أزمة وباء فيروس كورونا وتفعيل الفصل 70 فقرة 2 من الدستور التونسي

(التفويض التشريعي لرئيس الحكومة في إصدار مراسيم)      

ينص الفصل 50  من الدستور التونسي أنه:” يمارس الشعب السلطة التشريعية عبر ممثليه بمجلس نواب الشعب أو عن طريق الاستفتاء”) ، لذا فمجلس نواب الشعب هو الذي يشرع القوانين، و هو الذي يقر القوانين المقترحة من قبل الحكومة، أو يُشارك في عملية إقتراح القوانين مع الحكومة ( ينص الفصل 62 :” تمارس المبادرة التشريعية بمقترحات قوانين من عشرة نواب على الأقل، أو بمشاريع قوانين من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة. ويختص رئيس الحكومة بتقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات ومشاريع قوانين المالية. ولمشاريع القوانين أولوية النظر”)، و تتولى السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية مهمة ختم القانون، ثم إصداره ونشره ( الفصل 81 من الدستور التونسي:” يختم رئيس الجمهورية القوانين و يأذن بنشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية”).
و يعد من القواعد الثابتة، في فقه القانون الدستوري أن السلطة التشريعية، تعد صاحبة الإختصاص الأصيل في سن التشريعات، ومع ذلك ولإعتبارات عملية أو في حالة تعذر

 

السير العادي لدواليب الدولة أو في حالة الأزمات، فقد أعطيت للسلطة التنفيذية حق التشريع في بعض المسائل استثناءً بواسطة المراسيم.                                                   والفرق بين القانون و المرسوم يكمن في طبيعة السلطة المصدرة لكل من النصين، فالقانون من اختصاص السلطة التشريعية، بينما المرسوم من اختصاص السلطة التنفيذية المتمثلة في رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة.                                                               وبذلك فإن التفويض التشريعي يمكن أن نعرفه بأنه: “يعهد البرلمان بممارسة بعض اختصاصاته التشريعية إلى السلطة التنفيذية لمدة زمنية محددة وبموضوعات محددة في قانون التفويض”.                                                                                                وقد إتجهت عدة  دساتير إلى تبني فكرة التفويض التشريعي ، ومن بينها نجد الدستور الفرنسي لعام 1958 قد نص في المادة 38 بأن ” للحكومة في سبيل تنفيذ برنامجها أن تطلب من البرلمان تفويضها بان تتخذ عن طريق الأوامر خلال مدة محدودة تدابير تدخل عادة في القانون، ويتم إقرار الأوامر في مجلس الوزراء بعد اخذ رأي مجلس الدولة وهي تسري بمجرد نشرها ولكنها تصبح لاغية إذا لم يقدم مشروع قانون التصديق عليها إلى البرلمان قبل انتهاء التاريخ المحدد في قانون التفويض، ولا يمكن إقرارها إلا بشكل صريح وبانتهاء المدة المذكورة في الفقرة الأولى لهذه المادة لا يمكن تعديل الأوامر في المواد الداخلة في مجال التشريع إلا بقانون وذلك في المواد التي تدخل في النطاق التشريعي“. وذهب الدستور المغربي لعام 2011 إلى تبني التفويض التشريعي أيضاً في المادة 70 التي نصت على أن:” يصوت البرلمان على القوانين…. للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم، تدابير يختص القانون عادة باتخاذها ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها، غير انه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة، عند انتهاء الأجل الذي حدده قانون الإذن بإصدارها“.

