مناقشة رسالة للماستر في القانون الخاص، حول موضوع: ”حماية رضا المستهلك المتعاقد إلكترونيا وضمان حقه في الخصوصية” للطالب الباحث: “عبدالإله معداد”

المقدمة:

الدراسة التي بين أيدينا المعنونة بحماية رضا المستهلك المتعاقد إلكترونيا وضمان حقه في الخصوصية قدمت بتاريخ 16 يوليوز 2020 م لنيل درجة الماستر في القانون الخاص تخصص المعاملات الإلكترونية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة الحسن الأول -سطات-؛ تحتوي على 175 صفحةـ من إعداد الباحث: عب الإله معداد؛

وقد أرجع الباحث سبب اختياره لموضوع “حماية رضى المستهلك المتعاقد بشكل إلكتروني وضمان حقه في الخصوصية” لمجموعة من الدوافع التي كانت وراء ذلك، وأهمها يتمثل في أن هذا الموضوع يتميز بالراهنية بغض النظر عن الدراسات التي تطرقت للموضوع إلا أن الإشكاليات التي تمت معالجتها تختلف عما تطرق له في هذه الدراسة، خاصة أن التطور المستمر للتجارة الالكترونية وما رافقه من موجات كبيرة من الاختراقات والاعتداءات على البينات ذات الطابع الشخصي للمستهلك، أضحت تشكل أمور غير مألوفة في ظل التجارة التقليدية، مما تسبب في بروز العديد من الأشكال الجديدة من الجرائم وطرق الاحتيال والغش، الأمر الذي جعله يركز على هذا الجانب  مما أضفى على موضوعه ميزة الجدة  في معالجته بغية جعله مولودا جديدا لعله يغني المكتبات العربية والوطنية.

أهمية موضوع الدراسة

في هذه الدراسة يرى الباحث أن أهمية البحث في موضوع حماية رضى المستهلك المتعاقد إلكترونيا وضمان حقه في الخصوصية، تنبع بالخصوص من المكانة التي أصبحت تكتسيها التجارة الإلكترونية عموما وعقد الاستهلاك الالكتروني خصوصا، وما يرتبط به من انتهاكات الحق في الخصوصية نتيجة الادلاء بالبيانات الشخصية الخاصة بالمستهلك، هذه الأخيرة أضحت تثير العديد من الإشكالات القانونية والتقنية بالرغم من الاهتمام الكبير الذي يوليه المشرع المغربي لتنظيم العقود والمعاملات المبرمة بشكل الالكتروني وذلك بموجب القانون 53 -05. وكذلك القانون رقم 31 – 08، وأيضا من خلال حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي الخاصة بالأفراد الذاتيين بموجب القانون 08 – 09. مما يجعل من أهمية هذا الموضوع تنبع بالأساس في تبيان مدى حماية النص القانوني من عدمه للمستهلك المتعاقد في البيئة الافتراضية، مع مقاربتها بالتشريعات المقارنة والاتفاقيات الدولية في هذا المجال، بغية بث الثقة في نفوس المستهلكين وتشجيعهم بالإقبال والتعامل في إطار التجارة الإلكترونية.

إشكالية الموضوع:

ومن خلال ما سبق، قام الباحث بطرح إشكالية محورية تروم التطرق إلى: حدود مساهمة القوانين الخاصة بالبيئة الرقمية في حماية رضا المستهلك المتعاقد إلكترونيا وضمان حقه في تأمين معطياته ذات الطابع الشخصي؟

وأضاف الباحث بأنه لمقاربة الإشكالية المذكورة فيجب الإجابة عن هذه التساؤلات:

     هل تتسم وضعية المستهلك في إطار التجارة الإلكترونية بخصوصيات معينة تستوجب حماية خاصة مقارنة مع الحماية المقررة له في إطار التجارة التقليدية؟

     إلى أي حد واكب النص القانوني، التطور المتنامي للتجارة الالكترونية؟ وما هي الضمانات التي يقدمها؟

     هل راعى المشرع المغربي المصالح المتعارضة لكل من المهني السيبراني والمستهلك المتعاقد إلكترونيا أثناء وضع الضوابط القانونية لحماية هذا الأخير؟

     ما المخاطر المهددة للمعاملات المبرمة بشكل الكتروني؟

     ما هي الآليات والوسائل التقنية الموجودة لتأمين عقود الاستهلاك المبرمة بشكل إلكتروني؟

     وهل هذه الوسائل كفيلة لتوفير حماية فعالة لهذا النوع من المعاملات؟

     حدود تعرض الحياة الخاصة للمستهلك المتعاقد إلكترونيا للخطر أكثر من نظيره التقليدي؟

