صناعة التشريع بالمغرب: بين تحدي القصور التشريعي ومطلب الحكامة التشريعية

  تعتبر القاعدة القانونية أهم وسيلة مثلى اهتدت إلى صياغتها و سنها المجتمعات المتحضرة ،بعد أن وطدت دعائم  المجتمع المنظم (الدولة)، وذلك من اجل تنظيم السلوك البشري وتوجيهه نحو المنطق الذي يمليه سيل الجماعة، مع الحفاظ له على قدر من الحرية لكي ينشط داخلها، هذا الوعي الذي طبع الفكر  البشري المتحضر بأهمية وجود القانون كأداة لتحقيق الأمن والتوافق الإجتماعي راكمته المحن و المآسي التي عاشتها المجتمعات قبل وجود شيء اسمه القانون .                                           

             والجدير بالذكر أن أطروحة الانسجام الاجتماعي- كنتيجة حتمية للايمان بضرورة وجود قانون سائد و نافذ في حق الجماعة  وأولوية وجود جهة أو شخص معين داخل المجتمع المنظم الحديث يعهد له بسن و صياغة قواعد وأنظمة  قانونية تستجيب لحاجيات المجتمع السائد آنذاك –لم تأتي بشكل اعتباطي ؛ وانما املاها الصراع الفقهي الدائر بين ايديولوجيتين تتمحوران حول القانون و قوى الشر 

           وفي ظل تزايد الوعي بأهمية القانون ، بعد ترسيخ أساسات المجتمع المنظم بدءا بنظرية العقد الاجتماعي ، وجدت الدول الحديثة نفسها مضطرة للرقي  بمكانة القانون النافذ عبر إحداث أول مجلس تم انتخابه بالاقتراع العام المباشر سنة 1963  ، وهذا ما اهتدى إليه المغرب أيضا حيث بتوالي الدساتير بدءا بدستور 1962 تطورت صلاحيات البرلمان ، لكن هذا التطور عرف منحنى سلبيا خاصة بعد سن دستور 2011 الذي أشرك عدة مؤسسات أخرى إلى جانب البرلمان  في العمل التشريعي كالمجتمع المدني والحكومة أساسا و التي أصبحت هي المشروع الأصلي وتراجع البرلمان ليصبح المشرع الفرعي ،غير أن هذا التحول لم يكن الغرض منه الزيادة في الانتاج التشريعي بقدر ما كانت الغاية القصوى منه تقوية الصلاحيات الإقتراحية لجهات متدخلة في العمل التشريعي .              

            وفي ظل  تأرجح الصناعة التشريعية للحكومة و البرلمان  بين عوامل الشد والجذب، ارتفعت وثيرة الانتاج التشريعي ، بعدما كشفت الحصيلة التشريعية التي أعلن عنها رئيس مجلس المستشارين في كلمة له خلال اختتام دورة أكتوبر من السنة التشريعية 2018-2019 ، عن هيمنة الحكومة على العمل التشريعي في مقابل هزالة انتاج القوانين من قبل البرلمان ، و أمام هذا الوضع الذي يثير القلق آن لنا الآوان لكي نعيد النظر في صناعة التشريع بالمغرب عبر ثقفي أثر مكامن الخلل التي تقود الانتاج التشريعي و العمل بنظرية الحكم الجيد في العمل التشريعي. 

إن المتفحص لهذه الورقة سيلاحظ مدى أهمية  هذا الموضوع التي تعكسها الإشكالية المحورية التالية التي يسعى جاهدا للاجابة عنها :

– إلى أي حد تستجيب صناعة التشريع بالمغرب لمعايير الجودة ؟ وما هو البديل الأنجع لتجويدها ؟ 

وتتفرع عن هذه الإشكالية المركزية التساؤلات الفرعية التالية :

ماهي مكامن الخلل والقصور في البناء الخارجي والشكلي للنص القانوني ؟

-ماهي مظاهر وتجليات القصور في البناء الموضوعي والمفاهيمي للنص القانوني؟ 

 -ماهي المبادئ الموجهة للحكامة التشريعية ؟ وكيف ستساهم في تجويد العمل التشريعي بالمغرب؟                                                                                                                        

-ماهي رهانات تجويد النص القانوني؟

وللاجابة عن هذه التساؤلات أعلاه يقتضي الأمر منا إتباع التصميم التالي :

المبحث الأول : مظاهر القصور التشريعي في صناعة التشريع بالمغرب .

المبحث الثاني : الحكامة التشريعية كمطلب لتجويد صناعة التشريع بالمغرب .

 

المبحث الأول : مظاهر القصور التشريعي في صناعة التشريع بالمغرب 

           من المعلوم بل ومن المؤكد أن القوانين أو التشريعات التي تصاغ في أي بلد والتي تكون نافذة في المجتمع ،غالبا ما يشوبها النقص والخلل، وهذا الأخير يكون ناتجا عن النقصان في طبيعة الإنسان،ولذلك فلما كان التشريع عمل إنساني فمن البديهي أن يعتريه القصور والخلل.

وهذا ما يجعل القانون في أي بلد طي الجمود ومنعدم الفعالية،لا يحقق المرامي والأهداف المتوخاة من وراء سنه وصياغته،والمغرب من البلدان التي تعاني من أزمة غياب الجودة والفعالية في صياغة التشريع منذ خروج المستعمر الفرنسي،وإذا كانت الصناعة التشريعية ببلادنا تعرف نوعا من القصور والتردي فذلك ظاهر وواضح جليا على مستوى مسطرة الإعداد والصياغة التشريعية المتبعة ببلادنا (المطلب الأول )، وكذا على مستوى المرجعية التشريعية المقتدى بها ( المطلب الثاني ). 

المطلب الأول :تجليات القصور والخلل على مستوى الإعداد والصياغة التشريعية .

         إن أبرز تجليات القصور والخلل التي تنخر جسد المنظومة التشريعية المغربية وتحد من فعاليتها،هي تلك التي تبدو واضحة على مستوى الإعداد ،ولا نقصد بقولنا هنا أن مسطرة الإعداد المتبعة لإخراج القوانين لحيز الوجود تتخللها ثغرات وإنما قصدنا هنا أن الفاعل النيابي أو الحكومي لا يحترم هذه المسطرة من حيث الزمن الإجرائي المطلوب احترامه لإصدار مقترحات ومشاريع القوانين (الفقرة الأولى)،كما أن الصياغة التشريعية المتبعة من قبل البرلمان والحكومة لم تسلم هي الأخرى من العيوب بسبب الثغرات التي تتخللها لتنتج تشريعا ناقصا لا يجد لنفسه سبيلا لإحداث الأثر المتوخى من ورائه (الفقرة الثانية).                                                                                                  

الفقرة الأولى : عدم احترام الزمن الإجرائي في إصدار القوانين .                                        

 وسنركز هنا على نقطتين (أولهما ) هدر الزمن التشريعي في إصدار القوانين و(ثانيهما) تحكم بعض الجماعات الضاغطة في دواليب الماكينة التشريعية .                                                       

أولا : هدر الزمن التشريعي في إصدار القوانين .

                مبدئيا فإن لفظة الزمن التشريعي لا نقصد بها فقط ذلك الزمن أو الوقت الذي يخصص للبرلمان بغرفتيه لأجل إصدار القوانين؛ وإنما يشمل أيضا حتى الوقت الذي تستغله السلطة التنفيذية التي أصبحت تحتل مركزا تحسد عليه في الإضطلاع بالعمل التشريعي بعد مجيئ دستور 2011 والذي من خلاله أضحت  هي المشرع الأصلي ،فيما تراجع الدور الريادي للبرلمان في هرمية إنتاج التشريعات ؛بحيث أضحى مشرعا فرعيا بذليل مضمون الفصل 71 من الدستور الجديد ،والذي حصر اختصاصاته،وهذا التوضيح كله حتى نكون عادلين في ملامتنا للصناعة التشريعية التي أضحت في أزمة خانقة ببلادنا .

           بالرجوع  إلى الفصل 86 من  نفس الدستور نجده ينص على أنه :” تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان ،في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور ” ،وبتفحص مضمون هذا الفصل نجد أن الدستور قد حدد مدة الولاية التشريعية للبرلمان كسقف زمني لعرض مشاريع القوانين التنظيمية لأجل المصادقة عليها وأوجب عليه ألا يتعدى هذا السقف الزمني ، لكن الممارسة والواقع العملي يقولان خلاف ذلك ؛بدليل أن حصيلة الإنتاج التشريعي خلال المرحلة الممتدة بين سنتي 2018 و2019 أبانت عن حجم البطء التشريعي،بحيث أن هناك مجموعة من القوانين التنظيمية لازالت طي غبار النسيان في رفوف البرلمان ،ونذكر على سبيل المثال القانون التنظيمي للإضراب والقانون التنظيمي للنقابات وأيضا القانون التنظيمي الخاص بالمجلس الأعلى للأمن وغيرها ،وهي قوانين ذات أهمية كبرى خاصة في استكمال مسار الإصلاح الدستوري ببلادنا لازالت محتجزة داخل قبة البرلمان .

