتيجية والتاريخية متعددة الأبعاد القائمة بين الرباط وواشنطن.

كما يعكس المصداقية والثقة والاحترام اللذين تحظى بهما المملكة المغربية على المستوى الأممي والدولي، تحت القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.من جانبه، نوه السفير هلال بهذا القرار التاريخي والتوافقي والذي يعد ثمرة عملية تفاوضية تشاركية وشاملة.وشدد على أن المغرب يتشرف بالمشاركة في تقديم هذا القرار التاريخي والتفاوض بشأنه منذ انطلاق تصوره، مشيرا إلى أن هذا القرار الأول بشأن الذكاء الاصطناعي سيظل محفورا في سجلات المنظمة المتعددة الأطراف.

وأشار السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة إلى أن الذكاء الاصطناعي يقدم العديد من المزايا للبلدان النامية، خاصة في إفريقيا، في مختلف مجالات التنمية المستدامة، مسجلا أنه لهذا السبب حرص المغرب على توحيد جهوده مع الولايات المتحدة في هذه العملية الهامة، بهدف تعزيز حوار بناء حول الذكاء الاصطناعي بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمساعدة على ضمان أن تكون هذه التكنولوجيا الجديدة في خدمة الصالح العام للإنسانية.كما أكد على أن عملية التفاوض هذه أسفرت عن قرار متوازن وتوافقي يؤسس لرؤية مشتركة يمكن من خلالها لأنظمة الذكاء الاصطناعي سد الفجوات الاجتماعية والرقمية والاقتصادية بين الدول المتقدمة والدول النامية.ويتعلق الأمر أيضا، يضيف السيد هلال، بقرار يدعو إلى المشاركة والتمثيل الفعالين والمنصفين والهادفين للبلدان النامية في العمليات والمنتديات الدولية بشأن حكامة أنظمة الذكاء الاصطناعي، ويدعو إلى تحسين ربط البنية التحتية الرقمية والولوج إلى الابتكارات التكنولوجية من خلال شراكات أقوى.كما أشار السيد هلال إلى أن هذا القرار يوصي بزيادة التمويل المخصص للبحث والابتكار المرتبط بأهداف التنمية المستدامة في مجال التكنولوجيات الرقمية وأنظمة الذكاء الاصطناعي.وبالنسبة للدبلوماسي المغربي، فإن هذا القرار ليس غاية في حد ذاته، بل بداية مشروع جماعي لتشكيل أنظمة ذكاء اصطناعي آمنة وموثوقة لتحقيق التنمية المستدامة، والتي لا تترك أحدا يتخلف عن الركب.[20]

المطلب الثاني: الرهانات الأربعة الاستراتيجية لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي

قال السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، إن أول قرار للأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي، من تقديم المغرب والولايات المتحدة، “تاريخي” ويرسي تحركا دوليا من أجل إدارة وحكامة دولية مشتركة للذكاء الاصطناعي. وسلط السيد هلال، في تصريح لقناة Medi1 TV، الضوء على الرهانات الأربعة الرئيسية لهذا القرار الذي ستعتمده الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الخميس. وأوضح أن الرهان الأول ذو طبيعة سياسية، لأنه “حان الأوان للتوصل إلى إجماع أممي حول تصور جماعي ومشترك وليس منقسم” حول الذكاء الاصطناعي، في مواجهة انتشار اللوائح والمبادرات التي لوحظت خلال السنوات الأخيرة.

وأضاف أن الرهان الثاني يتعلق بحتمية التوفر على رؤية مشتركة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي ينبغي أن تكون موثوقة وشاملة وتتمحور حول الإنسان، وموجهة نحو التنمية وتستند إلى القانون الدولي، مشيرا إلى أن الرهان الثالث يهم ضرورة تعزيز حوار شامل بين البلدان والشركاء ومختلف الأطراف المعنية (الشركات، مختبرات البحوث والقطاع الخاص ..).وفيما يتعلق بالرهان الرابع، قال السيد هلال إنه يتعلق بتحقيق استخدام أمثل للذكاء الاصطناعي من أجل تنفيذ الأهداف الإنمائية. وقال السيد هلال إنه “إذا تمكنا من تحقيق استفادة قصوى من الذكاء الاصطناعي، فإن الدول النامية، على وجه الخصوص، ستربح الوقت وستوفر المال والطاقة والموارد البشرية”.

