مظاهر إعمال ضابط المصلحة المرسلة للحد من تفشي جائحة كورونا في التجربة المغربية

يشهد العالم ومنه الأمة الإسلامية انتشارا واسعا  لوباء لا قبل للناس به مند أمد بعيد،أطلق عليه العلماء تسمية فيروس كورونا المستجد،والذي أدى إلى تعطيل مصالح الناس والتي تقتضيها ضروريات الحياة من عمل وتنقل،ولم يكن تأثير هذا الوباء حبيس هذه الحدود  بل أسفر عن موت كثير من الناس في مناطق مختلفة من العالم وانهارت بسببه  المنظومة الصحية لأرقى الدول تقدما.

ومادام الأمر يتعلق بحياة الناس فلا مناص من الرجوع إلى شريعتنا الغراء باعتبارها منهاج كل مسلم في أمور الدنيا و الدين ،وذلك لاستنباط الحلول التي تحتضنها لحفظ الأنفس ووقايتها من الهلاك.

ومن هذا المنطق تأتي أهمية توظيف بعض أصول فقه الشريعة الإسلامية لاستنباط الأحكام الشرعية لكل ما يصدر عن الناس من أقوال و أفعال في أمور دينهم ودنياهم.

ومن هذه الأصول ضابط المصلحة المرسلة  والتي عرفها الفقهاء بكونها ذلك الوصف الذي يلائم تصرف الشرع و مقاصده،ولكن لم يشهد له دليل معين من الشرع بالاعتبار أو بالإلغاء، ويحصل من ربط الحكم به جلب مصلحة أو دفع مفسدة عن الناس.

وبمفهوم أكثر يسرا وتوضيحا  فان الحكم الشرعي لأمور الناس من أفعال و أقوال  يدور  حيث ما كانت مصلحتهم مادامت لا تتعارض مع الشرع،فإذا كانت مصلحة الناس في الخروج لقضاء أغراضهم الدينية و الدنيوية من شانه الإضرار بحياتهم لتفشي الوباء أو الجائحة فإن إعمال المصلحة المرسلة يسفر على ضرورة لزومهم البيوت لاتقاء هذا الخطر و الامتثال لحالة الطوارئ الصحية التي أعلنتها الجهات المختصة.

وقد تعددت مظاهر إعمال هذه المصلحة المرسلة  في الحالة المغربية  بين ما هو حكومي  و ما هو مؤسساتي،فأما على المستوى الحكومي نذكر بمرسوم إعلان حالة الطوارئ الصحية لمواجهة تفشي وباء كورونا المستجد  حيث جاء في المادة الأولى منه ما يلي :

“يعلن عن حالة الطوارئ الصحية بأي جهة أو عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر أو بمجموع أرجاء التراب الوطني عند الاقتضاء،كلما كانت حياة الأشخاص و سلامتهم مهددة من جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية و اقتضت الضرورة اتخاذ تدابير استعجالية لحمايتهم من هذه الأمراض والحد من انتشارها تفاديا للأخطار التي يمكن أن تنتج عنها.”

ومن التدابير التي تفرضها هذه الحالة عدم مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم مع اتخاذ الاحتياطات الوقائية  اللازمة طبقا لتوجيهات السلطات الصحية ومنع تجمعات الأشخاص وإغلاق المحلات التجارية و غيرها من المؤسسات الموجه خدماتها للعموم.

أما على المستوى المؤسساتي فيكفي التذكير بما صدر عن المجلس العلمي الأعلى من فتاوى مراعاة لمصلحة الناس ومن ذلك  ضرورة الإغلاق المؤقت للمساجد في الصلوات الخمس وصلاة الجمعة مع الإبقاء على رفع الأذان.

وطمأنة الناس بان هذا الإجراء لن يستمر و ستعود الأمور إلى نصابها بإقامة الصلاة في المساجد بمجرد قرار السلطات المختصة بعودة الحالة الصحية إلى وضعها الطبيعي.

وتحقيقا لنفس الغاية المتمثلة في حفظ حياة الناس من التهلكة اصدر ذات المجلس بيانا بخصوص ممارسة الشعائر الدينية خلال شهر رمضاء المبارك مذكرا بأن الحفاظ على الحياة من جميع المهالك –ومنها خطر العدوى بسبب الوباء- مقدم شرعا على ما عداه  من الأعمال بما فيها الاجتماع للنوافل و سنن العبادات.

وقد اخذ سادتنا المالكية –باعتباره مذهب أهل المغرب- بضابط المصلحة المرسلة في مراعاة أحوال الناس و كان من جملة حججهم أن الحياة في تطور مستمر،ومصالح الناس تتجدد و تتغير في كل زمان فلو لم تشرع الأحكام المناسبة لتلك المصالح، لوقع الناس في حرج، و تعطلت مصالحهم في مختلف الأزمنة و الأمكنة ووقف التشريع عن مسايرة الزمن و مراعاة المصالح و التطورات وهذا مصادم لمقصد التشريع في مراعاة مصالح الناس و تحقيقها.

ومن شروط إعمال هذه المصلحة لذيهم –المالكية- أن تكون ملائمة لمقاصد الشارع آي ألا تنافي أصلا من أصوله ولا تعارض نصا أو دليلا من أدلته القطعية،بل تكون متفقة مع المصالح التي قصد الشارع إلى تحصيلها.

ومن تم فان التدابير  الصحية التي اتخذتها السلطات الحكومية والمؤسساتية المختصة الرامية إلى الحيلولة دون تفشي وباء كورونا المستجد بين الناس المشار إليها سلفا تنصب في إطار إعمال المصلحة المرسلة في حفظ النفس باعتباره من الضروريات الخمس التي ترعاها الشريعة الإسلامية وكذا التشريعات الوضعية ،إذ جاء في باب الحريات و الحقوق الأساسية من دستور المملكة المغربية أن الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان.

المعلومة القانونية

*ذ.بحسيس مصطفى

مفوض قضائي

باحث في العلوم القانونية

قد يعجبك ايضا