الجوانب الجنائية لمكافحة الهجرة غير النظامية بالمملكة المغربية

إن تفاقم حجم ظاهرة الهجرة وخاصة الهجرة غير النظامية بالمغرب، سواء باعتباره بلد منشأ في الأصل و العبور وكذا التغير الراهن لكونه أصبح وجهة ومقصد للعديد من الحالمين في النعيم الموجود والمروج له ببلدان الغرب الغنية، نتج عنه آثار خطيرة تمثلت بالأساس في تنامي شبكات تهريب المهاجرين والإتجار بالبشر من جهة، وتزايد الضغوط الدولية من أجل احترام المعايير والمبادئ المجملة في الرزنامة الدولية لحقوق الإنسان من جهة أخرى.

ووعيا منه بتزايد تدفق أعداد المهاجرين بشكل مستمر فوق إقليمه، عمل المغرب خلال السنوات الماضية على تدبير ملف الهجرة غير النظامية أساسا وفق مقاربة شمولية تأخذ كافة الأبعاد وبتنسيق تام مع جميع المؤسسات والهيئات المختصة الرسمية منها وغير الرسمية على حد سواء، بما يتلائم مع التزاماته بمواثيق حقوق الإنسان.

لقد قام المغرب بوضع إطار قانوني فعال مستحضرا في صياغته لموقعه الديموغرافي ودوره الإستراتيجي  على المستوى الدولي والإقليمي في موضوع الهجرة غير النظامية مع جميع شركائه في الشمال و الجنوب، وتضمن هذا الإطار بعدين، أولهما فهو وقائي متمثل في مراقبة الحدود وتشديد الحراسة على الشريط الساحلي من خلال مراكز الحدود المنظمة ونقاط العبور التي يتسلل منها المهاجرين بطريقة غير قانونية، ورغم أنها تدابير محدودة النتائج والأفق فقد كان لها دور كبير في الحد من حجم الظاهرة وتأثيراتها السلبية على المصالح الوطنية المغربية، اما البعد الثاني فهو موضوع مقالنا المتواضع ويخص الجانب الجنائي في قانون الهجرة والمتمثل في قانون 03-02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والهجرة غير المشروعة، ويحمل في طياته مقتضيات زجرية على غرار العديد من القوانين المغربية والتي بموجبها يتم إيقاع الجزاءات المتمثلة في عقوبات حبسية وغرامات في حق كل من قام بخرقها سواء أكان مغربيا ام أجنبيا.

من خلال ما سلف ذكره تتبين الإشكالية في معرفة المقتضيات الجنائية في قانون الهجرة المغربي ومدى ملائمتها مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان لكونها غير قابلة للتجزيئ؟ ثم توضيح دور القضاء في تنزيل المقتضيات الزجرية لقانون 03-02 المتعلق بالهجرة في المغرب؟

للإجابة عن التساؤلات السالف ذكرها سنقوم بتقسيم الموضوع إلى مطلبين:

المطلب الأول: المقتضيات الجزرية للتصدي الهجرة غير النظامية

المطلب الثاني: دور القضاء في التصدي الهجرة غير النظامية

 

المطلب الأول: المقتضيات الجزرية للتصدي الهجرة غير النظامية

في إطار الالتزامات الدولية والجهود المبذولة في مجال الهجرة عموما والهجرة غير النظامية على وجه الخصوص، قام المغرب بوضع ترسانة قانونية شاملة وملائمة للحد من تدفقات المهاجرين غير النظاميين، دون المساس بحقوقهم الأساسية، وتمثل ذلك جليا من خلال إصدار قانون 03-02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والهجرة غير المشروعة، وقد نص القانون على جزاءات صارمة في حق من تثبت إدانته في الجرائم المرتبطة بالهجرة غير النظامية، بالإضافة إلى إحداثه لمجموعة من المؤسسات التي تروم إلى تعزيز وتنفيد الإجراءات الأمنية والعملياتية بطرق مختلفة ومتنوعة.

