أشغال ندوة علمية تناقش الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء ضمن المخططات الترابية

عقدت يومه الثلاثاء ندوة علمية بمنصة إلكترونية حول آليات الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء ضمن المخططات الترابية وقد تضمنت الأرضية لجنة مكونة من أساتذة ومؤطرين نذكر منهم الاستاذ إدريس لكريني تخصص العلاقات الدولية والعلوم السياسة، والأستاذ خالد الحسيكة متخصص في علم الإجتماع وناشط في قضايا الهجرة ،وتمثل المجتمع المدني في شخص السيد فيصل بوركيزة كفاعل جمعوي في مجال الهجرة، وكله تم بتأطير الصحفي والإعلامي الأستاذ محمد المبارك البومسهولي.

معلوم أن ظاهرة الهجرة ممتدة عبر الزمان ولم تكن يوما مقيدة أو مجرمة الا مع ظهور مفهوم النظام العام داخل الدول في شتى الأقطار، والمغرب ينم تاريخه العريق الممتد عبر العصور من جهة، وموقعه الإستراتيجي المتميز من جهة أخرى على أنه  بلدا مختلف الثقافات ومستقبلا للأشخاص العابرين منهم أو من تقطعت بهم السبل أو الفارين من الأخطار، لكن الجدير بالذكر أن هذه المقاربة المغربية الأصلية تأثرت بالأحداث المهولة والارهابية المدانة في جميع البلدان، وعلى إثره صدرت اتفاقية اممية سنه ٢٠٠٠ لمكافحة الجريمة المنظمة العابر للقارات، والبروتوكولين المكملين لها بشان الاتجار في البشر وتهريب المهاجرين، ونظرا للإلتزامات المغربية الدولية وملائمة لتشريعه الوطني مع مقتضياتها، وتزامن مع الأحداث الإرهابية الأليمة  بالدار البيضاء أصدر المغرب مجموعة من القوانين نذكر منها خصوصا قانون الإرهاب ٠٣-٠٣، وقانون ٠٣-٠٢ المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والهجرة غير المشروعة ، ومن وقتها تمت معالجة الهجرة اعتمادا على مقاربة امنية محضة تراعي المقتضيات القانونية الصارمة بشأن زجر الهجرة غير النظامية، وتفعيل إجراءات الترحيل والإبعاد بعد إصدار القرارات الإدارية  والاستفادة من الطعون من القضائية، وكله في إطار زجر الهجرة غير النظامية كحل وحيد واوحد تمت المراهنة عليه بشدة دوليا وليس وطنيا حصرا في إنهاء جحافل المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء والمتوجهين لا محالة إلى زوارق لا بل نعوش الموت التي تمخر عباب البحر الابيض المتوسط وتكشف عن مآسي إنسانية قاتلة.

ومع استمرار الوضع في تشديد الرقابة على الحدود، والتطبيق الصارم للقانون المذكور استمر تدفق للمهاجرين وإن حصر لحيز من الزمن إلا أنه تصاعد وبطرق عديدة وكيفيات مختلفة، في المغرب بدأت فطنة مولوية بقيادة رئيس البلاد الملك محمد السادس لغاية الإنسانية ولصالح الدول الشقيقة جنوب الصحراء من أجل التعاون وتقديم الإمدادات في اطار الشراكة الإفريقية وخاصة شمال – جنوب وجنوب – جنوب، توجت بإنشاء مشاريع كبرى اقتصاديا، والتعاون في تكوين الأطر مؤسساتيا، والرفع من الإنتاجية والتنمية الداخلية لبناء قارة إفريقية متينة قائمة على التعاون والتضامن والإستقلالية.

