إدريس بنشطاب: المحاكمة عن بعد في ظل أزمة كورونا

مقدمة:

إن الأزمات الصحية التي يعيشها العالم الأن إثر إنتشار جائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير على مختلف القطاعات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية،وأدت إلى تعطيل العديد من المرافق والمؤسسات تفاديا لظهور وتشكيل  بؤر لهذا الفيروس والتي سيكون لها انعكاسا كبيرا من خلال إنتشاره بشكل سريع داخل المجتمع.

وعلاقة بذلك وفيما يخص مرفق العدالة الذي الذي يعمل على حماية حقوق وحريات المواطنين عن طريق إقرار مبادئ المحاكمة العادلة،ومن أجل ضمان استمراره وفق المقتضيات القانونية  والإجراءات الوقائية الاحترازية لمواجهة وتصدي هذه الجائحة في ظل هذه الفترة،فإنه لا يمكن للمرفق القضاء أن يتوقف عن العمل وخاصة في الميدان الجنائي إذ أن “الأصل في الانسان البراءة إلى أن يثبت العكس طبقا للمادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية ،فلو القي القبض على شخص للاشتباه في ارتكابه جريمة ما فإنه يعتبر بريئا عندما يبحث معه كمشتبه أمام الضابطة القضائية ،أو كطنين أمام النيابة العامة أو أمام قاضي التحقيق،أو كمتهم أمام قاضي التحقيق،أو كمتهم أمام المحكمة وحتى لو أدين ابتدائيا من أجل المنسوب إليه ،أو حتى لو تم تأييد هذا الحكم إستئنافيا فإنه يبقى بريئا طالما أن هذا الحكم لم يكتسب قوة الشئ المقضي به[1]“،ومن أجل ذلك وحماية لصحة المتقاضين وجهاز العدالة من قضاة وموظفين ومحامين والمتهمين  وعدم التنقل بين المحكمة والسجون وما يمكن أن يكون ذلك سببا في نقل عدوى هذا الفيروس أو اصابتهم به ،وخاصة في الاونة الاخيرة ظهرت العديد من البؤر داخل السجون بالمملكة لسجناء ،ولذلك عملت الدولة على البدء في إجراء محاكمة  عن بعد بواسطة محكمة رقمية .

وبناء على ذلك يمكن طرح الأسئلة التالية :

    ما المقصود بالمحكمة الرقمية  ؟ وماهي  المراحل التي تمر منها المحاكمة العادلة ؟وإلى أي حد ستساهم المحاكمة عن بعد مع مبادئ المحاكمة العادلة ؟.

وإنطلاقا من هذه الاشكالية سنتطرف في البداية (المبحث الأول) أصول ومبادئ المحاكمة العادلة وتسليط الضوء على ذلك وإثارة المتلقي ومعرفة أهم الحقوق التي يتمتع بها الشخص على طول مراحل المحاكمة العادلة أمام القضاء على أن نخصص (المبحث الثاني) المحاكمة عن بعد في ظل أزمة كورونا .

المبحث الأول :أصول ومبادئ المحاكمة العادلة

   في البداية لا بد من التطرق إلى ماهية المحاكمة العادلة (المطلب الأول)على أن نخصص (المطلب الثاني) مراحل التي تمر منها المحاكمة العادلة.

المطلب الأول: ماهية المحاكمة العادلة

   ” إن الحق في في المحاكمة العادلة هو من أهم الحقوق الأساسية للفرد،وقد وضع المشرع الدولي مجموعة من الأسس والمبادئ لضمان هذا الحق،وهي تهدف لإلى حماية حقوق الأشخاص منذ لحظة القبض عليهم،وأثناء تقديمهم إلى المحاكمة وحتى محاكمتهم والتي يجب احترامها ،لأن عدم احترامها يؤدي إلى انتهاك جل هذه الحقوق وخاصة حق الفرد في المحاكمة العادلة.

فالمحاكمة العادلة يجب أن تتضمن عدة معايير لضمانها كلها تهدف إلى حماية حقوق الأشخاص منذ لحظة القبض عليهم، وأثناء مرحلة احتجازهم، وحتى محاكمتهم إلى أخر مراحل الاستئناف والنقض.

فالإعلان العالمي لحقوق الانسان نص في المادة 10 منه على ما يلي” لكل إنسان على قدم المساواة مع الآخرين،الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظرا منصفا وعلنيا للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجه إليه”

كما تنص المادة (10/1) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على ما يلي “من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل المحكمة مختصة وحيادية منشأة بحكم القانون[2]”.

