جائحة كورونا وتعديل قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020

المعلومة القانونية

*إبراهيم المصلوحي

طالب باحث في سلك ماستر المالية العامة بكلية الحقوق سطات

ان الميزانية العامة، باعتبارها أداة متميزة للسياسة الاقتصادية و الاجتماعية للدولة ووسيلة لتفعيل الدينامية الاقتصادية، يلزمها أن تعكس بشكل واضح وأن تترجم بالملموس الأولويات التي رسمتها ضمن التوجهات العامة للحكومة لهذا القطاع أو ذاك وبما أن السياسة، أية سياسة هي مجموعة من الأهداف المعلنة و الوسائل المتوفرة أو المستعملة لتحقيقها ، فان قانون المالية يشكل مناسبة لمعاينة مستوى أداء السلطات في المدى القصير، مستوى تطابق الأهداف والوسائل ودرجة ملاءمتها للاختيارات الإستراتيجية [1].

ان مع تنامي تفاقم التأثيرات السلبية لا نتشار فيروس كورونا في العالم على اقتصاديات الدول، حيث لم يكن المغرب بمنأى عن هذه التأثيرات، بدأ النقاش حول السيناريوهات لمواجهة تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني خصوصا وأن حظر الفيروس تزامن مع أزمة الجفاف التي تهدد المحصول الزراعي للدولة هذه السنة.

ومن ضمن السيناريوهات المحتملة لمواجهة هذه التأثيرات والذي حظي بنقاش واسع، تقديم مشروع قانون مالية تعديلي [2].

فماذا يقصد بقانون المالية المعدل؟ وما أهميته في مثل هذه الظروف خاصة من الناحية القانونية؟ وهل بلورة مشروع قانون مالية تعديلي لإعادة ضبط توازن المالية العمومية هو السيناريو لأنسب و الأجدى؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات سوف نعتمد التصميم التالي:

  • المحور الأول: قانون المالية وباقي السيناريوهات القانونية
  • المحور الثاني: ضرورة اعتماد قانون مالية معدل لمواجهة جائحة كورونا
  • المحور الثالث: مسطرة تعديل قانون المالية

المحور الأول: قانون المالية و باقي السيناريوهات القانونية المطروحة.

بحسب المادة 2 من القانون التنظيمي رقم 13_130 لقانون المالية يراد بقانون المالية كل قانون المالية للسنة و قوانين المالية المعدلة و قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية.

فخلال السنة المالية و انطلاقا من المادة الرابعة من القانون التنظيمي لقانون المالية، يمكن أن تظهر الحاجة الى تعديل التقديرات التي أتى بها قانون مالية السنة جراء أسباب سياسية و اقتصادية لم تكن متوقعة ، في هذه الحالة تتقدم السلطة التنفيذية الى البرلمان بمشروع قانون بهذا الشأن، و بعد المصادقة على هذا المشروع يصبح قانونا معدلا لقانون مالية السنة. غير أنه يحمل طابع الاستثناء من حيث التطبيق حيث قلما تلجا الحكومة الى هذه الوسيلة، وكأمثلة على ذلك نجد القوانين المالية التعديلية لسنوات 1974و1983و1990.

بموجب تأثيرات كل من جائحة كورونا والجفاف ، فان الجهاز التنفيذي سيضطر الى إعادة النظر في العديد من الإجراءات و الالتزامات و المواد التي جاء بها قانون مالية 2020 لدعم الشركات و المقاولات و مختلف الفاعلين المتضررين من انتشار الفيروس.

وحيث تنص المادة 4 من القانون التنظيمي لقانون المالية على أنه ” لا يمكن أن تغير خلال السنة أحكام قانون المالية لسنة الا بقوانين المالية المعدلة فان الضرورة تقتضي اللجوء الى قانون مالي تعديلي .

لكن هل يتعذر القيام بهذا التصحيح الا من خلال قانون مالية معدل؟

ألا يمكن اللجوء الى وسيلة أخرى لبلوغ نفس الهدف ؟ ومتى يتم ذلك؟

لقد وضع القانون التنظيمي رقم 13_130 لقانون المالية لدى السلطة التنفيذية بعض الأليات لتدبير مستجدات غير متوقعة اما داخل سقف الترخيص البرلماني أو خارج هذا السقف . فالمادة 42 من القانون التنظيمي للمالية تقرر في الباب الأول من الميزانية العامة فتح فصل غير مرصد لأي مرفق من المرافق تدرج فيه النفقات الطارئة الاحتياطية، ويمكن أن تباشر اقتطاعات من الفصل المذكور خلال السنة ، عن طريق اعتماد تكميلي، لسد الحاجات المستعجلة أو غير المقررة حين اعداد الميزانية، كما أن المادة 43 من نفس القانون تقرر، بكل من الباب الأول والباب الثاني من الميزانية العامة فتح فصل تدرج فيه التكاليف المشتركة لتغطية النفقات المتعلقة بها و التي لا يمكن أن تتضمن الا التكاليف التي لا يمكن ادراجها ضمن ميزانيات القطاعات الوزارية أو المؤسسات.