     إلى أي حد تمثل معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي للمستهلك المتعاقد إلكترونيا اعتداء على حقه في الخصوصية؟

     ما هي أهم مؤيدات الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخصي؟

     هل تشكل القواعد الزجرية لقانون 09.08 إطارا فعالا لتأسيس نظام ملائم يضمن حق المستهلك المتعاقد إلكترونيا في الخصوصية؟

منهج البحث:

مما لا شك فيه أن بناء أي بحث يحتاج الى منهج يكون الوسيلة التي تحدد للباحث مجالات البحث، ومنه تسهل له عملية الإجابة عن التساؤلات التي ينطلق منها في بحثه، والمناهج العلمية على اختلاف أنواعها تشكل اللباس المناسب والحقيقي الذي يغطي عناصر البحث.

لذا انتهج الباحث في دراسته للموضوع ومعالجة إشكالاته منهجا مختلطا، جره إلى البحث عن النصوص القانونية التي تؤطر هذه الحماية ومدى كفايتها. وبه سوف يتم التوصل إلى معرفة مدى نجاعة النصوص القانونية المرتبطة بالموضوع وتحقيق الغاية التي وجدت من أجلها أم لا زال يعتريها القصور؟ وكذلك سوف يوصله إلى معرفة مكامن الضعف التي تقف حاجزا أمام تحقيق هذه الأهداف والغايات.

ولذلك استوجب إتباع:

     المنهج الوصفي: وذلك بتبيان المقتضيات القانونية التي تؤطر هذا الموضوع.

     المنهج التحليلي: فهو ناتج عن الاستقراء لنصوص المواد القانونية ذات الصلة وتحليلها بما يخدم موضوع الدراسة وتبيان مدى كفايتها، مع الاستئناس ببعض القوانين والتوجيهات سواء في إطار القواعد القانونية العامة الواردة في القوانين المدنية، أم القوانين الحديثة المنظمة للاستهلاك الالكتروني فيما لم يرد بشأنه نص في القانون المغربي.

     المنهج المقارن: وذلك من خلال تناول بعض المقتضيات القانونية المتعلقة بباقي التشريعات سواء منها الدولية أو الإقليمية أو الوطنية، المرتبطة بمجال الاستهلاك الإلكتروني ومقارنتها بنظيرها في تشريعنا المغربي.

تقسيم الدراسة

 

على ضوء ما سبق؛ قام الباحث بتقسيم الدراسة إلى فصلين، خصص الفصل الأول للوقوف على الأحكام العامة للتعاقد في البيئة الافتراضية، وذلك عن طريق الحديث عن الحماية المقررة لرضا المستهلك المتعاقد إلكترونيا في الفصل الأول، بعد ذلك خصص الفصل الثاني لضمان حق المستهلك في الخصوصية.

الفصل الأول:

تطرق الباحث في الفصل الأول من هذه الدراسة لحماية رضا للمستهلك المتعاقد إلكترونيا، حيث إنه تناول من خلاله الضوابط الحمائية لرضا المستهلك المتعاقد إلكترونيا قبل التعاقد في المبحث الأول، ثم تطرق في المبحث الثاني للشق الثاني من هذه الضوابط الحمائية المدنية والتقنية الناجمة عن مرحلة التعاقد.

وقد تحدث الباحث في المبحث الأول المعنون بالضوابط الحمائية لرضا المستهلك المتعاقد إلكترونيا قبل التعاقد علة أهمية الحماية قبل التعاقد لأن الهدف من وراءها هو إيجاد رضا حر، مستنير وغير مشوب بعيب، والرضا كركن هام من أركان العقد يجب استكماله قبل إبرام العقد كي لا يهدد هذا الأخير بإبطال أو بطلان، وبالتالي التأثير سلبا على العملية الاقتصادية واستقرار المعاملات.

ويدخل في إطار هذه المرحلة كل من الالتزام والاعلام والحماية من الإعلانات التجارية الالكترونية الخادعة، فالالتزام بالإعلام يكتسي أهمية كبرى لأنه يمكن المستهلك عامة والمستهلك المتعاقد إلكترونيا خاصة من التعرف على مدى ملاءمة المنتوج أو الخدمة لحاجياته الشخصية وذلك عبر المعلومات التي يقدمها له المهني، أما الحماية من الإعلانات التجارية الالكترونية الخادعة فأهميتها تكمن في كون الإعلان التجاري يعد الأداة الأساسية التي تمكن المستهلك من معرفة ما هو رائج في السوق، فهو يعتبر البوابة التي تساعده على معرفة السلع والخدمات المعروضة، لذا فمن المفترض أن يكون صادقا ونزيها.

