ورقة علمية: نشأة وتطور القضاء الإداري الفرنسي

المعلومة القانونية

*امحمد العزوزي

*علي البقالي الفحال

باحثين بماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة

مقدمة:

يعتبر القضاء إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء الدولة، فالعدل أساس الملك، ولا يمكن تصور حياة منضبطة داخل الجماعة البشرية إلا إذا كان هناك جهاز مستقل وفعال يقوم بتصريف العدالة بين الأفراد بخصوص ما ينشأ بينهم من نزاعات، وبقدر ما تتشعب العلاقات بين الأفراد وتشتد التحديات التي تفرضها التحولات الاقتصادية والاجتماعية والإيديوليوجية الناتجة عن التطور المستمر للأوضاع  في سياق عملية التغيير اللامتناهية التي تطبع حركة المجتمعات، بقدر ما يكون لزاما على القضاء استيعاب هذه التحولات ومواكبتها على نحو يساهم في عدم إعاقة التطور والانخراط في المسار التنموي إلى أبعد حدوده الممكنة[1].

وإن وصف القانون الإداري بأنه قانون قضائي، يقصد به أن معظم نظرياته الأساسية ومبادئه العامة وأحكامه الرئيسية لم يرد بها نص تشريعي في النظام القانوني أو علم القانون، وإنما كشف عنها القضاء، والفضل في ذلك يعود إلى مجلس الدولة الفرنسي[2] حين رفض أن يطلب القانون العادي ولا سيما القانون المدني على القضايا الإدارية، لكن دوره كقاضي يوجب عليه بأن يصدر حكما فيما يعرض عليه نزاع[3]، والقضاء الإداري لم يكن مجرد قضاء تطبيق كالقضاء العادي الذي يقتصر دوره في تطبيق القانون على الدعوى المرفوعة أمامه، بل قضاءا إنشائيا يبتدع النظريات ويبتكر المبادئ القانونية، ويجد الحلول المناسبة التي تتفق مع طبيعة العلاقات التي تنشأ بين الإدارة والأفراد، ذلك أن طبيعة وظيفة القاضي الإداري تقتضي أن لا يقف عاجزا عن ابتكار الحلول المناسبة للنزاع المطروح أمامه…

وتتبع الدول في تنظيم الرقابة القضائية على الإدارة أسلوبين، إما أن تعهد إلى القضاء العادي الذي تتولى فيه المحاكم العادية الفصل في جميع المنازعات أيا كانت طبيعتها (مدنية كانت أو إدارية) وهو الأسلوب الذي تتبعه الدول الأنجلوسكسونية (نظام وحدة القضاء)، وإما أن تعهد بذلك الرقابة إلى جهة قضائية مستقلة تسمى بجهة القضاء الإداري التي تضم مجموعة من المحاكم تتولى الفصل في المنازعات الإدارية بينما تختص محاكم القضاء الإداري بالنظر في المنازعات المدنية، وهو نظام يرتبط بفرنسا والدول التي تسير في فلكها (نظام ازدواجية القضاء) [4].

وباعتبار أن فرنسا هي مهد القضاء الإداري، والتي أقامت نظاما قضائيا مزدوجا أحدهما عادي الذي يتولى الفصل في المنازعات بين الأفراد العاديين، أو بين هؤلاء والإدارة عندما تنزل منزلة الشخص العادي أي عندما تتخلى عن امتيازاتها أما الآخر فهو القضاء المتخصص الذي ينظر في جميع المنازعات الإدارية الذي أصبح اليوم له استقلالية تامة، إلا أن ذلك لم يكن وليد الصدفة بل مر بمراحل مهمة (سوف نتطرق إليه في عرضنا بشكل مفصل)، خاصة بعد قيم الثورة الفرنسية حيث رأت السلطة المنبثقة عنها أن المحاكم العادية قد تعرقل الإصلاحات التي تعتزم الإدارة بها وتحد من فعاليتها[5].

وتعد فرنسا بدون منازع مهدا للقضاء المزدوج في العصر الحديث، وأول من أخذ بنظام القضاء الإداري المستقل، ويعود ذلك إلى سنة 1790م،ـ عندما أصدرت الجمعية التأسيسية القانون 16/24 في أغسطس[6] من نفس العام والذي نص في المادة الثالثة منه على استقلال الوظائف القضائية[7].

وقد مرت نشأة القانون الإداري في فرنسا بعدة محطات تاريخية خلال القرنيين الماضيين وتتمثل بدوها مراحل تطور نظام القضاء الإداري المزدوج، ولم ينشأ القضاء الإداري الفرنسي المتكامل دفعة واحدة في النظام القانوني الفرنسي، بل ارتبط ارتباطا بتاريخ الصراع الاجتماعي والسياسي الداخلي، ففي ظل النظام الإقطاعي كانت جميع مظاهر السلطة مركزة في يد السيد الإقطاعي يمارسها كيفما يشاء وكيفما يحلو له دون قيد أو شرط، فقد كان السيد الإقطاعي وهو المصدر والممارس الحقيقي لما نسميه اليوم بالسلطات العامة الثلاث، فهو المشرع الذي يضع القواعد والأحكام القانونية التي تنظم وتحكم علاقات الأفراد والتابعين له (أفراد إقطاعية)، وهو القاضي الذي يقضي ويفصل في المنازعات الناشئة بينهم، وهو المنفذ الذي يأمر أتباعه وأنصاره بتنفيذ إرادته فقد كانت إرادة الإقطاعي هي المصدر الوحيد للقاعدة القانونية واجبة التنفيذ والتطبيق[8] واتسمت هذه الحقبة التاريخية من التاريخي السياسي الفرنسي بوجود عضو واحدا أو جهة واحدة تتولى بمفردها ممارسة السلطة، فهنالك وحدة العضو (الإقطاعي) يمارس السلطة رغم تعدد الوظائف (التشريع والقضاء والتنفيذ…)، لكن تطور الحياة الاجتماعية وتعقدها أدى إلى عدم مقدرة الإقطاعي على السيطرة وتصريف جميع شؤون الاقتصادية، لطا تكونت بحكم المنطق والضرورة وبرضا ومباركة الإقطاعي[9] جماعة تولت تقديم يد العون والمساندة بغية تصريف شؤون الإقطاعية.

وهكذا مر النظام القضائي الإداري بفرنسا بداية بالإدارة القاضية التي تلتها مرحلة إنشاء لجان وهيئات استشارية، أهمها مجلس الدولة ومجلس الأقاليم حيث عرفت هذه المرحلة بمرحلة القضاء المحجوز (المتعلق أو المقيد)، ثم اعترف فيما بعد لمجلس الدولة والمحاكم الإدارية الأخرى بالفصل في المنازعات ذات الطبيعة الإدارية وإصدار الأحكام بصددها دون الحاجة إلى تصديق الحكام عليها، وهذا هو القضاء المفوض، فبهذا التطور المتعدد المراحل وصلت فرنسا إلى إنشاء القضاء الإداري وعلى رأسه مجلس الدولة، ولا يزال هذا القضاء يعرف التطور يوما بعد يوم كان آخره إنشاء محاكم إدارية استئنافية[10].

لذلك يبدو أنه من الضروري الوقوف على معالم نشوء وتطور القضاء الإداري الفرنسي بالإضافة إلى بنيته واختصاصاته، وعلى هذا الأساس نتساءل عن:

-ما هي مراحل نشوء وتطور القضاء الإداري؟

بهذا يكون من الضروري فحص وتحليل الأشكال السابق وفق التقسيم الآتي:

المبحث الأول: نشأة وتطور القضاء الإداري الفرنسي

المبحث الثاني: التنظيم القضائي الإداري الفرنسي

 

 

المبحث الأول: نشأة وتطور القضاء الإداري الفرنسي

إذا كان تنظيم القضاء الإداري الذي تعرفه حاليا قد جاء نتيجة تطور تاريخي أعطى للقضاء الإداري الحالي معالمه الأساسية فإنه من الضروري التعرض إلى مرحلة نشوء القضاء الإداري الفرنسي (المطلب الأول) ثم الحديث عن تطور القضاء الإداري الفرنسي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: نشأة القضاء الإداري الفرنسي 1772-1872

للوقوف على نشأة القضاء الإداري الفرنسي يجدر بنا أن نستحضر المراحل الثلاث التي مر بها، انطلاقا من مرحلة الإدارة القاضية (الفرع الأول) ثم بعد ذلك سنعرج في موضوعنا عما لحق هذه المرحلة لنصل إلى مرحلة القضاء المحجوز أو المقيد من خلال (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الإدارة القاضية أو الوزير القاضي

تجدر الإدارة القاضية أساسها القانوني في نص المادة 13 من القانون الذي أصدرته الجمعية التأسيسية بتاريخ 24-16 غشت 1790 الذي نص على إلغاء المحاكم القضائية (البرلمانات) وإنشاء ما يسمى بالإدارة القاضية أو الوزير القاضي كمرحلة أولى قبل إنشاء مجلس الدولة الفرنسي، ومنع السلطة القضائية من النظر في المنزاعات التي تكون الإدارة طرفا فيها وأصبحت الهيئات الإدارية هي صاحبة الاختصاص بالفصل في هذه المنازعات،حيث حيث تضمنت هذه المادة أن ” الوظيفة القضائية مستقلة وتظل دائما منفصلة عن الوظيفة الإدارية ولا يمكن للقضاة بأي وجه من الوجود أن يقوموا بعرقلة أعمال الهيئات الإدارية أو أن يقوموا باستدعاء رجال الإدارة للمثول أمامهم بسبب يتعلق بأداء وظائفهم الإدارية”[11] وهذا هو تفسير مباشر لموقف رجال الثورة من السلطة القضائية …إلخ.

وبعد مرور سنوات من هذا التطبيق الخاطئ لمبدأ السلطات كان من الضروري تصحيح هذه الوضعية عن طريق خلق هيئات متميزة عن الإدارة ولو أنها بقيت خاضعة لها للاستشارة معها والاستعانة بها مع بقاء الكلمة النهائية لرئيس السلطة التنفيذية وبالتالي أنشئ مجلس الدولة الفرنسي في صورته الأولى في إطار القضاء المحجوز[12].

وتأكيدا لما جاء قانون 16-24 غشت 1790 الذي يقرر فصل السلطات الإدارية عن السلطة القضائية حيث تولت الإدارة العاملة بنفسها الفصل في المنازعات التي تقوم بينها وبين الأفراد، إذ لم يكن بإمكان الأفراد المتضررين من تصرفات الإدارة أو أحد موظفيها إلى التوجه إلى الإدارة نفسها للتظلم وتقديم الشكوى، وللإدارة وحدها حق الفصل، وبذلك عهد إلى رجال الإدارة العامة بالمهمة القضائية وأصبحت الإدارة هي الخصم والحكم في نفس الوقت الشيء الذي أضفى على هذه المرحلة صفة فترة الإدارة القضائية أو الوزير القاضي بحيث كان يتولى فيها الوزراء وحكام الأقاليم سلطة الفصل في الدعوى التي يقيمها الأفراد ضد الإدارة[13]، ولقد كانت هذه الوضعية مقبولة في السنوات الأولى من الثورة الفرنسية لأن تصرفات المحاكم القضائية “البرلمانات” التعسفية كانت لا تزال عالقة في الأذهان حسب تعبير أحد الباحثين [14]…إلخ.

