قراءة حول القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية
مقدمة:
في ظل التطور التكنلوجي الهائل والمتسارع والصحوة المعلوماتية التي يعرفها العالم في وقتنا الراهن، عرفت المجتمعات تغييرات مهمة بكافة نواحيه العلمية والعملية، وانعكس ذلك على جل الميادين، وبهذه التغييرات انتهى عصر الأوراق والدفاتر وأصبح كل إنسان يحمل رقما يعرف به ويميزه عن الأخرين، ويمكنه بمجرد أن يضع يده على شاشة الحاسوب أن يتصل بالأخرين في أقصى البلاد، ويطلب ما يشاء من الخدمات، وهو ما يسمح به عالم الاتصالات الحديثة، فمن الهاتف القار إلى الهاتف النقال، ومن الجريدة والصحيفة إلى الراديو والتلفزة، ثم إلى الحاسب الآلي، وتقنية المعلومات لم تقتصر فقط على ظهور الحاسب الآلي بل صاحبتها ظهور شبكة عالمية للمعلومات “الإنترنيت”.
وفي هذا العصر الرقمي الذي انتشر فيه الإنترنيت انتشارا هائلا شاع مصطلح التجارة الإلكترونية التي تتيح العديد من المزايا، فقد أصبح من الممكن لرجال الأعمال تجنب مشقة السفر والانتقال من بلد إلى أخر للقاء شركائهم وعملائهم، وأصبح بمقدورهم توفير الوقت والمال من أجل الترويج للمنتجات والخدمات، كما أصبح في متناول المستهلك الحصول على ما يريده دون التنقل أو استخدام النقود التقليدية، وكل ما يحتاجه المستهلك هو جهاز كومبيوتر وبرنامج مستعرض للإنترنيت ”browser ” واشتراك بشبكة الإنترنيت، وهو على يقين بأن كل التعاملات التي يقوم بها من خلال هذه الشبكة توجد مؤسسات وطنية تسهر على تأمينها[1]، وهو الشيء الذي يبعث الثقة والطمأنينة لمن يلج هذا المجال من أطراف المجتمع.
ومع هذا التطور فقد أضحت القواعد القانونية التقليدية عاجزة عن مجاراة واحتواء التطورات السريعة التي أحدثها التعامل عبر شبكة الإنترنيت في إطار التجارة الالكترونية، لذا أصبح من الضروري إيجاد نظام قانوني يتلاءم وطبيعة الإنترنيت، والمعاملات والعقود التي تتم من خلالها على المستوى الوطني، كما أنها بحاجة إلى قواعد تحقق لها نوعا من التنسيق والتلاؤم فيما بينها وبين المؤسسات التي تأمن التعاملات الإلكترونية.
كما أنه لا يخفى علينا أن مجال التعاملات الإلكترونية هو مرحلة جديدة على رجال القانون، وأن القوانين الحالية ليست كافية لمواجهة هذا الوليد الجديد، وإزاء هذا الوضع كان لزاما على المشرع المغربي إصدار قوانين جديدة تتلاءم والتطورات التي أفرزتها الثورة الرقمية.
وهو ما حداه المشرع المغربي بمقتضى ترسانة تشريعية كالقانون 53.05[2] المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، الذي سعى المشرع من خلال هذا القانون إلى تهيئة بيئة قانونية تناسب التطور المذهل في مجال المعاملات الإلكترونية، ووضع اللبنة الأساسية للتبادل الإلكتروني ومعادلة الوثائق المحررة على الورق وتلك المعدة على دعامة إلكترونية، تشفير البيانات، كيفية إبرام العقود الإلكترونية وكذا التوقيع الإلكتروني.
وبالرجوع إلى مقتضيات هذا القانون نجده لم يعرف المعاملات الإلكترونية، في حين عرفها المشرع الأردني بأنها المعاملات التي تنفذ بوسائل إلكترونية[3]، وقد عرفها كذلك بعض الفقه بأنها كل تعامل يتم باستخدام وسيط إلكتروني، أيا كانت أطرافه بين أفراد أو جهات حكومية أو غير حكومية أو بين دول أو مؤسسات دولية أو البعض من هذه الجهات، في حين حدد المشرع المغربي نطاق تطبيق هذا القانون حسب مادته الأولى[4]:
- تبادل المعطيات إلكترونيا، وبالتالي إرساء مفهوم جديد للمحرر الكتابي.
- المعادلة بين المحررات الورقية والوثائق المثبتة على الدعامة الإلكترونية.
- التوقيع الإلكتروني، والتشفير.
- الإطار القانوني لخدمات المصادقة الإلكترونية.
ويتضمن القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية 43 مادة، قسمت إلى باب تمهيدي وقسمين، القسم الأول بعنوان صحة المحررات المعدة بشكل إلكتروني أو الموجهة بطريقة إلكترونية، والقسم الثاني سماه النظام القانوني المطبق على التوقيع الإلكتروني المؤمن والتشفير والمصادقة الإلكترونية.
وبمحاولة منا للإحاطة بهذا القانون ومقاربته من شتى جوانبه يتبادر إلينا إشكالية في غاية الأهمية وهي: إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، مواكبة المعاملات المبرمة بشكل إلكتروني؟.
وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات:
ما المقتضيات التي خص بها المشرع المغربي القانون 53.05؟ هل استطاع المشرع المغربي تنظيم المعاملات المبرمة إلكترونيا من خلال القانون 53.05 باعتباره المرجع العام لهذه التعاملات؟ وهل وفق المشرع المغربي في وضع مقتضيات هذا القانون؟
للإلمام بجميع جوانب هذا الموضوع سنعمد إلى التصميم التالي:
المبحث الأول: الإطار العام للقانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية
المبحث الثاني: دراسة تحليلية للقانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية
المبحث الأول: الإطار العام للقانون 53.05
إن العقود الإلكترونية أصبحت ظاهرة من ظواهر التجارة بشكل عام محلية كانت أو دولية، حيث تختلف هذه العقود عن العقود التقليدية في عدة خصائص، كما أنه تتضمن أحكام خاصة ناتجة عن طبيعتها، كونها تبرم في بيئة إلكترونية، لذلك وجب الوقوف على أحكام العقد المبرم بشكل إلكتروني (المطلب الأول)، ونتطرق إلى المصادقة على التوقيع الإلكتروني ونظام التشفير كوسيلة لحماية محتوى العقود الإلكترونية في (المطلب الثاني).
المطلب الأول: أحكام العقد المبرم بشكل إلكتروني في ضوء القانون 53.05
سنتطرق في هذا المطلب إلى إبرام العقد بشكل إلكتروني (الفقرة الأولى)، على اعتبار أننا سنخصص (الفقرة الثانية)، للحديث على الإثبات في العقود المبرمة بشكل إلكتروني.
