قراءة في مقترح قانون يقضي بتتميم الكتاب الخامس من مدونة التجارة ليتلاءم مع فترة الطوارئ الصحية

انه بتاريخ 13/05/2020 تقدم النائبان عبد الرحمان ابليلا ومصطفى مشارك بمقترح قانون يقضي بتتميم الكتاب الخامس من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة كما تم نسخه وتعويضه بموجب القانون رقم 73.17 ، في الشق المتعلق بمسطرة الإنقاذ عن طريق إضافة مادة جديدة هي المادة 574 مكرر المضمنة بالمقترح.

حيث عزز الفريق النيابي مقترحه بمذكرة تقديم عرضوا من خلالها مساعي المشرع المغربي للنهوض بالاقتصاد الوطني عبر سن مجموعة من التدابير القانونية المضمنة بالكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بصعوبات المقاولة، وانه بالنظر للوضعية التي خلفتها جائحة فيروس كورونا المستجد وتضرر المقاولات التي أصبحت تعيش صعوبات كبيرة قد تؤثر على استغلالها وقد تهدد مناصب الشغل بها وما يشكله هذا الوضع من تخوف الوقوع ضحية الإفلاس بفعل  التوقف عن الدفع، مما يتعين معه التدخل لإنقاذها ومساعدتها على استرجاع عافيتها.

واعتبارا لهذه الوضعية اقترح الفريق النيابي أن يتدخل المشرع لإضفاء مرونة على شرط التوقف عن الدفع المنصوص عليه في إطار مسطرة الإنقاذ، مع تحصين هذه المرونة بشروط قانونية أخرى تضمن عدم خروج هذه المسطرة عن الهدف الذي أسست من اجله.

حيث انه يتعين قبل الخوض في قراءة مضامين القانون المقترح أن نتعرف على مسطرة الإنقاذ التي تعتبر من أهم التعديلات التي جاء بها القانون رقم 73.17 المتعلق بنظام صعوبات المقاولة تم تنظيمها ضمن المواد من560 الى574 من مدونة التجارة الكتاب الخامس الخاص بمساطر صعوبات المقاولة، وهي مسطرة اختيارية تهدف إلى مساعدة المقاولة على تخطي الصعوبات التي تعترضها من اجل المحافظة على مناصب الشغل والتمكن من سداد ديونها والاستمرار في مزاولة نشاطها من خلال الكشف المبكر عن الاختلالات التي تعتري نشاطها، ويشترط لافتتاح المسطرة في وجه المقاولة التي تعاني من بعض الصعوبات أن يتم تقديم الطلب من طرف رئيس المقاولة دون غيره وان يكون هذا الطلب معززا بالوثائق المنصوص عليها في المادة577 من مدونة التجارة وفي حالة تعذر تقديم جميع الوثائق فانه يتعين على رئيس المقاولة تبرير ذلك أمام المحكمة بمقبول، كما ألزم المشرع رئيس المقاولة بتحديد طبيعة ونوعية الصعوبات التي تواجهها، وان يرفق طلبه بمشروع مخطط الإنقاذ المقترح لتجاوز الأزمة وأداء المصاريف القضائية وأخيرا أهم شرط تم التنصيص عليه هو ألا تكون المقاولة في حالة توقف عن الدفع لان ثبوت واقعة توقف المقاولة عن الدفع يحول دون تمكينها من الاستفادة من مقتضيات مسطرة الإنقاذ ويحيلها على مسطرة التسوية القضائية.

 

 

 

حيث انصب مقترح القانون على مادة وحيدة جاء فيها:

المادة 574 مكرر:

استثناء من أية أحكام مخالفة واردة في القسم الثالث من الكتاب الخامس والمتعلقة بمسطرة الإنقاذ، فانه يمكن فتح مسطرة الإنقاذ بطلب من كل مقاولة تعاني بشكل مباشر من صعوبات بفعل تداعيات كورونا المستجد كوفيد 19 وليس بمقدورها تجاوزها.

وإضافة إلى الوثائق التي يتعين على المقاولة تقديمها رفقة الطلب، والمنصوص عليها في المادة 577 أعلاه، فانه يتعين عليها تحت طائلة عدم القبول تقديم قوائم تركيبية لآخر سنة مالية مؤشر عليها من طرف خبير محاسبي أو خبير معتمد، تفيد أنها قبل الجائحة كانت في عافية.

إذا كان مخطط الإنقاذ تم باتفاق مع الدائنين فان المحكمة تقبله على الفور.

تحدد المحكمة مدة لتنفيذ مخطط الإنقاذ على أن لا تتجاوز سنة، ويمكن للمقاولة أن تتفق مع الدائنين كلهم أو بعضهم على تمديد هذه المدة.

