خصوصية التحكيم كآلية موازية للقضاء

مقدمة :

أصبح اللجوء الى الوسائل البديلة لحل المنازعات في وقتنا الحالي أمرا ملحا , وذلك لتلبية متطلبات الأعمال الحديثة , والتي لم تعد المحاكم قادرة على التصدي لها بشكل منفرد  فمع التطور المستمر في التجارة والخدمات وما نتج عنها من تعقيد في المعاملات , والحاجة الى السرعة والفعالية في بث الخلافات , والتخصص من قبل من ينظر في مثل هده الخلافات , ويساهم في حلها , نشأت الحاجة لوجود أليات قانونية يمكن للأطراف من خلالها حل خلافهم بشكل سريع وعادل وفعال , ويتسم بالمرونة لا نجدها في المحاكم , وتعد ألية التحكيم من أهم هده الوسائل وأكثرها شيوعا , فلقد ازداد اللجوء اليه كنظام لحل المنازعات لما يوفره من مزايا لا يحققها القضاء الرسمي , المثقل بكثرة القضايا دلك أن المحكم يرى العدالة , بينما لا يعتد القاضي الا بالتشريع , بالإضافة الى سرعة وسهولة الإجراءات التي تميزه , وادا كانت المنازعات التقليدية , قد أفرزت اليات تتسم بالسرعة والسهولة والمرونة , بعيدا عن الاجراءات الطويلة المعقدة التي تتسم بالبطء أمام القضاء العادي , فانه من المنطقي  أن يقرر الواقع العملي ألية جديدة لتسوية النزاعات  التي تثيرها المعاملات الإلكترونية  فبعد شيوع استخدام التقنيات الحديثة في ابرام العقود والصفقات , اتجه التفكير الى تسويتها الكثر ونيا عبر شبكات الاتصال دون الحاجة لانتقال أو تواجد اطراف العملية في مكان واحد فظهر التحكيم الإلكتروني كألية حديثة  لتسوية المنازعات .

ادن أمام هذا التقديم المبسط حول ألية التحكيم كتقنية بديلة لفض المنازعات , يمكننا طرح التساؤلات التالية :

  • ما المقصود بألية التحكيم ؟
  • ماهي مجالات ممارسة التحكيم ؟
  • ماهي اجراءات وجهود تنظيمه الكثر ونيا ؟

 

  • المحور الأول : الأحكام العامة لألية التحكيم :
  • المحور الثاني : التحكيم الالكتروني كآلية حديثة لتسوية المنازعات الالكترونية :

                المحور الاول : الأحكام العامة لألية التحكيم :

سنتطرق في هدا المحور الى تعريف التحكيم من الناحية الفقهية ثم من ناحية القانون الوضعي أي من خلال القانون رقم 08: 05 , ثم كدلك الحديث عن مجالاته وأنواعه من خلال( أولا ) ثم التطرق كدلك للحديث عن المسائل التي يجوز ولا يجوز فيها التحكيم دون أن نغفل الاشارة الى أنواع التحكيم  من خلال( ثانيا ).

             

                               أولا : مفهوم الية التحكيم :

ونحن بصدد تعريف الية التحكيم كألية موازية للقضاء سنتطرق لها من ناحية التعريف الفقهي  1))  ثم  التعريف من خلال القانون الوضعي رقم 08 : 05 ( 2 ).

1                                       : التعريف الفقهي لألية التحكيم :

عر ف فقهاء القانون التحكيم بعدة تعاريف اختلفت عباراتها وتوحد معناها فهناك من عرفه بأنه : “اتفاق أو طريقة  وأسلوب لفض المنازعات التي نشأت أوقد ستنشأ بين أطراف في نزاع معين عن طريق أفراد عاديين يتم اختيارهم بإرادة الأطراف المتنازعة للفصل فيها بدلا من فصلها عن طريق القضاء المختص” .

واعتبره جانب أخر من الفقه ” بأنه اتفاق أطراف النزاع على اللجوء لجهة قضائية اختيارية لفض نزاعاتهم الطارئة أو المحتملة , بواسطة شخص أو عدة أشخاص معينين من طرف هيئة متخصصة , أو هو  الاتفاق على طرح النزاع على أشخاص معينين يسمون محكمين , ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة , ويكون الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بعد نشأته , ويسمى الاتفاق في هده الحالة مشارطة التحكيم , وقد يتفقوا دون الشأن مقدما   وقبل قيام النزاع على عرض المنازعات , التي قد تنشأ في المستقبل خاصة بتنفيذ عقد معين على التحكيم , ويسمى الاتفاق في هده الحالة شرط التحكيم “.[1]

