الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للإدارة في مجال التأديب

مقدمة:

مما لاشك فيه أننا اذا اردنا نتتبع تاريخيا فكرة التقدير الاداري، فلا ينبغي أن يكون تتبعنا هذا في غير نظام الدولة القانونية، الذي أوجدته الثورة الفرنسية على اعتبار أن هذا النظام يشكل بالفعل الاساس الذي تطورت إلىه فكرة الدولة القانونية إلى يومنا هذا في العديد من الدول التي أخذت بالنظام الفرنسي أو تأثرت به، فبعد الثورة الفرنسية فهم رجال الثورة الفرنسية الاوائل مبدأ سيادة القانون فهما ضيقا وجامدا، حين أخضعوا السلطة التنفيذية إخضاعا تاما للسلطة التشريعية، خضوع هيئة لهيئة، باعتبار أن السلطة التشريعية هي المعبر عن إرادة العامة للشعب، فكل السلطات ينبغي أن تخضع للقانون، وعلى ذلك فإن الإدارة والقضاء ليس لهما أي إرادة وينبغي عليهما إطاعة القانون والامتثال إلى أحكامه، لأن القانون هو الذي يقول كل شيء ويبين بتفصيل كل أمر، أي أن الإدارة في ظل نظام الثورة الاول كانت خاضعة كليا للقانون، فالمشرع استأثر بكل السلطات من أجل ضمان سيادة القانون، لكن سرعان ما اصطدم هذا المبدأ مع المقتضيات الضرورية للحياة السياسية، ذلك أن أكثر القوانين غير ممكنة التطبيق بذاتها، وتأكد عمليا بأنه من الضروري ترك السلطة التنفيذية مجالا من الحرية، كما أن الإدارة نفسها وجدث انه من الضروري أن تحصل على نوع من الاستقلال في مواجهة القانون، وأن تطالب بإصدار قرارات تقديرية. لذلك اتجه التفكير إلى إيجاد جهة قضائية خاصة بالإدارة، وهذا ما ثم في ظل حكم نابليون بونابرت حيث تم إنشاء مجلس الدولة الفرنسي، فبدأت تتحرر معه الإدارة من الخضوع الضيق للقانون، بحيث أدى الامر إلى تمتع الإدارة بحرية واسعة جدا، ولم تواجه هذه الاخيرة وهي تتمتع بهذه السلطة الواسعة سوى قيد احترام الحقوق الشخصية للأفراد، فمجلس الدولة منذ أول تكوينه بدأ يطور رقابته عمقا ومظهرا كلما سمحت له الظروف السياسية والتشريعية، وكان تاريخه الطويل يمثل صراعا بين الإدارة وما تريده ان يعترف به لها من طرف مجلس الدولة من واسع التقدير، وبين ما يريده هو أي مجلس الدولة من ضمان لحقوق الافراد وحرياتهم من جور الإدارة وطغيانها، حيث عمل هذا الأخير جاهدا على إيجاد توازن دقيق بين ما ينبغي للصالح العام وللنظام العام، فمجلس الدولة لم يتوقف ابدا عن الكفاح ضد التحكم الاداري، واستطاع شيئا فشيئا أن يفرض رقابته، بالنسبة لقرارات كانت توصف بأنها ليست من طبيعته، فعلى الرغم من كون نظرية القرارات التقديرية عاشت في الفقه والقضاء إلى بداية القرن العشرين، إلا أن مجلس الدولة كان باستمرار يحاول التوصل إلى فرض رقابة بالنسبة لجميع اركان القرارات الادارية دون استثناء، فاستطاع بذلك في النهاية ارساء مبدأ الشرعية بكل مظاهره في القرارات الادارية، أما بالنسبة للسلطة التقديرية للإدارة، فلا يمكن إعمالها الا بالنسبة لبعض العناصر المكونة للقرار الاداري، ولا يمكن بحال أن تتسع هذه السلطة لتشمل جميع عناصر القرار، فالسلطة التقديرية لا تمارس على هامش القانون بل هي حرية تمارس في إطار القانون وداخل حدوده، فهي مجرد وسيلة لتحقيق تنفيد القانون على أكمل وجه. وعلى ذلك فإن فكرة التقدير الاداري مرت بمراحل متعددة ومتدرجة، وأن امتداد هذا التقدير لم يكن فقط في مصدره تشريعيا بقدر ما كان قضائيا، فالأعمال التي كانت تعترف الإدارة لنفسها بحرية التقدير الكاملة في إجرائها دون أن تخضع إلى رقابة قضائية لم تكن نتيجة لنصوص تشريعية محددة بل كانت على الأغلب نتيجة نظريات فقهية وقضائية تأثرت بالمفاهيم السياسية السائدة والمتطورة عن فكرة الدولة وإرادتها[1].

فالمشرع وجد نفسه غير قادر على الاحاطة بمختلف الصعوبات التي قد تواجه الإدارة ابان تنفيذها قراراتها، فلجأ إلى منح الإدارة سلطة تقديرية من أجل تجاوز الجمود الذي قد يطال النصوص القانونية إضافة إلى إيمانه بأنه إذا منحها قدرا من الحرية سوف يخلق ديناميكية وبالتالي سوف تتجاوز الإدارة  الروتين اليومي.

والقول أن المشرع منح الإدارة سلطة تقديرية لا يعني أنها يمكنها ان تفعل ما تشاء وقت ما تشاء بدون رقيب ولا حسيب بل هي تقدر في هامش الحرية الممنوحة لها تحث رقابة القاضي الاداري .

اذ تعد الرقابة القضائية على أعمال الإدارة من بين الضمانات الحقيقية والفعالة لحماية حقوق الافراد وحرياتهم، فالحديث عن السلطة التقديرية للإدارة هو بالضرورة الوقوف على مجال الاختصاص التقديري للإدارة، فإذا كانت الإدارة تتعسف في استعمال السلطة في الحالة التي تكون مقيدة بالقانون، فما بالك عندما تمارس السلطة التقديرية التي تمنحها قدرا من الحرية، حيث يسمح لها بالتدخل أو الامتناع، كما يترك لها تقدير كيفية ووقت هذا التدخل.

وبالتالي فالهدف من فرض رقابة قضائية على أعمال الإدارة هو الحد من التعسف الذي قد تنهجه الإدارة في حق الافراد وحرياتهم، خاصة عند اصدارها قرارات متعلقة بالمجال التأديبي يكون هدفها معاقبة موظف ارتكب خطأ إداريا، فإن الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية في اختيار العقوبة الملائمة وفقا لمختلف الظروف والاعتبارات ودرجة المخالفة، وبالتالي فإن الرقابة القضائية على ممارسة السلطة التقديرية للإدارة هي وسيلة شرعية والزامية من أجل حماية حقوق الافراد وحرياتهم.

فقد تخطى القاضي الاداري الفرنسي المبدأ السائد في القضاء الاداري، والذي كان ينص على أن قاضي الالغاء هو قاضي مشروعية وليس قاضي ملائمة، حيث كان دوره يقتصر على فحص مدى شرعية القرارات المتخذة ومطابقتها للقانون، ولا يحق له أن يطلب من الإدارة تعديل قرارتها أو إصلاحها أو أن يتدخل محلها من أجل اتخاذ القرار الصائب أو البحث في تقديرها لأهمية وخطورة الوقائع ومدى التناسب بينها وبين الإجراء المتخذ، لكنه الآن  أصبح يفرض رقابته على الملاءمة في المجال التأديبي حفاظا على حقوق الافراد.

وعلى الرغم من قدم موضوع الرقابة القضائية على أعمال السلطة التقديرية، إلا أنه يظل حديث العهد من حيث أهميته المتزايدة كلما ارتبطت بمجال التأديب، نظرا لتعإلى الأصوات التي نادت بضرورة تدخل القاضي في المراقبة على الملاءمة في مجال التأديب، وعدم الاقتصار على النظرة التقليدية، ودفعه إلى البحث عن ألية جديدة من أجل مواجهة التقديرات المتجاوزة وغير المعقولة.

هذا الموضوع يطرح مجموعة من الاشكالات والتساؤلات المتعلقة بكيفية رقابة القاضي الاداري على السلطة التقديرية للإدارة خاصة في مجال التأديب ولعل ابرزها:

إلى أي حد استطاع القاضي الاداري حماية حقوق الأفراد من سلطة الإدارة التقديرية في مجال التأديب وشل نشاط حركة الإدارة؟

وتتفرع عن الاشكالية الرئيسة مجموعة من التساؤلات المتمثلة في ما يلي:

  • ما هو مفهوم السلطة التقديرية للإدارة وما هو أساسها الشرعي؟
  • ما هي مبررات ونتائج الاعتراف بالسلطة التقديرية للإدارة؟
  • ما هي أهم تطورات الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للإدارة في مجال التأديب؟

لقد اعتمدنا في هذه الدراسة على المنهج الوصفي لما يتضمنه الموضوع من تعريفات وتوضيحات للمفاهيم القانونية، والمنهج التحليلي من خلال المناقشة والتعليق على بعض القرارات، والمنهج المقارن من خلال مقارنة تجارب مختلفة (فرنسية، مصرية، مغربية) وكذلك المنهج التاريخي من خلال تتبع مسار كل من السلطة التقديرية وكذلك الرقابة القضائية عليها خاصة في مجال التأديب.

ومن أجل الاجابة على التساؤلات التي تطرحها الاشكالية قمنا بتقسم الموضوع إلى قسمين أساسيين هما:

الفصل الاول: مدلول السلطة التقديرية  للإدارة

الفصل الثاني: تطور رقابة القضاء الإداري على الملاءمة في المجال التأديبي

 

 

الفصل الاول: مدلول السلطة التقديرية  للإدارة

على الرغم من كون مبدأ الشرعية يعد من الضمانات الممنوحة للأفراد من اجل الحد من التعسفات التي قد تنهجها الإدارة، الا انه قد تم الاعتراف للإدارة ببعض الحرية في التقدير بغية تجنب وتفادي الروتين والجمود، فهي مقيدة من جهة في بعض القرارات التي لا يمكن أن تقدم عليها الا بناء على الشروط التي حددها القانون، على سبيل المثال:”الطالب الذي يستوفي الشروط اللازمة للالتحاق بجامعة معينة فهذه الاخيرة لا يحق لها ان ترفض طلبه”. ومن جهة ثانية، فقد ترك المشرع قدرا من الحرية للإدارة في التصرف ّدون أن تخضع لمراقبة على سبيل المثال:”ترقية الموظفين عن طريق الاختبار، فالإدارة في هذه الحالة لها سلطة تقديرية في تحديد الموظفين المستفيدين من هذه الترقية”، فالسلطة التقديرية تجد أساسها ومرتكزها في كون أن المشرع غير قادر على وضع كافة الخطوط العامة للحياة الإدارية، فترك للإدارة حق التصرف في تفاصيل هذه الخطوط التي أقرها المشرع، وهذا كله في اطار تحقيق المصلحة العامة([2]). وعليه سنتناول بالتحديد مفهوم السلطة التقديرية للإدارة ونطاقها في (المبحث الاول) ومبررات الاعتراف بالسلطة التقديرية للإدارة ونتائجها في (المبحث الثاني).

المبحث الاول : مفهوم السلطة التقديرية  للإدارة ونطاقه

ترك المشرع للإدارة حرية التصرف والتقدير، لأنه تأكد بأنها قادرة على التدخل واختيار الحلول والوسائل المناسبة للتدخل، لأنه يظل في الأخير غير قادر على معالجة جميع الحالات التي قد تطرأ في العمل الاداري، وبالتإلى تكون السلطة التقديرية للإدارة ضرورة حتمية لحسن سير الإدارة وتحقيق غاياتها المتعددة، فالقانون قد لا يجبر الإدارة على اتباع طرق معين من أجل اصدار قرار محدد بمضمون معين خلال مدة زمنية معينة، وانما ترك لها سلطة تقديرية من أجل تقدير حيثيات الحالات المعروضة عليها. وخير مثال على ذلك القرارات الضبطية، فقد تلجأ الإدارة إما إلى التشديد في إجراءات الضبط، وقد تكتفي بإجراءات أقل شدة إن كان الظرف أقل خطورة([3])، وبالتالي فإن دراستنا لهذا المبحث ستشمل كلا من تعريف السلطة التقديرية وأهميتها في (المطلب الاول)، ثم حدود السلطة التقديرية  للإدارة في (المطلب الثاني)، وفي الأخير  مقارنة بين السلطة التقديرية والاختصاص المقيد للإدارة (المطلب الثالث).

المطلب الاول: تعريف السلطة التقديرية واهميتها:

سبق أن قلنا، إن السلطة التقديرية للإدارة، تعني تمتعها بقسط من حرية التصرف وهي تمارس معظم اختصاصاتها القانونية، إلا أن هذا التعريف للسلطة التقديرية لا يخرج عن كونه مجرد تعريف مبدئي، وبالتإلى فإن دراسة هذا الموضوع يقتضي منا بحثا أكثر عمقا وأوسع شمولا، وعلى ضوء ذلك سوف نتناول تعريف السلطة التقديرية للإدارة في (الفقرة الاولى) ثم أهميتها في(الفقرة الثانية).

