جريمة عدم توفير مؤونة الشيك ونظام صعوبات المقاولة

فراغ تشريعي يهدد مصير المقاولات

*إن واقعة عدم خضوع جريمة الشيك بدون مؤونة لقاعدة وقف المتابعات الفردية المنصوص عليها في نظام صعوبات المقاولة وما لها من تأثير على المراكز القانونية للدائنين، و استمرارية المقاولة المفتوحة في وجهها مسطرة التسوية القضائية، أو تلك التي ستفتح في وجهها، تجعل من تدخل المشرع لسد الفراغ التشريعي ضرورة ملحة خصوصا في ظل تداعيات أزمة فيروس كوفيد 19 على الاقتصاد الوطني وما سينتج عنه من تزايد لظاهرة رجوع الشيكات الصادرة عن المقاولات بدون أداء …*

تــقديـــم:

تشكل مسطرة التسوية القضائية مرحلة مهمة تعكس بوضوح تدخل المشرع المغربي على مستوى المقاولة الخاضعة لمجموعة من الصعوبات عن طريق تقوية وتعزيز دور القضاء في حماية الحقوق القائمة، وذلك بهدف تقويم وضعيتها وإيجاد الحل الأمثل لضمان استمراريتها في مزاولة نشاطها.

حيث أن تسوية وضعية المقاولة التي تعاني من صعوبات والمحافظة على استمرارية نشاطها، يفرض توفير أرضية ملائمة لأجهزة المسطرة من اجل تمكينهم من تحقيق أهداف المشرع ، وذلك بجعل المقاولة المفتوحة في وجهها مسطرة التسوية القضائية في معزل عن المتابعات الفردية الهادفة إلى استنزاف أصولها أو التأثير على المراكز القانونية للدائنين عن طريق إقرار مجموعة من الآليات والأجهزة الفاعلة والقادرة على فحص وضعية المقاولة وبلورة الحلول الناجعة، مع توفير مناخ قانوني مناسب يمكن المقاولة من استرجاع أنفاسها وتجاوز الإختلالات التي تحيط بها.

وتعتبر المقتضيات القانونية التي تم إقرارها بمقتضى القانون رقم 17-73 المتعلقة بالآثار المترتبة عن الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية من أهم الإجراءات الحمائية التي يمكن أن تكفل تحقيق أهداف المشرع من سن هذا القانون، وبالتالي توفير مناخ ملائم لأجهزة المسطرة من اجل العمل على إعادة هيكلة المنظومة المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة، اذ يترتب عن الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية نشوء وضع قانوني جديد تتأثر معه بقوة القانون كل المراكز القانونية للأطراف المرتبطة بالمقاولة.

وحيث إنه بالرغم من الجهود المبذولة في سبيل إنقاذ المقاولة المفتوحة في وجهها مسطرة التسوية القضائية، إلا أن هناك بعض الاشكالات التي تطرح على المستوى العملي والتي يعاني منها رئيس المقاولة الذي أنيطت به مهمة تسيير المسطرة بمقتضى الحكم القاضي بفتح المسطرة، وتتأثر بها بعض المراكز القانونية للدائنين أصحاب الديون العادية، الأمر الذي يجعل المقاولة تتخبط في مجموعة من المشاكل الفرعية التي قد تؤدي إلى فشل مخطط استمراريتها أو عدم قدرتها على تبني الحل المناسب، وبالتالي فشلها في تخطي الصعوبات التي كانت وراء تمتيعها بمسطرة التسوية القضائية.