ولقد استمرت الإدارة القاضية تعمل بصفتها صاحبة الولاية في المنازعات الإدارية، وأحكامها تستأنف أمام مجلس الدولة إلى أن وضع مجلس الدولة بنفسه حدا لذلك إثر قبوله الدعوى المرفوعة أمامه من الأفراد دون المرور على الوزير القاضي، وبهذا الحكم انتهى نظام الإدارة القاضية وتكرس نظام القضاء المزدوج، وأصبح مجلس الدولة صاحب الاختصاص العام في النزاعات الإدارية بأن أصبح الأفراد يرفعون دعاواهم مباشرة أمامه ما لم ينص المشرع صراحة خلاف ذلك.

واستمر الوضع على هذا الحال إلى أن صدر مرسوم 20/09/1988 والذي وزع الاختصاص بين مجلس الدولة والمحاكم الإدارية التي كانت تعرف بمجالس الأقاليم، فأصبح اختصاص مجلس الدولة محدودا على سبيل الحصر وأصبحت المحاكم الإدارية صاحبة الولاية العامة في المنازعات الإدارية وتستأنف قراراتها أمام مجلس الدولة[15]…إلخ.

الفرع الثاني: القضاء المحجوز أو المقيد 1799/1872

كانت هذه الخطوة الأولى ذات أهمية قصوى في تاريخ القضاء الإداري بفرنسا إذ نشأت متميزة للنظر في القضايا الإدارية تمثلت في مجلس الدولة ومجالس الأقاليم رغم أن اختصاصاتها كانت محدودة وخاضعة لتصديق رئيس الدولة، فنشوء مجلس الدولة أصبح تطور القضاء الإداري بفرنسا مرتبطا بتطور هذا المجلس وتطور الاختصاصات المسندة إليه في الميدان الإداري[16].

وبعد إحداث مجلس الدولة في 12 ديسمبر 1799 في عهد نابليون بونابرت وضعت بذلك اللبنة الأولى للقضاء الإداري باعتباره هيئة استشارية إلى جانب رئيس الدولة، حددت مهامه حسب المادة 11 من دستور السنة الثامنة في:

1-الميدان التشريعي:

كان مجلس الدولة يقوم بتحرير مشاريع القوانين بطلب من رئيس الدولة وبطبيعة الحال فإن الفتاوى القانونية التي كانت يقدمها مجلس الدولة إليه غير ملزمة إذ يبقى الرأي النهائي لرئيس الدولة، وبهذا عرف القضاء المقيد[17].

2-الميدان الإداري:

حيث أوكل لمجلس الدولة الاستشاري[18] للسلطة التنفيذية وتبعا لذلك كان يقترح على رئيس الدولة الحلول الخاصة ببعض النزاعات الإدارية “المادة 52 من الدستور للسنة الثامنة من الثورة”، فقد كانت السمة الأساسية لدور مجلس الدولة الفرنسي هي المساهمة منذ البداية في خلق قضاء إداري متميز عن القضاء العادي وبالتالي ازدواجية القضاء[19].

ولقد كان هدف نابليون بونابرت من تأسيس مجلس الدولة الفرنسي تولى مهمة فحص المنازعات الإدارية من جهة وإبداء الرأي والمشورة في المشاكل القانونية التي تعرضها عليها الحكومة من جهة أخرى، وهكذا فقد أسندت المادة 11 من الدستور لمجلس الدولة مهمة تشريعية تتعلق بتحرير مشاريع القوانين بطلب من رئيس الدولة، وفي هذا المجال فقد حرر المجلس معظم القوانين التي عرفها في عهد نابليون بونابرت والمعروفة بمدونة نابليون الخاصة… ونظرا للنزعة الديكتاتورية لنابليون بونابرت اقتصرت مهمة مجلس الدولة الفرنسي في المجال الإداري على الاقتراح وإبداء الرأي وتقديم الحلول لبعض المنازعات الإدارية بدون أن يكون لأحكامه أي إلزام، إذ يتوقف نفاذها وقبولها على مصادقة رئيس الدولة الذي يملك سلطة البت النهائي في المنازعات بإقرار أحكام مجلس الدولة ومنحها الصفة التنفيذية أو رفضها[20]…إلخ.

وإن ما ينبغي الإشارة إليه هو أنه على الرغم أن فترة القضاء المحجوز امتدت حوالي ثلاث أرباع القرن (1799-1872) فلقد كانت السمة العامة لدور مجلس الدولة الفرنسي هي المساهمة منذ البداية في خلق قضاء إداري متميز عن القضاء العادي وبالتالي  تركيز ازدواجية القضاء بالإضافة إلى ذلك فإنه من الناحية العملية فإن الحالات التي لم يعمل بها رئيس السلطة التنفيذية (قنصل أول، امبراطورية وملك عند عودة الملكية) باقتراحات مجلس الدولة في النزاعات الإدارية كانت محدودة جدا، ورغم ذلك فلقد تعرض مجلس الدولة الفرنسي هذه الفترة لبعض الهزات يبقى خلالها صامدا في إطار اختصاصه القضائي المحجوز.

ومنه نخلص إلى أن القضاء المفوض مر بمحطات تاريخية جد مهمة فمنذ صدور قانون منح مجلس الدولة الفرنسي اختصاص البت نهائيا في المنازعات الإدارية دون مصادقة جهة أخرى.

إلا أن هذا القانون رغم أنه خول المجلس سلطة البت النهائي في المنازعات الإدارية، فإنه أبقى على اختصاص الإدارة القاضية، فلا يملك الأفراد اللجوء إلى مجلس الدولة[21] إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون، وفيما غير ذلك تختص به الإدارة القاضية مما أوجد ازدواجا قضائيا، واستمر هذا الوضع حتى تاريخ 13 ديسمبر 1889 عندما قبل مجلس الدولة دعوى قدمها أحد الأفراد مباشرة من دون المرور على الإدارة، وترتب على حكمه فيها أن أصبح مجلس الدولة صاحب الاختصاص العام في المنازعات الإدارية.

وما يمكن ملاحظته أن قرارات المجلس في هذه المرحلة لم تكن تكتسي الطابع القضائي بل لا تخرج عن كونها آراء أو مشاريع قرارات بخصوص منازعات معينة وجب أن ترفع أمام القنصل العام (نابليون) باعتباره رئيس الدولة الذي كان له وحده حق المصادقة عليها أو رفضها فولاية المجلس لم تكن كاملة شاملة وأحكامه لم تكن نهائية، أما مجالس الأقاليم فقد كانت قراراتها قابلة للطعن أمام مجلس الدولة الذي يبدي أيضا بشأنها الرأي ليرفع فيها بعد للقنصل العام والذي إن شاء أضفى الطابع التنفيذي على رأي المجلس وإن شاء رفضه[22].

المطلب الثاني: تطور القضاء الفرنسي 1872/2010

لقد صدر عام 1872م قانون يعطي مجلس الدولة الفرنسي الحق في إصدار البت النهائي في مجال المنازعات الإدارية ومن دون الحصول على صادقة السلطة الإدارية على تلك القرارات التي اتخذها، كما أن الأحكام القانونية باتت تنشر باسم الشعب الفرنسي وليس الدولة، وبالتالي فإن مجلس الدولة أصبح جهة قضائية عليا بمعنى الكلمة، وخاصة عندما تم الفصل بين القضاء العادي والقضاء الإداري ومنه فإن تقسيم هذا المطلب سيتم وفق منهجية تستجيب لدراسة كل حيثيات هذه المرحلة، بدراسة نظام القضاء المفوض (فرع أول)، والإصلاحات الخاصة بكل من مجلس الدولة والمحاكم الإدارية (فرع ثاني).

الفرع الأول: نظام القضاء المفوض

إن السيرورة التاريخية وتطور القضاء الإداري الفرنسي التي تطرقنا إليها في المطلب الأول ظل الوضع فيها ساريا حتى عام 1872 حيث صدر في 24 مايو من نفس السنة قانون مجلس الدولة، ليصحح الوضع القانوني السابق، والذي بمقتضاه أصبح قضاء هذا المجلس نهائيا وأحكامه ملزمة للإدارة (وغير معلقة على تصديق جهة أخرى)، فانتقل بذلك من مرحلة القضاء الإداري المحجوز إلى القضاء الإداري المفوض، لأن أمر الفصل في المنازعات الإدارية بات مفوضا إليه، فقام مجلس الدولة الفرنسي كمحكمة قضائية بالمعنى الصحيح، بالإضافة إلى دوره في مجال الإفتاء وصيانة المشاريع، وهذا ونص نفس القانون على إنشاء محكمة تنازع الاختصاص للفصل في منازعات الاختصاص التي يمكن أن تثار بين جهتي القضاء العادي والإداري وبذلك أقام المشرع الفرنسي نظام القضاء المزدوج، غير أن قيام مجلس الدولة كمحكمة للقضاء الإداري لم يضع حدا لنظام الإدارة القاضية بل ظلت الإدارة هي القاضي العام في المنازعات الإدارية حتى أواخر القرن التاسع عشر[23].

الملاحظ إذن أن قانون مجلس الدولة لسنة 1872، جاء ليضع الإرهاصات الأولية لإرساء قضاء إداري مستقل، هذا الأخير الذي استطاع أن يفرض ذاته ويؤسس لوجوده بشكل جريء وواضح، ذلك أنه ف 13 ديسمبر من نفس السنة السالفة الذكر.

وإذا كانت صفة القضاء المفوض هي السمة العامة منذ صدور هذا القانون إلى اليوم، فإن القضاء الإداري الفرنسي عرف بعض التطورات المهمة من خلال الاجتهادات القضائية الصادرة خاصة من مجلس الدولة نفسه، والتي أدت إلى تقنين بعض الإصلاحات كان أهمها إصلاحات سنة 1953 والتعديلات التي أدخلت عليه[24].

ويمكن تقسيم هذه المحطات إلى ثلاث مراحل:

-القضاء المفوض والإدارة القضائية

-القضاء المفوض ونهاية الإدارة القاضية

-القضاء الإداري الفرنسي المتطور

أولا: القضاء المفوض والإدارة القضائية

منذ قانون 24 لسنة 1872، انتهت رسميا مرحلة القضاء المقيد أو المحجوز لتحل محلها مرحلة القضاء البات أو المفوض، حيث أن هذا القانون خول لمجلس الدولة سلطة إصدار الأحكام النهائية اللازمة لحسم المنازعات التي تكون الإدارة طرفا فيها، ولم يعد لرئيس الدولة أو لأية جهة إدارية أخرى من سلطة التعقيب على هذه الأحكام[25]، وإذا كان قانون 24 مايو 1872 قد وضع حدا للقضاء المحجوز فيما يتعلق باختصاصات مجلس الدولة القضائية، بأن خول لهذه الأخيرة سلطة البت نهائيا في المنازعات الإدارية المعروضة عليه عن طريق إصدار قرار نهائي دون الرجوع إلى السلطة التنفيذية…

ولقد استمرت هذه الوضعية، لأن الفقه والقضاء في فرنسا فسر إنشاء مجلس الدولة ومجالس الأقاليم في عهد القنصلية في السنة الثانية، بمثابة هيئات إضافية كانت الإدارة العامة لتختص في بعض القضايا الإدارية، وبذلك استمرت نظرية الإدارة القاضية في التطبيق بجانب القضاء المفوض إلى أن جعل مجلس الدولة نفسه حدا لتطبيق نظرية الوزير القاضي عندما قرر في حكمه الشهير كادو Cadot [26] بتاريخ 13 ديسمبر 1889 قبول رفع الدعوى لديه من الأفراد دون المرور على الوزير أولا، وبهذا دخل القضاء الإداري بفرنسا إلى مرحلة جديدة عزز فيها القضاء المفوض بإيقاف تطبيق نظرية الوزير القاضي[27].