وخلال مدة تنفيذ مخطط الإنقاذ يتعين وقف المتابعات الفردية وكل إجراءات التنفيذ التي قد يباشرها الدائنون على أصول المقاولة، كما تتوقف الفوائد القانونية والاتفاقية ما لم يتم الاتفاق مع الدائنين على خلاف ذلك.

ويتعين أن يتقدم رب المقاولة بالطلب وفق مبدأ حسن النية تحت طائلة متابعته بجريمة خيانة الأمانة.

يسري العمل بالأحكام الأخرى الواردة في القسم الثالث المذكور.

حيث انه من خلال قراءة مضمون المادة الوحيدة التي شكلت موضوع مقترح القانون المقدم أمام البرلمان نجدها جاءت غامضة وتضمنت مجموعة من المعطيات المتداخلة فيما بينها.

حيث أن المقترح تطرق في مرحلة أولى إلى شروط افتتاح مسطرة الإنقاذ وربطها بوجوب أن تعاني المقاولة من صعوبات مرتبطة بتداعيات فيروس كورونا.

من جهة ثانية نجده قفز إلى مناقشة الوثائق التي يتعين على رئيس المقاولة الإدلاء بها وأهمها القوائم التركيبية لآخر سنة تبين أنها كانت في عافية، دون بيان للمفهوم القانوني لمصطلح عافية حتى يمكن إصباغه على وضعية المقاولة التي تتقدم بهذا الطلب استنادا لهذه المادة.

من جهة ثالثة نجده يشير إلى إمكانية قبول مخطط الإنقاذ على الفور إذا كان باتفاق مع الدائنين، وهنا أيضا يطرح إشكال حول نسبة الدائنين الواجب توفرها للقول بقبول هذه الفرضية، خصوصا إذا علمنا أن هذا الاقتراح يطرح تداخلا بين هذه المسطرة ومسطرة المصالحة .

لينتقل بعد ذلك إلى تحديد مدة تنفيذ مخطط الإنقاذ في سنة مع الإشارة إلى إمكانية تمديد هذه المدة باتفاق مع الدائنين كلهم أو بعضهم، ليطرح الإشكال حول النصاب القانوني لعدد الدائنين الواجب توفره للقول بقبول بطلب التمديد، بالإضافة إلى تعارض هذه النقطة مع مقتضيات المادة571 التي حددت اجل تنفيذ مخطط الإنقاذ أقصاه خمس سنوات قابلة للتمديد.ويطرح التساؤل حول مدى قدرة المقاولات التي تعاني من تداعيات جائحة كورونا على الالتزام بهذه المدة وهل المدة المقترحة والتي تمت الإشارة إلى أنها لا يجب أن تتعدى سنة هي مدة كافية بالنظر إلى حجم الخسائر التي تكبدتها هذه المقاولات والاقتصاد الوطني بأكمله، مع العلم انه لحد الآن لم تتضح الصورة بعد حول حقيقة مخلفات هذه الجائحة على الاقتصاد الوطني، و ماهي مدة انتهاء هذه الوضعية، بالنظر إلى أن المغرب لازال لم يرفع بعد حالة الطوارئ الصحية، وبعض المقاولات لم تستطع استئناف نشاطها لسبب أو لآخر من أسباب تجنب انتقال العدوى أو بسبب الإغلاق الناتج عن اكتشاف بؤر صناعية وما خلفه من حالة دعر لدى الأجراء وجميع المتعاملين مع هذه المقاولات.

بعد ذلك نجده انتقل إلى اقتراح وقف المتابعات الفردية وكل إجراءات التنفيذ وكذا وقف الفوائد القانونية والاتفاقية، ما لم يتم الاتفاق مع الدائن على خلاف ذلك. وهنا نجده حمل المادة أكثر من طاقتها ضمنه حشوا غير مؤسس وتناقض كبير مع قاعدة وقف المتابعات المنصوص عليها ضمن مقتضيات الكتاب الخامس، ذلك أنه نص على انه: وخلال مدة تنفيذ مخطط الإنقاذ يتعين وقف المتابعات الفردية وكل إجراءات التنفيذ التي قد يباشرها الدائنون على أصول المقاولة، كما تتوقف الفوائد القانونية والاتفاقية ما لم يتم الاتفاق مع الدائنين على خلاف ذلك. دون أن يبين وصفا لهذه المتابعات الفردية  والحالات التي يمكن الاتفاق على عدم الخضوع لقاعدة وقف المتابعات وكذا وقف الفوائد القانونية والاتفاقية .

