قراءة في كتاب الأزمة المالية العالمية: “لماذا تستعصي عن الحل”

المعلومة القانونية

*المهدي السهيمي

  • طالب باحث في العلوم القانونية

قراءة في كتاب :

الأزمة المالية العالمية ” لماذا تستعصي على الحل ؟

معلومات حول الكاتب:

محمد حسن يوسف:

– باحث مصري

– دبلوم الدراسات الإسلامية من معهد الدراسات الإسلامية، بتقدير جيد جدا ( دور يونيو 2006 ).

– دبلوم الترجمة الفورية والتحريرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بتقدير ممتاز ( ديسمبر 1992 ).

– بكالوريوس الاقتصاد من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، بتقدير جيد جدا ( دور مايو 1987 ).

معلومات حول الكتاب:

صدر هذا الكتاب سنة 2013 باللغة العربية ضمن سلسلة أوراق الجزيرة رقم 33، للأستاذ محمد حسن يوسف، بعد ترشيحه من قبل أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة حامد علي، وبدعوة من المسؤول عن إدارة البحوث بمركز الجزيرة للدراسات، الأستاذ محمد عبد العاطي.

وهو  كتاب من الحجم الصغير حيث لا تتجاوز عدد صفحاته 128 صفحة، مقسمة على ثلاث فصول رئيسية، مقسمة بدورها إلى مباحث، وقد حملت الفصول العناوين التالية:

الفصل الأول: أسباب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وطرق علاجها

الفصل الثاني:تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية

الفصل الثالث: وسائل جديدة مقترحة لعلاج الأزمة المالية والاقتصادية العالمية

مقدمة الكتاب:

استهل الكاتب مقدمة كتابه بالتأكيد على كون النظام الرأسمالي العالمي يعيش في ظل أزمة خانقة منذ العام 2007، وتكمن المشكلة من وجهة نظره في عدم نجاح النظام الرأسمالي العالمي في تجاوز الأزمة بالرغم من مرور خمس سنوات عليها، ويتحدث عن تداعيات وانعكاسات تلك الأزمة على؛ أزمة منطقة اليورو، و أزمة دول الربيع العربي. ويقول بعد ذلك بكون العالم بعد هذه الأزمة التي عصفت باقتصادياته لم يعد يفكر بنفس المنطق الذي كان يفكر به قبل الأزمة.

بل بدأ حسبه اليوم الاعتماد على سياسات الرفاه الاجتماعي، التي لم يكن من الممكن التجرؤ على التطرق إليها قبل حدوث الأزمة. ويضيف بكون هذه الأزمة المالية والاقتصادية قد أتاحت فرصة من ذهب لمراجعة الفكر الاقتصادي السائد، لأنها أدت إلى بزوغ قوى اقتصادية جديدة تحاول منافسة الولايات المتحدة الأمريكية، مثل الصين.

بعد ذلك، تحدث على تأثيرات هذه الأزمة العالمية على الدول العربية، التي تأثر معظم اقتصادياتها بسببها، وذلك في ظل انعدام الاستقرار الداخلي لتلك الدول والتباطؤ الاقتصادي الذي نتج عن هذه الأزمة، ليقر بكون أخطر الآثار تحملتها الطبقات الشعبية الأكثر هشاشة، التي كانت تعاني من عدم وجود آليات سلمية وفعالة لإعادة التوزيع الاجتماعي, واعتبرها أحد العوامل التي دفعتها للمشاركة في حدوث الربيع العربي.الأمر الذي أعاد حسبه في المنطقة العربية من جديد تقسيم التحالفات والارتباطات الدولية مرة أخرى. وبكون حدوث الثورات والاضطرابات أربك حسابات الدول الكبرى خاصة فيما يتعلق باتخاذ ردود الأفعال المناسبة حيالها، وأعطى مثلا؛ بحالة الولايات المتحدة الأمريكية والموقف من الثورة المصرية، والاتحاد الأوروبي وعلى رأسه فرنسا وبريطانيا وموقفهم في ليبيا.