لكن لا ننكر أن بعض القوانين قد عرفت طريقها نحو النور مثال القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية  رقم 04-16 الذي صدر بالجريدة الرسمية عدد 6870- بتاريخ 23 أبريل   2020 وقوانين أخرى .                                                                                      

                                                                                                                              وبالإضافة إلى القوانين التنظيمية والتي أسلفنا ذكرها أعلاه، هناك العشرات من مشاريع ومقترحات القوانين مازالت “محتجزة” داخل اللجان البرلمانية الدائمة،وهناك أكثر من 40 مشروع قانون و110 مقترحات موضوعة برفوف البرلمان دون استكمال مساطرها التشريعية،بالإضافة إلى النصوص المتبقية من الولاية السابقة،والتي يتجاوز عددها حوالي 200 مشروع ومقترح قانون،منها قوانين مرت عليها أزيد من خمس سنوات دون إخضاع هذه القوانين للمناقشة والدراسة،وفق ما تنص عليه المسطرة التشريعية قبل المصادقة عليها؛ ما يطرح إشكالية مصير هذه القوانين .

              وإذا كانت هناك قوانين عمرت طويلا ولازالت تراوح رفوف البرلمان وأخرى لازالت عالقة بثلاجة الحكومة ” الأمانة العامة للحكومة ” ؛فهناك قوانين خرجت إلى حيز الوجود بعد مخاض عسير ،ونذكر على سبيل المثال قانون رقم 49-16 المتعلق بالكراء التجاري أو الصناعي أو الحرفي والذي قدم للمناقشة العمومية بالبرلمان منذ 25 مارس 2008 ولم تتم المصادقة عليه إلا بتاريخ 11 غشت 2016  .                                                                                                        

            وفي مقابل القوانين التي تأخذ وقتا طويلا جدا لتخرج حيز الوجود،هناك قوانين أخرى تتم مناقشتها والمصادقة عليها في زمن قياسي مثل القانون رقم 17-73 المتعلق بنسخ الكتاب الخامس الخاص بمساطر الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة من مدونة التجارة ؛والذي تمت مناقشته ومداولته في ظرف أربع ساعات داخل قبة البرلمان ،مع العلم أن هذا القانون الذي يرتبط أيما ارتباط بمصير الاقتصاد الوطني المتكون في أغلبه من المقاولات الصغرى والمتوسطة لا يخصص له وقت للمناقشة و تتم المصادقة عليه في رمشة عين .

         ومما لاشك فيه أن إشكالية هدر الزمن التشريعي المخصص لمناقشة وإصدار القوانين والتي أضحت تستفحل مسلسل إنتاج القوانين والتشريعات بالمغرب ،تضعنا كباحث في موقف المتسائل عن الأسباب الكامنة وراء هذا الوضع ؛وهو على أية حال تساؤل مشروع . 

        إن الجواب على هذا التساؤل كامن في الوضع الذي آلت إليه مسطرة المصادقة على القوانين في الآونة الأخيرة من العقد الحالي؛بحيث أن المصادقة النهائية على مشاريع ومقترحات القوانين من قبل مجلس النواب تتطلب توفر الأغلبية المطلقة لأعضائه الحاضرين هذا ما تنص عليه الفقرة الأولى من الفصل  85 من الدستور؛لكن الممارسة التشريعية ببلادنا أبانت مؤخرا عن أزمة عصفت بقبة البرلمان تتعلق بعدم توفر الأغلبية؛ذلك أن الصراعات التي كانت تعرفها الحكومة على مستوى الأغلبية حولت مسارها لتستوطن بقبة البرلمان،وهو السبب الرئيسي وراء تردي الإنتاج التشريعي من قبل المؤسسة البرلمانية وبطئه وهزالة  الحصيلة التشريعية عند نهاية كل ولاية تشريعية .

             وهو  ما يستلزم إعادة النظر في الفصل 86  من الدستور عبر النص على جزاء عدم احترام الزمن الإجرائي المخصص للمصادقة على القوانين وإصدارها  في أجل معقول؛وكذا القوانين الداخلية لمجلسي البرلمان من أجل حوكمة الزمن الإجرائي لإصدار التشريعات.                                                        

ثانيا : تحكم بعض الجماعات الضاغطة في الماكينات التشريعية.

            قبل الخوض في استعراض الضغط والتحكم الذي تمارسه الجماعات الضاغطة ،يجب أولا أن نعرف معنى هذه الجماعات  ولذلك نستحضر ما قاله الأستاذ ” جون مينود” ” لا توجد جماعات المصلحة في شكل تنظيم الضغط إلا إبتداءا من اللحظة التي يبدأ فيها المسؤولون استخدام التأثير على الجهاز الحكومي،وذلك من أجل تحقيق مطامحها أو مطالبها”،فيما عرفها الأستاذ” الحضراني” بكونها “عبارة عن وسائل طبيعية للتعبير عن إرادة المحكومين ،والتي تجد في تشكلها الضاغط منبرا للتعبير عن حاجاتها ومعتقداتها في وسط سياسي وثقافي واجتماعي متباين .” 

             وتجدر الإشارة إلى أن الضغط الذي تمارسه هذه الجماعات لا تمارسه فقط على البرلمان بل تمارسه أيضا على الجهاز الحكومي على حد سواء، فهذا الوضع يجعل القاعدة القانونية أو النصوص القانونية على العموم وسيلة لتحقيق المصالح ،بحيث تسقط في دواليب الصراع حول هذه الأخيرة بين بعض الجهات المهنية كالجمعيات المهنية والنقابات ؛و على سبيل المثال نجد المادة الرابعة من القانون رقم 39-08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية التي خرج تعديلها كمادة فريدة إلى حيز الوجود بعد صراع مرير بين نقابات المحامين وجمعيات العدول  حول الأحقية في تحرير العقود الرسمية والثابتة التاريخ ؛وهو الأمر نفسه الذي جعل القانون التنظيمي للإضراب والنقابات يبقى طي غبار النسيان في قبة البرلمان بالنظر للدور الذي سيلعبه في دعم فئة الأجراء في مواجهة المشغلين الذين يبدو أنهم يمارسون بعضا من الضغط على المؤسسة التشريعية عبر الجماعات المهنية والمقاولاتية  بمجلس المستشارين لتعطيل عملية إصداره، وهكذا فالقوانين التي تخدم وتصب في مصالح الجماعات الضاغطة تتحكم في سيرورتها  وتعجل أمر المصادقة عليها ،فيما التي تمس مصالحها أو تخدم مصالح خصومها تعرقل عملية إصدارها وتجعلها تحت الغبار بالأمانة العامة للحكومة أو رفوف البرلمان ،الأمر الذي يتعارض مع الهدف الذي تتوخاه التشريعات أو النصوص القانونية في أي بلد ألا وهو تحقيق المصلحة العامة.

الفقرة الثانية : افتقاد الصياغة التشريعية لمبادئ الجودة العلمية والدقة المطلوبة.

           يرى الأستاذ ” جاك شوفاليي ” أن ” صياغة النصوص القانونية هي العلم التطبيقي للتشريع الذي يبحث في تحديد أفضل الكيفيات لإعداد وصياغة وإصدار وتطبيق النصوص القانونية بغية إعطاء هذه النصوص صبغتها القانونية “.

             وحسب هذا المعطى الفقهي فإن صياغة النصوص القانونية هي العلم التطبيقي للتشريع،ونستنتج من هنا أن الصياغة القانونية هي علم في نهاية المطاف ،يستند في ممارسته إلى قواعد وأساليب ومبادئ مضبوطة متفق عليها، وأن ممارسة العملية التشريعية خارج هذه القواعد والمسلمات لا يمكن أن توصف بالعلمية؛بدليل أنها ستنتج لنا صياغة قانونية مختلة في بنائها الخارجي والشكلي ( أولا ) ،زد على ذلك صياغة تفتقر لبناء لغوي ومفاهيمي سليم ( ثانيا ).

أولا : تجليات الخلل في البناء الخارجي والشكلي للنص القانوني .

تتجلى أبرز مظاهر العيوب والقصور على مستوى البناء الخارجي والشكلي للنصوص القانونية في ما يلي :

1 ) تبني منطق التضخم والتشتت التشريعي والنأي عن منطق الضم التشريعي .

               إن أكبر مثال على هذا ما تعرفه المادة العقارية من تنوع وتشتت للنصوص القانونية المؤطرة للعقار مما يجعل المتفحص للقانون أو التشريع العقاري تائها وفي حيرة من أمره؛ذلك أنه بالإضافة إلى ظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12 غشت 1913 ،الذي تم تعديله وتتميمه بواسطة القانون رقم 14-07 المنظم لمسطرة التحفيظ العادية وللتقييدات الواردة على السجلات العقارية ،هناك القانون رقم 39-08 بمثابة مدونة الحقوق العينية ،وأيضا  قوانين خاصة كالقانون المتعلق بتحديد شروط اقتناء الأجانب لأراضي فلاحية أو ذات صبغة فلاحية بالمغرب رقم 288-63-1 المؤرخ في 26 شتنبر 1963،وكذا القانون الخاص باسترجاع الأراضي التي كانت خاضعة للاستعمار المنظمة بظهير رقم 289-63-1 ،اضافة إلى ظهير 2 مارس 1973 المتعلق باسترجاع الأراضي الفلاحية أو القابلة للفلاحة ،ولا ننسى  القانون المتعلق بضم الأراضي الفلاحية بعضها إلى بعض المنظم بمقتضى الظهير الشريف رقم 1-62-105 الصادر في 27 محرم 1382 الموافق ل 30 يونيو 1962،اضافة إلى القانون رقم 34-94 المتعلق بالحد من تقسيم الأراضي الفلاحية الواقعة داخل دوائر الري ودوائر الاستثمار بالأراضي الفلاحية غير المسقية،وأخيرا ظهير 27 أبريل 1919 المنظم لأراضي الجموع ،وظهير 23 فبراير 2010 بمثابة مدونة الأوقاف ، وأيضا القانون المتعلق بالايجار المفضي لتملك العقار ،زد على ذلك القانون المنظم لبيع العقار في طور الانجاز رقم 00-44 ،اضافة إلى القانون المنظم للملكية المشتركة، بغض النظر عن المراسيم والقرارات الوزارية المكملة كالقرار الوزاري المؤرخ في 3 يونيو 1915 الخاص بتحديد تفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري وغيرها وما هذا السرد الطويل إلا لنضع القارئ المتلقي في الصورة .

