عاملات وعمال المنازل أية حماية قانونية وفق القانون 19.12

مقدمة:                

مما لا شك فيه أن تشريع العمل تتحدد معالمه بتوافقه مع المبادئ الأساسية التي يحددها الدستور، وبتطابقه مع المعايير الدولية كما تنص عليها مواثيق هيأة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة والتي لها صلة بالعمل، لذلك فالعمل وسيلة أساسية من وسائل تنمية البلاد وصيانة كرامة الإنسان والنهوض بمستواه المعيشي وتقدمه الاجتماعي.

وعليه تعتبر حماية حقوق وحريات الأفراد من المبادئ الدستورية التي تضمن لكل شخص حقه في العيش الكريم وفي شغل يناسبه، ولتحقيق هذا المبتغى لابد من البحث في كل شرائح المجتمع قصد الوصول إلى بعض الفئات التي تعمل في المنازل كخدم للبيوت (عمال المنازل) لساعات طويلة وفي أشغال شاقة، وبأجر لا يكفي حتى لسد لقمة العيش وفي غياب أدنى مستويات الكرامة، ناهيك عن الاعتداءات التي تتعرض لها هذه الفئة من عنف وضرب وسب وشتم وغيرها من الاعتداءات التي لا تعد وتحصى[1].

ويقصد بالعمال المنزليين، فئة من اليد العاملة تقدم لفائدة المشغل خدمات ذات صلة بتدبير شؤون البيت والأسرة مقابل أجر تتقاضاه من المشغل، وتثير العلاقة بين العامل المنزلي وصاحب البيت، شأنها شأن العلاقة بين الأجراء عموما والمشغلين، مجموعة من المشاكل ذات الصلة بحقوق هذه الفئة[2].

لذلك أولت مختلف التشريعات أهمية كبيرة للطبقة العاملة نظرا للدور الذي تلعبه داخل المجتمع، حيث كان لزاما عليها توفير حماية اجتماعية لعمال المنازل قصد تحقيق العدالة الاجتماعية،وهو ما جعل المشرع يعمل على إصدار قانون خاص بهذه الفئة ،إلا أن هذا القانون لم يكتب له الخروج إلا بعد حوالي أكثر من 13سنة، حيث صدر القانون [3]19.12بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزلين

لهذا يحظى هذا الموضوع بأهمية بالغة سواء على الساحة العملية أو القانونية بالنظر إلى ازدياد عدد ممتهني هذا العمل سواء من طرف المواطنين أو من طرف الأجانب، وكذا بسبب ازدياد الطلب على خدمات هذه الفئة من العمال بحكم انشغال أفراد الأسرة خارج البيت، وبالتالي حاجتهم لمن يدبر شؤون البيت وقت غيابهم، هذا فضلا عن تمركز النشاط النسائي في القطاعات ذات التأهيل الضعيف، واقتصاره على عدد محدود من المهن، حيث يشتغل ما يقارب ثلاثة أرباع النساء النشيطان في الوسط الحضاري كعاملات أو مستخدمات أغلبهن من المساعدات المنزليات.

بناء على كل ما سبق يدفعنا الموضوع إلى طرح إشكالية محورية مفادها إلى أي حد استطاع المشرع المغربي حماية عمال وعاملات المنازل من خلال القانون 19.12 ؟

وللإجابة على هذه الإشكالية أقترح التصميم التالي:

المطلب الأول: مظاهر الحماية التي جاء بها القانون 19.12.

المطلب الثاني: مظاهر القصور في حماية عمال المنازل التي تطال القانون 19.12.

 

المطلب الأول: مظاهر الحماية التي جاء بها القانون 19.12

كما يعلم الجميع أن هدف المشرع المغربي من إصدار هذا القانون هو توفير الحماية اللازمة لعمال المنازل واخرجها من النفق الصعب التي كانت تعيشه قبل خروج القانون 19.12 حيز الوجود، لذلك فمن خلال هذا المطلب سنحاول رصد أهم مظاهر الحماية  سواء أثناء إبرام عقد العمل المنزلي (المطلب الأول) أو أثناء تنفيذه (المطلب الثاني).