“وكرس الدستور المغربي لسنة 2011 مجموعة من المبادئ التي يجب أن تنبني عليها المحاكمة العادلة الفصول (23/119/120 ) ونجدها نصت على العديدي من الحقوق التي يتمتع بها الاشخاص أثناء محاكمتهم ،جيث جاء في الفصل 23 منه” فلا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون.الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات،ويجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت. ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من  مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون،وتعتبر قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان.

    وتماشيا مع الفصل 119 منه “فيعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا، إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي، مكتسب لقوة الشيء المقضي به”.

وانسجاما مع الفصل 120 “لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول كما أن حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم“[3]”.

المطلب الثاني: مراحل المحاكمة العادلة.

فالمحاكمة العادلة تمر بثلاث مراحل أساسية حتى ولو كانت عن بعد بواسطة الاجهزة التكنولوجية، فالمحاكمة يجب أن تتم وفق الاجراءات القانونية التي حددها القانون تحث طائلة البطلان، وقبل التطرف لمرحلة المحاكمة فمن الضروري إعطاء فكرة عن أهم المراحل التي تسبق مرحلة المحاكمة وأهم الضمانات التي يتمتع المشتبه فيه في مرحلة البحث التمهيدي أو الظنين في مرحلة التحقيق الاعدادي وأبرز هذه المراحل هي :

  المرحلة الأولى مرحلة البحث التمهيدي :

” تتم هذه المرحلة تحث إشراف ضباط الشرطة القضائية بناء على تعليمات النيابة العامة والقيام بجميع التحريات اللازمة،فعندما تقع جريمة من الجرائم فلابد من معاينتها والتثبت من وقوعها وجمع الأدلة عنها،والاستماع إلى المشبوه فيهم والمصرحين،وإنجاز الخبرات عن طريق المعمل الجنائي والشرطة العلمية،وإحالة الجثث موضوع الجرائم على المستشفى المختص لإخضاعها للتشريح لتحديد أسباب الوفاة،وتفتيش المنازل التي يمكن أن تحوي أثار الجرائم طبقا لقانون،وكل هذه الأمور وغيرها تدخل في إطار البحث التمهيدي الذي تقوم به الضابطة القضائية تحث إشراف النيابة العامة .

ويتمتع المشتبه فيه بمجموعة من الحقوق في هذه المرحلة هي :

1/ من حيث استدعاؤه يجب أن يستدعى بصفة قانونية وأن يعامل كشخص برئ إالى أن تتبث إدانته بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به من طرف المحكمة.

2/ من حيث مؤازرة المشبوه من طرف محام أمام الضابطة القضائية والموضوع تحث الحراسة النظرية فمن حقه في حالة تمديدها الاتصال بمحام كما يحق للمحامي المنصب الاتصال به.

3/ من حيث إشعار العائلة بوضع المشبوه فيه تحت الحراسة النظرية

4/ من حيث إحضار المشبوه فيه أمام النيابة العامة عند المطالبة بتمديد مدة الحراسة النظرية،ففي حالة التلبس يصدر وكيل الملك أو الوكيل العام للملك أو نائبيها حسب الاختصاص كل واحد منهما الإذن الكتابي دون حاجة إلى إحضار المشبوه فيه أمامه بشرط وجود أدلة متناسقة وخطيرة ضد المشبوه فيه

     أما في الحالة العادية يحب تقديم المشبوه فيه أمام النيابة العامة قبل انتهاء مدة الحراسة النظرية للاستماع عليه وبعد ذلك يقرر منح الإذن الكتابي بتمديد مدة الحراسة النظرية من عدمه.

5/ من حيث تفتيش منزل المشبوه فيه واحترام حقوقه وجميع الاجراءات التفتيش.

وبعد الافراغ من إنجاز المحضر بشروطه وشكلياته يوجه ضابط الشرطة القضائية أصله من نسختين منه مشهود بمطابقتهما للأصل إلى الوكيل العام للملك إذا تعلق الأمر بجنايات أو بجنايات وجنح مرتبطة بها أو جنح يختص بها وإلى وكيل الملك إذا تعلق الأمر بجنح ومخالفات.