أما بخصوص المبحث الثاني من الفصل الأول المعنون الضوابط الحمائية المدنية والتقنية الناجمة عن مرحلة التعاقد يرى الباحث أن التعاقد في إطار نظام العقد الإلكتروني فرض المزيد من القواعد التنظيمية والحمائية بحيث أن الكثير من المتعاقدين عبر الانترنت يفتقدون للخبرة الكافية لحماية رضاهم في إطار هذا النوع الجديد من التعاقد ومن هذا المنطلق، بين الباحث فيما إذا تضمنت القوانين التي همت مجال المعاملات الإلكترونية بصفة عامة وقانون حماية المستهلك المغربي بصفة خاصة آليات حمائية لرضا المشتري التي من شأنها أن تكون أكثر فاعلية ونجاعة، خاصة ونحن نشهد الانتشار الواسع للتجارة الإلكترونية، والتي لا تتطلب لشراء منتج أو سلعة سوى النقر على أيقونة المنتج وإدخال بعض المعلومات لتتم عملية التعاقد.

وهذه الخصوصيات كانت محط تنظيم خاص من قبل المشرع المغربي الأمر الذي يعتبر من الضمانات الحمائية الهامة التي يتمتع بها المستهلك المتعاقد إلكترونيا.

أما بخصوص الفصل الثاني من هذه الدراسة المعنون بضمان حق المستهلك المتعاقد إلكترونيا في الخصوصية يعرج من خلاله الباحث على أن الحق في احترام الحياة الخاصة يعد من أهم حقوق الإنسان في المجتمعات المدنية الحديثة، فهو ثمرة للتطور الحضاري للمجتمع الإنساني. فمن حق الفرد أن يحتفظ بأسرار حياته بعيدا عن التدخلات الغير مشروعة. لذا من الواجب وضع حدود تشكل حاجزا وقائيا لمنع كل اعتداء يمكن أن يطال المجال المحفوظ للحياة الخاصة ولا سيما المعطيات ذات الطابع الشخصي للأفراد. إذ بات لزاما من حق الأطراف في السيطرة على المعلومات والبيانات الخاصة في مواجهة تحديات العصر الرقمي ضرورة ملحة تفرض ذاتها بقوة.

كما أن التكريس التشريعي لمعظم دول العالم بوضع قوانين مكتسية صبغة خاصة لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، أرغم المشرع المغربي على إصدار قانون رقم 08 -09 بتاريخ 18 فبراير 2009 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. الذي يشكل ضمانة هامة للمعطيات ذات الطابع الشخصي المتعلقة بالمستهلك المتعاقد إلكترونيا.

وقد تحدث الباحث في المبحث الأول من هذا الفصل المعنون بالأحكام العامة للمعالجة الآلية للمعطيات ذات الطابع الشخصي للمستهلك الالكتروني على أن مسألة التعامل مع المعطيات الخاصة بالأفراد تحظى باهتمام كبير وغير مسبوق نتيجة تطور تكنولوجيا المعلومات، سواء على مستوى المعالجة والنشر، أو على مستوى التدفق عبر الحدود، بالإضافة إلى عدد الأشخاص المعنيين وحجم المعلومات الهائل الذي يتم تداولها عبر الانترنيت. المّا أصبحت تشكله من تهديد مباشر على الأشخاص في كشف هوياتهم وأيضا على الدول ومصالحها الحيوية وأمنها، أثناء عمليات المعالجة.

أما المبحث الثاني حماية البيانات الخاصة بالآداء الالكتروني والمسؤولية المدنية المترتبة عنه تحدث من خلاله الباحث على أن أهم صيغ ومظاهر الحماية التي يجب أن يحظى بها المستهلك ـ بعد إبرام العقد وأثناء تنفيذه عندما يؤدي مقابل الخدمة أو السلعة التي يقتنيها من المحلات التجارية الافتراضية ـ هي حماية معطياته من مخاطر الوفاء الإلكتروني.

هذا الأخير فرضته ظهور التجارة الالكترونية الذي تتم في بيئة افتراضية تعج بالمخاطر والتي تهدد أمن استمال وسائل الدفع الالكترونية، من قبل أشخاص محترفين يتمتعون بخبرة فنية ومعرفة تقنية في مجال التكنولوجية المعلوماتية، مما يعرض المستهلك الإلكتروني خلال استعانته بوسائل الدفع الإلكترونية لمجموعة من المخاطر الماسة بمعطياته الشخصية الغير المألوفة في العالم المادي.