وحيث انه من أهم المشاكل التي تواجه المقاولة بهذا الخصوص، يطرح إشكال عدم خضوع جريمة عدم توفير مؤونة الشيك الصادر عن المقاولة المدينة لقاعدة وقف المتابعات الفردية المنصوص عليها ضمن مقتضيات المادة 686 من الكتاب الخامس من مدونة التجارة، بالنسبة للديون السابقة لتاريخ فتح المسطرة، إذ تصطدم المقاولة بعد صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية بلجوء مجموعة من الدائنين اللذين سبق واستفادوا من شيكات صادرة عن المقاولة رجعت بدون أداء بسبب توقف الشركة عن الدفع، إلى تقديم شكايات من أجل عدم توفير مؤونة شيكات في مواجهة الممثل القانوني للمقاولة – رئيس المقاولة- مما يترتب عنه دخول المقاولة في مجموعة من المشاكل، والتي لم يستطع لحد الآن أي طرف من الأجهزة المتدخلة في المسطرة إيجاد حل لها، الأمر الذي جعل مجموعة من المقاولات التي عانت من هذه الوضعية تحيد عن الهدف الذي رسمه لها المشرع لتجاوز الصعوبات التي تعتريها، وتدخل في دوامة المتابعات الناتجة عن سلوك الدائنين أصحاب الشيكات للمسطرة الجنحية أمام القضاء العادي، في حياد تام عن قواعد المساطر الجماعية المتعلقة بتراتبية الدائنين، بالرغم من كون الديون المتعلقة بهذه الشيكات هي ديون تجارية بمناسبة عمل تجاري مرتبط بنشاط المقاولة وتتعلق بالفترة السابقة لتاريخ فتح المسطرة في حق المقاولة.

سنحاول من خلال هذه المقالة تسليط الضوء على بعض الاشكالات العملية المرتبطة بهذه الظاهرة التي أصبحت تهدد مصير مجموعة من المقاولات خصوصا في ظل الظرفية الحالية، ومدى تأثيرها على السير السليم للمقاولة المفتوحة في وجهها مسطرة التسوية القضائية، وذلك عبر تقسيم الموضوع إلى شقين: سنتناول في الشق الأول الحالات التي يتم رصدها من خلال العمل الميداني والمتعلقة بالتأثيرات السلبية لمسطرة الشيك بدون مؤونة على وضعية المقاولة واستمراريتها، بينما سنتطرق في الشق الثاني لمجال تدخل أجهزة مسطرة صعوبات المقاولة للحد من الآثار السلبية لاختيار الدائنين سلوك المسطرة الجنحية وحيادهم عن ضوابط المساطر الجماعية، وحدود صلاحيات كل فئة من هذه الأجهزة في مواجهتها وحماية حقوق باقي الدائنين.

 

أولا/ الحالات التي يتم رصدها من خلال العمل الميداني والمتعلقة بتأثير مسطرة الشيك بدون مؤونة على وضعية المقاولة واستمراريتها.

 

تعتبر واقعة رجوع الشيكات الصادرة عن المقاولة المفتوحة في وجهها مسطرة التسوية القضائية خلال الفترة السابقة لتاريخ الحكم القاضي بفتح المسطرة من أبرز مظاهر الإختلالات المالية التي ينتج عنها توقفها عن الدفع وتجعلها تلجأ إلى القضاء من أجل طلب فتح مسطرة التسوية القضائية .

وحيث إنه من المعلوم أن المحكمة المقدم أمامها طلب فتح المسطرة بعد رصدها للإختلالات المالية، الاقتصادية، والاجتماعية التي تعاني منها المقاولة، وتأكدها من أن وضعيتها قابلة للتقويم، تقضي بفتح مسطرة التسوية القضائية في حقها مع تعيين القاضي المنتدب ونائبه وتكليف السنديك بإحدى المهام المنصوص عليها قانونا.

وحيث أننا سنتناول حالة الحكم القاضي بفتح المسطرة وتعيين السنديك مراقبا لعمليات التسيير مع إبقاء جميع صلاحيات التسيير في يد رئيس المقاولة، وإقدام أحد دائني المقاولة أو مجموعة من الدائنين على تقديم شكايات في مواجهة رئيس المقاولة من أجل عدم توفير مؤونة شيكات صادرة عن هذه المقاولة، متعلقة بديون ناشئة قبل تاريخ فتح المسطرة .

حيث إنه بمجرد تقديم شكاية من أجل عدم توفير مؤونة شيكات عند التقديم في مواجهة المقاولة، تقوم النيابة العامة المختصة بإصدار تعليماتها لمصالح الضابطة القضائية من أجل البحث والتقديم في مواجهة رئيس المقاولة الوارد اسمه بمستخرج السجل التجاري، دون أن تأخذ بعين الاعتبار وضعية المقاولة موضوع هذه الشكاية، وأنها تتمتع بوضع خاص يقتضي نوع خاص من الإجراءات.

من أجل الإحاطة بجوانب موضوع النقاش على المستوى العملي سنتطرق لثلاث حالات تواجه رئيس المقاولة بعد مواجهته بشكاية الدائن الحامل لشيك صادر عن المقاولة رجع بدون أداء، ومباشرة النيابة العامة للإجراءات المترتبة عن تقديم هذه الشكاية، ومدى تأثيرها على استمرارية المقاولة.

