الحماية الدولية للاجئين بين حق اللجوء وفكرة الملجأ عقب حالة الطوارئ الصحية ورهانات المقاربة الحقوقية

المعلومة القانونية

* سعيد شرو

  • خريج ماستر القانون الدولي الخاص والهجرة

 

تقديم:

غذت مسألة اللجوء تتصدر في الآونة الأخيرة أجندة الأعمال الدولية والإقليمية نظرا لأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ولعل تزايد اللاجئين ساهم بشكل كبير في هذه الصحوة الدولية المتمثلة في وعي الدول بخطورة الظاهرة خاصة الأوروبية التي عملت على تقييد حق اللجوء في تشريعاتها الداخلية، وشدها الخناق على اللاجئين وعدم احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان مما جعلها تحيد عن الإطار المعياري لحماية اللاجئين والمتمثل في اتفاقية جنيف لسنة 1951 .

وبنفس الاهتمام بوضعية اللاجئ يلقى حق اللجوء اهتماما واسعا في الأوساط الدولية، كونه يعد من حقوق الإنسان وفق الترسانة المعترف بها دوليا باعتبار اللاجئين اشخاص انتهكت حقوقهم الإنسانية انتهاكا خطيرا، أو عرضوا لتهديد خطير إثر التمتع بهذه الحقوق.

وقد اولت الشرعة الدولية عناية لا تخفى للمتتبع بشكل عام والمتخصصين على وجه التحديد  بوضعية اللجوء و اللاجئين بسن ضمانات تقيهم شر الانتهاكات الجسيمة الذين يتعرضون لها كفئة هشة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بشكل فردي أو جماعي، مما جعل الدول المضيفة تستقبل عددا مهما من طلبات اللجوء إضافة إلى من تمت قبول طلباتهم واكتسبوا صفة لاجئ، الأمر الذي خلق لها نفقات إضافية تعتبرها سلبية على اقتصادها.

أما الغاية من حماية اللاجئين فنابع من إعمال مقاربة حقوقية تنموية لضمان حقوق اللاجئين بتوفير بنية قانونية ومؤسساتية وفق المعايير المخصصة لهذا الغرض دوليا والتي تشكل الحد الأدنى لصون كرامتهم وتوفير الأوضاع الكريمة لهم، ثم السعي في خلق ظروف ملائمة حتى يتسنى للمضطهدون من ممارسة حق اللجوء والعثور على ملاذ آمن في دولة اخرى، وهذا ما اكد عليه المجتمع الدولي في إقرار قضية الحماية الواجبة للاجئين عن طريق صياغة اتفاقيات دولية وإقليمية ومتعددة الأطراف، ثم تكميلها وتفسيرها من خلال بروتوكولات مكملة لها تعنى  بشؤون اللاجئين.

غير أن تحديد الإطار المفاهيمي للاجئ بصورة عامة، من المسائل الصعبة المنال في القانون الدولي نظر لعدم وجود تعريف  منتهى إليه ومتوافق عليه في الفقه الدولي، إلا أن الجهود الدولية والإقليمية ساهمت إلى حد كبير في إعطاء تعريف اللاجئ بناءا على ظروف و اعتبارات خاصة، والملاحظ في هذا الصدد ان التعاريف المقدمة تختلف باختلاف وضعية اللاجئ بين لاجئ سياسي، اللاجئ المطرود من وطنه بفعل العدوان أو الإحتلال وهو يختلف عن اللاجئ بفعل سياسية التطهير العرقي وهذا الاخير لا محالة يختلف عن لاجئ الكوارث الطبيعية وهكذا اختلفت التعريفات في المواثيق والأعراف الدولية.

وفيما يلي سنتطرق إلى مفهوم اللاجئ واختلافه عن حق الملجأ، وكذا النظام القانوني للدولة المستقبلة للاجئين من خلال عرض أهم الحقوق والالتزامات الملقاة عليها والنابعة من صميم الترسانة الحقوقية في مجال حقوق الإنسان الغير قابلة للتجزيئ كما هو متعارف عليها كونيا.

المبحث الأول: مفهوم اللاجئ وحق الملجأ في القانون الدولي

يشكل القانون الدولي مرجعا أساسيا في ضبط و تنظيم التعاملات والعلاقات الناشئة بين الدول، رغم تعدد مصادره وتنوعها بين اتفاقيات سواء كانت دولية أو إقليمية بالإضافة إلى الأعراف الدولية.