   كما يتمتع الظنين في هذه المرحلة بمجموعة من الحقوق طبقا للقانون تتمثل فيما يلي :

1/ من حقه أن يكون مؤازرا من طرف محام

2/ من حقه المثول أمام المحكمة في حالة سراح مقابل ضمانة مالية يحددها ممثل النيابة العامة أو ضمانة شخصية

3/ من حقه أن يحال تلقائيا أو بناء على طلبه على خبرة طبية.

المرحلة الثانية التحقيق الإعدادي :

    يعتبر مرحلة وسطى في إطار المحاكمة العادلة،تأتي بين مرحلتي البحث التمهيدي والمحاكمة،يقوم بها قاضي التحقيق للتأكد مما نسب إلى الظنيين،ومن التوفر الشروط المنصوص عليها في القانون للمتابعة وإجراءات التحقيق الإعدادي تتميز عن البحث التمهيدي بالصفة القضائية لأن القائم بها يعتبر من السلطة القضائية،ولأهمية التحقيق الإعدادي يمكن القول بأنه لا وصول للعدل بغير حق،وتحقيق للحق بدون حقيقة،ولا حقيقة بدون تحقيق.

 ومن أهم الحقوق التي يتمتع بها الظنيين أمام قاضي التحقيق هي :

1/ حريته في عدم الادلاء بأي تصريح عند مثوله أمام قاضي التحقيق لأول مرة

2/ إشعار الطنين بأن له الحق في اختيار محام

3/ أحقية الظنين في الاتصال بمحاميه بكل حرية

4/ عدم جواز استنطاق الظنين في غيبة محاميه ما لم يتنازل عن هذا الحق،أو بعد استدعاء دفاعه بصفة قانونية

5/ أحقية الطنين في الخضوع لفحص بناء على طلبه أو طلب دفاعه

6/ أحقية الظنين في أن يوضع ملف التحقيق رهن إشارة محاميه [4].

“فالتحقيق يكون إلزاميا طبقا للمادة 83 من قانون المسطرة الجنائية:

1) في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو التي يصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة؛

2) في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث؛

3) في الجنح بنص خاص في القانون.

ويكون اختيارياً فيما عدا ذلك من الجنايات وفي الجنح المرتكبة من طرف الأحداث، وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات أو أكثر.

وبعد الانتهاء من التحقيق تبين لقاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية أن الأفعال تكون مخالفة، أحال الملف على النيابة العامة  طبقا للمادة 217 ق.م.ج وأمر بوضع حد للوضع تحت المراقبة القضائية وبالإفراج عن المتهم المعتقل ما لم يكن معتقلا لسبب آخر.

وإذا تعلق الأمر بجنحة، أصدر قاضي التحقيق أمراً بإحالة المتهم على المحكمة المختصة.

أما إذا كان الأمر جناية، صرح قاضي التحقيق بعدم اختصاصه وأحال الملف على النيابة العامة .

وفي حالة إذا تبين لقاضي التحقيق حسب المادة 218 من ق.م.ج لدى محكمة الاستئناف أن الأفعال تكون جناية، أصدر أمرا بإحالة المتهم على غرفة الجنايات[5]”.

المرحلة الثالثة مرحلة المحاكمة :

في هذه المرحلة سأقتصر فقط فيما يتعلق بالإجراءات الجلسة وصدور الحكم التي يجب أن تتم وفق للقانون تحث طائلة البطلان،وتم التنصيص عليها من طرف المشرع المغربي في القسم الثالث  من الكتاب الثاني بشأن عقد الجلسات وصدور الأحكام من قانون المسطرة الجنائية .

” فمرحلة المحاكمة هي المرحلة الختامية للدعوى،وتعتبر من أهم مراحلها على الإطلاق إذ من خلالها يتقرر مصير المتهم سواء بالبراءة أو الإدانة،وتأتي هذه المرحلة بعد صدور قرار الإتهام وإحالة القضية إلى الجهة المختصة بالحكم وبذلك تخرج من سلطة قضاء التحقيق إلى يد قضاء الحكم،وفي هذه المرحلة يتم تمحيص الأدلة ثم يصدر الحكم بذلك بإدانة المتهم أو براءته[6]”.

“وتعقد المحاكم المختصة في قضايا الجنح والمخالفات جلساتها بقاضي منفرد وبحضور ممثل النيابة العامة ومساعدة كاتب، وتنعقد غرفة الجنايات الابتدائية وهي مشكلة من رئيس الجلسة والمستشارين وبحضور كاتب الضبط وممثل النيابة العامة،أما غرفة الجنايات الاستئنافية فتعقد جلساتها وهي مكونة من هيئة مشكلة من رئيس غرفة وأربعة مستشارين بحضور ممثل النيابة العامة وكاتب الضبط تحث طائلة البطلان .