الحالة الأولى: أن يقوم رئيس المقاولة بأداء قيمة الشيكات موضوع الشكاية ويتابع في حالة سراح:

إن هذه الحالة تضعنا أمام مخالفة لمقتضى قانوني مهم وهو المنصوص عليه في المادة 690 من مدونة التجارة، الذي يقر قاعدة منع المقاولة من أداء الديون السابقة لتاريخ فتح مسطرة التسوية القضائية، إذ أن قيام رئيس المقاولة بأداء قيمة الشيكات رهين بموافقة القاضي المنتدب على هذا الإجراء، وهو الأمر المرفوض قطعا من طرف هذه الجهة بدليل مجموعة من الأوامر الصادر بهذا الخصوص.

وحيث انه في حالة أداء رئيس المقاولة بواسطة أمواله الخاصة أو عبر الاستعانة بجهة أجنبية، وقيام الدائن بسحب مبالغه التي تعتبر دين سابقا لتاريخ فتح مسطرة التسوية القضائية في حق المقاولة، يطرح التساؤل عن مصير هذه المبالغ؟ وهل يمكن اعتبارها دينا للمسير على المقاولة يحق له استرجاعها فيما بعد؟ أم أن هناك جهة أخرى يحق لها المطالبة باسترجاعها، وهنا نتحدث عن الجهاز المراقب لعملية التسيير وهو السنديك، على اعتبار أن الأداء تم باسم المقاولة في شخص ممثلها القانوني، وهو الأمر الشائع في مجموعة من الحالات، إذ بمجرد علم السنديك بإقدام أحد أقارب رئيس المقاولة على أداء قيمة الشيكات والإفراج عنه، يبادر إلى استصدار أمر عن القاضي المنتدب من أجل استرجاع ما دفع، باعتبار تلك الأموال دفعت باسم المقاولة ومرتبطة بنشاطها وأن استخلاصها من طرف الدائن عن طريق تقديم الشكاية من شأنه تضيع حقوق باقي الدائنين طبقا لمقتضيات المادة 691 من مدونة التجارة.

وأما فيما يخص الطريقة الثانية التي يمكن أن يتم بها الأداء، وهي عن طريق مخالفة رئيس المقاولة للقانون وإقدامه على أداء قيمة الشيك موضوع الشكاية من أموال الشركة خلافا لمقتضيات المادة 690 من مدونة التجارة، فإنه يصبح عرضة للمساءلة القانونية لأن ما أقدم عليه يدخل في خانة المخالفات المنصوص عليها في المادة747 من مدونة التجارة، وفي هذه الحالة يحق للسنديك بمجرد علمه بواقعة استعمال أموال المقاولة من أجل أداء دين سابق بغض النظر عن المبرر، أن يستصدر أمرا عن القاضي المنتدب من أجل استرجاع ما دفع وضخه في حسابات الشركة الخاصة بالتسوية القضائية.

الحالة الثانية: أن يتعذر على رئيس المقاولة أداء قيمة الشيكات أو الوصول إلى حل ودي مع أصحابها وتتم متابعته في حالة اعتقال:

إن هذه الحالة للأسف تجد أساسها في العديد من القضايا المعروضة أمام المحاكم، والتي تتم فيها متابعة رئيس المقاولة وإحالته على جلسة الحكم في حالة اعتقال، وتصبح المقاولة المفتوحة في وجهها مسطرة التسوية القضائية بدون مسير، مما يفشل خطة انقاذ هذه المقاولة ومساعدتها على تخطي أزمتها الاقتصادية والاجتماعية، إذ لا يمكن تصور استمرار مقاولة في غياب رئيس يقوم بمهام التسيير وتنفيذ المخطط المحكوم به أو إعداد الحل المناسب لاستمراريتها، من خلال مساعدة السنديك على إعداد الموازنة المالية والاقتصادية لهذه المقاولة، وينتج عن ذلك فشل مخطط الاستمرارية في حالة تبنيه أو اختيار التصفية القضائية كحل لإنهاء المشاكل التي تعاني منها المقاولة وبالتالي الحياد عن الهدف الذي رسمه المشرع من وراء سن مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة.