                        2: تعريف التحكيم من الناحية القانونية :

نجد أن المشرع  المغربي اهتم بالتحكيم اهتماما لا يقل أهمية عن باقي التشريعات المقارنة في باقي الدول , وخصوصا بعد صدور القانون رقم 05_ 08  اذ خصص الفرع الأول من الباب الثامن للتحكيم الداخلي , والذي خصص له الفصول من الفصل 306 حتى الفصل 327_ 38 ثم التحكيم الدولي من الفصل 327_ 39  الى الفصل  327_ 54حيث قام من خلال هدا القانون بسد جميع الثغرات التي تركها القانون القديم , حيث جاء بالعديد من المقتضيات الجديدة بخصوص الية التحكيم وهكذا نجده عرف الية التحكيم من خلال مضمون الفصل 306 بانه ” اتفاق التحكيم هو التزام الاطراف باللجوء الى التحكيم قصد حل نزاع نشا او قد ينشا عن علاقة قانونية معينة تعاقدية او غير تعاقدية , يكتسي اتفاق التحكيم عقد تحكيم او شرط تحكيم “.

ادن الملاحظ ان الية التحكيم لا من خلال التعريف الفقهي أو القانوني , نستنتج بأن الية التحكيم تعتبر بمثابة نظام لحل المنازعات سواء المدنية أو التجارية بين أفراد عاديين أو بين فرد أو شركة أو مؤسسة , أو بين طرف من هده الأطراف وبين الدولة وأحد الأشخاص القانون العام أو الخاص وكيفما كانت صفة الأطراف المتنازعة وجنسيتهما وتنظيمها القانوني , ودلك من خلال مدة معينة يحددونها [2], ومن خلال اجراءات يختارونها وقانون يرتضون تطبيقه , متى يصدر مقرر او يلتزمون به . الأمر الدي يجعلنا نطرح تساؤل ماهي مجالات التحكيم  ؟

                              ثانيا : مجالات ممارسة التحكيم  :

تتعدد المسائل التي يجوز ممارسة التحكيم بشأنها , كما جاء بدلك القانون رقم 05_ 08 , (1) بالإضافة الى المسائل الاخرى التي لا يجوز أن تكون محل تحكيم  (2) .

                    1       : المسائل التي يجوز فيها التحكيم :

بالرجوع للقانون رقم 08- 05 ,  وبالضبط الفصول من الفصل 308 الى الفصل311 وباستقراء طيات هده الفصول نجدها تنص غلى المسائل التي يجوز ممارسة التحكيم بشأنها فالفصل 308  ينص على انه “يجوز لجميع الاشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء كانوا ذاتين أو اعتباريين أن يبرموا اتفاق تحكيم  في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها ضمن الحدود ووفق الاجراءات والمساطر  المنصوص عليها في هدا الباب ودلك مع التقيد بالمقتضيات  بالمقتضيات الواردة في ظهير الالتزامات والعقود ولاسيما الفصل 62[3]  الدي ينص في مضمونه على” أنه لا يمكن أن تكون محل تحكيم الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع, أو المخالف للأخلاق الحميدة أو المخالف للنظام العام أو القانون  . وينص أيضا الفصل رقم “310 ” في فقرته الثانية على “أنه يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المالية الناتجة عن النزاعات المتعلقة بالتصرفات الاحادية للدولة او الجماعات المحلية وغيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية ,” ويمكن أيضا أن تكون محل اتفاق تحكيم بمفهوم الفقرة الثالثة من هدا الفصل  النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة او الجماعات المحلية  في دائرة التقيد بالمقتضيات الخاصة  بالمراقبة والوصاية المنصوص عليهما في النصوص التشريعية او التنظيمية الجاري بها العمل فيما يخص العقود المعنية , ونص أيضا  الفصل ” 311” على أنه يجوز للمقاولات العامة الخاضعة لقانون الشركات التجارية أن تبرم اتفاق تحكيم وفق الاجراءات والشروط  المحددة من لدن مجالس ادارتها او رقابتها أو أجهزة تسيرها , ويجوز أيضا للمؤسسات العامة ابرام عقود تحكيم وفق الاجراءات والشروط المحددة من لدن مجلس ادارتها  وتكون الاتفاقات المتضمنة لشروط تحكيم محل مداولة خاصة يجريها مجلس الادارة .