                وأمام هذا الوضع المقلق والذي لا يبعث على الارتياح نجد أنه من العبث بل من الترف الفكري أن نسلم بأن المنهجية المتبعة في صياغة النصوص التشريعية بالمغرب تتم بناء على ضوابط وأسس علمية دقيقة ،والدليل على قولنا هذا هو هذه اللائحة الطويلة من القوانين المؤطرة  والضابطة للمادة العقارية بالمغرب التي أسلفنا ذكرها ،والتي تمتاز بالتعدد والتشتت،وهذا المعطى المستنتج يؤكد حجم الارتباك والتسرع التشريعي في صياغة النصوص الذي يؤكد بجلاء واضح مدى الضعف والافتقار الذي تعاني منه مؤسستي البرلمان والحكومة في صياغة الجملة التشريعية،خاصة فيما يتعلق بالمادة العقارية على الرغم من أن الدولة تعتبر العقار محور التنمية وتراهن على محوريته ومركزيته في تحريك عجلة التنمية الاقتصادية. 

            وهكذا فعوض أن يتبنى المشرع المغربي منطق الضم التشريعي ، فهو يفضل –غير أبه  بالنتائج السلبية التي يمكن أن تنتج عن هذا الوضع – تبني منطق التشتت والتضخم التشريعي،وقد كان من النتائج المترتبة عن هذا الوضع بروز ظاهرة الاعتداء أو الاستيلاء على عقارات غير إلى واجهة الأحداث في الآونة الأخيرة ،الذي عقبها عقد مجموعة من الندوات والملتقيات العلمية لتدارس أسباب هذه الظاهرة وإيجاد حل لهذه المعضلة،ويرى الأستاذ “عبد العالي الدقوقي” رئيس المركز المغربي للدراسات العقارية؛أنه في أفق إعداد مدونة عقارية شاملة يجب إعادة النظر في منهجية وضع القاعدة القانونية العقارية،خاصة بإشراك جميع المتدخلين في المجال.

2) الاستعمال المكثف لآلية الإحالة .

                مبدئيا يقصد بمبدأ الإحالة في تعريفها القانوني ،قيام المشرع بتحديد في نص قانوني مفهوم معين،ثم يقوم المشرع بالإحالة على نص أخر غير النص الأول لأجل  إتمامه،أو الإحالة على عقوبة في نص ،في حين نظم الفعل في نص أخر 

 وهذه التقنية أو الآلية التي أصبح يلجأ إليها المشرع المغربي بشكل مفرط أضحت من أكبر العيوب التي يؤاخذ عليها التشريع،ونذكر على سبيل المثال بعض القوانين أهمها قانون التعمير الذي يتضمن مقتضيات زجرية تحيل على مجموعة القانون الجنائي ،وأيضا مدونة الشغل ” القانون الجنائي للشغل كما يسميه البعض ” ،والقانون الجنائي للأعمال أو قانون رجال اللياقات البيضاء.

             وعليه فإن اللجوء إلى إعمال قواعد الإحالة يترتب عنه إهدار مبدأ الشرعية الجنائية في نطاق القانون الجنائي للأعمال؛بحيث يلاحظ أن لجوء المشرع إلى إعمال تقنية الإحالة يترتب عنه وفقا للتحديد الفقهي لمفهوم الإحالة أعلاه،تشطير النص الجنائي إلى شطرين في الإحالة البسيطة بحيث يتم تحديد الفعل المحظور في نص،في حين يتولى نص أخر المحال عليه تحديد العقوبة…،وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى المساهمة في تضخم التشريع وتفكك أوصال القانون وانعدام الملائمة والتجانس وصعوبة التطبيق.

3) المواد والعناوين الطويلة والفضفاضة.

             إن المتأمل في البناء الهندسي لبعض النصوص القانونية المطبقة بالمغرب،سيلاحظ دون كبير عناء أن المواد أو الفصول التي تتضمنها تمتاز بالطول والفضفضة ،ونذكر على سبيل المثال لا الحصر قانون رقم 22-01 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية الذي عدل وتمم مؤخرا،بحيث أن المتصفح لمواد هذا القانون سيجد صعوبة في استخلاص المضمون القانوني أو المبتغى التشريعي الذي يطمح المشرع إلى إيصاله للمتلقي وتحقيقه؛وذلك بسبب طولها مع العلم أنها يجب أن تكون موجزة وقصيرة وواضحة المعنى والمضمون.

               كما لا ننسى الحديث عن مسألة العناوين التي تعتبر مهمة في البناء الهندسي للنص القانوني،ويقصد به” العنوان الأساسي للتشريع  وفيه يكتب نوع القانون ورقمه ،ويوضح لمشروع القانون موضوعه،ويوضع في منتصف الصفحة،إذ من خلاله يتعرف أعضاء البرلمان على موضوع القانون والإشكاليات أو الأفكار التي ينظمها،ومن تم ينبغي أن يعبر العنوان بشكل صحيح عن الغرض منه”.

إن ما يجعل العنوان طويلا وفضفاضا يرهق المتلقي في قراءته وسرده هو اشتماله على العديد من التفاصيل؛أي عندما يكون وصفيا أكثر مما ينبغي،وهو الأمر الذي يجعل من الصعب إعادة تذكره .

ثانيا : تجليات الخلل في البناء اللغوي والمفاهيمي للنص القانوني .

ويمكن إبرازها في النقط التالية :

1) استعمال المصطلحات الغير الدقيقة .

              إن الخطاب القانوني الذي يصاغ من قبل المتدخلين في المسلسل التشريعي،رغم أنه من المفترض فيه أن يكون خطابا واضحا ومتمايزا من حيث المصطلحات التي يتضمنها؛والتي من خلال خاصية وضوحها وتجردها تجعله متميزا عن الخطاب العادي العامي،فإنه يتم اللجوء عوض ذلك إلى خطاب فضفاض يحوي مصطلحات غامضة الدلالة؛ذلك أنه كلما كان القانون في نصه واضحا ومفهوما ،كلما كانت عملية تفسيره لأجل تطبيقه وإنفاذه سهلة وميسرة ،ولا يمكن أن تتجاوز مسألة الاجتهاد باعتبار حديها الخطأ والصواب،وعلى العكس من ذلك،كلما كان ذلك النص غير واضح أو عاتم يمكن تطبيقه على وقائع مختلفة أو حتى متعارضة فيما بينها. 

            ما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن المشرع المغربي اعتاد أن يغض الطرف عن تعريف المفاهيم و المصطلحات القانونية،ولا نعتقد أن هناك من سوف يعارض هذا القول ؛وحجتنا في ذلك أن الممارسة التشريعية بالمغرب أثبتت أن المشرع أصبح يترك مسألة تعريف المصطلحات والمفاهيم القانونية للفقه والقضاء،وكأننا بالمشرع يريد منح جزء من اختصاصاته التشريعية لهاتين المؤسستين.

2) توظيف عبارات ومصطلحات قانونية غامضة .

              قد يلجأ المشرع في بعض الأحيان إلى تضمين النص القانوني بعض العبارات أو الكلمات الغامضة التي تجعل هذا الأخير حبيس تفسيرات وتأويلات لا تستند لأساس أو منطق قانوني ؛مما يجرد النص القانوني من روحه ،ففي بعض الأحيان نجد كلمات من قبيل كلمة”يتعين” التي لا  نعرف المقصود بها ونجهل قصد المشرع من توظيفها ،هل تفيد الوجوب أم تفيد الإمكان،الأمر الذي يضطرنا عند مصادفة هذه الكلمة الرجوع لتفسيرات مدارس الكلام والنحو لمعرفة ما اذا كانت الجملة التي تضمنتها تندرج ضمن القواعد الأمرة أم القواعد المكملة،لكن في حالة استعمال هذه الكلمة واقترانها بجزاء في نفس المادة أو الفصل حسب الأحوال لا تطرح أية مشكلة ،كأن تكون المادة أو الفصل مبتدأة أو منتهية بكلمة ” يجب” أو” يمكن” فهنا لا سبيل أو لا حاجة للتفسير لأن المقصود والمبتغى هنا واضحان، أضف إلى ذلك أنه كلما كانت المادة أو الفصل خاليتين من هذين الكلمتين فإنه يتم اللجوء إلى المعيار الشكلي والموضوعي.