الفصل الأول: أسباب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وطرق علاجها

قسمه الكاتب إلى مبحثين؛ تحدث في الأول عن أسباب الأزمة، فيما خص الثاني بالحديث عن طرق علاجها .

المبحث الأول: أسباب الأزمة

قبل حديثه عن أسباب الأزمة، توقف الكاتب في البداية عند تحديد مفهوم الأزمة المالية.

مفهوم الأزمة المالية: حاول الكاتب تفكيك المفهوم بحيث عرف لنا الأزمة، تم أورد بعد ذلك تعريفا للأزمة المالية، لكن على وجه العموم يمكن القول بأن الأزمة المالية انهيار مفاجئ في سوق العقارات، أو مجموعة من المؤسسات المالية، لتمتد بعد ذلك إلى باقي الاقتصاد، ويحدث مثل هذا الانهيار المفاجئ في أسعار الأصول نتيجة انفجار ” فقاعة سعرية” مثلا.

والفقاعة المالية أو السعرية، أو فقاعة المضاربة كما تسمى أحيانا، هي بيع وشراء كميات ضخمة من نوع أو أكثر من الأصول المالية أو المادية كالأسهم أو المنازل بأسعار تفوق أسعارها الطبيعية أو الحقيقية.

أسباب الأزمة: تحدث الكاتب في هذا السياق عن السبب المباشر والرئيسي لاندلاع الأزمة والذي يتمثل في انفجار  فقاعة سوق الإقراض العقاري الأمريكي، كما يمكن حسبه إرجاعها إلى مجموعة أخرى من الأسباب الرئيسية التي ساهمت أيضا في حدوث الأزمة:

أولا: السبب المباشر للأزمة

في حديثه عن السبب المباشر للأزمة عاد الكاتب لأصل الأزمة في محاولة تأصيل جذورها حيث تحدث عن سوق الإقراض العقاري الأمريكي المعروف باسم “ساب-ريم”، الذي تم فيه منح القروض للراغبين في السكن بدون الاعتداد بالملائمة المالية للمقترضين. لكن مع توسع البنوك والمؤسسات المالية في عمليات التمويل العقاري، دون أخذ الضمانات الكافية، أثر ذلك سلبا على قدراتها المالية.

ويقول أنه في البداية كان لدى السياسيين والمسئولين عن التدخل الحكومي اعتقاد جازم بالقوى السحرية للأسواق وقدرتها الذاتية على حل أية أزمة قد تنتج، لكن سرعان ما سقط إنجيلهم المقدس، بحيث صاحب المشكلات التي بدأت في الظهور والتي اجتاحت سوق الإقراض العقاري الأمريكي تدهور في أسعار الأسهم بشكل ملحوظ، كانت أشد الانهيارات في أسعار الأسهم تلك التي حدثت لبنوك ” يوبي إس” و ” إتش إ س بي سي” و “بار كليز” بسبب تعرضها لمشكلات الائتمان العقاري حيث قاد هذا الأمر الجميع لبيع أسهمهم بشكل هيستيري.

وبعدها بدأت الأزمة في الانتشار  في دول العالم الرأسمالي نظرا لارتباط البنوك فيها بالأسواق الأمريكية.

ثانيا: الأسباب الرئيسية الأخرى

أولا: طبيعة النظام الرأسمالي

يؤكد الكاتب هنا بكون الأزمات هي السمة التي تميز النظام الرأسمالي، ويدعم طرحه بدراسة كان قد أعدها صندوق النقد الدولي، حيث بينت أنه خلال فترة 37 عام ( مابين 1970 و 2007)، حدثت حوالي 124 أزمة منظومية حادة، تنوعت بين أزمات مصرفية وأزمات نقدية وأزمات ديون سيادية. ويقر بكون النظام الرأسمالي غير قادر على استهداف منع الأزمات من الحدوث، وإنما ينصب جل همه على الإدارة الذكية للأزمات عند وقوعها.