وبعد كل ما تم ذكره كان لزاما على الدولة المغربية أن تغير من رؤيتها التوجيهية في تدبير ملف الهجرة الدولية، وبالفعل تم منح عدد كبير من  المهاجرين الدوليين  من سندات الإقامة المتمثلة في بطاقة التسجيل وبطاقة الإقامة وقد تحينت بعد سنتين لصالح المهاجرين الذين تعذرت استفادتهم من التسجيل الاولى، لتستفيد منه اعداد كبيرة أخرى من المهاجرين، لكن السؤال الذي طرح في مختلف أوساط الحقوقيين والباحثين خاصة في مجال الهجرة، ألم يجازف المغرب في تدبيره للهجرة عن طريق استقبال الالاف المهاجرين وتسوية وضعهم، دونما استطلاع لوضعيتهم المادية ولسبل عيشهم الكافية ؟ ناهيك عن عدم توفر في الكثير منهم عنوان إقامة ثابتة وإن كانت السلطات المختصة تحرص على اخبارها حال تغييره السكن لكن يتعذر في كثير من الاحيان كنا هو الحال بالمهاجر المتنقل بين جهات المملكة!! وبصيغة أخرى هل تمت تسوية وضعية المهاجرين قانونيا فقط ام تشمل ما هو إجتماعي وحقوقي؟ وما تداعيات ذلك على الصعيد الوطني والإقليمي؟

للإجابة عن هذه التساؤلات لا بد ان نذكر ان المغرب استفاد من تجربة عملية وتراكمات تاريخية في مجال الهجرة من خلال الحرص على المغاربة للمقيمين بالخارج وتجويد الخدمات لهم، وكذا كونه بلدا للعبور قبل أن يصبح وجهة تستقبل المهاجرين بناءا على مقاربة تنموية دون إغفال الضوابط القانونية لردع كل ما شئنه تهديد النظام العام والسكينة والطمأنينة الداخلية ، كلها عوامل منحوتة في مذكراته ومن شانها حكامة تدبير الهجرة الوطنية والإقليمية والدولية  باحترافية عالية، ولا يمكننا إغفال اخر ما جادت به الترسانة الدولية بمراكش سنة 2018 في المؤتمر الحكومي الدولي لإعتماد الإتفاق العالمي الهجرة برعاية الجمعية العامة للأمم المتحدة من اجل هجرة آمنة ومنظمة والنظامية  وشارك في المؤتمر رؤساء دول وبعثات ديبلوماسية وممثلو المنظمات الدولية والإقليمية ولن نخوض في تفاصيل التصويت الميثاق بقدر التركيز عن المقاربة المضمنة في طياته والتي تعكس توجه الدول المعنية بالهجرة في مسألة تدبير الهجرة، خاصة وأن جل البلدان بدأت تعاني من تكريس مواردها المادية والبشرية دون اقتسام الأعباء أو بمساعدات محتشمة اقرب للهبة من التعاون الدولي لمواجهة ظاهرة الهجرة الدولية،  كما لا يمكن للدول الساحلية ان تلعب دور دركي لمواجهة الهجرة الدولية.

وباستقرائنا لمقتضيات الميثاق، نجده قد دعى  إلى الالتزام بالمبادئ التوجيهية الشاملة الترسانة الحقوقية الدولية كما هو متعارف عليها في مجال حقوق الإنسان مع التركيز على وضعية الفئات الأكثر هشاشة واحتياج كالنساء المهاجرات والأطفال، مع دعوة الموقعين على الاتفاق للحرص على ضمان ولوج المهاجرين واللاجئين للخدمات الأساسية الضرورية وإدماجهم في التوظيف المنصف والأخلاقي، وذلك لتوفير خدمات ناجحة تتعلق بالهجرة وضمان أمن عمومي أفضل ” 1- انطلاق اعمل مؤتمر الدولي حول الهجرة بمراكش بمشاركة أكثر من 100 دولة وغياب بلدان أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية   http// awsqt.com/home/article/ 1498156 »

كما أكد الميثاق على ضرورة الاحترام التام لمبادئ حقوق الإنسان من طرف الدول الموقعة عليه بغية تسهيل عودة المهاجرين واستقرارهم بكل امن، مع الحرص على خلق ظروف مواتية لضمان أمنهم الشخصي وتمكينهم الإقتصادي وضمان التماسك الاجتماعي داخل المجتمعات، كما اعتزم الموقعين على الاتفاق بتعزيز قاعدة البيانات حول الهجرة الدولية، لغاية تحسين عملية جمع وتحليل وحماية ونشر البيانات الدقيقة والموثوقة القابلة للمقارنة، وستمكن هذه القاعدة من تعزيز التحليل المشترك المتعلق بالكوارث الطبيعية والآثار السلبية للتغيرات المناخية والتدهور البيئي وتحسين الترقب وقابلية التنبؤ بهذه التدفقات.