         إن استعمال كلمات من هذا القبيل تفرغ النص القانوني من روحه ومحتواه،وتؤدي إلى اغتيال العدالة التي يسعى كل تشريع إلى تحقيقها،ولا شك أن الفيلسوف ” روسكو باوند ” قد أصاب وصادف جادة الصواب عندما قال في كتابه مدخل إلى الفلسفة ” إن وظيفة السلطة التشريعية ،وضع القوانين …،لكن هذه السلطة لا تستطيع وضع قوانين كاملة وشاملة ” ؛وهذا دليل على النقص والقصور الكامن في طبيعة الإنسان وهو ما ينعكس سلبا على السلوكات و الأفعال التي يقدم عليها كفعل التشريع أو التقنين وهو ما لمسناه في سلوك المشرع المغربي الذي بدا مرتبكا أو متسرعا في صياغة بعض النصوص المنظمة لشؤون المجتمع فاستعمال كلمات وعبارات من قبيل ” يتعين ” أو ” عند الضرورة ” أو “متى اقتضت المصلحة العامة ذلك” لا يمكن أن تدل سوى على ما ذكرناه سابقا.

                إن أقل ما يمكن أن ينتج عن تشريع ناقص بسبب المصطلحات الغامضة التي يتضمنها هو حدوث شرخ و فراغ تشريعيين في جسد النص القانوني .

           ومدلول الفراغ التشريعي القانوني هو عدم التنصيص المباشر والصريح على حكم قضية طارئة أو نازلة مستجدة في مجال من مجالات الحياة. 

              وإذا كانت القاعدة المقررة فقها ” لا اجتهاد مع وجود النص “،فإنه في الحالة التي يوجد فيها فراغ أو ثغرة بسبب غموض مصطلح قانوني معين،يتعين اللجوء إلى تقنية الاستدلال القانوني من حيث هو تفكير منهجي في القانون مبنى ومعنى،والاستدلال القانوني مجال النظر فيه دائر بين القانون ومجالات أخرى كالإبتسمولوجية القانونية وعلم الاجتماع القانوني واللسانيات القانونية…

وهذه التقنية الهدف منها استخلاص منطوق النص لاستجلاء الحقيقة القانونية التي يقصدها المشرع قصد التوصل إلى الحل القانوني.

المطلب الثاني : تجليات القصور والخلل في المرجعية التشريعية.

                   من المتعارف عليه بين أوساط الباحثين والمهتمين والمختصين في علم الاجتماع القانوني والعلوم المساعدة للقانون ،هو أن وجود القانون وخروجه إلى حيز الوجود في كل مجتمع  هي ضرورة تمليها الإرادة العامة للمجتمع المنظم،بحيث يكون القانون هو المرآة العاكسة للمبادئ والقيم  التي يؤمن بها أفراد هذا المجتمع،وإذا كان المشرع المغربي قد عمل على تكريس هذا  المبدأ في الفقرة الأولى من الفصل 6 من القانون الأسمى للمملكة، فإن هذا المبدأ الدستوري أصبح مبدأ شكليا،ونحن لا نقول هذا من باب الجهل أو العبث الفكري،وإن ما يؤكد قولنا هذا هو المعطيات التي نتجت عن الواقع الذي تشهده الممارسة التشريعية ببلادنا ،بحيث تأثر العمل التشريعي بالترجمة المتردية والمتكررة مما نتج عنه غياب هوية تشريعية وطنية محلية ( الفقرة الأولى )،أضف إلى ذلك أن ما زاد الطين بلة تأثر المنظومة التشريعية بالتشريعات الاقتصادية المعولمة ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : ترجمة متكررة وغياب هوية تشريعية وطنية محلية.

 في معرض حديثنا عن هذه النقطة، سنركز أساسا على نقطتين ( أولهما ) ارتباط المشرع المغربي بالنموذج القانوني الفرنسي،و ( ثانيهما ) غياب التنافسية التشريعية.

أولا : ارتباط المشرع المغربي بالنموذج القانوني الفرنسي.

          إن حديثنا عن ارتباط المشرع المغربي بالنموذج القانوني الفرنسي لن يستقيم، وسوف لن يتضمن شيئا من المنطق لا من قريب ولا من بعيد ما لم نعرج على العلاقة التاريخية بينهما.

بعدما كان تطبيق الفقه الإسلامي في الأندلس هو المناسبة التاريخية لتتعرف أوروبا على أحكام الفقه خاصة و بعد أن كانت الأندلس منارة للعلم والمعرفة،كما شكلت مركزا للترجمة من العربية إلى اللاتينية إذ اتجه إليها أقطاب الفكر الأوروبي في تلك الحقبة من تاريخ أوروبا.كما قد كان لاتصال الطلاب الغربيين بالمدارس الإسلامية في الأندلس وغيرها أثر في نقل مجموعة من الأحكام الفقهية والتشريعية إلى لغاتهم،وقد ترجم بعد ذلك الفرنسيون عند احتلالهم مصر أشهر كتب الفقه المالكي إلى اللغة الفرنسية ومن أوائل هذه الكتب “مختصر الخليل ” من الفقه المالكي الذي كان نواة القانون المدني الفرنسي أنداك،فإنه سرعان ما انقلبت الأوضاع وأصبح الذي كان حاكما محكوما ومغلوبا؛ذلك أن هروب المسلمين من الأندلس وسقوط ملوك الطوائف كان بداية عصور الانحطاط والتدلل،فسرعان ما تحولت الشعوب المسلمة التي فتحت الأندلس –وعمرت به لأزيد من ثمانية قرون وأسست به أعظم حضارة عرفتها البشرية- إلى شعوب مستعبدة ومستعمرات تابعة للماما فرنسا كما يسميها البعض،بحيث بعدما كانت فرنسا هي من تترجم كتب الفقهاء المغاربة في الأندلس،اضحت الأحداث التي عقبت سقوط حكم المسلمين بالجزر الإيبيرية بداية التبعية لفرنسا بمختلف أبعادها بما فيها التبعية القانونية فأصبحت القوانين التي يسنها القائمين على التشريع بالمغرب عبارة عن نصوص مستنسخة أو مترجمة عن القوانين المعمول بها في فرنسا ، لدرجة أصبحت معها الترجمة عادة وتقليد لا ينفك المشرع المغربي إلا ويلجأ إليها. 

               وقد كان المغرب أبرز هذه الدول،بحيث بعدما عزمت فرنسا على احتلال المغرب تعهدت على تنفيذ مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها في شأن المغرب مع بعض القوى العظمى والتي على رأسها الاتفاقية الفرنسية الألمانية المبرمة في 4 نوفمبر 1911 التي يقضي الفصل 9 منها بضرورة قيام فرنسا بإصلاح العدالة والقانون في المغرب على أن يتم ” التأثر بالقواعد الواردة في تشريعات الدول الأوروبية العظمى المعنية “. 

 غير أنه بخروج فرنسا من المغرب عقب الاستقلال سنة 1956،خلفت وراءها إرثا تشبث بالحفاظ عليه والاقتداء به بعض المحسوبين على الايديولوجية الفرنكفونية ، ومن هنا وفي ظل غياب فقه مستقل وحر متخصص لا يسعه سوى التقليد ويصعب عليه التغريد خارج سرب التوجهات الفرنسية؛أضحت ظاهرة النقل والاقتباس والترجمة من السلوكات التي اعتاد على ممارستها المشرع المغربي،وهذا ما نلمسه في قانون الالتزامات والعقود والقانون التجاري خاصة ظهير التحفيظ العقاري الذي لا زال يحمل اسم المقيم العام الفرنسي بالمغرب،بحيث جميعها اقتبست من المشرع الفرنسي،وهذا ما حدث أيضا مع القانون الجديد رقم 53-05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية المعدل والمتمم لقانون الالتزامات والعقود المغربي،الأمر الذي يؤثر سلبا على التأسيس لهوية تشريعية وطنية تستمد أحكامها وقواعدها من الفقه الإسلامي والقيم والمبادئ السائدة في المجتمع المغربي،وهذا ما دعى إليه ” روسكوباوند “من خلال فرضيته القائلة بأن لكل مجتمع بشري ايديولوجيته القانونية الخاصة به التي تشكل البديهيات الأولية الرئيسية والمتضمنة في نظامه القانوني،وأكد عليه أيضا ” هوبل ” الذي ركزعلى عاملان الأول : هو الطريقة التي يكون بها لكل مجتمع مبادئه القانونية الموجهة للحفاظ على نظام ثابت يتفق مع مبادئه الأساسية،والثاني: هو أن نجاح المجتمع في الحفاظ على هذا الثبات يعتمد على درجة التكامل التي نجح في تحقيقها. 

              ولذلك فإن أهم ما ندعوا إليه في هذا الصدد هو وجوب التأسيس لفقه قانوني وطني ومستقل قادر على صقل هوية قانونية وخلفية تشريعية محلية بعيدا عن رياح الفرنكفونية وهذا ما لا نجده سوى في مدونة الأسرة التي استمدت غالبية أحكامها وقواعدها من الشرع الإسلامي والفقه المالكي،عكس باقي القوانين الأخرى التي لا تنفك تصدح في براثين التوجهات الفرنسية.

                       حتى لو تراجعنا عن دعوتنا هاته وأشدنا بصوابية الاقتداء بالنموذج القانوني الفرنسي،فإن المشرع المغربي سوف لن يمارس فعلي النقل والترجمة عنه بشكل منضبط وعقلاني،وهذه حقيقة لا نقبل من يجادلنا في صحتها،ومن يعترض عليه الرجوع إلى القانون رقم 53-05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية ليقف على حجم الهفوات والاقتباسات  المعيبة والمبالغ فيها والتي تخالف محتوى وروح النص القانوني مما يؤدي إلى اغتيال روح العدالة التي يسعى إلى تحقيقها.

