تقرير أطروحة لنيل الدكتوراه: حول موضوع “الحماية الجنائية للشهود في القانون المغربي – دراسة مقارنة” للباحثة كوثر ركراكي

المعلومة القانونية

*كوثر ركراكي

  • دكتورة في الحقوق.

تقرير أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص حول موضوع ” الحماية الجنائية للشهود في القانون المغربي – دراسة مقارنة – تحت إشراف الدكتور عبد الله أشركي أفقير أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة.من إنجاز الطالبة الباحثة كوثر ركراكي

 

شهدت كلية الحقوق بطنجة مؤخرا  مناقشة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص تقدمت بها الطالبة الباحثة كوثر ركراكي حول موضوع ” الحماية الجنائية للشهود في القانون المغربي – دراسة مقارنة – تحت إشراف الدكتور عبد الله أشركي أفقير أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة.

وقد تشكلت لجنة المناقشة  من السادة الأساتذة :

  • الدكتور أمين أعزان أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة –   رئيسا .
  • الدكتور عبد الله أشركي أفقير أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة. عضوا ومشرفا.
  • الدكتور معزوز البكاي أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمكناس – عضوا.
  • الدكتورة سعاد حميدي أستاذة مؤهلة بكلية الحقوق بطنجة – عضوا.

وبعد العرض و المناقشة قررت اللجنة العلمية  بعد المداولة قبول الأطروحة شكلا ،وفي الموضوع منح الطالبة الباحثة كوثر ركراكي لقب دكتور في الحقوق بميزة مشرف جدا مع تنويه اللجنة العلمية مع التوصية بالنشر.

وفيما يلي تقرير موجز بأهم ما جاء في مضامين هذه الدراسة:

السيد الرئيس السادة أعضاء اللجنة العلمية الموقرة

إنه لشرف لي أن أعرض أمامكم ملخصا موجزا للأطروحة موضوع المناقشة والمنجزة تحت عنوان ” الحماية الجنائية للشهود في القانون المغربي دراسة مقارنة   ” و تبرز أهمية هذا الموضوع فيما للشهادة من دور كبير في إثبات الجرائم والإرشاد عن وقوعها والوصول إلى مرتكبيها،والتي قد تمثل في العديد من الأحيان الدليل الوحيد لإثبات الفعل الإجرامي وهي أكثر الوسائل فاعلية في إظهار الحقيقة. ففي ظل ازدياد ظاهرة العنف في جميع المجتمعات واستغلال الأفراد أو الجماعات التطور التكنولوجي في تنفيذ خططهم الإجرامية مما نتج عنه ظهور أنماط جديدة للسلوك الاجرامي لا يتسم فقط بالدقة في الإعداد والتنفيذ وإنما امتد للإفلات من قبضة العدالة من خلال القضاء على كافة الأدلة التي يمكن أن يستعان بها للتوصل إلي الجناة،ولهذا لا يتردد الجناة في تهديد الشهود أو ترغيبهم بكافة الوسائل، وتعريضهم لكافة أنواع الضغوط التي قد تؤدي بهم للإحجام عن أداء الشهادة أو أدائها على نحو مخالف للحقيقة.

في هذا الإطار واستجابة لالتزامات المغرب الدولية خصوصا بعدما صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بنيويورك في 9 ماي 2007،واستجابة كذلك لتوصيات هيئة الوقاية من الرشوة التي دعت إلى تبني هذا القانون منذ انشائها ،والشبكة العربية لتعزيز ومكافحة الفساد التي انظم إليها المغرب في 16 دجنبر 2008،وفي إطار تنفيذ مضامين الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2009 بمناسبة ثورة الملك والشعب،بشأن تحديث المنظومة القانونية ببلادنا في اتجاه ضمان شروط المحاكمة العادلة ونهج سياسة جنائية جديدة تقوم على مراجعة وملائمة القانون المغربي  مع الاتفاقيات الدولية ومواكبته للتطورات التي تعرفها النظم القانونية.