وخلال رده على سؤال بخصوص إمكانات الذكاء الاصطناعي كرافعة استراتيجية للتنمية بإفريقيا والمغرب، أشار السيد هلال إلى أن القارة السمراء “متأخرة بشكل كبير” في مجال التكنولوجيات الحديثة بشكل عام، والذكاء الاصطناعي بشكل خاص، مؤكدا أن هذا القرار الأممي يأتي لمساعدة البلدان النامية وجميع بلدان الجنوب على تقليص هذه الفجوة والتعاون معا

وأبرز أن مجالات التعاون تشمل، على الخصوص، نقل التكنولوجيات، وتمويل تطوير الذكاء الاصطناعي، والاستغلال الجماعي للتطبيقات، فضلا عن قطاعات مختلفة أخرى كالفلاحة، والصحة، ومكافحة تغير المناخ، والفقر، والأمن الغذائي. ومن جهة أخرى، أشار الدبلوماسي المغربي إلى أنه ينبغي للبلدان النامية بشكل عام، وإفريقيا بشكل خاص، ألا تتأخر في التنفيذ، لاسيما فيما يتعلق باعتماد الذكاء الاصطناعي، لأنه ” يخدم تنميتها”.

وأضاف أن “المغرب، الذي كان مناصرا للدول النامية وخاصة الإفريقية خلال التفاوض حول هذا القرار”، يحتل موقعا رياديا في مجال الذكاء الاصطناعي على المستوى القاري، موضحا أن المملكة تتوفر بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية على المركز الدولي للذكاء الاصطناعي  A I Movement) ) الأول من نوعه بإفريقيا. وذكر بأن هذا المركز يعد رائدا في مجال البحث وتقاسم التجربة المغربية في هذا المجال مع الدول الشقيقة والصديقة، مبرزا أن المملكة ستستقبل، خلال شهر يونيو المقبل، القمة الأولى للذكاء الاصطناعي، التي ستنظم بشراكة مع اليونسكو.وخلص إلى القول “نحن سباقون وديناميون ومتضامنون مع بلدان الجنوب، التي تقع تنميتها في صلب استراتيجية صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل قارة تتولى زمام أمورها”.[21]

 

الخاتمة:

وبناء على ذلك، يتضح أن الذكاء الاصطناعي أصبح ورشا مفتوحا أمام الدول والأمم والشعوب، وذلك بالنظر أولا إلى التحديات المطروحة على الأصالة والقيم وحقوق الإنسان ، وكذا الصعوبات التي تواجه القانون الدولي، على ضوء تطور أشكال النزاعات المسلحة وظهور الحروب الهجينة واستعمال أسلحة الذكاء الاصطناعي.، وبالنظر ثانيا إلى صعوبة تحديد الطبيعة القانونية للذكاء الاصطناعي.

ولقد وصل الذكاء الاصطناعي إلى الصناعة القانونية في دول العالم المتقدم وهو بلا شك قادم لا محالة  إلى دولنا العربية وسيعمل الذكاء الاصطناعي على توفير الوقت بشكل عام والتخلص من أكوام الأعمال الورقية التي يتعين على المتخصصين القانونيين الغوص فيها كل يوم. فعن طريق تبسيط المهام المتكررة، يمكن للقانونيين إعادة توجيه وقتهم نحو تأثيرات ذات قيمة أعلى مثل الإبداع القانوني.