وحيث أننا نجد المشرع نص صراحة بالنسبة لمسطرة المصالحة في المادة 555 على انه يوقف هذا الأمر أو يمنع كل دعوى قضائية يقيمها كل دائن ذي دين سابق للأمر المشار إليه تكون غايتها:

1- الحكم على المدين بسداد مبلغ مالي؛

2- فسخ عقد لعدم سداد مبلغ مالي؛

كما يوقف هذا الأمر أو يمنع كل إجراء تنفيذي يباشره الدائنون على الأموال المنقولة أو الأموال العقارية…

كما انه نص في المادة 686 بالنسبة لمسطرة التسوية القضائية على انه يوقف حكم فتح المسطرة أو يمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم المذكور ترمي إلى:

  • الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال؛
  • فسخ عقد لعدم أداء مبلغ من المال ؛

يوقف الحكم أو يمنع كل إجراء تنفيذي يقيمه هؤلاء سواء على المنقولات أو على العقارات.

توقف تبعا لذلك الآجال المحددة تحت طائلة السقوط أو الفسخ

وبالتالي فان التنصيص على عدم خضوع بعض الاتفاقات و الفوائد القانونية أو الاتفاقية لقاعدة وقف المتابعات الفردية إذا كان هناك شرط خلاف ذلك يشكل عرقلة لسريان قاعدة وقف المتابعات والغاية من وراء لجوء المشرع إلى سن قواعدها.

وفي الأخير نجده يشير إلى وجوب تقديم الطلب من طرف رئيس المقاولة وفق مبادئ حسن النية تحت طائلة المتابعة بجريمة خيانة الأمانة.

هذا المقتضى لا يمت لموضوع المسطرة بصلة على اعتبار أن جنحة خيانة الأمانة كما هي منصوص عليها قانونا لا تنطبق بتاتا على حالة تقديم طلب فتح مسطرة الإنقاذ بسوء نية وان المشرع المغربي حدد الجرائم المرتبطة بمساطر صعوبات المقاولة وقد استثنى مسطرة الإنقاذ من تطبيق العقوبات المدنية أو الجنائية في حق المسير وذلك تحفيزا لرؤساء المقاولات على سلوك هذه المسطرة لما لها من دور في تفادي وقوع المقاولات في حالة التوقف التام عن الدفع وما له من انعكاسات ، وبالتالي فانه لا مجال لإعمال أي عقوبة في حق المسير تماشيا مع روح مسطرة الإنقاذ.

وحيث انه بالإضافة إلى التناقضات التي تضمنها هذا المقترح هناك أيضا مؤاخذة بخصوص التنصيص على الصعوبات بفعل تداعيات كورونا المستجد كوفيد 19 في حين انه كان من الأجدر الإشارة إلى هذه الظرفية التي يمر منها الاقتصاد الوطني والمقاولات بحالة القوة القاهرة حتى يستمر مفعول هذه التعديلات مع الزمان لا ينتهي بانتهاء فترة الطوارئ الصحية ويضطر المشرع إلى إجراء تعديل آخر على هذه المادة أو حذفها بالكامل.

يتضح من خلال رصد هذه المؤاخذات أن هذا المقترح لم يأخذ بعين الاعتبارات التداعيات الخطيرة التي تعاني منها مجموعة من الشركات والتي قد تشكل سببا في طلب الاستفادة من مسطرة الإنقاذ وبالتالي اقتراح تعديلات تتماشى مع هذه الصعوبات.

وحيث انه يمكن إجمال المشاكل التي تعاني منها مجموعة من المقاولات في ظل تفشي فيروس كورونا في الأمور التالية:

  • رجوع مجموعة من الكمبيالات والشيكات بدون أداء.
  • عدم القدرة على أداء مستحقات الأجراء.
  • عدم القدرة على أداء أقساط قروض التمويل والكراء الايجاري.
  • عدم القدرة على الوفاء بتواريخ التسلم وتنفيذ العقود.
  • هشاشة العروض المقدمة من طرف المؤسسات البنكية تنفيذا لبرنامج ضمان اوكسيجين.
  • بالإضافة إلى مجموعة من الإكراهات الأخرى.

وبالتالي كان الأحرى اعتماد هذه المشاكل وغيرها لإعداد مقترح واقعي يتناسب مع حقيقة الوضع الذي تتخبط فيه هذه المقاولات وأهمها حالة الرعب التي يعاني منها رؤساء المقاولات بسبب رجوع الشيكات بدون أداء وإمكانية تعرضهم للاعتقال نتيجة عدم أداء هذه المبالغ لأنها ولو تم فتح مسطرة الإنقاذ أو أي مسطرة أخرى من مساطر صعوبات المقاولة لن تكون مشمولة بقاعدة وقف المتابعات .