 

 

 

و قد نص الفصل 70 فقرة 2 من الدستور التونسي على أنه:” يمكن لمجلس نواب الشعب بثلاثة أخماس أعضائه أن يفوّض بقانون لمدة محدودة لا تتجاوز الشهرين ولغرض معين إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون تُعرَض حال انقضاء المدة المذكورة على مصادقة المجلس. يستثنى النظام الانتخابي من مجال المراسيم”.           ولقد دفع تفشي وباء الكورونا في تونس إلى فرض حالة الطوارئ الصحية، مما أدى برئيس الحكومة التونسية إلى الإعلان على جملة من الإجراءات الاستثنائية بكلفة 2.5 مليار دينار: أولها ذات بعد اجتماعي وتتضمن تخصيص خط تمويل بـ300 مليون دينار للمحالين على البطالة الفنية، أي من فقدوا وظائفهم أو تضررت أعمالهم جراء القرارات الوقائية. كما تضمنت 150 مليون دينار مخصص للفئات الهشة وحاملي الإعاقة ستتولى وزارة الشؤون الإجتماعية التصرف فيها.                                                                               هذا و قد شملت الحزمة الإجتماعية قرارات من بينها تأجيل خلاص القروض البنكية لمدة 6 أشهر لمن أجورهم أقل من 1000 دينار، و ثانيها ذات بعد إقتصادي، وتقوم على تأجيل الآداءات لثلاثة أشهر إنطلاقا من غرة أفريل، وتأجيل دفع المساهمات في الصناديق الإجتماعية لثلاثية، وكذلك تأجيل خلاص الديون البنكية والمؤسسات المالية لـ6 أشهر، وأيضا جدولة الديون الجبائية والديوانية لـ 7 سنوات.
هذا وقد قرر إحداث صناديق استثمارية بملغ قيمته 700 مليون دينار لهيكلة المؤسسات المتضرّرة، وتوفير خط ضمان بقيمة 500 مليون دينار للقروض الجديدة الخاصة بإنعاش المؤسسات الاقتصادية، مع تمتيع كل المؤسسات الاقتصادية من إمكانية إسترجاع الأداء على القيمة المضافة لدى تقدمها بطلب في آجال أقصاه شهر. و السماح للشركات المصدّرة بالترفيع في نسبة التسويق المحلية من 30 % إلى 50 %، مع السماح للمؤسسات السماح للمؤسسات بإعادة تقيم عقاراتها وأملاكها المنقولة وإعفاء المؤسسات المتضرر من الكورونا من خطايا التأخير لمدة 6 أشهر، و ثالثها تخصيص 500 مليون دينار لدعم المخزون الاستراتيجي التونسي في الأدوية والمواد الغذائية والمحروقات، أما رابعها فتتعلق بوضع التعديلات اللازمة للتعليق الوقتي لتتتبع في الجرائم المالية…

 

و تفعيل مقترحات رئيس الحكومة على أرض الواقع لمجابهة فيروس كورونا، تتضمن إلتزامات مالية، مما يقتضي وجوبا مرورها عبر مؤسسة البرلمان التي تشهد بدورها تعطلا في أشغالها بسبب الظرف الوبائي، أو تفعيل الفصل 70 من الدستور الذي يمكن رئيس الحكومة من تفويض تشريعي، لتنفيذ تلك القرارات.                                               كما أدى وباء كورونا إلى تعطل في العديد من المرافق و الأنشطة، و تعليق آجال التقاضي أمام المحاكم. و قد قدم المجلس الأعلى للقضاء مقترح  مشروع قانون يتعلق بأحكام استثنائية خاصة بآجال التقاضي أمام المحاكم في ضمان حسن سير القضاء  و توحيد الاجتهادات القضائية في التعاطي مع المسائل الإجرائية الطارئة تبعا لتعليق العمل بالمحاكم في إطار التوقي من انتشار فيروس “كورونا” بالبلاد التونسية…                                                            و لقد إتخذ رئيس الجمهورية، إعتمادا على الفصل 80 من الدستور، عدة تدابير لمجابهة فيروس كورونا، فقد صدر أمر رئاسي عدد 28 لسنة 2020 مؤرخ في 22 مارس 2020 يتعلق بتحديد الجولان، و الذي حجّر جولان الأشخاص والعربات بكامل تراب الجمهورية ، إلا لقضاء حاجياتهم الأساسية أو لأسباب صحية مستعجلة، ومنع كل تجمّع يفوق ثلاثة أشخاص بالطريق العام وبالساحات العامة. كما صدر أمر رئاسي عدد 24 لسنة 2020 مؤرخ في 18 مارس 2020 يتعلق بمنع جولان الأشخاص والعربات بكامل تراب الجمهورية من الساعة السادسة مساء إلى الساعة السادسة صباحا ابتداء من 18 مارس 2020 إلى أن يصدر ما يخالف ذلك.                                                                   و على خلاف ما ذهب إليه البعض في أنه لا حاجة لتفعيل الفصل 70 من الدستور، بإعتبار أنه وقع تفعيل الفصل 80  الذي ينص على أن: ” لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب”، فإننا نعتقد أن تفعيل أحدهما لا يعني عدم إمكانية تفعيل الآخر، و ذلك لأن الفصل 80 يهم رئيس الجمهورية و يتعلق باتخاذ التدابير الاستثنائية في حالة التعذر