الفقرة الاول: تعريف السلطة التقديرية للإدارة

يقصد بالسلطة التقديرية (مبدأ الملاءمة) أن يترك المشرع للإدارة قدرا من الحرية في التصرف وهي تمارس اختصاصاتها القانونية، وذلك وفقا للظروف دون معقب عليها، اذ لها الكلمة الأخيرة دون منازع، وفي مجال التأديب يقصد بالسلطة التقديرية للإدارة تمتعها بقسط من حرية التصرف في تأثير الفعل موضوع الجريمة التأديبية، وتحديد ما يناسبه من جزاء تأديبي([4]).

ويعرف الفقيه الفرنسي ديلوبادير السلطة التقديرية:”بأنها ذلك الهامش من الحرية التي تتركها مصادر المشروعية للإدارة في ممارستها للنشاط الاداري”. كما يعرفها الفقيه ميشو”بانها السلطة التي تتصرف بها الإدارة عندما لا يكون التصرف قد أملي عليها مسبقا”([5]).

كذلك عرفها العميد بونار بقوله:”سلطة الإدارة تكون تقديرية حينما يترك لها القانون، بصدد علاقتها مع الافراد، الحرية في أن تتدخل أو تمتنع وقت هذا التدخل وكيفيته وكذلك فحوى القرار الذي تتخذه، فالسلطة التقديرية هي التي يتركها القانون للإدارة لتحديد ما يصح عمله وما يصح تركه”([6]).

أما الفقيه الفرنسي ميشو فيرى:”إن السلطة التقديرية تتحقق في كل مرة تستطيع فيها السلطة الإدارية ان تعمل بحرية، ودون أن يكون هناك مسلك محدد تفرضه بطريقة مسبقة إحدى القواعد القانونية”([7]).

ويعرفها بعض الفقه العربي:”بأنها تلك الحرية التي تتمتع بها الإدارة في مواجهة كل الافراد والقضاء لتختار، في حدود الصالح العام، وقت تدخلها ووسيلة هذا التدخل وتقدير خطورة بعض الحالات”([8]).

وعرفها الدكتور سامي جمال الدين بقوله:”السلطة التقديرية للإدارة فإنها تعني تمتعها – أي الإدارة- بقسط من حرية التصرف عندما تمارس اختصاصاتها القانونية، بحيث يكون للإدارة تقدير اتخاذ التصرف أو الامتناع عن اتخاذه، أو اتخاذه على نحو معين، أو اختيار الوقت الذي تراه مناسبا للتصرف، أو السبب الملائم له، أو في تحديد محله”([9]).

اذا من خلال التعريفات السابقة يتضح لنا أن السلطة التقديرية هي تلك الحرية التي تتمتع بها الإدارة وهي تمارس مختلف اختصاصاتها دون أن يفرض عليها القانون ضرورة التقيد أو التصرف على نحو معين. وهذا ما من شانه أن يخلق روح الابتكار والتعاون، فالمشرع هنا ترك لها الاختيار بين قرارين أو أكثر من أجل إجاد القرار السليم  الاكثر ملاءمة شريطة أن يكون هذا القرار متفقا مع المشروعية.

الفقرة الثانية: اهمية السلطة التقديرية للإدارة

تتجلى أهمية السلطة التقديرية للإدارة بالأساس في تفادي عيوب الاختصاص المقيد للإدارة بحكم أن هذه الأخيرة لا تستطيع مواجهة بعض الحالات بأسلوب الاختصاص المقيد، لذلك منح للإدارة بعض الحرية من أجل إيجاد الحلول الملائمة لمواجهة مختلف الحالات الطارئة من جهة، ومن جهة أخرى تكون لها كذلك القدرة على الابتكار لمواكبة التغيرات في مختلف المجالات سواء اقتصادية أو اجتماعية…كما تظهر أهمية السلطة التقديرية  كذلك من خلال عدم قدرة وتمكن المشرع من معرفة جميع خبايا الحياة الادارية، وبالتإلى استحالة وعدم قدرة  المشرع على وضع قواعد عامة ومجردة يكون بمقدورها أن تعالج جميع تفاصيل الحياة الادارية. لذلك فإن السلطة التقديرية ضرورية بالنسبة للإدارة خاصة عندما تطرح حالة عند تنفيذ أمر إداري معين والتي لم يكن المشرع على علم بها مسبقا، فيكون مضطرا إلى ترك هذه الأمور إلى الإدارة، لأنها أولى بتقديرها وفقا لما تتمتع به من خبرة وتجارب ووسائل كفيلة بتدبير الأمور([10]).

المطلب الثاني: حدود السلطة التقديرية للإدارة

لقد استقر القضاء منذ مدة زمنية طويلة على تعريف القرار الإداري بأنه:”إفصاح الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون، عن إرادتها الملزمة، بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح، وذلك بقصد إحداث أثر قانوني معين، متى كان ذلك ممكنا وجائزا قانونا، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة”([11]). ومقتضى ذلك فإنه لكي يكون القرار الاداري الصادر عن الارادة المنفردة للإدارة صحيحا ومشروعا لابد من توفر العناصر التي حددها القانون والمتمثلة في الاختصاص، الشكل، السبب، المحل، الغاية، والتي يتعين على الإدارة احترامها وهي بصدد اصدار قرارتها وإلا كانت قرارتها غير مشروعة، وبالتالي فالسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد: ما هي هذه العناصر التي نستطيع من خلالها أن نحدد مدى حرية التقدير التي تتمتع بها الإدارة؟

أولا: ركن الاختصاص

يعرف ركن الاختصاص بأنه:”الصفة القانونية أو القدرة القانونية التي تعطيها القواعد القانونية المنظمة للاختصاص في الدولة، لشخص معين ليتصرف ويتخذ قرارات إدارية باسم ولحساب الوظيفة الإدارية في الدولة على نحو يعتد به قانونا”([12]).

ويعد هذا الركن من بين أهم أركان القرار الإداري فغالبا ما يكون هذا الركن من القرار الإداري محددا بمقتضى القانون، بحيث اذا ما صدر هذا القرار الاداري من طرف موظف غير مختص، كان هذا القرار معيبا بعدم الاختصاص، وذلك راجع لكون هذا الموظف ليست له الصفة  القانونية على اتخاذ القرار، وبالتالي فالإدارة ليس لها اي سلطة تقديرية في هذا المجال بل هي مقيدة بقواعد الاختصاص([13]).

فهي إما أن تكون مختصة لإصدار القرار الاداري أو لا تكون، فهي ليست لها حرية الاختيار وإن كانت في أغلب الاحيان تعمل على توسيع صلاحياتها، وتجدر الاشارة إلى انه يمكن تفويض الاختصاص إلى موظف في مرتبة المفوض أو دونهما إما بصفة مستمرة أو محدودة بالاستناد على نص تشريعي ولا يعتبر مغتصبا لسلطة الاختصاص.

فقد أثارت المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها بتاريخ 2012/3/15 عيب عدم الاختصاص الذي شاب  القرار الصادر عن المندوب الاقليمي للشؤون الاسلامية، والقاضي بإعفاء الطاعن من مهامه كإمام وخطيب، معتبرة أن تخويل الوزير صلاحية التعيين يعني بالتبعية ضرورة صدور جميع القرارات فيما يتعلق بالوضعية الإدارية للقيمين الدينيين عن الوزير نفسه([14]).

وعدم الاختصاص يظهر في مجموعة من الصور، فقد يكون في شكل اغتصاب للسلطة في الحالة التي يصدر فيها القرار من فرد عادي ليست له أية صفة ولم يكلف، أو اذا صدر من سلطة غير مختصة تطفلت على اختصاص سلطة أخرى، فقامت بإصدار قرار لا يدخل ضمن اختصاصاتها. ففي حكم للمحكمة الادارية بأكدير قضت بأن قيام السلطة الادارية بإغلاق جمعية دار القران وتوقيف نشاطها يعد تطاولا على اختصاص السلطة القضائية، وبالتالي ترتب عليه اعتبار القرار الذي اصدرته السلطة الإدارية منعدما ومجردا من كل أثاره القانونية. وقد يظهر في شكل عيب عدم الاختصاص الموضوعي أي أن هذا القرار الذي أصدرته هذه السلطة لا يدخل ضمن اختصاصها الموضوعي، كأن يعتدي وزير الصحة على الاختصاص القانوني لوزير التعليم، ومن الامثلة على ذلك صدور قرار عن رئيس الديوان دون أن يكون ذلك مبنيا على تفويض من طرف الوزير، وبالتالي فإن القرار صدر عن شخص غير مختص. وقد يظهر كذلك في شكل عدم اختصاص مكاني أو زماني ففي حالة ما تجاوز القرار الإداري النطاق الجغرافي المخصص له العمل فيه نكون أمام عيب عدم اختصاص مكاني بحيث لا يمكن لعامل إقليم الرشيدية أن يتخذ قرارا يدخل ضمن الإختصاص الترابي لعامل إقليم مكناس، وإذا تعلق الأمر بإتخاذ موظف لقرار قبل أو بعد المدة التي يتولى فيها الوظيفة نكون أمام عيب عدم اختصاص زماني([15]).

ثانيا: ركن الشكل والاجراءات:

      يعد ركن الشكل العنصر الثاني في شرعية القرارات الإدارية، ويقصد بالشكل هو المظهر الخارجي للقرار الاداري، فقد يحدث أن يشترط المشرع بعض الشكليات والإجراءات لإصدار القرارات الإدارية، كأن يشترط القانون أن يكون القرار مكتوبا، ففي هذه الحالة على الإدارة أن تحترم إرادة المشرع وعدم الخروج على هذه الشكليات والاجراءات، لأنها تكون أمام سلطة مقيدة(مقيدة بما ينص عليه القانون)، في حين أنه اذا لم يشترط القانون أية شكليات أو اجراءات، فالسلطة الادارية لها سلطة تقديرية من أجل تنزيل القرار في الشكل الذي تراه مناسبا([16]).

فقد قضت المحكمة الادارية بالرباط بأنه:”لا يشترط في القرار الإداري أن يصدر في صيغة معينة أو بشكل معين إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك، وبالتالي لا يمكن للقاضي أن يفرض على الإدارة كتابة قرارها الشفوي”([17]).

وتجدر الاشارة إلى أن من القواعد الشكلية في إصدار القرارات الادارية وفقا للاجتهادات القضائية نجد توقيع القرار من أجل التمكن من معرفة الجهة المحدثة للقرار وهل هي مختصة أم لا. وكذلك تسبيب القرار رغم عدم الزامية الإدارة بتسبيب قراراتها، إلا أنه مع صدور القانون 03.01 أصبحت إدارة الدولة والجماعات المحلية وهيئاتها ملزمة بتعليل قراراتها الادارية الفردية السلبية الصادرة لغير فائدة المعني تحث طائلة عدم الشرعية، ثم قد يحث المشرع الإدارة على ضرورة استشارة هيئة معينة، وبالتالي فيجب عليها الاستشارة قبل اتخاذ القرار، وقد تكون هناك كذلك إجراءات واجبة أثناء اتخاذ القرار قيد بها المشرع الإدارة، كتوفر النصاب القانوني للانعقاد كما حدده القانون، وأخيرا إعلان وإشهار هذا القرار حيث تملك الإدارة حرية لاختيار الوسيلة الملائمة، على الرغم من أن النشر في الجريدة الرسمية يعد الوسيلة الطبيعية للإعلان وإشهار القرارات([18]).

ثالثا: ركن  السبب:

يقصد بالسبب في القرار الإداري:”الحالة الواقعية أو القانونية التي تسبق صدور القرار وتدفع رجل الإدارة لاتخاذه”([19]). فالإدارة لا يمكن لها ان تبني قراراتها انطلاقا من وقائع وأحداث غير موجودة، فالأصل أنه يجب أن تكون هذه الوقائع محققة الوجود، فالقرار الإداري ينبغي عليه أن يكون مستندا على الواقع، فإن صدر القرار، وهو خإلى من أية اسباب كان باطلا بحكم كونه يفتقد لركن اساسي وهو سبب وجوده، ولا يمكن لها ان تأسس قراراتها انطلاقا من أسباب وهميه وغير موجودة([20]).

وعليه يجب أن نفرق بين سبب القرار وتسبيبه، فسبب القرار الإداري يتجلى في ضرورة وجود أسباب حقيقية يقوم عليها، وعدم وجود هذه الوقائع المادية والقانونية التي تستند عليها السلطة الادارية المختصة يؤدي إلى إلغاء القرار بحكم غياب السبب، أما التسبيب فهو  مجرد إجراء شكلي يتجلى في ذكر الأسباب التي ينبني عليها القرار الذي اصدرته الإدارة وهي غير ملزمة بتسبيب قرارتها إلا اذا كان المشرع قد استوجب عليها ذلك، وألزمها بذكر الأسباب التي دفعتها إلى إصدار تلك القرارات([21]).