تم إصدار قانون 10-37 الذي يقضي بتغيير وتتميم القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية في شأن حماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين في جرائم الرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس والتبديد والغدر وغسل الأموال،وفي الجرائم المنصوص عليها في المادة  108 من قانون المسطرة الجنائي. وقد تضمن القانون عدة تدابير للحماية يمكن أن يستفيد منها خلال كافة مراحل الدعوى العمومية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغون وأفراد أسرهم وأقاربهم،كلما تعرضت حياتهم أو ممتلكاتهم  أو مصالحهم الأساسية للخطر أو لضرر مادي أو معنوي حال أو محتمل، وهي حماية تقوم بالأساس على إخفاء هوية الشاهد بما يحول دون إمكانية التعرف عليه من طرف المتهم.الأمر الذي يبعث على التساؤل حول ما اذا كانت تلك الحماية تشكل مساسا ببعض المبادئ والشروط المكرسة قانونا والتي تعد من صميم المحاكمة العادلة القائمة على احترام حقوق الدفاع وضمان التوازن بين أطراف الخصومة الجنائية،إضافة إلى ما قد تمنحه من فرص لفئة خاصة من المجرمين للإيقاع بالأبرياء أو لتصفية حسابات لاعلاقة لها بمساعدة القضاء على الوصول إلى الحقيقة.

ولملامسة هذا الموضوع بنوع من الشمولية ارتأيت دراسة نظام حماية الشهود كما قرره قانون 10-37 مع الإطلاع على مدى استفادة التشريع المغربي من تجارب التشريعات الأجنبية ،ومن توصيات وأدوات دولية وإقليمية ذات علاقة بالموضوع،خاصة منها ما يتوافق مع حقوق الإنسان التي صار المغرب ملتزما باعتمادها واحترامها والدفاع عنها من جهة أولى،وتحليل ومناقشة مضمون قانون حماية الشهود وموازنته مع دعائم المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع من جهة ثانية.

أهمية البحث :إن دراسة موضوع الحماية الجنائية للشهود في القانون المغربي والمقارن يكتسي أهمية بالغة من الناحية النظرية والتي تتمثل  في كون الشهادة أخذت حيزا كبيرا في المؤلفات التي تصدت لدراسة وسائل الإثبات في حين لم يظفر الشهود بأية عناية من قبل الدارسين والباحثين إلا في معرض حديثهم عن الشهادة ،لذلك يشكل هذا البحث مناسبة للحديث عن الشاهد كمركز قانوني مستقل عن المراكز القانونية المشابهة له و البحث في الأحكام العامة التي ينفرد بها عن غيره من وسائل الإثبات الأخرى من حيث ماهيته والشروط الواجب توافرها فيه وفي الشهادة التي يدلي بها حتى يعول عليها في الإثبات،والالتزامات المفروضة عليه  والجزاء المناسب في حالة إخلاله بها، والتعرض للحقوق التي أقرها المشرع للشاهد  وعلى  رأسها حقه في الحماية وذلك حتى لا يتعرض لتأثير الغير عليه، وحتى يكون بمنأى عن أي مؤثرات خارجية قد تجنح به عن الحقيقة وتدفعه إلى الكذب في الشهادة.

كما تتجسد الأهمية العملية للموضوع في كونه من أكثر المواضيع التي شغلت القانون الجنائي حيث نجد معظم التشريعات الدولية و الوطنية أولت أهمية وعناية خاصة للشاهد في الآونة الأخيرة منتهجة في سياستها الجنائية التدابير والضمانات التي تكفل بها حماية الشهود والعاملين في ميدان العدالة الجنائية من التهديدات التى يتعرضون لها، بهدف ضمان الحصول على شهاداتهم خالية من أي زيف أو زيغ، وصولا لخدمة العدالة الجنائية وتحقيق العدل بين أفراد المجتمع.