من جهة أخرى كان الأحرى التقدم بمقترح تعديلي لبعض المواد نذكر منها:

المادة 316 :من مدونة التجارة وذلك بالتنصيص على استثناء الديون الناشئة قبل فتح إحدى المساطر المنصوص عليها في الكتاب الخامس من المتابعة في حالة اعتقال وأنها تخضع لقاعدة وقف المتابعات الفردية أو أن يتم التنصيص فيها على متابعة رئيس المقاولة في حالة سراح كاستثناء من القاعدة .

المادة 591: الخاصة بحق المقاولات التي تعاني من صعوبات في تمويل جديد قصد مواصلة نشاطها… وذلك  بالتنصيص على تسهيل حصول هذه المقاولات على التمويل المناسب لاستكمال نشاطها والوفاء بالتزاماتها الحالة مع إخضاع هذه التمويلات لشروط خاصة بالنسبة لطريقة التسديد والفوائد المعتمدة، مع التنصيص على ضرورة التزام المؤسسات البنكية بتوفير التمويلات المطلوبة.

المادتين 588 و590:  المتعلقة باستمرارية العقود الجارية وطريقة سداد الديون الناشئة بصفة قانوني بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية وذلك بإضافة مقتضى قانوني يلزم مؤسسات التمويل والائتمان الإيجاري بإعادة جدولة الأقساط حتى تتماشى مع قدرات المقاولة التي تتخبط في مخلفات فترة الحجر الصحي وتوقف النشاط.

انطلاقا من رصد التناقضات التي شابت هذا المقترح ندعو مقدميه إلى إعادة النظر في مضمونه حتى يحقق الغاية من وراء تقديمه وهي مساعدة المقاولات على تخطي الصعوبات الناتجة عن جائحة فيروس كورونا، وحتى لا يسير في نفس منحى التعديل السابق الذي سجلت عليه مجموعة من المؤاخذات التي تعاني منها المقاولات المفتوحة في وجهها إحدى المساطر المنصوص عليها في الكتاب الخامس والتي لم تستطع لحد الآن تجاوز صعوباتها بسبب جمود النص القانوني وعدم مطابقته للواقع الذي تعيش فيه هذه المقاولات بسبب الفراغ التشريعي الذي يلفه، وان يكون مقترح القانون شاملا لجميع مواد الكتاب الخامس وعدم اقتصاره على مسطرة الإنقاذ لأنه بالرغم من كل الجهود فمجموعة من الشركات ستتوجه الى سلوك مساطر صعوبات المقاولة لتخطي الانتكاسة التي تعيشها بسبب تداعيات فترة الحجر الصحي وفرض حالة الطوارئ وما نتج عنها من ركود.

كل هذه الاختلالات ستجرنا إلى نفس المصير الذي واجهته المقاولات في الفترة السابقة والتي تتجه جلها إلى الوقوع في براثن التصفية القضائية مما يجعل ضرورة تدخل المشرع المغربي بشكل حاسم في التخفيف من تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد الوطني الذي تشكل المقاولات أهم ركائزه وذلك بالاستجابة لتطلعات هذه المقاولات بخلق نصوص قانونية مرنة وواقعية تستجيب لرهانات الظرفية الحالية مع الأخذ بعين الاعتبار الشركات التي كانت تعاني من صعوبات قبل الجائحة وازدادت وضعيتها تدهورا وهنا نخص بالذكر المقاولات المفتوحة في وجهها إحدى مساطر صعوبات المقاولة وخصوصا مسطرتي الإنقاذ والتسوية القضائية والتي كانت بصدد إما إعداد الحل المناسب أو تنفيذ مخطط الإنقاذ أو الاستمرارية وجاءت الظرفية لتضع حدا لتطلعاتها في تجاوز أزمتها وأداء ديونها وتراكمت عليها ديون إضافية بل الأكثر من ذلك تم إقصاءها من حق الاستفادة من إعانة الدولة للمقاولات وهنا نخص بالذكر برنامج ضمان اوكسيجين إذ قوبلت مجموعة من طلبات هذا النوع من المقاولات بالرفض، بعلة وجود مسطر قضائية مفتوحة في وجهها وعدم وجود ضمانات كافية لأداء القرض موضوع الطلب، مما جعل من ضرورة تدخل المشرع لإعادة صياغة نصوص الكتاب الخامس والمواد المرتبطة به سواء ضمن مقتضيات مدونة التجارة أو مدونة الشغل أو باقي القوانين الأخرى ذات الصلة بنشاط المقاولات، من اجل النهوض بالاقتصاد الوطني وإنقاذ المقاولات من الهلاك الذي يحف بها من كل جانب.

 

المعلومة القانونية

*الأستاذة حياة الزايني

محامية بهيئة المحامين بالرباط

متخصصة في منازعات قانون الأعمال

قد يعجبك ايضا