رابعا: ركن المحل

إن محل القرار الاداري، هو الاثر القانوني الحالي والمباشر الذي يترتب على صدور القرار الاداري، أو بمعنى آخر هو عملية التغير التي تتم في المركز القانوني إما بإنشاء أو بتعديل أو بإلغاء. وسلطة الإدارة في ما يخص ركن المحل قد تكون مقيدة وقد تكون تقديرية، فهي مقيدة اذا تعلق الأمر بوجود قواعد قانونية وجب على الإدارة اتباعها في قرارتها وذلك من أجل مواجهة بعض الحالات، على سبيل المثال في الحالة التي قد تشترط القاعد القانونية على الإدارة وجود شروط معينة لتسليم رخصة البناء، فإذا كانت هذه الشروط موجودة فعلى الإدارة منح الرخصة لطالبها، وتكون تقديرية في الحالات التي تمنح القواعد القانونية للإدارة حرية التصرف والاختيار بين عدة حلول قانونية، وعلى الرغم من أن للإدارة سلطة تقديرية واسعة في التقدير بمجرد توفر سبب يجبر الإدارة على التدخل، إلا أن القضاء الاداري أخضع هذه السلطة لبعض القيود وذلك من أجل التوفيق بين ضرورة فاعلية العمل الإداري وحماية حقوق المواطنين([22]).

خامسا: ركن الغاية

يعرف الدكتور عمار عوابدي ركن الغاية بأنّه:”الأثر البعيد والنهائي وغير المباشر الذي يستهدفه متخذ القرار الإداري في قراره، وأهداف القرار الإداري تدور وتتمحور حول تحقيق المصلـحة العامة”، ومنه فالغاية هي الهدف أو النتيجة النهائية التي يطمح رجل الإدارة إلى تحقيقها، فالقرار الإداري هو وسيلة لتحقيق المصلحة العامة، والمشرع قد ينص إما ضمنيا أو بشكل صريح على الهدف من القرار الاداري، وبالتالي يكون رجل الإدارة ملزما على احترامه وعدم مخالفته، وإلا  كان ذلك القرار معيبا بعدم الشرعية، على سبيل المثال”الغاية من إصدار قرار بأغلاق إحدى المحلات المقلقة للراحة هو المحافظة على النظام العام أو المحافظة على الآداب”، وتجدر الاشارة إلى أن هناك فرقا بين ركن السبب وركن الغاية، فالسبب هو الدافع لاتخاذ القرار ويكون سابقا لاتخاذه، بينما الغاية فهي النتيجة النهائية التي يسعى رجل الإدارة إلى الوصول إلىها([23]).

ومنه فإن القرار الإداري إن كان يستهدف غير المصلحة العامة اعتبر غير مشروع، وكان في هذه الحالة مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة، ويبقى دور القضاء الاداري هنا هو الوقوف على الهدف الحقيقي الذي تنشده الإدارة من قرارها عن طريق تحرى بواعث القرار الإداري والظروف المحيطة به([24]).

المطلب الثالث: مقارنة بين السلطة التقديرية والاختصاص المقيد للإدارة

سنحاول في هذا المطلب أن نقوم بمقارنة مختصرة بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة، نبرز من خلالها أهم أوجه التشابه والاختلاف بين السلطتين:

1) تكون الإدارة أمام سلطة تقديرية عندما يكون المشرع قد ترك لها مجال الاختيار بين أن تتخذ إجراء أو عدم اتخاذه، وبين حرية اختيار الوقت المناسب لإصدار القرار أو السبب الملائم لإصداره أو في اختيار شكله أو تحديد محله، بينما في السلطة المقيدة فلم يترك المشرع لها أية اختيارات بحيث تكون ملزمة بالتقيد بما نص عليه القانون([25]).

2) من تطبيقات السلطة المقيدة في الحالة التي يحدد فيها القانون شروط معينة لمنح رخصة تكون الإدارة بصدد ذلك ملزمة بمنح رخصة إذا توفرت الشروط المذكورة (الالتزام بالحدود المرسومة) على سبيل المثال ترقية الموظفين وفقا لقواعد الأقدمية المطلقة، وتكون السلطة تقديرية في الحالة التي يترك فيها القانون للإدارة حرية اختيار بين منح الرخصة وعدم منحها بغض النظر عن توفر الشروط التي حددها على سبيل المثال الترقية بالإختيار وتوقيع الإجراءات التأديبية على الموظفين([26]).

3) يكمن الفرق بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة في كون أن المشرع لم يستطع تحديد الحالات والوقائع المبررة لصدور القرار، اذ اكتفى بالسكوت لاعتبارات تتعلق بالسياسة التشريعية، وبالتالي تكون الإدارة قد حلت محل المشرع في تقدير الوقائع والحالات المبررة لإصدار القرار، أما السلطة المقيدة فقد حدد لها المشرع الحالات والوقائع التي يتحقق فيها للقرار الإداري  غرضه الموضوعي([27]).

4) تظل السلطة التقديرية هي الأصل في مزاولة الإدارة لنشاطاتها بينما السلطة المقيدة هي الاستثناء، بمعنى أن للإدارة حرية التصرف طالما ان المشرع لم يقيدها بنصوص، وتكون حريتها ضئيلة عندما يكون اختصاصها مقيدا، ومع هذا التقييد إلى أبعد حد تصبح سلطة الإدارة ضئيلة([28]).

5) اختصاص الإدارة يظل تقديريا اذا لم ينص القانون على خلاف ذلك، إلا أننا نلاحظ أن القضاء حتى في الاحوال التي لم ينص فيها القانون على الأسباب التي تزاول فيها الإدارة اختصاصاتها، يفسر القانون على نحو يوسع من رقابته على القرار، أي أن القاضي يقيد الإدارة على رغم منحها القانون سلطة تقديرية([29]).

6) تعد كل من السلطة المقيدة والسلطة التقديرية لازمتين لحسن سير الإدارة، فالسلطة المقيدة تحمي حقوق الافراد من تعسف الإدارة وتضمن حسن سيرها على الطريق الصحيح، فيكفي أن يثبت الفرد الشروط المادية التي أوجبها القانون حثى تقوم الإدارة بإجابة طلبه، فاذا انحرفت الإدارة عن هذا الطريق أمكن ان يردها القضاء إلى جانب الصواب([30]).

7) للإدارة الحق في سحب القرارات متى كانت معيبة غير مشروعة على أساس بطلان هذه القرارات وعدم جواز الاحتجاج بتوليد الحقوق المكتسبة([31]).

8) إعمال عيب الانحراف بالسلطة لا يتحقق إلا عندما تكون للإدارة سلطة تقديرية، في هذه الحالة يكون لها نوع من حرية التقدير في إصدار قراراتها أو عدم اصدارها واختيار كذلك الوقت المناسب للتدخل، إضافة إلى حرية تقدير بعض الوقائع وما يتماشى معها من بين الوسائل المشروعة، وعلى الرغم من هذه الحرية إلا أنها تظل مقيدة بضرورة استهداف الصالح العام، فإذا انحرفت عن هذه الأهداف كان قرارها مشوبا بعيب الانحراف في السلطة([32]).

9) ترتبط السلطة التقديرية للإدارة بفكرة الملاءمة، أي أن المشرع ترك لها حرية تقدير ملاءمة اعمالها، وفي هذه الحالة فهي لا تخضع لرقابة القضاء إلا في حدود ضيقة على اعتبار أن القاضي الإداري هو قاضي مشروعية وليس قاضي ملاءمة، وتبعا لمبدأ الفصل في السلط، فإن القاضي اذا تعرض لبحث ملاءمة العمل الإداري، يكون بهذا الصدد جعل من نفسه سلطة رئاسية على الإدارة، وحل محلها، وتدخل في شؤنها، مما يعد ضربا في مبدأ الفصل في السلط، هذا من جهة، ومن ناحية أخرى، فإن القاضي يستحيل عليه أن يمارس سلطة الرقابة على ملاءمة التصرف الإداري لعدم قدرته على الإحاطة بخبايا الإدارة([33]).

 

المبحث الثاني: مبررات الاعتراف بالسلطة التقديرية للإدارة ونتائجها

إن الإدارة لا تستطيع عادة مواجهة جميع الحالات بأسلوب الاختصاص المقيد مما يؤدي إلى الإضرار بمصالح الأفراد وإلى شل حركة الإدارة أي الحكومة بالمعنى العام، مما يدفع بالمشرع إلى منح حرية التصرف للإدارة وفقا للظروف التي يراها ملائمة لاتخاذ القرار المناسب بما تقتضيه المصلحة العامة. فماهي المبررات التي تخول للإدارة الاعتراف بالسلطة التقديرية للإدارة في اعمالها (المطلب الأول) وما نتائج هذا الاعتراف (المطلب الثاني).

المطلب الاول: مبررات السلطة التقديرية للإدارة

تجد السلطة التقديرية تبريرها في مقتضيات العمل وضروريات الحياة الإدارية، بحيث أن المشرع يضع قواعد عامة مجردة فلا يستطيع أن يتنبأ بجميع الحالات الخاصة التي تحكمها هذه القواعد، لذلك ترك للإدارة معالجة الحالات الواقعية ووزن ظروفها وملابساتها لأنها اكثر احتكاكا بالأفراد واقرب إلى الجمهور، وقد منح المشرع للإدارة هذه السلطة شعورا منه بانها اقدر على اختيار الوسائل  المناسبة للتدخل واتخاذ القرار الملائم في ظروف معينة، وأنه مهما حاول لا يستطيع أن يتصور الحالات جميعها التي قد تطرأ في العمل الإداري ويرسم الحلول المناسبة لها، فالسلطة التقديرية ضرورة لحسن سير العملية الإدارية وتحقيق غاياتها، فسلطة الإدارة التقديرية ضرورة اجتماعية فيما يتعلق بعلاقة الإدارة بالمشرع وايضا فيما يتعلق بعلاقتها بالقضاء([34]).

هناك مبررات من جانب المشرع تجعله يعمل على منح الإدارة بعضا من حرية التقدير، ومبررات اخرى من جانب القاضي، وهذه المبررات هي كالآتي:

الفقرة الأولى:  المبررات العملية

إن السلطة التقديرية للإدارة من الناحية العملية تسمح للإدارة بملاءمة تصرفاتها والحاجات والمتغيرات الاجتماعية، وبتطبيق القواعد العامة المجردة على الوقائع المتغيرة للحياة إلىومية. وغياب هذه السلطة التقديرية قد يعرض النظام السياسي للدولة للخطر. لأن حصر عمل الإدارة في مجرد المنفذ سيحدث كسرا في الرابطة التي تصل الحاكم والمحكومين. فالإدارة لم تعد كما كانت بفعل التطور الاجتماعي والاقتصادي من حيث أسإلىب ممارسة الوظيفة الإدارية، وذلك من أجل مواكبة التطورات وخدمة الصالح العام. فالسلطة التقديرية هي ضرورة حتمية لابد من التسليم بها لأنها ترتبط بطبيعة الوظيفة الإدارية، وهي سلطة مقابلة لمسؤولية الإدارة في تسيير المرافق العامة بانتظام واطراد لخدمة الافراد وتحقيق النفع العام([35]).

فالمشرع لا يستطيع أن يتنبأ عند اصداره للقانون بكل ما سيحدث من وقائع واحداث في المستقبل، ولا يستطيع ان يحل مقدما كل المشكلات التي سوف تظهر عند تطبيق القانون، ولذلك كان لابد من اعطاء الإدارة سلطة تقديرية تستطيع أن تواجه بها الحالات التي تنشأ والتي لا يكون المشرع قد تنبا لها، وأن تضع الحلول المناسبة لها فالقاضي الإداري لا يستطيع عمليا أن يراقب استخدام الإدارة لسلطتها التقديرية بطريقة كاملة، فهو يكون بعيدا عن المكان الذي تقع فيه الوقائع التي تستلزم تدخل الإدارة. وكذلك لا يستطيع وهو يصدر حكمه دون أن  تكون هناك صورة مماثلة عن الحادث وقت حدوثه، لأنه يصدر حكمه عادة بعد مضي فترة من الزمن من وقوع الحادث، كما تنقصه الخبرة الكافية لمواجهة الحالات التي تعرض على الإدارة، كما أنه لا يكون ملما بالوسائل التي تتخذها الإدارة لدرء هذه الحالات([36]).