ولأن الحماية الجنائية  للشهود ،تتباين من نظام لآخر تبعا للنظام السياسي  والاجتماعي والاقتصادي السائد في الدولة،فمن الأهمية بمكان التعرف  على تلك الحماية في النظام المغربي وتوضيح نقاط الضعف فيها   بهدف العمل على ترقيتها وتحفيز فعاليتها،وكذلك معرفة المكانة التي يحضى بها الشاهد في القانون والطابع الخاص الذي يخضع له في معاملته وحمايته بالدرجة الأولى،مستعينين من أجل تحقيق ذلك بالتشريعات المقارنة الأخرى لاكتشاف مدى التقارب أو الاختلاف في الحماية المقررة للشاهد بينها وبين التشريع المغربي الذي هو محل الدراسة. وذلك للوصول إلى وضع نظام قانوني متكامل لحماية الشهود مما سيساهم في تشجيع الأفراد على القيام بواجبهم في تخليق الحياة العامة،عن طريق الادلاء بشهادتهم أمام القضاء بكل حرية وتجرد،وضمان حمايتهم من كل التهديدات التي يمكن أن تدفعهم إلى العزوف عن القيام بهذا الواجب،كما ستسهم في بناء الثقة والطمأنينة في المجتمع،وتؤدي إلى تعزيز مشاركة الأفراد في التعاون مع أجهزة العدالة الجنائية في إثبات الجرائم وإدانة مرتكبيها.

  • الإشكالية الرئيسية والإشكاليات الفرعية للبحث
  • الإشكالية الرئيسية :

مما لا شك فيه أن الحماية الجنائية للشهود توجه للسياسة الجنائية الحديثة التي نهجتها أغلب التشريعات التي ترنو نحو الإيمان المطلق بمبادئ الديمقراطية الحقة  و تعمل على تحقيق التوازن في مجال العدالة الجنائية والتي تعرف صعوبات من الأهمية بمكان خصوصا في الجانب المتعلق بالإثبات،مادام الأمر يتعلق بوقائع مادية مخالفة للقانون أصلا لا يسمح لضحاياها أو مرتكبيها وضع الدليل مسبقا على إثباتها الأمر الذي كان معه الشهود نبراس العدالة في هذا الصدد واستحقوا عن جدارة أن يهتم بهم المنتظم الدولي والتشريعات الوطنية من خلال إقرار تدابير حمائية تحول دون تعرضهم و أفراد أسرهم وأقاربهم لأي خطر مفترض.

من هنا تجسد الإشكالية الرئيسية  التي يتمحور حولها موضوع البحث في التساؤل الآتي:

ما هي ملامح السياسة الجنائية الموضوعية والإجرائية التي انتهجها المشرع المغربي لحماية الشهود ؟ وهل وفق في تكريس حماية جنائية فعالة وكافية للشهود أم لا بد من اللجوء إلى وسائل أخرى؟

 

  • الإشكاليات الفرعية للبحث :

من أجل تحليل الإشكالية الرئيسية للبحث ومقاربة الموضوع من زواياه المختلفة، أطرح أمامي جملة من الإشكالات الفرعية التي سيغطي تحليلها كل محاور هذا البحث، وذلك انطلاقا من التساؤل حول :

ما إذا كان قانون حماية الشهود يكفي وحده لتحقيق الغاية التي وضع من أجلها، في حالة مخالفة هذا الفصل هل هناك عقوبات لمخالفة أحكامه أو نصوص تتضمن عقوبات لتوفير الحماية الجنائية للشهود ؟

هل هناك قيود أو شروط تتعلق بالشاهد طالب الحماية درءا لكل تعسف في استعمال هذا الحق من طرفه ؟