الحالة الثالثة: أن يختفي رئيس المقاولة عن الأنظار ويتم تحريك مذكرة بحث في حقه:

إن هذا الأمر يجعل من مهمة مساعدة المقاولة المفتوحة في وجهها مسطرة التسوية القضائية على تخطي صعوباتها وتنفيذ مخططها أمرا مستحيلا، في غياب رئيس المقاولة الذي بيده جميع المعطيات المتعلقة بالمقاولة والدائنين، وبالتالي يكون مصيرها التصفية، إذ أثبتت التجارب العملية أن السنديك لا يمكنه لوحده إنقاذ المقاولة في غياب التواجد الفعلي والمستمر لرئيسها الذي يعبر المحرك الأساسي للنهوض بوضعية هذه المقاولة.

 

ثانيا/ مجال تدخل أجهزة مسطرة صعوبات المقاولة للحد من الآثار السلبية لجريمة عدم توفير مؤونة شيك على المقاولة:

 

لقد حاول المشرع من خلال سن قواعد صعوبات المقاولة وفق التعديل الجديد تأهيل أجهزة المسطرة عبر تعزيز دور القاضي المنتدب وتوسيع صلاحياته لضمان السرعة والفعالية في تبني الحلول المثلى للحفاظ على نشاط المقاولة، إلى جانب تأهيل دور السنديك، وتقوية مكانة النيابة العامة لدى المحاكم التجارية كمتدخل أساسي في حفظ الأمن الاقتصادي، وسنحاول التعرض لدور كل جهاز على حدة، ونطاق تعامله مع النتائج المترتبة عن لجوء الدائنين الحاملين لشيكات بدون مؤونة إلى تقديم شكايات أمام المحاكم العادية، وتهديد استمرارية المقاولة عندما تتم متابعة رئيسها في حالة اعتقال.

*مجال تدخل مؤسسة القاضي المنتدب:

تعتبر مؤسسة القاضي المنتدب الجهاز الذي يسهر على الحفاظ على التوازنات داخل المسطرة، وذلك من خلال تولي مهمة الإشراف عليها ومراقبة سيرها، إذ أن نظام صعوبات المقاولة قد أضفى صبغة غير مسبوقة على دور القضاء و أصبح هذا الأخير منغمسا في حياة المقاولة ولم تعد قراراته مبنية فقط على معطيات قانونية، بل أصبحت تتعدى حدود الصياغة القانونية البحتة إلى البعد الاقتصادي والاجتماعي، من خلال استناده على نظام استعلامي فعال يمكنه من الوصول إلى مصادر المعلومة التي تخدم المسطرة وتحافظ على الحقوق القائمة.

وحيث أنه في ظل تنامي ظاهرة إقدام مجموعة من الدائنين أصحاب الديون الناشئة عن عدم توفير مؤونة شيكات إلى اللجوء إلى القضاء الجنحي، إلى جانب التصريح بنفس الديون لدى السنديك، وذلك من أجل إجبار المقاولة على أداء قيمة الشيكات خارج المساطر الجماعية، عن طريق تهديد حرية رئيس المقاولة بالاعتقال، نجد دور مؤسسة القاضي المنتدب محصور فقط في إصدار الأوامر بمنع أداء تلك الديون، في حالة اللجوء إليه من أجل طلب الإذن بخصوص هذا الأمر، أو إصدار أوامر باسترجاع تلك المبالغ بعد إيداعها بصندوق المحكمة الجنحية أو تسلم الدائن لها، دون أن يتجاوز حدود اختصاصاته في هذا المجال، بحكم أنه كقاضي مدني لا يمكنه أن يؤثر على قرارات النيابة العامة في الشق المتعلق بمتابعة رئيس المقاولة في حالة اعتقال أو سراح، كما لا يمكنه أن يتدخل في سلطة القاضي الزجري أثناء عرض النزاع أمامه في الشق المتعلق بتفريد العقاب، ما عدا الشق المتعلق بالمطالب المدنية والحكم القاضي باسترجاع قيمة الشيك، هنا تتاح إمكانية استعمال أمر القاضي المنتدب المتعلق بتحقيق الدين موضوع الشيكات، في الحكم بعدم قبول المطالب المدنية استنادا إلى مقتضيات المادة 686 من مدونة التجارة.