ثانيا: القضاء المفوض ونهاية الإدارة القضائية: قرار كادو ديسمبر 1889

بموجب قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 13 ديسمبر 1889 قاضية « cadot » انتقال الاختصاص العام في المنازعات الإدارية إلى المحاكم الإدارية واعترف لمجلس الدولة الفرنسي لأول مرة بأنه مختص بالنظر في كل الطعون بالإلغاء الموجهة ضد القرارات الإدارية إلا إذا كان هناك نص صريح يقضي بخلاف ذلك بينما في السابق لم يكن المجلس مختصا إلا بناء على نص، فإن لم يكن هناك نص يعود الاختصاص إلى الوزراء[28].

ثالثا: القضاء الإداري الفرنسي المتطور

كان القضاء الإداري الفرنسي شهد مرحلة جديدة أكثر تطورا من المحطات السابقة، حيث أنه وبمقتضى مرسوم 28 نوفمر 1953 حيث حدد فيه المشرع اختصاص مجلس الدولة على سبيل الحصر بعد أن تراكمت أمامه القضايا وتأخر الفصل فيها وجعل من مجالس الأقاليم التي حولها إلى محاكم إدارة –بمقتضى مرسوم 30 شتنبر 1953- القاضي العام في المنازعات الإدارية وبذلك أصبحت المحاكم المحاكم الإدارية في فرنسا آنذاك هي: مجلس الدولة والمحاكم الإدارية ليتم بعد نضج كبير وسيرورة تاريخية دامت حوالي 20 سنة إحداث محاكم استئناف إدارية بمقتضى القانون رقم 1127/87 الصادر في 31 ديسمبر 1987[29].

وهكذا عمل مجلس الدولة الفرنسي منذ إقرار استقلال القضاء الإداري على إرساء دعائم قضاء إداري جريء ينطلق في اجتهاداته من طبيعة العلاقة الإدارية المتميزة عن الروابط القائمة بين أفراد، فاعتبر نفسه منذ البداية غير ملزم بتطبيق قواعد القانون المدني التي وجدت لتحكم علاقات قانونية ذات أطراف متساوية، لأن في الالتزام بتطبيقها ما يهدد حسن سير المرافق العامة، ويعرض المصالح العامة للخطر وهذا لا يعني أنه قام بإيجاد القواعد القانونية التي تحقق مصالح الأفراد، وإنما عمل في استنباطه واجتهاداته على حسن الموازنة بين المصلحة العامة التي تمثلها الإدارة من جهة ومصالح الأفراد، وإنما عمل في استنباطه واجتهاداته على حسن الموازنة بين المصلحة العامة التي تمثلها الإدارة من جهة، ومصالح الأفراد وحقوقهم العامة التي تمثلها الإدارة من جهة ومصالح الأفراد وحقوقهم العامة من جهة أخرى، واستند في ذلك على روح القانون العام ومبادئ العدالة وهدفه من ذلك أن يصل إلى نقطة التعادل بين المحافظة على حقوق الأفراد وحرياتهم المشروعة وبين ما يستلزمه حسن الإدارة وتمكين أعضائها من الإشراف على سير المرافق العامة بانتظام واستمرار[30].

وقد صدرت مراسيم متعددة في 30 يوليوز 1963 الذي أدخلت عدة تعديلات على تنظيم سير مجلس الدولة وتنبني اختصاصاته وتكوينه، والتي تجد أساسها في قضية canal بتاريخ 19 أكتوبر 1962.

وبعد سنة 1963 لم تقع أي تعديلات جوهرية في درجة تعديلات سنة 1953 و1963 بل أدخلت تعديلات طفيفة على نصوص 1963 بواسطة مرسوم 9 ديسمبر 1968 ومرسوم 24 فبراير 1973 وأيضا تمت إصلاحات جديدة بواسطة مرسومين بتاريخ 26 غشت 1975 خاصة بتنظيم مجلس الدولة واختصاصاته القضائية والمسطرة المتبعة أمامه، وكذلك بمرسوم 10 يناير 1980 ومرسوم 16 يناير 1981 إلى أن جاء الإصلاح الجديد بقانون 31 ديسمبر 1987 الذي أحدث المحاكم الاستئنافية الإدارية ثم الإصلاح الذي يشمل تنظيم وسير مجلس الدولة بمقتضى مرسوم بتاريخ 8 مارس 2008، وأخيرا الإصلاح الذي تم بمرسوم 22 فبراير 2010 المتعلق باختصاصات وسير محاكم القضاء الإداري والذي أدخل تعديلات على مدونة القضاء الإداري[31].

الفرع الثاني: الإصلاحات الخاصة بكل من مجلس الدولة والمحاكم الإدارية

لقد صار مجلس الدولة الفرنسي مند حكم كادو cado سنة 1889 صاحب الاختصاص العام بنظر في المنازعات الإدارية إلا ما استثناه صراحة، وأسند إلى الإدارة وظل مجلس الدولة يتمتع بهذه الصفة حتى بداية سنة 1954، ومنذ هذا التاريخ والمشرع الفرنسي يدخل التعديلات والإصلاحات على القضاء الإداري حتى يواكب التطور الذي يعرفه المجتمع الفرنسي، ومن هذه التعديلات صدور أول تشريع متكامل بشكل إعادة تنظيم مجلس الدولة سنة 1940 في ظل حكومة فيشي[32]، غير أنه عقب سقوط هذه الحكومة ألغي هذا القانون وحل محله المرسوم الصادر في 31 يوليوز 1945 والذي عدل بالمرسوم الصادر في 30 شتنبر 1953.

ويرى بعض الفقه أن إصلاح أو تعديل سنة 1953 يعتبر إصلاحا جوهريا دخل حيز التطبيق في بداية سنة 1954 وأعطى معالم جديدة للقضاء الإداري الفرنسي ذلك أن هذا التعديل نقل الاختصاص العام في المنازعات الإدارية وأصبحت اختصاصات مجلس الدولة استنادا إلى حكم كادو إلى مجالس الأقاليم والتي أطلق إسم المحاكم الإدارية وأصبحت اختصاصات مجلس الدولة محددة على سبيل الحصر إلى جانب اختصاصه كمحكمة نقض بالنسبة لأحكام بعض محاكم الإدارية الخاصة وأيضا باعتباره محكمة استئناف بالنسبة لأحكام المحاكم الإدارية[33].

ثم صدرت مراسيم متعددة في 30 يوليوز 1963 أدخلت عدة تعديلات على تنظيم سير مجلس الدولة، تبين اختصاصاته وتكوينه وتنظيم النظام الأساسي للعاملين به والتي تجد أساسها في حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضيته كدال بتاريخ 19 أكتوبر 1962 حيث أثار هذا الحكم ثائرة الحكومة الفرنسية إذ ألغى أمر رئيس الجمهورية بتاريخ فاتح يونيو 1962 بناءا على الحكم على القانون الاستئنافي ليوم 13 أبريل 1962 الذي خول في فصله الثاني لرئيس الجمهورية اتخاذ قرارات بواسطة أوامر أو بحسب الحالات، مراسيم في مجلس وزاري أو كل الإجراءات التشريعية أو التنظيمية من أجل تطبيق التصريحات الحكومة المؤرخة في 19 مارس 1962 والمرتبطة “بأوقاف إفيان الخاصة باستقلال الجزائر وكان يقضي الأمر الجمهوري الملغى خلق محكمة عسكرية استثنائية للنظر في بعض الجرائم التي لها علاقة بإحداث الجزائر، ونص ذلك الأمر على أن أحكام هذه المحكمة نهائية لا تقبل الطعن فاعتبر مجلس الدولة أن عدم إمكانية جواز الطعن في أحكام هذه المحكمة يعتبر مسا خطيرا بإحدى المبادئ العامة للقانون وهو مبدأ حق الدفاع وتبعا لذلك ألغي الأمر الجمهوري ومما زاد من حدة الشكل هو أن المحكمة حكمت بالإعدام على السيد كدال ومع إلغاء الأمر الجمهوري القاضي بعدم شرعية إنشاء تلك المحكمة بدون إمكانية مراجعة الأحكام الصادرة عنها أصبح حكم المحكمة غير ذي موضوع وترتب على موقف مجلس الدولة في قضية السيد كدال إدخال مجموعة من الإصلاحات سنة 1963 على مجلس الدولة وتلتها إصلاحات أخرى منها مرسوم صادر في 9 شتنبر 1968، والذي يتعلق بتنظيم وتسيير مجلس الدولة ومرسوم 24 فبراير 1973، الذي حدد النظام الأساسي للعاملين به إلى غير ذلك من المراسيم منها الصادر بتاريخ 26 غشت 1975 وكذا مرسوم 1980 و1981 والإصلاحات التي انصبت على الإجراءات المتبعة أمام مجلس الدولة إلا أن أهمها صدور قانون 31 دجنبر 1987، الذي أحدث محاكم استئناف إدارية كدرجة ثانية نستأنف أمامها الأحكام الإدارية لمختلف الأقاليم[34] ثم الإصلاح الذي يشمل تنظيم وسير مجالس الدولة بمقتضى مرسوم 8 مارس 2008 وأخيرا مرسوم 22 فبراير 2010 المتعلق باختصاصات وسير محاكم القضاء الإداري والذي أدخل تعديلا على مدونة القضاء الإداري[35].

بعدما تعرضنا سابقا إلى المراحل التاريخية التي مر بها القضاء الإداري الفرنسي سنعرج في (المبحث الثاني) على تنظيم القضاء الإداري الفرنسي وذلك بتبيان تركيبته واختصاصاته وأجهزته.

المبحث الثاني: التنظيم القضاء الإداري الفرنسي

تتمثل الهياكل القضاء الاداري الفرنسي في المحاكم الادراية ومحاكم الاستئناف الادارية ومحكمة التنازع ومجلس الدولة الذي يعتبر اعلى هيئة قضائية كمحكمة النقض أساسا منذ اصلاح 1987 الى جانب صلاحيات اخرى كمحكمة الاستئناف أو محاكم الاولى وأخر درجة في بعض القضايا . هذه المحاكم يختلف تأليفها واختصاصاتها باختلاف درجاتها. وهذا ما سوف نتناول من خلال هذا المبحث .

التأليف في (المطلب الاول ) والاختصاص في (المطلب الثاني)

المطلب الاول : تأليف القضاء الإداري الفرنسي

قبل الحديث عن اختصاص القضاء الاداري الفرنسي في الفرع الثاني لابد وأن نشير الى تأليفه في الفرع الاول .

