الحق في الأمن

المعلومة القانونية – حميد ملاح،

باحث في العلوم القانونية،

لا يختلف إثنان في كون الحق في الأمن هو حق للجميع، ويشمل هذا الحق، حق الإنسان في الحياة، والحق في حماية ماله، وشخصه، وعرضه، وممتلكاته، وأهله، وأولاده (…).
وجاء في محكم الكتاب العزيز أن النبي إبراهيم عليه السلام لما خرج بزوجته هاجر وإبنه إسماعيل إلى مكة المكرمة، دعا ربه، قائلا : ” رب اجعل هذا بلدا آمنا “.(1) وقد إستجاب الله تعالى لدعوته فمن على هذا البلد بأعظم نعمة وهي نعمة الأمن، فقال تعالى : ” أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم”. (2) وقال تعالى مخاطبا قريش : ” فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”. (3)
في ذات السياق، أكد رسول الله عليه الصلاة والسلام ، على أهمية الأمن في حياة الناس ، فجعله قرين القوت والصحة ، فقال عليه الصلاة والسلام : “من أصبح آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده طعام يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا “.
من هنا يتبين لنا أهمية الأمن في الحياة البشرية، فهو من الحاجات الأساسية للفرد ، التي لا بقاء له بدونها، بمعنى أنه نعمة عظيمة لا توازيها نعمة من نعم الله عز وجل التي منَ بها على عباده المـؤمنين، ولا يمكن أن تتحقق هذه الحياة إلا بها فكل ضرورياتها وكمالياتها مرهونة بالأمن.
ولا شك أن الحق في الأمن من الحقوق الأساسية التي نصت عليها جل المواثيق الدولية، بخاصة المادة (03) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) التي نصت على الحق في الأمن والسلامة الشخصية و الطمأنينة للمواطن، كالتالي : ” لكل فرد حق في الحياة و الحرية و في الأمان على شخصه”. كذلك المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي جاء فيها بالحرف : ” لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه “.
وعليه، إن كفالة هذا الحق ضرورية لتمكين الفرد من ممارسة الباقي الحقوق والحريات الأخرى. فمن البديهي أن الشخص المقيد الحرية أو غير الآمن على نفسه وعرضه وماله لا يمكنه – على سبيل المثال – ممارسة حقه في حرية التنقل (…).
وبطبيعة الحال فبدون حماية هذا الحق فإن كافة الحقوق الأخرى المنصوص عليها في جل المواثيق الدولية تبقى معدومة الوجود ولا فائدة منها.
ولمزيد من الإيضاح، فلا وجود للحقوق دون توفير الأمن، لكون الحق في الأمن يشكّل الأساس في توفير وحماية وتعزيز بقية حقوق الإنسان الأخرى.
كما أن هذا الحق نصت عليه القوانين الوطنية بخاصة الدستور بإعتباره أسمى قانون في البلاد، في الفصل 21 و 22، ونص في الفصل 20 على الحق في الحياة.
من خلال عرض هذا التقديم يمكننا طرح الإشكالية الرئيسية التالية :
إلى أي حد نجح المشرع الدستوري المغربي في توفير حماية دستورية للحق في الأمن؟
وتتفرع عن الإشكالية الرئيسية مجموعة من الأسئلة الفرعية وهي كالأتي :
أي مستجدات لدستور 2011 فيما يخص الحق في الأمن؟
وما هي الضمانات التي أقرها دستور 2011 حول حماية هذا الحق ؟
وما هو دور المؤسسات الأمنية في ضمان حق الأمن؟
لتحليل هذا الموضوع، سوف نقوم بتقسيمه إلى فقرتين، الفقرة الأولى سنخصصها للحديث عن حق الأمن في الدستور المغربي في حين سنعالج في الفقرة الثانية دور الأجهزة الأمنية في حماية هذا الحق.
الفقرة الأولى : حق الأمن في الدستور المغربي
شكل دستور 2011 للمملكة المغربية قيمة نوعية في إتجاه توطيد دولة الحق و القانون، وجاء في تصديره الذي يعتبر جزء لا يتجزأ من الدستور، أن المملكة المغربية، وفاء لإختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.
وقد توج الإصلاح الدستوري بالمغرب بمكتسبات مهمة في مجال حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، ونص على حماية منظومتها، مع مراعاة طابعها الكوني وعدم قابليتها للتجزيء.