الفقرة الأولى: إبرام عقد بشكل إلكتروني
بالرجوع إلى مقتضيات القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية يتضح أن المشرع المغربي لم يعرف العقد المبرم بشكل إلكتروني، وإن كان قد حدد النظام المطبق على التبادل الإلكتروني للمعطيات، وبالمقارنة مع بعض التشريعات الأخرى نجد أن المشرع الأردني قد عرفه بأنه ” نقل المعلومات إلكترونيا من شخص إلى آخر باستخدام نظم معالجة المعلومات”[5]، وعرفه قانون التجارة الإلكترونية المصري كونه “كل عقد تصدر منه إرادة أحد الطرفين أوكليهما، أو يتم التفاوض بشأنه أو تبادل وثائقه كليا أو جزئيا عبر وسيط إلكتروني”[6].
عموما يمكن تعريف العقد المبرم بشكل إلكتروني أنه التقاء إيجاب صادر من الموجب بشأن عرض مطروح بطريقة إلكترونية سمعية أو مرئية أو كليهما، على شبكة الاتصالات والمعلومات بقبول مطابق صادر من الطرف القابل بذات الطرق، بهدف تحقيق عملية أو صفقة معينة يرغب الطرفان في إنجازها.
والتعاقد الإلكتروني يتم بالإيجاب الإلكتروني والقبول في صيغ وكيفيات محددة واقترانهما، والمشرع المغربي قد حدد ثلاث صور للإجاب الإلكتروني ضمن قانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، وتتعلق الأولى بالحالة التي يرغب فيها المتعاقد في إبرام عقد من العقود، حيث يمكنه اعتماد كافة الوسائل الإلكترونية للقيام بذلك، وتتمثل الحالة الثانية في التعبير عن الإرادة في حال رغب الموجب في إبرام عقد من العقود، أما الصورة الثالثة والأخيرة فتتحقق في الإيجاب الذي يكون موضوعه معلومات أثناء تنفيذ العقد[7].
وللاعتداد بالإيجاب الإلكتروني كتعبير نهائي عن الإرادة، يجب أن تتوافر فيه شروط معينة حتى لا يتم الخلط بينه وبين مجرد الدعوة إلى التعاقد، ويمكن تحديد هذه الشروط وفق الشكل الآتي:
- ينبغي أن يكون الإيجاب واضحا وموجه إلى أشخاص محددين.
- يجب أن يتضمن الإيجاب العناصر الجوهرية للعقد المراد إبرامه فإذا لم يتضمن الإيجاب أو العرض تحديدا واضحا لعناصر العقد فإنه لا يعد من قبيل الإيجاب، بل يمثل فقط دعوة إلى التفاوض أو التعاقد.
- أن يلتزم الشخص الموجب بالعرض المقدم من قبله متى اقترن بقبول الطرف الذي وجه إليه.
أما التعبير عن القبول الإلكتروني فيتم بعدة طرق، منها الكتابة بما يفيد الموافقة أو باستخدام التوقيع الإلكتروني عبر البريد الإلكتروني، أو عن طريق اللفظ من خلال غرف المحادثة، أو التنزيل عن بعد من خلال تنزيل البرامج أو المنتج أو السلعة عبر الإنترنيت وتحميلها على جهاز الكمبيوتر الخاص بالقابل، ومن طرق القبول الإلكتروني كذلك النقر مرة واحدة بالموافقة على العلامة الخاصة بذلك حيث عبارة ‘موافق’، ومع ذلك يشترط الموجب في إيجابه، وبغرض التأكد من صحة إجراء القبول، أن يتم عن طريق النقر مرتين على الايقونة المخصصة للقبول والموجودة على الشاشة، وفي هذه الحالة فإن النقر مرة واحدة لا يرتب أثرا بشأن انعقاد العقد ويصبح القبول عديم الأثر، وغالبا ما يلجأ الموجب إلى هذه الطريقة ليتأكد من موافقة القابل على التعاقد، وحتى لا يتذرع القابل بأن النقرة الأولى كانت عن طريق السهو أو الخطأ، فالنقر مرتين دليل على موافقة القابل على إبرام العقد،
أما بخصوص كيفية حصول تطابق القبول بالإيجاب الحاصل إلكترونيا[8]، فقد نصت عليه الفقرات الثانية، والثالثة والرابعة من الفصل 5-65 من القانون رقم 53.05، الذي جاء فيه ما يلي: “يجب على صاحب العرض الإشعار بطريقة إلكترونية، ودون تأخير غير مبرر، بتسلمه قبول العرض الموجه إليه.
يصبح المرسل إليه فور تسلم العرض ملزما به بشكل لا رجعة فيه.
يعتبر قبول العرض وتأكيده والإشعار بالتسلم متوصلا بها إذا كان بإمكان الأطراف المرسلة إليهم الولوج إليها”.
الفقرة الثانية: الإثبات في العقود الإلكترونية (المحرر الإلكتروني)
قد نظم القانون 53.05 الإثبات في المحررات الإلكترونية، وذلك بوضع مبدأ المعادلة، من حيث القوة الثبوتية، بين الوثائق الورقية والوثاق الإلكترونية مهما كانت دعامتها أو طريقة إرسالها، إذا استجمعت هذه الوثائق الأخيرة أو نسخها، شروطا تتمثل في إمكان التعرف القانوني على صاحبها، وفي إعدادها وحفضها بالشكل الذي يضمن تماميتها، ويبعدها عن كل تحريف أو تزوير[9].
وإذا كان التوقيع العادي يفيد في تحديد هوية الموقع وقبوله للالتزامات الموقع عليها، لازما لصحة الوثيقة العادية، فكذلك يلزم التوقيع الإلكتروني لإتمام الوثيقة الإلكترونية[10]، التي تصير به وثيقة عرفية، وإذا كانت الوثيقة الإلكترونية مختومة زمنيا ومذيلة بتوقيع إلكتروني مؤمن، تكون فيه هوية الموقع مؤكدة، وبالتالي تكون تمامية الوثيقة مضمونة، وصار لها نفس قوة الإثبات التي للوثيقة المصادق على صحة توقيعها والمذيلة بتوقيع ثابت، ولا تكتسب الوثيقة الإلكترونية الموقعة إلكترونيا الصفة الرسمية إلا بوضع التوقيع المذكور عليها أمام موظف عمومي له صلاحية التوقيع[11].