ثانيا : غياب مبدأ التنافسية التشريعية بالمغرب.

               في معرض حديثنا عن هاته النقطة لا بأس أن نستحضر قولة الأستاذ “محمد أحداف” أستاذ المسطرة الجنائية و الخبير بعلم الإجرام ” الماكينات التشريعية بالمغرب مصابة بالصدأ “،مما يؤكد بجلاء واضح ودون أدنى شك قد يخالجنا أن الأجهزة المتدخلة في المسلسل التشريعي ( البرلمان والحكومة أساسا ) تفتقد للجرأة القانونية،وليس بمقدورها التفكير في صياغة قوانين تعكس هوية المجتمع المغربي. 

و قصدنا بالتنافسية التشريعية هو قدرة الجهات القائمة على التشريع على صياغة منظومة تشريعية مستمدة من القيم والمبادئ التي يؤمن بها المجتمع المغربي تضاهي التشريعات الرائدة خاصة منها الألمانية و الأنجلوسكسونية التي تعكس القيم  المحلية لمجتمعاتها ، ويمكن أن نرجع السبب في غياب هذه التنافسية بالمغرب للضغوط التي تمارس على المشرع الوطني لبلادنا من قبل المؤسسات المالية الدولية ( صندوق النقد والبنك الدوليين )،وذلك عبر انفتاح المغرب على مبادئ الحرية الاقتصادية وحرية التجارة ومبادئ اللبرالية.

الفقرة الثانية : تأثر المنظومة القانونية الوطنية بالتشريعات الاقتصادية المعولمة.

             إن سياسة الانفتاح والحداثة التي أسس لها دستور 2011،كان لها بالغ الأثر في انسياق المشرع المغربي وراء موجة التشريعات الاقتصادية المعولمة،والاقتداء بها، وهو ما دفع بالمغرب إلى العمل على ملاءمة تشريعاته مع الاتفاقيات الدولية والقوانين الأممية النموذجية ( أولا ) بشكل جعل الهاجس الأول المتحكم في صياغة القواعد القانونية هو المصلحة الاقتصادية ،فأصبح القانون يعبر عن الإرادة الاقتصادية لا الإرادة العامة للأمة ( ثانيا ).

أولا : ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية والقوانين الأممية النموذجية.

             لقد شكل دستور 2011 قفزة مرحلية في تاريخ المغرب،إذ شكل أوج خطوات الانفتاح والتفاعل مع الفاعلين الإقليميين والدوليين ،وهذا الانفتاح أسس له ما جاء في بعض بنود تصدير دستور فاتح يوليوز.

             ومما لا شك فيه أن من أهم الحقائق المؤكدة هو أن القانون يعتبر مظهرا من مظاهر السيادة الوطنية للدولة،لكن سرعان ما بدأت هذه الحقيقة في الأفول  خاصة بعد ظهور ما يسمى” بالعولمة”،هذه الأخيرة التي حولت العالم من فضاء شاسع إلى قرية كوكبية صغيرة؛فكان المغرب من بين الدول التي جرفتها مياه العولمة،إذ أصبحت حريته في ممارسة سيادته القانونية مقيدة بفعل الالتزامات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي انخرط فيها،وتعهد بتنفيذها عبر العمل على ملاءمتها مع توجهات تشريعه الوطني في إطار احترام الدستور والنظام العام والثوابت الوطنية.

              يبدو أن الخطر الناجم عن هذا الوضع بشكل عام وعن التجارة الدولية أو عولمة التجارة بشكل خاص يكمن إذن في اتخاذ العولمة منحى الهيمنة،عن طريق تصدير القانون الوطني وذلك عبر تسليم التشريعات الوطنية كما هي من دولة أخرى،واستنساخ هذه الأخيرة لتلك القوانين،وهي طريقة تسمح بتشكيل الصورة الثقافية والاقتصادية لأمم أخرى عبر تصدير النظام القانوني الذي يطال النظام الاجتماعي فيها برمته ودون الحاجة إلى احتلال عسكري لأراضيها.

              ونعطي مثالا للقوانين الأمريكية التي تفرض منع أو حظر التعامل التجاري والمالي مع بعض الدول كما هو الشأن بالنسبة لإيران وكوريا الشمالية وروسيا الاتحادية،وهذا ما حدث مع المغرب خاصة بعدما تمت عولمة حقوق الإنسان والدعوة إلى محاربة الإرهاب وتحرير التجارة.

وفي نفس الإطار قامت “لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي”بعدة مجهودات من أجل توحيد المقتضيات المنظمة للموضوع،تارة من خلال اقتراح إصدار مقتضيات نموذجية لكي تسترشد بها الدول في قوانينها الوطنية؛وتارة أخرى عن طريق اقتراح إصدار مقتضيات اتفاقية تكون ملزمة للدول الأطراف في الاتفاقية التي تضمنتها،أهمها القانون النموذجي المتعلق بالتجارة الالكترونية لسنة 1996،وكذا القانون النموذجي المتعلق بالتوقيعات الالكترونية لسنة 2001،هذه القوانين التي عمل المشرع المغربي على إدماجها في القانون التجاري وقانون الالتزامات والعقود المعدل والمتمم بموجب قانون التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية. 

ثانيا : القانون يعكس الإرادة الاقتصادية الفردية لا الإرادة العامة للأمة.

              إن سياسة الانفتاح على المجتمع الدولي ومستجدات متغيرات البيئة الإقليمية والدولية،التي نهجها المغرب،والانفتاح على الأسواق الرأسمالية الحرة،وبروتوكولات التبادل الحر كان لها عظيم الأثر في توجيه السياسة التشريعية ببلادنا نحو تحقيق مصالح الفاعل الاقتصادي ( الشركات العالمية والمتعددة الجنسية والمستثمرين الكبار …) .

             ونجد في صلب هذا الانفتاح المطالب الضاغطة لأوساط رجال الأعمال والرامية إلى إضفاء طابع المرونة على القانون،والذي أضحى يعتبر مجرد غطاء أو طلاء من أجل استدراج واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية،لذا فقد لقيت مطالبهم الأذان الصاغية؛حيث أخذ الاجتهاد القضائي بالصيغ التعاقدية الموضوعة من طرف الممارسين في هذا المجال، ذلك أن الفاعلين الاقتصاديين استغلوا ظاهرة

اللا تنظيم القانوني المروج لها في زمن العولمة من أجل اكتساح قوي للمجال القانوني،فتم إضفاء الطابع المرن على القانون،ما عجل بتحول البعد الاقتصادي إلى الهاجس الرئيسي الحاضر بقوة أثناء صياغة القواعد القانونية. 

            من مظاهر هذا الاكتساح الضغوطات التي تمارس من قبل المؤسسات المالية الدولية و منظمة التجارة الدولية عبر برامج التقويم الهيكلي؛التي تضم في صلبها إصلاحات قانونية وقضائية كشرط مسبق يجب أن تعمل الدول التي تطلب المساعدة على تنفيذه،لتحصل على المساعدات المالية التي ترغب في الحصول عليها من قبل هاته المؤسسات؛وذلك تحت غطاء المواءمة أو الملاءمة مع قواعد المنافسة الدولية وتحرير الأسواق و إزالة القيود الجمركية،في إطار العمل والالتزام بأخلاقيات كبريات  المقاولات أو الشركات النموذجية في طريق الولوج المقاولاتي الأسهل لجغرافيات الدول الرأسمالية السائرة في طور النمو،ومن هنا لم يعد القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة كما جاء في دستور 2011 للمملكة،بل أصبح أسمى تعبير عن إرادة الفاعل الاقتصادي ( كالقوانين المنظمة للاستثمار و الأسعار وحرية المنافسة والتي تتغير إما بالتعديل أو التتميم أو الإلغاء تبعا لتغيرات السوق الاستثمارية العالمية ).

المبحث الثاني : الحكامة التشريعية مطلب لتجويد صناعة التشريع بالمغرب.

               إن الهفوات والعيوب وتجليات القصور في البناء الهندسي لبعض النصوص القانونية المؤطرة للحياة بمختلف تجلياتها بالمغرب،والتي عملنا على عرضها في النقط السالفة الذكر،ما هي سوى ثمرة جهود حثيثة بذلها فقهاء وباحثي المادة القانونية أثناء تنقيبهم عن مدى استجابة النص القانوني بمختلف المجالات التي ينظمها لتطلعات المرحلة الراهنة؛بغية الوقوف على مدى صوابية الممارسة التشريعية،وثقفي أثر جودة الصياغة التشريعية ببلادنا من عدمها،ولما كانت هذه الأخيرة مليئة بالعيوب والثغرات،فإن السبيل الأنسب بل البديل الأنجع لتقويمها و تجويدها هو إعمال ألية الحكامة التشريعية كنظرية للحكم الجيد وترشيد العمل التشريعي،خاصة بعدما انتهى اجتماع اتحاد البرلمانات العربية والدولية إلى حتمية اعتمادها لحوكمة عمل المؤسسات المتدخلة في العملية التشريعية،كما اعتمدها المغرب أيضا كمبدأ عام دون تخصيص في إصلاحاته الدستورية لسنة 2011( المطلب الأول )،وذلك بفعل الأثر والتغير الإيجابي الذي تحدثه على صياغة التشريعات ( المطلب الثاني ).