 

السير العادي لدواليب الدولة، و الفصل 70 يهم رئيس الحكومة و يتعلق بإصدار مراسيم تدخل في مجال القانون بتفويض من مجلس نواب الشعب.

و نحن نعتقد أنه من الضروري في هذه الظروف الخطيرة و الاستثنائية منح رئيس الحكومة هذا التفويض التشريعي عملا بأحكام الفصل 70 فقرة 2 من الدستور، لتمكينه من قيادة المرحلة بالسرعة و النجاعة الكافيتين في احترام تام للمنظومة الدستورية. فالوضعية الوبائية التي تعيشها البلاد تتطلب تدخلا عاجلا وإجراءات استثنائية لا بد للحكومة أن تتخذها، على خلاف الطريقة المعتمدة في المصادقة على مشاريع القوانين والتي تستغرق وقتا.              وفي فرنسا، و في إطار التدابير المتخذة لمجابهة وباء كورونا” كوفيد19″، تمت المصادقة من قبل الجمعية الوطنية على قانون الطوارئ الصحي، و الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من يوم 24/3/2020، والذي يخول للوزير الأول ، إصدار مراسيم من شأنها أن أن تقلل الحريات الخاصة والمتمثلة أساسا في تقييد حركة النقل وبالتالي الحجر على نطاق واسع، ومراسيم في مجالات تنظيم العدالة والقضاء ( كل ما بتعلق بٱجال الطعون وإجراءات التقاضي والقيام لدى المحاكم ومرجع نظرها الحكمي والترابي وقواعد المحاكمة والتقاضي الالكتروني …). ويحتوي القانون أيضًا على أحكام تتعلق بتأجيل الجولة الثانية من الانتخابات البلدية الفرنسية ودعم الاقتصاد، بالإضافة إلى التدابير التي تؤثر على قانون العمل الفرنسي.

كما صدر في المغرب مرسوم رقم 2.20.392 بتاريخ 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها و الذي جاء في المادة الثالثة منه:” تقوم الحكومة خلال فترة إعلان الطوارئ باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة و ذلك بموجب مراسيم و مقررات تنظيمية و إدارية او بواسطة مناشير                    و بلاغات من اجل التدخل الفوري و العاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للغرض                و تعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص و ضمان سلامتهم“.

و إن الرأي القائل بأن الفصل 70 من الدستور سيمنح رئيس الحكومة صلاحيات كبيرة مما يؤدي إلى تفرده بإصدار المراسيم دون رقابة مجلس نواب الشعب في غير طريقه و ذلك

 

باعتبار أن منح التفويض معزز بجملة من الشروط .                                                              فماهي شروط تفعيل الفصل 70 من الدستور المتعلقة بمنح رئيس الحكومة تفويض لإصدار مراسيم ؟