يعلن الرئيس عن افتتاح الجلسة ويأمر بإحضار المتهم في حالة اعتقال ،أو حضوره في حالة سراح،ويتأكد من حضور محامي المتهم وفي حالة تغيبه يعين تلقائيا من يقوم مقامه،والطرف المدني ودفاعه .

يطلب الرئيس من المتهم الادلاء باسميه العائلي والشخصي وبسنه ومحل سكناه ومكان ولادته وسوابقه ،ينادي على الشهود ويحتفظ ببطاقتهم الوطنية ويأمر الرئيس بالانسحاب الشهود إلى القاعة المعدة لهم ولا يغادرونها إلا بعد أداء شهادتهم،ثم يتولى استنطاق المتهمين بعد تقديم الدفوع الشكلية ثم تطرح الاسئلة من طرف ممثل النيابة العامة على المتهم بعد ذلك دفاع الطرف المدني ثم دفاع المتهم،ويتم الاستماع بعد ذلك للشهود فرادى بعد استنطاق المتهم.

بعد انتهاء بحث القضية تستمع المحكمة إلى الطرف المدني أو محاميه ثم تقدم النيابة العامة ملتمساتها،ويعرض المتهم أو محاميه وسائل الدفاع ثم يسمح بالتعقيب للطرف المدني وللنيابة العامة وتكون الكلمة دائما الاخيرة للمتهم ومحاميه ويعلن الرئيس عن انتهاء المناقشات بعد أمر إخراج المتهمين ويعلن الجلسة للتأمل في القضاء الفردي والمداولات في القضاء الجماعي [7].

المبحث الثاني : المحاكمة عن بعد في ظل أزمة كورونا

   سنعمل على تحديد مفهوم المحكمة الإلكترونية (المطلب الأول) على أن نخصص (المطلب الثاني) المحاكمة عن بعد .

المطلب الأول : مفهوم المحكمة الإلكترونية

    انسجاما مع الظرفية الحالية التي يعيشها المغرب إثر انتشار جائحة كورونا أضحت الضرورة الملحة لمسايرة الوضع الحالي وعدم التوقف المحكمة على إجراء المحاكمات ومن أجل إتخاد التدابير الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا وعدم انتشاره و حماية حقوق المتقاضين واحتراما لقرينة البراءة وخاصة إثر ظهور بؤر هذا الفيروس بمجموعة من السجون بالمملكة وما يمكن يؤذي ذلك إلى تفشي هذا الوباء عن طريق الانتقال للمحاكمة بين المحكمة والسجن،ومن أجل ذلك ،تم العمل على إجراء المحاكمة عن بعد بواسطة الاجهزة الالكترونية كتدبير احترازي لتصدي هذه الجائحة .

“فالمحكمة الالكترونية هي حيز تقني معلوماتي ثنائي الوجود،يسمح ببرمجة الدعوى الالكترونية ،ويتألف من شبكة الربط الدولية إضافة إلى مبنى المحكمة ،بحيث يتيح الظهور المكاني الإلكتروني لوحدات قضائية وإدارية،ويباشر من خلاله مجموعة من  القضاة مهمة النظر في الدعوى والفصل فيها بموجب تشريعات تخولهم مباشرة الإجراءات القضائية مع اعتماد آليات تقنية فائقة الحداثة لتدوين الإجراءات القضائية وحفظ وتداول ملفات الدعوى [8]”.

” وتعمل الأجهزة القضائية الالكترونية على استقبال العرائض والطلبات القضائية،وتوفير متجدد للمعلومات حول مستجدات الدعاوى والأحكام الصادرة بشأنها فيكون هناك تواصل بين المحامين والمحكمة وبينها وبين المتقاضين،كما تمكن هذه المحكمة الالكترونية المتقاضين من المرافعة وتحضير الشهود وحضور الجلسات حضورا الكترونيا.