وبالرجوع الى القانون رقم  ” 08 _05 ” , نجده ليس هو الوحيد الدي اختص بالتطرق للمسائل التي يجوز فيها ممارسة التحكيم , فهناك مجموعة من الفصول المتناثرة هنا وهناك في مختلف القوانين الخاصة التي تنص على المسائل التي يجوز فيها التحكيم  من قبيل ما نص عليه القانون رقم 5[4]3 _95 الخاص بإحداث المحاكم التجارية في المادة الخامسة منه حيث نص على أنه ” يمكن أن يكون محل اتفاق تحكيم الدعاوي المتعلقة بالعقود التجارية , والدعاوي التي تنشأ بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية, والدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية , وكدلك النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية ,وتجدر الاشارة الى ان النزاعات المذكورة في المادة الخامسة من هدا القانون هي ليست واردة على سبيل الحصر فهي على سبيل المثال فقط.

بالإضافة الى  المادة الخامسة من قانون احداث المحاكم التجارية , فالمشرع المغربي وضع ايضا اطار قانوني خاص  بالتحكيم يكمن في نزاعات الشغل الجماعية , حيث خصص له الباب  الثالث من الكتاب السادس من  مدونة الشغل[5] من الفصول 567 الى الفصل 585 , والمشرع المغربي  عرف نزاعات الشغل الجماعية ضمن مضمون المادة 549 من مدونة الشغل, بأن نزاعات الشغل الجماعية هي كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل , والتي يكون أحد أطرافها منظمة نقابية للأجراء أو جماعة من الأجراء , ويكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية مهنية لهؤلاء الأجراء , كما تعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها مشغل واحد , أو عدة مشغلين , أو منظمة مهنية للمشغلين , ويكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل او المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنين “.

والحالات التي يجوز فيها التحكيم حسب مدونة الشغل , هي التي نصت عليها المادة 567 من هده المدونة , حيث نصت هده المادة على أنه يجوز اللجوء الى مسطرة التحكيم في الحالات التالية “:

  • اذا لم يحصل أي اتفاق أمام اللجنة الاقليمية للبحث والمصالحة .
  • اذا لم يحصل أي اتفاق كدلك أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة .
  • ادا اتفق الأطراف عل تسوية بعض النقط وبقيت هناك أخرى لم يتم الاتفاق بشأنها .
  • اذا تخلف كل الأطراف عن الحضور أو تخلف أحدهم فقط عن الحضور .

وتجدر الاشارة الى أن مسالة اللجوء الى التحكيم يكون هو المرحلة الموالية لحل نزاع الشغل الجماعي وذلك شريطة موافقة الأطراف على دلك .

    2                : المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم :

ان الاصل في التحكيم هو جواز اللجوء اليه من قبل الاطراف , لآنه  مبني على سلطان الارادة  فإرادة الاطراف هي التي تخلق نظام التحكيم , و المشرع المغربي كان دائما من وراء دعم تلك الارادة فهو يقرها ويبت فيها الحركة  والروح  بتنصيصه على قانون خاص بهده الالية لهو القانون رقم 08_ 05 كقانون منظم لهده الالية , غير أن في بعض الحالات منع المشرع اللجوء إلى الاتفاق على التحكيم لأن كما سبق الاشارة أعلاه، الأصل هو الجواز والاباحة، والمنع يكون بنص صريح, وقد تصدت غالبية التشريعات الحديثة لتحديد وقد تصدت غالبية التشريعات الحديثة لتحديد المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم، والمشرع المغربي لم يخرج بدوره عن هذه القاعدة، حيث نص على عدم جواز إبرام اتفاق التحكيم بشأن تسوية النزعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة الفصل 309 من ق م م، وكذا عدم جواز أن يكون محل التحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الاحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية وكذا المقتضيات المتعلقة بتطبيق قانون جبائي الفصل 310[6] , فالمسائل التي تنظمها قواعد أمرة تمس الكيان الأساسي للمجتمع بأسره والسياسة العامة، أي مصالح المجتمع ككل وتمس الحقوق العامة، يجب تصدي القضاء لها لتوحيد الأحكام وهو ما يصعب تحققه من خلال إجراءات التحكيم التي قد لا تخضع لرقابة أو طعن, وباستقرائنا الفصل 309 من القانون 08.05 السالف الذكر، نجده يقضي بمنع الاتفاق على التحكيم بشأن تسوية النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا تؤول إلى المال, وحيث ذهب البعض يقول بأن التحكيم لا يقبل في كل النزاعات المتعلقة بالحالة الشخصية للشخص. بمعنى أن ما يتعلق بالحقوق الشخصية للفرد فقد حصرها في حقوق كحقه في الزواج والارث والنسب والطلاق والحضانة والأهلية، فالنسب لا يمكن أن يكون محلا للتحكيم لأنه تعلق بحق الولد، وكذلك لا يجوز التحكيم في صحة الزواج أو فساده، ولا في كون الشخص وريثا في شخص أخر ام لا. وأما ما يتعلق بالقسم الثاني بمال هذا الفرد، فإن التحكيم لا يجوز فيما يتعلق بالمستحقات المطلقة أو الاتفاق على التحكيم فيما يخص قسمة التركة بين الورثة، أو تقدير التعويض عند فسخ الخطبة بعد إشهارها في التحكيم.