بل طبقا للفصل 70 من الوثيقة الدستورية لسنة 2011 و المادة 60 من القانون التنظيمي للمالية، يمكن في حالة ضرورة ملحة وغير متوقعة ذات مصلحة وطنية، أن تفتح اعتمادات إضافية بمرسوم أتناء السنة، ويتم اخبار اللجنتين المكلفتين بالبرلمان مسبقا بذلك. في نفس الاتجاه ووفقا للمادة 26 يجوز في حالة الاستعجال و الضرورة الملحة وغير المتوقعة أن تحدث خلال السنة المالية حسابات خصوصية للخزينة بموجب مراسيم طبقا للفصل 70 من الدستور و يتم اخبار اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان مسبقا بذلك على أن تعرض هذه المراسيم على البرلمان بقصد البرلمان في أقرب قانون للمالية[3].

المحور الثاني: ضرورة اعتماد قانون مالية معدل لمواجهة جائحة كورونا.

رغم ما أحدثته جائحة كورونا، في بداية انتشارها ، على المستوى الدولي من انعكاسات الدول العظمى ورغم تحدير كبار الخبار الاقتصاديين و الماليين ومن داخل المؤسسات المالية العالمية بخطورة الوضع و انتظار الأسوء، و الأسوء هنا مقارنة مع أزمة 2008، بل هناك من أبدى تخوفه مستحضرا أزمة 1929، رغم كل هذا وذاك، هناك في المغرب من دعا الى عدم القلق وليس هناك ما يدعوا الى التوجه نحو قانون مالية معدل، فهناك فصل النفقات الطارئة والمخصصات الاحتياطية بقانون المالية الأصلي لمواجهة مثل هذه الطوارئ [4].

طبعا لن نقف عند هذا الموقف ، فالاعتمادات المخصصة في الباب الأول لفصل النفقات الطارئة و المخصصات الاحتياطية لا تشكل سوى 2.400.000.000 درهم . وحتى اذا أضفنا اليها تجاوزا فالاعتمادات المخصصة في الباب الأول لفصل التكاليف المشتركة المحددة في 24.651.211.000 درهم ، واعتمادات الأداء المخصصة في الباب الثاني لفصل التكاليف المشتركة و المحددة في 23.200.755.000 درهم ، فمجموع الاعتمادات يصبح 50.251.966.000 درهم ، أي 50 مليار و 251 مليون و 966 ألف درهم.

ان هذه الفصول التي ذكرناها مجتمعة، على أهميتها التي لا ينكرها أحد خاصة فصلي التكاليف المشتركة، لا تكفي لوحدها لحل الأزمة التي خلفتها جائحة كورونا و ضائقة الجفاف، لسبب بسيط، نحن بصدد أزمة مالية بنيوية تستعي اتخاد تدابير هامة لحماية منظومة المالية العمومية و تحتاج الى تعديلات مالية متعددة الجوانب وجذرية لإعادة النظر في كفتي الموارد و النفقات العامة، ومن تم ضرورة اللجوء الى تفعيل المادة 4 من القانون التنظيمي للمالية و اعتماد ” مشروع قانون مالية تعديلي” حفاظا على صدقية الفرضيات و التوقعات و الأرقام التي أتى بها قانون مالية سنة 2020 و حفاظا على مصداقية الترخيص البرلماني.

ان ضرورة اعتماد قانون مالية معدل تفرضه ببساطة عدم إمكانية الاستمرار في العمل بقانون مالية أصلي انطلق من فرضيات ماكرو اقتصادية و بني على أساسها مجموع التوقعات و الأرقام، و قبل نهاية الفصل الأول من السنة المالية طرأت ظروف حتمت ضرورة مراجعة كل هذه الفرضيات.