المطلب الأول : مؤشرات الحكامة التشريعية بين رؤية اتحاد البرلمانات العربية والدولية والإصلاح الدستوري لسنة 2011.

              يعتبر مصطلح الحكامة بصفة عامة من أكثر المفاهيم الحديثة التي انضمت إلى قائمة المفاهيم المتداولة عالميا،إلى جانب مصطلحي العولمة والحداثة وغيرها…

             غير أن مصطلح الحكامة بالخصوص عد من المفاهيم الأكثر إثارة للجدل والخلاف على الساحة الدولية؛هذا الجدل فرضته خاصية اللبس التي تغلب على سماته،وعليه فإذا كانت الحكامة أسلوب حديث لبلوغ مستوى النموذج الديمقراطي الغربي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي،فهي كذلك مطلب تدبيري ملح لحوكمة التسيير و إشاعة ثقافة الحكم الجيد.

            و بغض النظر عن التعاريف الفقهية المتعددة للحكامة نعرفها على أنها التسيير المعقلن المحتكم لمعايير الجودة والشفافية والمشاركة والمسؤولية والمبني على أساس تحقيق النتائج المتوخاة والمفترض أن يعتمد ويطبق في الطريقة المتبعة لصياغة التشريعات والقوانين.

              وقد قام  الاتحاد البرلماني الدولي بتحديد مبادئ الحكامة  لتطوير الصياغة التشريعية في الولوج والتمثيلية  والشفافية  والمسؤولية وأخيرا الفعالية،ونفس الأمر قام به أيضا إتحاد البرلمان العربي.

              كما حظي مصطلح الحكامة التشريعية باهتمام في خطاب جلالة الملك محمد السادس لسنتي 2007-2011 “…وهو ما يتطلب من الأحزاب والفرق النيابية الأخذ بحكامة برلمانية جيدة،عمادها التشبع بثقافة سياسية جديدة وممارسة نيابية ناجعة،قائمة على تعزيز حضور الأعضاء وجودة أعمالهم ومستوى إسهامهم في معالجة الانشغالات الحقيقية للشعب،ولهذه الغاية نجد التأكيد على وجوب عقلنة الأداء النيابي،بالانطلاق من تجانس النظامين الداخليين للمجلسين والنهوض بدورهما في انسجام وتكامل،كمؤسسة واحدة،هدفها المشترك،جودة القوانين والمراقبة الفعالة،والنقاش البناء…”

             وهذا ما عكسته الإرادة الملكية عبر الإصلاح الدستوري لسنة 2011 الذي أتى بالحكامة – في وقت باتت فيه الدول العربية في مهب الربيع العربي – حيث تضمنها الباب الثاني من الدستور الجديد وخصص لها 11 فصلا.

الفقرة الأولى  : الجودة و المشاركة و احترام القانون والمسؤولية.

أولا : مبدأي الجودة والمشاركة.

-بالنسبة لمبدأ الجودة.

              لا شك أن العيوب والهفوات التي تعتري جسد النصوص القانونية بالمغرب والتي أسلفنا عرضها تؤكد أن الصياغة التشريعية بالمغرب تفتقر لمبدأ الجودة،والمقصود

 بهذا الأخير نجاعة وفعالية النصوص التشريعية واستجابتها لتطلعات المجتمع دون أدنى خلل يجعلها بلا أثر ايجابي  يذكر،وهو ما جعل المغرب يفطن إلى اعتماد آلية تسمى ” قياس أثر التشريع “التي تم اعتمادها بموجب مرسوم سنة 2015؛لكنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا بتاريخ 02/01/2018،وإذا كان المغرب لم يعتمدها مبكرا فهناك دول أخرى كانت سباقة إلى اعتمادها. 

             إن الهدف من هذه الألية هو قياس أثر النصوص التشريعية عبر القيام بدراسات للأثار المصاحبة قبل وبعد تطبيقها؛لمعرفة مدى مطابقتها للواقع الاقتصادي و الاجتماعي والسياسي الذي يعيشه المجتمع.

             وتبعا لذلك فبالرجوع إلى المادة 19 من القانون التنظيمي رقم 55-13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة و الوضع القانوني لأعضائها،على أنه : “يتعين،كلما اقتضت الضرورة ذلك، بموجب قرار لرئيس الحكومة،أن ترفق مشاريع القوانين الرامية إلى سن أي تشريع جديد أو مراجعة تشريع قائم بدراسة حول أثارها “.

              ويتضح من خلال مضمون هذه المادة أن دراسة أثر التشريع بالمغرب تشمل فقط مشاريع القوانين دون أن تشمل أيضا مقترحات القوانين؛وكذا النصوص التنظيمية،الأمر الذي يحد من فعالية ونجاعة هذه الألية.

             وتجدر الإشارة إلى أن دراسة أثر التشريع تعتبر بالمغرب منهجية حديثة ولازالت في مراحلها الأولى،وتبعا لذلك فقد حددت المادة 8 من مرسوم 23/11/2017 الجهة المختصة للقيام بهذه الدراسة وهي لجنة تابعة لرئيس الحكومة تسمى” لجنة دراسة أثر مشاريع القوانين “،وتنقسم هذه الدراسة إلى دراسة قبلية عبر قياس الأثار المحتملة لمشاريع القوانين المزمع تطبيقها،ودراسة بعدية أي بعد تطبيق هذه المشاريع لمعرفة مدى جودتها ومدى استجابتها للأهداف التي سنت  لتحقيقها،كما حددت أيضا المادة 4 من المرسوم المذكور سلفا محتوى دراسة أثر التشريعات،و هي ألية تدخل ضمن الأليات المعتمدة لتقييم السياسات العمومية.

              وهذه الدراسات التقييمية للتشريعات يتم إجراؤها عمليا من خلال دراسة أثر مشاريع النصوص التشريعية التي تهدف إلى تغيير أو تتميم أو تفسير أو نسخ قوانين قائمة ونافذة،والتي تقوم بها الوزارات المعنية سواء عند تقديمها لمشاريع هذه القوانين،أو عند إجراء مهام تفتيشية للمصالح و الإدارات الساهرة على تطبيق هذه القوانين.كما تقوم بها عدة مؤسسات دستورية كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

-بالنسبة لمبدأ المشاركة.

               لما كان القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة،فإنه تبعا لذلك يجب أن تتم صياغته وفق منهج تشاركي؛لا أن يبقى حكرا على مؤسستي البرلمان والحكومة،فالديمقراطية التشاركية التي أصبحت بديلا للديمقراطية التمثيلية فرضت على المغرب إشراك مجموعة من الفاعلين في صياغة القانون باعتباره سياسة عمومية،ولذلك نص دستور 2011 على ضرورة إشراك المواطنات والمواطنين في الوظيفة التشريعية عبر تقديم الملتمسات والعرائض القانونية من خلال الفصول 14 و15 و139 منه.

               وتجدر الإشارة إلى أنه لأول مرة يتم إشراك المواطن في الوظيفة التشريعية وذلك بموجب دستور 2011،خلاف الدساتير السابقة التي لم تنص قط على هذه الإمكانية،إذ بالرجوع إلى الفصل 13 من نفس الدستور نجده ينص على أنه :”تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور،قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين،في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها “،وهكذا تعتبر الهيئات التشاورية ألية لإشراك المواطنين بمختلف انتماءاتهم لشرائح المجتمع في عملية إعداد وتتبع السياسات العمومية وتقييمها.

               أما الفصل 14 فخول للمواطنات والمواطنين على قدم المساواة الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع،وبالعودة إلى المادة 2 من القانون التنظيمي رقم 14-64 المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة هذا الحق نجدها تعرف” الملتمس ” بكونه ” كل مبادرة يتقدم بها مواطنات ومواطنون وفق أحكام هذا القانون التنظيمي بهدف المساهمة في المبادرة التشريعية ويشار إليها باسم  (الملتمس) “. 

                 ولقد منحت المادة 10 من نفس القانون التنظيمي لمكتب المجلس الذي يقدم الملتمس أمامه،صلاحية واسعة في رفض أو قبول الملتمس؛مع عدم تخويل أصحاب المبادرة أي إمكانية للطعن،وهو مقتضى من شأنه جعل مكتب المجلس خارج كل رقابة،كما من شأنه فسح المجال أمام التعسف في رفض الملتمسات. 

                 كما عمل الدستور أيضا على تخويل المواطنات والمواطنين الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية،بحيث يمنحهم هذا الحق إمكانية تقديم شكاية أو توضيح قانون أو الحصول على معلومة حول قانون،وقد حدد القانون التنظيمي رقم 44-14 شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق،ومن شأن إشراك المواطنين والمواطنات سواء من خلال حقي التقدم بملتمسات في مجال التشريع أو عرائض،أو من خلال الفصل 13 الذي ينص على إحداث هيئات للتشاور تعزيز القوة الاقتراحية للمجتمع في مجال إعداد وصياغة القوانين؛وكذا صياغة تشريعات تعكس الإرادة العامة للمجتمع.

ثانيا : مبدأي احترام القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة.

بالنسبة لاحترام القانون.