وهنا يثار إشكال عملي أثناء عرض التصريح بالدين المعزز فقط بصور شمسية لسندات الدين- الشيكات- بالإضافة إلى نسخ مؤشر عليها من الشكاية المقدمة في مواجهة المقاولة من أجل عدم توفير مؤونة شيك، ومدى إمكانية اعتبار مجرد تقديم تلك الشكاية بغض النظر عن نتيجتها كحجة قاطعة لإثبات الدين، خصوصا إذا علمنا أنه أثناء فترة تحقيق هذا النوع من الديون تصدر بشأنها أوامر عن القضاة المنتدبين تقضي بقبول هذه الديون، بعلة أن سند الدين ثابت من خلال نسخ الشكايات المؤشر عليها والتي تثبت كون أصل سند الدين تم إيداعه لدى جهة قضائية.

وحيث أننا من خلال هذه المعطيات نقف عند معطى مهم وهو مدى حجية الأمر القاضي بقبول الدين المعزز بنسخة من شكاية من أجل عدم توفير مؤونة شيك، للقول بأحقية متابعة رئيس المقاولة في حالة سراح، على اعتبار أن قبول الدين يجعله يدخل في تنفيذ المخطط ويتم تحديد آجال لسداده، لكن نقف أمام إشكال آخر وهو مدى إمكانية أخذ القضاء الزجري بهذا المعطى في تفريد العقوبة المقررة لرئيس المقاولة المتابع في حالة اعتقال، ومدى إمكانية إصدار أحكام موقوفة التنفيذ في حقه، على اعتبار أن الأمر القاضي بقبول الدين قد حسم في مصير الشق المدني المترتب عن عدم توفير المؤونة، ولا يبقى للقاضي الزجري إلا صلاحيات تفريد العقاب ومدى إمكانية الأخذ بخصوصية مسطرة التسوية القضائية في تمتيع رئيس المقاولة بالمتابعة في حالة سراح أو إصدار عقوبة موقوفة التنفيذ، مع العلم أن الواقع العملي أثبت موقف النيابة العامة الرافض لأي نقاش بهذا الخصوص بعلة كون مساطر صعوبات المقاولة لا يمكنها أن تغل يد النيابة العامة المختصة في تحريك المتابعة.

* مجال تدخل السنديك:

يعتبر السنديك بحكم الصلاحيات والسلطات التي يباشرها في مساطر الإنقاذ ومعالجة صعوبات المقاولة أحد أهم الأجهزة القضائية التي تلعب دورا أساسيا واستراتيجيا في تحريك الآليات القانونية والاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى انقاد المقاولة من الوقوع في التصفية القضائية، وقد خول له المشرع صلاحيات واسعة في إطار الهندسة الجديدة لمساطر الإنقاذ ومعالجة صعوبات المقاولة، الهدف منها حسن تدبير الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي للمقاولة، في إطار جو يقوم على التفاوض والتوافق بين مختلف المصالح المتدخلة في هذه المساطر، وهذه المهام المنوطة بالسنديك تختلف باختلاف المستويات والمراحل التي تمر منها مسطرة الإنقاذ أو المعالجة، فنجده بعد توجيه الإشعارت وتلقي التصريحات بالديون يقوم بإعداد الحل المناسب لمشروع التسوية القضائية ويسهر على تنفيذ العقود الجارية بالإضافة إلى تحقيق الديون تحت إشراف ومراقبة القاضي المنتدب، انتهاء بإعداد تقارير دورية حول الموازنة المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة وتنفيذ مشاريع توزيع أداء الديون عند حلول آجال استحقاقها بناء على الخطط المرسومة ضمن مخطط الاستمرارية المعتمد.

وحيث أنه بالرغم من الدور المحوري الذي يلعبه السنديك في تقرير مصير المقاولة، عبر تنفيذ مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة، نجده يتلقى التصريحات التي تتضمن نسخ من هذه الشكايات ويدخلها ضمن لائحة الدائنين فقط، كأنها تصريح عادي كباقي التصاريح، ويحيله في الأخير على القاضي المنتدب من أجل إتمام الإجراءات المتعلقة بتحقيق الدين.