الفقرة الأولى: مظاهر الحماية أثناء إبرام عقد العمل المنزلي

لا أحد ينكر أهمية القانون رقم 19.12 المتعلق بالعاملات والعمال المنزلين خاصة [4]في ظل الوضع الصعب الذي تعرفه هذه الفئة، لذلك فإن المشرع المغربي تدخل لحماية هذه الفئة عبر إقراره مجموعة من الحقوق، يمكن تناولها على الشكل الأتي:

أولا: تسمية حديثة

إذا كانت مدونة الشغل أطلقت على عمال المنازل الذين استثنتهم من نطاق تطبيق أحكامها تسمية (خدم البيوت) والذي لاقي إنتقادا من طرف البعض لما يشكله من احتقار الإنسان لأخيه هو الأمر الذي تجنبه قانون 19.12 وذلك حينما أطلق على هذه الفئة تسمية (عمال المنازل) وحسنا ما فعل المشرع المغربي لأن هذه التسمية تعتبر أكثر ضمانة لكرامة هذه الفئة من العمال وتنسجم تماما مع التسمية المعتمدة في اتفاقية منظمة العمل الدولية[5] .

ثانيا: تقرير كتابة عقد العمل

إذا كان الأصل طبقا لمدونة الشغل أن عقد الشغل عقد رضائي لا تشترط كتابته إلا في حالات استثنائية، فإن من بين شروط تشغيل العمال المنزلين التي جاء بها القانون 19.12 هو ضرورة كتابة عقد العمل، وهذا ما يستشف من مضمون المادة الثالثة، حيث ألزم المشغل بضرورة تحرير عقد الشغل، والسهر على إفراغ تراضي الطرفين الذي يجب أن تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود من رضا وأهلية ومحل وسبب، وذلك وفق نموذج يحدد بنص تنظيمي مع ضرورة توقيعه من قبل الأطراف، وهو ما يفيد أن العقد لا يمكن أن يكون إلا كتابيا ومصادق الإمضاء من طرف السلطات المختصة[6]

لا شك أن الكتابة لها أهمية كبيرة في إقامة الدليل أمام القضاء في حالة إنكار أحد أطراف العلاقة خاصة المشغل رابطة التبعية الأمر الذي تنبه له المشرع المغربي وذلك بإقراره كتابة العقد في المادة الثالثة منه، لأنه وبكل بساطة فتقرير الكتابة من شأنه حماية العمل المنزلي، وضمان إستفادته من أحكام القانون رقم 19.12، واستقرار العلاقة الرابطة بينهما، وتمكين العامل المنزلي من وسيلة إثبات فعالة أمام القضاء.

ثالثا: شروط تشغل عمال المنازل

حدد المشرع المغربي الحد الأدنى لسن تشغيل العاملات والعمال المنزلين في سن 18سنة حسب الفقرة الأولى من المادة 6 من القانون 19.12، متماشيا في ذلك مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب كالاتفاقية رقم 138 المتعلق بالحد الأدنى لسن الاستخدام، وكذا الاتفاقية رقم 182 المتعلقة بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها غير أنه في مقابل هذا المنع سمح للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 الى 18 سنة أن يشتغلوا كعمال منزليين وذلك شريطة حصولهم على إذن مكتوب من أولياء أمورهم مصادق على صحة إمضائه وذلك خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، وحماية لصحة وسلامة الأطفال فقد أوجب المشرع أن تعرض هذه الفئة وجوبا على فحص طبي كل ستة أشهر على نفقة المشغل، كما يمنع تشغيلهم ليلا وفي الأماكن المرتفعة وفي حمل الأجسام الثقيلة ،وفي استعمال التجهيزات والأدوات والمواد الخطرة، وفي كل الأشغال التي تشكل خطرا بينا على صحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي أو قد يترتب عنها ما يخل بالآداب العامة، والأكثر من ذلك فإن المشرع تنبأ بصدور نص تنظيمي يحدد لائحة الأشغال التي يمنع فيها تشغيل العاملات والعمال المنزلين المتراوحة أعمارهم بين 16 إلى 18حرصا منه على إضفاء مزيدا من الحماية على هذه الفئة[7].