ففيما يخص القطاع الفلاحي, انطلق قانون المالية لسنة 2020 مثلا من فرضية ارتفاع محصول الحبوب ليصل الى 70 مليون قنطار هذه السنة عوض 52 مليون قنطار سنة 2019،لكن تواصل الجفاف بشكل أشد هذه السنة سيؤدي الى التراجع عن محصول عن السنة الماضية لتنخفض التوقعات الى 30 مليون قنطار هذه السنة، أي بانخفاض 42 في المائة مقارنة بالموسم الماضي [5]

و بخصوص المداخيل الجبائية، توقع  قانون مالية 2020 تحصيل مداخيل ضريبية تقدر ب233،4 مليار درهم أي بزيادة قدرها 3,5 في المائة عن سنة 2019، ولاشك أن جائحة كرونا لها تأثيرات على المجال الاقتصادي و الاجتماعي و المالي في اتجاه تراجع مختلف العائدات الضريبية ( الضريبة على الشركات و الضريبة على الدخل و الرسوم الداخلية على الاستهلاك و الضريبة على القيمة المضافة) بفعل ركود جميع القطاعات الاقتصادية ( السياحية، الصناعية، النقل، الخدمات، التصدير…) وتوقف الشركات والمقاولات جزئيا أو كليا وكذا توقف العديد من الأنشطة المهنية و الحرفية وتداعيات ذلك على النفقات.

بناء على ما سبق تظهر الحاجة الملحة لوضع قانون مالي تعديلي، مبني على فرضيات ماكرو اقتصادية جديدة لمجابهة الصعوبات و الأضرار التي تلقي بضلالها على الاقتصاد الوطني.

المحور الثالث: مسطرة تعديل قانون المالية

ان قانون المالية ليس كباقي القوانين فهو الفعل القانوني و الاقتصادي و الاجتماعي الأكثر أهمية الذي يتخذه البرلمان كل سنة، لذلك أبى المشرع الدستوري، الا أن يميز قانون المالية عن غيره من القوانين العادية، و أن يضفي عليه خصوصية متميزة عن غيره من القوانين العادية، سواء من حيث شكل تقديمه أو بنيته أو أجال صياغته أو من حيث مضمونه ونطاق تطبيقه والاثار المترتبة عنه [6]،اذا كان قانون المالية السنوي تمرينا سنويا يتأتى من خلاله تمحيص النوايا المعلنة في التصريح الحكومي و تعبيرا عمليا يعطي صورة موجزة عن النظام المالي لسنة معينة، فان هذا القانون ينجب من صلبه القانون الذي يعدله, فقانون المالية السنوي لا يمكن تعديله الا عبر قانون مالية تعديلي [7]، وهذا ما يجد سنده في المادة الرابعة من القانون التنظيمي13_130لقانون المالية التي تنص على “لا يمكن أن تغير خلال السنة أحكام قانون المالية للسنة الا بقوانين المالية المعدلة”.

وتكتسي هذه القوانين أهمية بالغة لأنها تمكن الحكومة من تكييف و تحيين القوانين المالية السنوية مع المستجدات التي تطرأ أثناء تنفيذ الميزانية.

ويمكن ابراز عدة أسباب قد تستدعي اجراء تعديل القانون المالي. فأما الدواعي السياسية قد تنتج اما عن تغير عميق في الأغلبية الحكومية أو البرلمانية خلال سريان القانون المالي السنوي فترتئي الحكومة الجديدة تقديم مشروع قانون مالية تعديلي يمكنها من انزال برنامجها الحكومي عن طريق احداث تغيرات عميقة في السياسة المالية بالزيادة في الاستثمارات العمومية و النفقات الاجتماعية و الرفع من بعض الضرائب، أو العكس بتخفيض الانفاق العام و اللجوء الى القروض. أما الأسباب الاقتصادية فيمكن اجمالها في التطورات التي تعرفها الظرفية الاقتصادية و التي تسببت في انكماش النمو الاقتصادي و ما يمكن أن يتبعه من انخفاض في حصيلة المداخيل الإيجابية و ارتفاع البطالة [8].

هكذا يغدو قانون المالية التعديلي القناة الوحيدة التي يتأتى من خلالها للسلطة التنفيذية التماس الاذن البرلماني لتغيير و تعديل ما سبق لها برمجته في قانون المالية السنوي. [9]

ان عملية تقديم والتصويت على قانون المالية المعدل يتم وفق نفس الميكانيزمات التي يقدم ويصوت بها على قانون مالية السنة [10].