الفرع الاول : تأليف مجلس الدولة ومحكمة التنازع

يتميز أعضاء مجلس الدولة بتكوينهم القانوني وتجربتهم الادارية اذ يختار العديد منهم من بين رجال الادارة العاملة ويعينون جميعا في الوظائف المسندة اليهم وفق شروط ومؤهلات معينة نظمتها مختلف النصوص القانونية المؤطرة لتنظيم مجلس الدولة. ومن السمات العامة لأعضاء مجلس الدولة هي أن هؤلاء الاعضاء متنوعون من حيث المؤهلات ومن حيث السن وبالتالي تجربة الشيء الذي يسهل توزيع العمل داخل المجلس بينهم بشكل يؤدي الى تحضير القضايا والملفات من قبل أعضاء أكبر سنا[36] كما ان لمحكمة التنازع مصادر عامة تتجلى في نصوص قانونية لها علاقة بها ومصادر خاصة للنظام القانوني وعليه سوف نتطرق في الفقرة الاولى لتأليف مجلس الدولة على أن نشير الى تأليف محكمة التنازع في الفقرة الثانية .

الفقرة الاولى : تأليف مجلس الدولة

يمثل مجلس الدولة في فرنسا قمة القضاء الاداري فهو يعلو على المحاكم الادارية كافة .

أولا : رئيس مجلس الدولة

تباعا لأمر بتاريخ 31 مايو 1954 في فصله الثالث، فان رئاسة المجلس قد احيلت على رئيس الحكومة مؤقتا وقد أحيلت يوم قانونيا الى الوزير الاول يمارسها نيابة عنه وزير العدل طبقا للمرسوم 30 يوليوز 1963 في فصله 17 وفي الحقيقة فان رئاسة الوزير الاول أو وزير العدل لمجلس الدولة ليست الا رئاسة شكلية تفرضها بعض المراسيم الرسمية وان الرئيس الفعلي لمجلس الدولة هو نائب الرئيس وتباعا لذلك فان الوزير الاول ووزير العدل لا يملكان  قانونا المشاركة في المداولات الخاصة باصدار الاحكام وهذا مظهر من مظاهر استقلال مجلس الدولة عن الحكومة، لكن هذا الاستقلال لا يعني حرمان الوزراء من حضور المجلس عندما ينظر في الاختصاصات الادارية كذلك فمن حقهم أن يطالبو من المجلس رأي المواطنين المتخصصين في القضايا المعروضة عليه قصد تنوير اعضاء المجلس، ونشير الى أن هذا الحق يمكن أن يمارسه نائب رئيس المجلس[37]

ثانيا : نائب رئيس مجلس الدولة

يعتبر نائب رئيس مجلس الدولة أعلى وظيفة قضائية في مجلس الدولة اذ يقف نائب الرئيس على قمة الهرم التنظيمي لمجلس الدولة .

ثالثا : فئة المندوبيون

يبلغ عدد فئة المندوبين 44 مندوبا ويشكلون فئتين مختلفتين مندوبين من الدرجة الاولى ومندوبين من الدرجة الثانية . ويشغل المندوبون من الدرجة الثانية والبالغ عددهم 24 مندوبا أول الدرجات السلم الاداري في مجلس الدولة ويتم تعيينه من بين خريجي المدرية الوطنية للادارة التي يتم الدخول فيها بناء على مسابقة قاسية جدا . ويشغل المندوبون من الدرجة الاولى والبالغ عددهم 20 مندوبا الدرجة الثانية في السلم الاداري ويتم اختيارهم من مندوبي الدرجة الثانية عن طريق الترقية ويتم تعيين مندوبين بقرار من رئيس الجمهورية بناء على تنصيب وزير العدل ويتولى نائب الرئيس مجلس الدولة مع رؤساء الاقسام تقديم الترشيحات المطلوبة في هذا الشأن .

رابعا : فئة النواب

يبلغ عدد فئة النواب 45 نائبا، ويتم اختياره من بين فئات المنتدبين من الدرجة الاولى اذ حجز المشرع الفرنسي ثلاثة ارباع الوظائف الشاغرة في فئة النواب، لاشغالها عن طريق الترقية من مندوبي الدرجة الاولى . ويمكن اشغال الربع الباقي من الموظفين العموميين شريطة أن يتوفر في المرشح لشغل وظيفة نائب في مجلي الدولة شروطا معينة وهي أن لا يقل عمره عن ثلاثين عاما أن يكون له خدمة وظيفية لمدة عشر سنوات على الاقل سواء اكانت في الوظيفة المدنية أو العسكرية. ويتم تعيين النواب بقرار من رئيس الجمهورية بناء على تنصيب وزير العدل ويتولى نائب رئيس مجلس الدولة ورؤساء الاقسام تقديم الترشيحات المطلوبة لهذه الغاية .

ويختار أحد نواب مجلس الدولة سكرتيرا عاما للمجلس للقيام بادارة العمل الاداري داخل المجلس ويتولى ايضا مهمات كاتب العدل لدى المجلس .

خامسا : فئة رؤساء الاقسام

يبلغ رؤساء أقسام خمسة رؤساء يعينون بقرار من الوزراء بناء على تنسيب وزير العدل، ويتم اختيارهم من بين المستشارين في الخدمة العادية[38]

سادسا: فئة المستشرون في الخدمة العادية

يتولون مناقشة القضايا المعروضة على مجلس الدولة واتخاذ القرارات النهائية ويختار ثلثي المستشارين من بين النواب عن طريق ترقيتهم ويختار الثلث الباقي من قبل الحكومة وتتمتع هذه الاخيرة بسلطة تقديرية في تعيينهم ولا تكون ملزمة الا باحترام شرط بلوغهم  سن الخامسة والاربعين ويختارون عدة من كبار الموظفين مثل المحافظين.

سابعا : مستشارين في الخدمة الغير العادية

يختارون من بين الشخصيات الكفاءة في مختلف ميادين النشاط الوطني ولا تجدد مهمتهم الا بعد أن يتوقفو عن ممارسة مهامهم داخل مجلس الدولة لمدة سنتين ويختارون عادة من كبار الموظفين، ويحتفظون في غالب الاحيان بوظيفتهم الاصلية بجانب مهمتهم بمجلس الدولة كمستشار في الخدمة الغير العادية وتقتصر مهمتهم على المشاركة في الاختصاصات الادارية دون الاختصاصات القضائية، وذلك على أساس أنهم رجال الادارة أولا وقبل كل شيء ولا زالوا في معظم الاحيان مرتبطين في الادارة[39] .

الفقرة الثانية : تأليف محكمة التنازع

تعرضت المواد 05 الى 10من القانون العضوى 98[40]-03 المتعلق بمحكمة التنازع الى اعضاء محكمة التنازع ,ومن خلالها يمكن   القول ان تشكيلها  يسودها مبدأ التمثيل المزدوج ومبدأ التناوب ما بين قضاة القضاءين الادارى والعادى .وعلى هذا الاساس فهي تتشكل من 07 قضاة من بينهم رئيس خاضعون للقانون الاساسي  للقضاء.يعين رئيس محكمة التنازع لمدة 03  سنوات بالتناوب من بين قضاة المحكمة العليا او مجلس الدولة بموجب مرسوم رئاسي بناء على اقتراح وزير العدل وبعد الاخذ بالراى المطابق للمجلس الاعلى للقضاة و بنفس الاجراءات يعين نصف عدد اعضائها من قضاة المحكمة العليا و النصف الاخر من قضاة مجلس الدولة.ودائما وبنفس الاجراءاتيعين اضافة لتشكيلة محكمة التنازع قاضى بصفته محافظ دولة و قاضى بصفته محافظ دولة مساعد ,لمدة 03 سنوات .الا ان القانون هنا لم يبين جهة انتماء محافظ الدولة و مساعده كما هو عليه بالنسبة لقضاة محكمة التنازع ,وهذا من شأنه المساس بمبدأ ازدواجية التمثيل و التناوب .كما يعين وزير العدل كاتب ضبط رئيسي يتولى تسير كتابة ضبط محكمة التنازع، و تتلخص قواعد سير محكمة التنازع فيما نصت عليه المادتين 12و13 من القانون العضوى 98-[41]03,اللجان فيهما انه لصحة مداولات محكمة التنازع يجب ان تكون مشكلة من 05 على الاقل من بينهم عضوان من المحكمة العليا و عضوان من مجلس الدولة برئاسة رئيس محكمة التنازع ,و في حالة حدوث مانع لحضور هذا الاخير يخلفه القاضى الاكثر اقدمية دون ان يتبين مصدر انتمائه ,اذ يحتمل ان يكون القاضى الاكثر اقدمية لا ينتمي الى الجهة القضائية التى تراس محكمة التنازع وهذا لا يخدم مبدأ التناوب خاصة انهم كلهم خاضعون للقانون الاساسي للقضاة وعليه فانه من الافضل لفكرة التناوب في حالة وجود مانع لرئيس محكمة التنازع ان يخلفه القاضى الاكثر اقدمية ضمن القضاة الممثلين لنفس الجهة القضائيةالتى ينتمي اليها الرئيس .اما المواد 27و28و29من القانون العضوى 98-03[42] نصت على ان المحكمة التنازع تعقد جلساتهابدعوة من رئيسها و هو الذى يشرف على ضبط الجلسة.كما تفصل الدعاوى المرفوعة امامها بمقتضى قرارات تتخذ باغلبية الاصوات ,و في حالة تساويها يرجح رأى الرئيس و هذا خلال مدة 06 اشهر من تاريخ تسجيلها.كما احالت المادتين 13و14 [43]اعداد النظام الداخلي لمحكمة التنازع و الموافقة عليه الى اعضائهاو الذى يحدد كيفيات عملها خاصة استدعائها الاعضاء و توزيع الملفات وكيفية اعداد التقارير.

الفرع الثاني : تأليف المحاكم الادارية و محاكم الاستئناف الادارية

سنتطرق في هذا الفرع الى تأليف المحاكم الادارية (أولا) والى تأليف محاكم الاستئناف الادارية (ثانيا)

أولا : تأليف المحاكم الادارية

أحدثت المحاكم الادارية في السنة الثامنة /1799 للجمهورية الفرنسية التي كان يطلق عليها مجالس المدريات أو مجالس المحافظات تابعة للادارة تبعية تامة، اذ لم يكن يتمتع مستشروها بأي استقلال في عملهم اتجاهها. الامر الذي دفع المشرع الفرنسي للتدخل عدة مرات لاصلاح هذا الوضع ، وكان أهم هذه التعديلات ما جاء به الاصلاح الاساسي الذي تم بواسطة مرسوم 30 شتنبر 1953 تبعه مرسوم تطبيقي في 28 نونبر 1953 والذي اصبح سارية المفعول ابتداء من فاتح يناير 1954[44] .