هل فقط يجب توفير الحماية للشهود في قضايا الفساد دون باقي القضايا الأخرى ؟

هل استطاع المشرع المغربي توفير الحماية اللازمة للشهود انطلاقا من معتقداته أم اكتفى بالتنظيم الذي يرجع في حقيقته إلى القانون الفرنسي ؟

ما هي مكامن الخلل والنقص التي اعترت قانون 10-35 المتعلق بحماية الشهود؟

هل وفق المشرع المغربي في التعامل مع حماية الشهود بالتقيد بالضوابط و الأصول الجنائية والمحافظة في نفس الوقت على حق المتهم في محاكمة عادلة؟

ما مدى تأثير الإقتناع الوجداني للقاضي الجنائي بفعل الحماية الجنائية للشاهد؟

 

  • المناهج المتبعة في دراسة موضوع البحث

للإجابة على هذه الإشكالات ، تم الاعتماد على مجموعة من المناهج العلمية التي تتكامل فيما بينها، كالمنهج التاريخي الذي تم استخدامه في هذه الدراسة أثناء التعرض للتأصيل التاريخي والقانوني للحماية المقررة للشهود وما واكبها من تطورات لاحقة،كما تمت الإستعانة بالمنهج الوصفي بغية المعرفة الصحيحة والإحاطة الدقيقة والشاملة بالأبعاد المختلفة للإشكالية المطروحة، و يعتبر هذا المنهج الوسيلة المناسبة في وصف وسائل ومظاهر وشروط الحماية التي جاء بها القانون المغربي والقوانين المقارنة ،كونها تتطلب وصفا دقيقا ومتكاملا للمشكلة وما يرتبط بها من حقائق ومعطيات  تحتاج بطبيعتها إلى تفسير وتحليل لإجلاء الغموض الذي يلفه.

كما تمت الإستعانة بالمنهج التحليلي الذي اقتضته الضرورة ومتطلبات البحث خصوصا عند دراسة النصوص القانونية المتعلقة بالموضوع محل الدراسة وتحليلها ،فضلا عن هذا كله، فإن النصوص القانونية والآراء الفقهية والاجتهادات القضائية المتعلقة بالموضوع تفرض علينا الأخذ بالمنهج الاستقرائي،لاستقراء النصوص التشريعية المتعلقة بها في الأنظمة القانونية المقارنة،مع اعتماد المنهج المقارن لإجراء تحليل نقدي مقارن لها للكشف عن أوجه الإتفاق وأوجه الاختلاف أو القصور بين هذه النظم وتقييمها وتحديد الأنسب منها،لوضع معايير محددة لصياغة نظام شامل لحماية الشهود تساهم في تجسيد ضمانات فعلية للشاهد في جميع مراحل الدعوى العمومية، فضلا عن الوقوف على الجهود الدولية المبذولة في هذا الصدد،من خلال إلقاء الضوء على الحماية المقررة للشهود في الاتفاقيات الدولية والأنظمة الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية.

هيكلة البحث: إن معالجة الإشكالات والتساؤلات السابقة تم من خلال التوقف عند السياسة الجنائية التي سلكها المشرع المغربي لحماية الشهود ولتبيان الملامح الرئيسية للحماية الجنائية للشهود في القانون المغربي والقوانين المقارنة تناولت هذا الموضوع في قسمين :

القسم الأول خصصته للحماية الموضوعية للشهود على ضوء القانون المغربي والقوانين المقارنة وقد تم تقسيم هذا القسم إلى بابين :

(الباب الأول) عالجت فيه المركز القانوني للشاهد  في المادة الجنائية على ضوء القانون المغربي والقوانين المقارنة، وحتى تكون الدراسة دقيقة ومحددة قسمت هذا الباب إلى فصلين،تم الحديث في (الفصل الأول) عن الشاهد كمركز قانوني مستقل عن المراكز القانونية المشابهة والذي اقتظي مني البحث في الأحكام العامة التي ينفرد بها عن غيره من وسائل الإثبات الأخرى من حيث ماهيته والشروط الواجب توافرها فيه وفي الشهادة التي يدلي بها حتى يعول عليها في الإثبات.