وإذا كان هذا القانون قد أضفى نوع من الحماية لفئة القاصرين، فإنه قد قدم نفس الحماية بالنسبة للعمال والعاملات الرشداء حيث منع تسخير العاملة أو العامل المنزلي لأداء الشغل قهرا أو جبرا وهو ما جاء في المادة السابعة من هذا القانون.

الفقرة الثانية: مظاهر الحماية لعمال المنازل أثناء تنفيذ عقد الشغل

 عمل المشرع المغربي من خلال القانون 19.12 على وضع مجموعة من الضوابط لحماية فئة عمال وعاملات المنازل وذلك من أجل تحقيق نوع من المساواة مع باقي الأجراء الذين وفر لهم  قواعد تنظمهم بموجب مدونة الشغل بعد أن استثنى هذه الفئة من الضمانات المخولة للأجراء بمقتضى المادة 4 من مدونة الشغل، لهذا قام المشرع المغربي بتنظيم مقتضيات خاصة بالأجر كما منح عمال المنازل الإستفاذة من العطل الممنوحة في مدونة الشغل مع تكييفها وطبيعة العمل المنزلي ومحددا مدة العمل اليومي.

أولا: تحديد حد أدنى للأجر  

سعى المشرع القانون من خلال القانون رقم 19.12 إلى وضع مجموعة من الشروط وتكريس مجموعة من الضمانات من أجل ضمان تشغيل عمال المنازل في ظروف ملائمة تحفظ كرامتهم وتصون حقوقهم، مع تخويلهم أجرا يساوي الحد الأدنى للأجور المقرر في القطاعات الصناعية والتجارية والمهنية الأخرى.

ومن أجل الحد من الأجور الهزيلة التي يتقاضاها العامل المنزلين والتي لا تتجاوز في أغلب الأحيان 500 درهم[8]، فإن المشرع أكد في المادة 19على أنه لا يمكن أن يقل مبلغ الأجر النقدي للعاملة أو العامل المنزلي عن 60 بالمائة من الحد الأدنى القانوني للأجر المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة، دون أن تعتبر ضمن مكونات الأجر النقدي مزايا الإطعام والسكن، وبالتالي أصبح للعامل المنزلي حد أدنى قانوني للأجر لا يمكن النزول عنه، عوض ترك تحديد ذلك إلى اتفاق الطرفين الذي قد يميل إلى المشغل بحكم مركزه الاقتصادي القوي[9].

وقد اعتبر المشرع بأن الأجرة تتكون من القسط النقدي والقسط العيني، وإذا كان بإمكاننا تحديد القسط النقدي والذي لا يجب أن يقل عن 60 بالمائة من الحد الأدنى للأجور، بخلاف القسط العيني الذي يصعب تحديد قيمته خاصة وأن عمال المنازل ليسوا فئة واحدة في علاقتهم مع المشغل رب البيت، إذ أن هناك من يقيم في البيت ويستفيد من وجبات الأكل والكسوة والتطبيب ومنهم من يمارس عمله طول النهار ليغادر لمسكنه في المساء، وبالتالي يرى البعض على أن هذه المقابلات العينية يجب أن تدخل من باب التكافل الاجتماعي ولا يجب المطالبة بمقابلها، أما إذا أدخلناها ضمن الأجر فإنه يجب توفير الحيز المكاني المناسب للعاملة أو العامل، والذي تتوفر فيه التهوية والإضاءة والفراش، وغيرها من شروط العيش الكريم[10].
وأكدت الفقرة الأخيرة من الفصل 19 على أن الأجر يؤدى نهاية كل شهر، مع إمكانية اتفاق الأطراف على خلاف ذلك، ومن أجل ضمان الالتزام بهذه المقتضيات عاقب المشرع المشغل في حالة الامتناع أو التماطل عن أداء الأجر، أو الذي لم يتقيد بأحكام المادة 19، وذلك بغرامة مالية تتراوح بين 500 و 1200 درهم طبقا للمادة 24[11].