ومن الواضح أن الهدف من إقامة النظام الدولي للجوء هو ضمان حماية اللاجئ من الأخطار التي تهدده في دولته الأصلية أو دولة إقامته الاعتيادية بما في ذلك تجنيبه الوقوع بين أيدي  السلطات هذه الدولة. وعلى هذا الأساس فإن  مبدأ عدم الإبعاد او مبدأ عدم الرد باعتباره مبدأ مؤطر قانونيا و مصون دوليا يمثل بلا شك ضمانة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها في مجال الحماية الدولية للاجئين.

المطلب الأول: مفهوم اللاجئ وحق الملجأ في الاتفاقيات الدولية والإقليمية

كما سبقت الإشارة إليه يشكل القانون الدولي إطارا معياريا في ضبط العلاقات والمعاملات بين دول مختلفة، كما تتعدد مصادره بين الاتفاقيات والاتفاقات والأعراف التشريعية سواء كانت على المستوى الدولي أو على الصعيد الإقليمي.

وفي نفس السياق الرامي لتحديد دقيق للمفاهيم يفرق الفقيه “بتاتي” بين اللاجئ قيد البحث عن الملجأ او الأمن ويقول في هذا الصدد : إن اللاجئ في القانون الدولي هو الإنسان الذي يبحث عن ملجأ في سفارة أو إقليم دولة غير الدولة الذي ينتمي إليها، وذلك لأنه محاط بخطر مادي يستحيل درئه، كما يفرق بين حق اللجوء   Le droit de refuge وفكرة الملجأ    Le droit d’Asile, ويعرف حق اللجوء بالحماية المؤقتة ضد خطر واضح ومحدق بملتمس اللجوء، أما حق الملجأ فهو حق مقيد بالنظام المانح للحماية الدائمة، ويوضح الفقيه ان هناك اختلاط في استعمال الفكرتين، وبعض الغموض1.

  • Mario Bettati : l’asile politique en question, un Statut pour les réfugiés, Puf, Paris. P 79.

وعرف المندوب السامي الأسبق للاجئين “صدر الدين اغاخان ” اللاجئ : انه أجنبي غير عادي له خصائص معينة تميزه عن باقي الأجانب الذين يوجدون في ظروف عادية،……” كما أبرز المندوب السامي الترابط القائم بين مؤسستي اللجوء وحماية اللاجئين عقب تحليله لأحكام اتفاقية جنيف 1951، غير أنه لم يجد سبيلا للتأكيد صراحة على عدم التنصيص على حق اللجوء في الاتفاقية السابقة الذكر مما قد زاد من الالتباس الذي يكتنف المركز القانوني المعترف به دوليا للاجئ.

كل هذه التعريفات أسهمت في تحديد نسبي لحق اللجوء وحماية اللاجئين امام غياب تعريف جامع مانع في القانون الدولي، بسبب ام كل وثيقة دولية تنفرد بتحديد تعريف اللاجئ وفق ما تقصده احكامها، وحتى الممارسة الدولية لم تساعد على الاتفاق على مفهوم موحد، ليبقى سائدا القول لاجئ وفق مقتضيات اتفاقية جنيف لسنة 1951، أو لاجئ مشمول باتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية(منظمة الاتحاد الإفريقي حاليا) لسنة 1969، وهذان هما التعريفان الأكثر تداولا في يومنا بالإضافة إلى تعاريف وردت في اتفاقيات أخرى ونخص امريكا اللاتينية.

الفقرة الأولى: مفهوم اللاجئ في الاتفاقيات الدولية

تعتبر هيئة الأمم المتحدة السلطة التشريعية الدولية بالنسبة للمجتمع المدني الدولي، وذلك من خلال صياغة قواعد القانون الدولي وتفصيل بنوده..

في هذا السياق قامت الهيئة المذكورة بسن مجموعة من الاتفاقيات الدولية إلى جانب الإعتراف بعدد من الأعراف الدولية التي تحمي اللاجئ وفق احترام حقوق الإنسان، وكانت أول اتفاقية تعنى بالمركز القانوني للاجئ وحمايته سنة 1951، كحجر اساس بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما نتج عنها من دمار عالمي أدى بطبيعة المآل إلى نزوح المدنيين وهروبهم خوفا من الخطر المحدق بحياتهم بسبب الحرب القائمة.