ولقد خص المشرع الدستوري الباب الثاني للحقوق والحريات، ونص على مجمل حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومنها الحق في الأمن.
ولا شك أن دسترة هذا الأخير يعتبر من أهم المكتسبات لما يحققه من تقدم وإزدهار وتنمية للبلاد بصفة عامة والبشرية بصفة خاصة، وجاء في الفصل 21 من الدستور ما يلي : ” لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته.
تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار إحترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع.”
إن السلطات العمومية يجب عليها حماية سلامة السكان، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع.
ونص الفصل 22 من الدستور على أنه : “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون”.
كما نص الفصل 20 على الحق في الحياة : ” الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق” . وبالتالي فعلى السلطات العمومية حماية سلامة المواطنين، ولا يجوز المس بسلامتهم الجسدية أو المعنوية، ولا معاملتهم معاملة قاسية أو لا إنسانية، ولا يمكن ممارسة التعذيب عليهم لأنه من أخطر الجرائم ويعاقب عليه القانون.
ومن المستجدات التي جاء بها دستور 2011 هو دسترة المجلس الأعلى للأمن الذي سيضمن لا محال للجميع الحق في الأمن، وحسب الفصل 54 يعتبر المجلس هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة.
وقد جاء المشرع بمجموعة من الضمانات الدستورية من أجل حماية المواطن من كل ما من شأنه أن يمس كرامته كإنسان وتوفير له الحق في الأمن. بحيث لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون. ويعد الإعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات، كما يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي إعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت، ويحق له الاستفادة في أقرب وقت ممكن من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون، وأن قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان. (الفصل 23) الحق في حماية حياته الخاصة ولا تنتهك حرمة المنزل، ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون ولا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها، ولا يمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضا، أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي، ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون. (الفصل 24). (4)
الفقرة الثانية : دور الأجهزة الأمنية في ضمان حق الأمن
ما من شك في أن الأمن جزء لا يتجزأ من المجتمع يؤدي وظيفة إجتماعية بالغة الأهمية، من خلال الحفاظ على النظام العام، ومحاربة الجريمة، وحماية سائر المواطنين، وصون مكتسبات الوطن، وترسيخ مبدأ سيادة القانون(5)، بمعنى أن رجال الأمن هم الذين يقع على كاهلهم عبء حماية الوطن والمواطنين و فرض إحترام القانون.
إن مؤسسة الأمن الوطني كمؤسسة عمومية مكلفة بحفظ النظام وحماية سلامة المواطنين وأمن ممتلكاتهم ومكافحة الجريمة والإرهاب نجحت في الدفاع عن القيم المقدسة للأمة ووضع حد لكل ما من شأنه المس بالمواطنين والوطن، معتمدة في ذلك منهجية في معالجة الأمور والتعامل مع المستجدات أسسها الحزم والشفافية والقرب والتواصل.(6)
ولهذا إعتمدت المديرية العامة للأمن الوطني كباقي المؤسسات الأمنية في العالم، مفهوم الشرطة المجتمعية باعتبارها أفضل الأساليب الحديثة لتطبيق فلسفة القرب والاستجابة لحاجيات المواطنين الأمنية اليومية بالسرعة المطلوبة وتكريس ثقافة الحوار والتواصل والتعاون الجاد مع الشرطة، مساهمة منها في تفعيل المفهوم الجديد للسلطة بالمشاركة.
والملاحظ هو أن الشرطة اليوم أصبحت شرطة جديد بثقافة جديدة وعصرية ذات كفاءة عالية ومجهزة بوسائل ومناهج علمية حديثة وشرطة مواطنة قريبة من كافة المواطنين وبدون تمييز ومعبأة لخدمته ومنفتحة على محيطها ومتواصلة مع مختلف الفاعلين وذات إلمام جيد بقيم ومبادئ حقوق الانسان.