            المحور الثاني : التحكيم الالكتروني كآلية حديثة لتسوية المنازعات الالكترونية :

مع شيوع استخدام المعلوميات و الاتصالات في إنجاز الأعمال القانونية و إبرام العقود وتنفيذها[7]، وما صاحبها  من زيادة الخلافات الناجمة عنها (تنازع القوانين، الاختصاص القضائي، القانون الواجب التطبيق..)  اتجه البحث عن وسائل لتسوية منازعاتها بطريقة الكترونية تتماشى و طبيعة تلك المعاملات من حيث السرعة و كونها تتم عبر الاتصالات[8] ، فقرار اللجوء إلى القضاء ليس طريقا مقبولا لفض المنازعات الالكترونية، و ليس التحكيم العادي سريعا بدرجة كافية لذلك ظهر التحكيم بالشكل الالكتروني أو التحكيم على الخط arbitration on line أو التحكيم الشبكي cyber arbitration  [9]، من هذا المنطلق ، نتسأل عن المقصود بالتحكيم بشكل الكتروني (أولا) وعن إجراءاته و تنظيمه القانوني (ثانيا).

             

                أولا: مفهوم التحكيم الالكتروني و مميزاته :

  سنحاول التطرق لمفهوم التحكيم الإلكتروني  (1 )  ثم الاشارة كدلك لمزايا التحكيم الإلكتروني 2  )

                 1: تعريف التحكيم الالكتروني :

بالنسبة لتعريف التحكيم الالكتروني فهو مركب من مصطلحين الأول هو التحكيم و هو نظام لتسوية المنازعات يخول بمقتضاه أطراف النزاع مهمة الفصل في النزاع إلى محكمين يختارونهم بمحض إرادتهم بدلا عن الطريق القضائي ، و الثاني الالكتروني ؛ كونها تلك وسائل الاتصال الحديثة و التقنيات المستخدمة كالوسائط و الأساليب و الشبكات الالكترونية و أبرزها شبكة الأنترنيت [10].

و عرفه البعض ؛ بأنه ذلك التحكيم الذي تتم إجراءاته عبر شبكة الانترنيت و هو يكتسب الصفة الالكترونية من الطريقة التي يتم بها و هي سمعية بصرية عبر شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد، دون الحاجة إلى التقاء أطراف النزاع و المحكمين في مكان معين ، ويشتمل التحكيم الالكتروني النظم و التقنية المعلوماتية و الحوسبة التطبيقية و المعاملات الالكترونية وما يتصل بها في القطاع العام و الخاص مع مراعات إجراءات التحكيم في هذا الاخير[11].

أما تشريعيا ؛ فالمشرع المغربي قد عرف مؤسسة التحكيم في ضوء القانون 08:05 المتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية(الفصل 306) [12] و لا شك أن قراءة الفصل المذكور يوحي للوهلة الأولى أنه جاء بصيغة مطلقة “يراد التحكيم” ، مما يمكن أن يستوعب التحكيم العادي فالإلكتروني بيد أن رؤيتنا تتلاشى بقراءة إجراءات التحكيم التي تقتصر على ما هو تقليدي دون أن يشمل التحكيم الشبكي ، مما نخلص معه بأن المشرع المغربي اقتصر على التحكيم العادي دون الالكتروني ، علاوة على أنه لم يشر بصيغة مباشرة أو غير مباشرة ، اللهم إذا تعلق الأمر باستعمال وسيلة الاتصال الالكترونية في إثبات اللجوء الى التحكيم[13].