وقد نظمت مسطرة التصويت على قانون المالية المعدل بموجب المادة 51 من القانون التنظيمي لقانون المالية [11]، حيث يصوت البرلمان بغرفتيه على مشروع قانون المالية المعدل في أجل لا يتعدى خمسة عشر ( 15) يوما الموالية للا يداعه من طرف الحكومة لدى مكتب مجلس النواب و يوزع الحيز الزمني و فق الطريقة التالية:

  • يبث مجلس النواب مجلس النواب في مشروع قانون المالية المعدل داخل أجل ثمانية (8) أيام الموالية لتاريخ ايداعه.
  • يبث مجلس المستشارين في المشروع داخل أجل أربعة (4) أيام الموالية لعرضه عليه.
  • يقوم مجلس النواب بدراسة التعديلات المصوت عليها من طرف مجلس المستشارين و يعود له البث النهائي في مشروع قانون المالية المعدل في أجل لا يتعدى ثلاثة (3) أيام.

خاتمة:

على اثر التداعيات الاقتصادية و المالية لجائحة كورونا كوفيد 19، و التغيير المهم الذي طرأ على الظرفية الاقتصادي ة الاجتماعية السائدة عن اعداد قانون المالية لسنة 2020، و تطبيقا لأحكام الفصل 77 من الوثيقة الدستورية لسنة 2011 التي تنص على أن البرلمان و الحكومة يسهران على الحفاظ على توازن مالية الدولة و استنادا على مبدأ صدقية الميزانية كما ورد في المادة 10 من القانون التنظيمي للمالية رقم 130_13، وتبعا للمادة الأولى من نفس القانون التي تنص على ضرورة تقديم القوانين المعدلة في حالة حدوث تغيرات مهمة في أولويات و فرضيات قانون المالية ، بادرت الحكومة للإعداد مشروع قانون المالية المعدل رقم 35.20 للسنة المالية 2020 الذي ينبني على مجموعة من الفرضيات من بينها تراجع معدل النمو الناتج الداخلي الخام ب 5 في المئة و توقع تسجيل عجز بالميزانية يصل الى 7،5 في المئة.

كما يرتكز هذا المشروع قانون المالية التعديلي على ثلاث مرتكزات أساسية :

  1. مواكبة الاستئناف التدريجي للنشاط الاقتصادي
  2. الحفاظ على مناصب الشغل
  3. تسريع تنزيل الإصلاحات الإدارية

 

 

[1] _ أحمد الحارثي، جدلية السياسي والاقتصادي في المغرب، منشورات نوافد، الطبعة الأولى 2003، ص75.

[2] _ تنص المادة 4 من القانون التنظيمي رقم 13_130 لقانون المالية على : لا يمكن أن تغير خلال السنة أحكام قانون المالية للسنة الا بقوانين المالية المعدلة.

[3] _ في هذا الاطار حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا_ كوفيد 19 بمقتضى مرسوم رقم2.20.269 و الصادر بتاريخ 21 رجب 1441 ( 16 مارس 2020).

[4] _عبد الفتاح بلخال، مواجهة جائحة كورونا بالمغرب بين أليات المالية العمومية الأدنى و أليات القانون المالية المعدل ، مؤلف جماعي ،جائحة كورونا و المجتمع المغربي فعالية التدخلات و سؤال المالات ، الإصدار الأول يونيو 2020، ص 54.

[5] _ بلاغ صحفي لوزارة الفلاحة والصيد البحري  و التنمية القروية و المياه و الغابات بتاريخ 22 أبريل 2020 .

[6] _ أيت الشيخ محمد كريم، الحاجة لتعديل قانون مالية سنة 2020، مقال منشور لمجلة القانون و الأعمال، تاريخ الزيارة 3/07/2020.

[7] _ سي نحمد البقالي، الكتلة الدستورية للمالية العمومية، الطبعة الأولى 2017، مطبعة البصيرة الرباط، ص 113.

[8] _ محمد المساوي، المالية العامة ،الطبعة الثانية 2014، مطبعة اسبارطيل طنجة، ص 119.

[9] _ سي محمد البقالي ، مرجع سابق، ص 113.

[10] _ هذا الأمر تم تأكيد عليه في المادة 57 من القانون التنظيمي 13_130 لقانون المالية التي تنص على ” تقدم قوانين المالية المعدلة ويتم التصويت عليها وفق نفس الكيفية التي يقدم ويصوت بها على قانون المالية للسنة مع مراعاة المادة 51 أعلاه”.

[11] _القانون التنظيمي رقم 13_130 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.62 بتاريخ 14من شعبان 1436( 2 يونيو 2015)، الجريدة الرسمية عدد 6370 بتاريخ فاتح رمضان 1436( 18 يونيو 2015)، ص 5810.

قد يعجبك ايضا