ويجب أن تكون قاعة المحاكمة مجهزة بحاسوب رئيسي يتم إظهار فيه ملف الدعوى،والإجراء المراد اتخاذه في شأن الملف،كما تكون هناك أجهزة حاسوب موزعة في عدة أماكن من المحكمة ترتبط مع حاسوب القاضي (الحاسوب الرئيسي) والذي بواسطته يقوم بالاضطلاع على ملف الدعوى وتدوين الاجراء المتخذ بشأنه بالتسجيل المرئي ويظهر ملف الدعوى ببرنامجه أمام كل الحاضرين على الجهاز الرئيسي وكدا الاجهزة الموزعة وأيضا للحاضرين الكترونيا خارج مبنى المحكمة .

كما تجهز قاعة الجلسات بكاميرا توضع في مكان مثالي من قاعة المحاكمة لنقل الصورة على مرحلتين

المرحلة الأول:تصوير قاعة المحاكمة بما فيها ليتم نقل هذه الصورة على الصفحة الرئيسية لموقع المحكمة (على الانترنيت)،بحيث يتمكن كل من له علاقة بالدعوى أو أي مواطن الدخول للقاعة عبر الانترنيت وحضور جلسات المحاكمة طبقا لمبدأ علنية المحاكمات .

والمرحلة الثانية : يتم فيها عرض ملف الدعوى وذلك بالضغط على جزئية علنية المحاكمة الموجودة على الموقع الرئيسي للمحكمة وفي حالة أن قرر القاضي أن تكون الجلسة مغلقة يتم توقيف التصوير وتشغيله بعد ذلك[9]”.

” مما لا يجعل مجالا للشك أن الالتحاق بركب المحكمة الرقمية أضحى ضرورة ملحة وليس خيارا إستراتيجيا الغاية منه تطوير العدالة بل نقطة فاصلة بين مفهوم المحاكمة الكلاسيكية والمحاكمة عن بعد أو ما قد يطلق عليها ب “المحاكمة الرقمية” التي ستمكن مرتفقي القضاء عن كواصلة دعاويهم القضائية دون تواجدهم المادي بمرفق المحكمة لا مجرد الاطلاع الإلكتروني على مألاتها .

كما أن هذا النوع الجديد من التقاضي الحديث سيسهل لا محا له من تخفيف العبء على المحاكم بأقل التكاليف المرصودة مؤادها مأسسة القضاء الرقمي[10]”.

المطلب الثاني : المحاكمة عن بعد

فالمحاكمة عن بعد يجب أن تحترم جميع المقتضيات القانونية والإجراءات المنصوص عليها من طرف المشرع المغربي،والتي تطرقت إليها في المحور الأول أعلاه، وخاصة مرحلة المحاكمة التي تعتبر من أهم مراحل المحاكمة العادلة والحاسمة في الموضوع المحاكمة إما بإدانة المتهم أو الحكم ببراءته، ولذلك يجب أن تمر المحاكمة بجو من الشفافية والموضوعية بحضور المتهم واستنطاقه والاستماع إلى الشهود وملتمسات النيابة العامة ودفاع الطرف المدني ودفاع المتهم لنكون أمام محاكمة عادلة عن بعد .

      “تعزيزا لجهود تقريب الخدمات القضائية من المتقاضين في إطار التدابير الوطنية المتخذة لمواجهة وباء كورونا المستجد ، أشرف السيد وزير العدل الأستاذ محمد بنعبد القادر والسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الأستاذ مصطفى فارس و السيد رئيس النيابة العامة الأستاذ امحمد عبد النباوي صباح يوم الاثنين 27 أبريل 2020 بمقر المحكمة الابتدائية بسلا على مراسم الإطلاق الرسمي لعملية التقاضي عن بعد كنظام يستخدم تكنولوجيا التواصل بين المؤسسات السجنية والسادة القضاة والمحامين في مختلف محاكم المملكة، نظام يحترم شروط المحاكمة العادلة ويضمن سلامة مختلف الأطراف المعنية بالمحاكمة ويساهم في ضمان السير العادي لعدد من القضايا المعروضة على أنظار القضاء[11].”

“وبالموازاة مع ذلك تم إعداد وزارة العدل مشروع يتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية التي من خلاله يتم العمل على التقاضي عن بعد والقيام بجميع الإجراءات القانونية إلكترونيا، وتتولى منصة الإلكترونية رسمية للتقاضي بعد تأمين عملية التبادل اللامادي لإجراءات بين المحامين ومحاكم المملكة،بما يضمن موثوقية المعطيات المضمنة،وسلامة الوثائق وأمن وسرية التبادلات الإلكترونية وغيرها،هذا المشروع اعتبر المقالات والمذكرات والمرفقات وكافة الإجراءات الأخرى المحررة على دعامة إلكترونية،المجلى بها أو المتوصل بها عبر الوسائط الإلكترونية،صحيحة ولها نفس الحجية التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على دعامة ورقية.

