قراءة في مقتضيات مشروع القانون “22.20” المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي
ثارت ثائرة رواد وسائل التواصل الاجتماعي بالمغرب هذه الأيام على وقع مصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح و الشبكات المماثلة، الذي يندرج إعداده حسب ما ورد ببلاغ اجتماع المجلس الحكومي ،في سياق التدابير القانونية و المؤسساتية التي تتخذها البلاد لمكافحة الأنماط المستجدة من الجريمة الإلكترونية و تقوية آليات محاربتها دون المساس بحرية التواصل الرقمي باعتباره صورة من صور ممارسة حرية التعبير المكفولة دستوريا ،وهو ذلك يستهدف سد الفراغ التشريعي ـ حسب البلاغ دائماـ الذي تعاني منه المنظومة القانونية الوطنية لردع كافة السلوكات المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي و الشبكات المماثلة من قبيل نشر الأخبار الزائفة و بعض الأفعال الإجرامية الماسة بشرف و اعتبار الأشخاص أو القاصرين، خاصة في مثل الظرفية الحالية التي يعرفها العالم و يعيشها المغرب و المرتبطة بتفشي فيروس كورونا، إلا أن رواد وسائل التواصل الاجتماعي مواطنين وصناع محتوى و صحفيين وأساتذة قانون وسياسيين ارتأوا غير ما تقدم، وعارضوا بقوة طريقة تعاطي الحكومة مع صياغة مقتضيات مشروع قانون 22.20 الذي وصف بقانون “الكمامة” دفعا بمخاوف مجتمعية عميقة من تكميم الأفواه بطريقة تمس حرية التعبير المكفولة دستوريا ،وخنق دائرة النقد المجتمعي في الفضاء الإلكتروني المغربي الذي عرف اتساعا ملفتا و نقاشا حادا حول القوة التأثيرية لسلطة مواقع التواصل الاجتماعي ،خاصة مع الحملات غير المسبوقة ضد غلاء الاسعار التي قادها المغاربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أواخر شهر أبريل 2018 ضد ثلاثة منتجات رئيسية ،و انتشر بذلك فكر الحملات الالكترونية لمقاطعة منتوجات محددة إلى كافة الوطن العربي بعد نجاحه بالمغرب، مما زاد تأكيدا على أن مواقع التواصل الاجتماعي قوة حقيقية في يد المواطنين في مواجهة كبريات الشركات ، و تطرح تساؤلات عديدة في خضم كل هذا النقاش حول سبب وظرفية خروج وزير العدل بمشروع القانون 22.20؟ لماذا حالت السرية التي تنهجها الحكومة دون نشر مشروع القانون بالموقع الرسمي للأمانة العامةـ إلى وقت كتابة هذا المقال ـ في خرق واضح للفصل 27 من الدستور الذي ينص على حق المواطن في الحصول على المعلومة الموجودة بحوزة الادارات العمومية و المؤسسات المنتخبة و الهيئات المكلفة بمهام المرفق العام ؟
هل يمكن اعتبار رؤية المشرع في مشروع القانون 22.20 رؤية في خدمة رجال الأعمال على حساب حرية التعبير المكفولة دستوريا؟ أهو امتدادا لما كان يعرف بمشروع المدونة الالكترونية لسنة 2013 ؟ لماذا أثارت مقتضيات هذا المشروع زوبعة النقد و الرفض بمواقع التواصل الإجتماعي و المواقع الالكترونية؟
الفقرة الأولى: دواعي صدور مشروع القانون 22.20
يعد أكبر تحد يواجه المشرع حاليا مع زخم الرفض من رواد وسائل التواصل الاجتماعي و التبريرات التي يتراشقها المدافعون عن مشروع القانون 22.20 هو تحقيق نوع من التوازن بين ثنائية الحرية و المنع والذي يعتبر أمرا صعبا جدا في الظرفية الراهنة ،هذا التخوف ترجمه الأستاذ المصطفى بنعلي[1] بقوله أن الخوف كل الخوف من أن يتملك الحماس المشرع في مواجهة الجريمة الالكترونية و آثارها المدمرة ،وهو غالبا ما تعوقه الخبرة و الدراية الكافية بمستجدات التطور الذي بلغته التقنية التكنولوجية ،فيعتدي على الحقوق و الحريات و يتحول بذلك التشريع من ضمانة لحماية الحقوق و الحريات و تحقيق المصل[i]حة العامة إلى اداة للقهر و التسلط ليس فقط في مواجهة الأشخاص بل كذلك المبادئ الدستورية التي لا ينبغي الخروج عليها تحت أي مبرر من المبررات .