وتنقسم هذه الشروط إلى شروط موضوعية ( الجزء الأول) و أخرى شكلية ( الجزء الثاني).                                                                                                  الجزء الأول: الشروط الموضوعية                                                    تتمثل الشروط الموضوعية الخاصة بالتفويض الوارد بالفصل 70 فقرة 2 من الدستور في شرط يتعلق بالظروف المتعلقة بمنح التفويض التشريعي لرئيس الحكومة ( الفقرة الأولى)   و شرط يتعلق بغرض و مدة التفويض ( الفقرة الثانية).                                        الفقرة الأولى: الشرط المتعلق بظروف منح التفويض التشريعي:                               يشترط لمنح التفويض التشريعي أن توجد ظروف غير اعتيادية تسوغ ممارسة هذا الاختصاص وإن لم يشترطه الدستور صراحة، فالوضع الدستوري، وعليه فان تطبيق التفويض التشريعي لابد أن يكون في ظل ظروف غير عادية و استثنائية.                       و تعد نظرية الظروف الاستثنائية استثناءا أو قيدا يرد على مبدأ سمو الدستور، وقد استعملت مصطلحات عدة لهذا المفهوم فنجده تارة يستخدم مصطلح الظروف الاستثنائية وتارة مصطلح الضرورة.                                                                                      وقد جاءت هذه النظرية كضرورة لتنظيم ممارسة السلطة في الدولة وهذا التنظيم يرتكز على مبادئ تهدف بالدرجة الأساسية إلى تقييد سلطة الحكام وإيجاد ذلك التوازن والفصل بين مؤسساته المختلفة وذلك من  أجل حماية مبدأ سيادة القانون وحقوق الإنسان وحرياته، وبما أن بناء الدولة يعتمد على قوانين تشرع في الظروف العادية ،غير أنه قد تحدث ظروف استثنائية قاهرة من شأنها المساس بكيان الدولة أو السلامة العامة للمجتمع كحالة الطوارئ أو حالة الحرب ووجود أزمات الحادة أو حالة التمرد والعصيان فتلجأ السلطة التنفيذية لمواجهتها للتشريع أو بتدابير استثنائية.                                                                 و عرف الفقيه ريفيرو الظروف الإستثنائية بأنها الأوضاع المادية التي تؤدي إلى وقف

 

العمل بالقواعد العادية التي تطبقها الإدارة لتطبيق قواعد المشروعية الخاصة بالأزمات.
و يشترط تناسب الإجراء المتخذ مع الظرف الإستثنائي. ويحدد معيار جسامة الخطر بأن يخرج على الأقل عن إطار المخاطر المتوقعة أو المعتادة في حيـاة الـدولة فهو خطر غير مألوف و غير معروف على وجه الدقة ولا حيث النوع أو المدى، فالظرف الاستثنائي يتحقق وجوده بوجود حوادث خطيرة مجتمعة يستحيل على الإدارة مواجهتها بالوسائل والطرق العادية.
و ينبغي كذلك إبتغاء المصلحة العامة من الإجراء الإستثنائي، فشرط المصلحة العامة هو شرط جوهري في كل الأعمال التي تصدر عن الحكومة سواء أكانت الظروف عادية أم استثنائية وان أي عمل تتخذه الحكومة يجب إن يقصد به تحقيق مصلحة عامة وألا  تكون الغاية منه الوصول إلى تحقيق إغراض شخصية ، والحكومة يجب أن تهدف إلى دفع هذه الظروف ومواجهتها للمحافظة على كيان الجماعة وهذا هو الهدف الخاص فإذا ما أخلت الحكومة واستعملت سلطتها الواسعة في أي هدف آخر من أهداف المصلحة العامة كان تصرفها مشوباً بانحراف السلطة.                                                                        و أعتقد أن ما تشهده تونس اليوم من تفشي وباء الكورونا يمثل وضعا استثنائيا، بإمتياز، يبرر تفعيل الفصل 70 فقرة 2 من الدستور.                                                     الفقرة الثالثة: الشرط المتعلق بمدة  و غرض التفويض:                                 ينص الفصل 70 من الدستور على “… يمكن لمجلس نواب الشّعب … أن يفوض بقانون لمدّة محدودة لا تتجاوز الشّهرين و لغرض معيّن إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون.                                                                                           و تنقسم الشروط التي وردت بالفصل 70 من الدستور إلى نوعين أحداهما تتعلق بالفترة الزمنية التي يمكن خلالها لرئيس الحكومة إصدار مراسيم بناءً على تفويض البرلمان له، والأخرى تتضمن بيان الموضوعات التي يجوز له أن يتناولها قانون التفويض.