وبصدده تعهدت  الامم المتحدة بالقيام بإرساء نظام لتتبع إنجازات الدول الموقعة على ميثاق المؤتمر على المستوى المحلي والوطني والإقليمي، من خلال دراسة الهجرات الدولية الذي سيقام كل اربع سنوات ابتداءا من 2022 ، والذي سيمثل الهيكل الحكومي الرئيسي الذي سيمكن الدول الموقعة من المناقشة والإطلاع على إنجازات كل واحد منهما.

وعلى الرغم من أن الميثاق يحمل عددا من القرارات لتنظيم تدفقات الهجرة العابرة للحدود لتكون اقل فوضوية واكثر إنسانية ، وارفع إنتاجية بحصر إشكاليات الحكومات فإنه يشكل إطارا قانونيا غير إلزامي،  يؤكد على الحق السيادي للدول في تحديد سياساتها الوطنية في مجال الهجرة الدولية.

بناءا على ما سبق ذكره يتبين أن الاتفاق جاء كإطار هام للتشاور والتنسيق والتشارك، ويتيح إمكانية مواجهة التحديات المرتبطة بالهجرة، وتشجيع فرص التبادل والتنمية.

وفي نفس السياق دون الخروج عن المقاربة المغربية في تدبير الهجرة الدولية وبعد استعراض بعض المعايير الدولية نعرج على المؤسسات الوطنية الرسمية المكلفة بالظاهرة، نذكر مديرية الهجرة ومراقبة الحدود تحت مهمة رئيسية متمثلة في تنزيل الإستراتيجية الوطنية في مجال مكافحة تهريب المهاجرين، ومراقبة الحدود بواسطة فرقة وطنية مكلفة بالبحث والتقصي في ملفات الهجرة غير النظامية ، ليتم تشكيل سبع مندوبيات بهذه المديرية على مستوى الأقاليم والعمالات، وتتحدد مهمتها في التنسيق مع المديرية، والأمر بتنفيذ الإستراتيجية الوطنية في مجال مكافحة الهجرة السرية جهويا، وبالتالي القضاء على شبكات تهريب المهاجرين (2- إبراهيم البطيوي:”الهجرة غير الشرعية للأفارقة جنوب الصحراء بالمغرب بين الحماية والمكافحة”، بحث لنيل دبلوم الماستر، جامعة سيدي محمد ابن عبد الله – فاس ،السنة الجامعية :2013-2014 ، ص 49 .) وذلك مع إحداث لجان محلية في باقي العمالات  والأقاليم تحت إشراف العمال و الولاة لتقديم جميع المعطيات المتصلة بالهجرة وبإبلاغها إلى مديرية الهجرة ومراقبة الحدود، ولعل من أهم إيجابيات هذه الإستراتيجية انها تدعم جهود السلطات في إحصاء ومساعدة الضحايا بتكثيف الجهود ضد الجريمة المنظمة الخاصة بالإتجار في البشر، كما يعاب عليها الميل المقاربة الأمنية في تسيير المهمة الموكولة إليها وهي الحفاظ على الإستقرار الداخلي وحماية الحدود.

وإلى جانب المؤسسة المذكورة، هناك المرصد الوطني للهجرة مكون من هيئة تمثيلية لجل القطاعات تتربعها وزارة الخارجية والتعاون الدولي ووزارة العدل والحريات ووزارة التشغيل ،إلى جانب كل من وزارة الداخلية ووزارة التشغيل والبحرية العسكرية الملكية ومديرية الأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة، وذلك بتتبع من وزارة المالية .

