بلاغ إلزامية وضع الكمامة بين الحزم في تنزيل تدابير حالة الطوارئ الصحية وقصور التشريع

رغم ما يسجل على المدرسة الكلاسيكية من شطط في تدبيرها وتمثلها لأسباب الجريمة وسبل علاجها، إلا أنها كانت رائدة في التقرير بالأهمية المحورية لمبدأ الشرعية كأساس لمكنة المساءلة القانونية للمخاطبين بأحكام التشريع الجنائي.

نستدعي هذا الشاهد لإغناء النقاش القانوني الصرف حول النصوص القانونية ومدى احترامها للمبادئ الأساسية التي يجب عليه الامتثال إليها، ذلك أنها متقاطعة مع حقوق أخرى ألزم القانون بمختلف تراتبياته احترامها.
فهل كان المشرع المغربي موفقا في احترام النص التشريعي للمبادئ الأساسية للقانون؟
مثلما أسست لذلك السياسة الكلاسيكية، يغل مبدأ الشرعية يد جميع سلطات الدولة في تقييد حرية الأفراد ما لم يتدخل المشرع بنشر نص قانوني مستوف لشروطه الشكلية، وهو ما نص عليه المشرع الجنائي المغربي في الفصل الأول من م ق ج، فالقانون هو الكفيل بتحديد الأفعال التي يعدها جرائم وهو الذي يحدد لها الجزاء، وذلك للحؤول دون أي انزلاقات تمس بمبدأ الحرية السامية.
وهكذا صدر بتاريخ 6 أبريل 2020 بلاغ مشترك لوزارة الداخلية والصحة والاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة والصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي يقضي بإلزامية وضع الكمامة لكل مستعملي الفضاء العام، وذلك ابتداء من اليوم الموالي، بناء على المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 292-20 صادر في 28 رجب 1441ه (23 مارس 2020)المتعلق بين أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، مع تقرير جزاء المادة الرابعة منه لمخالفي أحكامها، كما صدر في نفس السياق قرار لوزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي رقم 20-1060 صادر بتاريخ 14 شعبان 1441ه (8 أبريل 2020) يتعلق بالكمامات الواقية المصنوعة من الثوب غير المنسوج ذات الاستعمال غير الطبي، وملحق بالقرار الأخير يتعلق بالمميزات التقنية المتعلقة بسلامة الكمامات الواقية المصنوعة من الثوب غير المنسوج ذات الاستعمال غير الطبي.
إذا كانت النصوص المذكورة أعلاه تستطيع الإجابة عن مبدأ الشرعية في حالة عدم وضع الشخص للكمامة، إلا أن فقه الواقع المغربي قد أبان عن تأويلات متنوعة لجانب مهم من المخاطبين بأحكام التشريع ذي الصلة، وهكذا توزع الأفراد إلى فئة تضع الكمامة بشكل سليم يغطي الأنف والفم، وفئات أخرى ذات وزن تضع فعلا الكمامة لكن في غير محلها، حيث يضعها البعض على رأسه والبعض على عنقه وغيرها من جوانب وجهه في انتظار ظهور أحد أفراد السلطة العامة كي يسارع إلى وضعها في المكان السليم، في استهتار عجيب بشروط الصحة العامة.
وبغض النظر عن الدواعي التي تقف وراء هذه الممارسات التي يتعين أن يشملها البحث العلمي الجاد، فإنها ساءلت المشرع في مدى توفقه في ضبط النص التشريعي خصوصاً إذا ما استحضرنا، بمرجع قانوني سليم، أن نصوص التشريع الجنائي يحكمها مبدأ التفسير الضيق، فإنه كان يتعين على المشرع أن يكون أكثر دقة في هندسته لنص إلزامية وضع الكمامة وأن يحدد المكان الذي يجب وضعها فيه على وجه الدقة كي يجنب النص ضرورة استنطاقه بشكل قسري من طرف مؤسسات تطبيق القانون.
إن المبادئ الأساسية التي تحكم النصوص الجنائية يجب أن تستحضر بشكل مستمر عند إخراجها إلى الوجود، كي يتم وضع الكمامة في مكانها وألا تستعمل بعد الآن كغطاء عنق.

المعلومة القانونية

*محمد أمين
باحث بسلك الدكتوراه جامعة القاضي عياض مراكش
قد يعجبك ايضا