ثانيا: المبررات الفنية

لا شك أن الإدارة هي الأقدر على مواجهة الأمور إلىومية وحل المشكلات الإدارية التي تعترض طريق عمل الإدارة أو تمثل خطرا على النظام العام من أجل خدمة المصلحة العامة. كما أن مبادئ علم الإدارة العامة من أجل حسن قيام الإدارة بوظيفتها، يتطلب منحها  قدرا من الحرية في ممارسة اختصاصاتها وتطبيق القانون بما يتفق مع الواقع الذي تحتلك به، إذ إن القانون مهما بلغ شموله وزادت دقته لا يقوى على الاحاطة بكل شيء وبكل الجزئيات، لان التقيد يعني جمود الإدارة وعدم أدائها لمهامها، مما يعيق سير العمل الإداري ويؤثر سلبا على تحقيق المصلحة العامة. والإدارة من غير الممكن أن تمارس صلاحياتها بشكل إلى لأوامر المشرع، فالإدارة بحكم تطبيقاتها وتشعب هياكلها وتعدد اختصاصاتها لا يمكن تقييدها، لأن ذلك يؤدي إلى قتل روح الابتكار والمبادرة وخلق المشاكل والتعقيدات، التي تحول دون تحقيق المصلحة العامة للأفراد. فالإدارة هي دراع الدولة في البناء والتعمير وإنشاء المرافق العامة وحماية الأمن الداخلي والخارجي، فهي لا تستطيع القيام بتلك المسؤوليات دون أن يترك لها المشرع حق اختيار الوسائل التي تراها ملائمة لتحقيق المصالح والأهداف([37]).

ثالثا: المبررات القانونية

من أهم المبررات التي جاء بها الفقه الفرنسي للسلطة التقديرية كاستثناء وارد على مبدأ المشروعية الادارية، أن السلطة التقديرية هي ضرورة قانونية وعملية بالنسبة للإدارة، هذه الاخيرة قد اشرنا إلىها في السابق، أما من الناحية القانونية فإن السلطة التقديرية ينظر إلىها كضرورة لازمة لتكمل النقص والفراغ الذي يوجد في مجموع النظام القانوني، اذ من المستحيل على المشرع والقاضي التوقع المسبق لكل الحلول وكل أمور الحياة الإدارية، أخذا في الاعتبار الظروف الخاصة بكل حالة فردية على حدة، وحرية الإدارة التي تتمثل في سلطاتها التقديرية هي ضرورة اجتماعية في ما يتعلق بعلاقة الإدارة بالمشرع وفي ما يتعلق بعلاقاتها بالقضاء([38]).

المطلب الثاني: نتائج الاعتراف بالسلطة التقديرية للإدارة

لاشك أن الاعتراف للإدارة بالسلطة التقديرية في اعمالها له مجموعة من النتائج، والتي يمكن حصرها في حرية التصرف (الفقرة الاولى) وتمتع الإدارة بسلطتها التقديرية في اطار دولة القانون (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى : حرية التصرف

تهدف الإدارة إلى تحقيق المصلحة العامة، لذى فإن تقييدها المطلق قد يعرقل نشاطها ويقف حاجزا أمام تحقيق هذه المصلحة، فالسلطة التقديرية للإدارة تعني تمتعها -أي الإدارة- بقسط من حرية التصرف عندما تمارس اختصاصاتها القانونية، بحيث يكون للإدارة تقدير اتخاذ التصرف أو الامتناع عن اتخاذه، أو اتخاذه على نحو معين أو اختيار الوقت الذي تراه مناسبا للتصرف، أو السبب الملائم له أو تحديد محله. لكن ذلك لا يعني أبدا أن السلطة التقديرية تقترب من السلطة التحكمية أو التعسفية، اذ العكس هو الصحيح، فهي سلطة قانونية لا تخول الإدارة سوى حق الاختيار بين قرارين أو مسلكين أو أكثر باعتباره الأكثر ملاءمة، فالقرار الذي تتخذه الإدارة سيكون متفقا مع المشروعية، شريطة ألا يكون القانون قد حظر هذا القرار بالذات، ومن ثم لم يكن هذا الاختيار سببا من أسباب عدم مشروعية هذا القرار، فالإدارة لم تقم سوى بما سمح به لها  القانون، إذ ليس من المقبول الاعتقاد بأن السلطة التقديرية للإدارة هي سلطة اختيار بين أمرين أولهما مشروع والآخر غير مشروع، وعلى الإدارة أن تختار الأول منهما، وما يؤكد أن السلطة التقديرية هي سلطة قانونية أن القضاء الاداري يسهر كذلك على حمايتها وضمانها، فإذا ما أنكرتها الإدارة بأن اعتقدت أن سلطتها مقيدة في هذا الشأن، فإنها بذلك تكون قد وقعت في الخطأ في القانون، مما يجيز الطعن في تصرفاتها لهذا السبب. فالمشرع قد رأى أن  يمنح قدرا من حرية التصرف للإدارة في موضوع  ما هو أجدى وأنفع لتحقيق الهدف من هذا الموضوع، مما لو قيدها بتوقيت أو أسلوب معين للتصرف بشأن هذا الموضوع كله أو في بعض جوانبه، تاركا للإدارة حرية التصرف والتقدير بموجب خبرتها الخاصة، لاسيما وأن اعتبارات تغير الظروف وتطورها المستمر يجعل تنظيم كل دقائق نشاط الإدارة بقواعد محددة سلفا أمرا معقدا للغاية، فكلما تخلى القانون(القواعد التي تحكم نشاط الإدارة) عن تحديد وتنظيم جانب أو عنصر من عناصر قرار الإدارة أو نشاطها، كان للإدارة سلطة تقديرية في هذا الصدد. أما حين يتولى القانون تنظيم هذا الجانب أو هذه العناصر بقواعد ملزمة وآمرة فإن الإدارة تكون في هذه الحالة مقيدة بالالتزام بأحكام هذه القواعد، بحيث لا يكون قرارها مشروعا أو غير مشروع بقدر ما يكون هل هذا الجانب أو هذه العناصر مطابقة لما فرضه القانون أو مخالفة له، فالسلطة التقديرية هي حقيقة واقعية، وهي أمر تستلزمه مقتضيات النشاط الاداري، لأنه اذا كان من شأن السلطة المقيدة تحقيق أكبر ضمان لحرية الافراد وحمايتهم من تعسف الإدارة، إلا أن الإسراف في التقيد يترتب عليه أوخم العواقب، إذ يؤدي إلى شل حركة الإدارة والقضاء على روح الابتكار والابداع في وقت تواجه فيه الإدارة اليوم حركة تحول أساسية ومستمرة شملت مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، اضافة إلى الثورة التقنية (التكنولوجية) الهائلة التي يشهدها العالم المعاصر، وهي ثورة في المعلومات وأساليب الإدارة تفوق في أبعادها وأثارها الآنية والمستقبلية كل التحولات أو الثورات التي شهدتها البشرية من قبل([39]).

الفقرة الثانية: تمتع الإدارة بسلطتها التقديرية في إطار دولة القانون

إن الدولة التي تعترف للإدارة بالسلطة التقديرية في أعمالها تثبت أنها دولة قانونية وتثبت اعتناقها لمبدأ المشروعية وسيادة القانون، فالدولة غير القانونية أو الإستبدادية تكون للإدارة فيها سلطة واسعة غير مقيدة، وبهذا فإنها لا تكون سلطة تقديرية وإنما هي سلطة تحكمية. ومبدأ المشروعية لا يعني أن تكون جميع تصرفات الإدارة في حدود القانون، ويؤخذ القانون هنا بالمعنى العام الشامل لجميع القواعد الملزمة في الدولة سواء كانت مكتوبة أم غير مكتوبة، أيا كان مصدرها مع مراعاة التدرج في قوتها، ومبدأ المشروعية بالمعنى العام مستقيل عن شكل الدولة، فهو يسري على الدولة الديمقراطية، كما يسري على الدولة التي تأخذ بالملكية المطلقة أو بأية صورة أخرى من صور الحكم. وحتى يسود مبدأ المشروعية، ويحقق جميع نتائجه يجب أن تقوم الدولة على مبدأ الفصل بين السلطات لكي تحد السلطة في حالة تجاوز حدود الاختصاص وكذلك خضوع الإدارة للقانون، فيجب على السلطة التنفيذية في أدائها لوظيفتها الإدارية أن تحترم إرادة المشرع، فلا تخرج على نصوص القانون ولا تتنكر لها أو تعمل على إهمالها من بعد تطبيقها من جانبها، وكذا تحديد الاختصاصات الادارية بصورة واضحة لأن هذا التحديد يمكن  الافراد والقضاء من ممارسة رقابة على الإدارة وهي بصدد القيام بوظيفتها الإدارية، وقد ترتب على هذا المبدأ نتيجة أساسية وهي بطلان التفويض المطلق والصادر من المشرع لمصلحة الإدارة، وأيضا إخضاع الإدارة لرقابة القضاء، فمبدأ المشروعية والأسس العامة المتعلقة به تكون لا قيمة لها إلا اذا ألزمت الإدارة باحترامها، وهذا الالتزام لا سبيل لتحقيقه إلا بإخضاع الإدارة لرقابة فعالة من طرف القضاء([40]).

 

 

 

 

 

 خلاصــــــــــــــة الفصل الأول:

انطلاقا مما سبق، يتضح ان السلطة التقديرية للإدارة، هي ذلك القدر من الحرية الذي تركه المشرع للإدارة من أجل اختيار وقت التدخل من عدمه، وكذلك اختيار الحلول الملائمة لمواجهة ظرف معين، فالسلطة التقديرية هي ضرورة حتمية تستقي أسسها من كون أن المشرع مهما بلغ من المعرفة والاستباق لمجريات الحياة الادارية، يبقى في الأخير غير قادر على التنبؤ بكل ما سيحصل في الإدارة، وبالتالي كان لزاما أن يترك للإدارة ذلك الهامش من الحرية من أجل التصدي لكل الحالات والمتطلبات، فعلى الرغم من وجود سلطة تقديرية فإن الإدارة تكون ملزمة باحترام العناصر التي حددها المشرع (الاختصاص، الشكل، السبب، المحل، الغاية) وإلا كانت قراراتها معيبة، مما يتضح ان تقديرها يكون في حالة غياب هذه العناصر، بمعنى التقدير في حالة التي لم يحدد فيها القانون شكلا معينا، بل ترك لها حرية التصرف، فهي تقوم بسد الثغرات الموجودة على مستوى القانون عن طريق محاولة تقديم حلول تكون كفيلة بمواجهة التغيرات المستمرة.

 

 

الفصل الثاني: تطور رقابة القضاء الإداري على الملاءمة في المجال التأديبي

ذهب القضاء الإداري إلى تعدي الحدود الطبيعية لرقابة السلطة التقديرية للإدارة، وقرر أن يوسع من نطاق رقابته القضائية إلى حد التدخل في تقدير ملاءمة إصدار القرار، وهو الأمر الذي يبدو غريبا لأول وهلة. لأن تقدير الملاءمة هو في الأصل من جوهر السلطة التقديرية للإدارة، ولكن القضاء الاداري كان يهدف من خلال ذلك إلى  ضمان حريات الافراد التي تمسها بطريقة مباشرة لاسيما سلطات الضبط الإداري. وبناء على هذا ففي حالة ما اذا اثيرت اضطرابات تهدد الأمن العام وتدخلت الإدارة بقرارتها التي رأت بأنها مناسبة للظروف القائمة، فإن مجلس الدولة في رقابته لقرارات الإدارة الماسة بالحريات، لا يكتفي بالتحقق من حدوث تلك الاضطرابات، وانما يراقب درجة التناسب بين مضمون القرار المتخذ وبين الاضطراب الذي حدث، أي مدى ملاءمة القرار مع الظروف الواقعية المكونة لسبب القرار، فإذا وجد أن القرار لا يتناسب في شدته مع تلك الظروف فإنه لا يتردد في إلغاء القرار([41]).

فالمبدأ الذي كان سائدا في القضاء الإداري هو أن قاضي الإلغاء هو قاضي مشروعية وليس قاضي ملاءمة، حيث يكتفي بفحص مدى سلامة القرار الإداري المطعون فيه من الناحية القانونية، لكن أمام وعي القاضي الإداري الفرنسي سعى مجلس الدولة الفرنسي إلى فرض رقابة على الملاءمة في المجال التأديبي، وقد اهتدى إلى تبني نظرية الخطأ البين في التقدير التي كان لها دور اساسي في دعم الرقابة القضائية على الملاءمة في المجال التأديبي، ونفس هذه العوامل دفعت بالقضاء الإداري المصري إلى ابتكار نظرية الغلو في التقدير.

المبحث الأول: رقابة الملاءمة في المجال التأديب بين نظريتي الخطأ البين والغلو في التقدير

اعترف القضاء الإداري الفرنسي لنفسه بمراقبة الملاءمة في القرارات التأديبية التي تصدر بناء على السلطة التقديرية للإدارة من خلال نظرية الخطأ البين في التقدير(المطلب الأول )،كما سعى القضاء الإداري المصري إلى فرض رقابته على التقديرات غير المعقولة للإدارة من خلال ابتداعه نظرية الغلو في التقدير، وبذلك يكون قد وضع حدا لموقفه التقليدي الممتنع عن رقابة الملاءمة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: نظرية الخطأ البين في التقدير

سنحاول في هذا المطلب أن نتطرق إلى  تعريف نظرية الخطأ البين في التقدير (الفقرة الاولى)، ثم نحيط بالتطور الذي عرفته هذه النظرية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تعريف نظرية الخطأ البين في التقدير

لهذه النظرية العديد من التسميات، هناك من يسميها بنظرية الخطأ الظاهر في التقدير أو نظرية الغلط البين في التقدير لكن المعنى واحد .