كما تكلمت في (الفصل الثاني) من هذا الباب عن الالتزامات القانونية التي حرص المشرع المغربي والقوانين المقارنة على النص عليها ،بالإضافة إلى  جزاءات المقررة لها في حالة الإخلال بها، وهي الإلتزام بالحضور، وأداء اليمين، وأداء الشهادة وقول الحقيقة،ونظرا لأهمية هذه الالتزامات فقد تطرقت لمجموعة من الإجراءات التي أحاطها بها المشرع في جميع مراحل الدعوى العمومية.

أما البــاب الثاني من هذا القسم فقد خصصته  لمظاهر الحماية الموضوعية للشاهد في التشريع الجنائي المغربي والتشريعات المقارنة

إن دراسة مظاهر الحماية الموضوعية للشاهد في التشريع الجنائي المغربي والتشريعات المقارنة تطلب مني تقسيم هذا الباب إلى فصلين : عالجت في (الفصل الأول) الحماية من الوسائل  التقليدية المؤثرة في إرادة الشاهد ذلك أن المشرع المغربي أسوة بالتشريعات الوضعية المقارنة أولى أهمية كبرى في تحصين المحاكمة الجنائية من التأثيرات السلبية والضغوطات التي تستهدف المساس بشهادة الشهود، ولأجل ذلك تم إدراج نصوص عقابية تقرر العديد من صور الحماية الموضوعية للشاهد كوسيلة لتأمينه ومنع التأثير على إرادته بما يحقق الاستفادة المنشودة من الشهادة كدليل إثبات جنائي له تقديره وأهميته،من خلال معاقبة كل من  أكره الشاهد على شهادة الزور سواء بالتهديد أوالوعد أو الوعيد أو تعريضه للضغوطات، وكذا تجريم رشوة الشهود و استمالتهم بالهدايا أو بالوعود لتغيير الحقيقة لمصلحة طرف أو ضد طرف في الدعوى تضليلا للعدالة  وذلك بالنص صراحة على عقوبة خاصة لهذا الفعل ،كما عاقب على نشر أية بيانات أو تعليقات أو معلومات من شأنها التأثير على إرادة الشاهد المطلوب لأداء الشهادة في دعوى منظورة أمام المحكمة.

في حين تناولت في (الفصل الثاني) من هذا الباب الوسائل  العلمية الحديثة المؤثرة في إرادة الشاهد وهذه الوسائل هي التحليل التخديري والتنويم المغناطيسي و جهاز كشف الكذب. وهنا تساءلت عن مدى مشروعية استخدام هذه الوسائل في سماع الشهود خاصة إذا علمنا أن تسخير الوسائل العلمية لإنتزاع الحقيقة من الشاهد من شأنها أن تفضي إلى سلب إرادته وإضعاف حرية الاختيار لديه، فيصبح تحت تأثيرها فاقدا لإمكانية السيطرة على أقواله كليا أو جزئيا, لأجل ذلك فإن بعض الوسائل العلمية الحديثة لاتزال موضع شك،ويثار حولها الكثير من الجدل داخل أوساط التشريع و الفقه والقضاء، وبالذات حول مدى مشروعية استخدامها في الاثبات الجنائي من عدمه.

وللإحاطة بموضوع مدى تأثير الوسائل العلمية  الحديثة على ارادة الشاهد كان من المفيد أن أتناول هذه الوسائل ببيان ماهيتها ، والأساس العلمي لاستخدامها ومدى مشروعيتها وكيفية استخدامها و مدى تأثيرها على ارادة الشاهد.