وتتكون كل محكمة ادارية من غرفة أو أكثر وعدد أعضائها ثلاثة مستاشرين وتتكون بعض المحاكم من غرفتين الى خمسة اذا كان حجم القضايا يبرر ذلك لهذا لم يتبع المشرع الفرنسي قاعدة واحدة لعدد الغرف التي تتكون منها المحكمة الادارية بل ترك ذلك متوقفا على حجم المنازعات الادارية المعروضة على المحكمة ونظرا للوضع الخاص الذي تحضى به العاصمة عادة وحجم المنازعات الادارية الهائلة التي تعرض عليها، افرد المشرع وضعا خاصا لمحكمة باريس، فتتكون هذه المحكمة الادارية من سبعة اقسام ويتكون كل قسم منها من غرفة وتتكون كل غرفة من ثلاثة مستشارين، و يمكن أن تتكون من خمسة مستشارين[45]

-أعضاء المحكمة الادارية

اتباعا لمختلف النصوص القانونية المؤطرة للمحاكم الادارية خاصة ابتداء من مرسوم 30 شتنبر 1953، فانها اصبحت تتمتع بدور مهم داخل القضاء الاداري الفرنسي لذلك عمل المشرع على تدعيمها بالموارد البشرية الضرورية حتى تتمكن من الاضطلاع للأدوار الموكولة لها، بوضع نظام أساسي لأعضائها قصد جلب الكفاءات اليها وفتح المجال أمامهم من أجل ضمان مستقبل مهني مستقر، وهكذا تتكون المحاكم الادارية من الاعضاء التالية :

1 – الرئيس :

كل محكمة ادارية داخل فرنسا أو خارجها يرأسها رئيس واحد ويساعده نائب الرئيس وعدة نواب حسب أهمية المنطقة وقد خصصت محكمتا كل من ستراسبورج وباريس بنظام خاص بهما لخصوصيتهما لأن الاولى تاريخيا مع بروسيا الالمانية بينما يفرض في الرئيس الثاني التمتع بالعضوية في مجلس الدولة كما أن لرئيس المحكمة الادارية وظائف مضاعفة ترتبط بالوظائف الادارية المرتبطة بالسهر على توجيه مصالح المحكمة ونشاطها، ويضبط كل انواع الخدمات المستشارين وكتاب الضبط فيها كما يهيئ تقريرا سنويا حول الانجازات والانشطة القضائية للمحكمة يوجهه الى وزير الداخلية من جهة وأخرى وظائف قضائية الا انه يتمتع بمنصب قاضي يسهر على اعداد مسطرة التقاضي في الدعاوى الادارية كما يعد طرفا في الحكم من جهة اخرى.

2- المستشارين

يتوزعون على درجتين الاولى والثانية ويتم تعيينهم الى جانب رؤساء المحكمة الادارية بناء على مراسيم باقتراح من وزير الداخلية وموافقة وزير العدل والمرتكزين في ذلك على خريجي المدرسة الوطنية مع الاحتفاظ ببعض التعيينات خارج هؤلاء بصفة محدودة اذ يتم تعيين واحد من بين اربع بالنسبة لمستشاري من الدرجة الثانية، وتعيين واحد من بين أربع بالنسبة لمستشارين من الدرجة الاولى وتعيين واحد من بين ثمان تعيينات بالنسبة للرؤساء وتتم ذلك التعيينات اضافية واسنثنائية عن طريق مبارة خاصة لا تستقطب عناصر ذات كفايات ومؤهلات قانونية عالية خاصة من بين اساتذة الحقوق ويخضع المستشارون لتدريب في قسم القضائي التابع لمجلس الدولة قبل ان يتسلموا وظيفتهم في المحاكم الادارية من اجل خلق علاقات وطيدة أكثر بين مجلس الدولة والمحاكم الادارية تحجز بعض المناصب في مجلس الدولة لبعض اعضاء المحاكم الاداري، وكذلك فان منصب رئيس أو نائب رئيس المحكمة الادارية يمكن أن يتولاه أحد اعضاء مجلس الدولة وكذلك يمكن أن تتم بعض المبادلات أو الحاق متبادل  بين الهيئتين القضائيتين[46]

ثانيا : تأليف محاكم الاستئناف الادارية

منذ صدور قانون رقم 87-1127 المؤرخ في 31/12/1987 المتعلق باصلاح نظام المنازعات الادارية الذي أحدث لأول مرة في فرنسا محاكم الاستنئناف الادارية أحالت المادة الثانية من هذا القانون الى مرسوم يصدرعن مجلس الدولة لتحديد عدد هذه المحاكم الاستئنافية واختصاصها الاقليمي وصدر المرسوم رقم 155-1988 الصادر في 15-02-1988 لاحداث خمس محاكم استئناف ادارية في المدن التالية (باريس- بوردو-ليون- نانسي – ونانت ) .

وتتكون كل محكمة استئناف الاداري من عدة دوائر ترك القانون أمر تحديد عدها وعدد أعضائها ودائرة اختصاصها الى المرسوم ، وقد حددها المرسوم رقم 155-1988 المشار اليه سابقا.

وتضم كل من محكمتي باريس وليون ثلاثة دوائر وتضم المحاكم الثلاث الباقية دائرتين فقط . ويرأس رئيس المحكمة الاستئنافية احدى الدوائر، وتضم كل دائرة من الدوائر خمس مستشارين واثنين من مفوضي الحكومة .

-رئاسة محاكم الاستئناف الاداري :

يتعين أن يكون رؤساء المحاكم الاستئنافية من مستشاري الدولة، ويرأس المحكمة الاستئناف مستشار دولة في الخدمة العادية، ولقد أجازت المادة خمسة من قانون رقم 87-1127 الصادر 31-12-1987 تعيين أحد قضاة المحاكم الادارية أو محاكم الاستئناف رئيسا لمحكمة الاستئناف بعد تعيينهم بدرجة مستشار دولة ولكن لا يحق لرئيس محكمة الاستئناف المختار من هذه الفئة ممارسة العمل في السنوات الخمس التالية لتعيينه أي وظيفة أخرى غير رئاسة محكمة الاستئناف .

-أعضاء محكمة الاستئناف :

يمكن تعيين أعضاء المحاكم الادارية في محاكم الاستئناف شريطة أن يكونو بالدرجة مستشار من الفئة الاولى، وأمضى لغاية اليوم الاول من شهر يناير من سنة التعيين ست سنوات خدمة فعلية منها أربع سنوات على الاقل خدمة في وظيفة قضائية، ولقد أجاز المشرع الفرنسي 31-12-1992 تعيين بعض الاشخاص بدرجة مستشار من الفئة الاولى أو من خارجها وهم الموظفون المدنيون أو العسكريون الذين يشغلون وظائف من فئة ” أ” أو وظائف مماثلة ومناظرة لها وقضاة المحاكم النظامية أ و من المحامين المقبولين لدى مجلس الدولة أو لدى محكمة النقض من من أمضو عشر سنوات على الاقل في مزاولة مهنة المحاماة[47].

المطلب الثاني : اختصاصات القضاء الاداري الفرنسي

للمحاكم الادارية الفرنسية اختصاصات متعددة، تتنوع في الغالب بين اختصاص استشاري وقضائي وعليه سوف نخصص الفرع الاول للحديث عن اختصاصات مجلس الدولة ومحكمة التنازع  على أن نشير في الفرع الثاني الى اختصاصات المحاكم الادارية ومحاكم  الاستئناف الاداري

الفرع الاول : اختصاصات مجلس الدولة ومحكمة التنازع

استكمالا لما تقدم فان موضوع هذا الفرع سنخصصه لاستجلاء اختصاصات مجلس الدولة الفرنسي (الفقرة الاولى ) وسنتطرق الى اختصاصات استشارية لمجلس  الدولة (أولا) واختصاصات قضائية لمجلس الدولة (ثانيا) كما سنخصص الفقرة الثانية الى اختصاصات محكمة التنازع .

الفقرة الاولى : اختصاصات مجلس الدولة

سنتطرق الى اختصاصات استشارية لمجلس  الدولة (أولا) واختصاصات قضائية لمجلس الدولة (ثانيا)

أولا : اختصاصات ذات طبيعة استشارية

يعتبر مجلس الدولة هيئة استشارية للحكومة تلجأ اليه طلبات مشورته في الناحيتين التشريعية والادارية ويتولى هذه المهام القسم الاداري للفتوى والتشريع من خلال ميدنين تاليين :

أ- الميدان التشريعي : يختص مجلس الدولة بصياغات مشاريع قوانين التي تقدمها الحكومة له فهذه الاخيرة ملزمة بعرض مشاريع القوانين على المجلس قبل عرضها على البرلمان تطبيقا للمادة 39 من الدستور الفرنسي 1958، وهذا الالتزام لا ينطبق على مشاريع التي يتقدم بها أعضاء البرلمان .

ب- الميدان الاداري : يقوم مجلس الدولة بمهمة الفتوى واداء الرأي للادارة فيما تعرضه عليه من الامور والادارة ملزمة بالاستشارة المجلس قبل اصدار المراسيم ولوائح الادارة أي أوامر والقرارات الادارة التنظيمية، تطبيقا للمادة 38 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 . أما بالنسبة لباقي أنواع اللوائح فان استشارة المجلس اختيارية وأحيانا أخرى اجبارية بالنسبة للقرارات الادارية الفرضية .

ان ما ينبغي الاشارة اليه في هذا السياق هو أنه اذا كانت الادارة غير ملزمة باستشارة مجلس الدولة فاذا طلبت استشارته فهي غير مقيدة بمضمونها، ولكن في بعض الحالات تكون ملزمة بطلب رأي مجلس دون التقيد بهذا الرأي، وأحيانا تلتزم باستشارة المجلس، كما تتقيد بالرأي الذي يبدع[48].

ثانيا : اختصاصات قضائية لمجلس الدولة

الاختصاص القضائي للمجلس هو الاختصاص الاصيل في الوقت الراهن، ودور المجلس في هذا الصدد في غاية الاهمية، فالمجلس الدولة الفرنسي له اختصاصات قضائية متعددة فهو محكمة أول وأخر درجة بالنسبة لبعض المسائل، ومحكمة استئناف أو نقض بالنسبة للبعض الاخر .

  • مجلس الدولة محكمة أول وأخر درجة

ابتداء من أول يناير 1954 أصبح مجلس الدولة في فرنسا محكمة ادارية ذات اختصاص محدود في حين أضحت المحاكم الادارية للأقاليم قاضي للقانون العام للدواوين في الاقاليم، وفي عام 1987 تم انشاء المحاكم الادارية الاستئنافية في الاقاليم لرئاسة فرنسا تفريعا على ما تقدم فان الاختصاص القضائي لمجلس الدولة كأول وأخر درجة مقصور على الامور التالية :

-الدعاوى بطلب الغاء اللوائح والقرارات الفرضية الصادرة في شكل مراسيم سبب تجاوز السلطة  .

– المنازعات المتعلقة بالموظفين المعينين بمراسم خاصة بوظائفهم

– الدعاوى المرفوعة ضد قرارات تمتد نطاقها الى خارج حدود اختصاص المحكمة الادارية

– المنازعات الادارية التي تنشأ في مناطق ولا تدخل في اختصاص المحاكم الادارية ويضيف البعض المنازعات الناشئة خارج الاقليم الفرنسي، والمنازعات المتعلقة بتعيين أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي وكذلك دعاوى التفسير، وفحص مشروعية القرارات التي يختص مجلس الدولة .

ب- مجلس الدولة كمحكمة الاستئناف

تمتد ولاية مجلس الدولة بالاضافة الى اختصاصه كمحكمة أول وأخر درجة بوصفه محكمة الاستئناف الى أحكام صادرة من المحاكم الادارية باعتباره جهة استئنافية تنظر النزاعات من حيث الوقائع والقانون ويقوم مجلس الدولة بحسبانه محكمة الاسئناف بالفصل في النزاع، واصادار حكم نهائي وبات لا يقبل الطعن به بالنقض امام المجلس مرة اخرى ومن الامثلة على ذلك الطعون في الاحكام الصادرة من المحاكم الادارية في تقدير مشروعية القرارات الادارية، وكذلك الطعون الخاصة بالاحكام المتعلقة بانتخابات البلدية وأخيرا الطعون في الاحكام الصادرة بالغاء القرارات اللائحية دون القرارات الفردية.