لقد بدأ القاضي الإداري بالتطور تدريجياً منذ سنة 1961، وذلك من خلال الاجتهادات القضائية المتعلقة بممارسة الإدارة لسلطاتها التقديرية حتى لا يكون هناك خطأ واضح من طرف الإدارة عند تكييفها القانوني لحالة واقعية. فالقاضي أصبح بفضل هذه النظرية يراقب الإدارة في تقييمها للوقائع التي تدعيها كأساس لقراراتها، وتعد هذه خطوة إيجابية لمجلس الدولة الفرنسي من أجل الحد من تعسف السلطة الإدارية في استعمال سلطاتها وامتيازاتها. كما أنها ضمانة لحماية حقوق وحريات الأفراد من ناحية، وتقييد للإدارة في تقييم ملاءمة أعمالها من ناحية أخرى.

لقد عرفه الفقيه الفرنسي  Oeorge vedel بأنه الخطأ الذي يمكن ملاحظته بمجرد النظر إليه من أول وهلة دون الحاجة إلى الاستعانة بأهل الخبرة والتخصص في اكتشافه([42]).

وعرفه الفقيه  BRABANT  بأنه الخطأ الحقيقي، الذي يثار بواسطة الخصم ومعروف بواسطة القاضي([43]).

أما بالنسبة للفقه المصري فقد عرفه يحيا الجمل: بأنه الغلط في كل تصور لا يطابق حقيقة الواقع أو هو إدراك الأمور على نحو يخالف حقيقتها، كما أكد على أنه من خلال استقراء أحكام مجلس الدولة الفرنسي أن الغلط البين يعد بمثابة معيار موضوعي يقوم على عناصر موضوعية تكشف عن الخلل في التقدير، ولا يكون من خلال الكشف عن حسن أو سوء نية الإدارة حتى لا يكون متروكا للسلطة التقديرية للقاضي.

فالغلط البين هو عيب يشوب تكييف الإدارة من خلال تقديرها للوقائع المتخذة كسبب للقرار الإداري، ويبدو بينا وجسيما على نحو يتعارض مع المنطق والواقع، من خلال تجاوز السلطة الإدارية الحدود المعقولة في الحكم الذي تحمله على الوقائع وبالتالي يكون سبباً لإلغاء قرارها المنسوب بهذا العيب([44]).

فالأخذ بهذه النظرية أمر في غاية الأهمية إذ أنه يفرض على رجل الإدارة التزاما بأن يكون حذرا عند ممارسة سلطة التقدير الإداري، وذلك بأن لا يرتكب خطأ جسيما، أو خطأ بديهيا أو خطأ فادحا، كما أن الأخذ بهذه النظرية من شأنه أن يستعمل في الكثير من القضايا الجد حساسة، وهذا بالنظر لمدى أهميتها بالإضافة إلى ما تتمتع به الإدارة من سلطة تقديرية واسعة في القرارات المتعلقة بالأجانب، وإعطاء الرخص وقرارات الطرد وكل انواع القرارات التي تحتكر الإدارة سلطة تقدير ملاءمتها.

ومن أهم مجالات استعمال نظرية الخطأ الظاهر في التقدير:

  • مجالات الوظيفة العامة: حيت يعتبر مجال الوظيفة العامة، أول مجال طبق فيه الخطأ الظاهر في التقدير خصوصاً في مجال التأديب، ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في قرار مجلس الدولة بتاريخ 1998/07/27 الذي الغى القرار التأديبي الصادر عن المجلس الأعلى للقضاء، إذ تضمن عزل قاضي من منصبه وأسس قضاءه على أن عقوبة العزل لا تتناسب مع الخطأ الثابت ماديا ويتمثل هذا الخطأ في غياب مبرر عن العمل.
  • مجالات الإقتصاد: فهي الأداة المناسبة لتقدير مشروعية أعمال الإدارة المتداخلة في الحياة الإقتصادية، ويتحقق القضاء الإداري في بعض الأحيان فيما إذا كانت القرارات الصادرة في هذا المجال غير مشروعة بعيب الخطأ البين في التقدير أم لا ([45]).

الفقرة الثانية: تطور نظرية الخطأ البين

عمد مجلس الدولة الفرنسي، إلى فرض رقابة الخطأ البين على التقديرات التي تجريها الإدارة لرقابة مد ملاءمتها، علماً أن القضاء الإداري الفرنسي امتنع في بداية ظهور نظرية الخطأ البين في التقدير عن تطبيقها في المجال التأديبي واقتصر على رقابة المشروعية دون الملاءمة. لكن تحت تأثير مفوضي الحكومة ورجال الفقه عمد إلى إعمال نظرية الخطأ البين في المجال التأديبي.

بحيث كان مفوض الحكومة “خان” قد طالب مجلس الدولة الفرنسي بضرورة إعمال رقابته على اختيارات الإدارة الغير معقولة والتي من شأنها الإضرار بحقوق الأفراد، حيث اعتبر أنه من غير الجائز أن تترك الإدارة حرة في تقدير جزاء لا يتناسب مع الخطأ المرتكب حتى وإن كان المشرع منح سلطة تأديب بلا ضوابط أو حدود، وأضاف أنه إذا كان من الظلم توقيع إنذار أو لوم لواقعة لم يكن من طبيعتها تبرير الجزاء، فإنه على الأقل من الظلم طرد موظف من الخدمة لارتكابه خطأ بسيطاً، وقد استجاب مجلس الدولة الفرنسي لكل الأصوات التي رأت أنه لا مبرر في الامتناع عن مد رقابة الخطأ البين إلى المجال التأديبي، وهكذا أصبح يراقب تقدير وتقييم سلطة التأديب للوقائع التي تستند إليها في إصدار قراراتها ومدى تناسبها مع العقوبة المتخذة([46]).

وقد أصدر في هذا الصدد حكمه الشهير في قضية ليبون  في تاريخ 09/07/1978 حيث رأى مجلس الدولة الفرنسي أنه يجب تقييد السلطة التقديرية للإدارة في أهم مجالاتها، وهو مجال التأديب ليبسط رقابته على مدى الملاءمة بين العقوبة التأديبية ودرجة جسامة أو خطورة الأخطاء التي يرتكبها الموظف، حيث راقب مجلس الدولة الفرنسي ملاءمة العقوبة التأديبية مع الوقائع المسببة لها من خلال الاتجاه إلى فكرة الخطأ الظاهر. وتتلخص وقائع هذه القضية في أن السيد ليبون رفع دعواه أمام محكمة تولوز الإدارية طالبا إلغاء القرار الصادر في 1974/07/10 من رئيس أكاديمية تلوز بإحالته على المعاش بدون طلب، حيت لم ينازع في ماديات الوقائع وإنما في جسامة الجزاء، وقد استندت الأكاديمية في القرار المطعون إلى ارتكاب المدعي -وهو المعلم- للأفعال المخلة بالحياء مع تلميذاته في الفصل، ورفضت المحكمة طلب إلغاء القرار، وذلك لكفاية السبب الذي قام عليه، وطعن المدعي في هذا الحكم أمام مجلس الدولة، هذا الأخير الذي وضح في حكمه أن الوقائع التي ارتكبها المدعي وقام عليها قرار الفصل كافية لتبريره، وأن تقدير الإدارة لم يكن مشوبا بغلط بين، وقد كانت هذه الوقائع أيضاً سببا كافياً لرفض محكمة تلوز الإدارية إلغاء قرار الفصل، وهذا النصر الذي حققه مجلس الدولة الفرنسي في الحكم السابق تأيد بحكم لاحق أصدره المجلس في قضية فينولاي([47]).

بحيث لم يمض وقت طويل على قرار  ليبون حتى عمل مجلس الدولة الفرنسي على التطبيق الإيجابي لرقابة الخطأ البين وذلك في قرار فينولاي الصادر في تاريخ 26 يوليوز 1978، وتتلخص وقائع القضية في أن السيد فينولاي صدرت في حقه عقوبة العزل، وقد عللت الإدارة قرارها بالأسباب الآتية: (الإهمال وعدم الدقة في العمل، التأخر في إرسال أحد التقارير)، وقد قضى المجلس بإلغاء قرار العزل على أساس أنه مشوب بخطأ بين، باعتبار أن الأفعال التي ارتكبها فينولاي وإن كانت تستحق أن يعاقب عليها فإن عقوبة العزل تتفاوت بشكل بين مع هذه الأفعال.

وفي نفس اليوم الذي صدر فيه قرار فينولاي صدر قرار المجلس في قضية السيد Cheval ، وهو ضابط شرطة، وقد قرر المجلس بأن قرار العزل الصادر في حقه يلائم الافعال التي ارتكبها (الاستغلال وبيع الخمور)، ومن ثم فقرار الإدارة لم يشبه خطا في التقدير([48]).

هكذا تعددت تطبيقات مجلس الدولة الفرنسي في هذا المجال، لتؤكد المبدأ الذي أرساه حكم ليبون في إقرار حق مجلس الدولة في رقابة مبدأ الملاءمة بين الخطأ والجزاء في مجال التأديب. كما اقتضى مجلس الدولة في هذا الصدد في حكمه الصادر 15/03/1999 إلى إلغاء قرار الفصل، والذي تم توقيعه على إحدى الموظفات، حيث ذهب المجلس إلى أن المخالفة المنسوبة إليها لا تستأهل جزاء الفصل من الخدمة، وأن تقدير الإدارة كان مشوبا بخطأ ظاهر في التقدير. كما قضى أيضا بتاريخ 28/04/2003 بإلغاء جزاء الفصل والذي تم توقيعه على ممرضتين بسبب اتهامهما بالتعصب الجنسي ضد بعض المرضى، حيث قرر مجلس الدولة الفرنسي أن المخالفة المنسوبة إليهما لا تستأهل جزاء الفصل من الخدمة، ومما تتجدر الإشارة إليه، أن قضاء مجلس الدولة الفرنسي، عند إعماله لتلك الرقابة لم يتطلب إلا أن يكون هناك توافق صارم بين الخطأ المرتكب والعقوبة الموقعة، وأن لا يكون التفاوت صارخا بين الخطأ والعقوبة، فإن كان التفاوت صارخا قضى بإلغاء العقوبة، وهو ما قضى به مجلس الدولة بمناسبة توقيع عقوبة الفصل على سكرتيرة عمدة إحدى القرى، بأن الأخطاء المنسوبة لهذه السكرتيرة لا تبرر على الإطلاق توقيع عقوبة الفصل والتي تعد من أشد العقوبات التأديبية([49]).

ومن المهم جدا الإشارة إلى مسألة بالغة الأهمية، وتتجلى في أن رقابة الخطأ البين في المجال التأديبي لا تقتصر على الحالات التي تتسم بالشدة، وإنما تذهب أيضا إلى التي يكون فيها تساهل واضح في العقاب من السلطة التأديبية.

وهكذا الغى مجلس الدولة بتاريخ 15فبراير 1999 قرار الإدارة القاضي بالتخفيض من الدرجة (ثلاث درجات)،لأنها عقوبة غير ملائمة للخطأ المرتكب (قيام الممرضة بإبرام عقد لمدة غير محددة مع إحدى المصحات الخاصة خلافا للمقتضيات القانونية التي تمنع الجمع بين الوظائف)([50]).

المطلب الثاني: دور نظرية الغلو في الحد من التقديرات المتجاوزة لسلطة التأديب

في هذا المطلب سوف نتطرق إلى تطبيقات رقابة الغلو في (الفقرة الاولى) والتأرجح الذي يطال إعمال رقابة الغلو في التقدير (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تطبيقات رقابة الغلو

يطلق على نظرية الخطأ البين في التقدير في القضاء المصري بنظرية الغلو. ولقد عرفته المحكمة الإدارية العليا بعدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري الذي ارتكبه العامل وبين نوع ومقدار الجزاء الذي وقعته الإدارة عليه، أي أنه صورة صارخة من صور عدم التناسب بين سبب القرار ومحله حيت تباشر المحكمة من خلالها رقابتها الصريحة على مدى تلاؤم القرار التأديبي، وجاء القضاء الإداري المصري ليوجب على السلطة التأديبية أن لا تغلو في هذا التقدير، وقد ظهر قضاء الغلو في صور محدودة من طرف محكمة القضاء الإداري سنة 1951 ثم قامت بتطويره المحكمة الادارية  العليا سنة  1961.