وتتضمن بالمنصة الإلكترونية الحسابات الإلكترونية المهنية للمحامين والمفوضين القضائيين والخبراء،والعناوين الإلكترونية الرسمية للإدارات العمومية وللأطراف الراغبين في ذلك،ليتم اعتمادها في التبليغ الإلكتروني،كما يمكن أن يقدم الطرف الذي يرغب في استخدام التبليغ الإلكتروني تصريحا بالمنصة الإلكترونية يتضمن عنوانه الإلكتروني الرسمي.

ويثبت كاتب الضبط منطوق الحكم في محضر الجلسة وفي سجلها وفي النظام المعلوماتي المعد لهذه الغاية،ويشار إلى تاريخ صدوره في السجل،ويوقع محضر الجلسة وسجلها بعد كل جلسة يدويا أو إلكترونيا من طرف رئيسها وكاتب الضبط[12].

” وفي هذا الإطار نص صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في الرسالة التي وجهها إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤثمرالدولي للعدالة بمراكش تحث شعار“العدالة والاستثمار التحديات والرهانات “ يوم 21 أكتوبر 2019 وجاء في  السياق، ندعو لاستثمار ما توفره الوسائل التكنولوجية الحديثة من إمكانيات لنشر المعلومة القانونية والقضائية، وتبني خيار تعزيز وتعميم لامادية الإجراءات والمساطر القانونية والقضائية، والتقاضي عن بعد، باعتبارها وسائل فعالة تسهم في تحقيق السرعة والنجاعة،وذلك انسجاما مع متطلبات منازعات المال والأعمال، مع الحرص على تقعيدها قانونيا، وانخراط كل مكونات منظومة العدالة في ورش التحول الرقمي[13].

” كما جاء في بلاغ عن رئيس النيابة العامة الذي أعلن من خلاله أنه يتعين على عموم المتقاضين أمام النيابة العامة توجيه شكاياتهم للنيابة المختصة بواسطة الفاكس،أو بواسطة البريد الالكتروني الخاص بالنيابات العامة المعنية،والمعلن عنها محليا وكذلك على صفحة الموقع الالكتروني لرئاسة النيابة العامة (www.presidenceministerpublic.com) كما تم وضع خطوط هاتفية للجميع النيابات للحصول على المعلومات والإرشادات في حالة الاستعجال،أو للتبليغ عن الجرائم .

كما يشعر السادة المحامين وعموم المتقاضين أن خطوط هاتفية قد تم وضعها بجميع النيابات العامة لتمكينهم من طلب المعلومات أو الحصول على إرشادات في الحالات المستعجلة أوللتبليغ عن الجرائم،كما تم تسهيل  تخابر المعتقلين مع دفاعهم لتجهيز المكالمات عن بعد خلال فترة الحجر الصحي[14]”.

فلكي  تكون المحاكمة عن بعد ناجحة يجب على الدولة العمل على تجهيز قاعات الجلسات بالمحاكم والمؤسسات السجنية بأحدث التجهيزات الالكترونية والعمل على خلق موارد وأطر بشرية تتلاءم مع التخصصات المعلوماتية التكنولوجية لضمان إستمرارية الجلسة إلكترونيا وعدم توقفها ،فالمحاكم تفتقد لهذه الأطر وهذا ما سينعكس سلبا على إجراء المحاكمة ،فالتقاضي الالكتروني سيعود بالنفع على جميع المهن المساعدة للقضاء والسرعة البث في الجلسات وتقديم الاجراءات والمقالات إلكترونيا والاحتفاظ بها في مأمن من الضياع عكس الطريقة التقليدية المكتوبة ورقيا ،كما ستساهم في تخفيض تكاليف المصاريف التنقل السجناء بين المحاكم والسجون للمحاكمة،إضافة إلى العديد من المميزات التي ستعود بالنفع على مرفق العدالة والسير نحو التحديث والرقمنة ،أما فيما يتعلق بمبدأ علنية الجلسات فيمكن إدراجه ضمن النظام العام وخاصة في الفترة التي يعيشها المغرب الآن جراء انتشار جائحة كورونا التي تهدد حياة المواطنين عن طريق انتقاله بين الأشخاص وهذا ما جعل مرفق العدالة العمل على إجراء المحاكمات عن بعد بواسطة الأجهزة الالكترونية كتدبير لتصدي هذه الجائحة .