ويضاف الى اختصاص مجلس الدولة بوصفه محكمة الاستئناف بالنظر في الاحكام الصادرة من المحاكم الادارية اختصاصاه بذات الصفة بالنظر في احكام الصادرة من هيئات قضائية أخرى غير المحاكم الادارية كمجلس الغنائم البحرية وكذلك المنازعات المتعلقة بالمجهود الحربي هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن مجلس الدولة الفرنسي لا يعد هو الوحيد الذي ينظر الاحكام الصادرة من المحاكم الادارية بصفته تلك بل تشاركه كذلم المحاكم الادارية الاستئنافية المنشأة عام 1987[49]

ج اختصاص مجلس الدولة باعتباره محكمة نقض

يجوز الطعن بالنقض أمام مجلس الدولة في الاحكام الصادرة من المحاكم الادارية التي لا يجوز استئناف احامها أمامه مثل محكمة المحاسبات وبعض اللجان الادارية ذات الاختصاص القضائي والتي جعل القانون أحكامها نهائية لا تقبل الاستئناف فهي مثل هذه الحالات يختص مجلس الدولة بطعون النقض ضد هذه الاحكام ما لم يستبعد المشرع صراحة جواز الطعن بالنقض ضدها كما يتم الطعن ضد أحكام محاكم الاستئناف الادارية بالنقض  أمام المجلس ضد للمادة 10 من قانون 31 ديسمبر 1987 ويقتصر دور مجلس الدولة باعتباره محكمة النقش على مراقبته تطبيق القانون دون التعرض للوقائع[50]

الفقرة الثانية : اختصاصات محكمة التنازع

نطلاقا من المادتين [51]152 /1 و 153 من الدستور96 والمواد رقم 15 الى18 القانون العضوي 98-03 [52]المتعلق بمحكمة التنازع خاص ومحدد قانونا ,يقتصر على حل مسالة التنازع الأختصاص بين درجات القضاء الأداري والقضاء العادي دون التطرق الى موضوع الدعوة المنشورة امامها إلا في حالة ما إذا كان النظر في الموضوع ضروري لتحديد الجهة القضائية المختصة مثل حالة تناقض احكام نهائية صادرة عن القضاء الإداري المادي والقضاء العادي او حالة الدعوة التي تشكل حالة إعتداء مادي التي تفرض على القاضي الغوص في الموضوع للتثبيت من حالة الإعتداء المادي قبل تحديد الجهة القضائية المختصة وهذه الحالة الأخيرة خاصة بمحكمة التنازع الفرنسية وهذا لكون الفصل في الدعوة المتعلقة بحالة الإعتداء المادي من إختصاص القاضي العادي ( المدني ) بإعتباره قاضي حامي الملكية بينما في الجزائر فإن هذه الحالة لا تطرح شكلا كون الفصل فيها يعود للغرف الإدارية بالمجالس القضائية – كما لا يمكن لمحكمة التنازع ان تتدخل في نزاعات الإختصاص بين الجهات القضائية التابعة لنفس التنظيم.

– و على هذا الاساس يمكن تقسيم حالات التنازع الى تنازع الاختصاص الاجابي و السلبي و حالة التنازع الاحكام و نظام الاخطار

(الاحالة) .

– تنازع الاختصاص الاجابي : و تتمثل هذه الحالة في تمسك كل من جهتي القضاء العادي و القضاء الاداري باختصاصهما في نفس النزاع موضوعا و اطرافا .

الا ان هذا التعريف البسيط للتنازع الاجابي وفق ما نصت عليه المادة : 16 من القانون العضوي : 98-03 [53]يتماشى  مع الغاية الأساسية المبتغاة من تكريس الازدواجية القضائية والمتمثلة في وجود قضاء إداري مختص قضائيا دون مدنيا دون سواه بالفصل في النزاعات الادراية واستبعاد تدخل القضاء العادي في ذلك

وهي الحالة الوحيدة التي تقضي إلى تنازع الاختصاص الايجابي إذ أن تعريفه السابق الوارد في المادة 16 من قانون العقوبات 98-03 يسوده غموض وغير منطقي من الناحية العملية باعتبار أن الادرادة كأصل عام في النزاعات الإدارية تكون مدعى عليه فكيف للمدعى (شخص طبيعي غالبا ) عندما يرافع الادراة أمام القضاء العادي الذي يتمسك باختصاصه ويحكم لصالحه في الموضوع فهنا الادارة المدعي عليها ما عليها وفق الطعون القضائية المتاحة في قانون الإجراءات المدنية إلا أن الطعن بالاستئناف ضد الحكم الابتدائي وفي حالة تأييده من طرف المجلس القضائي المختص يبقى لها أن تطعن ضد قرار المجلس النهائي بالنقض أمام المحكمة  العليا وفي حالة تأييد القرار محل الطعن بالمقض فلا يمكن تصور إطلاقا أن المدعي بعد حصوله على قرار نهائي قضى لفائدته سواء من حيث مسألة الاختصاص ومن حيث الموضوع أن يرفع نفس الدعوى موضوعا وأطرافا إلى الجهة القضاء الاداري ؟

أن الادارة المدعي عليها أن ترفع نفس الدعوى موضوعا وأطرافا إلى جهة القضاء الإداري فهنا تصبح مدعية لا يمكن أن تطلب وتثير من حيث الموضوع نفس الحجج والوسائل ومن ثمة الطلبات التي أثارها المدعي أمام القضاء العادي لتحقيق شرط وحدة الموضوع المنصوص عليه في المادة 16/02 من ق ع 98-03[54] لإذن شروط تحقيق هذه الحالة لا يمكن إطلاقا تصورها عمليا والمتمثلة في :

1      * القضاء المزدوج لجهات القضاء العادي والاداري باختصاصاتها بالفصل في نفس النزاع .

2      * وحدة النزاع من حيث الأطراف والموضوع والطلبات .

ولفهم هذه الحالة فهما سليما فالضرورة تدفعنا إلى معرفة وضعها في القانون الفرنسي وتتمثل هذه الحالة في أنها تجمع بين محكمة عادية والسلطة الإدارية المدعى عليها عكس وضعها في القانون ع 98-03 تتجسد في حالة تمسك محكمة تابعة للقضاء العادي باختصاصها في الفصل في موضوع دعوى ترى السلطة الإدارية (المدعى عليها ) أنه يعود الاختصاص فيه للقضاء الإداري ومن أجل منع المحكمة العادية من الفصل في موضوع الادارة إلى تحريك إجراءات التنازع عن طريق المحافظ باعتباره ممثل السلطة العامة بناء على طلب الإدارة المدعى عليها يتولى ممارسة صلاحية الاعتراض على اختصاص المحكمة العادية وهذه الموجبة الدفع بعدم الاختصاص مفرغ في مذكرة إلى وكيل الجمهورية لدى تلك المحكمة يعرض فيه أسباب عدم اختصاص القاضي العادي والمحكمة ملزمة بالفصل في هذا الاعتراض ففي حالة اعترافها بعدم اختصاصها فهي الخصومة القضائية وما على المدعى إلا أن يوجه دعواه إلى القضاء الاداري أو يطعن بالاستئناف أما إذا رفضت المحكمة العادية الدفع بعدم اختصاصها يجب أن تبلغ ذلك للمحافظ خلال مدة 05 أيام وتؤجل الفصل في موضوع الدعوى وللمحافظ مهلة 15 يوما لاخاذ قرار التنازع الذي يجبر المحكمة العادية على عدم اتخاذ أي اجراء قضائي في الدعوى ويحيل قرار التنازع إلى المحكمة التنازع ولهذه الأخيرة مهلة 3 أشهر من الحل إما تأيد قرار التنازع من ثمة ينزع الاختصاص في نظر الدعوى من المحكمة العادية وما على المدعي إلا توجيه دعواه أمام القضاء المختص أو أن يلغي قرار التنازع وهنا يتأكد اختصاص المحكمة العادية لا يمكن إثارة التنازع لنفس الدعوى

تنازع اختصاص سلبي : وهو أكثر وضوحا من الحالة السابقة مهمته حماية المتقاضين من خطر انكار العدالة ووفقا للمادة 16 من ق ع 98-03 نكون أمام تنازع اختصاص سلبي في حالة القضاء المزدوج من طرف جهات القضاء الاداري والعادي بعدم اختصاصهما في نفس الدعوى موضوعا وأطرافا على أساس أن التنظيم القضائي الآخر هو المختص نوعيا ومن ثمة نستخلص شروطا والمتمثلة في :

1- اصدار كل جهة من القضاءين العادي والاداري حكمين بعدم اختصاصهما في الفصل في نفس الدعوى على أساس أن موضوعها يدخل في اختصاص القضاء الآخر

2-  أن تتحقق وحدة الدعوى من حيث الأطراف والموضوعات والطلبات

حالة نقض أحكام نهائية : نصت المادة 17/02 من ق ع[55] على ما يلي :” في حالة تناقض بين أحكام نهائية ودور مراعاة للأحكام المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه تفصل محكمة تنازع بعديان في الاختصاص

وتتحقق في هذه الحالة شروط هي :

*صدور قرارين نهائيين عن كل من مجلس الدولة ومحكمة النقض فصلا في نفس النزاع من حيث موضوعه فقط .

* أن يتناقض الحكمان فيما قضى به بصفة تؤدي إلى انكار العدالة هنا على المحكمة التنازع .

* اختصاصها التحكيمي الأصول في مسألة تنازع الاختصاص بخبرة على التصدي لموضوع النزاع بصفة سيادية لتفصيل محدد الجهة القضائية المختصة بالفصل فيه ومن ثمة ابطال قرار الجهة القضائية المختص نوعيا وتثبيت قرار الجهة القضائية المختصة نوعيا ومنبت هذهالحالة في فرنسا هي قضية : ROSAI والتي صدر عقبها قانون  :20/04/1932 , الذي نظمها وقائع هذه القضية في حال أن السيد : زواوي  , ركب سيارة يقودها صديق له وأصيب بجروح اثر اصطدام مع عربة تابعة للجيش .

– رفع الدعوى أما المحكمة المدنية طالبا التعويض رفضت هذه الآخيرة دعواه على أساس الضرر كان سبب سيارة تابعة للجيش ( مرفق عام )  راجع أمام محكمة الإدارية التي بدورها رفضت دعواه على أساس ان سبب الحادث يعود إلى السائق السيارة الخاصة إذ نتج عن هذه القضية صدور حكمين متعارضين مع الجهتين قضائيتين عادية وإدارية وأصبح المتقاضي في حالة انكار للعدالة نتيجة عدم انصاف السيد:  ROSAI  وحبر الضررر الذي لحقه هذه الوضعية أصدر المشرع الفرنسي القانون السالف الذكر وأجاز للمتقاضي اللجؤ  إلى محكمة التنازع لكي يفصل في موضوع بحكم نهائي غير قابل للطعن

التنازع على أساس الاحالة : نصت عليها المادة :   18 من : ق .ع 98-03  [56], بما يلي : ” إذا لاحظ القاضي المحظر في الخصومة أن الجهة قضائية قضت باختصاصها أو بعدم اختصاصها وأن قراره سيؤدي إلى تناقض في أحكام قضائية لنظامين مختلفين يتعين عليه إحالة ملف القضية بقرار منسب غير قابل لأي طعن إلى المحكمة التنازع للفصل في موضوع الاختصاص وفي هذه الحالة تتوقف كل الاجراءات إلى غاية صدور قرار محكمة التنازع عند الاحالة يتعين على الكاتب الضبط للجهة القضائية المنظرة ارسال نسخة من قرار الاحالة إلى محكمة التنازع  كل الوقائع المتعلقة بالاجراءات في آجال شهر واحد ابتداءا من تاريخ النطق بهذا القرار.