 

 

– أن يكون التفويض لمدة محدودة:  ينص الفصل 70 فقرة 2 من الدستور:يمكن لمجلس نواب الشّعب … أن يفوض بقانون لمدّة محدودة لا تتجاوز الشّهرين ..).                           إن مدة التفويض المسندة من مجلس نواب الشعب إلى رئيس الحكومة يجب أن لا تتجاوز الشهرين،  فلابد من تحديد المدة الزمنية للتفويض تحديداً دقيقاً.                                                           ويرجع السبب في ذلك إلى حرص المشرع الدستوري على عدم استمرار التفويض لأجل غير مسمى كونه أمرا استثنائيا عارضا فهو يعد خروجا على مبدأ الفصل بين السلطات، ولذلك فان عدم تحديد القانون مدة التفويض يجعله باطلا، لذا فلا يجوز للبرلمان أن يجعل تحديد مدة التفويض من تقديرات السلطة التنفيذية وذلك عن طريق ربطها بتحقيق الهدف من التفويض، وإنما يجب أن يحدد قانون التفويض تحديدا دقيقا، المدة التي تؤهل خلالها الحكومة في اتخاذ تدابير تعود لمجال القانون. وهذا التشديد في ضرورة تحديد مدة قانون التفويض متأتٍ من كون التفويض التشريعي يعد أمرا استثنائياً عارضاً وخروجاً على مبدأ الفصل بين السلطات ولذلك يتعين ان يكون هذا الخروج مؤقتا حتى لا يختل التوازن بين السلطات.

2- غرض التفويض: ينص الفصل 70 فقرة 2 من الدستور على أنه:” يمكن لمجلس نواب الشّعب … أن يفوض بقانون … لغرض معيّن”.                                                     يجب أن يكون قانون التفويض محدد الغرض، فلابد إن يحدد بدقة ماهية المواضيع التي سيتناولها قانون التفويض، فهذا التفويض ليس شيكا على بياض بحسب ما يعتقده الكثيرون، بل هو مقيد بموضوعه ومدته الزمنية. فلا من تحديد الموضوعات التي تصدر فيها المراسيم، فالتفويض يجب أن يكون جزئيا ينصب على موضوعات محددة، أما التفويض الكلي فانه غير جائز لأنه يعد بمثابة تنازل من البرلمان عن إختصاصاته التشريعية، وهو ما أيده المجلس الدستوري الفرنسي في العديد من أحكامه، فقد قضى في 11/1/1977 بأن: “عندما تطلب الحكومة إلى المجلس النيابي الإذن بالتشريع عن طريق أوامر تشريعية يجب عليها أن تبين بدقة ماهية التدابير التي تنوي اتخاذها ويجب أن تتخذ هذه التدابير من أجل تنفيذ

 

 

برنامجها“، وكذلك ما قضى به في عام 1986 بأن: “على الحكومة أن تبين مجال تدخلها غير أنها ليست ملزمة ببيان فحوى الأوامر..“.                                                      و قد نص الفصل 65 من الدستور:”  تتخذ شكل قوانين عادية النصوص المتعلقة بـ:
–  إحداث أصناف المؤسسات والمنشآت العمومية والإجراءات المنظمة للتفويت فيها.
–  الجنسية.
–  الالتزامات المدنية والتجارية.                                                                          – الإجراءات أمام مختلف أصناف المحاكم.
–  ضبط الجنايات والجنح والعقوبات المنطبقة عليها وكذلك المخالفات المستوجبة لعقوبة سالبة للحرية.
–  العفو العام.                                                                                                        – ضبط قاعدة الأداءات والمساهمات ونسبها وإجراءات استخلاصها.
–  نظام إصدار العملة.
–  القروض والتعهدات المالية للدولة.
–  ضبط الوظائف العليا.                                                                                       –  التصريح بالمكاسب.
–  الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين.
–  تنظيم المصادقة على المعاهدات.
–  قوانين المالية وغلق الميزانية والمصادقة على مخططات التنمية.                               – المبادئ الأساسية لنظام الملكية والحقوق العينية والتعليم والبحث العلمي والثقافة والصحة العمومية والبيئة والتهيئة الترابية والعمرانية والطاقة وقانون الشغل و الضمان الاجتماعي.