وحيث أثبت الممارسة الميدانية أن السنديك في الكثير من الحالات المشابهة يقف عاجزا عن اتخاذ أي إجراء أو التعبير عن موقفه بخصوصها أو إبداء اقتراح من شأنه المساهمة في الحد من الآثار الخطيرة التي تترتب عن تقديم أحد الدائنين لشكاية من أجل عدم توفير مؤونة شيك في مواجهة المقاولة، أو التأثير على الجهات المختصة لاتخاذ القرار المناسب لضمان استمرارية المقاولة، خصوصا إذا علمنا أنه يملك من الوسائل والصلاحيات والمصداقية التي تتيح له إمكانية التأثير على الدائن الذي سلك هذه المسطرة، وأن يفتح معه نقاشا للوصول إلى تسوية ودية للوضع، وأن يسهر على إبرام اتفاق ودي بينه وبين المقاولة يفضي إلى التنازل عن الشكاية.

*مجال تدخل مؤسسة النيابة العامة لدى المحاكم التجارية:

إن إصدار المشرع المغربي لقانون معالجة صعوبات المقاولة يعتبر ترجمة حية وفعلية للتحول الذي عرفه دور النيابة العامة لدى المحاكم التجارية، من مجرد حارس للمشروعية القانونية إلى دور جديد أكثر فاعلية وقوة، بصفتها متدخلا أساسيا في مساطر صعوبات المقاولة، وجهازا مشاركا للمحكمة في إدارة وتسيير هذه المساطر وذلك لارتباط المصلحة العامة بالنظام العام الاقتصادي الذي جعل عمل النيابة العامة أمام المحاكم التجارية يتعدى مجرد تبليغها بالمساطر الجماعية للقيام بدورها في الردع الزجري الخاص بالتفالس والجرائم الأخرى المرتبطة به، ليصبح دورا تدخليا ومشاركا في المساطر الجماعية من مفهوم المصلحة العامة.

وحيث أن بقاء المقاولة واستمراريتها يعتبر من النظام العام الذي يخدم المصلحة العامة الاقتصادية والاجتماعية، وأن تدخل النيابة العامة لحماية النظام الاقتصادي ومراقبة سير المقاولة يساهم في إنقاذها واستمراريتها، لكن للأسف فإن الممارس لمساطر صعوبات المقاولة، يصطدم بمحدودية الدور الذي يلعبه هذا الجهاز على أرض الواقع، وذلك لافتقادها للصلاحيات التي تجعلها فاعلا أساسيا في هذه العملية، إذ أنه بمناسبة إشراكها في مناقشة العديد من المساطر الناتجة عن تقديم أحد الدائنين لشكاية في مواجهة المقاولة من أجل عدم توفير مؤونة شيك يدخل في الديون السابقة لتاريخ فتح المسطرة، نجدها تقف موقفا حياديا لتعارض صلاحياتها بهذا الخصوص مع الصلاحيات الممنوحة للنيابة العامة لدى المحاكم العادية في جرائم الشيك، وتبقى كلمة الفصل في هذا الإشكال بين يدي مؤسسة رئاسة النيابة العامة باعتبارها جهازا فاعلا في مجال تدابير حماية الاقتصاد الوطني والمساهمة في بلورة آليات تشجيع الاستثمار عن طريق إصدار دوريات تتطرق للموضوع.

خاتمة:

انطلاقا من رصد الاشكالات التي تطرحها هذه الظاهر وتأثيرها على استمرارية المقاولة المفتوحة في وجهها مسطرة التسوية القضائية، يبقى التساؤل المطروح دائما هو تحديد الجهة المخول لها قانونا الحسم في الآثار السلبية التي تنتج عن عدم خضوع جريمة عدم توفير مؤونة شيك عن التقديم في مواجهة المقاولة لقاعدة وقف المتابعات المنصوص عليها في المادة686 من مدونة التجارة، وتتم متابعة رئيس المقاولة في حالة اعتقال؟ مع العلم أن المادة 686 من مدونة التجارة تنص على أنه يوقف الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية أو يمنع  كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم المذكور ترمي إلى الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال….، إذا اعتبرنا أن إقدام الدائن على تقديم الشكاية هدفه الأساسي هو إجبار المقاولة على أداء الدين موضوع الشيكات، وهو المقتضى الذي يتعارض مع مضمون الباب الرابع من مدونة التجارة الذي يؤطر حالات منع أداء الديون السابقة، إذ نجد المادة 690 منه تنص على أنه يترتب عن حكم فتح المسطرة بقوة القانون منع أداء كل دين نشأ قبل صدوره، والمادة 691 التي تنص على أنه يبطل كل تسديد تم خرقا لمقتضيات المادة السابقة بطلب من كل ذي مصلحة