ثانيا: آلية عمل النظام الرأسمالي

في البداية كانت النقود تلعب دور الوسيط في المبادلات في الأسواق حسب الكاتب، لكن سرعان ما ظهرت الأوراق المالية من أسهم و أوراق تجارية وسندات، لتزيد من حجم الأصول المالية المتداولة، والتي أصبحت تمثل الثروة العينية للاقتصاد، الأمر الذي دفع في اتجاه ظهور البورصات. وهكذا لعب القطاع المالي؛ خاصة المصرفي منه، دورا كبيرا في زيادة حجم الأصول المالية المتداولة وزيادة الثقة فيها. وهذه اللحظة شكلت بداية لانقطاع الصلة بين الاقتصاد المالي والاقتصاد العيني، الأمر الذي نتج عنه استقلال الدورات المالية في القطاع المالي عن القطاع العيني، وبالتالي أصبح لا يخدم الإنتاجية في شيء، بل فقط يقتصر دوره في خدمة مصالح المضاربة التي تسعى لتحقيق الثروات من أقصر طريق ممكن.

الأمر الذي يجعل من تناقض عالم المال و عالم الإنتاج، أهم تناقض في تاريخ الرأسمالية، ويجعل منه بهذا الشكل من بين أسباب الأزمة.

ثالثا: الاعتماد المفرط على نظرية العولمة لتصدير أزمات الدول الغربية

تحدث الكاتب ضمن هذا السبب عن تصدير الأفكار المحورية التي قامت عليها الحقبة التاتشرية-الريغانية القائمة على:

  • تدعيم فكرة تملك المنازل بين المواطنين.
  • عدم التدخل الحكومي لتنظيم الأمور المالية.
  • الإيمان المطلق بالأسواق وقدرتها على إدارة الحياة الإقتصادية.

بالتزامن مع انتشار أفكار الاقتصادي ميلتون فريدمان، لتسود مرحلة أخرى من الرأسمالية، عرفت باسم الرأسمالية النقدية يتم فيها الفصل التعسفي بين الاقتصاد الحقيقي والنقود، لكن زيادة ضراوة هذا الفكر حسب الكاتب كانت بزيادة حدة التعاملات في البورصات العالمية، وبزيادة استخدام المشتقات المالية، وخلق أنواع لا حصر لها من المشتقات وضخها في الأسواق المالية بغير حساب.

ليتم بعد ذلك حسبه تصدير هذه الأفكار إلى بقية العالم، في إطار ما يعرف بالعولمة الاقتصادية والمالية، والتي ترتكز على الحرية الاقتصادية و عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وترك المؤسسات المالية والإنتاجية دون أية رقابة من الدول. ودفاع الدول الغربية على هذه الأفكار كان له ما يبرره عند الكاتب، بحيث يرجعه بالأساس إلى رغبتها في التخلص من الركود التضخمي الذي بدأ يضرب اقتصادياتها، ويعكس رغبتها في تصريف الفوائض الإنتاجية لديها في بقية دول العالم.

رابعا: استشراء الفساد وغياب الشفافية في الأنظمة المصرفية

يقول الكاتب أنه إذا كان من المعلوم أن الشركات عند تقويم نشاطاتها الإنتاجية والاستثمارية، والمصارف عند قيامها بأنشطة الإقراض ومنح الائتمان المصرفي تعتمد على تلك المعلومات والبيانات التي تنشرها الجهات المقترضة وعلى ذلك تقيم البيانات وتجري عمليات التحليل المالي للتأكد من قدرة المقترضين على الوفاء بالتزاماتهم تجاه مقرضيهم. لكن هذا الأمر لم يكن يتم بهذه البساطة الأمر الذي جعله لا يعمل به في عملية تقييم البيانات والتأكد من عدم تزويرها أو التلاعب فيها، الأمر الذي أدى لوقوع الجهات المقرضة في خطر الإفلاس نتيجة غياب الشفافية واستشراء الفساد.

