مدى أحقية المحافظ العقاري في إثارة صعوبة تنفيذ الأحكام القضائية

مما لا شك فيه أن الأحكام القضائية مهما حرصت على العدل والإنصاف فلن تحقق الغاية المرجوة منها إذا بقيت عالقة دون التنفيذ ، فالتفيذ هو الغاية الأساسية من اللجوء الى القضاء أو هو تلك الخلاصة المراد الوصول إليها عند دق باب العدالة.لذلك قيل في رسالة عمر بن الخطاب للقاضي الأشعري “إنه لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له”.

وبالتالي فالحماية القضائية لا تكتمل بمجرد إقرار الحق الموضوعي وإنما لابد من ضمان الشق الثاني من الحماية القضائية ألا وهي الحماية التنفيذية وذلك من خلال ترجمة منطوق الحكم القضائي من التصور إلى الواقع ليصبح موافقا له. فعدم التنفيذ أو التماطل في التنفيذ قد يلحق ضرر بالمحكوم له وقد يجر ذلك المرء كما قال المغفور له الحسن الثاني إلى تفكير أخر وهو ” انحلال الدولة ” [1]

هذا، ويكون الامر اكثر حساسية عندما تكون الادارة معنية بتنفيذ تلك الاحكام  ولعل أبرزها في هذا المقام مؤسسة المحافظ على الاملاك العقارية  الذي أوكل إليه المشرع  مهمة تنفيذ المقررات القضائية بالسجلات العقارية.

ولكون عملية التحفيظ تعتبر وسيلة هامة لحفظ وصيانة الثروة العقارية ، فإن المشرع خول للمحافظ العقاري سلطات واسعة يمارسها عن طريق اتخاذ مجموعة من القرارات الادارية تلاحق مسطرة التحفيظ  و تتعداها الى اتخاذ قرار التحفيظ  لتشمل مسطرة التقييدات والتشطيبات ، إلا أن المحافظ العقاري قد يصطدم أمام ذلك بمجموعة من الصعوبات التي قد تلزمه بإثارتها امام الجهة المختصة .وهذا مايطرح مجموعة من الصعوبات.

فمن.خلال ما سبق نتسأل عن مدى أحقية المحافظ العقاري في إثارة صعوبة تنفيذ المقررات القضائية عندما يكون هناك.موجب لذلك ؟

للإجابة عن التساؤل هناك اتجاهين: اتجاه مؤيد لإمكانية إثارة المحافظ على الأملاك العقارية لصعوبة تنفيذ الأحكام القضائية ( الفقرة الأولى ) ،واتجاه آخر معارض لإثارة الصعوبة في التنفيذ من طرف المحافظ العقاري ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: الإتجاه المؤيد لإثارة الصعوبة في التنفيذ من طرف المحافظ العقاري

يرى هذا الاتجاه انه بما ان ليس هناك أي نص صريح يفيد حرمان المحافظ من إثارة الصعوبة ، ومادام أن القاعدة تقضي أن الأصل في الأشياء الإباحة ،فلا يمكن والحالة هذه منع المحافظ العقاري من إثارة صعوبة التنفيذ.

هذا على مستوى الفقه ، أما على مستوى القضاء فقد ذهبت المحكمة.الابتدائية بمراكش إلى الإقرار كذلك بأحقية المحافظ على الاملاك العقارية في اثارة الصعوبة في تنفيذ المقررات القضائية حيث جاء في حكم لها ” وحيث وإن كان المحافظ على الأملاك العقارية يملك الصفة لإثارة الصعوبة التي تعترض الأحكام الصادرة في القضايا العقارية  المأمور بتنفيذها ، فإن ما يثيرها من صعوبة يجب أن تنطبق عليه المواصفات القانونية في الصعوبة ، وهي انها يجب ان تكون وقتية تقتضي عنصر الاستعجال وتشترط كذلك عدم المساس بجوهر الحق”[2]

وفي نفس الإطار كذلك ذهبت إدارية الرباط في حكم صادر عنها والذي جاء فيه ” وحيث إنه بالرجوع إلى نازلة الحال فإن المحافظ العقاري وبغض النظر عن مدى وجاهة السبب الذي اعتمد عليه في الامتناع عن تنفيذ الأمر القضائي من عدمه ، فقد كان يتعين عليه لإضفاء الشرعية على موقفه ان يعمد الى سلوك مسطرة إثارة الصعوبة كما تمت الاشارة اليها اعلاه  ويترك للقضاء تقدير مدى  جديتها ولا يكتفي فقط بالامتناع عن تنفيذ الأمر المذكور  بالرغم من أنه الجهة المعنية بالتنفيذ ،ذلك أنه ليس من صلاحية المحافظ مناقشة مدى مطابقة الحكم للقانون بل يرجع الأمر في ذلك إلى الجهة القضائية  الموكول إليها البت في الطعن الممارس ضد هذا الحكم ،وإنما يبقى من شأنه في ذلك شأن باقي أطراف الدعوى إثارة الصعوبة في التنفيذ إذا كانت هناك أسباب واقعية أو قانونية تمثل إشكالا في التنفيذ حصل بعد صدور الحكم وذلك استنادا إما إلى مقتضيات الفصل 149 أو 436 من ق م م حسب الأحوال” [3]