وقد جاءت الاتفاقية بتعريف لمصطلح اللاجئ على انه ” كل شخص يوجد نتيجة لاحداث وقعت قبل الأول من يناير 1951، وبسبب تخوف له ما يبرره من التعرض لاضطهاده لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته وغير قادر أو لا يريد بسبب ذلك التخوف ان يستظل بحماية دولته2، أو كل شخص لا يتمتع بجنسيته، ويوجد خارج دولة إقامته المعتادة بسبب تلك الظروف، ولا يستطيع أو غير راغب بسبب التخوف ان يرجع لتلك الدولة )١٦(.

  • احمد الرشيدي: الحماية الدولية للاجئين- أشغال ندوة نظمها مركز البحوث والدراسات السياسية بالقاهرة، نشرت عام 1997. ص، 20

يظهر والتعريف أعلاه يؤكد أن الإتفاقية وإن وصفت من حيث طبيعتها بالدولية إلا أنها خصت شعوبا بعينها وهي تلك التي كانت تعاني من آثار ح.ع.2 كما سلف الذكر، وعموما هي دول أوروبا الراغبة في إحياء بنياتها وإيجاد حل لمواطنيها الذين تركوا ديارهم مكرهين على ذلك خوفا من الحرب.

إلا أن هذه الثغرة لم تدم طويلا فسرعان ما تنبه فقهاء القانون الدولي بمعية خبراء مختصين في القانون تحت لواء هيئة الأمم المتحدة إلى الخلل التي الحقه التقييد الزمكاني (الزمان والمكان) على اللاجئين بعد التاريخ المذكور وخارج أوروبا، ليصدر البرتوكول الخاص باللاجئين الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1967 رافعا عن التعريف السابق القيدين المذكورين، ليصبح اللاجئ هو كل متى ما استوفت فيه الشروط المذكورة دون مراعاة الزمان والمكان الموجود به، لكن التعريف في الاتفاقية بقي في صيغته الأولية رغم أن البروتوكول تجاوزها 3.

  • محمود السيد حسن داوود: حماية اللاجئين إبان النزاعات المسلحة، مجلة السياسة الدولية  العدد 163، أكتوبر 2005، ص: 8 وما يليها.

والملاحظ في نفس السياق أن الإتفاقية الأممية الخاصة بالاجئين اكتفت بالحماية الفردية دون الجماعية بخصوص اللجوء، حيث أشارت إلى الاضطهاد الممارس على الشخص بسبب جنسيته أو دينه أو عرقه أو آرائه السياسية وهو ما يحيل على حالات اللجوء السياسي للأفراد المعارضين بشراسة لحكوماتهم، دون الاهتمام بوضعية اللجوء الجماعية للأفراد وكمثال في لاجئون بسبب الإبادة.

وتجدر الإشارة انه سبق تعريف اللاجئ في اتفاقية جنيف الصادرة بتاريخ 12 غشت 1949، فقد نصت على أن اللاجئ هو” كل إنسان يخشى جديا من تعذيبه أو اضطهاده بسبب جنسه أو دينه أو جنسيته، ووجد خارج بلاده قبل العاشر من كانون الثاني 1951 بسبب أحداث وقعت في البلاد التي يحمل جنستها”.

إن التعريفين الواردين في الاتفاقية الأممية لسنة 1951 وكذا اتفاقية جنيف لسنة 1949 ، اعتراهما قصور وتخللتهما عيوب في الصياغة، كما لا يجيبان عن حالات اللجوء الغير المرتبطة بالقيد الزمكاني وكذلك للتركيز على الاضطهاد وحده كسبب جوهري في حق اللجوء، لتحمل المشعل بعض الدول الإفريقية والأمريكية بغية تجديد التعريف والتوسع فيه أو كحد ادنى توضيح معالمه.