                2  : مزايا التحكيم الالكتروني :

يرتكز التحكيم على أسس تميزه عن غيره من وسائل فض المنازعات و إذا كان التحكيم التقليدي يرتكز على أسس من شأنها احترام إرادة الأطراف ، و بالتالي دفع عجلة الاقتصاد الى الأمام و تشجيع المستثمرين[14] ، فإن التحكيم الالكتروني ومع شيوع استخدام وسائل الاتصال الالكترونية أضحى الوسيلة الأمثل لحل النزاعات لما ينطوي عليه من مزايا :

  • تجنب إشكالية الاختصاص القضائي و تنازع القوانين في المعاملات الالكترونية :

فاللجوء للتحكيم الالكتروني  يجنب أطراف العقد عدم مسايرة القانون و القضاء للعقود الالكترونية ، سواء قانونيا أو قضائيا ، حيث يجنبهم عدم الاعتراف القانوني بهذه العقود أو صعوبة تحديد القانون الواجب التطبيق، و تحديد المحكمة المختصة ، و هذا ليس الأمر اليسير وفقا للقضاء العادي عند إحالة النزاع إليه[15] .

  • السرية ؛

و هي من أهم سمات التحكيم الالكتروني التي يرغب فيها رجال الأعمال ، فمادامت جلساته ليست بالعلنية ، فإن ذلك يحول دون إلحاق الضرر بسمعة الأطراف المحكمين[16].

  • السرعة و المرونة؛

تعد السرعة في حسم النزاع أحد أهم المزايا التي يحققها اللجوء إلى التحكيم الالكتروني ، فلا يخفى أن أشد العيوب التي يعاني منها القضاء هو البطء الناتج عن تراكم القضايا المعروضة ، ذلك أن التحكيم الالكتروني لا يشترط انتقال الأطراف أو حضورهم المادي أمام المحكمين بل يمكن سماع المتخاصمين عبر وسائط الاتصال الالكترونية ، كما يمكن للخصوم تبادل الأدلة و المستندات عبر البريد الالكتروني [17].

  • الخبرة ؛

الرغبة في عرض النزاع على أشخاص ذوي خبرة فنية خاصة و محل ثقة ، تعنى و تواكب تطور التجارة الالكترونية ، خاصة في المجال الفني و القانوني لهذه التجارة.

          ثانيا: إجراءات التحكيم و الجهود المبذولة لتنظيمه :

إن واقع تسوية المنازعات خارج الإطار القضائي وجد له مجالا واسعا من التطبيقات العملية الفعلية والمتعددة الشاملة للمنازعات الالكترونية ، لكونه يشكل  نتيجة واقعية للتوجه الجاد إلى الاستفادة القصوى لما توفره الامكانات التي تجود  بها البيئة الرقمية و الوسائل الالكترونية المتلاحقة للتطور و الانتشار[18] . الامر الدي يجعل من نبحث في اجراءات التحكيم الإلكتروني

                1   : إجراءات التحكيم الالكتروني :

تتجسد إجراءات التحكيم الالكتروني في مجموعة من الأعمال الاجرائية المتتالية التي تستهدف الحصول على حكم من هيئة التحكيم، و في جميع الأحوال فإن دعوى التحكيم لا بد أن تتم وفقا لمبادئ العدالة و الانصاف ، ابتداء من رفع طلب التحكيم مع مراعات التبليغ الصحيح للأطراف المعنية ومنح كل طرف الحق في تقديم طلباته و دفوعه وفق القانون المختار مجسدين في ذلك مبدأ الوجاهية أثناء الجلسات و المعاملة بالمثل[19]، و من المعروف أن التحكيم إما أن يكون خاصا (فرديا) أو مؤسسيا و إذا كان التحكيم الالكتروني في الوقت الراهن يتم عن طريق مراكز التحكيم أي أنه يعتبر مؤسسيا، هذا و قد دأبت مراكز التحكيم [20] على القيام بإجراءات التحكيم وفق الخطوات التالية:

  • التقدم لمركز التحكيم عن طريق كتابة ملأ النموذج المبين على موقع الانترنيت للمركز[21] و لا يحتاج رفع النزاع أما مراكز التحكيم الالكتروني الى مهارة معقدة في صياغة و كتابة طلب التحكيم ، إذ تنظم لوائح الهيئات المختصة كيفيات بسيطة لرفع النزاع و كل الأمور الواجب مراعاتها.
  • يقوم كل طرف بتحديد ممثليه وتحديد وسيلة الاتصال بينهم ، و كما إذا كان عن طريق الريد الالكتروني أو الفاكس أو التيليكس أو أي وسيلة اتصال أخرى بالإضافة الى قائمة الأدلة و البيانات المستند عليها في الادعاء و مدته.
  • يبدأ تاريخ نظر النزاع باستلام المركز لطلب التحكيم سواء بعد أداء الرسوم أو قبلها ( الاداء الالكتروني) ليقوم المركز بعدها بإخطار المحتكم ضده بالادعاء إن لم يكن المحتكم قد أخطره بذلك مسبقا ، حتى يتمكن من إبداء  دفاعه بشأن الموضوع.
  • بعد ذلك يحدد المركز موعد المحاكمة حيث تنعقد الجلسات عن طريق الانترنيت سواء باستخدام الوسائل المرئية و السمعية أو حتى بواسطة تبادل الرسائل الالكترونية بين أعضاء هيئة التحكيم ، كما يمكن أن يتم تقديم الأدلة بصورة الكترونية و الاستماع للشهود بذات الطريقة ، بعد ذلك تصدر الهيئة التحكيمية حكمها بصورة الكترونية[22] و يتم تقييده على الموقع الخاص بالقضية على الانترنيت. ونشير الى أن هذه الاجراءات تختلف باختلاف مراكز و مؤسسات التحكيم .

