أزمة كوفيد-19.. وسؤال تطوير المنظومة الدولية لحماية حقوق الانسان

ظهر فيروس كورونا-19 المستجد في شهر دجنبر 2019، بمدينة “ووهان” وسط الصين الشعبية، وبعد 3 أشهر بالضبط، عرف هذا الفيروس انتشارا رهيب جدا، وتفشي خطير، وسريع في مختلف بقاع العالم. الشئ الذي جعل المنتظم الدولي، وخاصة منظمة الصحة العالمية، تعتبر هذا الفيروس، جائحة عالمية، وذلك في إطار صلاحيات هاته المنظمة الأممية، كما تعنى بمسألة متابعة، ورصد الوضع الصحي، على المستوى العالمي.

بحيث عقدت منظمة الصحة العالمية، يوم الأربعاء 11 مارس 2020، اجتماعا “عن بعد” مع ممثلي الدول الأعضاء، بمقر المنظمة في جنيف بسويسرا، وخلاله المدير العام لهاته المنظمة، السيد “تيدروس أدهانوم غيبريسوس“، أكد على ثلاثة مسائل مهمة، وهاته المسائل، أعتبرها، من وجهة نظر بحثية، بأنها مفاتيح أساسية، لقراءة وضع الخطة الأممية، لتدبير هاته المرحلة الحرجة.

المسألة 1: قال بأن الوضع الصحي في ظل انتشار الجائحة يمكن السيطرة عليه.

المسألة 2: نبه إلى أن مسالة السيطرة على الوضع، هي أمر شبه مستحيل، ما لم يعلم العالم، أماكن وبؤر هذا الفيروس بشكل دقيق جدا.

المسألة 3: أعطى الضوء الأخضر لحكومات دول العالم، من أجل فرض نوع من الطوارئ الصحية داخليا، وذلك من خلال أمرين أساسيين.

الأول: ضرورة فرض الحكومات سيطرتها على مجالها الترابي، وحدودها الإقليمية.

الثاني: ضرورة تشخيص الوضع الوبائي في كل دولة، وذلك من خلال اكتشاف الحالات المصابة، ثم عزلها، واختبارها، ومعالجتها، وتتبعها.

وعليه، أكد مدير منظمة الصحة العالمية أن فرض حالة الطوارئ الصحية، هو وضع ضروري. لكنه فسح المجال أمام حكومات العالم، في تنزيل خطط خاصة بها، بشكل يتكيف مع وضعها الداخلي الراهن، من أجل غاية أساسية، وهي السيطرة على الوضع. من جهة أخرى، أشار إلى أن هاته الخطة يجب أن تتم في إطار، يضمن نوعا من التوازن، بين مبدأين أساسيين، متقابلين، ومتعارضين في إطار معادلة أو “جدلية” السلطة والحرية.

المبدأ الأول: هو حماية الصحة العامة، والأمن العام، والنظام العام

المبدأ الثاني: هو احترام حقوق الإنسان، كما هو متعارف عالميا

بالتالي، السؤال الذي يثير الباحث، هو: إلى أي حد استطاع القانون الدولي لحماية حقوق الانسان ضمان تحقيق نوع من التوازن في إطار هاته المعادلة الشائكة؟

وللإجابة حول ذلك، أسجل مجموعة من الملاحظات.

وهاته الملاحظات يمكن الارتكاز عليها لتسجيل فرضيات، من شأنها أن ترسم لنا أبرز ملامح العالم الجديد بعد هاته الجائحة.

الملاحظة الأولى: أن القرار الذي خرجت به منظمة الصحة العالمية، فيما يتعلق بالخطة الدولية لمحاصرة هاته الجائحة، هو قرار جاء سليم، ومشروع من ناحية القانون الدولي لحماية حقوق الإنسان، كما أن هذا القرار أتى في وقت جد مناسب، وهذا الحكم جاء “من طبيعة الحال” نظرا لخطورة هذا الوباء، الذي انتشر في كل بقاع العالم، كما أصبح يرقى إلى مستوى تهديد للصحة العامة.

بالتالي، الوضع كان يبرر فرض قيود على بعض الحقوق، من قبيل حرية التنقل، أو التجمع، والتجمهر، والتظاهر، وخاصة الحقوق الاجتماعية.

الملاحظة الثانية: تفيد أنه خلال الطوارئ والأزمات، مثلا خلال هاته الحالة، فالقانون الدولي لحقوق الانسان يفرض قيودا استثنائية على ضرورة احترام حقوق الانسان، كما هو متعارف عليه عالميا، وهذا المقتضى على أية حال، تم التنصيص عليه في المادة 4 من العهد الدولي الخاص المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، الصدار سنة 1967.

وفي هذا الإطار، اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، سبق وأن أصدرت تعليقا عاما، رقم 29، خلال الدورة 72 سنة (2001)، وذلك على نص المادة 4 من العهد المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، وحيث أكد هذا التعليق، على عدم التقيد بأحكام هذا العهد أثناء حالات الطوارئ.