خاتمة

أهم نتائج الدراسة:

بعد أن انتهى الباحث من دراسته حول حماية رضى المستهلك المتعاقد إلكترونا وضمان حقه في الخصوصية توصل إلى النتائج التالية:

*  تحتاج التجارة الإلكترونية نظاما قانونيا يتلاءم وطبيعة الأنترنيت بشأن العقود على المستوى الوطني، كما أنها بحاجة إلى قواعد تحقق نوعا من التنسيق على المستوى الدولي أيضا، لذلك عنيت التشريعات الوطنية بتأطير المبادلات التجارية الإلكترونية، عن طريق إصدار تشريعات شاملة ومستقلة تخص التجارة الإلكترونية، أو عن طريق تشريعات جزئية تشمل تعديلات في قوانينها القائمة بما يلائم البيئة التكنولوجية والتقنية المستجدة، والمؤكد من خلال هذا العرض المتواضع، أن الحاجة لا تزال قائمة بل ومستعجلة في أكثر من ناحية في تنظيم قطاع المعلوماتية بالمغرب، من إصدار تشريعات تنظيمية جديدة، ليس من أجل تنظيم التجارة الالكترونية فحسب، بل المهمة أكبر من ذلك وتخص بالأساس تنظيم قواعد السلوك في ميدان التسوق عبر الأنترنيت.

* لم ينص المشرع المغربي على إعلام المستهلك الإلكتروني بالمعلومات والبيانات المتعلقة بالوسائل التكنولوجية المعتمدة في التعاقد الالكتروني خصوصا منها الجوانب التقنية.

* إذا كان الإشكال مطروحا فيما يخص الالتزام بالإعلام هل هو عقدي أو قبل عقدي في إطار الاستهلاك التقليدي، فإن إعلام المستهلك الإلكتروني يكون دائما ذو طابع قبل عقدي، لأن المهني الذي يعرض سلعه وخدماته عبر الأنترنيت دائما ما يكون قد عرضها على موقعه الالكتروني وبالتالي فالإعلام هنا واجب قبل التعاقد.

الاقتراحات:

تأسيسا على النتائج السابقة اختتم الباحث الدراسة بالاقتراحات التالية:

* يقترح الباحث بضرورة حماية بيانات المستهلك المتعاقد إلكترونيا المالية والشخصية من خلال وضع آليات رقابة وحماية مناسبة، على أن تحدد هذه الآليات غرض وأسباب جمع ومعالجة وحجز واستخدام وكشف هذه البيانات الخاصة بالمستهلك. كما ينبغي كذلك أن تكون هذه الآليات قادرة على استيعاب حقوق المستهلكين في الحصول على معلومات حول تبادل البيانات والدخول عليها والحصول على تصحيح فوري/ أو حذف للبيانات التي تم جمعها أو معالجتها بصورة غير مشروعة أو غير دقيقة.

*  كما يوصي الباحث بضرورة العمل على نشر ثقافة التسوق عبر شبكة الانترنت وتوفير البنية التحتية لذلك، وتوعية المستهلكين بحقوقهم، من خلال التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني وأجهزة حماية المستهلك والاستعانة بالمؤسسات المختصة بشؤون التعليم والإعلام لإصدار النشرات والمطبوعات المتعلقة بذلك، وعقد الورشات والندوات التثقيفية التي تهدف إلى إيجاد مستهلك واع ومدرك لخصوصية الآلية التي يتعاقد من خلالها وعالما بحقوقه التي يتمتع بها حماية لرضاه وضمانا لحقه في الخصوصية.

* كما يقترح الباحث وضع استراتيجية جديدة متناسقة ومتكاملة لمراقبة الأمن في مجال تقنية المعلومات باعتبار ما للأمن المعلوماتي من أهمية في ترسيخ واستقرار المعاملات الإلكترونية التجارية منها والاجتماعية خصوصا مع ظهور ما يسمى بالمجتمع الرقمي والإدارة الإلكترونية والمحكمة الرقمية.

* كما يوصي الباحث الجامعات المغربية – سيرا على ما اهتدت إليه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة الحسن الأول بالسطات وبالضبط ماستر المعاملات الإلكترونية – أن تولي موضوع المعاملات الالكترونية والأمن القانوني للتجارة الإلكترونية عناية خاصة، وذلك بإضافة موضوعات ووحدات مخصصة لدراسة قانون الأنترنيت وقانون التجارة الالكترونية.

 

 

قد يعجبك ايضا