وتعتبر عملية تهريب المهاجرين غير النظاميين ضمن الجرائم المستحدثة والخطيرة التي تهدد النظام العام وسلامة الأمن الداخلي للدولة، وكذا النظام العام العالمي بسبب طبيعتها العالمية العابرة للحدود والمخترقة للأوطان، ولعل مداخل هذه الخطورة تتجلى في لجوء بعض الشبكات الناشطة في هذا المجال إلى تسخير كافة الوسائل غير القانونية والتدليسية لتحقيق أهدافها، بما فيها القتل والتحالف مع منظمات إجرامية أخرى، التي بدورها تحترف الاتجار بالسلاح والمخدرات والبشر.

الفقرة الأولى: حماية التراب الوطني

نصت المادتان 3 و 4 من قانون الهجرة المغربي على حماية التراب الوطني من دخول أي أجنبي لا يتوفر على الوثائق القانونية التي تهواه حق الدخول إلى المغرب، أو الذي لا يتوفر على مبررات مقبولة للتواجد فوق التراب الوطني كما لا يتوفر على وسائل تثبت موارد عيشه، والضمانات الواجب توفرها لأجل رجوعه إلى بلده. كما يحق للسلطات المختصة المتواجدة في المراكز الحدودية ان ترفض دخول اي أجنبي إلى التراب المغربي، إذا كان تواجده بالتراب الوطني قد يشكل تهديدا للنظام العام، أو إذا كان ممنوعا من الدخول إليه أو مطرودا منه. 1- عبد اللطيف اكزول، أشكال حماية التراب الوطني في قانون 03-02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والهجرة غير المشروعة، جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، العدد الأول ، الطبعة الأولى، سنة 2004، ص:56

ا- الإقتياد إلى الحدود

لم يعرف المشرع المغربي الإقتياد إلى الحدود، ولكن يمكن القول أن الأمر يتعلق بقرار إداري تتخذه السلطات لإبعاد شخص أجنبي خارج حدود البلد لسبب من الأسباب المنصوص عليها في المادة 21 من نفس القانون، ويتم الإقتياد إلى الحدود للأسباب التالية :

1▪︎ إذا لم يبرر الأجنبي ان دخوله إلى المغرب قد كان بكيفية قانونية

  • اذا تجاوز مكوثه مدة صلاحية تأشيرته، أو يكون قد تجاوز ثلاث أشهر إذا لم يكن خاضعا لنظام التأشيرة
  • إذا لم يغادر التراب الوطني بعد 15 يوما من تبليغه قرار رفض تسليم الإقامة أو قرار رفض تجديد ذلك السند أو قرار سحبه
  • إذا لم يطلب تجديد سند إقامته وظل مقيما اكثر من 15 يوما بعد انتهاء صلاحية السند المسلم له.
  • إذا ادين الأجنبي من أجل تزوير أو تزييف أو إقامة باسم مستعار يثبت انتحال شخصية، أو لكونه لم يكن يتوفر على سند الإقامة.

ب- الطرد أو الإبعاد أو الترحيل

على غرار الإقتياد للحدود،  لم يرد تعريف قرار الإبعاد أو الطرد في مقتضيات القانون 03-02، لكن يمكن تعريفه بأنه قرار إداري يتم بمقتضاه إخراج شخص أجنبي من إقليم الدولة لأسباب غالبا متعلقة بالنظام العام والسيادة الوطنية، ويتم تبرير الطرد كون وجود الأجنبي بالمغرب يشكل تهديدا للنظام العام المغربي، بحيث يعني كل ما مت شأنه أن يمس بالأسس الجوهرية الداخلية للدولة أو منافي للأخلاق العامة والآداب الحميدة، وهو مفهوم واسع يصعب حصر نطاقه و ضبطه لتبقى السلطة التقديرية للإدارة ورقابة القضاء،لكن المشرع حدد بعض الحالات التي لا يمكن فيها طرد الأجنبي المقيم بالمغرب وإن تبين أن تواجده فيه تهديد للنظام العام وتتعلق بحالة الأجنبي القاصر الأجنبية الحامل، غير أن هؤلاء والمشار إليهم في المادة 26 يمكن طردهم بمجرد انتفاء هذه الأسباب، كل هذا دون إغفال إمكانية الأجنبي الولوج إلى القضاء وتقديم طعونه في القرارات المتخذة ضده.