ورغم إدخال المشرع المغربي تعديلاته الجديدة على قانون الالتزامات والعقود وخصوصا ما يتعلق بقواعد الإثبات، إلا أنه لم يقم بتعريف التوقيع الإلكتروني مكتفيا بذكر شروط التوقيع العادي والتوقيع الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني المؤمن، فالتوقيع الإلكتروني إذن هو وسيلة حديثة لتحديد هوية صاحب التوقيع وتعبير عن رضائه بالتصرف القانوني الموقع عليه، ويتخذ التوقيع الإلكتروني أشكالا نذكر منها:
أولا: التوقيع الرقمي
التوقيع الرقمي ليس كما يظن الكثيرون أرقاما ورموزا أو صورة للتوقيع العادي، فالتوقيع الرقمي الذي يعد أحد أشكال التوقيع الإلكتروني هو مجموعة بيانات منظمة بصورة شيفرة، ويمكن للمرسل إليه من خلالها التأكد من مصدرها ومضمونها.
ويعتبر ترميز ”المفاتيح العمومية والمفاتيح الخاصة” الأكثر شيوعا بين التوقيعات الرقمية القائمة، والمفاتيح العامة هي التي تتيح لكل مهتم قراءة الرسالة دون أن يكون بالإمكان إجراء أي تعديل على مضمون الرسالة وشكلها، وإذا ما وافق على مضمونها وأراد إبداء قبول بشأنها، وضع توقيعه عليها من خلال مفتاحه الخاص، إذ أنه بعد التأكد من مصداقية الموقع وارتباطه بجهاز الخادم الأمن يتم تشفير المعلومات على أساس المفتاح العام للموقع، ويتم نقل المعلومات بطريقة آمنة دون تدخل من المستخدم ولا يتمكن أحد من سرقة المعلومات أو الاطلاع عليها سوى الموقع.
وباستخدام التوقيع الرقمي يتم تأمين سلامة الرسالة والتحقق من صحتها، إضافة إلى أنه يمنع المرسل من التنكر للمعلومات التي أرسلها، والتوقيع الرقمي يتم بواسطة برنامج كمبيوتر خاص بهذه الغاية، وباستخدام هذا البرنامج يكون الشخص قد وقع على الرسالة كما لو تم التوقيع ماديا في عالم الأوراق والوثائق الورقية من حيث أثار التوقيع، وخاصة ما يتعلق بحجيته مع الأخذ بعين الاعتبار أنه بالإمكان الاستعانة بالتوقيع الرقمي واستخدامه لإنشاء كافة الرسائل الإلكترونية والعقود الإلكترونية.
ثانيا: التوقيع المفتاحي
حيث يزود المستخدم بتوقيع مشفر مميز، فيحدد هذا التوقيع الشخص صاحب التوقيع ومعلومات عنه إضافة إلى وقت التوقيع وبوجود جهات أجنبية عن أطراف المعاملة، تعرف في أغلب الدول بسلطة المصادقة ”autorité de certification” ويتعلق الأمر بجهاز مستقل مؤهل تقنيا وقانونيا لمراقبة هوية حاملي المفاتيح العمومية من جهة، ومنح شواهد عن معطيات إنشاء التوقيع الإلكتروني، وتوفير إشهار واسع للشواهد المسلمة من جهة أخرى.
كما أن هذا الجهاز أو بالأحرى تلك السلطة مطالبة بمسك دليل الشواهد المفتاح العمومي والعمل بحسب الأحوال إما على إيقاف صلاحيتها أو إلغائها أو تجديدها، ودورها أساسي في التوثيق من صحة وسلامة التوقيع الرقمي على الشبكات المفتوحة التي تصبح على هذا النحو محل ضبط في إطار مغلق ومؤمن.
ثالثا: التوقيع البيومتري
يعتمد هذا النوع من التوقيع على تحديد خط خاص تتحرك به يد الشخص الموقع أثناء التوقيع، حيث يستخدم الشخص حين قيامه بالتوقيع قلما إلكترونيا موصولا بجهاز الكومبيوتر، والذي بدوره يسجل حركات يد الشخص أثناء التوقيع بسمة مميزة لهذا الشخص، ويدخل في نطاق التوقيع البيومتري البصمة الإلكترونية أيضا، ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التوقيع البيومتري يخضع لتسجيل كما هو الحال بالنسبة للتوقيع المفتاحي.
المطلب الثاني: المصادقة على التوقيع الإلكتروني ونظام التشفير كوسيلة لحماية محتوى العقود الإلكترونية
خصصنا هذا المطلب للحديث عن المصادقة الإلكترونية كوسيلة لحماية محتوى العقود الإلكترونية في (الفقرة الأولى)، في حين سنتطرق إلى التشفير في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المصادقة على التوقيع الإلكتروني
لقد أورد المشرع المغربي من خلال قانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، بابا كاملا يتعلق بالمصادقة على التوقيع الإلكتروني[12]، نظرا لأهميتها القانونية والاقتصادية في إبرام التصرفات والمعاملات.
فالمصادقة الإلكترونية هي وسيلة تسمح بضمان الصلة بين المنظومة العمومية للتشفير وصاحبها، بحيث يتأكد الطرف المتعامل بأن التوقيع المعين يتعلق بهوية الشخص المراد التعامل معه دون آخر، فيتحقق بذلك الأمان المطلوب
إن المصادقة الإلكترونية تعني ضمان سلامة وتأمين التعاملات الإلكترونية، والتعاملات الإلكترونية في مفهومها العام الذي يشمل كل تعامل يتم باستخدام وسيط إلكتروني، أيا كانت أطرافه، قد يكون هذا التعامل بين أفراد أو جهات حكومية أو غير حكومية، أو بين دول أو مؤسسات دولية، أو بين هذه الجهات المذكورة وبعض أخر، كتعامل فرد مع شركات التجارية، أو التعامل مع المصارف سواء فيما بينها أو مع عملائها.
وتحظى التعاملات الإلكترونية بأهمية قصوى حيث إن الهاجس الأول والأخير في هذا النوع من التعاملات هو الثقة والأمان، هذان العنصران أهم الضمانات التي يتعين توافرها لإزدهار هذه المعاملات.
ولتحديد هوية المتعاملين، وكذا حقيقة التعامل ومضمونه، فقد استلزم ذلك وجود طرف ثالث محايد موثوق به، يقوم بطرقه الخاصة بالتأكد من صحة صدور الإرادة التعاقدية الإلكترونية ممن تنسب إليه، خاصة وأن التعامل الإلكتروني يتم من خلال شبكات مفتوحة مثل الأنترنيت، حيث يجهل المستعمل من يقف وراء جهاز الكمبيوتر، ولمن تعود المنظومات العمومية للتشفير، ولذلك فالاستعانة بمؤسسة مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية بات ضرورة ملحة.