 

خاتمة :

   مما لا شك فيه انتقال مرفق العدالة من إجراء المحاكمة عن قرب إلى المحاكمة عن بعد، الذي جاء في سياق فترة التي يعيشها المغرب الآن من انتشار جائحة كورونا، هذه الخطوة تشكل إحدى الآليات الرئيسية لمواكبة ورش إصلاح و النهوض بالمرفق العدالة عن طريق التحديث وتقنية الرقمنة ،التي ستعزز هذا المرفق والانتقال من الطريقة التقليدية للمحاكمة إلى الطريقة الالكترونية التي تختصر الكثير من الاجراءات لا من حيث نقل السجناء بين المحكمة والسجن للمحاكمة ،والسرعة البث في الجلسات والاحتفاظ بجميع الاجراءات إلكترونيا ولكن في إطار إحترام مبادئ وضمانات المحاكمة العادلة التي يمر منها المتهم في جميع المراحل، مع انتظار المصادقة على مشروع قانون يتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية وملائمته لمنظومة العدالة حماية لحقوق الانسان وهو الحق في التقاضي وفق القانون .

 

 

 

بيبليوغرافي :

 

[1]- د/أحمد أبو العلاء”دليل قانون المسطرة الجنائية المغربي من خلال الأسئلة والأجوبة”الطبعة الثانية مطبعة الهداية تطوان 2016(ص4).

[2]- د/ فريجه محمد هشام “ضمانات الحق في محاكمة عادلة في المواثيق الدولية لحقوق الأنسان”منشورات مجلة الفكر العدد العاشر (ص428/429).

[3]- أنظر الفصول 23/119/120 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 الصادر بتنفيذ الظهير رقم 91.11.1 مؤرخ في 27 شعبان 1432 (29 يوليوز 2001)منشور بالجريدة الرسمية عدد 5964.

[4]- د/أحمد أبو العلاء”دليل قانون المسطرة الجنائية المغربي من خلال الأسئلة والأجوبة”مرجع سابق (ص45/64//68/76/84).

[5]-أنظر الفصول (83/217/218) من ظهير شريف رقم 1.02.255 في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2020)بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية منشور بالجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 72 ذي القعدة 1423 (30يناير 2003).

[6]-عمر خلفي “ضمانات المتهم في مرحلة المحاكمة ” رسالة لنيل شهادة الماستر في الحقوق تخصص قانون جنائي جامعة محمد خيضر- بسكرة كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم الحقوق (ص21).

[7]- القسم الثالث  من الكتاب الثاني بشأن عقد الجلسات وصدور الأحكام من قانون القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية م.س.

[8]- د/ صفاء أوتاني ” المحكمة الإلكترونية (المفهوم والتطبيق )مجلة جامعة دمشق للعلوم الإقتصادية والقانونية –المجلد 28 العدد الأول 2012 (ص170).

[9]- د/ عصماني ليلى ” نظام التقاضي الالكتروني ألية لإنجاح  الخطط التنموية  مجلة الفكر العدد العاشر (ص218/219).

[10]- د/ شريف الغيام” الحاجة إلى التقاضي عن بعد في زمن الجائحة وسؤال المحكمة الرقمية” منشورات مجلة الباحث العدد 18 مايو 2020 (ص118).

[11]- أنظر الموقع الالكتروني لوزارة العدل https://www.justice.gov.ma   أضطلع عليه بتاريخ 2020/05/12على الساعة 01.20 .

[12]- مشروع يتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية منشور على الموقع الالكتروني لوزارة العدل https://www.justice.gov.ma اضطلع عليه بتاريخ 2020/05/13 على الساعة 00.40.

[13]- مقتطف من نص الرسالة التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤثمرالدولي للعدالة بمراكش تحث شعار”العدالة والاستثمار التحديات والرهانات ” يوم 21 أكتوبر2019.

[14]- بلاغ منشور بالموقع الرسمي لرئاسة النيابة العامة www.presidenceministerpublic.com أضطلع عليه بتاريخ 2020/05/13 على الساعة 02.03.

 

 المعلومة القانونية

*إدريس بنشطاب

باحث في العلوم القانونية

خريج ماستر المهن القانونية والقضائية بتطوان

قد يعجبك ايضا