والجدير بالذكر أيضا، أن هذا التنصيص لم يأتي مطلقا، وإنما يتقيد بثلاثة شروط أساسية، وهي:

  • الشرط الأول: أن تكون القيود المفروضة على حقوق الانسان، هي قيود قانونية.
  • الشرط الثاني: كما يجب أن تكون القيود المفروضة على الحقوق، قيودا ضرورية.
  • الشرط الثالث: وأن تكون هاته القيود، قيودا متناسبة مع الخطر، والمصلحة المحمية.

هذا على مستوى القانون الدولي، أما على مستوى الممارسات الفضلى دوليا لحماية حقوق الانسان خلال مثل هاته الأوضاع، فالملاحظ أن العمل الدولي يخلوا من أي ضمانات، أو قواعد، يمكن من خلالها لمجلس حقوق الإنسان، أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أن يتابع أو يرصد مسألة حماية حقوق الانسان في مثل هاته الأزمات، بالمقارنة مع حالات أخرى، سواء أكانت الحالات العادية، أو في بعض الأحيان نجد حتى الحالات الاستثنائية، مثلا: الحروب، والنزاعات المسلحة الإقليمية والدولية، التي نجد بأن القانون الدولي الإنساني ينظمها، بشكل دقيق.

إذن، ما أخلص إليه، من خلال قراءة الوضع: هو أن القانون الدولي لحماية حقوق الانسان، خلال هاته المرحلة أساسا، فقد أبان عن عجز، وعن قصور، في توفير الضمانات اللازمة لحماية حقوق الإنسان، وإعمال قواعد المراقبة والتتبع على المستوى الدولي.

بالتالي، بعد منعطف هاته الأزمة، هنالك احتمالات قوية، تفيد بأن الفاعل الدولي سوف يتجه نحو إرساء قواعد قانونية دولية لحماية حقوق الانسان، خلال حالات الطوارئ والأزمات الصحية، نظرا لخطورة الوضع القائم قانونيا، في ظل هاته الأزمة الصحية، التي على أية حال، هي ليست الأولى، وربما لن تكون هي الأخيرة أيضا، وهذا ما لا نتمناه جميعا، من أجل تجاوز هذا الوضع مستقبلا، بنوع من الحكمة السياسية التي تحاول تحقيق نوع من التوازن، ما بين مبدئين أساسيين، وهما: ضرورة حماية الصحة العامة، والأمن العام، والنظام العام، ومبدأ آخر لا يقل أهمية عنه: وهو ضرورة حماية حقوق الانسان، وخاصة الحقوق الاجتماعية.

وهذا الاحتمال يمكن أن يتحقق على مستوى الواقع، من خلال، 3 صور أساسية:

الصورة الأولى: اتجاه الفاعل الدولي نحو تنظيم مؤتمرات وملتقيات دولية، من أجل مناقشة أوضاع حقوق الانسان خلال الأزمات والطوارئ الصحية، وذلك بمشاركة الحكومات والمنظمات الدولية، والمؤسسات الوطنية، دون أن نغفل الأدوار المهمة التي يمكن أن تلعبها وسائل الإعلام، والمجتمع المدني، والخبراء الدوليين في مجال حقوق الانسان، في الضغط والتأثير على صناع القرار السياسي.

الصورة الثانية: أن مجلس حقوق الانسان التابع لهيئة الأمم المتحدة، يمكن له أن يتجه نحو اعتماد مجوعة من المبادئ والقواعد الدولية، كمعايير أساسية لحماية حقوق الانسان، خلال حالات الطوارئ والأزمات المشابهة.

الصورة الثالثة: أن مجلس حقوق الإنسان، سوف يتجه نحو اعتماد آليات عمل دولية لرصد مدى احترام الحكومات لمختلف ضمانات احترام حقوق الانسان، أوقات الطوارئ الصحية، سواء على مستوى البرامج السياسية، والتدبير التشريعية للدولة، وذلك في إطار لجان العمل الدولية المتفرعة خاصة عن العهد الدولي الخاص، المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في إطار الاستعراض الدوري الشامل.

الصورة الرابعة: أن الاهتمام الدولي بالحق في الصحة، والحقوق الاجتماعية سيرتفع سقفه، على حساب الاهتمام بالحقوق المدنية والسياسية، أو بالأحرى التأكيد على مسألة شمولية حقوق الانسان، وذلك لأن بعضها يكمل بعضا، ولا يمكن تجزيئ بعضها عن بعض.

بالتالي، فالنتيجة النهائية التي أخلص إليها، إذن هي أن العالم، عقب هاته الأزمة الصحية، سينفتح على امكانيات تطور المنظومة الدولية لحماية حقوق الانسان، وذلك في اتجاه إيلاء أهمية خاصة لحماية الحق في الصحة أساسا، من جهة، ومن جهة أخرى، سيتجه نحو فرض مسالة شمولية حقوق الانسان، وضمان نوع من التوازن ما بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق المدنية والسياسية، وهو ما ستكون له آثار في إيجابية في تطوير منظومة حقوق الإنسان على مستوى التشريع الوطني، خلال زمن الطوارئ والأزمات الصحية، بالموازاة مع تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان.

المعلومة القانونية

*قديري المكي

باحث في حقوق الانسان

قد يعجبك ايضا