الفقرة الثانية: الطعن في القرارات الإدارية المتعلقة بالاقتياد الحدود والطرد

بعد إصدار قرار الإقتياد إلى الحدود أو الطرد من طرف السلطات المختصة، يحق لمن صدر ضده هذا القرار ان يطعن فيه عن طريق طلب إلغاء القرار أمام رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات داخل أجل 48 ساعة من إبلاغه بالقرار، كما ان إلغاء قرار الإقتياد إلى الحدود المقدم لرئيس المحكمة الإدارية له أثر موقف للتنفيذ إلى حين بث الرئيس في الموضوع.2 محمد عبد النباوي ، دور القضاء في محاربة ظاهرة الهجرة غير المشروعة على ضوء قانون 03-02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والهجرة غير المشروعة،  مقال منشور في الصفحة الإلكترونية للمعلومة القانونية، ص،69 .

أما بخصوص قرار الطرد الصادر عن السلطات الإدارية فهو غير قابل للطعن،، لأنه يتم لأسباب متعلقة بالسيادة والنظام العام. كما ان المادة 28 نصت على إمكانية تنفيد قرار الطرد في حق الأجنبي تلقائيا، وكذلك قرار الإقتياد إلى الحدود ما لم يتم الطعن فيه أمام السلطة المختصة، وفي هذا السياق فقد يرى بعض الفقهاء ان صياغة هذه المادة يفيد أن الطعن متاح فقط في قرار الإقتياد إلى الحدود دون قرار الطرد لأن المشرع نص عليه بعبارة المفرد ” مالم يتم الطعن فيه”، وهي تعود إلى قرار اشير إليه في المادة 28 وهو قرار الإقتياد إلى الحدود.

اما بخصوص تنفيد قرار الإبعاد ، فيتجلى من خلال تنفيد قرار الإقتياد إلى الحدود أو قرار الطرد، ويتمثل في الإبعاد المادي للشخص الأجنبي المعني بالأمر خارج حدود الإقليم الوطني نحو بلده أو اي بلد آخر إذا لم يتم تحديد حقيقة هويته وانتماءه الوطني، ويتم الإبعاد من طرف الإدارة تلقائيا بعد صدور القرار القضائي برفض طلب إلغاء قرار الإبعاد.

المطلب الثاني: دور القضاء المغربي في التصدي للهجرة غير النظامية

إن القانون 03-02 تضمن عدة مقتضيات زجرية لمكافحة الهجرة غير المشروعة، وفي هذا الصدد نجده يجرم كل الأفعال التالية: دخول أجنبي أو محاولته الدخول إلى المغرب خرقا للقانون، وهناك مقتضيات أخرى تتعلق بالأجانب الذين كانوا يتوفرونعلى التأشيرة أو بطاقة الإقامة وتجاوزوا مدتهم في الإقامة المحددة بمقتضى المادة 42 والتي تعاقب على دخول الأجنبي للمغرب بصفة غير شرعية دون سند إقامة بغرامة تتراوح بين 5000 و30.000 درهم والحبس من شهر واحد إلى سنة واحدة أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، وتضاعف العقوبة في حالة العود، كما تعاقب نفس المادة على التهرب أو التملص من تنفيد قرار الإبعاد، بالسجن من 6 اشهر إلى سنتين، وتضاعف العقوبة في حالة العود، كذلك تقديم مساعدة لإرتكاب الأفعال المشار إليها في المادة 50 من طرف من يضطلع بمهمة المراقبة أو العاملين في النقل، إضافة إلى تنظيم وتسهيل دخول او خروج أشخاص بصفة سرية من و إلى المغرب بوسائل ممنوعة ومسار إليها في المادتين 50 و 51 ولاسيما توفير النقل لهم.