أما (القسم الثاني) من هذا الباب فقد خصصته لدراسة الحماية الإجرائية للشهود في القانون المغربي والقوانين المقارنة  من خلال  تقسيم هذا القسم لبابين: (الباب الأول)  عالجت فيه الجهود الدولية لحماية الشهود حيث  قسمت هذا الباب إلى فصلين تطرقت في الفصل الأول  لحماية الشهود في المواثيق الدولية التي نظمت المواضيع المتعلقة بالجرائم الخطيرة كالجرائم الإرهابية و جرائم الفساد و جرائم العنف الأسري.

في حين تحدثت في الفصل الثاني من هذا الباب عن حماية الشهود في الأنظمة الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة ، والمحاكم الجنائية الدائمة والمدولة.

أما الباب الثاني من هذا القسم فقد درست فيه : مظاهر الحماية الاجرائية للشهود في القانون المغربي والقوانين المقارنة

من خلال تقسيمه إلى الفصلين:تطرقت في (الفصل الأول) لإجراءات أداء الشهادة المضمنة في قانون المسطرة الجنائية سواء قبل أو أثناء المحاكمة والتي تعد من أهم الضمانات التي قررها المشرع المغربي لحماية الشهود، كما تعرضت لمجموعة من الإعتبارات التي يجب مراعاتها عند سماع الشهود والتي قد يجري العمل بها من قبل المحاكم رغم عدم النص عليها ضمن القواعد الإجرائية،وذلك لما لها من بالغ الأثر في حماية الشهود عند تلقي الشهادة ،والتي تتمثل في  احترام الشهود وحسن معاملتهم،وتهيئة الظروف المناسبة لسماع الشهود… كما تكلمت على التدابير  الحمائية التي أقرها القانون رقم 37-10، للشهود في جرائم الرشوة واستغلال النفوذ والإختلاس والتبديد والغدر وغسل الأموال، وفي الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية .

حاولت في (الفصل الثاني) من هذا الباب التطرق لنظم الحماية الإجرائية للشهود في القوانين المقارنة الأجنبية والعربية كما تحدثت عن التقنيات الحديثة التي تم توضيفها في الاونة الاخيرة من بعض التشريعات في مجال سماع الشهود كتسجيل الشهادات والإفادات عبر تقنية الفيديو، واستخدام الستار لإخفاء هوية الشاهد والأخذ بنظام الإتصال المرئي المسموع Vidéo Conférence في المجال الجنائي سواء في مرحلة التحقيق أو المحاكمة وذلك بالنظر لما لهذه التقنيات من مزايا وفوائد كبيرة التي يمكن أن تحققها في توفير الحماية الأمنية والنفسية اللازمة لهم، وتمكينهم من الإدلاء بشهادتهم دون أن يترتب على ذلك تأثرهم بأجواء المحاكمة أو تعطيل مصالحهم أو تعرضهم لخطر الجماعات الإجرامية المنظمة.

خاتمـــــة

بعد أن أكملت هذه الدراسة التي حاولت من خلالها  إبراز أوجه الحماية الموضوعية والإجرائية للشهود في القانون المغربي والقوانين المقارنة، أستطيع القول بأنني حاولت الوقوف عند المواضيع التي استوجبت مني ذلك، و ابداء الرأي في جميع المسائل التي استلزمت ذلك، لسلبيتها مثلاً أو لقصورها، أو لكونها تحمل في طياتها جوانب ايجابية ينبغي التوسيع في بلورة ما تحمله من مداليل حسنة.

وقد مكنتني نتائجه من استخلاص مجموعة من الاقتراحات الكفيلة بالإجابة عن الإشكالية الأساسية لهذه الدراسة،وعن مجموعة من الثغرات التي من الممكن أن تؤثر بشكل سلبي على الحماية الجنائية المقررة للشهود في جميع مراحل الدعوى العمومية.