الفقرة الثانية: مفهوم اللاجئ في الاتفاقيات الإقليمية

نتج عن قصور اتفاقيتي جنيف واتفاقية 1951 وبروتوكولها المكمل لها عام 1967، إلى محاولة بعض القوى الإقليمية لصياغة تعريف اكثر شمولية وتدقيقا وتحديدا من سابقه ويرتبط بالظروف الخاصة بالإقليم وفي هدا الإطار شرعت منظمة الوحدة الإفريقية معاهدة مؤرخة في 10 من شتنبر 1969، بسبب تنامي أعداد الاجئين الأفارقة بوتيرة غير مسبوقة هروبا من الحروب و النزاعات المسلحة الداخلية المعروفة في إفريقيا منذ منتصف الخمسينيات، واولت هذه المعاهدة اهتماما بوضع اللاجئين مع مراعاة الخصوصية المتمثلة في مشاكلهم في القارة الأفريقية، وجاء مفهوم اللاجئ فيها اهتداءا وتأسيسا على اتفاقية 1951 الخاصة بوضعية اللاجئين، الا انها حرصت على ملائمته مع ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية.

وجاء تعريف اللاجئ في معاهدة منظمة الوحدة الإفريقية كالتالي ” أي شخص بسبب عدوان أو احتلال خارجي أو سيطرة أجنبية أو أحداث تخل بشدة بالنظام العام، إما جزئيا أو كليا في الدولة التي ينتمي إليها بأصله وجنسيته، اجبر على ترك مكان إقامته المعتادة للبحث عن مكان آخر خارج دولة اصله أو جنسيته.

يستشف من خلال القراءة المتأنية للتعريف اعلاه انه رغم حصر نطاق الحماية في شكل فردي شخص كما ورد في اتفاقية 1951 إلا أنه توسع فيها وجعلها مرتبطة ومتعلقة بالظروف الداخلية التي كانت تعاني منها إفريقيا آنذاك، لأجل ذلك لم يعد الاضطهاد هو السبب الوحيد والرئيسي في صفة اللاجئ، بل عززته بالعدوان أو الإحتلال الأجنبي، مما يوحي أن مفهوم اللاجئ منحته منظمة الوحدة الإفريقية بعدا وطنيا خاصا ومميزا عن سالفه.

ولازلنا مع مفهوم اللاجئ في الاتفاقيات الإقليمية نقف مع المواثيق الأوروبية الصادرة عن الإتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين والتي قامت بإعطاء أوصاف ادق من خلال القرارات والتوصيات نذكر من اهمها، القرار 14 لسنة 1967 بمنح حق الملجأ للأشخاص المعرضين لخطر الاضطهاد، كما أشار الاتفاق الأوروبي لسمو 1980 إلى نقل المسؤولية عن اللاجئين، وكذلك توصية 1948 بشأن حماية الأشخاص المستوفين الاشتراطات معاهدة جنيف ممن لم يعدوا لاجئين قبل سنة 1984. كما اجبرت معاهدة دبلن لسنة 1990 التي تضع معايير لتحديد أية دولة عضو، تعد مسؤولة عن النظر في طلب حق الملجأ عندما يطلب الاجئ حق اللجوء إلى دولة أو أكثر من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ولئن عانى المجتمع الأوروبي من إشكالية اللجوء جراء آثار الحرب العالمية الثانية، نجد أن القارة الأمريكية خاصة مجتمعات أمريكا اللاتينية قد واجه هذه المعضلة سنة 1933، بداية بأول وثيقة إقليمية تتناول اللجوء وهي اتفاقية مونتفيديو الخاصة بالقانون الجنائي الدولي وتناولت في شق منها قضية اللجوء، لتليها تحديدا سنة 1954 معاهدة كراكاس المتعلقة بحق اللجوء الإقليمي والدبلوماسي.

وختما بإعلان قرطاج لسنة 1984 لينظم المركز القانوني لمعاملة اللاجئين من أمريكا اللاتينية، خصوصا بعد المعارك و النزاعات الدامية التي أثرت على الإقليم وادت لنزوح ما يعادل مليون شخص خارج بلدانهم، وهو ما تسبب في انهاك الاقتصاد الداخلي للدول المستقبلة لهذا التدفقات المهولة،  ومن أهم ما تطرق له الإعلان هو المركز القانوني للاجئين و إرساء مبدأ عدم الرد في حق اللاجئين قسرا إلى ديارهم، مع إيجاد كيفية لتأهيلهم وإدماجهم في سوق الشغل في بلد اللجوء، مع الدعوة الأظافر كل الجهود لإيجاد حل شامل ومتوافق عليه لمشكلة اللاجئين.