ثانيا: تحسين ظروف العمل وساعات العطل

أكدت المادة 24 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1948 على أنه ” لكل شخص الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ، ولاسيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلة دورية بأجر”.

وتماشيا مع هذا عمل المشرع في القانون 19.12 الخاص بالعاملات والعمال المنزليين على تحديد ساعات العمل الخاصة بهاته الفئة من العمال، مميزا في ذلك بين العمال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 16 سنة والذي حدد ساعات العمل بالنسبة لهم في 40 ساعة يتم توزيعها على أيام الأسبوع باتفاق بين الطرفين، في حين تحدد مدة العمل بالنسبة للعاملات والعمال البالغين سن الرشد في 48 ساعة في الأسبوع، ومن شأن هذا التحديد لساعات العمل أن يصون حقوق هذه الفئة من العمال، خاصة وأن أغلب العمال المنزليين يكونون أول من يستيقظ في المنزل وآخر من يجب أن يخلد للنوم[12].

فبخصوص الراحة الأسبوعية فإن المادة 14 من القانون 19.12 تؤكد على حق العاملة أو العامل المنزلي في الاستفادة من راحة أسبوعية لا تقل عن 24 ساعة متصلة، على أنه يمكن أن يتم تأجيل الاستفادة من الراحة الأسبوعية باتفاق الأطراف وتعويضها في أجل لا يتعدى 3 أشهر، وهو نفس المقتضى الذي نصت عليه مدونة الشغل في المادة 205.

وتجدر الإشارة إلى أن العامل المنزلي يستفيد كذلك من عطلة سنوية مدفوعة الأجر إذا قضى ستة أشهر متصلة في خدمة المشغل على ألا تقل مدتها عن يوم ونصف يوم عمل عن كل شهر، كما يمكن جمع العطلة السنوية أو الجمع بين أجزاء من مددها على مدى سنتين متتاليتين إذا اتفق الطرفان على ذلك[13].

كما تستفيد العاملة والعامل المنزلي من راحة مؤدى عنها خلال أيام الأعياد الدينية والوطنية،ويمكن تأخير الاستفادة منها إلى تاريخ لاحق يحدد باتفاق الطرفين وذلك لطبيعة العمل المنزلي الذي قد يكون فيه المشغل أكثر حاجة لخدمات العامل في هذه المناسبات[14].

المطلب الثاني: مظاهر القصور في حماية عمال المنازل التي تطال القانون 19.12

لا أحد يجادل في أن القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المرتبطة بالعاملات والعمال المنزليين قد منح ضمانات قانونية حمائية لهذه الفئة/ إلا أنه وكما يقول هيكل “كل شيء يحمل في جوفه نقيضه” بمعنى أن القانون رقم 19.12 يبقى منتوج بشري عرف مجموعة من النواقص والعيوب، فالقانون  19.12 لم يتضمن إلا الحد الأدنى من الحماية لهذه الفئة من العمال مقارنة مع باقي الأجراء المستفيدين من الحماية المقررة في مدونة الشغل، ولعل أهم مظاهر القصور في حماية عاملات وعمال المنازل هي تلك المتعلقة بمجال المراقبة والحماية الاجتماعية (الفقرة الأولى)، وكذا إشكاليات إنهاء عقد العمل المنزلي ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: القصور في مجال المراقبة والحماية الاجتماعية 

إذا كان الوقت لا يسمح بذكر جميع النواقص لهذا القانون فإننا سنقتصر على أهمها، حيت أن المطلوب هو معرفة المشاكل الأساسية لهذا القانون، لهذا سنتناول محدودية دور أعوان التفتيش (أولا)، ثم غياب الاستفادة من تعويضات الضمان الاجتماعي (ثانيا).