وإذا كانت المصادقة بمعناها العام تعني المطابقة لضوابط ومعايير وشروط معينة، فإن المصادقة في المجال الإلكتروني، تعني بشكل خاص، ضمان سلامة وتأمين التعاملات الإلكترونية، سواء من حيث أطرافه، مضمونه، محله، وتاريخه.
بعبارة أخرى فهي تساهم في خلق بيئة إلكترونية أمنة، حيث إنه كما ذكرنا سلفا أن أهم المشاكل في التعاملات الإلكترونية تتجلى في كونها تتم بين طرفين لا يعرف كلاهما الأخر، لذا باتت الحاجة ملحة إلى ألية تبعث الثقة والأمان لدى المتعاقدين.
وقد تحقق ذلك فعلا من خلال آلية المصادقة الإلكترونية، وذلك من خلال إيجاد وسيلة تؤدي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف:
- تحديد هوية أطراف المعاملة سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين وكذا تحديد أهليتهم للتعامل.
- ضمان سلامة محتوى البيانات المتداولة، ويتم ذلك بالتحقق من مضمون الرسالة وتسلمها، بل وأثناء فترة حفظها كدليل إثبات عند النزاع.
- ضمان السرية الكاملة للبيانات المتداولة بين البائع والمشتري.
- ضمان عدم إنكار رسالة البيانات الصادرة من قبل أي من الطرفين.
وقد تناول المشرع المغربي الإطار القانوني المطبق على العمليات المنجزة من قبل مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية، وكذا الجهات المعنية بإصدار شهادة المصادقة الإلكترونية، وعلاقتها بكل من أطراف التعامل الإلكتروني، حيث تطرق لعدة شروط لممارسة خدمات المصادقة الإلكترونية أوردها في المادة 21[13] من قانون رقم 53.05، كما تبنى المغرب نظام الترخيص المسبق لممارسة هذه الخدمات، تم أناط مهمة هذا الترخيص المسبق إلى السلطة الوطنية، وجاء ذلك في المادة 15 من القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية[14].
بمعنى أن الشخص الراغب في مزاولة نشاط مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية، عليه أولا أخد رخصة إدارية من قبل السلطة الوطنية المكلفة باعتماد ومراقبة المصادقة الإلكترونية، والسؤال الذي يمكن طرحه: من هي الجهة المخول لها إصدار الترخيص؟
نلاحظ من خلال مواد القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية أنه لم يعين صراحة الجهة المكلفة بمنح التراخيص المسبق لمزاولة نشاط مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية، وذلك لأنه أحال تنظيم عمل مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية وخاصة السلطة الوطنية المكلفة بمنح الاعتماد إلى نصوص تنفيذية لاحقة.
ومن خلال قراءتنا للمرسوم التطبيقي رقم 2.08.518[15] لتطبيق المواد 12 و13 و14 و15 و23 من القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني، نجده ينص من خلال المادة 21 من المرسوم التنفيذي على ضرورة إيداع طلب لدى الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات من أجل إرسال وتسليم شهادات المصادقة الإلكترونية المؤمنة وتدبير الخدمات المرتبطة بها.
وبرجوعنا إلى المادة 21 من قانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، نجدها تتعلق بالشروط والمعايير المطلوبة لاكتساب ومنح اعتماد صفة مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية، بمعنى أنه على الراغب في اكتساب صفة مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية إيداع طلب لدى الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، وللمزيد من التوسع في ذلك يمكن الرجوع إلى المادة 23 من القانون 53.05[16]، والمادة 25 من المرسوم التنفيذي.
تجدر الإشارة بعد قراءة متأنية للمواد السالفة الذكر، مع مقارنة بسيطة تضح لنا أن السلطة الحكومية المكلفة بالتكنولوجيات الحديثة “هي الإدارة”، المقصودة في المادة 23 من القانون 53.05، وأن السلطة الوطنية المكلفة بمنح الاعتماد والترخيص لمزاولة نشاط مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية هي “الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات”.
أما المادة 23 من المرسوم التطبيقي فهي صريحة بشكل لا يدع مجال للشك في أن “الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات” هي السلطة الوطنية أي الجهة المكلفة بمنح الاعتماد لممارسة خدمات المصادقة الإلكترونية.
وبذلك تكون الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات هي السلطة الوطنية المخول لها منح الاعتماد لمزاولة نشاط مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية.
الفقرة الثانية: التشفير
يعد التشفير وسيلة لحفظ وحماية سرية المعلومات ولا سيما في التعاملات الإلكترونية والتي تتطلب الحفاظ على البيانات ومعاملات الأطراف وحجم الصفقات، ونوعها و كذلك حماية النقود المتداولة عبر شبكة الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، وهذا ما أكده نص الفقرة الأولى من المادة 12 من القانون المغربي المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية و التي تنص على ما يلي: ” تهدف وسائل التشفير على الخصوص إلى ضمان سلامة تبادل المعطيات القانونية بطريقة إلكترونية أو تخزينها أو هما معا بكيفية تمكن من ضمان سريتها وصدقيتها ومراقبة تماميتها”.
وعرف المشرع المغربي التشفير في الفقرة الثانية من المادة 12 من القانون المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية[17] كما يلي: ” يراد بوسيلة التشفير كل عتاد أو برمجة أو هما معا، ينشأ أو يعدل من أجل تحويل معطيات سواء كانت عبارة عن معلومات أو إشارات أو رموز، استنادا إلى اتفاقيات سرية أو من أجل إنجاز عملية عكسية لذلك بموجب اتفاقية سرية أو بدونها”.
وعموما يستنتج مما تقدم أن التشفير عملية رياضية أو معادلات خوارزمية يتم بها تحويل النص المراد إرساله إلى رموز وإشارات لا يمكن فهمها إلا بعد القيام بفك الشفرة، وتحويل الرموز والإشارات إلى نص مقروء من خلال استخدام مفاتيح التشفير العامة والخاصة، وهذه العملية لا تتم إلا إذا كان الطرف الأخر يملك مفتاح التشفير الذي يحول الرموز والإشارات إلى النص الأصلي.