خامسا: غياب نظرية اقتصادية تفسر الأزمة الحالية وتقترح سبل الخروج منها

يقول الكاتب ضمن هذا السبب أن ما يعاني منه النظام الاقتصادي العالمي ليس الأزمة في حد ذاتها، بل في عدم وجود نظرية اقتصادية تفسر سبب حدوث هذا الإعصار المالي، والنتائج التي ستترتب عليه.

الأمر الذي جعله يقول بأنه وخلال مدار الثلاثة عقود الماضية، كرس رجال الاقتصاد السياسي طاقاتهم الفكرية لإثبات استحالة حدوث الكوارث، بحيث كانوا يرددون بأن نظام السوق كفيل بإعادة أي اختلال-إن حدث- إلى نصابه الصحيح.

وفي اعتقادنا أن الكاتب لم يطلع في هذا الصدد على نظرية هايمن ماينسكي عالم الاقتصاد الأمريكي، حول عدم الاستقرار المالي والتي استخدمت أول مرة لتفسير الاضطرابات المالية التي عرفتها روسيا من طرف ماكوللي، وكذلك ستيف كين الذي عمل على بناء نموذج رياضي لها، وروبرت بارييرا مؤلف كتاب كلفة الرأسمالية[1].

المبحث الثاني: طرق علاج الأزمة

تحدث الكاتب ضمن هذا المبحث، عن التدابير والإجراءات التي اتخذت قصد التخفيف من آثار  الأزمة أو التقليل من حدتها، وأعطى المثل بنموذجين في إدارة الأزمة؛ هما النموذج الأمريكي، والنموذج الأوروبي في إطار اتحاده.

أولا: النموذج الأمريكي لإدارة الأزمة

اتخذ شكل برنامج إغاثة الأصول المتعثرة بموجب قانون الطوارئ لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، حيث أعطي بموجبه لوزير الخزانة الأمريكية سلطات واسعة ومرنة لإنفاق ما يصل إلى 700 مليار دولار لشراء أصول الرهن العقاري والتأمين عليها، وكذلك الأوراق المالية، وذلك حسب الحاجة لتحقيق الاستقرار في الأسواق المالية بالولايات المتحدة.

ثانيا: النموذج الأوروبي لإدارة الأزمة

اعتمد الاتحاد الأوروبي خطة عمل منسقة من قبل مجلسه، بحيث استهدفت هذه الخطة:

– ضمان توافر سيولة مناسبة للمؤسسات المالية.

– العمل كعنصر مكمل لإجراءات البنك المركزي الأوروبي في سوق النقد بين البنوك، ولتيسير التمويل من البنوك، ولا سيما من خلال ضمانات أو تأمينات حكومية لتأمين الديون المصرفية الكبيرة.

– تزويد المؤسسات المالية بموارد رأسمالية إضافية، من خلال الحصول على أسهم ممتازة، وحث المشرفين الوطنيين على تنفيذ القواعد التحوطية لاستعادة الاستقرار في النظام المالي.

– السماح بإعادة رسملة كفؤة للبنوك المتعثرة، من خلال الاستفادة من أموال دافعي الضرائب. وكذا، ضمان أن المساهمين والإدارة الحالية تتحمل العواقب المحتملة من التدخل.

– ضمان المرونة الكافية في تنفيذ قواعد المحاسبة، خاصة فيما يتعلق بتصنيف الأدوات المالية التي تتخذها البنوك بين الدفاتر  التجارية والمصرفية، وكذا السماح للمؤسسات التمويل بتقييم أصولها بما يتفق مع مخاطر الفروض الاحترازية بدلا من القيمة السوقية.

– إجراءات تعزيز التعاون بالسماح بتبادل المعلومات بين الحكومات الأوروبية، ورئيس المجلس الأوروبي، ورئيس المفوضية الأوروبية، ورئيس البنك المركزي الأوروبي، ورئيس مجموعة اليورو.