وحيث أن رئيس المقاولة في هذه الحالة يكون بين وضعين إما فقدان حريته بسبب وضعية خارجة عن إرادته والمتمثلة في حالة التوقف عن الدفع التي عانت منها المقاولة قبل تاريخ فتح المسطرة في وجهها، والتي من بين مظاهرها رجوع الشيكات بدون أداء، وبين أداء قيمة هذه الشيكات – في حالة قدرته المادية على ذلك- والوقوع في مخالفة مقتضيات قانونية من النظام العام وهي تلك المنصوص عليها في المواد 690 و691 من مدونة التجارة ؟؟؟ وهاذين الوضعيين معا من شأنهما التأثير على المقاولة في ظل عدم قدرتها على تخطي الصعوبات التي تواجهها، في غياب رئيسها الذي أنيطت به مهمة التسيير بمقتضى الحكم القاضي بفتح المسطرة.

وحيث أنه يطرح تساؤل ثاني حول مشروعية استغلال الدائنين أصحاب الشيكات الصادرة عن المقاولة والتي رجعت بدون أداء لهذه الوضعية، واستفادتهم من الأسبقية في استخلاص مبالغ الشيكات، في محاولة لحرمان باقي الدائنين من حقهم في استيفاء ديونهم في إطار المساطر الجماعية تبعا للتراتبية المنصوص عليها قانونا؟ وما مصير هذه الديون في حالة عدم أدائها وبقاء رئيس المقاولة رهن الاعتقال، استنادا إلى قاعدة من اختار لا يعود وأن اختيار الدائن لسلوك المسطرة الجنحية لا يعطيه الحق في مباشرة الإجراءات المدنية لكون سند الدين تم إيداعها رفقة الشكاية ولا يسع الدائن هنا إلا الاستمرار في إجراءات هذه المسطرة والتنصيب كطرف مدني؟؟؟

كل هذه الإشكاليات وغيرها المترتبة عن الفراغ التشريعي الذي خلفه عدم خضوع جريمة عدم توفير مؤونة شيك عند التقديم لقاعدة وقف المتابعات الفردية، المنصوص عليها ضمن مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة، تشكل عائقا جديا يحول دون نجاح سياسة المشرع المغربي في مساعدة المقاولات التي تعاني من اختلالات على تجاوز أزمتها والاستمرار في مزاولة نشاطها، خصوصا في ظل الظروف التي يمر منها الاقتصاد الوطني بسبب تداعيات جائحة كوفيد19، وتأثيرها السلبي على المقاولات سواء المفتوحة في وجهها مسطرة التسوية القضائية أو تلك التي ستفتح في وجهها، أو المقاولات التي كانت في وضعية عادية و اضطرت إلى توقيف نشاطها بشكل نهائي أوالمقاولات المستمرة بشكل متعثر، مع العلم أن غالبية هذه المقاولات قد رجعت لها شيكات بدون مؤونة بسبب عدم الاستعداد لهذا الوضع الذي فرضته حالة الطوارئ الصحية.

وحيث أن كل هذه المعطيات جعلت من وجوب تكاثف الجهود بين جميع الفاعلين في هذا المجال سواء الهيئات التشريعية أو القضائية أو المؤسسات والجمعيات المهنية، ضرورة ملحة في سبيل إيجاد حل توافقي للحد من تداعيات هذه الظاهرة، خصوصا إذا علمنا أن النص القانوني الذي يؤطر جريمة إصدار شيك بدون مؤونة لا يعدو أن يكون من بين مواد مدونة التجارة التي تضم بين طياتها النظام الشامل لقانون صعوبات المقاولة، إذا لا يعقل أن يفرد المشرع الباب الخامس من مدونة التجارة الذي يضم أكثر من 250 مادة لمعالجة صعوبات المقاولة، وتأتي مادة وحيدة في نفس المدونة وهي المادة 316 بنفس القانون لتفتك بمصير المقاولة وتعرض حقوق الدائنين والطبقة العاملة والاقتصاد الوطني بأكمله للضياع، مما يطرح ضرورة إجراء تعديل على مقتضيات هذه المادة حتى تتناسب مع المقتضيات المنصوص عليها ضمن مواد الكتاب الخامس.

المعلومة القانونية

*الأستاذة حــــــياة الزايــــــنـــــي

محامية بهيأة المحامين بالرباط

متخصصة في منازعات قانون الأعمال

قد يعجبك ايضا