وتجدر الإشارة إلى أن المستجد في الإعلان انه يتحدث عن أشخاص اي مجموعات فايت من بلدانهم جراء تصاعد أعمال الشغب والعنف مما يحيل انه تجاوز الاتفاقيات السابقة التي جاءت لتوفير الحماية بشكل فردي إلى الحماية الجماعية أو بشكل جماعي للفارين من بلدانهم مما يعني ان الإعلان كان اكثر دقة وشمولية من جميع الاتفاقيات السابقة له، لكنه رغم استناده للقانون الدولي في تعريف اللاجئ إلا أنه غير ملزم للدول و الحكومات لأنه ليس معاهدة دولية بالمعنى القانوني وإنما فقط إعلان خاص مقيد بزمان ومكان محدد ومجموعات بشرية خاصة، واردنا ان نورد مفهوم الاجئ في الإعلان في الاخير  بعد الإعلان اعلاه عن أهم مرتكزاته وخصوصيته ومميزاته حتى يتبين مدى تجاوز التعريف التالي مل التعاريف السالفة،  اللاجئ في تعريف قرطاج كالتالي ” إن الأشخاص الفارين من بلادهم بسبب تهديد حياتهم أو أمنهم أو حريتهم ، بسب أعمال العنف أو عدوان خارجي أو نزاعات داخلية أو خرق عام لحقوق الإنسان، أو أية ظروف أخرى أخلت بالنظام العام في بلادهم “.

المبحث الثاني: الحماية الدولية للاجئ بين حالة الطوارئ الصحية والرهانات الحقوقية

إن مفهوم “الحماية الدولية للاجئين 4 ” يوحي بوجود علاقة قانونية بين الشخص والقانون المعياري الدولي القائم على أساس هذه الحماية والوقاية والتأطير الدولي.

  • SCHNYDER : « Aspect juridique du problème des réfugiés », RCADI,T,1,p.407 et suiv.

والمقصود بحق الملجأ في القانون الدولي هو تلك ” الحماية التي تمنحها الدولة لأحد الأجانب الذي جاء طلبها في إقليم تلك الدولة أو في مكان آخر يتعلق ببعض اجهزتها الموجودة في الخارج، وفي الصدد ذاته جاءت المادة الأولى من قرارات معهد القانون الدولي في دورته لعام 1950 بتعريف الملجأ على انه” الحماية التي تمنحها دولة لأجنبي جاء يطلبها في إقليمها أو في مكان آخر يتعلق بأجهزتها. كما حدد النظام الأساسي للمفوضية السامية للاجئين الوظيفة الجوهرية للمفوض الاممي في إطار اختصاصاته، في توفير وضمان حماية دولية لهم تحت لواء الأمم المتحدة، وبذلك تعتبر هذه الوظيفة الموكولة للمفوض السامي آلية قانونية ومؤسساتية لحماية اللاجئين في القانون الدولي عوض تلك الحماية الوطنية التي انتهكت لأسباب عديدة و متعددة.

وفي هذا المبحث سنحاول التطرق للحماية الدولية للاجئين من خلال استعراض الإلتزامات القانونية الإيجابية أو السلبية الملقاة على عاتق الدول المستقبلة مع التعرض المقاربة الحقوقية المغربية في التعاطي قضية اللجوء.

المطلب الأول: الإلتزامات الإيجابية للدول المستقبلة للاجئين

إن الإلتزامات الواقعة على الدولة المستقبلة أو المضيفة والواجب القيام بها ، عديدة ومستمدة من الترسانة الدولية الخاصة بحماية حقوق اللاجئين كما هو متعارف عليها دوليا نذكر منها اهمها 5:

  • Annuaire de l’institut De Droit international.1950 vol 43 Tom 2, P :376.

تتعهد الدول المضيفة بمعاملة الاجئ بنفس معاملة الأجانب المقيمين لديها بصورة شرعية، ما لم تقرر لهم اتفاقية عام 1951 أو الاتفاقيات الخاصة معاملة افضل، وهو ما أوردته المادة السابعة من الاتفاقية المذكورة التي جاءت بعنوان ” الإعفاء من المعاملة بالمثل ” ويتحتم في الأحوال جميعها ان تعفي الدولة المضيفة اللاجئين لديها بعد مرور ثلاث سنوات من قيد المعاملة بالمثل مع دولتهم.