– يتضح من هذا النص أن هذه الحالة لها طابع وقائي يهدف إلى ايجاد حل قضائي قبل ظهور حالة تناقض أحكام نهائية عن كلا القاضيين العادي والاداري  .

– وتتمثل أنه في حالة صدور حكم عن الجهة قضائية عادي أو إدارية باختصاصاتها أو عدم اختصاصها ونزاع معين ويرفع ذات النزاع أمام قاضي ثاني ويلاحظ أن قراره يؤدي إلأى حالة تناقض في أحكام صادرة عن القضاء العادي والقضاء الإداري أي أن القاضي الثاني المخطر في حالة اقتناعه بأن القرارالذي سيصدره يتناقض مع قرار سابق فصل في نفس النزاع باختصاصه أو عدم اختصاصه.

– هنا أوجبت المادة 18من ق ع 98-03 على القاضي الثاني اصدار قرار مسبب غير قابل لأي طعن بإحالة القضية أمام محكمة التنازع للفصل في موضوع الاختصاص وهنا على كاتب ضبط الجهة القضائية المخطرة ارسال نسخة من قرار الاحالة مصحوبا بملف القضية في أجل شهر من تاريخ النطق بالاحالة الذي ينتج من أثاره تةقف كل الاجراءات سواء على مستوى القضاء العادي أو الاداري الخاصة بالقضية لغاية صدور قرار المحكمة التنازع لتحديد الجهة القضائية المختصة قانونا بالفصل فيها .

– أحالت المادة :  19/02 ،من :  ق. ع 98-03  [57], إلى تطبيق الاجراءات المنصوص عليها في قانون الاجراءات المدنية الخاصة بتنازع الاختصاص بين القضاة وبموجب المادة :  31 [58]من نفس القانون التي نصت على لأت تخت مسؤولية رئيس محكمة التنازع تبلغ كتابة الضبط المحكمة ملف القضية المحالة ونسخة من القرار إلى الجهة القضائية المخطرة في أجل أقصاه شهر من تاريخ النطق بالقرار .

الفرع الثاني : اختصاصات المحاكم الادارية ومحاكم استئناف الادارية

سوف نتطرق الى اختصاصات المحاكم الادارية (أولا) واختصاصات محاكم الاستئناف الادارية (ثانيا)

أولا : اختصاصات المحاكم الادارية

تمارس المحاكم الادارية ذات اختصاصات التي تمارسها مجلس الدولة نفسه فهي مستشار وقاضي الادارة العامة فهذا الازدواج في المهمات والوظائف وليد التطور التاريخي للقضاء الاداري الفرنسي .

أ – الاختصاص الاستشاري

تختص المحاكم الادارية بايداء أراء قانونية استشارية في المسائل و الموضوعات التي تندرج ضمن دائرة اختصاصها الاقليمي التي يطلبها المحافظون في الاقاليم ولكن الاستشارة المحاكم الادارية تعتبر جوازية في معظم الاحيان واستثناء تكون وجوبيا.

  • الاختصاص القضائي

أصبحت المحاكم الادارية صاحبة الاختصاص العام بالنظر المنازعات الادارية سواء أكانت المنازعات الغاء أو منازعات وتقدير المشروعية وتفسير القرارات الادارية التي تندرج ضمن دائرة اختصاصها لذى أصبحت المحاكم الادارية محاكم الدرجة الاولى التي تنظر المنازعات الادارية التي يطعن بأحكامها بدعاوي الاستئناف أمام محاكم الاستئناف الاداري وتختص محاكم الادارية بصورة خاصة ببعض المنازعات الادارية التالية :

-المنازعات المتعلقة باعتراف بصفة معينة كالمجاهدين والفارين والمعتقلين والمناضلين وما يترتب عن هذه الصفات من مزايا وامتيازات

-منازعات المتعلقة بمختلف أنواع الزخرفات والفنون الجميلة

-المنازعات المتعلقة بوظائف المحجوزة

-المنازعات المتعلقة لاعلانات الاستملاك والاملاك العامة وتخصيص العقارات والدمج والتنظيم والضم والاسكان ورخص البناء وتصنيف الاثار والمواقع الاثارية والقرارات الادارية المتعلقة بالعقارات بصورة عامة .

-المنازعات المتعلقة بالقرارات الفرضية التي تصدرها الجهات الادارية ازاء افراض في أثناء ممارستها لاختصاصات ضبطية

-المنازعات المتعلقة بتسمية الاشخاص سواء بطريق التعيين أو الانتخاب لاختيار  أعضاء الجمعيات والهيئات الادارية والمهنية

-المنازعات المتعلقة بالقرارات الفرضية التي تصدرها الجهات الادارية ازاء الافراد في اثناء ممارستها لاختصاصات ضبطية

-المنازعات المتعلقة بالاشغال العامة والعقود واتفقيات الامتياز

-جميع المنازعات الفرضية وخصوصا المنازعات الخاصة بالمسائل والشؤون المالية المتعلقة بالموظفين والعاملين للدولة وبقية الاشخاص أو الهيئات الاقليمية والعاملين في البنك المركزي

-المنازعات المتعلقة استحقاق موظفي الهيئات المحلية للتعاقد

-المنازعات المتعلقة بتنظيم عمل الهيئات المحلية وسيرها باستثناء الدولة وكل تنظيم عام أو خاص تحديدا فيما يتعلق بالرقابة أو الوصاية الادارية

-المنازعات المتعلقة بتطبيق المساهمات بموجب قانون العمل

-طلبات الافراد للاعفاء أو التخفيض قيمة الضرائب المباشرة

-الفصل في الصعوبات والخلافات الناشئة بين متعهدي الاشغال العامة والادارة حول تفسير تنفيذ عقود الاشغال العامة

-الفصل في طلبات الافراد لشكوى من الاخطار والاضرار التي تعود لفعل المتعهد الشخصي

-الفصل في الطلبات والمنازعات المتعلقة بطلبات التعويض المستحقة للافراد بسبب الاستيلاء على الاراضي لمد السكك الحديدية والقنوات والمباني العامة

-الفصل في الصعوبات والمشكلات الناشئة عن الطرق العمومية

-الفصل في المنازعات لاملاك العامة الوطنية

تختص المحاكم الادارية باعتبارها قاضي درجة اولى في المنازعات التالية:

-الدعاوى التي تقام على المحافظات والبلديات والمؤسسات العامة باستثناء المؤسسات العامة الوطنية لتعويض الاضرار الناجمة عن مرافقها

-المنازعات الخاصة بالتعيين والترقية والتأديب و المستحقات التعاقد المستحقة لموظفي المحافظات والبلديات والمؤسسات العامة وبصورة عامة جميع المنازعات الفردية المتعلقة بحقوق هؤلاء الموظفين باستثناء الطعون الخاصة بالقرارات الادارية العامة، الفصل في منازعات انتخاب المجالس العمومية[59]

ثانيا : اختصاصات المحاكم الاستئناف الادارية

ان ظهور محاكم الاستئناف الادارية في فرنسا جاء وليد الحاجة الماسة الى التخفيف العبئ عن القسم القضائي بمجلس الدولة لذلك تم انشاء خمس محاكم ادارية استئنافية في اقاليم رئيسية لفرنسا وذلك سنة 1987 بموجب الاصلاح القضائي الفرنسي الذي عمل على توزيع الاختصاص بالطعون الاستئنافية بين القسم القضائي والمحاكم الاستئنافية .

وتتخلص اختصاصات المحاكم الاستئنافية في النظر في الطعون التالية :

أ : طعون الاحكام دعوى القضاء الشامل والممثلة في منازعات التسوية الخاصة بالموظفين العموميين والمتعلقة برواتبهم، وتلك الخاصة بالمنازعات الضرائب والرسوم وكذلك المتصلة بالعقود الادارية حسب وصفها وهذا بالاضافة الى غيرها من دعاوى المسؤولية التقصيرية .

ب : النظر في الطعون الخاصة في الاحكام الصادرة في دعاوى الالغاء أو تجاوز السلطة ضد القرارات الادارية الفرضية فحسب أي القرارات الفرضية دون التنظيمية منها[60]