2                     : التنظيم القانوني للتحكيم الالكتروني :

نظرا للأهمية البالغة و الفعالة التي يحققها التحكيم الالكتروني عجلت معظم الدول [23]، و المنظمات الدولية إلى اصدار قوانين تلي الموضوع أهمية و تبيح في قواعدها للأطراف حق اللجوء الى استعمال البيئة الالكترونية و استعمال نفس الوسائل الالكترونية لحل نزاع ، قصد مواكبة التطور الحاصل في المجال، وفي هذا الشأن ثم عقد مجموعة من الاتفاقيات لتيسير اللجوء للتحكيم الالكتروني ( اتفاقية نيويورك المتعلقة بالاعتراف بمقررات التحكيم الأجنبية و تنفيذها سنة 1958 صادق عليها المغرب  بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.59.266 في 19 يناير 1960 ، اتفاقية واشنطن سنة 1965 الخاصة بتسوية الخلافات الراجعة للاستثمارات بين الدول و رعايا الدول الأخرى انضمت لها المملكة المغربية بتاريخ 31 أكتوبر 1966 اتفاقية جنيف 1961  الاتفاقية الأوربية للتحكيم التجاري الدولي) .

كما نجد أن الاتحاد الأوروبي من خلال توجيهاته و توصياته المتعددة نص على بعض الخطوات الجريئة و الجدية في هذا المجال من ضمنها ما نصت عليه المادة    الأولى من التوجيه الأوروبي المتعلق بالتجارة الالكتروني رقم 31/2000[24]في شأن بعض المظاهر القانونية لخدمة مجتمع المعلومات و التجارة الالكترونية على أنه تسمح الدول الأعضاء لموردي خدمات المعلومات و المتعاملين معهم بتسوية منازعاتهم بعيدا عن أروقة المحاكم باستخدام الوسائل التكنولوجية المعروفة في العالم الالكتروني و في مجتمع المعلومات في فض المنازعات .

كما قامت اللجنة الأوربية المعينة بتسوية المنازعات لا سيما التي تتم بين المستهلكين باعتماد سلسلة من التوصيات بخصوص حل المنازعات على الخط منها؛

التوصية الصادرة في 25/05/2000 بخصوص تأسيس شبكة أوروبية لتسوية المنازعات على الخط مباشرة لتغطي كافة المنازعات على مباشرة لتغطي كافة المنازعات الخاصة بالمستهلك الأوروبي خاصة في قطاع الأموال و الخدمات.

و من الجهود كذلك ما قامت به الجمعية الأمريكية للتحكيم بوضع نظام التحكيم على الخط arbitrage en ligne  بمقتضاه يتم إنشاء موقع خاص بكل قضية على حدى على نحو يسمح فقط للجمعية و أطراف النزاع و هيئة التحكيم الدخول للموقع و مراجعة ادعاءات الأطراف المخزنة فيه ، فوفقا لهذا النظام يتعين على طالب التحكيم الدخول الى الموقع الاداري للجمعية  و تسجيل طلبه و استفاء كافة المعلومات الضرورية بإجراء التحكيم[25] هذا دون إغفال الحديث عن مشروع القاضي الافتراضي  virtual magistrale  هذا المشروع الذي تم ارساء دعائمه في مارس 1996 و يعتمد هذا النظام على فكرة تجميع الخبراء القانونين المتخصصين و يقوم القاضي الافتراضي بالتحاور مع الأشخاص الراغبين في الخضوع لهذا النظام ، على أن يفصل في النزاع خلال 72 ساعة .