وسواء كنت تشارك في أي ممارسة قانونية، أو تعمل في مكاتب المحاماة أو ربما تريد ببساطة مقاضاة شخص ما، يمكن أن تساعد برامج الذكاء الاصطناعي القانونية في تسهيل هذه الأمور. وسوف يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي للشؤون القانونية على الحصول على نظرة أعمق حول كيفية استخدام برامج الذكاء الاصطناعي القانونية. كما سيدخل الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، وهو أحد مجالات العمل التي تتضمن أكبر قدر من المهام المتكررة التي تستغرق وقتًا طويلاً لمعالجتها. الوقت هو أحد الأصول الأكثر قيمة للقانونيين، ومن الضروري استخدامه بحكمة. ويقضي المتخصصون القانونيون الكثير من الوقت في القيام بالمهام الإدارية مثل صياغة الاقتراحات، والمكالمات الهاتفية، وإجراءات مراجعة المصاريف القانونية للدعاوي، ومراجعة المستندات، وما إلى ذلك. والأمر لا يسير بسهولة على الإطلاق، فالقانون صارم تمامًا في إطاره الرسمي، لذا فإن فكرة إسناد العمل القانوني بالكامل إلى الكمبيوتر تثير القلق بشأن الدقة. ولكن لا داعي للقلق بشأن ذلك، سوف يتم تطوير الذكاء الاصطناعي، وسيتم دعم الذكاء الاصطناعي بالبرامج والأدوات القانونية المماثلة للذكاء البشري واستخدم التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية.

ومثل الذكاء الاصطناعي في أي مجال آخر، سيركز الذكاء الاصطناعي في القانون على مجموعة متنوعة من الميزات، وفيما يلي بعض أهم الميزات التي يجب مراعاتها عند اختيار مساعدك القانوني المعتمد على الذكاء الاصطناعي. كما أن صياغة المستندات – الذكاء الاصطناعي معروف على نطاق واسع بتطوره في الكتابة، ففي المجالات القانونية، تستهلك المهام المتكررة مثل صياغة المستندات الوقت.

ولتوفير الوقت والتكلفة وتوفير المعلومات ذات الصلة التي قد يستغرق البحث عنها ساعات، يقوم برنامج الذكاء الاصطناعي القانوني بصياغة المستندات القانونية في غضون دقائق.

أما الموارد فسوف يتم تحسين إدارة المستندات القانونية المعقدة مثل القوانين واللوائح، وسجلات المحكمة من خلال المكتبات الإلكترونية، ودراسات حالة، ومصادر أخرى للمعلومات القانونية. كما أن التحليلات – سيوفر الذكاء الاصطناعي الاطلاع على تحليلات البيانات القانونية ذات الصلة. والذي سوف يعمل هذا على تحسين الاستراتيجيات من خلال الرؤى المستندة إلى البيانات في البيئات القانونية والمهنيين مثل المحاكم و شركات المحاماة مما يساعد القضاة والمحامين على دراسات الحالة عبر مجالات الممارسة القانونية المختلفة.

فلم يعد هناك داعي للانتظار لفترة طويلة من باستخدام أساليب علم البيانات التقليدية لجمع المعلومات الأساسية.

إن البحث القانوني – قد يستغرق الأمر وقتًا طويلاً إذا لم يكن لدى مكاتب المحاماة خبير متخصص في المجال الذي يتعين عليهم إجراء بحث قانوني فيه. البحث القانوني ضروري لأي نوع من القضايا تقريبًا وهو أمر بالغ الأهمية لتحريك العملية القانونية في معظم الأوقات.