  • انضمام الدول المضيفة كطرف في الاتفاقيات الدولية المعنية بأعباء اللاجئين ، واتخاذ خطوات اللازمة الحرص على تنفيذها وفق ما تضمنته في بنودها، كما يجب أن تدخل في اتفاقيات خاصة مع المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لغرض تنفيد الإجراءات الرامية إلى تحسين وضع اللاجئين، وحصر الحالات المحتاجة للوقاية والحماية.
  • قيام الدول المستقبلة بصيانة الحقوق المكتسبة سابقا لاجئ وخاصة ما تعلق منه بحالته الشخصية والحقوق المدنية المرتبطة بها من الحقوق المتعلقة بالزواج و العمل …على أن تكون هذه الحقوق معترف بها في تلك الدولة وإن لم يكتسب صاحبه صفة لاجئ
  • الاعتراف للاجئ بالحق في التقاضي ،أي إمكانية ولوج المرفق القضائي على غرار الأجانب النظاميين و المواطنين ، والتمتع بجميع درجات التقاضي أو في حالة عوزه تمكينه من المساعدة القضائية، والإعفاء من المصاريف وغيرها من الإمتيازات المخولة للوطنيين والأجانب على حد سواء وفق القانون الساري النفاذ في بلد الاستقبال.
  • تسهيل إجراءات الحصول على الجنسية بالنسبة لمن يحمل صفة لاجئ متى ما توفرت الشروط المهمة لذلك بنوع من المرونة مع مراعاة وضعية الاجئ وهشاشته واستحالة استيفائه لجميع الشروط الواجبة لاكتساب الجنسية.

إضافة إلى ما ما سلف ذكره والذي يجد أساسه القانوني في اتفاقية 1951 المعنية بحماية اللاجئين، فإنه عند استباب الأمن والسلام في البلدان الأصلية للاجئين تعمل الدول المستقبلة لهم على تسهيل عودتهم إلى بلدانهم، وذلك عن طريق التشاور مع الحكومات المعنية، ومراقبة تنفيد القرارت مع الحرص على الضمانات بالنسبة للعائدين منهم إلى أوطانهم على أساسها.

المطلب الثاني: الإلتزامات السلبية للدول المستقبلة للاجئين

إلى جانب الإلتزامات الإيجابية الواقعة على عاتق الدول المستقبلة، تنضاف الإلتزامات السلبية وسبب تسميتها كذلك يكنت في أنه في الإلتزامات السالفة الذكر تقوم الدول بمجموعة من الأفعال والإجراءات القانونية لغاية حماية سلامة اللاجئين، اما في التزاماتها السلبية التي تقيد من التدخل وتجعل من الامتناع مبدأ بموجب الحالة الإنسانية من جهة للمتواجدين على أراضيها في حالة لجوء وندكر من أهمها، الامتناع عن الرد القسري للاجئين إلى بلدانهم مالم يثبت صحة استقرار الأوضاع والرجوع إلى الحالة العادية، عدم التمييز بين الأجانب بصفة قانونية و المواطنين واللاجئين في الحقوق سوى ما تعلق منها بالحقوق الخاصة بالوطنيين في القوانين الداخلية، والتساوي أمام القانون وعدم التمييز لأي سبب كان سواء العرق او الدين أو الاصل، كما يتعين على دولة الملجأ توفير وضمان الحماية الكافية للاجئين مما يقيهم المخاطر التي قد تحدق بحياتهم أو تقيد من حرياتهم 6.

6/Statut du haut haut-commissariat

des Nations Unies pour les réfugiés, Annexe à la résolution 428 de l’assemblée générale du 14 décembre 1950, recueil de traités et autres textes de droit international concernant les réfugiés, 3ème ed, HCR, Genève, 1990.

ويرى بعض الفقهاء ان هناك التقائية بين القانون الدولي الإنساني وبين قانون الاجئين ولا سيما عند احتجازهم إثر نزاع مسلح، أي ضحايا نزاع سواء كان داخلي أو دولي، ففي الحالة هاته يتمتع اللاجئون بحماية دولية مزدوجة.

ولعل القانون الدولي للاجئين تأثر بشكل كبير بالقانون الدولي الإنساني من حيث تبني بعض المبادئ والقواعد إن على مستوى تحديد المعايير أو فيما يخص التفسير، ولعل أهم المبادئ في القانون الدولي للاجئين هي الطبيعة المدنية لمراكز اللاجئين سواء النظاميون منهم أو غير النظاميون، ولعل الهدف واحد غير قابل للتجزيئ وهو الحماية الدولية لحقوق الإنسان.

