قراءة في قرار محكمة النقض يهم حالة الدفاع الشرعي في قضية معروضة لدى الغرفة الجنائية الاستئنافية بمحكمة الاستئناف الدار البيضاء

الطالب الباحث يوسف بنشهيبة

حالة الدفاع الشرعي – نعم –

الإعفاء من العقوبة – لا – الحكم بالبراءة – نعم –

تابعت النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء المتهم ع.س.ل بجناية الضرب والجرح بالسلاح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه،مع اعتباره في حالة استفزاز طبقا للفصل416 من القانون الجنائي، والحكم عليه بخمس سنوات سجنا نافذا والتصريح بأن المتهم وقت ارتكاب الجريمة كان في حالة الدفاع الشرعي طبقا للفصل 125 من القانون الجنائي والحكم بإعفائه من العقوبة.

وتعود تفاصيل الواقعة إلى الهجوم الذي شنه (الضحية الهالك) على منزل (المتهم)،هذا الأخير الذي تصدى للهجوم وطعن (الضحية الهالك) في صدره،(الضحية الهالك) كان قد هاجم مسكن أسرة (المتهم) وكسر بابه واعتدى على والدته وحاول الاعتداء عليه أيضا.

وحيت إن محكمة الإستئناف صاحبة الإختصاص (الجرائم ذات الصبغة الجنائية) تقوم محاكم الاستئناف بصفتها محكمة من درجة ثانية للتقاضي بدراسة القضايا التي تم البت فيها ابتدائيا من قبل المحاكم الابتدائية،وتنظر استئنافيا في الأوامر الصادرة عن رؤسائها  وكذا في جميع القضايا الأخر التي تختص بالنظر فيها بمقتضى قانون المسطرة المدنية، وفي إطار المسطرة الجنائية تختص بالنظر في الجنايات ابتدائيا واستئنافيا امام غرفة الجنايات الاستئنافية لديها.

وبهذا نفس المحكمة تابعت (المتهم) بجناية الضرب والجرح بالسلاح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه.

وقد اقتنعت المحكمة أن (المتهم) كان في حالة دفاع شرعي،وقد قضت بإعفائه من العقوبة وكان هذا الحكم مجانب للصواب.

أولا نتعرف عن حالة الدفاع الشرعي في القانون المغربي والشروط الواجب توافرها بالرجوع إلى الفصلين 124 و 125 من القانون الجنائي.

ينص الفصل 124 من القانون الجنائي في الباب المتعلق بالأسباب المبررة التي تمحو الجريمة على أنه لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة في الأحوال التالية:

1 – إذا كان الفصل قد أوجبه القانون وأمرت به السلطة الشرعية.

2 – إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة، أو كان في حالة استحال عليه معها، استحالة مادية اجتنابها، و ذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته.

3 – إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة للدفاع الشرعي عن الفاعل نفسه أو غيره، أو ماله أو مال غيره، بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء.

وينص الفصل 125 من القانون الجنائي تعتبر الجريمة نتيجة الضرورة الحالة للدفاع الشرعي في الحالتين الآتيتين:

1 – القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب ليلا لدفع تسلق أو كسر حاجز أو حائط أو مدخل دار أو منزل مسكون أو ملحقاتهما.

2 – الجريمة التي ترتكب دفاعا عن نفس الفاعل أو نفس غيره ضد مرتكب السرقة أو النهب بالقوة.

قراءة في الفصل 124 من القانون الجنائي تحديدا الحالة الثالثة: إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة الدفاع الشرعي عن الفاعل نفسه أو غيره، أو ماله أو مال غيره،بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء.

حالة الدفاع الشرعي حق يمكله كل شخص ليرد به على الاعتداءات الغير المشروعة التي قد تطال نفسه،أو ماله،أو نفس أو مال غيره أي هي مواجهة للعدوان.

وقد اختلف الفقهاء حول تحديد الشروط والأسس التي تقوم عليها حالة الدفاع الشرعي.