ومن خلال البحث القانوني الآلي، يمكن للمحامين جمع المعلومات في بضع دقائق وطرح الأسئلة ذات الصلة بالقضية.  أضف إلى ذلك مراجعة المستندات التي توفر بعض برامج الذكاء الاصطناعي القانونية ميزات مراجعة المستندات، مع تخصص مثل حل أتمتة مراجعة العقود. يؤدي هذا إلى القضاء على أي خطأ قد لا يلاحظه العين البشرية في المستندات وتعزيز المطالبات من خلال توفير الاستشهادات القانونية ذات الصلة.  الخبرة البشرية – لا يزال الذكاء الاصطناعي يتطلب التدخل البشري لتحقيق نتائج دقيقة وذات مصداقية. فبرامج الذكاء الاصطناعي القانوني يتم بذل جهد كبير في تطويرها من خلال توظيف متخصصين قانونيين لإدخال أو تحسين البيانات القانونية المجمعة بما يضمن أن النتيجة التي يتم إنتاجها عالية الدقة. وتكامل سير العمل – تقوم برامج الذكاء الاصطناعي بتبسيط سير العمل لتحسين إدارة العمل ودورته. وتطبيق الهاتف المحمول – تقدم برامج الذكاء الاصطناعي القانونية خدماتها القانونية كتطبيق للهاتف المحمول، ويمكن لأجهزة Apple وAndroid تنزيل تطبيقات الهاتف المحمول هذه واستخدام نفس ميزات الذكاء الاصطناعي القانونية كما تفعل على الكمبيوتر المحمول أو الجهاز اللوحي.

و في الختام، سيلعب الذكاء الاصطناعي دوراً كبيراً في تطوير الصناعة القانونية لاسيما في المهام المتكررة و سيقضي علي التباطؤ في الكثير من الإجراءات القانونية و القضائية ، و علي القانونيين أن يسارعوا للتعرف علي هذه التكنولوجيا الجديدة و استخدامها في تطوير العمل القانوني و القضائي، فنحن لا نملك أن نقف ضد عجلة الزمن و تطور التكنولوجيا و لكن نملك أن نستخدمها من اجل حياة أفضل لمجتمعاتنا.

كما أن في إطار سلسلة ندواته بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط في دورته 27، المنظمة من 2 إلى 12 يونيو 2022، عرف رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يومه السبت 04 يونيو 2022، تنظيم ندوة تم خلالها تسليط الضوء على موضوع  “الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان”. وعرفت الندوة مشاركة الأستاذين الجامعيين صلاح باينة وعبدالمجيد الوديع، اللذين سلطا الضوء على مجموعة من المحاور من بينها: تكنولوجيا الرقمنة والذكاء الاصطناعي واستخداماته والتحديات التي يطرحها في مجال حقوق الإنسان، واقع وآفاق استخدام الذكاء الاصطناعي في الإدارات العمومية والمقاولات، وتعزيز الممارسات الفضلى في الفضاء الرقمي لمحاربة التحريض على العنف والتمييز والعنصرية وخطاب الكراهية، ونشر الأخبار الزائفة، فضلا عن استخدام المعطيات الشخصية التي قد تمس وتنتهك الحياة الخاصة، الخ.

 

وفي تعريفه لمفهوم الذكاء الاصطناعي، أوضح السيد صلاح باينة أنه شعبة من شعب الإعلاميات تمكن من تدبير اتخاذ القرارات بناء على المعطيات المستقاة، مشددا على حتمية تفاعل الإنسان مع الذكاء الاصطناعي لأنه بات يفرض نفسه بشكل متزايد.  وفي علاقة هذا الأخير بحقوق الإنسان، أشار السيد باينة إلى أن الثورة الرقمية ليست آلية للمعرفة والترفيه فحسب بل أضحت آلية يمكن استثمارها للنهوض بمختلف حقوق الإنسان وحمايتها (حرية التعبير، احترام الحياة الخاصة للأفراد، الحق في التعليم، الحق في الصحة….). ومن جهة أخرى، أوضح السيد باينة أن اعتماد الذكاء الاصطناعي، كآلية لاتخاذ القرار، يحتمل الوقوع في أخطاء يمكن أن تؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان في مختلف تجلياتها، موضحا أن السبيل الأنسب لتلافي سلبيات وتحديات الذكاء الاصطناعي يكمن في توخي الحذر واليقظة من خلال تعزيز المعرفة ومواكبة مستجدات المجال وتبني الممارسات الفضلى الكفيلة بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، إلخ. وبخصوص استعمال الذكاء الاصطناعي في مجال الخدمات والإدارات العمومية، أوضح السيد باينة أن تدبير البيانات الضخمة أضحى حاجة ملحة في ظل التحول الرقمي والتكنولوجي، مبرزا أن الجائحة فرضت على الدول تغيير ممارساتها في تدبير الشأن العام في جميع القطاعات من خلال تعزيز الاستخدام الرقمي للمعطيات الخاصة بالمواطنين وفق مقاربة تراعي حقوق الإنسان، مؤكدا أن اعتماد آليتي اليقظة والحق في التظلم معطى أساسي لتعزيز هذه المقاربة.