وعليه فإن عملية التشفير تعد من عمليات الترميز المعقدة والسرية ويتم من خلال منظومتين أساسيتين وهما كالتالي:
أولا: التشفير المتناسق أو المتماثل
يعد هذا التشفير من الأنواع الأساسية المستخدمة ويتم تشفير المعلومات وفك تشفيرها في هذا النوع باستخدام مفتاح سري واحد، حيث يستخدم كل من مرسل البيانات و مستقبلها المفتاح السري الخاص، الذي يتم إعداده باتفاق بين طرفي العلاقة من أجل تشفير الرسالة من خلاله وتحويلها إلى رموز وإشارات غير مفهومة، ومن ثم يتم فك التشفير عن طريق المفتاح نفسه المعد للتشفير، وفي حال إنشاء المفتاح السري الخاص يتم الاتفاق بين الطرفين منذ البداية على كلمة المرور ليتم استخدامها في التشفير، وفك الشفرة التي تم إعدادها، ويمكن أن يتضمن المفتاح الذي تم إنشاؤه حروفا كبيرة وصغيرة ورموزا بحسب ما ينتج عن الخوارزمية التي تم إنشاؤها بين الطرفين، وعند إدخال كلمة المرور يتم تحويلها إلى عدد ثنائي لا يمكن فهمه إلى من قبل أجهزة الحاسب الألي، ويشكل العدد الثنائي الناتج مفتاح تشفير الرسالة التي تمت والذي سوف تستخدم من قبل المستقبل لفك الشفرة ذاتها.
ثانيا: التشفير اللا متناسق أو اللا متماثل
جاء نظام التشفير اللا متماثل حلا لمشكلة التوزيع غير الأمن للمفاتيح في نظام التشفير المتماثل، وفي هذا النظام يتم استخدام مفتاحين مختلفين تربط بينهما علاقة رياضية متينة أحدهما يدعى المفتاح العام و الأخر يدعى المفتاح الخاص، ويعد هذان المفتاحان محاكيان فما يتم تشفيره بأحدهما يمكن فكه بالأخر، وفي هذا النظام يكون المفتاح الخاص معروفا من قبل جهة واحدة فقط أو شخص واحد وهو المرسل، أما المفتاح العام فيكون معروفا لدى أكثر من جهة أو شخص، و يقوم حامل زوج المفاتيح بنشر المفتاح العام للعامة، ويحتفظ في سره بالمفتاح الخاص، فمن يرغب بمخاطبة حامل هذا الزوج من المفاتيح يقوم باستخدام مفتاح المرسل إليه العام لتشفير الرسالة، ومن ثم يقوم متلقي الرسالة باستعمال مفتاحه الخاص المحاكي للمفتاح العام الذي استخدمه المرسل لتشفير الرسالة في فك النص المشفر مما يضمن سرية الرسالة، ويستطيع المفتاح العام أيضا أن يعمل لفك شفرة رسائل مالك المفتاح الخاص، ولكن ليس بإمكان أي أحد استخدام المفتاح العام لفك شفرة رسالة تم تشفيرها بواسطة المفتاح العام، وإنما مالك المفتاح الخاص هو الوحيد الذي يستطيع فك شفرة الرسائل التي تم تشفيرها بالمفتاح العام.
المبحث الثاني: دراسة تحليلية للقانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية
نظرا لعجز القواعد العامة الكلاسيكية على مسايرة ركب الثورة التكنولوجية، اضطر المشرع المغربي إلى إصدار قانون التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، فعلى الرغم من الدور الذي لعبه هذا القانون في إرساء القواعد الأولى للمجتمع الرقمي، إلا أنه لم يسلم من عيوب لا على مستوى الشكل و لا على مستوى الموضوع (المطلب الثاني)، غير أنه لكي لا نبخسه حقه فقد جاء بمجموعة من الإيجابيات كما سنرى في (المطلب الأول).
المطلب الأول: مظاهر التنظيم في القانون 53.05
إنه وقبل التطرق إلى حسنات هذا القانون (الفقرة الثانية)، فإننا سنعمد إلى إبداء بعض الملاحظات حوله وذلك في (الفقرة الأولى).
الفقرة الأولى: ملاحظات عامة حول القانون 53.05
سنحاول من خلال هذه الدراسة أن ندلي ببعض الملاحظات التي سجلناها على هذا القانون، لا من حيث أسلوب الصياغة المعتمدة وطريقة تدوين المقتضيات، أو من حيث مصدره، ويتضمن قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية 43 مادة قسمت لباب تمهيدي و قسمين، وقد جاء متمما و معدلا لظهير الالتزامات والعقود، لذا إن أول ملاحظة يمكن الإدلاء بها في هذا الصدد هو أن المشرع لم يتملك الجرأة والشجاعة لمواكبة الطفرة التكنولوجية، بوضع مدونة خاصة ومستقلة لتنظيم كل ما يتعلق بالمعاملات الإلكترونية، وإنما بقي خلف ستار الشريعة العامة.
من بين الملاحظات الأساسية أيضا كان على المشرع المغربي ترك مسألة التنظيم القانوني للتوقيع الإلكتروني المؤمن المنصوص عليه في القانون 53.05 بكل جزئياته للمرسوم التطبيقي للقانون، وذلك لارتباط هذا التوقيع بالظروف التقنية التي لا تتسم بالثبات والاستقرار أسوة بما فعله المشرع الفرنسي من خلال تنظيمه للتوقيع الإلكتروني المؤمن، من خلال المرسوم لسنة 30 مارس 2001[18].
ملاحظة أخرى نسجلها على مستوى الشكل تتمثل في عدم استيعاب القانون رقم 53.05 للمقتضيات التي تم اقتبسها من القانون الفرنسي، بمقارنة أسلوب صياغة القانون باللغة العربية وبالصيغة التي وضعت أول الأمر باللغة الفرنسية، وكذا بالقانون المدني الفرنسي المنقول منه، والتالي أسفرت على تسجيل ملاحظة أخرى وهي أن واضع هذا القانون في صيغته الرسمية، لم يفهم ولم يدرك كل المستجدات التي جاء بها القانون المذكور في صيغته الفرنسية، وتمثل أهم مظاهر عدم استيعاب واضع هذا القانون للمقتضيات التي اقتبسها في العيوب التي سجلناها على صياغته من جهة، وكذا بعض الأخطاء القانونية التي وقع فيها واضع أو معرب القانون المذكور مثال على ذلك:
طريقة إضافة النصوص إلى ظهير الالتزامات والعقود ليست بالعربية وإنما هي فرنسية، ذلك أن الصياغة التي استعملها تفرض علينا قراءة أرقام الفصول من اليسار إلى اليمين مع أن العكس هو الصحيح، مثال ذلك يتم الباب الأول من القسم الأول من الكتاب الأول من الظهير الشريف المعتبر بمثابة الالتزامات والعقود بالفصل 1 – 2.