كما تعهدت مجموع دول الاتحاد حسب الكاتب على المستوى الوطني بتقديم ما مجموعه 1873 مليار يورو كضمانات لقطاعاتها المصرفية.

الفصل الثاني: تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية

قسم الكاتب الفصل هذا الفصل، إلى مبحثين؛ تحدث في المبحث الأول عن تداعيات الأزمة على الصعيد العالمي، فيما خصص المبحث الثاني للحديث عن تداعياتها على الصعيد العربي.

المبحث الأول: التداعيات على الصعيد العالمي

تحدث الكاتب ضمنه عن خمس تداعيات أساسية تركت بصماتها على الصعيد العالمي ويتعلق الأمر هنا ب:

  • تهاوي الإطار النظري والفلسفي للرأسمالية العالمية؛
  • عدم فعالية النظام المؤسسي للاقتصاد العالمي؛
  • تغيير سياسات التنمية المتبعة؛
  • إعادة النظر في العلاقة بين دور الدولة وقوى السوق؛
  • إفساح المجال للاعبين جدد لتحديد معالم الاقتصاد العالمي؛

أولا: تهاوي الإطار النظري والفلسفي للرأسمالية العالمية

يبتدئ الكاتب الحديث ضمن هذه النقطة بالتأكيد على كون الرأسمالية اليوم تواجه مأزقا أخلاقيا كبيرا. وذلك راجع إلى كون قادة الفكر الاقتصادي الذين يمسكون بمقاليد الأمور في الاقتصاد العالمي والذين كانوا دائما يقدمون المشورة بإتباع وصفات متشددة تنبع من تعاليم الأصولية الرأسمالية في أية كبيرة أو صغيرة.. هم أنفسهم الذين كانوا أول من يتخلى عن هذه الأفكار، بل وأصبحوا يطبقون عكسها حينما عصفت الأزمة العالمية باقتصاديات بلدانهم.

وبذلك بدأ الإطار النظري للرأسمالية العالمية يتهاوى، ومعه يتصدع البنيان الفلسفي الذي كان يحكم هذا الإطار. ألا وهو الليبرالية الجديدة المتشددة التي لو عاد آدم سميث من قبره إلى الحياة مرة أخرى، ورأى المواقف المتشددة لليبرالية الجديدة، لاعتبر  بنفسه ذلك خروجا عن النص.

ثانيا: عدم فعالية النظام المؤسسي للاقتصاد العالمي

تحدث الكاتب ضمن هذه النقطة على أنه مع كل أزمة  تضرب الاقتصاد العالمي، تتعالى أصوات منادية بضرورة إلغاء المنظمات الاقتصادية الدولية المهيمنة على النظام الاقتصادي العالمي كيما تحل محلها منظمات أخرى ذات طبيعة مختلفة أو على الأقل إعادة صياغة الدور الذي من أجله أنشئت المنظمات القائمة من قبيل:

  • بنك التسويات الدولية؛
  • صندوق النقد الدولي؛
  • البنك الدولي؛
  • مجموعة الدول العشر؛
  • مجموعة الدول السبع؛

و أوضح الكاتب كيف حادة هذه المؤسسات عن أدوارها، وعن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على أجهزتها. وعن عجزها في طرح بدائل.

الأمر الذي جعل الكاتب يقر  بالحاجة اليوم إلى مؤسسات مالية دولية جديدة، يكون بإمكانها الحد من أضرار العولمة، وتخفيف آثار الأزمات الدولية على أعضائها. وذلك بالنظر  في حالة كل دولة على حدة، وليس عن طريق الإصرار على وصفة للجميع في الغالب تكون غير مناسبة للظروف الداخلية لكل بلد.