ولعل تتبع حالة مشروع المدونة الرقمية الذي أقبر حتى قبل أن يرى النور يعكس مدى صعوبة اقامة توازن بين الثنائية السالفة الذكر ،إذ أن مشروع هذه المدونة قد تمت هندسته سنة 2013 من قبل وزير الصناعة و التجارة و الاستثمار الرقمي مولاي الحفيظ العلمي بحكومة عبد الاله بن كيران للحد من التأثير السياسي لمواقع التواصل الاجتماعي ،غير أنه قد سحبها فيما بعد بسبب الحملة التي انفجرت على شبكات التواصل الاجتماعي و مجموعة من المواقع الالكترونية و المسماة آنذاك ب”العصيان الإلكتروني” على خلفية بعض المواد الفضفاضة الواردة بمشروع المدونة كالمادة 24 منه التي تنص على أنه :
“لا يمكن أن تقيد هذه الحرية إلا بما يقتضيه، من جهة احترام كرامة الفرد و حياته الخاصة و حرية ملكية الغير و الطابع التعددي لتيارات الفكر و التعبير و الرأي ومن جهة أخرى احترام الدين الاسلامي و الوحدة الترابية و الاحترام الواجب لشخص الملك و النظام الملكي و النظام العام و لحاجيات الدفاع الوطني و متطلبات المرفق العمومي و للاكراهات التقنية المرتبطة بوسائل الاتصال الرقمية عبر الخط.”
وإن كان ما تقدم بالمادة لا خلاف حوله من منطلق دستوري ،فإن ما أثار الجدل وقتها هو مدلول مفاهيم فضفاضة عولجت بعمومية في مشروع مدونة يجب أن تكون دقة مصطلحاتها غاية في التفصيل و الحذر لارتباطها بمجال حساس جدا ،ومن بين هذه المصطلحات الفضفاضة نجد مفهوم النظام العام الذي يعتبر مصطلحا يتخذ شكل القولبة التي يوضع فيها و يتغير بتغير زاوية النظر إليه و مكانه و زمانه ،فما قصد المشرع بالنظام العام على امتداد نصوص مشروع المدونة؟ من زاوية اخرى نجد المادة 73 من مشروع المدونة هي الاخرى قد عمدت إلى نفس صيغ المصطلحات الفضفاضة من قبيل منع نشر ما يتعارض مع المعتقدات السياسية للعموم ،فما هو هذا المعتقد السياسي الذي يجمع عليه النشطاء المغاربة في عالم المواقع الالكترونية و مواقع التواصل الاجتماعي ؟
وغيرها كثير من مواد مشروع المدونة التي اتسمت بعدم دقتها و غلبة صياغات فضفاضة عليها ،و بالفعل كانت سببا من أسباب اجهاضه و سحبه من الأمانة العامة من قبل الوزير مولاي الحفيظ العلمي صباح يوم الإثنين 16 دجنبر 2013 ،بعدما تعالت الأصوات الرافضة له معتبرة أنها محاولة من الحكومة للتطبيق على حرية التعبير في الفضاء الرقمي، و مشروع قانون يشبه قوانين “كل ما من شأنه” التي لا تخلق سوى لبس وضبابية رؤية المخاطبين به وسلطات تقديرية واسعة من الإدارة خاضعة تماما لتأويلاتها .
و يعيد الزمن نفسه مع مشروع القانون 22.20 لكن بظرفية و دوافع مغايرة لما كانت عليه الأوضاع سنة 2013 مع مشروع المدونة الالكترونية المجهض،و بنفس الطريقة احتدم زخم الأصوات الرافضة له بوسائل التواصل الاجتماعي و المواقع الالكترونية بعدما تسربت مواد منه في غياب تام للنسخة المصادق عليها بالمجلس الحكومي – المنعقد في 24 رجب 1441 الموافق ل 19 مارس 2020 – من على موقع الأمانة العامة للحكومة ،في خرق واضح للوثيقة الدستورية و الفصل 27 منها على وجه الدقة و الذي ينص على أنه: “للمواطنات و المواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة بحوزة الادارة العمومية و المؤسسات المنتخبة و الهيئات المكلفة بمهام المرفق العام “،وكذا ما جاءت به المادة 10 من القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات [2] التي تنص بوضوح على ضرورة نشر المعلومات التي تكون بحوزة المؤسسات و الهيئات المعنية بواسطة جميع وسائل النشر المتاحة خاصة الالكترونية منها بما فيها البوابات الوطنية للبيانات العمومية سيما المعلومات المتعلقة ب :
1/…
2/…
3/مشاريع القوانين .
ولا يكفي الاستغراب عند هذه النقطة ،و انما يتجاوزها إلى السرعة و الاستعجال غير العاديين اللذان تتخبط فيهما الحكومة للمصادقة على مشروع القانون الذي تزامن و المراحل الأولى لحالة الطوارئ الصحية التي لا زالت مستمرة للحد من انتشار وباء كوفيد-19 ، إذ صدرت مذكرة الامين العام للحكومة إلى وزير الدولة و الوزراء و الوزراء المنتدبين بتاريخ 18 مارس 2020 يوافيهم نسخة من مشروع القانون رقم 22.20 تهيئا لعرضه على مجلس الحكومة في اليوم الموالي فقط أي 19 مارس 2020 ،و بالفعل تمت المصادقة عليه يوم 19 مارس[3] في سرعة مريبة لا تحيل إلا على أمرين :
- الأول أن هذا المشروع قد هيئ منذ مدة و تم الاشتغال عليه على مهل ولكن كان ينتظر الفرصة المناسبة لتمريره ،وحصل الاعتقاد بأن زمن كورونا هو الزمن المناسب لذلك [4].