 

 

 

تتخذ شكل قوانين أساسية النصوص المتعلقة بالمسائل التالية:
* الموافقة على المعاهدات.
* تنظيم العدالة والقضاء.
* تنظيم الإعلام والصحافة والنشر.

* تنظيم الأحزاب والنقابات والجمعيات والمنظمات والهيئات المهنية وتمويلها.
* تنظيم الجيش الوطني.
* تنظيم قوات الأمن الداخلي والديوانة.
* القانون الانتخابي.                                                                                             *التمديد في مدة مجلس نواب الشعب وفق أحكام الفصل 56.
* التمديد في المدة الرئاسية وفق أحكام الفصل 75.
* الحريات وحقوق الإنسان.
* الأحوال الشخصية.                                                                                            * الواجبات الأساسية للمواطنة.
* السلطة المحلية.
* تنظيم الهيئات الدستورية.
* القانون الأساسي للميزانية”.
و يبدو أن المجالات التي  يمكن تفويضها لرئيس الحكومة هي في أغلبها تتعلق بالمسائل التي تنظمها القوانين العادية فيما عدا بعض المسائل التي تنظمها القوانين الأساسية و المتعلقة بالحريات و الحقوق المتعلقة بالإنسان مثل حرية التنقل و التجمع و التجمهر، و التي لا داعي لمنح تفويض بشأنها باعتبار صدور أوامر رئاسية تتعلق بمنع جولان الأشخاص و العربات،  في ظل وجود قانون الطوارئ.

 

 

الجزء الثاني: الشروط الشكلية

نص الفصل 70 في فقرته الثانية من الدستور:”يمكن لمجلس نواب الشّعب بثلاثة أخماس أعضائه أن يفوض بقانون … إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون تعرض حال انقضاء المدّة المذكورة على مصادقة المجلس. يستثنى النّظام الانتخابي من مجال المراسيم”.                                                                                               و تتمثل الشروط الشكلية في شكل  التفويض و النصاب المطلوب  ( الفقرة الثانية) و عرض المراسيم على مصادقة مجلس نواب الشعب حال إنقضاء مدة التفويض ( الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: شكل التفويض و النصاب المطلوب

1– شكل التفويض: يجب أن يصدر التفويض بقانون.

2-  النصاب المطلوب:  ينص الفصل 70 فقرة 2 من الدستور أنه :” يمكن لمجلس نواب الشّعب بثلاثة أخماس أعضائه أن يفوض بقانون … إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون تعرض حال انقضاء المدّة المذكورة على مصادقة المجلس”.

الفقرة الثانية: عرض المراسيم على مجلس نواب الشعب                                     يجب عرض المراسيم الصادرة عن الحكومة على مصادقة مجلس نواب الشعب حال انقضاء مدة التفويض. ويترتب على عدم عرضها زوال ما كان لها من قوة القانون، ومن ثم إنهاء أثارها واعتبارها لاغية.                                                                                            فلابد من الرجوع إلى مجلس نواب الشعب صاحب الاختصاص الأصيل في التشريع في نهاية مدة التفويض ليقول كلمته في تلك المراسيم، فقد يرى الموافقة عليها وذلك بان يصادق عليها ويسبغ عليها قوة القانون، وقد يرفض صراحة الموافقة عليها وفي هذه الحالة يزول ما كان لها من قوة القانون . و هذا الإجراء يمثل رقابة بعدية للمراسيم التي كان قد اتخذها رئيس