المطلب الثالث: المقاربة المغربية في التعاطي مع إشكالية الهجرة الدولية

جاء في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثامنة والثلاثين للمسيرة الخضراء: “…واعتبارا للأوضاع التي تعرفها بعض هذه الدول، فإن عددا من مواطنيها يهاجرون إلى المغرب بصفة قانونية أو بطريقة غير شرعية، حيث كان يشكل محطة عبور إلى أوروبا قبل أن يتحول إلى وجهة إقامة. ”

ومن خلال المقتطف من خطاب الملك أعلاه يستشف ان المغرب وعى بطبيعة التحولات والتحديات التي افرزتها تدفقات المهاجرين واللاجئين بغض النظر عن مركزهم القانوني، كما حث نفس الخطاب على : ” بلورة سياسة شاملة جديدة، لقضايا الهجرة واللجوء، وفق مقاربة إنسانية، تحترم الإلتزامات الدولية لبلادنا وتراعي حقوق المهاجرين. ”

ولا ننسى الدعوة التي وجهتها المملكة المغربية على اعتبارها فاعلا ومعنيا اقليميا ودوليا محوري بمناسبة أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2013 إلى إقامة “تحالف أفريقي للهجرة والتنمية”.

وفي هذا الإطار سنحاول استعراض أهم مظاهر المقاربة الحقوقية المغربية في ملف الهجرة واللجوء علما ان المغرب استفاد من تراكمات طيلة السنوات الماضية وتجربة هامة في هذا الصدد.

المراهنة على المقاربة الحقوقية والتنموية لتعزيز الأمن الإنساني في مجال الهجرة واللجوء على الصعيدين الإقليمي والدولي فلا يخفى على أحد أن الظرفية الراهنة بتحدياتها ورهاناتها الصعبة المراس نتيجة تشعب القضايا وتباين الارتباطات في عدد من القضايا الإقليمية ومنها القضايا المصيرية للملكة والمتمثلة في قضية الوحدة الترابية والعودة إلى الحاضنة الإفريقية، ينضاف الى ذلك الوفاء بالإلتزامات الإقليمية والدولية.

الشراكة الإفريقية المغربية الرائدة، واضح مدى إسهامات المملكة في النهوض بالتنمية في العديد من الدول الإفريقية الشقيقة، وذلك من خلال تدشين ملك المغرب مشاريع كبرى تنموية وهو منعطف جديد للديبلوماسية المغربية من خلال الانفتاح على إفريقيا وترك بصمة مغربية في الوحدة الإفريقية.

المغرب شريك اقتصادي وبعد استراتيجي ولا يقبل دور حارس أو دركي، فالسياسة المغربية الجديدة ليس مجال الهجرة الدولية ترتكز اساسا على الشراكة مع فاعلين اساسيين ” إفريقيا و أوروبا ” ويكون للمغرب فيه دور مهم لأنه المعني اساسا بالآثار الجسيمة للتدفقات الدولية للمهاجرين وذلك طبعا إن تم تمكينه من الوسائل الكفيلة في إطار مبدأ التعاون والتنسيق الدولي.

إن معالجة ظاهرة الهجرة الدولية يحتاج دراسة شمولية تتأسس على الأسباب والمسببات التي تجعل من الظاهرة في تنامي مستمر ومهول وكل ما سلف ذكره هو محاولة للتقريب من وضعية اللجوء بالمغرب فلا زال إلى يومنا غير منظم بنص تشريعي خاص بوضعية اللاجئين بالمغرب!!! سوى مقترح واحد ويتيم غير مفعل إلى اليوم وشبيه إلى حد بعيد بقانون دخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والهجرة غير المشروعة.

خلاصة:

إن حق اللجوء الملجأ من الحقوق الأساسية التي ضمنتها الشرعية الدولية الخاصة باللجوء، كما يعد في وقتنا الراهن من الضروريات المصاحبة لحق الحياة رغم عدم  احترامه من جل الدول وهو جلي من عدم انضمامها للمعاهدات والاتفاقيات الدولية والإقليمية الخاصة بالاجئين، لأن الانضمام يعني تدفق اعداد من ملتمسي اللجوء وأعباء مالية ثقيلة، كما لتضارب المصالح نصيب في ذلك فانضمام دولة قد يسبب مدا وجزرا في علاقاتها مع الدول الجارة، فيصبح الإلتزام بصك دولي سبب لتوتر إقليمي!!!

قد يعجبك ايضا