الفقرة الثانية: الإتجاه المعارض لإثارة الصعوبة في التنفيذ من طرف المحافظ العقاري

إن الرأي الراجح لدى هذا الاتجاه يكمن في أن كل من ليس طرفا في خصومة التنفيذ لا تكون له الصفة بشأن إجراءات دعوى التنفيذ أو أخرى ،وبالتالي لا صفة له  في وقف التنفيذ أو استمراره أي أن الغير لا يجوز له طلب وقف التنفيذ لصعوبة معينة تعتري الحكم القضائي.

هذا من جانب الفقه ، أما على مستوى العمل القضائي فقد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط” وبناء عليه فما دام أي من أطراف الحكم المطلوب تنفيذه لم يثير أية صعوبة في التنفيذ فإنه لا صفة للسيد المحافظ العقاري في إثارتها أساسا” [4]

وجاء أيضا في قرار للمحكمة الابتدائية بالرباط ” طبقا للفصل 436 من ق م م ،فإن طلب الصعوبة في التنفيذ لا يقدم إلا من طرف الأطراف في خصومة التنفيذ أو عون التنفيذ ، ولذلك.فإن الطالب ومادام غير محكوم عليه لا صفة له في تقديم طلب الصعوبة”[ 5]

من خلال كل ما سبق ، نعتقد أن الاتجاه المعارض لإثارة صعوبة تنفيذ المقررات القضائية من طرف المحافظ العقاري هو الأقرب إلى الصواب ،ذلك أن المحافظ العقاري بصفته الإدارية يعتبر غيرا في  تنفيذ الأحكام القضائية بالرغم من مشاركتة في خصومة التنفيذ فالمحافظ لا يعتبر طرفا من أطراف الدعوى حتى يمكنه طلب إيقاف التنفيذ لوجود صعوبة في ذلك ، فالمحافظ ليست له  مصلحة شخصية في الدعوى موضوع الحق المراد اقتضائه ولا يعود عليه نفع او ضرر من جراء التنفيذ ،وبالتالي لا صفة له في إثارة الصعوبة في التنفيذ أمام القضاء غير أنه يمكنه رفض الإجراء المطلوب بقرار معلل ليمكن للأطراف اللجوء إلى القضاء لدليل الصعوبة المثارة .

وفي الأخير تبقى الإشارة الى أن المحافظ قد يعتبر في بعض الأحيان طرفا في الحكم وليس غيرا في التنفيذ كما هو الأمر في حالة الطعن في قراره أمام القضاء.وبالتالي فالحكم الصادر في الدعوى يكون في مواجهة المحافظ العقاري ويمكنه تبعا لذلك رفع دعوى صعوبة التنفيذ سواء في إطار الفصل 149 و436  أمام القضاء الاستعجالي ،أو في إطار الفصل 26 من ق م م أمام قضاء الموضوع.

الهوامش:

1-من خطاب  المغفور له الملك الحسن الثاني رحمه الله بتاريخ 31 مارس 1972 ألقاه بمناسبة اجتماع قضاة المملكة.

-حكم صادر عن المحكمة الابتدائية لمراكش بتاريخ 22/03/1995، في ملف عدد 12/94.

3- قرار أورده  مصطفى حفر صيد ” سلطة المحافظ على الأملاك العقارية في إثارة صعوبة تنفيذ المقررات القضائية” مقال منشور بمجلة المنبر القانوني سنة 2012 ص 139

4- قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 9/2/2005، ملف عدد2004/41.

5- أمر عدد 1127 صادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 11/07/2001 في ملف رقم 06/812/2001، أورده حسن زرداني ” وجهة نظر حول مدى إثارة الصعوبة في التنفيذ من طرف المحافظ على الأملاك العقارية” مجلة المحاكمة،العدد 2 مارس 2007 ، ص 137.

المعلومة القانونية

*يونس الكنيبي

طالب باحث بماستر القانون الإجرائي وطرق تنفيذ الأحكام- جامعة محمد الأول وجدة

قد يعجبك ايضا