وفي مداخلته في هذه الندوة التي سيرتها السيدة رجاء بنسعود، أستاذة وباحثة في المجال الرقمي، أوضح السيد عبد المجيد الوديع أن ما يتيحه التحول الرقمي من إمكانيات مفتوحة يستدعي منا التفكير في التحديات المستقبلية التي قد تطال مجموعة من الحقوق وتعزيز الوعي بالمعرفة الرقمية ودمقرطة الوصول إلى المعلومة. وفي علاقة الذكاء الاصطناعي بالإدارات العمومية والمقاولات، أوضح السيد الوديع أهمية الذكاء الاصطناعي والفضاء الرقمي في النهوض بالإنتاجية منبها في الوقت ذاته إلى التحديات التي يطرحها الموضوع على المستوى الحقوقي (حقوق العاملين، التوظيف، التواصل،..) وما يتطلبه ذلك من يقظة وتوعية. كما يذكر أن التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان لسنة 2021 قد قدم مجموعة من التوصيات في مجال الذكاء الاصطناعي والرقمنة تتعلق بتعزيز سبل الانتصاف القضائية وغير القضائية للمواطنات والمواطنين، وضرورة أخذ حماية حقوق الإنسان بعين الاعتبار، ولاسيما الحق في الخصوصية والمعطيات الشخصية والأمن عند تصميم التطبيقات والخوارزميات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.كما وافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة 2 فبراير 2024على تشريع غير مسبوق على المستوى العالمي لتنظيم الذكاء الاصطناعي بعد مفاوضات مكثفة بشأن التوازن بين حرية الابتكار والحفاظ على الأمن، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.

فقد أعلن سفراء الدول السبع والعشرين “بالإجماع” عن الاتفاق الذي توصلوا إليه في ديسمبر الماضي بين الدول وأعضاء البرلمان الأوروبي، وفقا لما أعلنته الرئاسة البلجيكية لمجلس الاتحاد الأوروبي. وكانت المفوضية الأوروبية قدمت مشروعها الذي يحمل عنوان “قانون الذكاء الاصطناعي” في أبريل/نيسان2021، وأعطاها ظهور برنامج “شات جي بي تي” المطور من شركة “أوبن إيه آي” الناشئة في كاليفورنيا نهاية عام 2022، بعدا جديدا، مما ساهم في تسريع المناقشات. وكشف هذا النظام -على غرار أنظمة أخرى قادرة على إنشاء الأصوات أو الصور أو النصوص- أمام عموم المستخدمين عن الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي، لكن هذه التكنولوجيا تترافق أيضا مع مخاطر مختلفة، تشمل نشر صور زائفة تبدو واقعية للغاية، مما يثير مخاوف من الإمكانات الكبيرة للتلاعب بالرأي العام. ورحب المفوض الأوروبي المسؤول عن هذا الملف تييري بريتون بالتشريع “التاريخي وغير المسبوق على مستوى العالم”، وقال: “لقد أثار قانون الذكاء الاصطناعي اهتماما كبيرا لأسباب محقة. اليوم وافقت الدول على الاتفاق السياسي الصادر في ديسمبر ، معترفة بالتوازن المثالي الذي وجده المفاوضون بين الابتكار والأمن”.