ملاحظة أخرى تتعلق بالترجمة العربية الخاطئة لبعض المفاهيم والمصطلحات مثلا معنى الوثيقة والتصرف بحيث أن مشرعنا لا يميز في هذا القانون بين المصطلحين، مما استتبع عدم استيعابه للمفهوم الذي كرست الصيغة الفرنسية للقانون، وهو اعتبار الكتابة الإلكترونية شكلية لإنعقاد التصرفات القانونية التي يشترط القانون لانعقادها أن تصاغ في وثيقة مكتوبة.
الفقرة الثانية: بعض حسنات القانون 53.05
تتجلى قوة هذا القانون في مرونته وتجانسه مع الاتفاقيات الدولية والأوربية، والقانون النموذجي للتجارة الإلكترونية[19]المعتمد سنة 1996، كما أنه استطاع تأمين التبادل التجاري والمعاملات التجارية الإلكترونية في وجه المستثمر الأجنبي، وكذا تدعيم اتفاقية التبادل الحر من قبل المغرب وباقي الدول الأخرى.
بالإضافة إلى أن تبني هذا القانون، سيفتح الباب أمام الجميع للتسويق عبر الانترنت، وماله من تسهيل في وسائل العيش، والعمل بهذا القانون جعل من المغرب يواكب التشريعات المقارنة، التي كانت سباقة في هذا الصدد، وأدخل بلدنا ضمن لائحة الدول المتعاملة بهذه التقنية، مما سيزيد معه اتساع دائرة التعامل والانفتاح أكثر على العالم الخارجي.
كذلك اعترافه بالتوقيع الالكتروني، وتحديد نظامه القانوني، والأليات القانونية لضمان فعاليته، لتيسير التعامل بين الأفراد، مما انعكس إيجابيا على جميع الجوانب، خصوصا المجال الاقتصادي، وعلى مستوى المعاملات الإلكترونية، والتجارة الالكترونية، التي تعددت وتطورت بتعدد المتعاملين في إطارها أفرادا كانوا أو جماعات.
وفيما يخص إثبات العقود الإلكترونية، التي تظهر من خلال المحررات الإلكترونية، والتوقيع الالكتروني، فقد وجدنا أن المشرع المغربي من خلال إصداره لهذا القانون قد أضفى حجية على هذه المحررات والتوقيع الالكتروني، بإثبات التصرف القانوني الذي تظهر من خلاله.
وبالتالي فإنه أخرجها من سلطة القاضي في تقدير مدى صلاحيتها بالإثبات، ومدى انطباقها على قواعد الإثبات التقليدية، إضافة إلى حسم الخلافات الفقهية في تقدير صلاحية المحرر الإلكتروني، كدليل إثبات ومساواته بالمحرر التقليدي.
المطلب الثاني: مظاهر قصور القانون 53.05
تفيد الدراسة المقارنة أن المصدر المادي للمقتضيات التي جاء بها القانون 53.05 هو القانون الفرنسي وهذا ما سنوضحه ضمن المصادر الإسترشادية في (الفقرة الأولى)، إلا أننا سنخصص (الفقرة الثانية) للحديث عن عيوب هذا القانون من حيث كنهه.
الفقرة الأولى: المصادر الإسترشادية للقانون 53.05
في نهاية سنة 2005 قامت السلطة الحكومية المختصة بإعداد مشروع تمهيدي، من أجل تنمية وتطوير التجارة الإلكترونية، مختلف تماما عن المقتضيات التي كانت قد اقترحتها اللجنة الوزارية المختلطة المذكورة، حيث أحيل هذا المشروع على مجلس النواب بتاريخ 10 أبريل2007 ، وتمت المصادقة عليه بتاريخ 22 أكتوبر2007 بالإجماع ثم أحيل بعد ذلك على مجلس المستشارين بتاريخ 22 يناير2007، وتمت المصادقة عليه بتاريخ 29 ماي 2007، وبتاريخ 30 نوفمبر 2007، صدر الظهير الشريف رقم 1.07.129 الأمر بتنفيذه ونشره بالجريدة الرسمية.
ويعتبر القانون الفرنسي هو المصدر الرئيسي للقانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، فلا زالت تهيمن ظاهرة الإقتباس والنقل من القوانين الأجنبية[20]، حيث قام المشرع المغربي بنقل جل المقتضيات الجوهرية عن القانون المدني الفرنسي بعد تعديله وتتميمه بموجب القوانين التالية:
- القانون رقم 230 لسنة 2000 بتاريخ 13 مارس 2000 المتعلق بالتوقيع الإلكتروني وبتكييف قانون الإثبات مع التقنيات الحديثة.
- القانون رقم 575 لسنة 2004 بتاريخ 21 يونيو 2004 المتعلق بالثقة في الاقتصاد الرقمي.
- الأمر رقم 674/2005 بتاريخ 16 يونيو 2005 الصادر بإحالة من القانون رقم 575 لسنة 2004 المتعلق بالثقة في الاقتصاد الرقمي – قصد تنظيم استكمال بعض الشكليات التعاقدية الموجهة بطريقة إلكترونية.
كما نقل المشرع المغربي ضمن صلب القانون المذكور، الكثير من المقتضيات التنظيمية، اعتمادا على القوانين المذكورة من جهة، واعتمادا على المراسيم الفرنسية من جهة أخرى، نذكر منها على الخصوص:
- المرسوم رقم 272 لسنة 2001 بتاريخ 30 مارس 2001 الصادر بتطبيق الفصل 4/1316 من القانون المدني والمتعلق بالتوقيع الإلكتروني.
- المرسوم رقم 535 لسنة 2002 بتاريخ 18 أبريل 2002 المتعلق بالتوقيع الإلكتروني.
ولم يقتصر الأمر على اقتباس هذه المقتضيات فقط، بل تعداه إلى عدد من المسائل نذكر منها:
- تنظيم كيفية تحرير الوثيقة الإلكترونية وحفظها من لدن المفوضين القضائيين
- تنظيم كيفية تحرير وحفظ الوثيقة الإلكترونية من لدن الموثقين.
كما قام المشرع المغربي بنقل القانون الفرنسي نقلا حرفيا لغة واصطلاحا ومضمونا ويمكن الإشارة إلى الأشكال التالية:
- حذف كلمة أو مصطلح cryptolographieمرادف للمصطلح الذي استعمله المشرع الفرنسي كاستخدامه مثلا مصطلح cryptologie ”المادة 12” في حين استخدم المشرع الفرنسي مصطلح المادة 29 من الثقة في الاقتصاد الرقمي.
- دمج المقتضيات التنظيمية مع المقتضيات التشريعية.
ويلاحظ أن المشرع المغربي لم يستفد استفادة كامل من المقتضيات التي تضمنها القانون الفرنسي، ذلك أن هذا الأخير أعاد النظر في كثير من المقتضيات ذات الصلة بالوثيقة الإلكترونية.