ثالثا: تغيير سياسات التنمية المتبعة

تحدث الكاتب في هذا الإطار على سياسات التنمية المتبعة حسب كل فترة:

– أدم سميث: الليبرالية

– كارل ماركس: الاشتراكية

– جون مينارد كينز: مختلط

– التاتشرية-الريغانية: الليبراليين الجدد

رابعا: إعادة النظر في العلاقة بين الدولة وقوى السوق

ذكر الكاتب بالمراحل الرئيسية التي مر بها تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي خلال القرنين الماضيين:

  • الدولة الحارسة؛
  • الدولة المتدخلة؛
  • الدولة المنتجة؛
  • الدولة المنظمة؛

وحدد بعض الحالات الصريحة التي تستدعي تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي لتنظيمها وضمان كفاءة إنتاجها وتوزيعها، مثلا: حينما لا تتوافر المنافسة الكاملة في الأسواق.

و دعا إلى تجديد دور الحكومة بحيث يصبح مماثلا لدور المنظم في النشاط الاقتصادي، يقوم بعمل ترتيب العمل ورأس المال والأرض؛ لتحقيق أقصى إنتاج ممكن من العناصر  المتوافرة.

كما استعرض لنا رؤية أوسبرن وجابلر التي ناديا بتطبيقها في الولايات المتحدة الأمريكية، اشتقاقا من نظرتهما بكون الحكومة بحاجة لإعادة صياغة دورها، وهي النظرة التي قاما بعرضها في كتابهما الذي لاقى رواجا كبيرا وحقق كميات هائلة من المبيعات بمجرد طرحه في الأسواق، ويحمل اسم إعادة اختراع الحكومة.

ويحدد الكاتبان برنامجا مكونا من عشر نقاط للحكومة المنظمة، علما بأن كل نقطة تمثل فصلا مستقلا من فصول الكتاب:

  • الحكومة المحفزة: القيادة بدلا من التجذيف، أو التوجيه بدلا من تقديم الخدمات؛
  • الحكومة المملوكة للمجتمع: التمكين بدلا من تقديم الخدمة؛
  • الحكومة التنافسية: تشجيع المنافسة في توفير الخدمات؛
  • الحكومة صاحبة الرسالة: التحول إلى المنظمات التي يحكمها القواعد؛
  • الحكومة المعنية بتحقيق النتائج: من خلال قياس المخرجات وليس المدخلات؛
  • الحكومة المعنية بالعملاء: التي تسعى لإرضاء العملاء؛
  • الحكومة المدارة كمشروع أو حكومة إدارة الأعمال: تحقيق الربح بدلا من الإنفاق؛
  • الحكومة اليقظة: الوقاية خير من العلاج؛
  • الحكومة اللامركزية: الانتقال من النظام الهرمي إلى المشاركة والعمل كفريق واحد؛
  • الحكومة المتجهة للسوق: التغيير بالقوة من خلال آليات السوق؛

خامسا: إفساح المجال للاعبين جدد لتحديد معالم الاقتصاد العالمي

يقول الكاتب بكون الأزمة سوف تساهم في إعادة صياغة شكل العالم، من نظام تسيطر عليه دولة واحدة وتنفرد بالتحكم في آلياته ومعطياته، إلى نظام متعدد القوى، حتى لو كانت هذه القوى في بدايات طور التشكل.

ومن القوى الصاعدة في الاقتصاد العالمي نجد الصين التي تساهم بنحو 9.4 بالمائة من الناتج العالمي، والهند بنسبة 2.7 بالمائة وروسيا بنسبة 2.3 بالمائة.