في هذا الصدد، شرعت المديرية في تدريس مادة حقوق الإنسان والحريات العامة للعناصر المتدربة الوافدة على المعهد الملكي للشرطة و المدارس التابعة له، كما تم تدريسها في إطار برنامج التكوين المستمر لجميع العناصر الأمنية بالمملكة، ليكونوا في مقدمة الساهرين على إحترام الحقوق والحريات، ولتحصين موظفيها ضد أية إنزلاقات أو خروقات قد تمس بالحقوق والحريات الفردية والجماعية، وكذا بغرض إشاعة الثقافة الحقوقية في الوظيفة الشرطية، وبناء قدرات الموظفين وتأهيلهم في مجال التعاطي مع قضايا الحقوق والحريات، التي ينص عليها دستور 2011 .
في ذات السياق، وضعت المديرية العامة للأمن الوطني مجموعة من الآليات والوسائل لدعم التكوين في مجال حقوق الإنسان أبرزها إصدار مدونة لأخلاقيات رجال الشرطة تتلاءم و التزامات المغرب الوطنية والدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
الشرطة باعتبارها الجهاز الأمني القريب من المجتمع خول لها القانون مجموعة من الأدوار من أجل ضمان الحق في الأمن، وتتجلى هذه الأدوار في الدور الوقائي الذي تتكلف به الشرطة الإدارية، والزجري الذي هو من إختصاص الشرطة القضائية.
تسهر الشرطة الإدارية على إستتباب الأمن والحفاظ على النظام العام وإعادته إلى نصابه إذا أختل. وتعمل على تحقيق ثلاث عناصر مهمة، ألا وهي الأمن العام، الصحة العامة، والسكينة العامة.
ويعد الدور الوقائى هو جوهر العمل الشرطى، يكون من أجل الوقاية من الجريمة والحيلولة دون وقوعها، بتواجدها في الشوارع الرئيسية والأزقة والأحياء والمدرات وكل الأماكن التي يتواجد بها المواطنين.
في هذا الاطار، راهنت مصالح الأمن الوطني على تحقيق الفعالية والجاهزية في تدخلاتها الميدانية، من خلال خلق قاعات للقيادة والتنسيق المصحوبة بالمجموعات المتنقلة لشرطة النجدة، بهدف تدبير التدخلات الأمنية في الشارع العام والإستجابة الفورية لنداءات المواطنين.
إذا كان دور الشرطة الإدارية هو السهر على إستتباب الأمن والحفاظ على النظام العام ومنع أى إخلال بالأمن والسكينة والصحة العامة، فإن دور الشرطة القضائية لا يبدأ إلا عندما تفشل الشرطة الإدارية في مهمتها، أي عند وقوع الجريمة ،هنا  تتدخل الشرطة القضائية من أجل حل لغز الجرائم المرتكبة و الوصول إلى ظروف و ملابسات إرتكابها، أي بالتعرف على أسباب وقوع الجريمة، والتعرف على مرتكبيها. وهذا ما نصت عليه المادة 18 من ق.م.ج، إذ أن الشرطة القضائية تقوم بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة والحجج عليها، والبحث عن الفاعلين وتقديمهم إلى النيابة العامة.
خاتمة :
لقد حاولنا من خلال دراستنا الحديث عن الحق في الأمن بإعتباره حق دستوري تعتمد عليه باقي الحقوق، لهذا عمل المشرع المغربي على دسترته وتوفير له مجموعة من الضمانات لحمايته، وتبقى الأجهزة الأمنية هي الجهاز الأول المكلف بحماية وضمان الحق في الأمن.
وبالتالي، فإذا كان الأمن يعتبر عنصر شامل، فإن مسؤولية الحفاظ عليه لا تقتصر على  الأجهزة الأمنية وحدها لمواجهة التهديدات التي تمس المواطنين، بل إن الأمن أصبح مسؤولية جماعية بما فيها مؤسسات المجتمع المدني، والأسرة، والأفراد، والإعلام.

حميد ملاح
باحث في القانون

المراجع المعتمدة :
1 – سورة البقرة الآية : 126
2 – سورة العنكبوت الآية : 67
3 – سورة قريش الآية : 3 و 4
4 – عبدالرحمان شحشي : “دستور 2011 على محك حراك 2017 “، مقال نشر على موقع هسبرس https://www.hespress.com/writers/356263.html
5 – حميد ملاح : الأمن والأخلاق : أية علاقة ؟، مقال نشر على الموقع الإلكتروني لمجلة القانون والأعمال.
6 – الأمن الوطني: التزام وتضحية في خدمة الوطن يثيران الإعجاب والتقدير، أنظر الموقع الإلكتروني التالي : www.maroc.ma

قد يعجبك ايضا