المشرع هنا اشترط أن تكون الجريمة قد استلزمت قيام حالة الدفاع الشرعي،أي إتجاه (المجني عليه) إلى إرتكاب الفعل الإجرامي هو إستعمال للقوة قصد إبعاد الخطر،والجدير بالذكر أن حالة الدفاع الشرعي أو إستعمال القوة وضعت له شروط وقواعد أساسية كي لا يساء إستعمال هذا الحق من جهة أولى، أما من جهة ثانية كي لا يساء إستعمال هذا الحق بطريقة إنتقامية وكيدية.

على سبيل المثال:

كأن يجهز جار على جاره بسكين تم يشتكي منه لدى الشرطة على أن جاره قد حاول الاعتداء عليه وهو كان في حالة دفاع شرعي فقط ويحاول أن يقلب الأوراق لصالحه وهذا من النادر حدوث فالأجهزة الأمنية ذكية.

وبالرجوع إلى شروط حالة الدفاع الشرعي نجد:
1 – أن يكون فعل الإعتداء غير مشروع فلا يمكن تصور أن يقوم شخص بمقاومة الشرطة لحظة إعتقاله وهو متابع بجناية القتل العمد ويصف هذا الإجراء أنه غير مشروع.

مايسمى ب الإعتداء المشروع من طرف السلطة،أو ما يسمى في الفلسفة أو السياسة العنف المشروع من طرف الدولة أو السلطة.

يجب أن تكون حالة الدفاع الشرعي في مواجهة إعتداء غير مشروع، كالسرقة أو الإعتداء على نفس أو مال الشخص أو غيره.

2 – أن يكون فعل الإعتداء على النفس أو المال.
أن يكون الفعل الغير المشروع يستهدف نفس أو مال الشخص أو نفس ومال الغير ومن بين هذه الجرائم نجد السرقة،القتل العمد،الضرب والجرح…

3 – أن يكون الإعتداء خطرا حقيقيا، الحقيقة ضد الوهم،الخيال،الشك.
أي أن يكون الخطر حقيقيا يستدعي حالة الدفاع الشرعي عكس الخطر الوهمي الذي قد يتصوره الإنسان.
كأن يلاحظ شخص سيارة سوداء تقف أمامه تم يعمد برشقها بالحجارة اعتقادا منه أنه سيتعرض للخطف (خطر وهمي)،تم يكتشف من بعد ذلك بأن السيارة السوداء تضم عائلة متوجهة للإصطياف فقط وأن شكوكه مجرد توهم.

وفي هذه الحالة،فإن صاحب السيارة هو الذي سيصبح في حالة دفاع شرعي وإن كان الاعتداء من طرف الشخص المتوهم مجرد توهم منه على أنه في حالة خطر وليست له نية إجرامية (القصد الجنائي).

وبالتالي فإن صاحب السيارة إعتقد بدوره أنه في حالة خطر لكن الفرق الذي يكمن بين الاثنين
أن الأول المتوهم لم يتلقى أي إعتداء صادر سوى أن السيارة توقفت أمامه فجأة فقط،
أما الشخص الثاني فقد تعرض لاعتداء حقيقي تجسد في تعرض سيارته للرشق، وتعريض حياته وحياة عائلته للخطر.

4 – أن يكون الخطر حالا وضد خطر الحال… خطر المستقبل.

وتعرض الشخص للخطر في المستقبل يمكنه بذلك أن يلجأ إلى السلطات لتحميه منه.
والخطر الحال هو أن يكون قد بدأ أو لم يبدأ بعد، أي يتوقع حصوله ويمكن إعتبار الإعتداء منتهيا حينما تتحقق الجريمة.