الفقرة الثانية: قصور القانون 53.05 من حيث الجوهر
ما اكتمل شيء إلا وبه نقصان، فإذا جاء القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية بالعديد من النقاط المهمة والإيجابية إلا أنه لم يخلو من بعض الشوائب، اختيار المشرع لهذا القانون عنوانا ضيقا وهو التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية ويتأكد ضيقه في المادة الأولى منه، والتي تنص على أنه يحدد هذا القانون النظام المطبق على المعطيات القانونية التي يتم تبادلها بطريقة الكترونية.
كما أن هذا القانون لم يتضمن تحديد مضامين بعض المصطلحات التقنية الواردة به، وإن كان قد قام بذلك فعلا في بعض الأعمال التشريعية التي أصدرها مؤخرا، الأمر الذي يخالف التوجه الحديث في صناعة التشريع، الذي يتطلب مثل هذا التحديد الاصطلاحي وذلك لضمان التطبيق السليم للقانون.
غموض في بعض النصوص القانونية نذكر على سبيل المثال الفقرة الثالثة من الفصل 65-5 التي تنص على ما يلي:” يصبح المرسل إليه فور تسلم العرض ملزما به بشكل لا رجعة فيه”، فالمعنى المستفاد من نص هذه الفقرة غامض وغير منطقي، غامض لكون النص يقصد الزامية قبول العرض الموجه إليه بمجرد تسلمه.
كما جعل المشرع تطبيق بعض مواد القانون 53.05 رهين بمراسيم تتخذ لتطبيقه، وهو مالم يعجل به حتى الأن باستثناء إصدار المرسوم رقم 82815 الصادر بتاريخ 21 ماي 2009 المتعلق بتطبيق المواد 13 و 14 و 15 و 23 من القانون المذكور، وبالتالي نرى أن هناك تأخر في إصدار المراسيم التطبيقية.
غموض في النص القانوني وذلك راجع إما خطأ في الصياغة أو في الترجمة على أن هذا جانب من النواقص التي شابت القانون، لا من حيث الشكل ولا من حيث الموضوع على أن هناك شوائب كثيرة أخرى
ففيما يتعلق بعبء الإثبات مثلا، نص الفصل 1-417 على أنه” تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة الكترونية، بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق، تقبل الوثيقة المحررة بشكل إلكتروني، شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق، شريطة أن يكون بالإمكان التعرف بصفة قانونية على الشخص الذي صدرت عنه، وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شأنها تماميتها”، من خلال هذا النص، يتبين لنا أن المشرع لم يتطرق لا بصفة صريحة ولا ضمنية، على من يقع عبئ الإثبات من بين أطراف العقد، وبالتالي يمكن الملاحظة على أن هذا المقتضى قاصر، كذلك لم يأخذه المشرع بعين الاعتبار ما يتعلق بإشكالية التراضي بتطابق الإيجاب والقبول، بحيث لقد استعملت عبارة “العرض” عوض عبارة “الإيجاب”.
وفيما يتعلق بالتوقيع الإلكتروني، الذي يشكل محورا أساسيا في القانون 53.05 نلاحظ أن المشرع لم يورد له تعريفا دقيقا، وبذلك يمكن استخلاص تعريف التوقيع الالكتروني من خلال خصائص، أو وظائف هذا التوقيع، أيضا محدودية القانون فيما يخص حماية المستهلك من خلال إبرام العقد الإلكتروني تماشيا مع القوانين المقارنة في هذا المجال،
بالإضافة إلى ذلك فإن القانون لم يتطرق لمشكلة تبادل المعلومات بأمان عبر الإنترنيت وضمان حرية الرسائل الإلكترونية عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، كما أنه لم ينظم الإطار القانوني للدفع الالكتروني.
وأيضا ما يتعلق بالضريبة، التي يصعب معها وكيفية احتسابها هل من خلال ما ينهجه بلد البائع الذي سيعفى من الضريبة، إذ باع المنتج خارج بلاده أم بما ينهجه بلد المشتري، هذه مسألة معقدة لأن مجال احتساب الضرائب مسألة تقنية حيث كان من الأجدر على المشرع تبيانها لتسهيل الأمر على المتعاقد إلكترونيا.
ومن بين المسائل المهمة أيضا والتي لم تحظى بمكان في ظل هذا القانون، ما يتعلق بحماية الملكية الفكرية والعلامة التجارية، زيادة على ذلك لم يحدد القانون 05-53 القانون الواجب التطبيق على تنازع القوانين.
وإضافة النصوص إلى ظهير الالتزامات والعقود ليست بعربية وإنما فرنسية، ذلك أن الصياغة التي استعملت تفرض علينا قراءة أرقام الفصول من اليسار إلى اليمين مع أن العكس هو الصحيح، وقد أضحى هذا الأسلوب هو الترقيم المعتمد من لدن المشرع إما في إضافة النصوص أو إضافة المواد إلى القوانين الموجودة، إما في ترقيم القوانين نفسها أو الظهائر الصادرة بتنفيذها أو المراسيم، والسبب في هذا الخطأ اللغوي هو أن المشاريع التمهيدية للنصوص توضع في غالب الأحيان باللغة الفرنسية ثم تناقش من لدن السلطات الحكومية المعنية، باللغة الفرنسية، وبعد ذلك تترجم إلى اللغة العربية من لدن المصالح المختصة دون أن يأخذ المترجم بعينا لاعتبار الأسلوب الخاص بكتابة وقراءة الأرقام باللغة العربية.
خاتمة:
على الرغم من أن المشرع المغربي قام بإصدار القانون 53.05 الذي يعتبر خطوة إيجابية تضاف إلى خطواته السابقة، المتمثلة في حماية برامج الحاسوب بمقتضى قانون حماية حقوق المؤلف 02.00، والحماية الجنائية للنظم المعلوماتية بمقتضى الفصول 3-706 إلى 11-706 من القانون الجنائي، وكذا خطواته اللاحقة المتمثلة في قانون حماية الأشخاص الذاتيين تجاه المعطيات ذات الطابع الشخصي رقم 08 – 09، والقانون المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك 31 – 08.
إلا أنه وبمعزل عن هذه الخطوات فإن قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية كقانون متخصص، تعتبر مقتضياته غير كافية لمواكبة التطور التكنولوجي وما وصلت إليه تشريعات الدول المتقدمة، لذلك لا بد من تدخل تشريعي لوضع تنظيم قانوني مواكب يضمن الأمان والفعالية لوسائل الدفع الإلكتروني، ويضمن حماية المستهلك المتعامل الكترونيا وتنظيم جميع ما أفرزته الثورة الرقمية لأن ذلك صار حقيقة حتمية للحاق بمصاف الدول المتقدمة.