 

بالإضافة إلى ذلك، فقد أصدر الاتحاد الأوروبي في أبريل 2019 مجموعة من الإرشادات حول الكيفية التي يجب للشركات والحكومات اتباعها عند تطبيقات الذكاء الاصطناعي وهي على النحو التالي:

-التحكم والرقابة البشرية لأنظمة الذكاء الاصطناعي بحيث لا ينبغي التلاعب بالأشخاص أو إكراههم بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي، ويجب أن يكون البشر قادرين على التدخل والإشراف على كل قرار يتخذه الذكاء الاصطناعي.

 

لائحة المراجع:

المقالات

  • إحسان عبد الجليل، الذكاء الاصطناعي في حقوق الإنسان، مجلة الجامعة العراقية، العدد 65، بدون سنة النشر.
  • زينب ضيف الله، الذكاء الاصطناعي والقانون، مجلة القانون والعلوم البيئية، العدد 3، 2023.
  • مفتاح سعودي، الذكاء الاصطناعي: الإنسان والآلة صراع بين الطبيعة والعلم، مجلة التعليمية، العدد03، 2023.
  • سيد ظريف عطا سيد، الموقف الفقهي والقضائي والتشريعي حول مدى تمتع تقنيات الذكاء الاصطناعي بالشخصية القانونية (دراسة مقارنة)، مجلة الدراسات القانونية، العدد61، سبتمبر 2022.
  • عبد المالك أشواق، الذكاء الاصطناعي وأثره على المنظومة القانونية، مجلة القانون والعلوم البيئية، العدد2، 2023.
  • عماد عبد الرحيم الدحيات، نحو تنظيم قانوني للذكاء الاصطناعي في حياتنا: إشكالية العلاقة  بين البشر والآلة، مجلة الاجتهاد للدراسات القانونية والاقتصادية، العدد5، 2019.
  • عمرو راجب السيد الصادق، ثر الذكاء الاصطناعي علي القيم وحقوق الإنسان: الحق في حماية البيانات الشخصية، مجلة بنها للعلوم الإنسانية، العدد 2، 2023.
  • خالد محمد حسن، انعكاسات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على القانون الدولي، مجلة الدراسات القانونية، العدد59، مارس 2023.

 

الوثائق الرسمية:

  • مداخلة مفوض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك، حوكمة الذكاء الاصطناعي التوليدي، يوم 30 نوفمبر 2023.
  • مداخلة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك بمناسبة الدورة ال53 لمجلس حقوق الإنسان ، يجب ترسيخ حقوق الإنسان في صلب الذكاء الاصطناعي، يوم 12 يوليوز 2023.
  • مداخلة مفوض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك، التحالف من أجل المعايير العالمية، يوم 24 فبراير 2023.

 

البرامج التلفزيونية:

  • مداخلة أمين سامي، بمبادرة مغربية أمريكية اعتماد أول قرار أممي حول الذكاء الاصطناعي، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 22 مارس 2024.
  • مداخلة محسن لخديسي، بمبادرة مغربية أمريكية اعتماد أول قرار أممي حول الذكاء الاصطناعي، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 22 مارس 2024.
  • مداخلة محمد سعيد الوافي، أهمية اعتماد القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي، مشاركة في برنامج قناة ميدي 1 تيفي، يوم 22 مارس 2024.

 

الإحالات:

[1] خالد محمد حسن، انعكاسات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على القانون الدولي، مجلة الدراسات القانونية،  العدد59، مارس 2023 ،ص:814. وللمزيد من التوضيح راجع سيد ظريف عطا سيد، الموقف الفقهى والقضائى والتشريعى حول مدى تمتع تقنيات الذكاء الاصطناعي بالشخصية القانونية(دراسة مقارنة)، مجلة الدراسات القانونية، العدد61، سبتمبر 2022، ص:418.

[2] إحسان عبد الجليل، الذكاء الاصطناعي في حقوق الإنسان، مجلة الجامعة العراقية، العدد 65، بدون سنة النشر، ص:78. وللمزيد من تسليط الضوء راجع عبد المالك أشواق، الذكاء الاصطناعي وأثره على المنظومة القانونية، مجلة القانون والعلوم البيئية، العدد2، 2023،ص:546.