أولا:  محدودية دور أعوان مفتش الشغل

منح القانون 19.12 اختصاص مراقبة تنفيذ مقتضيات هذا القانون لمفتش الشغل، وهذه الاختصاصات تطرح التساؤل حول المسطرة التي يجب نهجها لتسهيل مراقبته لوضعية العمالة المنزلية، وما يستتبع ذلك من توافر العنصر البشري اللازم والوسائل اللوجستيكية الضرورية لتنفيذ مهامه، مع عدم إغفال صعوبة قيامه بذلك ميدانيا في ظل تقاليدنا المحافظة والتي لن تتقبل دخول شخص غريب للبيت وفي أوقات غير محددة[15]، فبالنظر لحرمة المنزل التي عمل دستور المملكة لسنة 2011 على حمايتها[16]، وهو ما دفع المشرع المغربي من التضييق لدور مفتش الشغل في مراقبة عمال المنازل.

فدور مفتش الشغل جاء سلبيا نوعا ما، طالما أنه يبقى في مكانه ينتظر شكاوى العمال المنزليين، إذ يقوم فقط باستدعاء الطرفين للتحقق من مدى تطبيق هذا القانون، فالمشرع لم يوضح هل هذا الاستدعاء يوجه برسالة مضمونة فقط أو مع إشعار بالتوصل ؟ كما لم يتحدث عن مدى إمكانية توجيه استدعاء ثاني في حالة عدم حضور الأطراف ؟ ثم أنه كيف لمفتش الشغل أن يعتمد على تصريحات صاحب البيت عند استدعائه لمعرفة مدى احترامه للقانون ؟ لأن صاحب البيت لن يعترف بالمخالفات التي يرتكبها، خاصة وأن الإثبات في هذا المجال جد صعب إن لم نقل نادر، ما بعد تقديم الشكاية فإن دور مفتش الشغل يبقى مقتصرا على القيام بمحاولة صلح، وإذا فشلت فإنه يحرر محضرا في الموضوع، إذ لم يتحدث المشرع هنا عن مدى حجية هذا المحضر؟ وما دوره وفعاليته؟  وهل يعتبر كإنذار لصاحب البيت؟  فالمشرع سكت بهذا الخصوص[17].

ثانيا: غياب الاستفادة من تعويضات الضمان الاجتماعي

يعتبر ظهير 1972 يوليو 27 بمثابة القانون الإطار، أو القانون الأساسي لنظام الضمان الاجتماعي المغربي، حيث كان الظهير المذكور يتحدث عن الأعوان المستخدمون بالمنازل إلا أنه ومع ذلك لم يؤخذ هذا المقتضى بعين الاعتبار، بل حتى موقف القضاء لم يتغير منذ السبعينات حيث لا يزال مصرا على حرمان عمال المنازل من الاستفادة من مقتضيات الضمان الاجتماعي لعدم اعتبارهم أجراء بمفهوم قانون الشغل حيث جاء في حكم لمحكمة الاستئناف بالقنيطرة ” وحيث إن الثابت أيضا من خلال الفصل 2 من ظهير 1972 يوليو 27 المتعلق بالضمان الاجتماعي معلق على صدور مرسوم، ينظم شروط تطبيق نظام الضمان الاجتماعي على الفئة المذكورة، وحيث لا يدخل في مفهوم الأجير الخاضع لمقتضيات مدونة الشغل خادمات المنازل، ولا يستفيد هؤلاء من المقتضيات الواردة بمدونة الشغل، سواء تعلق الأمر بالالتزامات التعاقدية الناتجة عن عقد الشغل أم بالحقوق المخولة لمختلف الأجراء وضمنها التسجيل لدى صندوق الضمان الاجتماعي…”[18].