وترجع ظروف نشأة نظرية الغلو إلى عدم تحديد المشرع الجزاءات التأديبية التي تطبق بشأن كل مخالفة تأديبية، وترك ذلك للسلطات التأديبية تستقل بتقدير ما يناسب المخالفة المنسوبة إلى الموظف، وقد ترتب على ذلك اختلاف الجهات الإدارية في تقدير العقوبات التأديبية رغم تشابه المخالفات المرتكبة([51]).

ويمكن القول أن قضاء الغلو ظهر سنة 1951 بشكل محدود في قضاء محكمة القضاء الإداري، حيت نجدها قضت بإلغاء قرار فصل أحد العمد على أساس عدم الملاءمة بين المخالفة التي ارتكبها العمدة والجزاء الذي طبق في حقه.

كما اصدرت بعد هذا الحكم احكاما أخرى أكدت التوجه الجديد لمحكمة القضاء الإداري نحو رقابة الملاءمة، حيث تقضي بإلغاء القرارات الصادرة بناء على السلطة التقديرية كلما شابها عيب عدم الملاءمة الظاهرة، بمعنى الغلو في استعمال هذه السلطة.

لكن ما يمكن ملاحظته من خلال استقراء مجموعة من الأحكام، ومنها أيضا قرار الفصل المتخذ بحق العمدة من لجنة الشياخات، وقد تم اتخاذه في حقه لمجرد مهاترة متبادلة بين العمدة وبين معاون البوليس، والذي اعتبرته نفس المحكمة السابقة مشوبا بعيب الانحراف بالسلطة لعدم الملاءمة الظاهرة فيه بين الخطأ والجزاء. إلا أنها لم تورد بين حيثياتها كلمة الغلو بصريح العبارة، وإنما يستشف من مضمون هذه الأحكام([52]).

كما قضت محكمة القضاء الإداري بشأن قرارات تأديب الطلبة، حيت تضمن الحكم ما يلي:”أن اللائحة الأساسية للكلية الحربية لم تبين الجرائم التأديبية والتي تستوجب محاكمة الطالب تأديبا على سبيل الحصر ولم يفرد لكل جريمة عقوبة خاصة بها، و إنما اقتصر على بيان العقوبات التأديبية وتحديد الجهة التي توقعها، وأن المشرع قد قصد التدرج في هذه العقوبات أن يقاس الجزاء بما يثبت من خطأ، فلا يفصل الطالب مهما تكن التهمة الموجهة إليه، وإنما يجب قياس جزاء الخطأ الذي وقع منه، ومن خلال هذا القرار فإن الجرائم التأديبية ليست واردة على سبيل الحصر، فهي لا تخضع لمبدأ شرعية الجريمة كما هو الشأن في القانون الجنائي وهذا عكس العقوبات التأديبية التي تخضع لمبدأ الشرعية ضمانا لحماية حقوق الأفراد.

وهكذا بدأت تظهر مع هذه الاستثناءات ملامح نظرية الغلو. بصرف النظر عما قيل عن عدول محكمة القضاء الإداري عن رقابة تناسب الجزاء الموقع للجريمة التأديبية أم عن استقرارها على هذه الرقابة، ومن ثم استمرارها في ذلك. وما يهمنا في هذا الخصوص هو القرار الذي قضت به المحكمة الإدارية العليا في مصر، والتي تم انشاؤها سنة 1955، حيت أكدت المحكمة الإدارية العليا على أن التناسب في تقدير العقوبة من اختصاص السلطة التأديبية، وتدخل القاضي لا يكون إلا في حالة عدم صحة الوقائع المنسوبة للموظف ومدى تكييفها القانوني([53]).

الفقرة الثانية: التأرجح بخصوص إعمال رقابة الغلو في التقدير

منذ إعلان المحكمة الإدارية العليا عن عزمها رقابة السلطة التقديرية للإدارة وذلك في حكمها الصادر بتاريخ 11نوفمبر 1961 طبقت رقابة الغلو في التقدير، سواء أخذ هذا الغلو معنى القسوة والشدة أم أخذ معنى الإسراف في الشفقة، وقد قوبل موقف القضاء الإداري المصري هذا بكثير من الانتقاد، حيت اعتبره بعض الفقه تعديا على السلطات التأديبية، وتدخلا في مجال عملها، حيث يتعين على المحكمة الإدارية العليا، أن تكتفي بإلغاء هذا الجزاء وتترك للسلطة الإدارية مسألة تحديد الجزاء المناسب مادام مجال التقدير يندرج ضمن نطاق السلطة التقديرية الذي يبقى مجالا محفوظا لها.

غير أن هذا التشديد يذهب كذلك إلى الحالات التي يتبين فيها للمحكمة جسامة الخطأ المرتكب، وهكذا رفضت المحكمة الإدارية العليا تخفيض عقوبة الفصل الموقعة على إحدى الممرضات لسوء سلوكها حيت قضت أنه “…لا مقنع فيما ذهبت إليه الطاعنة من أن جزاء الفصل لا يتناسب مع ذنبها الإداري الذي وقعت فيه، فالأصل أن تقدير ملاءمة الجزاء هو من إطلاقات الإدارة… وثابت أن ملف خدمة الطاعنة مفعم بالجزاءات التي تجاوز عددها 38 جزاء من مختلف الأنواع لمختلف الأسباب والمخالفات. فهي لم تطع أوامر رؤسائها مرات ومرات على تعدد أولئك رؤساء، وهي تمتنع عن تنفيد الأعمال التي تكلف بها، وتدخل في صميم اختصاص عملها، وهي لا تنفك تتشاجر مع زميلاتها ومع المرضى، وطابعها على الدوام في العمل الاستهتار به…ً

كذلك رفضت إلغاء الحكم الصادر بفصل رئيس قسم شؤون الأفراد وإحدى الموظفات لضبطهما متلبسين في شقة أحد العزاب من أصدقاء هذا الرئيس، وقد جاء في الحكم “إن هذه المحكمة ترى أن الحكم التأديبي المطعون فيه، إذ قضى بمجازاة الطاعن والمخالفة الثانية بالفصل، قد راعى، وهو مقدر لخطورة الذنب الإداري الذي وقع منهما، أن الطاعن قد بلغ الذروة في الانحراف المسلكي، وأنه قد أساء إلى سمعته وإلى سمعة الوظيفة وكرامتها، وكان يتعين عليه أن يتفادى الأفعال الشائنة التي تعيبه، فتمس تلقائيا الجهاز الإداري الذي ينتسب إليه. فالحكم المطعون فيه كان دقيقا في ميزانه، سديدا في تقديره، دون إفراط في الشفقة ولا تفريط في حق الجهاز الإداري”

وكذلك هناك حكم المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 8 مايو سنة 1995 جيت استبدلت المحكمة عقوبة خفض الدرجة التي عوقب بها أحد الموظفين، بعقوبة الوقف عن العمل بدون مرتب لمدة شهرين.

بينما استبدلت عقوبة خفض الدرجة، بعقوبة الخصم من المرتب لمدة شهرين، وفي حكم آخر خفضت عقوبة الخصم من المرتب لمدة عشرة أيام، إلى عقوبة الإنذار.

ونستشف من خلال استقراء هذه الأحكام أن المحكمة الإدارية العليا، تتشدد في رقابتها كلما تعلق الأمر بالأخلاق والسلوك، فهي تؤكد على ضرورة الانضباط والتحلي بالأخلاق والسلوك الحسن، والتعامل مع الزملاء بلباقة، لأنها تعتبر هذه الصفات ضرورة ملحة عند الموظف لأنه يمثل الوظيفة التي يضطلع بها. ومثل هذا الموقف كنا قد رصدناه في اجتهادات القضاء الإداري الفرنسي([54]).

المبحث الثاني: موقف القضاء الاداري المغربي من الرقابة على الملاءمة في مجال التأديب

الاصل أن من يرتكب الخطأ يستحق العقاب، إلا أن هناك فرقا بين من يرتكب الخطأ البسيط وبين من يرتكب الخطأ الجسيم، فمرتكب الخطأ البسيط لا ينبغي أن تتم معاقبته بنفس العقوبة المطبقة على مرتكب الخطأ الجسيم. فالإدارة وهي بصدد ممارسة سلطتها التقديرية في مجال التأديب قد تتعسف باتخاذ إجراء غير مناسب للخطأ المرتكب، وبالتالي ينبغي أن تخضع لرقابة قضائية على أعمالها. وقد عمل القاضي المغربي ومنذ إحداث الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى على توسيع رقابته على التقديرات التي تجريها الإدارة عندما يظهر له أن هذه التقديرات قد شابها غلو في التقدير من جهة (المطلب الاول) ومن جهة ثانية عمل القضاء الإداري على مراقبة الملاءمة في القرارات التأديبية دون اعتماد نظريتي الخطأ البين والغلو في التقدير (المطلب الثاني).

المطلب الاول: موقع نظريتي الغلو في التقدير والخطأ البين في القضاء الإداري المغربي

من خلال استقرائنا لاجتهادات القضاء الإداري المغربي يمكننا القول أن القاضي المغربي شأنه شأن القاضي الاداري المصري طبق نظرية الغلو في مجال التأديب، وذلك في الحكم الصادر عن المحكمة الادارية بالرباط عدد 90بتاريخ 23 مارس 1995، والذي جاء فيه “… للإدارة سلطة تقديرية في اتخاذ العقوبة المناسبة في حق الموظف حسب خطورة الافعال المنسوبة إليه، ومدى تأثيرها داخل المرفق العام، ولا تكون ملزمة بظروف التخفيف التي تكون المحكمة الجنائية أو الجنحية قد منحتها له، اعتبارا للظروف الاجتماعية، وأن هذه السلطة التقديرية لا رقابة للقضاء عليها ما لم يشبها غلو في التقدير. وفي هذه النازلة فالقرار المطعون فيه لم يشبه أي غلو ما دامت المخالفة الثابتة في حق الطاعن تتنافى ومهنته كمربي داخل مؤسسة من بين أهدافها إصلاح المنحرفين وإرجاعهم إلى جادة الصواب، وليس المساهمة والمساعدة على الزيادة في انحرافهم كما فعل الطاعن”([55]).

يتضح لنا من خلال استقراء حيثيات هذا الحكم أن القاضي الاداري المغربي قد وضع حدا لاستقلال السلطة الادارية في ممارسة السلطة التقديرية، وأعلن بشكل صريح عن أحقيته في رقابة الملاءمة. فالقاضي الإداري تبين له في هذه القضية أن المعني بالأمر الذي يشغل وظيفة مراقب مربي بإدارة السجون ارتكب أعملا خطيرة من خلال حيازته على المخدرات واستهلاكها، وهذا ما يبرر القرار التأديبي المتخذ في حقه المتمثل في عقوبة العزل مع الاحتفاظ براتب التقاعد. فقد رأى القاضي الاداري المغربي بأن القرار المتخذ في حقه ملائم للأفعال التي ارتكبها، وبالتالي فهو لم يقم بإلغاء قرار رئيس الإدارة، هذا الموقف نفسه اتخذه القاضي الإداري الفرنسي عند مراقبته لمدى ملاءمة عقوبة العزل للفعل الذي ارتكبه المدرس “ليبون”، حين قضى برفض الطلب عندما اتضح له أن العقوبة المقررة عقوية ملائمة. وقد لقي هذا الحكم قبول رجال الفقه والقانون الذين نادوا ولمدة طويلة بمسايرة التطورات التي تعرفها الرقابة على السلطة التقديرية خاصة في مجال التأديب، وبالتالي تكون المحكمة الإدارية بالرباط أول جهة قضائية تتخلى عن الاتجاه التقليدي الممتنع عن الرقابة على السلطة التقديرية للإدارة. وقد اعتبر الدكتور محمد أمين بن عبد الله في معرض تعليقه على حكم محمد بوليل إلى أن مجال التأديب يحتاج إلى تطبيق العدالة على أساس أنه من أول الميادين في القانون الإداري التي يتطلب التطبيق الفعلي للعدالة([56]).

إن اهمية حكم بوليل تكمن في اعلان القاضي الإداري المغربي بصفة صريحة في تسلط رقابته على مدى ملاءمة العقوبات التأديبية، هذا التوجه يهدف في الأصل إلى حماية الموظف من العقوبات القاسية في حقه وفي حق أسرته بحكم أن هذا الاخير قد يكون هو المعيل الوحيد لهذه الاسرة وبالتالي فقرار العزل يظل عقوبة قاسية في حقه([57]).

وفي حكم آخر للمحكمة الإدارية بالرباط تحت عدد 185 الصادر بتاريخ 15 يونيو 1996 في قضية الراقي عبد القادر، رفضت المحكمة بموجبه الغاء القرار التأديبي المتخذ في حق أحد الموظفين لعقوبة العزل مع الاحتفاظ براتب التقاعد نظرا لخطورة الافعال الثابتة في حقه والمتمثلة في الاحتفاظ بمنح 27 طالبا وعدم تسليمها إلى الإدارة في الوقت المناسب، وكذلك الاستيلاء على مبلغ 38837 درهم وإتلاف سيارة الدولة، وقد جاء في حيثيات الحكم “… أن الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية في تقدير الذنب، وما يناسبه من جزاء، وبغير تعقيب عليها ما لم يشب استعمال تلك السلطة غلو، ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الاداري وبين نوع الجزاء ومقداره. وأن المحكمة بعد دراستها للمخالفات المنسوبة إلى الطاعن تبين أنها تمس مسا خطيرا بالسير العادي للمرفق العام الذي كان يشتغل به، مما يبرر اتخاذ عقوبة العزل في حقه …”([58]).