كما أن مهام المرصد تكمن في إنجاز تقارير دورية  ودراسات والقيام بمشاريع البحث تدقق في توجهات المهاجرين ، والحرص على تحيين قاعدة المعطيات على الصعيد الوطني، ثم بلورة الرؤية الوطنية في مجال الهجرة، إن إنشاء هذا المرصد يؤكد تبني المغرب لمقاربة تنموية وحقوقية شاملة وذكية (3-  Khadija El Madmad, « les migrants et leurs droits au Maroc, cahier UNISCO”, migration et droits humains, imprimerie Al Maarifa, Al Jadida 2008،p :205 ، .  في احتواء ظاهرة الهجرة وذلك بدارسة مسبباتها بدل الاكتفاء بالمقاربة الزجرية والركون الى التحليل المعرفي والعلمي ، كما ان وظيفة المرصد لا تقتصر فقط على الإحاطة بظاهرة الهجرة على المستوى الوطني بل تمتد وظيفتها إلى تناول وضعية وقضايا الجالية المغربية المقيمة بالخارج، انطلاقا من المعرفة النظرية إلى المباشرة والميدانية.

كل ما تم ذكره يبين المقاربة المعتمدة من المغرب في تدبير قضية الهجرة الدولية بمقاربة تنموية عن طريق دراسة أسباب ومسببات الهجرة ومعالجتها من الجذور دون اللجوء إلى حلول وقتية من قبيل إعمال المقاربة الأمنية ، ومنه نجيب عن وضعية المهاجرين واللاجئين في ظل هذه المقاربة، ويكفي هنا ان نذكر بالمجهودات المغربية لغاية إدماج المهاجرين واللاجئين رغم أن حماية اللاجئين لازلت لم تؤطربقانون خاص إلا أنها تسير وفق الإطار المعياري الدولي المرجعي المتمثل في اتفاقية الدولية لحماية المهاجرين لسنة 1951 والتي تعرف بوصف اللاجئ والضمانات القانونية لوضعيته ، ونشيرإلى ان المغرب لازال لم يصادق على مشروع قانون 14-26 المتعلق بحق اللجوء وشروط منحه، إلا أن الإدماج الفعلي المهاجرين واللاجئين الحاصلين على هذه الصفة متواصلة بالمغرب وذلك خلال الإدماج التربوي لفائدة أطفالهم والاعتراف بالحق في العمل لهم والحصول على الرعاية الصحية وحق السكن على غرار المغاربة في إطار مبدأ التضامن ولصالح الإنسانية، ناهيك عن الشراكات المغربية الأفريقية بتدعيم لروابط التاريخية وخدمة السلم والأمن والاستقرار بمنطقة الساحل، والدفع بالتنمية المستدامة وتقوية التعاون جنوب-جنوب وتكريس الديموقراطية التشاركية بإشراك المجتمع المدني في قضايا اللجوء والهجرة.

لعل كل ما سلف ذكره كان محاولة متواضعة في إطار التفاعل مع ما جاءت به الندوة والإجابة عن بعض التساؤلات العالقة حول مآل التدبير الوطني للهجرة غير النظامية بالآليات القانونية والمؤسساتية الداخلية، ولنا في الخلاصة توضيح ان المغرب تبعا للرؤية الملكية والقناعة الوطنية والاسهامات المجتمعية يسعى في بناء قارة إفريقية متينة ومستقلة قادرة على تدبير أزماتها بنفسها والنأي عن انتظار التوصيات الخارجية لا سيما في القضايا المتعلقة بالتنمية وتحصين المكتسبات الحقوقية الإنسانية كظاهرة اللجوء والهجرة الدولية وقد ظهر ذلك بجلاء بتقديم الملك محمد السادس خارطة طريق لتفعيل المرصد الإفريقي للهجرة في القمة 33 للاتحاد الإفريقي المنعقدة بأديس أبابا ، والذي يعتبر امتداد وتفعيل ميثاق مراكش للهجرة، كما أن مقر المرصد الإفريقي بالرباط وتتمثل وظائفه حول ثلاثة محاور تهم الفهم والإستباق والعمل، بتكوين معرفة دقيقة بظاهرة الهجرة ورسم صورة إفريقية عنها والعمل على توحيد سياسة فعالة حولها.

المعلومة القانونية

*سعيد شرو

باحث في العلوم القانونية

قد يعجبك ايضا