المبحث الثاني: التداعيات على الصعيد العربي

أورد الكاتب ضمن هذا المبحث، جملة من التداعيات، من بينها:

  • تراجع النمو الاقتصادي؛
  • تراجع الاستثمارات؛
  • تراجع القدرة الاستهلاكية؛
  • ارتفاع أسعار المواد الغذائية؛
  • تقلص الاستثمارات الأجنبية المباشرة؛
  • تراجع التحويلات المالية؛
  • زيادة معدلات الفقر والبطالة؛
  • انطلاق ثورات الربيع العربي؛

كما تحدث الكاتب عن أهم القنوات التي انتقلت منهم الأزمة المالية والاقتصادية العالمية إلى الدول العربية:

  • الأسواق المالية؛
  • سوق البترول الخام؛
  • الاستثمارات العربية في أسواق الأصول العالمية؛
  • السيادة؛
  • عوائد التحويلات من العاملين العرب في الخارج؛
  • صادرات المنطقة غير النفطية؛

الأسواق المالية

اعتبرها الكاتب المصدر الرئيسي للأزمة.

وتحدث ضمن هذه القناة عن دول مجلس التعاون الخليجي، باعتبارها من أكثر  الدول العربية تأثرا بالأزمة من جراء الارتباط الوثيق بالأسواق المالية العالمية. وأعطى مثلا بالمشروعات التي جمدت في دول مجلس التعاون الخليجي، بحيث بلغت نحو 575 مليار دولار  في نهاية 2009.

البترول

اعتبره الكاتب القناة الثانية لنقل الأزمة الاقتصادية العالمية إلى الدول العربية الواقعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتحدث عن الانخفاض الحاد في أسعاره بعد أن كان ب 133 دولار للبرميل في يونيو 2008، انخفض سعره في المتوسط إلى 39 دولارا للبرميل في فبراير 2009.

الأمر الذي دفع الدول الأعضاء في الأوبك لتخفيض الإنتاج.

الأصول الأجنبية للمستثمرين العرب

تحدث الكاتب ضمن هذه القناة، عن التدهور في الأصول الأجنبية لدول مجلس التعاون الخليجي وليبيا.

حيث أدت الزيادة الحادة في عوائد النفط خلال فترة ” 2003-2008″، إلى ارتفاع صناديق الثروة السيادية العربية في الأسهم والعقارات. الأمر الذي جعل البعض يقوم بالاستثمار في المؤسسات المالية الأمريكية و الأوروبية، مثل؛ سيتي غروب، وميريل لينش”، وبطبيعة الحال أدى التراجع الحاد في أسواق الأسهم وأسعار العقارات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إلى تحقيق خسائر كبيرة.

السياحة

يعتبر الكاتب أن العديد من الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة المغرب ومصر وتونس، تعتمد بشكل كبير على السياحة، بل وتعد مصدرا مهما لتوفير الوظائف في القطاع الخدمي ولتوفير العائدات من النقد الأجنبي.

لكن الركود العالمي أدى إلى تقليص عدد السياح ومعه الإيرادات السياحية.

تحويلات العاملين بالخارج

تشكل التحويلات المالية حسب الكاتب مصدرا مهما للدخل في العديد من الدول العربية، وعلى سبيل المثال؛ شكلت تحويلات العاملين من المغرب في العام  2007 نحو 9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

والانكماش الاقتصادي قلل من فرص العمل المتاحة للعاملين من دول شمال إفريقيا، وهو ما أدى إلى تقلص حجم التحويلات، وعلى سبيل المثال؛ شهد المغرب انخفاضا بنسبة 12.5 بالمائة في التحويلات المالية إليه خلال الفترة الممتدة مابين يونيو 2008 ويونيو 2009.

الصادرات غير النفطية

دول شمال إفريقيا حسب الكاتب والتي لها روابط اقتصادية قوية مع أوروبا، تأثرت بفعل الركود الاقتصادي في تلك المنطقة الأمر الذي جعل صادراتها السلعية تنخفض.

حيث شهد كل من المغرب من انخفاض حاد في صادراته من المنتجات الزراعية والمصنعة في العام 2009  ( أكثر من 70بالمائة من إجمالي صادرات المغرب إلى أوروبا ).

مع ذلك يلفت الكاتب الانتباه إلى عدم تسبب ذلك في تدهور الحساب التجاري لهذه الدول، بحيث يؤدي الانخفاض في تكلفة الواردات النفطية في تعويض الانخفاض في الإيرادات من الصادرات.