إقتراحات:

  • وضع تعريف واضح للشاهد المشمول بالحماية خاصة وأن هذا الشاهد قد يكون مجني عليه أو مبلغا او أحد ضباط الشرطة القضائية أو متهما في دعوى أخرى وتعريف الشاهد في هذه الحالة هو أمر جوهري يقوم عليه هذا القانون من حيث إصباغ الحماية،ويمكننا في هذا الصدد اقتراح تعريف للشاهد كما يلي : ” يقصد بالشاهد في تطبيق أحكام هذا القانون كل شخص يتوفر على معلومات منتجة في الدعوى الجنائية والذي يحتمل أن يحتاج إلى حماية بسبب المخاطر التي قد يتعرض لها نتيجة آدائه للشهادة”.

 

  • دعوة المشرع المغربي لإضفاء مزيد من الحماية للشاهد وذلك من خلال النص على جعل صفة الشاهد ظرفا مشددا في العقاب على بعض الجرائم متى كان محلا لها بسبب أدائه للشهادة كجرائم القتل والضرب والجرح و الخطف…وغيرها من الجرائم.

 

  • التنصيص على إجراءات تقديم طلب الوضع تحت نظام الحماية المتعلق بإخفاء هوية الشاهد والبيانات التي يجب أن يتضمنها طلب الحماية.
  • التنصيص على عقوبات صارمة لمعاقبة كل من أفشى معلومات متعلقة بهوية وأماكن وجود الشاهد المشمول بالحماية وذلك أسوة بالتشريعات المقارنة.

 

  • على المشرع المغربي أن يتدخل لوضع الحد الأقصى لمدة هذه الحماية،وذلك نظرا للالتزامات المالية الإضافية التي يتطلبها تنفيذ التدابير الحمائية والتي ستثقل كاهل الدولة ،ونقترح أن تستمر تدابير الحماية الى أن يفصل في الدعوى الجنائية بحكم باث،كما أنه يمكن للجهة التي منحت الأمر بالحماية إنهاءها قبل ذلك بناء على قرار قضائي مسبب وإن كان يجوز لها في حالة الضرورة بناء على طلب المشمول بالحماية أن تقرر استمرار الحماية للمدة التى تراها مناسبة.
  • على المشرع المغربي أن يحدد الجهة التي ستساعد أجهزة التحقيق على توفير الحماية اللازمة للشهود كالنص على إنشاء وحدة خاصة بحماية الشهود.

 

 