في هذا الحكم كذلك أكد القاضي الإداري المغربي على أحقيته في ممارسة رقابة على السلطة التقديرية للإدارة في مجال التأديب، رغم أنه لم يلغ القرار لأنه رأى بأن الموظف الذي أخل بواجبات الوظيفة يستحق العقوبة المطبقة عليه في هذه الحالة.

وقد توالت الاحكام حيث أصدرت المحكمة الادارية بالرباط كذلك حكما  تحت عدد 265 بتاريخ 20 مارس 1997 في قضية بوشبيكي عبد الله ضد المدير العام للأمن الوطني، والقاضي بإلغاء قرار وزير الداخلية القاضي بعزل الطاعن من وظيفته، على أساس عدم تناسب العقوبة بتاتا مع خطورة الفعل المرتكب، وتتلخص وقائع هذه القضية في كون أستاذة ضبطت أحد التلاميذ يغش في امتحانات البكالوريا ولما استفسرته عن ذلك قام بصفعها على وجهها وشتمها، فتوجهت إلى مقر الشرطة لتسجيل شكاية ضد التلميذ المذكور، وقد استقدم هذا الاخير إلى مقر الشرطة، وتمت محاولة صلح بين الاثنين فوافق الشرطي بوشبيكي على ذلك، وقد رافق الاثنين، وقام الطاعن بتكبيل يدي التلميذ بالأصفاد وتم تطويفه بمختلف أقسام الثانوية على مرأى من التلاميذ، وأجبر على ترديد عبارات الاستعطاف أمامهم، وعلى ضوء هذا التصرف، توبع الطاعن أمام المجلس التأديبي من أجل تصرفات غير لائقة([59]).

في هذا الصدد نجد أن القاضي الإداري كان صائبا في اختياره تطبيق نظرية الغلو في مجال التأديب لأنها تلائمه، فالإدارة قد تغالي في تقديرها عند اختيار عقوبة شديدة لمخالفة بسيطة، حيث إن هذه الأخيرة من غير المقبول أن تقول انها اخطأت خطأ بينا في التقدير على الرغم من عدم وجود اختلاف كبير على اعتبار أن النتيجة التي يؤديان إليها واحدة([60]).

كما نجد كذلك أن تواتر أحكام المحكمة الادارية بالرباط على إعمال رقابة الغلو في التقدير نتج عنه نتائج مهمة جدا ومحمودة، فهي قد ارست مبدأ هاما مفاده أنه يجب أن يكون البحث في مجموع الظروف والمعطيات لتقدير مدى خطورة الافعال المرتكبة، وعدم الاقتصار عل العقوبة الجنحية التي تثبت في حق الموظف، لأنها لا تكفي لإصدار العقوبة الملائمة، والا اتسم القرار بالغلو في التقدير. والملاحظ كذلك أن هذه الرقابة الملائمة لم تبق حبيسة المحكمة الادارية بالرباط بل إن جميع المحاكم بدون استثناء اعتمدت رقابة الغلو في التقدير([61]).

ففي حكم للمحكمة الإدارية بالدار البيضاء رقم 80 بتاريخ 5 فبراير 2003 في قضية الغليمي بناسف ضد وزير العدل، قضت بإلغاء قرار وزير العدل القاضي بعزل الطاعن مع توفيق حق التقاعد على أساس أن العقوبة المتخذة في حقه لا تناسب الافعال التي ارتكبها، والمتمثلة في التقاعس في إنجاز الأشغال والتغيب بدون عذر أو إذن وعدم ملازمة المكتب والتجول عبر أرجاء المحكمة واستقبال العموم واستعمال الهاتف المحمول، حيث جاء فيه “حيث لئن كان للسلطات التأديبية سلطة تقدير الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء ومن غير تعقيب عليها في ذلك، الا أن مناط مشروعية هذه السلطات شأنها في ذلك شأن أية سلطة تقديرية أخرى، ألا يشوب استعمالها غلو، وأن من صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره، إذ في هذه الصورة تتعارض نتائج عدم ملاءمة الظاهرة مع الهدف الذي توخاه القانون من التأديب … وحيث إن كان الفعل المنسوب للطاعن… فإنها لن تكون بحد جسامة أفعال أخرى حتى يكون الجزاء التأديبي المفروض لها هو العزل، وأن المحكمة في إطار قضاء المشروعية وفي إطار مراقبة الملاءمة ترى أن الجزاء التأديبي غير متلائم مع الأفعال المنسوبة إليه”

ورغم أن المحكمة الادارية  بالدار البيضاء قد أصدرت حكمها لفائدة المدعي، والقاضي بإلغاء القرار لعدم ملاءمته، فإن الغرفة الادارية بالمجلس الأعلى رأت غير ذلك، ففي قرارها تحت عدد 651 الصادر بتاريخ 25 شتنبر 2003 قضت بإلغاء الحكم المستأنف، حيث عللت قرارها بما يلي:”حيث أنه، بخلاف ما علل به الحكم المستأنف قضاؤه إذ اعتبر الجزاء التأديبي المتخذ في حق الطاعن (المستأنف عليه) غير ملائم للأفعال المنسوبة إليه فإن المخالفات المرتكبة من طرفه قد ثبتت استنادا إلى تقرير رئيسه المباشر … وحيث إنه بصرف النظر عما يتمسك المستأنف بأنه لم يكن متابعا من أجله فإن باقي الأفعال تؤكدها التقارير الإدارية ومحاضر إثبات الحال بالملف وتكفي لتبرير العقوبة الصادرة في حقه، ولم يبن الحكم المستأنف قضاؤه على أساس”([62]).

وتجدر الاشارة الا ان القاضي الإداري المغربي اتسم بالتشديد مع فئة رجال الأمن شأنه شأن مجلس الدولة الفرنسي على أساس انهم يضطلعون بمهام أساسية، ما يتعين عليهم الاتسام بروح الانضباط والمسؤولية وهذا ما تمثل في قرار مجلس الدولة الفرنسي في قضية “مورل” على أن إهمال مساعد ضابط الشرطة الذي أدى إلى فقده لسلاحه أثناء الخدمة يبرر عزله من الوظيفة، ولا يكون قرار وزير الداخلية بذلك مشوبا بخطأ ظاهر في التقدير([63]).

غير أن هذا لا يعني ان قرارتها غير قابلة للإلغاء، وانما كلما ظهر للقاضي انها تجاوزت الحدود المرسومة تدخل من أجل الحد من تعسفها، وهذا ما أكده قرار محكمة الاستئناف الادارية بالرباط الصادر بتاريخ 25 يوليوز  2007.

مما لاشك فيه أن القاضي الاداري المغربي بتبنيه لنظرية الغلو في التقدير أو  الخطأ البين قد حقق قفزة النوعية ترفعه إلى مصاف الدول المتقدمة في مجال القضاء الاداري، فقد انتقل من مراقبة مشروعية القرار عن طريق الوقائع المادية والتكيف القانوني لها، إلى مراقبة ظاهرة الملاءمة، وفي جميع الأحوال تعتبر هذه قفزة نوعية بالنسبة للقضاء الاداري المغربي جديرة بالتشجيع والتنويه، حيث يستجيب لتطلعات المواطنين وصولا إلى تطبيق عدالة تراعي مبادئ دولة الحق والقانون.

المطلب الثاني: رقابة ملاءمة العقوبات التأديبية خارج اطار نظريتي الخطأ البين والغلو في التقدير

عمل القضاء الإداري المغربي على عدم ترك الإدارة تستقيل بسلطتها التقديرية، عن طرق ممارسة رقابة على مدى ملاءمة التقديرات الإدارية من غير الاعتماد على الغلو في التقدير أو الخطأ البين وقد صدرت أحكام تؤكد هذا المقتضى، ومن بينها حكم المحكمة الادارية بالرباط في قضية أجدع رشيد الصادر بتاريخ 9 نوفبر 1995 ضد المدير العام للأمن الوطني، حيث اعتبرت المحكمة الادارية أن تلاؤم قائم بين العقوبة المتخذة في حق الشرطي وبين الأفعال التي تم ارتكابها من طرفه، وهي حيازة غير المشروعة للذخيرة والاحتفاظ بأصفاد والتصرف فيها، وقد ثم تأييد هذا الحكم من طرف الغرفة الادارية في قرارها الصادر بتاريخ 13 فبراير 1997 وذلك بقولها:”وأن الخطأ المرتكب من طرفه … يعتبر خطأ جسيما يبرر العقوبة المتخذة في حقه …”([64]).

يلاحظ أن المحكمة الادارية بالرباط لم تشر إلى نظريتي الغلو والخطأ البين عند مراقبة الملاءمة، وقد تواترت الأحكام التي تؤكد هذا التوجه، على سبيل المثال الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 6 ماي 2009.

خلاصة القول أن القاضي المغربي وفي إطار بسط رقابته على عنصر الملاءمة في مجال السلطة التقديرية للإدارة، لم يكتف بإعمال نظرية واحدة، وإنما احيانا استعمل نظرية الغلو المصرية وفي بعض الاحيان استعمل نظرية الخطأ البين، وفي بعض الاحيان لم يتقيد بأية واحدة منهما، وهذا يعد موقفا إيجابيا من طرف القاضي المغربي، على اعتبار أن كلا النظرتين قد لا تصلحان لظروف معينة، ولا يوجد مانع من المزاوجة بين النظرتين ما دام القاضي الإداري المغربي يؤكد على رقابة الملاءمة فلا يهم الوسيلة التي استعمل ما ذامت النتيجة واحدة([65]).

خلاصــــــــــــــــــــة الفصل الثاني

من خلال ما سبق يتضح لنا أن القاضي الإداري الفرنسي اعترف لنفسه بأحقيته في فرض رقابة على القرارات التأديبية التي تصدرها الإدارة بناء على السلطة التقديرية الممنوحة لها من خلال الاعتماد على نظرية الخطأ البين في التقدير، اما بالنسبة للقضاء المصري فقد ابتدع نظرية الغلو في التقدير من أجل فرض رقابة على التقديرات غير المعقولة للإدارة، ليكون بذلك قد وضع حدا لموقفه التقليدي الممتنع عن رقابة الملاءمة، في حين نجد أن القاضي الإداري المغربي قد انتقل من مراقبة المشروعية إلى مراقبة ظاهر الملاءمة متخذا منهج الوساطة بين مراقبة الخطأ البين في التقدير ونظرية الغلو في التقدير، وهذا يعد موقفا إيجابيا من طرف المشرع المغربي في اتجاه تطبيق عدالة تراعي مبدا دولة الحق والقانون وتستجيب لتطلعات المواطنين والموظفين.  

              

 

 

خاتمة

إن السلطة التقديرية للإدارة هي ذلك الهامش من الحرية الذي تمنحه مصادر الشرعية للإدارة لمواجهة الصعوبات التي قد تواجهها إبان تنفيذها لقراراتها، وبالتالي فمنح سلطة تقديرية هو ضرورة حتمية نظرا للأضرار الوخيمة التي قد تنتج في حالة تقييدها من قبيل شل حركتها والقضاء على روح الابداع والابتكار، فلإدارة في الآونة الاخيرة أصبحت ملزمة بمواكبة التطورات التي يشهدها العالم يوما بعد يوم بفضل الثورة التكنولوجيا.

وقد اصبحت هذه  السلطة التقديرية تطال المجال التأديبي، أي اتخاذ العقوبات المناسبة في حق الموظف الذي يخل بواجبات الإدارة، إلا ان الإدارة قد تتعسف في اتخاذ قرار تأديبي غير ملائم لدرجة العقوبة، لذا كان من اللازم على القضاء التدخل للحد من هذه السلطة عبر ابتكار تقنيات ونظريات لرقابة الإدارة.

فكان للقاضي الإداري الفرنسي الدور الريادي في هذا المجال من خلال ابتكار نظرية الخطأ البين، حيث استطاع أن يقيد سلطة الإدارة ويفرض رقابته على القرارات التأديبية التي تصدر بناء على السلطة التقديرية للإدارة، عن طريق مراقبة مدا تناسب الخطأ المفتعل مع العقوبة المقررة لذلك.

كذلك كان للقاضي الاداري المصري دور محوري في هذا المجال من خلال ابتكار نظرية الغلو في التقدير، مستفيدا من التطور الذي وصل إليه نظيره الفرنسي، حيث أقر بحق الإدارة في التعقيب على الملاءمة في القرارات التأديبية عندما يشوبها غلو في التقدير.