بالإضافة الى محكمة الفضاء cyber tribunal [26] نشأت هذه المحكمة و تكونت في كندا بمركز بحوت القانون العام  centre recherches endroit public  بكلية الحقوق بجامعة ويتيريال سنة 1996  ، ووفقا لنظام هذه المحكمة تتم كافة الاجراءات الكترونيا على الموقع الشبكي للمحكمة ابتداء من طلب التسوية و مرورا بالإجراءات اللازمة لسير القضية ، و انتهاء بإصدار الحكم و قيد على الموقع الالكتروني للمحكمة.

أما على المستوى الوطني طالما عبرت الارادة الملكية على الاهتمام بالوسائل البديلة ففي خطاب للملك بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك و الشعب 20 غشت 2009 أكد جلالته على ضرورة تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة و التحكيم و الصلح لدا كان من الضروري تعديل المقتضيات القانونية المنظمة للتحكيم في قانون المسطرة المدنية القانون رقم 08:05 المتعلق بالوساطة و التحكيم  ففي ضوء الانتعاش الاقتصادي  الذي يعرفه المغرب و التطورات المتلاحقة  بات من الضروري فصل المقتضيات المنضمة للتحكيم و الوساطة عن قانون المسطرة المدنية  و بالتالي صادقت االحكومة على القانون 95:17 المتعلق بالتحكيم و الوساطة و الاتفاقية الذي أضحى ضرورة ملحة في تنفيد البرنامج التنموي للدولة “إن  توفير المناخ المناسب للاستثمار ، لا يقتضي فقط تحديث التشريعات المحفزة ، بل يقتضي أيضا توفير الضمانات القانونية و الاقتصادية ، الكفيلة بتحقيق الثقة في النظام القضائي ، و توفير الأمن الكامل للمستثمرين . ومن هنا تبرز أهمية توحيد آليات و مساطر تسوية منازعات الاستثمار ، على الصعيد الوطني و الجهوي و الدولي ، و تجاوز إشكاليات الاختصاص القضائي الوطني في هذا المجال ، عبر إقامة نظام قانوني ملائم ، يتوخى تفادي المشاكل و الحد من المنازعات ، و كذلك إنشاء هيئات متخصصة في فض هذا النوع من النزاعات ، داخل الآجال المعقولة ، و تراعي خصوصيات المنازعات المالية و التجارية ، وتتسم بالسرعة و الفعالية و المرونة”.

خاتمة :

ختاما يبدو أن آلية التحكيم حظيت بمكانة متميزة لدى الشعوب، ومرد هذا الاهتمام هو شموله لعدة خصوصيات إيجابية جعلته يتبوا مقدمة سبل فض نزاعات الأفراد، والتي تكمن في تبسيطه لإجراءات الفصل في النزاع المعروض عليه والتحرر من الشكليات المعقدة، كما أن من شأن اللجوء إلى التحكيم تحقيق التوازن بين اعتبارات احترام سلطان الإرادة وضروريات التنظيم القانوني في مجتمع معين، هذا بالإضافة إلى كونه يقوم على عنصري السرعة والتخصص. فآلية التحكيم تحظى بأهمية عامة سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، نظرا للدور الذي يلعبه في تسوية النزاعات بين الأفراد ولما يتميز به من خصائص تجعل الاهتمام به يتزايد والالتجاء إليه في استمرار دائم. ولا يخفى أيضا على أحد أهمية التنفيذ في مجال الدعوى القضائية باعتباره المرحلة الأخيرة من مراحل الدعوى القضائية حيث أن التنفيذ هو عنوان الحقيقة بالنسبة للحكم وبدونه تبقى الأحكام عديمة الأثر وتضيع حقوق الأفراد وتنعدم الفائدة من الالتجاء إلى القضاء. ونظرا لخصوصيته المستمدة من ارادة الاطراف وسرعته في حسم المنازعات ولم يعد التحكيم ذلك الطريق الاستثنائي عن القضاء بل اصبح يمثل الخيار الاول للأطراف المتنازعة , وذا كانت التشريعات  قد قطعن اشواطا كبيرة في تنظيم التحكيم التقليدي , فقد اضحى الان متجاوزا مع بروز التحكيم الإلكتروني وبالتالي لم يعد الامر خيارا بل صار حقيقة حتمية .

 

الإحالات

[1] : محمد برادة غزيول ” تقنيات الوساطة لتسوية النزاعات دون اللجوء الى القضاء “, الدار العالمية للكتاب للطباعة والنشر والتوزيع ,الطبعة الاولى سنة 2015 , ص 64 .

[2] : تتحدد مدة التحكيم  في ستة اشهر .