  • وجوب الأخذ بنظام اتفاق الحماية : يتعين أن يكون تطبيق قانون حماية الشهود بناء على اتفاق بعقد بين جهة التحقيق والشاهد يتضمن أهم الالتزامات الواقعة على كلا الطرفين والآثار المترتبة على إخلال أي منها بالتزاماته والحالات التي يجوز فيها إلغاء هذا الاتفاق.
  • على المشرع المغربي التفكير في إحداث برنامج أو برامج لحماية الشهود يتم فيها تحديد اختصاصات وصلاحيات كل جهة متدخلة فيه، ويتم فيه أيضا تكليف الجهة التي ستتولى التنسيق بين جميع هذه الجهات بما يحقق الغايات من هذه البرامج، وبما يضمن للشهود حماية فعالة خاصة في جرائم المال العام. لذا نقترح أن تكون هذه الجهة مشكلة تشكيلا محددا وتضم من بين أعضائها ممثلين لكل من النيابة العامة والشرطة ووزارة العدل ووزارة الداخلية، أما بخصوص الشهود السجناء فإن تنفيذ الحماية المقررة لهم يكون بواسطة المدير العام للمؤسسات السجنية.
  • إن الحماية المضفاة على الشهود يجب ألا تقتصر على الجرائم الارهابية والرشوة وتلك المحددة في المادة 6-82 من قانون 10-37 وإنما ينبغي أن تمتد كذلك إلى الجنح المعاقب عليها بأكثر من ثلاث سنوات لخطورتها ولآثارها المادية والمعنوية بوجه خاص على الضحية وعلى المجتمع بوجه عام،وذلك إسوة على الأقل بما جاء في القانون الفرنسي.
  • الاستعانة بالتقنيات الحديثة لحماية الشاهد أثناء مباشرة الإجراءات القضائية كاستخدام الدوائر التليفزيونية والشهادات المسجلة على الفيديو واستخدام الستار لإخفاء هوية الشاهد عن المتهم خاصة في جرائم الاعتداء الجنسي وشهادة الأطفال وذلك لحمايته من الضغط النفسي الذي يحدث له أثناء أدائه للشهادة أمام المحكمة.
  • للعمل بنظام الشاهد المخفي أو المقنع يجب حفظ حق المتهم في مناقشة الشهادة ودحضها لما في غياب ذلك من مساس بحقوق دفاعه ومساس بقرينة البراءة إذ يجب على الأقل وما دام أن الأمر يشكل استثناء من القاعدة أن يتم توضيح دواعي الحاجة إلى عدم الإفصاح بصفة موضوعية فيما يتعلق بكل شاهد،ويجب على القاضي عند النظر في مسألة منح أو عدم منح أمر عدم الإفصاح أن يجري تحقيقا كاملا في خطورة ومدى جدية المخاوف التي تسيطر على الشاهد الذي يسعى للحصول على أمر عدم الافصاح،كما يجب ألا ترتكز أي إدانة فقط ، أو إلى حد حاسم،على أقوال غير المفصح عن هويته،وأن يمنح الحق لمحامي المتهم او المشتبه فيه للحضور أثناء الاستماع إلى الشاهد أمام اي جهة قضائية أو غيرها وذلك لطرح الأسئلة من جهة ولاستجلاء الحقيقة من جهة ثانية علما أن المحامي ملزم بكتمان السر المهني ولاخشية تبعا لذلك من إظهاره لهوية الشاهد.

كما يجب وضع عدد من وسائل الوقاية الاضافية كأن تكون الأدلة على قدر كبير من الأهمية وأن يعلم القاضي  هوية الشاهد وأن يتحقق من مصداقية الشخص الذي يتم من أجله الحصول على الأمر وأن يتم اعطاء الدفاع الفرصة لاستجواب الشاهد حول كافة المسائل باستثناء هوية الشاهد وأماكن تواجده هو وأفراد أسرته.

  • يجب أن يتضمن القانون بنودا لحماية الشاهد في عمله ،كالتأكيد على حقه في الطعن أمام القضاء الإداري ضد تعسف رئيسه في العمل جراء ادائه للشهادة.وذلك أسوة بالمشرع الأردني الذي ينص في المادة 23 من قانون هيئة مكافحة الفساد 2006 على حماية الشهود في أماكن عملهم وتحصينهم من أي تمييز أو سوء معاملة.كما تنص المادة 9 من النظام على الحماية القانونية للشاهد ضد أي قرار اداري من شأنه أن ينقص من حقوق الشاهد أو يحرمه منها أو أي اجراء من شأنه أن يؤدي إلى اساءة معاملة الشاهد أو الاساءة الى مكانته أو سمعته.
  • تحصين الشاهد ضد أي ملاحقة تأديبية أو جنائية على أساس إفشاء السر المهني،كلما تعلق الأمر بجريمة يطلع عليها المواطن بمناسبة مزاولته لمهامه،وتجريم التصرفات الرامية الى حمل الأشخاص على الامساك عن الادلاء بشهاداتهم وذلك على غرار تجريم تزوير الشهادة.
  • نظرا لغياب من يتولى أمر الشاهد داخل قاعات المحكمة،فإننا نقترح أن يتم إنشاء قسم خاص لتقديم المساعدة للشاهد داخل كل محكمة يتولى الإهتمام به منذ استدعائه إلى حين ادلائه بشهادته وذلك من خلال تقديم مجموعة من الخدمات له في جميع مراحل الدعوى العمومية.

قد يعجبك ايضا