لذلك فموقف المشرع المغربي فلا يزال يعتريه شيء من الغموض يوحي بعدم اقتناعه بضرورة هذا النظام في خلق توازن اجتماعي بين كافة أصناف علاقات الشغل، حيت تضل أمال هذه الفئة معلقة على إصدار مرسوم تطبيقي يحدد شروط الاستفادة من هذا النظام، وإلى ذلك الحين ستظل هذه الفئة بدون حماية تذكر، لذا نتساءل عن السبب وراء عدم تنصيص المشرع على استفادة هذه الفئة، فهل نعتبر ذلك مجرد سهو من المشرع المغربي أم أنه عبث ؟ مع العلم أن أعمال المشرع مصونة من العبث.

الفقرة الثانية: إشكاليات إنهاء عقد العمل المنزلي

بالرجوع لهذا النص الخاص الذي رأى النور حديثا والذي ألا وهو القانون 19.12، وبالإطلاع على نصوصه نرى أنه لا يتضمن حتى الحد الأدنى من الحماية الواردة في مدونة الشغل، وبالتالي فإننا سنتناول (أولا) إشكالية إنهاء عقد العمل المنزلي، وذلك من خلال الوقوف الفراغ التشريعي الذي اعترى القانون 19.12 حول أسباب إنهاء هذا العقد وطريقة إنهائه، وكذا التطرق للتعويضات التي أغفل النص عليها وكيفية تجاوز ذلك ضمانا لحماية هذه الفئة الهامة من العمال (ثانيا).

أولا: أسباب وطريقة إنهاء عقد العمل

بالنظر لكون العلاقة الشغلية بين العامل المنزلي ورب البيت خارجة عن نطاق مدونة الشغل ومنظمة بمقتضى القانون 19.12 الخاص بشروط الشغل والتشغيل المتعلقة بعاملات وعمال المنازل، إلا أنه بالرجوع لهذا القانون نجده لا ينظم كيفيات إنهاء عقد العمل المنزلي والأسباب المبررة لهذا الإنهاء كما هي منظمة في مدونة الشغل، الأمر الذي يجعل عقد العمل المنزلي خاضعا في هذا الإطار الى أحكام ق.ا.ع باعتباره الشريعة العامة، الذي ميز في انتهاء هذا العقد بين ذلك الذي يكون محدد المدة والذي ينتهي بانتهاء المدة التي تم تحديدها، وبين العقد غير محدد المدة الذي لا يمكن أن ينتهي إلا بإعطاء الطرف الآخر تنبيها بالرغبة في هذا الإنهاء وفق المواعيد التي يقررها العرف أو الاتفاق[19].

إلا أن ما يلاحظ هو أن المشرع ترك تحديد مواعيد هذا التنبيه للعرف المحلي أو الاتفاق ،وهو ما يشكل ضربا في الحماية المخولة لفئة عمال المنازل خاصة أن العرف الجاري به العمل في هذا الإطار هو إخبار العامل أو العاملة بالانهاء العقد بشكل فجائي دون إعطائه أي تنبيه أو إخطار، إلا ما استثني في ذلك من الحالات القليلة التي يراعي فيها رب البيت حقوق العامل ويعلمه بالرغبة في الفسخ قبل حلول موعده، كما أن ترك تحديد هذا الأجل لإرادة الطرفين خاصة وان عقد العمل المنزلي لا يتضمن في بنوده أي إشارة تفيد ضرورة تحديد أجل الإخطارأو ميعاد التنبيه.

أما بخصوص أسباب إنهاء عقد العمل فالمشرع لم يحدد الأسباب المبررة للإنهاء في هذا القانون، وهو ما يجعل العامل المنزلي معرض للتعسف من طرف المشغل، وبالتالي العود لقانون الالتزامات العقود وبالرجوع لهذا الأخير نجده قد حدد مجموعة من الأسباب لإنهاء عقد إجارة الخدمة منها عدم تنفيذ أحد الطرفين لالتزاماته، حيث يعتبر في هذه الحالة العقد منفسخا حتى دون النص على الشرط الفاسخ[20].