[3] : انظر الفصل 62  من ظهير الالتزامات والعقود والمغربي .

[4] : للمزيد من المعلومات انظر المادة 5 من القانون رقم  53-95  الخاص بإحداث المحاكم التجارية .

[5] : انظر الظهير رقم 1_ 03: 194 صادر في رجب 1424 , 11 سبتمبر 2003 , بتنفيذ القانون رقم 65_99  المتعلق بمدونة الشغل المنشور بالجريدة الرسمية , عدد 5167 بتاريخ 13 شوال 1424 , 8 ديسمبر 2003 , صفحة 3969 .

[6] : انظر مضمون الفصل 310 .

[7]  : محمد لمسلك ،ثورة المعلوميات و آليات فض المنازعات ، مجلة القانون المغربي ، العدد 12 يناير 2008، ص 130.

[8]  : خالد ممدوح إبراهيم، التحكيم الالكتروني في عقود التجارة الدولية ، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية، الطبعة الأولى ، 2008، ص 243.

[9]  : نور الدين الصبار ، النظام القانوني للعقد المبرم بالشكل الالكتروني ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، قانون الأعمال ، جامعة الحسن الأول ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ، سطات ، 2008-2009 ، ص255.

[10]  : خالد ممدوح إبراهيم ، م س ، ص 206.

[11]  : هشام البخفاوي ، التحكيم الالكتروني ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ، جامعة الحسن الأول ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية، سطات، 2012-2013،ص 41.

[12]  :يراد بالتحكيم ؛  حل النزاع من طرف هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناءا على اتفاق التحكيم

[13]  : نور الدين الصبار، النظام القانوني للعقد المبرم بالشكل الالكتروني ، م س ، ص 257.

[14] رجاء نظام حافظ بني شمسه، الإطار القانوني للتحكيم الالكتروني ، دراسة مقارنة ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص،  جامعة النجاح الوطنية ، كلية الدراسات العليا ، بابلس، 2009 ص 54.

[15]  : عيسى كتب ، الأصل التجاري الالكتروني بالمغرب، مطبعة الأمينة ، الرباط، 2017،ص 261.

[16]  : نبيل زيد سليمان ، مقابلة التحكيم الالكتروني ، مجلة الفقه و القانون ، العدد الثامن و الثلاثون، دجنبر 2015،ص 105.

[17]  : علي ملحم ، دراسة تحليلية في التحكيم الالكتروني ، مجلة جامعة البحث، المجلد 38، العدد 16، 2016 ، ص 130.

[18]  :عبد الحق كوريتي، التحكيم الالكتروني كآلية لتسوية منازعات التجارة الالكترونية ، مكتبة دار السلام، الرباط، الطبعة الأولى، 2017، ص 30.

[19]  : بوديسة كريم، التحكيم الالكتروني كوسيلة لتسوية منازعات عقود التجارة الالكترونية مذكرة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص ، جامعة مولود معمري ، كلية الحقوق و العلوم السياسية ، تيزيورو، 2011-2012 ، ص107.

[20]  : المنظمة العالمية للملكية الفكرية ( الوييو) مركز الوساطة و التحكيم 1994.

  • المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID)1966
  • غرفة التجارة الدولية باريس 1923.

[21]  : نور الدين الصبار ، م س ، ص268.

[22]  : سعد خليفة خلف الهيفي، القانون  الواجب التطبيق على التحكيم الالكتروني ، رسالة انيل شهادة الماجستر في القانون الخاص ، جامعة الشرق الأوسط، كلية الحقوق، 2012-2013، ص 12.

[23]  : – قانون التحكيم المصرب رقم (27) لسنة 1994

  • قانون التحكيم التونسي رقم (42) لسنة 1993
  • قانون التحكيم الاردني رقم (31) لسنة 2001

[24]  : Directive 2000/31/CE du parlement Européen et du conseil du 8 guin 2000 relative à certains aspects juridiques des services de la société de l’information et notamment du commerce électronique , dans le marché intérieur , j,o n l 178/1 du 17/07/2000 disponible sur le site : www.eur-lex.europa.eu/fr.

[25]  : محمد إبراهيم موسى ، التحكيم الالكتروني ، المؤتمر السنوي السادس عشر للتحكيم التجاري الدولي ، 2011، ص1572.

المعلومة القانونية

من إعداد:

*عثمان الأساس

طالب باحث بماستر العلوم الجنائية والتعاون الجنائي الدولي

*مروان الحبشي

طالب باحث بماستر المعاملات الإلكترونية

قد يعجبك ايضا