ثانيا : شروط فعل الدفاع

إن توافر شروط الإعتداء وحدها لا تكفي لقيام حالة الدفاع الشرعي،وإنما لابد من توافر شروط أخرى في فعل الدفاع وهذه الشروط هي:

أن يكون فعل الدفاع ضروريا ولازما:
يقصد بهذا الشرط أن الدفاع الشرعي لا يقوم به الشخص إلا إذا لم يجد سبيلا آخر للدفاع عن نفسه،بمعنى أن إرتكاب الجريمة أي فعل الدفاع الشرعي كان هو الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر وإن كان هذا الخطر يسمح بالالتجاء إلى السلطات العامة دون أن تتعرض حقوق المعتدى عليه إلى الضرر،فإن حالة الدفاع الشرعي لا تجوز وذلك لوجود وسيلة

أخرى تدفع الخطر دون إرتكاب الجريمة،وهي الإتصال بالسلطات وطلب النجدة.

تناسب فعل الدفاع مع فعل الإعتداء: بالرجوع إلى الفصل 124 من القانون الجنائي الفقرة الثالثة نجد أن هذه الفقرة تضمنت عبارة بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء أي أن يكون هذا الدفاع مؤطرا بالتناسب.
تناسب حالة الدفاع الشرعي مع حالة الإعتداء كي لا يقع إفراط في إستعمال حق الدفاع الشرعي وهنا نجد إختلاف فقهي كبير جدا باعتبار أن حالة التناسب هي نسبية ليس إلا.

لأن التناسب المقصود به مساواة وتعادل بين فعلين على سبيل المثال كأن يعمد شخص حامل للسلاح الأبيض على سرقة معدات ضيعة فلاحية خلسة من أعين الحارس،تم يتفاجئ بصاحب الضيعة يخرج من المنزل ويشهر باتجاه رأسه بندقية صيد تم يجهز عليه ويرديه قتيلا.

في هذه الحالة يمكن القول على أن حالة الدفاع الشرعي لا تتناسب مع حالة الإعتداء لكون (الجاني) كان يحمل سكينا (والمجني عليه) يحمل بندقية صيد مرخصة،وأن (المجني عليه) كان له قصد جنائي متحقق يتمثل في الإرادة والدراية والعلم على أن الرصاصة ستقتل بلا شك السارق إذا ما صوبت البندقية على الرأس.

وكان على صاحب الضيعة أن يقتصر فقط على تخويف السارق،مع العلم أن السارق لم يبدي أي ردة فعل من هجوم أو فرار بالإضافة أن الضيعة الفلاحية يحرسها حارس وكان على (المجني عليه) أن ينادي للحارس قصد الإتصال بالدرك الملكي.

وعليه ومن خلال هذه النازلة فإن المشرع قد إشترط التناسب حتى لا يقع إفراط في إستعمال حق الدفاع الشرعي أي يجب ألا تتعداه.

هنا يكمن الإختلاف الفقهي في من يعتبر ضرورة أن تتناسب حالة الدفاع الشرعي مع حالة الإعتداء،وبين من يرى بأنه ولو كانت حالة الدفاع الشرعي أكتر ضررا من حالة الإعتداء فنعتبر الأمر حالة دفاع شرعي ولا يعتبر أبدا جريمة القتل الخطأ…

ودليلهم أن حالة التناسب لا تقتضي أن تكون هناك مساواة مجردة أو حسابية بين الضرر الذي ينتج عن فعل الإعتداء والضرر الذي يحدثه فعل الدفاع الشرعي،فالتناسب أمر نسبي.

إذا العبرة هنا أن يثبت لدى المدافع أو المجني عليه أن الوسيلة التي استعملها كانت هي أنسب الوسائل أو كانت هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر من طرفه،وبالتالي فإن الضرر الناتج عن هذا الإستعمال
هو القدر المناسب لرد الإعتداء وليس هناك أي قصد جنائي في الخروج عن حالة الدفاع الشرعي.

وبالرجوع إلى الفصل 125 من القانون الجنائي نلاحظ على أنه اشترط إعتبار الجريمة نتيجة الضرورة لحالة الدفاع في حالتين وهما:

1 – القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب ليلا لدفع تسلق أو كسر حاجز أو حائط أو مدخل دار أو منزل مسكون أو ملحقاتهما.