اما بخصوص العقوبة المنصوص عليها في المادة51 فتتراوح بين الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة يتراوح قدرها بين 50.000 درهم و 500.000 درهم، ويعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من 50.000 درهم إلى 500.000 درهم بنفس الجرائم المشار إليها سابقا بالنسبة لنقل الأشخاص وتسهيل دخولهم وخروجهم. ويعاقب على الفعل بالسجن من عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة وبغرامة تتراوح بين 500.000 درهم إلى 1000.000 درهم، إذا ارتكبت الأفعال المذكورة في الفقرة الأولى من هذه المادة بصفة اعتيادية، ويعاقب بنفس العقوبة أعضاء كل عصابة، أو كل اتفاق وجد بهدف إعداد وارتكاب الأفعال المذكورة.

وفي نفس السياق تجدر الإشارة إلى أن العقوبة قد تصل المؤبد في حق الفاعلين الأصليين  إذا اقترنت الأفعال بجرائم اخرى كالاتجار في البشر والتهريب، أو جريمة القتل في حالة موت أحد الأجانب في رحلته غير القانونية، كما تأمر المحكمة بمصادرة وسائل النقل المستعملة في ارتكاب الجريمة باعتبارها العنصر المادي للجريمة، سواء كانت من وسائل النقل العمومي أو الخواص، شريطة أن تؤول ملكيتها لمرتكبي الجريمة أو أحد المساهمين بها أو شركائهم، أو في ملكية أعضاء العصابة الإجرامية، أو في ملكية أحد الأغيار ومعلوم انها تسخر بشكل اعتيادي لغرض تهريب المهاجرين غير النظاميين، كما يعاقب الشخص المعنوي في مثل هذه الجرائم طبق مقتضيات المادة 54 من القانون 03-02 بغرامة من 10.000 درهم إلى 1000.000 درهم، ناهيك عن حل الشخصية المعنوية ومصادرة كل الوسائل المعدة لإرتكاب الأفعال المجرمة بمقتضى قانون الهجرة المغربي كما قضت المادة 53 من نفس القانون المذكور.

من خلال استنطاق المقتضيات القانونية التي جاء بها قانون 03-02، يتبين أن المشرع منح القضاء دورا مهما واساسيا في حماية التراب الوطني من الهجرة غير النظامية بكل اشكالها، وتتمثل في ردع كل الأشخاص الذين يخرقون الشروط القانونية المنظمة لدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية، وذلك بتطبيق عقوبات صارمة على الناشطين في مجال الاتجار بالبشر وتسهيل عبورهم غير القانوني، وهذه الحماية لها دلالة وطابعا إنسانيا حيث يتعلق الأمر بحماية القضاء لحقوق الأجنبي المهاجر نفسه من خلال مراقبة القضاء للقرارات الإدارية المتخذة في حقه عن طريق التظلم و الطعن المتاح له وفق القانون

 

خاتمة:                             

إذا كان المشرع قد منح المهاجر غير النظامية ضمانات قانونية وحماية حقوقية، فلا يمكن احترام وضمان التمتع بها ال عن طريق المؤسسات الوطنية الخاصة بحماية حقوق الإنسان للمهاجرين، لتدعيم حقوق هذه الفئة وصيانتها وكذلك تزكية وتنفيد القوانين المشار إليها في القانون 03-02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والهجرة غير المشروعة.

المعلومة القانونية

*سعيد شرو

خريج ماستر القانون الدولي الخاص والهجرة بكلية الحقوق مكناس

قد يعجبك ايضا