[3] زينب ضيف الله، الذكاء الاصطناعي والقانون، مجلة القانون والعلوم البيئية، العدد 3، 2023،ص:370.

[4] مداخلة محمد سعيد الوافي، أهمية اعتماد القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي، مشاركة في برنامج قناة ميدي 1 تيفي، يوم 22 مارس 2024. وللمزيد من تسليط الضوء راجع عماد عبد الرحيم الدحيات، نحو تنظيم قانوني للذكاء الاصطناعي في حياتنا: إشكالية العلاقة بين البشر والآلة، مجلة الاجتهاد للدراسات القانونية والاقتصادية، العدد5، 2019،ص: 15.

[5] عمرو راجب السيد الصادق، أثر الذكاء الاصطناعي علي القيم وحقوق الإنسان : الحق في حماية البيانات الشخصية، مجلة بنها للعلوم الإنسانية، العدد 2، 2023،ص:890. وللمزيد من التوضيح راجع مفتاح سعودي، الذكاء الاصطناعي: الإنسان والآلة صراع بين الطبيعة والعلم، مجلة التعليمية، العدد03، 2023،ص:400.

[6] مداخلة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك بمناسبة الدورة ال53 لمجلس حقوق الإنسان ، يجب ترسيخ حقوق الإنسان في صلب الذكاء الاصطناعي، يوم 12 يوليوز 2023.

[7] مداخلة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك بمناسبة الدورة ال53 لمجلس حقوق الإنسان ، يجب ترسيخ حقوق الإنسان في صلب الذكاء الاصطناعي، يوم 12 يوليوز 2023.

[8] مداخلة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك بمناسبة الدورة ال53 لمجلس حقوق الإنسان ، يجب ترسيخ حقوق الإنسان في صلب الذكاء الاصطناعي، يوم 12 يوليوز 2023.

[9] مداخلة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك  بمناسبة الدورة ال53 لمجلس حقوق الإنسان ، يجب ترسيخ حقوق الإنسان في صلب الذكاء الاصطناعي، يوم 12 يوليوز 2023.

[10] مداخلة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك بمناسبة الدورة ال53 لمجلس حقوق الإنسان ، يجب ترسيخ حقوق الإنسان في صلب الذكاء الاصطناعي، يوم 12 يوليوز 2023.

[11] مداخلة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك بمناسبة الدورة ال53 لمجلس حقوق الإنسان ، يجب ترسيخ حقوق الإنسان في صلب الذكاء الاصطناعي، يوم 12 يوليوز 2023.

[12] مداخلة مفوض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك، التحالف من أجل المعايير العالمية، يوم 24 فبراير 2023.

[13] مداخلة مفوض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك، التحالف من أجل المعايير العالمية، يوم 24 فبراير 2023.

[14] مداخلة مفوض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك، التحالف من أجل المعايير العالمية، يوم 24 فبراير 2023.

[15] مداخلة مفوض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك، التحالف من أجل المعايير العالمية، يوم 24 فبراير 2023.

[16] مداخلة مفوض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك، التحالف من أجل المعايير العالمية، يوم 24 فبراير 2023.

[17]مداخلة مفوض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك، التحالف من أجل المعايير العالمية، يوم 24 فبراير 2023.

 

[18] مداخلة مفوض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك، حوكمة الذكاء الاصطناعي التوليدي، يوم 30 نوفمبر 2023.

[19] مداخلة مفوض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك، حوكمة الذكاء الاصطناعي التوليدي، يوم 30 نوفمبر 2023.

[20] مداخلة محسن لخديسي، بمبادرة مغربية أمريكية اعتماد أول قرار أممي حول الذكاء الاصطناعي، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 22 مارس 2024.

 

[21] مداخلة أمين سامي، بمبادرة مغربية أمريكية اعتماد أول قرار أممي حول الذكاء الاصطناعي، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 22 مارس 2024.

قد يعجبك ايضا