خــاتــمـــة

ان الباحث في موضوع القضاء الاداري الفرنسي يستنتج خصوصيات هذا النظام خصوصا ما يتعلق بمسألة اشكالية فك التنازع الاختصاص القضائي الذي كان يدخل في اختصاص السلطة التنفيذية في السنوات الاولى من الثورة الفرنسية لكنه وبعد انشلء مجلس الدولة في صورته الاولى في السنة الثالثة عمد اليه البث في النزاع حيث أن القضاء في هذه الفترة كان محجوزا اذا كان رئيس الدولة هو الذي يقوم مقام الحكم بين الجهتين القضائيتين لحماية المواطنين بصفة خاصة الا أن ارساء نظام القضاء المفوض فرض الا يتكلف القضاء الاداري بنفسه بفك الاشكالات التنازع المطروح فكان من الضروري اللجوء الى محكمة التنازع كهيئة قضائية ذات طابع ازدواجي تكون احكامها ملزمة للجهتين، وعليه أصدر المشرع الفرنسي قانونا في 24-مايو 1872 بانشاء محكمة التنازع زهي محكمة مستقلة محايدة تعلو على الجهتين القضاء العادي والقضاء الاداري تختص بالفصل في الاشكالات الاختصاص بينهما ويبقى القضاء الاداري الفرنسي وجه لكل الانظمة الادارية الاخرى كما يقضي حسن سير العدالة افصاح المجال للأطراف لاعداد وسائل الدفاع في المنازعات الادارية ولرد على ما يقدم من دفوعات غير أن هذا السبيل من شأنه أن  يؤخر الفصل في النزاع الاداري مما ينتج عنه ضرر بمصالح الخصوم بالنسبة لبعض الحالات التي تستوجب سرعة البت ولأجل ذلك ظهرت فكرة القضاء الاستعجالي في المنازعات الادارية الذي انيطت به مهمة الفصل في المسائل الادارية المستعجلة شرط عدم المساس بأصل الحق المتنازع عليه قصد توفير حماية وقتية عاجلة للحق لذلك تتجلى أهميته في كونه يتميز ببساطة الاجراءات واختصارها حيث يتمكن الاطراف من الحصول على قرار قضائي مشمول بالنفاذ المعجل كما يساهم في اغلب القضايا المعقدة تعفى أحيانا من اللجوء الى قضاء الموضوع لأن القضاء الاستعجالي كثيرا ما يكون دلالة واضحة على اتجاعه الصحيح في فض المنازعات ويرسم الخطوط الرئيسية لتنتهج أمام قاضي الموضوع ويمثل التنفيذ مرحلة من مراحل التقاضي التي غالبا ما تكون عسيرة وطويلة الامد لأنه دون تنفيذ الاحكام فهي عديمة الجدوى والفعالية وتفقد الناس ثقتهم في القضاء ويدب اليأس في نفوسهم وتعم الفوضى وينعدم الامن والاستقرار وسط المجتمع لكن تنفي للأحكام الادارية الصادرة ضد الادارة أو تتميز بوجه عام بامتناع  هذه الاخيرة  أو تراخيها في تنفيذ الاحكام الصادرة عنها على الرغم من أنها كانت طرفا في النزاع وقدمت للقضاء الاداري مختلف الدفوع الممكنة فضلا عن امكانية تقديمها مختلف الطعون المسموح بها قانونا وفي هذه الحالة قد تتضرع بالاسباب واهية تتمثل اما في مناقشة تعليل الحكم مع أنه قابل للتنفيذ وبامكانها المطالبة بوقف تنفيذه عند الاقتضاء أو اثارة صعوبات واقعية أو قانونية في تنفيذه وحتى عند قيامها بكل ذلك من دون نتيجة قد تختلق اسبابا اخرى غير قانونية وتمتنع عن التنفيذ المباشر أو بطريقة غير مباشرة حتى اصبح عدم تنفيذ الاحكام الادارية ضاهرا في مختلف دول العالم لذلك حاول المشرع ايجاد حلول هذه الظاهرة كما أن القضاء الاداري ساهم في قسط وافر في تلك الحلول وخاصة عند غموض النص القانوني أو عمومه أو انعدامه وتثير مسألة تنفيذ الاحكام القضائية عموما أهمية كبرى بأنه لا معنى للمطالبة بالحق الا اذا أمكننا استفائه فعلا ولا معنى لاقراره ان لم يستطيع صاحبه استيفائه عن طريق التنفيذ لكنه مع الاسف فظاهرة امتناع الادارة عن تنفيذ الاحكام الصادرة ضدها في المادة الادارية تستفحل بشكل كبير واذا كان تنفيذ الاحكام الصادرة في القضايا بين الافراد لايثير اشكالا كبيرا في كثيرا من الاحيان لكونها تستفيد من  القواعد الخاصة للتنفيذ الجبري في مواجهة الافراد فان الاحكام  التي تصدر ضد الادارة الكثير من الصعوبات عند تنفيذها نظرا لطبيعة الدعوى والادارية واطرافها  ولخصوصية الاحكام الصادرة بشأنها وتجدر الاشارة الى أن المنازعات الادارية التي تتشكل في معظمها من الدعاوى الناتجة عن نشاطات وتدخلات الادارة وموظفيها اثناء قيامهم باعمالهم تزايدت بشكل مع تدخل الدولة في العديد من المجالات اذا شكل احداث المحاكم الادارية حدثا بارزا وطفرة ايجابية في تاريخ القضاء المغربي وقد استطاعت هذه المحاكم ابراز الدول الايجابي المنتظر منها وذلك عن طريق ترسيخها للعديد من المبادئ وابتكارها لعدة قواعد قائمة على العدل والانصاف فان الدولة هي المسؤؤولة على فرض هيبة القضاء الاداري ليس فقط في علاقات الافراد ببعضهم مع بعض بل حتى في علاقتها معهم فاذا كانت دولة الحق والقانون تعني خضوع الدولة لمبدأ المشروعية ولسيادة القانون في العلاقات التي تربطها مع المواطنين فان هذا يقتضي منها تلتزم هي قبل غيرها باحترام قوة الشيء المقضي به عن طريق سن القواعد والاسس القانونية من شأنها اجبار على تنفيذ الاحكام والقرارات القضائية الصادرة في مواجهتها حتى تتمكن من تجاوز التراكم الحاصل على مستوى هذا النوع من الاحكام نتيجة لعدم تنفيذها أو تباطئ في التنفيذ وماينتج عن ذلك من اشكالات عملية وبتالي اقتراح حلول عملية نتجاوزها .

 

 

لائحة المراجع:

  • سالم ابن راشد العلوي القضاء الاداري دراسة مقارنة دار الثقافة 2009 عمان.

-أحمد أجعون، القضاء الإداري، الطبعة 2013-2014.

  • -ثورية العيوني، القضاء الإداري، دار الجسور وجدة، 1997.
  • -سامي جمال الدين ، القضاء الاداري والرقابة على أعمال الادارة مبدأ المشروعية- التنظيم القضاء الاداري- دار الجامعة الجديدة للنشر.
  • -سليمان محمد الطماوي، الوجيز في القانون الإداري، طبعة 1992، مطبعة دار الفكر العربي بالقاهرة.
  • علي خطار شطناوي ، موسوعة القضاء الاداري، الجزء الأول دار الثقافة 2011 عمان.
  • -عبد العزيز أسباع، مكانة القضاء الإداري المغربي في منظومة إصلاح العدالة، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام.
  • -عبد القادر باينة، الرقابة على النشاط الإداري، ص: 219.
  • -عدنان عمرو، ماهية التنظيم الإداري، مطبعة الأخوة،.
  • -كريم لحرش، القضاء الاداري المغربي سلسلة اللامركزة والادارة المحلية، عدد المزدوج 16-17 الطبعة الاولى 2012.
  • -محمد الصغير بعلي، الوجيز في المنازعات الإدارية، دار العلوم للتوزيع والنشر 2006.
  • -محمد عاطف البنا، الوسيط في القضاء الإداري، دار الفكر العربي، القاهرة، طبعة 1990.
  • -مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة، الطبعة السادسة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء سنة 2006.

الفهرس :

مقدمة: 1

المبحث الأول: نشأة وتطور القضاء الإداري الفرنسي…. 5

المطلب الأول: نشأة القضاء الإداري الفرنسي 1772-1872. 5

المطلب الثاني: تطور القضاء الفرنسي 1872/2010. 11

المبحث الثاني: التنظيم القضاء الإداري الفرنسي…. 19

المطلب الاول : تأليف القضاء الإداري الفرنسي…. 19

المطلب الثاني : اختصاصات القضاء الاداري الفرنسي…. 29

خــاتــمـــة. 46

لائحة المراجع: 49

الفهرس : 51

[1]-عبد العزيز أسباع، مكانة القضاء الإداري المغربي في منظومة إصلاح العدالة، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، ص: 1.

[3]– سليمان محمد الطماوي، الوجيز في القانون الإداري، طبعة 1992، مطبعة دار الفكر العربي بالقاهرة، ص: 12.

[4]– أحمد أجعون، القضاء الإداري، الطبعة 2013-2014، ص: 15.

[5]-عبد العزيز أسباع، مرجع سابق، ص: 2.

[7]– سالم بن راشد العلوي، القضاء الإداري، دراسة مقارنة، الطبعة الأولى 2009، مكتب دار الثقافة للتصميم والإنتاج، ص: 89-90.

[8]– علي خطار شنطاوي، موسوعة القضاء الإداري، دار الثقافة 2011، ص: 167.

[9]– السيد الإقطاعي: اهتم الباحثون بدراسة النظام الإقطاعي الذي أصبح نظاما سياسيا واجتماعيا واقتصاديا انتشر في فترة العصور الوسطى تحديدا في قارة أوربا الغربية.. (للمزيد من المعلومات حول النظام الإقطاع يمكن العودة إلى مرجع مفيد الزيد، موسوعة تاريخ أوربا الجزء الأول).

[10]– كريم لحرش، القضاء الإداري المغربي، سلسلة اللامركزية والإدارية المحلية، ص: 46.

[11]-الفصل 13 من قانون 24 غشت 1790.

[12]-سليمان محمد الطماوي، الوجيز في القضاء الإداري، دار الفكر العربي القاهرة، مصر الطبعة الثانية، ص: 31.

[13]– كريم لحرش، نفس المرجع، ص: 48.

[14]– سليمان محمد الطماوي،مرجع سابق، ص: 31.

[15]– عدنان عمرو، ماهية التنظيم الإداري، مطبعة الأخوة، ص: 22.

[16]– عبد القادر باينة، الرقابة على النشاط الإداري، ص: 210.

[17]-نفس المرجع أعلاه، ص: 240.

[18]– كريم لحرش، مرجع سابق، ص: 49.

[19]– كريم لحرش، نفس المرجع، نفس الصفحة أعلاه.

[20]-عدنان عمرو، مرجع سابق، ص: 20.

[21]-مجلس الدولة الفرنسي: يمارس مجلس الدولة الفرنسي وظيفتين رئيسيتين هما: الإفتاء والقضاء وتوزيعهما على قسمين: القسم الإداري والقسم القضائي.

[22]– محمد الصغير بعلي، الوجيز في المنازعات الإدارية، دار العلوم للتوزيع والنشر 2006.

[23]– مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص: 18-20.

[24]– كريم لحرش، مرجع سابق، ص: 48-49-50.

[25]– ثورية العيوني، القضاء الإداري، دار الجسور وجدة، 1997، ص: 73.

[26]-حكم كادو: لم يخرج حكم كادو عن حكم بلانكو، ولكن الجديد فيه يتمثل في إخضاعه الهيئات والوحدات المحلية للقضاء الإداري، استنادا إلى ذات الأساس، المتمثل في أن قواعد القانون الإداري تختلف عن قواعد القانون المدني.

[27]– كريم لحرش، مرجع سابق، ص: 50.

[28]– كريم لحرش، مرجع سابق، ص: 50.

[29]– مليكة الصروخ، مرجه سابق، ص: 20.

[30]– محمد عاطف البنا، الوسيط في القضاء الإداري، دار الفكر العربي، القاهرة، طبعة 1990، ص: 36.

[31]– كريم لحرش، مرجع سابق، ص: 52.

[32]– ثورية العيوني، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص: 75.

[33]– كريم لحرش، مرجع سابق، ص: 51.

[34]– عبد القادر باينة، الرقابة على النشاط الإداري، ص: 219.

[35]– نفس المرجع أعلاه، ص: 220.

[36]  مليكة الصروخ،  مرجع سابق ص : 522

[37]  . كريم لحرش، نفس المرجع، ص: 66

[38]  علي خطار شنطاوي، مرجع سابق ص  175 و 176

[39]  . كريم لحرش، نفس المرجع، ص 62

[40] لمواد 05 الى 10من القانون العضوى 98-03 المتعلق بمحكمة التنازع

[41] المادتين 12و13 من القانون العضوى 98-03

[42] المواد 27و28و29من القانون العضوى 98-03

[43] المادتين 13و14 من القانون العضوي   98-03

[44] . كريم لحرش، نفس المرجع، ص: 70

[45] علي خطار شنطاوي، مرجع سابق ص  183-184

[46] . كريم لحرش، نفس المرجع، ص: 70 – 71

[47]  علي خطار شنطاوي، مرجع سابق ص  181- 182

[48]  . كريم لحرش، نفس المرجع، ص: 66-67

[49]  سالم ابن راشد العلوي مرجع سابق ص 135-136

[50]  سامي جمال الدين ، القضاء الاداري والرقابة على أعمال الادارة مبدأ المشروعية- التنظيم القضاء الاداري- دار الجامعة الجديدة للنشر ص 242

[51] المادتين 152 /1 و 153 من الدستور96

[52] المواد رقم 15 الى18 القانون العضوي 98-03

[53] المادة : 16 من القانون العضوي : 98-03

[54]  المادة : 16 من القانون العضوي : 98-03

[55] المادة 17/02 من القانون العضوي  98-03

[56]    المادة 18  من القانون العضوي  98-03

[57]  المادة 19/02 من القانون العضوي  98-03

[58]  المادة31 من القانون العضوي

[59] علي خطار شنطاوي، مرجع سابق ص  184-185

[60]  سالم ابن راشد العلوي مرجع سابق ص 135-136

قد يعجبك ايضا