 

الحكومة أثناء مدة التفويض، و بالتالي يبقى دائما لمجلس نواب الشعب ممارسة رقابته على أعمال الحكومة.                                                                                             و إعمالاً لنص المادة 49 من الدستور الذي ينص على:” يحدّد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أوالصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك. لا يجوز لأي تعديل أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور” يجب ألا يتجاوز المرسوم الحدود المرسومة له دستوريا ويمس الحقوق والحريات العامة بادعاء بأنه يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة إلا بالقدر القانوني الذي يتناسب مع الضرورة والظروف الإستثنائية”.                                    و قاعدة الضرورة مفادها أن المساس بالحقوق يجب أن يبرر بإقامة دولة منفتحة              و ديمقراطية و مدنية.                                                                                      و الثابت في هذا الصدد أن مفهوم الدولة المدنية استخدم و يستخدم لحض مفهومين في آن واحد و هما الدولة العسكرية من ناحية و الدولة الدينية من ناحية أخرى.                                                                                                      وعليه فان الحريات تقارب على 3 مراحل:                                                            – يقتضي المجتمع الديمقراطي أن يتم تكريس الحقوق و الحريات من حيث المبدأ.                 – تكشف ممارسة الحقوق بطريقة غير مضبوطة تؤدي إلى مخاطر تتهدد المواطنين          و المجتمع الديمقراطي و بالتالي فانه يجب الحد من الحريات لجعل ممارستها بصفة متزامنة ممكنة لجميع مكونات المجتمع.                                                                           – يتحدد في هذه المرحلة تحديد هذه الحدود نفسها أي ضبط كيفية التدخل في مجال الحقوق   و الحريات فلا يقبل هذا التدخل إلا إذا كان ضروريا لتنظيم المجتمع الديمقراطي.

 

 

و قد ورد شرط الضرورة لأول مرة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما ورد بالمادة الأولى من الميثاق الكندي للحقوق و الحريات:” في حدود ما يمكن تبريره على نحو واضح في مجتمع حر و ديمقراطي”.

و يقصد بشرط التناسب اختبار مزدوج للملائمة و الضرورة، فلا يكفي أن تخدم القيود الأغراض المسموح بها فيجب أن تكون ضرورية لحمايتها. و يجب أن تتماشى التدابير التقييدية مع مبدأ التناسب و أن تكون مناسبة لتحقيق وظيفتها الحمائية و أن تكون اقل الوسائل تدخلا مقارنة بغيرها من الوسائل التي يمكن أن تحقق الغاية المنشودة و أن تكون متناسبة مع المصلحة التي تحميها.

الخاتمة:

إن الوضع التي تشهده البلاد التونسية اليوم في ظل وباء الكورونا، و لضمان سرعة و نجاعة عمل الحكومة للتصدي لتداعيات هذا الوباء ، يفترض تطبيق معادلة صعبة بين التعجيل في إتخاذ القرارات وتقريب الخدمات من ناحية وفرض الإبعاد الاجتماعي من ناحية أخرى،     و ليس ثمة من سبيل لبلوغ هذا غير سبيل المرور السريع من نموذج  تسيير شأن العامة في الحياة العادية إلى نموذج آخر يتعلق بتسيير الشأن العام في حالة الأزمات، و بالتالي تفعيل الفقرة 2 من الفصل 70 من الدستور  و منح رئيس الحكومة تفويض محدد و مقيد لإتخاذ التدابير و القرارات الضرورية لمكافحة جائحة فيروس كورونا، خدمة للمصلحة العليا للبلاد، و لا خوف على الديمقراطية و الاستبداد، في تونس ما بعد الثورة.

 

 

إعداد: جابر غنيمي

المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بالمهدية

و مدرس جامعي

قد يعجبك ايضا