رغم تحديد ظهير الالتزامات والعقود لبعض الأسباب التي قد تكون سببا في انتهاء عقد الخدمة والتي أسقطناها على عقد العمل المنزلي، إلا أن الإشكال يثور حول كيفية إنهاء هذا العقد في حالة ارتكاب هذه الأفعال ؟  وعن مدى الحماية المقررة للعامل في هذا الإنهاء أو الفصل مقارنة مع ما نصت عليه مدونة الشغل بخصوص مسطرة الفصل التأديبي ؟  وكذا عن سلطة رب البيت في تقدير جسامة الخطأ ومدى ملاءمته مع العقوبة التي قد يتخذها في ظل غياب أي مقتضى قانوني في القانون 19.12 أو في ق.ا.ع الذي  ينص على ضرورة تدرج العقوبات التأديبية ؟.

ثانيا: إشكاليات حصرية التعويضات المستحقة عن إنهاء عقد العمل المنزلي

بخلاف مدونة الشغل التي نصت على أحقية الأجير عند فصله تعسفيا أن يستفيد من التعويض عن الضرر والتعويض عن أجل الإخطار ثم التعويض عن الفصل وأخيرا التعويض عن فقدان الشغل[21]  كل ذلك من أجل حماية حقوق الأجير، إلا أن القانون الخاص بعاملات والعمال المنزليين لم ينص على هذه التعويضات حيث اكتفى بالنص على أحقية العاملة أو العامل المنزلي عند فصله من العمل في الاستفادة من تعويض عن الفصل فقط، كما أن الشروط الموضوعة للاستفادة من هذا التعويض مجحفة في حق هذه الفئة التي تعتبر أكثر حاجة للحماية من غيرها، بل الأكثر من ذلك فالمشرع اشترط على هذه العامل أن يكون قد قضى ما لا يقل عنة سنة من الشغل الفعلي[22]، وهي مدة طويلة قد تدفع بعض المشغلين الى التحايل من خلال فصل العامل قبل مرور تلك المدة وتعويضه بعامل أخر، وكان على المشرع المغربي عدم اشتراط  هذه المدة وعلى الأقل جعلها في 6 أشهر كما هو الشأن بالنسبة للمادة 52 من مدونة الشغل.

خاتمة

أخيرا وليس أخيرا فإنه بالرغم مما وفره القانون الخاص بشروط الشغل والتشغيل الخاص بعاملات وعمال المنازل من حماية لهذه الفئة من العمال من خلال المقتضيات القانونية التي جاء بها، إلا أنه مع ذلك تضل هذه الفئة تفتقد إلى الكثير من الحماية الناتجة عن صمت المشرع في عدة مواقف وبالأخص منها ما يتعلق بإنهاء عقد العمل المنزلي والتعويضات المستحقة عن الفصل التعسفي، إضافة إلى تأخره في إصدار عدة مراسيم تطبيقية خاصة ما يتعلق منها بكيفية الاستفادة من نظام الضمان الاجتماعي والتعويضات الممنوحة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية.

وعليه يكون القانون 19.12 قد ترك لدى الباحثين القانونيين العديد من علامات الاستفهام التي سيجيبنا عنها العمل القضائي بلا أدنى شك، على أمل أن يكون الاجتهاد القضائي حاسما في مواضع الخلل التي تطال القانون 19.12 وأن يكون تدخله عبارة عن إضفاء مزيد من الحماية على فئة عمال المنازل دون التقيد بحرفية هذا القانون الذي يبدوا أنه جاء وفقط لإسكات المنظمات الدولية والهيئات الحقوقية الداخلية التي كانت تضغط من أجل إخراج هذا القانون لحيز الوجود، في حين أن الهدف الأساسي الذي يجب أن يعمل من أجل تحقيقه هو ضمان حماية فعالة وقوية وخالية من العيوب والثغرات لهذه الفئة العامة من المجتمع المغربي والتي تعاني في صمت.

 

لائحة المراجع

عفاف البوعناني، “الحماية القانونية للعمل المنزلي في ظل قانون رقم 19.12″، رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط ، الموسم الجامعي 2016/2017.