الفصل الثالث: وسائل جديدة مقترحة لعلاج الأزمة المالية والاقتصادية العالمية

حاول  الكاتب ضمن هذا الفصل طرح مجموعة من الأفكار التي يمكنها حسبه أن تساعد في الإسراع بالخروج من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وتتمثل هذه الأفكار في:

  • التخلي عن سعر الفائدة؛
  • عودة الاعتبار للدور الدولة في الاقتصاد؛
  • الالتزام بمبادئ الحوكمة لتصحيح مسار العولمة المالية؛
  • الإصلاح المؤسسي لمؤسسات التمويل الدولية؛

أولا: التخلي عن سعر الفائدة

يقر  الكاتب في هذا الصدد بالحلول التي تبنتها البنوك المركزية للمواجهة تداعيات الأزمة والمتمثلة في تخفيض سعر الفائدة إلى أدنى مستوياته. ويدعو لاعتماد البدائل التشاركية، وتشجيع النظم التشاركية، من قبيل؛ المضاربة، والمرابحة… لتكون بديلا في اعتقاده عن النظام المصرفي الربوي.

ثانيا: عودة الاعتبار للدور الدولة في الاقتصاد

ينطلق الكاتب من التأكيد على كون تدخل الحكومات في الاقتصاد كان هو مفتاح الحل للأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت العالم، وهو الأمر الذي أعاد مجددا التأكيد على الدور الحيوي الذي يجب أن تلعبه الدولة في الاقتصاد.

وحسب الكاتب هناك ثلاث مبررات على الأقل تدفعه للقول بضرورة تدخل الحكومة في اقتصاد السوق، والمتمثلة في:

  • ضرورة تحديد الشروط المسبقة التي يمكن للأسواق أن تعمل في ظلها بكفاءة.
  • وجوب تصحيح إخفاقات السوق.
  • الحاجة إلى تحسين الرعاية الاجتماعية وتعزيز عدالة التوزيع.

ثالثا: الالتزام بمبادئ الحوكمة لتصحيح مسار العولمة المالية

بداية يقصد بالعولمة المالية تكامل النظام المالي المحلي لدولة معينة مع الأسواق والمؤسسات المالية الدولية، وهذا النوع من التكامل يفرض على الحكومات القيام بتحرير القطاع المالي المحلي وحساب رأس المال.

وليس هناك إجماع حسب الكاتب حول آثار هذه العولمة  بين الاقتصاديين، لذلك يقترح تطبيق معايير أفضل للحوكمة، وتتمثل في:

  • تنمية الأسواق المالية؛
  • حدوث التنمية المؤسسية؛
  • تحقيق الانضباط على مستوى الاقتصاد الكلي؛

رابعا: الإصلاح المؤسسي لمؤسسات التمويل الدولية

بعد وضعه الأصبع على الجرح وكشفه هيمنة كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على أجهزة المؤسستين(البنك العالمي، وصندوق النقد الدولي)، وكذلك، غياب الشفافية بهما الأمر الذي يجعل من الدول لا تلجأ إلى المؤسستين إلى كملاذ أخير. ويقترح الكاتب مجموعة من المقترحات التي يجب العمل بها قصد حوكمة المؤسستين، من بينها:

  • تغيير الكراسي والأنصبة الخاصة بالدول الأعضاء داخل المؤسستين.
  • العمل بنظام رسمي لاختيار العضو المنتدب للمؤسستين عندما يكون هناك منصبا شاغرا.
  • إصلاح مجلسهما التنفيذي للتركيز على القضايا الإستراتيجية بدل القضايا التكتيكية.

[1] للمزيد حول نظرية عدم الاستقرار المالي يراجع: المهدي السهيمي،” هكذا تكلم مينسكي”، مقال منشور على رابطة الكتاب الثقافية، بتاريخ: 25 يوليو 2016.

قد يعجبك ايضا