الإقتراحات:
- الخروج من إطار العمل المحلي والوطني إلى العمل في إطار دولي، وذلك بتحري ودراسة كافة القوانين المتعلقة بالتجارة الإلكترونية عموما، والتوقيع الإلكتروني خصوصا والعمل على إيجاد إطار قانوني موحد لتأمين التعامل عن بعد.
- ضرورة العمل المشترك بين رجال القانون والمعلوماتيين بغية الوصول لصياغة قانونية محكمة توفر ضمانات حقيقية للمتعاملين بالتوقيع الالكتروني والعمل على تشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي.
- التكوين المستمر لرجال القانون “القضاة، المحامون، الشرطة” في المجال المعلوماتي، وكذا تدريب الخبراء ومساعدتهم على التخصص في الحقول الإلكترونية، والتأكيد على إدراج المعلومات ضمن برامج التعليم القانوني في إطار قانون المعلومات.
- العمل على حماية المستهلك الإلكتروني باعتباره الطرف الضعيف في التعاقد الإلكتروني، بالإضافة إلى حماية العلامة التجارية والملكية الفكرية.
- تقوية مؤسسة القضاء حتى تتمكن من مواكبة هذا التطور المتسارع وتعمل في ظل التعاملات الإلكترونية.
[1] أنظر بلال الشرقاوي: دور المؤسسات الوطنية في تأمين المعاملات الإلكترونية، مقال منشور بموقع المعلومة القانونية، سنة 2020.
[2] ظهير الشريف رقم 1-07-129 الذي يقضي بتنفيذ القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، والمنشور بالجريدة الرسمية رقم 5584 في 06/12/2007.
[3] أنظر المادة الثانية من قانون المعاملات الأردني لسنة 2001.
[4] أنظر المادة 01 من القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.
[5] أنظر المادة الثانية من قانون المعاملات الإلكترونية الأردني رقم 85 لسنة 2001.
[6] أنظر المادة الأولى من قانون التجارة الإلكترونية المصري.
[7] ينص الفصل 1-65 على ما يلي: يمكن استخدام الوسائل الإلكترونية لوضع عروض تعاقدية أو معلومات متعلقة بسلع أو خدمات رهن إشارة العموم من أجل إبرام عقد من العقود، يمكن توجيه المعلومات المطلوبة من أجل إبرام عقد أو المعلومات الموجهة أثناء تنفيذه عن طريق البريد الإلكتروني إذا وافق المرسل إليه صراحة على استخدام الوسيلة المذكورة، يمكن إرسال المعلومات إلى المهنيين عن طريق البريد الإلكتروني ابتداء من الوقت الذي يدلون فيه بعنوانهم الإلكتروني. إذا كان من الواجب إدراج المعلومات في استمارة ، تعين وضع هذه الأخيرة بطريقة إلكترونية رهن إشارة الشخص الواجب عليه تعبئتها.
[8] أنظر الفقرة الثانية والثالثة والرابعة من5-65 من القانون 53.05.
[9] أنظر الفقرة الأولى من الفصل 417 من قانون الالتزامات والعقود المغربي –مضاف-.
[10] أنظر الفقرة الثانية من الفصل 417 من نفس القانون. –مضاف-.
[11] نظر الفقرة الثالثة من الفصل 417 من نفس القانون. –مضاف-.
[12] الباب الثاني من القسم الثاني من القانون 53.05 تحت عنوان: المصادقة على التوقيع الإلكتروني.
[13] أنظر المادة 21 من القانون 53.05.
[14] تنص المادة 15 من القانون 53.05 على ما يلي: ”يعهد إلى السلطة الوطنية المكلفة باعتماد ومراقبة المصادقة الإلكترونية المسماة بعده السلطة الوطنية، علاوة على المهام المسندة إليها بموجب مواد أخرى من هذا القانون، بالمهام التالية:
– اقتراح معايير نظام الاعتماد على الحكومة واتخاذ التدابير اللازمة لتفعيله.
-اعتماد مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية ومراقبة نشاطهم”.
[15] مرسوم رقم 2.08.518 صادر في 25 من جمادى الأولى 1430 (21 ماي 2009) لتطبيق المواد 13 و14 و15 و21 و23 من القانون رقم 05.53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.
[16] تنص المادة 23 من القانون 53.05 على ما يلي: ” يتعين على مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية الذي يصدر أو يسلم أو يدبر الشهادات الإلكترونية أن يخبر الإدارة سلفا برغبته في إنهاء نشاطها داخل أجل أقصاه شهران.
في هذه الحالة، يجب عليه أن يتأكد من استئناف هذه الخدمات من لدن مقدم الخدمات المصادقة الإلكترونية يضمن نفس الجودة ونفس السلامة أو إذا تعذر ذلك أن يلغي الشهادات داخل أجل أقصاه شهران بعد إخبار أصحابها بذلك.
يخبر السلطة الوطنية أيضا ، على الفور ، بوقف نشاطه في حالة تصفية قضائية .
[17] أنظر المادة 12 من القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.
[18] أنظر المرسوم رقم 272 لسنة 2001 بتاريخ 30 مارس 2001 الصادر بتطبيق الفصل 4/1316 من القانون المدني الفرنسي والمتعلق بالتوقيع الإلكتروني.
[19] قانون الأونسيترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية 1996: يهدف القانون النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية (القانون النموذجي) إلى التمكين من مزاولة التجارة باستخدام وسائل إلكترونية وتيسير تلك الأنشطة التجارية من خلال تزويد المشرعين الوطنيين بمجموعة قواعد مقبولة دوليا ترمي إلى تذليل العقبات القانونية وتعزيز القدرة على التنبّؤ بالتطورات القانونية في مجال التجارة الإلكترونية، والغرض من قانون التجارة تحديدا هو التغلّب على العقبات الناجمة عن الأحكام القانونية التي قد لا تكون متنوّعة تعاقديا عن طريق معاملة المعلومات الورقية والإلكترونية معاملة متساوية. وهذه المساواة في المعاملة مقوّم أساسي للتمكّن من استخدام الخطابات اللاورقية، مما يعزّز من الكفاءة في التجارة الدولية.
[20] د . أحمد ادريوش: تأملات حول قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، منشورات سلسلة المعرفة القانونية، مطبعة الأمنية الرباط ، الطبعة الأولى 2009 / 1430 ، صفحة 13.
المعلومة القانونية
*بلال الشرقاوي
محامي متمرن بهيئة الدار البيضاء
طالب باحث بماستر المعاملات الإلكترونية