 بادئ ذي بدء قد يقول قائل كيف يمكن للقانون أن يحترم القانون ؟

                 نقول أنه إذا كان الفصل 6 من الدستور يوجه خطابه في فقرته الأولى للأشخاص بنوعيها الذاتية والاعتبارية باحترام القانون والانصياع لأحكامه،فإن الفقرة الأخيرة من نفس الفصل تنص على أهم مبدأ دستوري يجيب على هذا التساؤل،ويتعلق الأمر بمبدأ تراتبية ودستورية القواعد القانونية :” تعتبر دستورية القواعد القانونية،وتراتبيتها،ووجوب نشرها،مبادئ ملزمة”.

              وبتحليلنا لمضمون هذه الفقرة يتضح أن مبدأ دستورية القواعد القانونية مبدأ ملزم؛والقواعد الدستورية هي تلك القواعد التي أحيلت مسبقا على المحكمة الدستورية قبل إصدار الأمر بتنفيذها والتي تم التأكد من مطابقتها للدستور حسب مقتضيات الفصل 132 منه.

                في حين أن تراتبية القواعد القانونية هو الأخر مبدأ ملزم،ذلك أن القائمون على صياغة التشريع سواء البرلمان أو الحكومة يجب أن يستحضروا هذا المبدأ أثناء سن النصوص التشريعية،فتراتبية هذه القواعد تضع الدستور كأسمى قانون في البلاد في أعلى هرم هذه القواعد ويليه القانون التنظيمي الذي يعتبر مكملا للدستور ثم يليه القانون العادي،وعليه فلا يجب للقانون التنظيمي أن يخالف الدستور،ولا يجب أيضا للقانون العادي مخالفة الاثنين معا،ويمكن للقانون الأسمى في مقابل ذلك أن يخالف الاثنين،وفي حال عدم احترام هذه التراتبية وأصدرت المحكمة الدستورية قرارها بعدم دستورية قانون ما حسب منطوق الفصلين 132 و 134 فلا يمكن أن يصدر الأمر بتنفيذه و لا نشره في الجريدة الرسمية،وينسخ كل مقتضى تم التصريح بعدم دستوريته على أساس الفصل 133 من نفس الدستور، وذلك ابتداء من التاريخ الذي حددته المحكمة الدستورية في قرارها،ولهذا فكل قانون أدنى ( قانون تنظيمي أو عادي) خالف أو لم يحترم القانون الأسمى ( الدستور ) يتم التصريح بعدم دستوريته واستبعاده.

-بالنسبة لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

                يعتبر هذا المبدأ من أهم مبادئ الحكامة بشكل عام و الذي سيتم  تنزيله على الحكامة التشريعية،ويقصد بالمساءلة على المستوى البرلماني،واجب البرلمان في تقديم تقارير دورية حول سير العمل داخل المؤسسة،وبشكل تفصيلي يوضح الايجابيات و السلبيات ومدى النجاح أو الإخفاق في ممارسة اختصاصاته،وتعد المساءلة معيارا ضابطا لأداء البرلمان والحكومة معا،وعلى الرغم من قيام المصالح التابعة للبرلمان بإعداد حصيلة دورية للأنشطة المنظمة في كل دورة تشريعية،إلا أنه لا يتم الاعتماد على هذه التقارير لتقييم النتائج المحققة،بناء على معايير واضحة.  

                  وحسب المادة 237 من النظام الداخلي لمجلس النواب،فإن أعضاء هذا المجلس مسؤولون أمام المواطنات والمواطنين عن قراراتهم،إذ يحق للمواطنين مساءلة البرلمان ومطالبته بتوفير المعلومات المتعلقة بالعمل التشريعي؛عبر القيام بزيارات ميدانية واستطلاعية لغرفتي البرلمان،وإذا كان البرلمان مسؤولا أمام الشعب،فالحكومة بعدما أصبحت بمثابة مشرع أصلي مسؤولة عن أعمالها أمام البرلمان،ومن شأن هذا المبدأ تعزيز وترسيخ الممارسة التشريعية المحوكمة،وهذا ما نص عليه الفصل 27 من الدستور بخصوص الحق في الحصول على المعلومة.

-الفقرة الثانية : مبدأي الشفافية والمساواة والحياد القانوني

-أولا: بالنسبة لمبدأ الشفافية                                                 

              الشفافية هي التزام المؤسسات على جميع المستويات بنشر وتعميم أو الإفصاح عن المعلومات المطلوبة للجمهور حول الأمور التي تخص جميع الإجراءات و القرارات والخدمات ومجمل الأعمال التي تقدم من المؤسسات.

               وبالرجوع إلى المادة 57 من النظام الداخلي لمجلس النواب نجدها تلزم بضرورة النقل أو البث التلفزي على الهواء مباشرة لاجتماعات اللجان البرلمانية الدائمة،غير أن هذا البث غير كاف لأن هناك بعض نصوص القانون يتم إصدارها أو إلغاؤها تحت الطلب أو الضغط من قبل بعض الجماعات الضاغطة كما سبق وأن أسلفنا الذكر.

             ولا ننسى المادة 72 من نفس النظام التي نصت على ضرورة القيام بإعداد تقارير حول المواضيع والقضايا التي تم تدارسها ومناقشتها بين اللجان،ويتم نشرها في الموقع الإلكتروني لنفس المجلس وتنشر في الجريدة الرسمية،كما نص أيضا الفصل 68 في فقرته الأولى على أنه :” جلسات مجلسي البرلمان عمومية،وينشر محضر مناقشات الجلسات العامة برمته في الجريدة الرسمية للبرلمان “،ومن شأن هذا تعزيز الشفافية في إعداد النصوص التشريعية.

-ثانيا : مبدأي المساواة والحياد القانوني.

لما كان من غايات القاعدة القانونية تحقيق العدل و المساواة،فإنها يجب أن تضمن الحد الأدنى المطلوب من المساواة بين أفراد المجتمع؛وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 6 من دستور فاتح يوليوز :” القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة،والجميع،أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين،بما فيهم السلطات العمومية،متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له “،والقانون هنا يخاطب الجميع على قدم المساواة،وهذا ما جعل القاعدة القانونية بعموميتها تتصف بالحياد والتجرد،لأن المفترض ألا تصاغ لصالح فئة  ضد فئة أخرى فمثلا مدونة الشغل المفترض في واضعيها أنهم صاغوها على أساس مبدأ المساواة،دون تغليب مصلحة الأجراء على مصلحة المشغلين أو العكس،لكن هذا لا يمنع أن يخاطب القانون في بعض الأحيان فئة معينة أو شخصا معين لصفته؛ذلك أنه قد تضيق القاعدة القانونية أحيانا وتخاطب مؤسسة لصفتها وليس لذاتها،فقد تخاطب المؤسسة التشريعية أو المواطن أو غيره،إلا أن هذا الخطاب وعلى الرغم من أنه موجه لمؤسسة معينة لوحدها فلا يجب أن يغلب مصلحتها ويدعمها على حساب المصلحة العامة؛وإذا كان الفصل 126 من الدستور قد نص على أنه :” الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع “،فإن المادة 9 من مشروع قانون المالية رقم 19-70 لسنة 2020 والتي تنص على مايلي :” يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الأمر بالصرف للإدارة العمومية.في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيئ المقضي به يدين الدولة بأداء مبلغ معين.يعين الأمر بالصرف بصرفه داخل أجل 60 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي في حدود الإعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية…” وهذا يوضح على أن هذه المادة لم تحقق المساواة المطلوبة في الخضوع و الانصياع لحكم القانون التي نص عليها الفصلين 6 و 126 من الدستور بحيث غلبت مصلحة الإدارة العمومية في عدم الخضوع لحكم القانون على المصلحة العامة التي تقضي بخضوع جميع الأشخاص الذاتيين و الاعتباريين لحكم القانون؛لأنه إذا أنتجنا تشريعا يضمن المساواة والحياد ويتجرد من الانتماءات والخلفيات سنضمن حكامة تشريعية جيدة وسيصبح لدينا تشريعا يضاهي وينافس تشريعات  الديمقراطيات الغربية.

المطلب الثاني : رهانات تجويد الصناعة التشريعية.

             إذا كانت الحكامة أسلوب حديث وعقلاني لدمقرطة وحوكمة التدبير وترشيده؛فالتشريع واحد من الميادين التي يجب أن تستند في تدبيرها إلى الحكامة،وإن هذا لمن شأنه أن يحقق توازن واستقرار تشريعي ( الفقرة الأولى )،و تأسيس منظومة تشريعية ذات مرجعية وطنية قادرة على المنافسة ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : تحقيق الاستقرار و التوازن التشريعي.

                في صلب حديثنا عن هذه النقطة سنتناول بالدرس والتحليل رهان تحقيق الاستقرار التشريعي (أولا)،وكذا سن نصوص تشريعية متوازنة ومسالمة للقضاء(ثانيا).

-أولا : تحقيق الاستقرار التشريعي.

              إن من أهم الأهداف التي تسعى وتراهن عليها الحكامة في ميدان التشريع تحقيق الاستقرار التشريعي،وهذا لن يتأتى إلا إذا تم ضبط التقنيات الخاصة بوضع مشاريع النصوص التشريعية عبر إعداد دلائل لصياغة التشريعات ووضعها رهن إشارة الجهات المختصة،وإشراك الأساتذة الجامعيين المختصين في عملية وضع مشاريع النصوص القانونية.