اما القاضي المغربي فقد كان ذكيا باعتماده في بعض الاحيان نظرية الخطأ البين أو الواضح وفي بعض الاحيان نظرية الغلو في التقدير، لأنه ليس كلا النظرتين تصلحان لظروف معينة، كما أنه في بعض القضايا لم يتقيد بأية نظرية.

ومن النتائج التي توصلنا إليها من خلال دراستنا لهذا الموضوع:

  • أن الدولة التي تعترف للإدارة بالسلطة التقديرية تكون دولة قانونية بخلاف الدول التي لا تعترف بالسلطة التقديرية تكون غير قانونية.
  • أن الإدارة عند تطبيقها للسلطة التقديرية يكون لها هامش من الحرية في الابداع والابتكار بخلاف الإدارة التي تكون مقيدة ينتابها الجمود والروتين.
  • أن القاضي الإداري المغربي عمل على حماية حقوق الأفراد من خلال الجمع بين نظريتي الخطأ البين والغلو في التقدير وعدم الاقتصار على واحدة.

وفي الاخير نتمنى ان يبقى القاضي الإداري المغربي في خطه السليم، مواكبا لمجريات الحياة الإدارية مطورا لرقابته الادارية كلما دعت الضرورة إلى ذلك.

قائمة المصادر والمراجع

أولا: المراجع المكتوبة بالعربية

  1. أحمد اجعون، القضاء الإداري، وراقة سجلماسة، مكناس، 2014
  2. سامي جمال الدين، الرقابة على اعمال الإدارة (القضاء الاداري)، منشأة المعارف الاسكندرية، ب.س.ن
  3. سليمان محمد الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية دراسة مقارنة، عين شمس، بيروت، الطبعة السادسة، سنة 1991
  4. سليمان محمد الطماوي، الوجيز في القانون الاداري، ب. س.ن
  5. عبد العزيز عبد الكريم خليفة، الانحراف بالسلطة كسبب لإلغاء القرار الاداري، منشأة المعارف الإسكندرية، سنة 2009
  6. عبد القادر باينة، القضاء الاداري: الاسس العامة والتطور التاريخي، دار توبقال للنشر، المحمدية، د.س.ن
  7. عمار عوابدي، نظرية القرارات الإدارية بين علم الإدارة العامة والقانون الإداري، دار هومة، الجزائر، 1999
  8. محمد الأعرج، القضاء الإداري بالمغرب، بدون دار نشر، د.س.ن
  9. محمد رفعت عبد الوهاب. القضاء الاداري ، الكتاب الاول ، مشورات الجيلي الحقوقية ، بيروث ، 2003
  10. محمد أنس قاسم جعفر، الوسيط في القانون العام القضاء الاداري، دار النهضة العربية للنشر، مصر، سنة 1990
  11. مصطفى التراب، المختر العلمي في القضاء والقانون، مطبعة الامنة، سنة 2008
  12. مليكة الصروخ، “القانون الاداري، دراسة مقارنة” ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة السابعة، السنة 2010

تانيا: الاطروحات والرسائل

  1. اسماء حليس، رسالة حول رقابة القاضي الاداري على القرار التأديبي في مجال الوظيفة العمومية، جامعة محمد خيضر، سكارة، سنة 2014.
  2. بوعكة شهيناز، السلطة التقديرية للإدارة (مذكرة مقدمة لنيل شهادة ماستر أكاديمي)، جامعة قاصدي – ورقلة – 2014
  3. حسام الدين محمد مرسي، دكتورة في مجال الضبط الاداري في الظروف العادية، دراسة مقارنة في القانون الوضعي والفقه الاسلامي، كلية الحقوق، جامعة الاسكندرية، سنة 2009
  4. خليفي محمد، رسالة حول الضوابط القضائية للسلطة التقديرية للإدارة، دراسة مقارن، جامعة أبي بكر بلقايد، سنة 2013
  5. عصام عبد الوهاب البرزنجي، دكتوراه حول السلطة التقديرية للإدارة ورقابة القاضي عليها، جامعة القاهرة كلية الحقوق، سنة 1975.
  6. لطفاوي محمد عبد الباسط، دراسة تحليلية لمضمون السلطة التقديرية للإدارة ومدى خضوعها للرقابة القضائية (مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون تخصص القانون الاداري المعمق)، جامعة أبوبكر بلقايد، تلمسان، 2015.

   ثالثا: المــقـــالات

  1. امحمد عنتري، تعليق على قضية السيد بوشبيكي، المجلة المغربية للادارة والتنمية، سنة 1997.
  2. كريمة خلدون، تطور رقابة القضاء الإداري على الملاءمة في المجال التأديبي، مشورات مجلة الحقوق
  3. نابي عبد القادر، حدود التشابه والاختلاف بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة للإدارة، دفاتر السياسة والقانون، العدد الثالث عشر، جوان 2015

رابعا: القوانين

1 ) القانون 01/03 بشأن الزام الإدارة العمومية والجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية بتعليل قرارتها، في ج.ر عدد 5029 بتاريخ 12 غشت 2002 الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من النشر في الجريدة الرسمية.

خامسا: الاحكام

  1. حكم المحكمة الادارية بالرباط عدد 321 بتاريخ 9 نوفبر 1995
  2. حكم المحكمة الادارية بالرباط عدد 265 بتاريخ 20 مارس 1997
  3. حكم المحكمة الادارية بأكادير رقم 89/2005 بتاريخ 03.06.2005

سادسا: المواقع الالكترونية

1) www.marocdroit.com

2) http://fr.wikipedia.org/wiki/pouvoir

 

 

الفـــــــــــــــــهــــــرس

 

 

 

([1]) عصام عبد الوهاب البرزنجي، دكتوراه حول  السلطة التقديرية للإدارة ورقابة القاضي عليها، جامعة القاهرة كلية الحقوق، سنة 1975، ص: من 9 الى 13

([2])- عبد القادر باينة، القضاء الاداري: الاسس العامة والتطور التاريخي، دار توبقال للنشر، المحمدية، ص : 23

 

([3])- لطفاوي محمد عبد الباسط، دراسة تحليلية لمضمون السلطة التقديرية للإدارة ومدى خضوعها للرقابة القضائية، جامعة أبو بكر بلقايد، تلمسان، 2015، ص: 14

([4])- مليكة الصروخ،”القانون الاداري، دراسة مقارنة”، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة السابعة، السنة 2010، ص:488

([5])- محمد الأعرج، القضاء الاداري بالمغرب، بدون دار نشر، ص : 15

([6])- سليمان محمد الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية دراسة مقارنة، عين شمس، بيروت، الطبعة السادسة، سنة 1991 ، ص: 46

([7])- محمد رفعت عبد الوهاب، القضاء الاداري، الكتاب الاول، مشورات الجيلي الحقوقية، بيروث، 2003 ، ص :197   

([8])- محمد الأعرج، م . س . ص: 16

([9])- سامي جمال الدين، الرقابة على اعمال الادارة (القضاء الاداري)، منشأة المعارف الاسكندرية، ص:215

([10])- محمد الأعرج، م .س . ص : 16

([11])- سامي جمال الدين، م.س، ص، 220

([12])- عمار عوابدي، نظرية القرارات الإدارية بين علم الإدارة العامة والقانون الإداري. دار هومة، الجزائر، 1999 ، ص : 69

(2)– حسام الدين مرسي مرعي، السلطة التقديرية في مجال الضبط الاداري في الظروف العادية(دراسة مقارنة في القانون الوضعي والفقه الاسلامي)، جامعة الاسكندرية، سنة 2009 ص:24

([14])- حكم المحكمة الادارية بأكادير رقم 89/2005 بتاريخ  30/06/ 2005

 ([15]) -أحمد اجعون، القضاء الإداري، وراقة  سجلماسة، مكناس، 2014 ، ص : 119-120-122-124-125

([16]) – محمد الاعرج، م . س . ص :17

([17]) – حكم المحكمة الادارية بالرباط عدد 1 بتاريخ 8 يناير 1997

([18]) – أحمد أجعون، م . س . ص : 128-129-130

([19]) – محمد رفعت عبد الوهاب، م . س، ص: 207

([20]) – محمد الاعرج، م . س، ص: 18

([21]) – بوعكة شهيناز، السلطة التقديرية للإدارة (مذكرة مقدمة لنيل شهادة ماستر أكاديمي)،جامعة قاصدي – ورقلة – 2014 ، ص : 18  

([22]) – سليمان محمد الطماوي، الوجيز في القانون الاداري، ب س ن، ص: 232 – صــ 237  

([23]) – حسام الدين محمد مرسي، م.س، ص: 23

([24]) – المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 13، أكتوبر، سنة 1995، ص:45

([25]) – بوعكة شهيناز، م.س، ص: 16

([26])- نابي عبد القادر، حدود التشابه والاختلاف بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة للإدارة، دفاتر السياسة والقانون، العدد الثالث عشر، جوان 2015، ص: 357

([27])- بوعكة شهيناز، م.س، ص: 18

([28])- نابي عبد القادر، م.س، ص: 357

([29])- بوعكة شهيناز، م.س، ص: 19

([30])- نابي عبد القادر، م.س، ص: 357

([31])- محمد أنس قاسم جعفر، الوسيط في القانون العام القضاء الاداري، دار النهضة العربية للنشر، مصر، سنة: 1990، ص: 101

([32])- عبد العزيز عبد الكريم خليفة، الانحراف بالسلطة كسبب لإلغاء القرار الاداري ، منشأة المعارف الاسكندرية، 2009 ، ص: 21

([33])- نابي عبد القادر، م.س، ص: 358

([34])- لطفاوي محمد عبد الباسط، م.س، ص 59  

([35])- خليفي محمد، رسالة حول الضوابط القضائية للسلطة التقديرية للإدارة، دراسة مقارن، جامعة أبي بكر بلقايد، سنة 2013، ص : 45

([36])- محمد عمر محمد، السلطة التقديرية للإدارة ومدى رقابة القضاء عليها، أكاديمية نايف العربية، الطبعة الاولى، الرياض، سنة 2003، ص:132-131

([37])- خلقي محمد، م.س، ص: 43

([38])- لطفاوي محمد عبد الباسط، م.س، ص: 60-61

([39]) – سامي جمال الدين، م.س، ص: 215 – 216 – 217 – 218

([40])- محمد عمر محمد، م.س، ص: 152 – 153

([41]) _ لطفاوي محمد عبد الباسط، م.س، ص: 122 – 123

([42]) – خلفي محمد، م.س، ص: 227 -228 – 231

([43]) – بوعكة شهيناز، م.س ، ص: 30

([44]) – خلقي محمد، م.س، ص: 231 – 232

([45])- بوعكة شهيناز، م.س، ص: 322

([46])-كريمة خلدون، تطور رقابة القضاء الاداري على الملاءمة في المجال التأديبي، مشورات مجلة الحقوق، ص 82 – 83

([47])- اسماء حليس، رسالة حول رقابة القاضي الاداري على القرار التأديبي في مجال الوظيفة العمومية، جامعة محمد خيضر، سكارة، سنة 2014، ص: 83

([48])- كريمة خلدون، م.س، ص: 83 – 84

([49])- اسماء حليس، م.س، ص:  84  

([50]) -كريمة خلدون، م.س، ص: 90

([51])- خلفي محمد، م.س، ص: 270-271

([52])- كريمة خلدون، م.س، ص: 91

([53])- خلفي محمد، م.س، ص: 232-273

([54]) كريمة خلدون، م.س، ص: 96 – 97- 98

[55]) )- عبد الصامد الركيك،تناسب العقوبة التأدبية مع الاخطاء المهنية في النظام التأديبي بالوظيفة العمومية ،ب.س.ن

([56])- كريمة خلدون، م.س، ص: 103 – 104

([57])- مصطفى التراب، المختر العلمي في القضاء والقانون، مطبعة الامنة، 2008 ، ص : 213

([58])- كريمة خلدون، م.س، ص: 105

([59])- حكم المحكمة الادارية بالرباط، عدد 265 بتاريخ 20 مارس 1997، بوشبيكي عبد الله ضد المدير العام للأمن الوطني، المجلة المغربية للإدارة والتنمية سنة 1997.

([60])- امحمد عنتري، تعليق على قضية السيد بوشبيكي، المجلة المغربية للادارة والتنمية، سنة 1997، ص: 111 – 112

([61])-كريمة خلدون، م.س، ص: 108

([62]) -كريمة خلدون، م.س، ص: 109

intérieur de ministre /c, Morelle ,1981 janvier 9, E,C ([63])

([64])- حكم المحكمة الادارية بالرباط، عدد 321 بتاريخ 9 نوفبر 1995، قضية أجدع رشيد، منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتمية، سنة 1997، ص: 106

([65])- كريمة خلدون، م.س، ص: 117

الملعومة القانونية

*خليل استيتو

باحث في القانون العام والعلوم السياسية

كلية الحقوق ابن زهر – أكادير

قد يعجبك ايضا