محمد بنحساين، “أي حماية للعمال المنزليين في مشروع قانون رقم 19.12 ؟”، مقال منشور في مجلة القضاء المدني العدد السادس شتاء، ربيع 2015 مطبعة المعارف الجديدة الرباط، سنة 2015.

محمد بنحساين، “ملاحظات بشأن القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين”،  مقال منشور بالمجلة المغربية في الفقه والقضاء العدد الرابع 2016، مطبعة الأمنية الرباط.

فتيحة الشافعي، “قراءة في القانون المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعمال المنزليين”، مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 104 ماي / يونيو مطبعة المعارف الجديدة الرباط ، سنة 2016 .

عبد الحكيم موساوي، “خدم البيوت بين الفراغ التشريعي والقانون رقم 19.12” ،مقال منشور في مجلة القانون المدني _العدد الثالث 2016، مطبعة الأمنية الرباط، سنة 2017.

عدنان بوشان، “قراءة في القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين”، مقال منشور بمجلة منازعات الأعمال، العدد 10 شتنبر 2016.

 

_فتيحة الشافعي، “قراءة في القانون القاضي  بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلق بالعمال والعاملات المنزليين” مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة والتنمية ، عدد 104، سنة 2016، ص 43. [1]

_محمد بنحساين، “أي حماية للعمال المنازل في مشروع قانون رقم 19.12″، مقال منشور بمجلة القضاء المدني 11 ، سنة 2015، ص113.[2]

_ظهير شريف رقم 1.16.121. صادر في ذي القعدة 1437 (10 اغسطس 2016) بتنفيذ القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين، الجريدة الرسمية عدد 65 93 صادر في 18 ذو القعدة 1437 (22 أغسطس 2016) ص 6175[3]

__المادة 26 من القانون رقم 19.12 ” تحل تسمية العاملات والعمال المنزليين محل تسمية خدم البيوت …. “.[5]

_المادة 3 من القاون رقم 19.12 “يتم تشغيل العاملة أو العامل المنزلي بمقتضى عقد عمل محدد أو غير محدد يعده المشغل وفق نموذج يحدد بنص تنضيمي …”.[6]

_عدنان بوشان، ” قراءة في القانون رقم 19.12 المتعلق بعمال وعاملات المنازل “، مقال منشور بمجلة منازعات الأعمال العدد16 شتنبر 2016، ص 53.[7]

_عبدالحكبم موساوي، “خدم البيوت بين الفراغ التشريعي و القانون رقم 19.12 “، مقال منشولر في مجلة القانون المدني، العدد 2013، مطبعة الأمنية الرباط ، سنة 2016، ً ص 107. [8]

_محمد بنحساين، مرجع سابق، ص 58.[9]

_عفاف البوعناني، “الحماية القانوينة للعمل النزلي في ظل قانون رقم 19.12” رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والإقتصادية الرباط، سنة 2016، ص 74.[10]

أنظر المادة 24 من القانون رقم 19.12.[11]

_أنظر المادة 13 من القانون رقم 19.12.[12]

_أنظر المادة 16 من القانون رقم 19.12.[13]

_أنظر المادة 17 من نفس القانون.[14]

_فتيحة الشافعي، مرجع سابق، ص 54. [15]

_الفصل 24 الدستور. [16]

_عفاف البوعناني، مرجع سابق، ص 77.[17]

_قرار صادر عن محكمة الاستثناف بالقنيطرة، ملف نزاعات الشغل قرار عدد 529/8 صادر بتاريخ 2008.11 أشار إليه البوعناني، مرجع سابق، ص 85. [18]

_المادة 723 من ق.ا.ع. [19]

_المادة 756 من قانون الالتزامات والعقود.[20]

_الفصول 41 و 51 و 53 و 59 من مدونة الشغل [21]

_الفصل 21 من قانون رقم 19.12.[22]

المعلومة القانونية

*أمين الدحماني

طالب باحث بسلك ماستر قانون الأعمال كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان

قد يعجبك ايضا