               والصياغة التشريعية الجيدة هي تلك التي تكون واضحة المعاني،مألوفة المصطلحات،سليمة اللغة،محققة للأهداف التي سنت لأجلها،ومتفقة مع الأفكار والقيم السائدة في المجتمع،وأن تتميز بالوضوح والتجرد، و أن تكون متسمة بالمرونة وقادرة على مسايرة التحولات المجتمعية،وهذا يكون مرده للأعمال التحضيرية التي تسبق وضع مشاريع القوانين كالدراسات القبلية لأثر التشريع ومن شأن الصياغة السليمة التي تكون من هذا القبيل أن تعمر لمدة طويلة،وفي مقابل ذلك كل صياغة تشريعية غير محتكمة للضوابط السالف ذكرها لا يمكن أن توصف بالعلمية ولن يترتب عنها سوى إحداث فوضى قانونية وغياب استقرار تشريعي .

-ثانيا : سن تشريع متوازن وصديق للقضاء.

                لا يكفي أن تكون الصياغة التشريعية واضحة وعلمية وسليمة لكي تحقق العدالة المنشودة،بل يجب أن تكون متوازنة أي أن تكون أكثر مرونة من شأنها أن تساعد القضاء على تنزيل القاعدة القانونية بعدالة ومساواة،وهذا لن يتأتى إلا إذا كنت الصياغة التشريعية توقعية بمعنى أخر أن تكون منظمة لأحوال ونوازل أخرى لم تقع بعد وإنما من المتوقع أن تحدث مستقبلا و متضمنة للحلول المناسبة لها.

               ولهذا فكل صياغة جامدة على الرغم من كونها تحقق مراميها وأهدافها إلا أنها لا تدع مجالا أو متسعا يجتهد فيه القاضي أو يعمل سلطته التقديرية،عكس الصياغة التي تكون مرنة بحيث يكون بمستطاعها أن تستجيب لتطلعات المجتمع وتتوافق مع متغيراته،بحيث يكون بمقدور القاضي إعمال سلطته التقديرية لحماية حقوق وحريات الأفراد،مما يجعل القانون هنا يحقق استقرار العلاقات والمعاملات المدنية ،ويحقق الإنصاف  كأسمى مبتغى قانوني.

الفقرة الثانية : تأسيس منظومة تشريعية ذات مرجعية وطنية قادرة على التنافسية التشريعية.

                إلى جانب الأهداف السالفة الذكر تراهن الحكامة التشريعية على أهداف أخرى تتحدد  في التأسيس لمنظومة تشريعية ذات مرجعية وطنية –محلية ( أولا )،و تعزيز القدرة التنافسية للتشريع الوطني أمام التشريعات المقارنة ( ثانيا ).

-أولا : التأسيس لمنظومة تشريعية ذات مرجعية وطنية محلية.

              من شأن تطبيق أسلوب الحكامة التشريعية ببلادنا أن يؤسس لهوية تشريعية وطنية محلية؛وذلك لأن الحكامة تسعى لسن تشريع يضمن المساواة القانونية لكافة المواطنين أمام أحكامه،وهذا لا يتحقق من منظور الحكامة إلا إذا عمل المشرع المغربي على عكس المبادئ والقيم والأعراف الوطنية المحلية وترجمتها إلى نصوص قانونية تعبر عن الإرادة العامة للمجتمع المغربي،وهو ما عمل به المشرع المغربي في مدونة الأسرة وبخاصة القواعد المنظمة لتدبير الأموال المكتسبة أثناء فترة الزوجية عبر الاستعانة بالنوازل والعمل الخاص بمناطق سوس.

-ثانيا : تعزيز القدرة التنافسية للتشريع الوطني أمام التشريعات المقارنة.

               في سياق الأوضاع الجديدة التي فرضتها ظاهرة العولمة،والتحولات المتسارعة للعالم،تحول منطق المنافسة من الاقتصاد إلى القانون؛فأصبح القانون هو الأخر يخضع لمنطق المنافسة،فبرزت موجة قوية للمنافسة بين مجموعة من التوجهات التشريعية القوية وذات الصيت العالي،ويتعلق الأمر بالنظام القانوني اللاتيني وتنضوي تحته ألمانيا وفرنسا و أغلب دول أوروبا ومنها المغرب ودول شمال إفريقيا، والنظام القانوني الأنجلوساكسوني وتنضوي تحته الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على وجه الخصوص،وإذا كان صيت وصدى هذه التشريعات يملئ دول المعمور التي ما إنفكت تزال تصدح تحت نير التبعية الاقتصادية والتشريعية لأن التبعية التشريعية أو القانونية تتولد من التبعية الاقتصادية،فإن  تطبيق الحكامة في ميدان الصياغة التشريعية لمن شأنه أن يؤسس لمنظومة تشريعية مستقلة وحرة تستمد روحها من توجهات وأعراف المجتمع المحلية وتستنبط أحكامها من الشريعة الإسلامية السمحاء، وترقى إلى المستوى المطلوب والعدالة والجودة المنشودة،مما يجعلها قادرة على أن تدخل حرب المنافسة التشريعية التي فرضتها ظاهرة العولمة القانونية أو ما يسمى ب “عالمية القاعدة القانونية”،وذلك عبر نشر التوجهات التشريعية الوطنية والمحلية في العمق الإفريقي ليصبح القانون هو الأخر القوة الناعمة إلى جانب الاقتصاد التي تستعين بها المملكة المغربية في تمددها الإفريقي،حتى يصبح المغرب بذلك حارس بوابة أفريقيا.

خاتمة :

          ختاما أمكن القول أن الممارسة التشريعية بالمغرب من قبل البرلمان والحكومة أضحت تدعو إلى القلق،وتدفعنا إلى الشك في استقلالية وكفاءة هذه الأجهزة المتدخلة في المسلسل التشريعي،ولذلك فحتى لو قلنا فرضا أن صناعة التشريع ببلادنا تحتكم لمؤشرات الحكامة التشريعية،فإن ذلك لا يبرهن على شيئ من المنطق لا من قريب ولا من بعيد،ذلك أنه في ظل الوقت الذي تنعم فيه بعض مجتمعات الديمقراطيات الغربية في كنف رفاه وأمن قانونين،نحن لازلنا عالقين في ترميم وسد الفراغات وتصحيح بعض المغالطات التي تتخلل جسد المنظومة التشريعية الوطنية بمعول التقويم والتنبيه،ولهذا وحتى لا ندع مجالا ومتسعا لأحد قد يجرأ على نعتنا بالتسلط الفكري والديكتاتورية الفكرية،يكفي أن نؤكد أن قولنا في هذا المقال لا يدل على ادعاءنا بامتلاك ناصية الحقيقة والمعرفة القانونية؛بل هي فقط وجهة نظر لا غير نؤمن بضرورة الدفاع عنها ومناصرتها لتصل لسمع العلن بعدما برهنا على صحتها ومنطقيتها بما سبق وأن فصلنا في ذكره أعلاه.

 

 ويمكن استخلاص الأمثلة على هاتين الفكرتين الإيديولوجيتين عن طبيعة الإنسان وقدره من المصادر العديدة المبعثرة ،حسبنا أن نشير إلى بعض منها هنا ؛ففي الصين القديمة نجد في القرن الثالث قبل الميلاد مدرسة مشهورة اسمها ( المشرع ) بموجبها كانت تؤمن بأن الإنسان في الأصل ذو طبيعة شريرة … وأن الطريقة الخيرة التي يتصرف بها الإنسان ، سببها في الغالب تأثير البيئة الإجتماعية ،وخاصة تعلم الطقوس الدينية وضوابط قوانين العقوبات ،ومن بين المبادئ المقررة التي تؤمن بها المبدأ القائل ( إن قانونا واحدا مقترنا بعقوبات شديدة لضمان تنفيذه ،أفضل من كل كلمات الحكماء لحفظ النظام )،وفي الحقبة ذاتها أكد كتاب (الشاشترا) في الهند أن الإنسان بطبعه عاطفي وجشع ،وأنه إذا ما ترك له العنان فإن العالم سيتحول إلى (ورشة للشيطان) يسود فيها (منطق السمك) ؛أي أن الكبير يأكل الصغير . ونجد نظيرا لهذه الأراء في مؤلفات عدد من كتاب أوروبا الغربية الحديثة ،فبالنسبة ل ( بودان ) كانت حالة الإنسان الأصلية هي حالة الفوضى والعنف والقوة ، ووصف (هوبز) لحياة الإنسان البدائي بأنها كانت حالة حرب مستمرة وأن حياة الفرد كانت فظة قذرة وقصيرة اصبح الوصف الكلاسيكي،ويرى (هيوم) أيضا أن المجتمع البشري لن يكون له وجود بدون القانون والحكومة والقمع،ومن هنا فإن القانون ضرورة طبيعية للبشر… للمزيد  يرجى الإطلاع على : دينيس لويد ،فكرة القانون، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب،سلسلة عالم المعرفة،نونبر –47- 1981 –الكويت،الصفحة15-16. 

 

تم بعون الله وتوفيقه.  

  المعلومة القانونية

*خالد موهيب

طالب باحث في العلوم القانونية والقضائية

وخريج ماستر قانون المنازعات بجامعة المولى اسماعيل بمكناس

قد يعجبك ايضا