2 – الجريمة التي ترتكب دفاعا عن نفس الفاعل أو نفس غيره ضد مرتكب السرقة أو النهب بالقوة.

وبالرجوع إلى القرار قيد الدراسة وما يستفاد من الحكم القضائي الصادر عن الغرفة الجنائية الإستئنافية بمحكمة الإستئناف بالدار البيضاء،فإن المحكمة لم تخالف القانون ولم تجانب الصواب في تكييف الواقعة على أنها حالة من الدفاع الشرعي وتعليلها ذلك بمقتضى الفصلين 124 و 125 من القانون الجنائي.

لكن المجانب للصواب وهو الحكم على (المجني عليه) بالإعفاء من العقوبة عوض الحكم عليه ب البراءة هذا ما دعى إليه طلب النقض المرفوع من طرف السيد الوكيل العام للملك والمسمى ع.س.ل إلى نقض القرار الصادر عن الغرفة الجنائية الإستئنافية بمحكمة الإستئناف بالدار البيضاء.

السؤال الإشكالية الذي يطرح نفسه، لماذا  تمسك طالب النقض بالمطالبة بالحكم على المسمى ع.س.ل بالبراءة وليس الإعفاء من العقوبة؟

الحديث عن الإعفاء من العقوبة يتطلب منا الرجوع إلى الفرع الأول المتعلق بالأعذار القانونية الفصول 143 144 145 من القانون الجنائي.

الفصل 143 من القانون الجنائي ينص على أن الأعذار هي حالات محددة في القانون على سبيل الحصر،يترتب عليها،مع ثبوت الجريمة وقيام المسؤولية،أن يتمتع المجرم إما بعدم العقاب،إذا كانت أعذارا معفية،وإما بتخفيض العقوبة،إذا كانت أعذارا مخفضة.

وبالرجوع إلى الفصل 145 من القانون الجنائي نص هذا الفصل على أن القاضي له الحق في أن يحكم على الشخص المعفي من العقاب بتدابير الوقاية الشخصية أو العينية ما عدا الإقصاء.

وإجابة عن الإشكالية لماذا الحكم على المسمى ع.س.ل بالبراءة وليس الإعفاء من العقوبة؟

وجود حالة الدفاع الشرعي تخرج الفعل (الإجرامي)من دائرة التجريم وتدخله في دائرة الإباحة.
ولما قضت المحكمة بالحكم على المسمى ع.س.ل بالإعفاء من العقوبة يجب أن تتوفر لديها قناعة بوجود عذر وفي هذه النازلة لا وجود لعذر معه الحكم بعدم العقاب.

في حالة المسمى ع.س.ل وجود حالة الدفاع الشرعي وتتجلى حينما هاجم الضحية الهالك المتهم واعتدى على والدته وحاول الإعتداء عليه أيضا تقتضي معه البراءة وليس الإعفاء من العقوبة.
لأن حالة الدفاع الشرعي تمحي الجريمة فيصبح الفعل مشروعا قانونا،

بمقتضى الفصلين 124 125 من القانون الجنائي.

لأنه وبالرجوع إلى الفصل 124من القانون الجنائي نلاحظ عبارة لا جنحة ولا جناية ولا مخالفة في الأحوال الآتية وهذا ما ينطبق على المتهم في النازلة وتحديدا الفقرة الثالثة وهي:

إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة للدفاع الشرعي عن الفاعل نفسه أو غيره، أو ماله أو مال غيره، بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء.

تفسير هذه الفقرة يحتم علينا الرجوع إلى العبارة التي ذكرت بداية في الفصل 124من ق.ج “لا جنحة ولا جناية ولا مخالفة في الأحوال الآتية” بمعنى توفر هذه الحالات أو حالة واحدة في شخص المدافع يجعل من الفعل الإجرامي المرتكب فعل مشروع بقوة القانون ويخرج الفعل من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة ويقضى بالبراءة وليس الإعفاء من العقوبة.

 

بقلم الطالب الباحث يوسف بنشهيبة كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية جامعة القاضي عياض مراكش.

قد يعجبك ايضا