- أن الحكومة لها رغبة ملحة في تمرير مشروع القانون 22.20 في هذه الظرفية الحرجة بالذات والذي يتطلب حضور جميع ممثلي الأمة ،في حين أن مجلس النواب قرر أن يحضر رؤساء الفرق و المجموعات النيابية أو من ينوب عنهم ،بالإضافة إلى عضوين عن كل فريق ومجموعة نيابية فقط[5].
هذه السرعة المريبة بررت في المذكرة التقديمية للقانون رقم 22.20 بأنها تستهدف سد الفراغ التشريعي التي تعاني منه المنظومة القانونية الوطنية لردع كافة السلوكات المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي و الشبكات المماثلة ،خاصة في هذه الظرفية الحالية التي يعرفها العالم و يعيشها المغرب و المرتبطة بتفشي وفيروس كورونا .
ليطرح التساؤل هل فعلا تعاني المنظومة القانونية الوطنية من فراغ تشريعي في هذا الميدان وفي هذه الظرفية خاصة؟؟
حسب ما نعتقد فإن المنظومة القانونية حاليا لا تعاني أي نقص في متابعة و تجريم مجموعة من الأفعال ذات الصلة بالمجال المعلوماتي ووسائل التواصل الاجتماعي – على الأقل في الظرفية الاستثنائية الراهنة- ،ولا أدل على ذلك تحريك النيابة العامة للمتابعة في حق مجموعة من مروجي الأخبار الزائفة الماسة بحياة الأفراد الخاصة ،انطلاقا من قاعدة المادة 5 من القانون103.13 [6] المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، التي أضافت المواد 447-1 و 447-2 و 447-3 إلى مجموعة القانون الجنائي[7] ،إذ تنص المادة 447-2 على سبيل المثال على عقوبات زجرية من سنة واحدة حبسا إلى ثلاث سنوات و غرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم لكل شخص قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته،دون موافقته ،أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.
ثم عاد المشرع تماشيا مع هذه الظرفية الخاصة لإصدار مرسوم بقانون رقم 2.20.292 بتاريخ 28 رجب 1441 الموافق ل 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها ،الذي ينص في مادته الرابعة على أنه:
يعاقب بالحبس من شهر إلى 3 أشهر و بغرامة بين 300 و 1300 درهم أو احدى هاتين العقوبتين ….من عرقل تنفيذ قرارات السلطة العمومية المتخذة تطبيقا لهذا المرسوم بقانون ،عن طرق العنف أو التهديد أو التدليس أو الإكراه ،وكل من قام بتحريض الغير على مخالفة القرارات المذكورة في هذه الفترة بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية،أو بواسطة المكتوبات أو المطبوعات أو الصور أو الاشرطة المبيعة أو الموزعة أ, المعروضة للبيع أو المعروضة على انظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الالكترونية ،وأي وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة الكترونية.
دون أن ننسى في هذا السياق المادة 72 من القانون 88.13 المتعلق بالصحافة و النشر[8]،و الذي يسمح بمتابعة الصحفيين و المؤسسات الصحفية التي تساهم هي الأخرى في نشر الأخبار الزائفة بغرامة من 20.000 إلى 200.000 لكل شخص مخاطب بهذا القانون قام بسوء نية بنشر أو إذاعة أو نقل خبر زائف أو ادعاءات أو وقائع غير صحيحة أو مستندات مختلقة أو مدلس فيها منسوبة للغير إذا أخلت بالنظام العام أو اثارت الفزع بين الناس بأي وسيلة من الوسائل …..
و إن كانت من معايير جودة الصياغة التشريعية ،أن يكون التشريع هو السبيل لتحقيق ما يسمى بالأمن القضائي ،فإن ذلك سينتفي لا محالة عندما يجد القاضي نفسه أمام مجموعة من النصوص تعاقب على الفعل نفسه بعقوبات مختلفة ،مما يطرح اشكالية التضخم التشريعي ومدى تأثيره على العمل القضائي ،و هو بالضبط ما سيكرسه مشروع القانون 22.20 في مجموعة من نصوصه المكررة مع القوانين السالفة الذكر .
إذن يبقى الخروج الفجائي للحكومة بمشروع قانون مماثل في الظرفية الاستثنائية الراهنة غير مبرر بالمرة ،و هو ما استشعره فعليا وزير العدل محمد بنعبد القادر معلنا تأجيل أشغال اللجنة الوزارية بخصوص مشروع القانون 22.20 إلى حين انتهاء هذه الفترة مع إجراء المشاورات اللازمة مع كافة الهيئات المعنية[9].
الفقرة الثانية: بعض الإشكالات المثارة حول مقتضيات مشروع القانون 22.20
لا يخفى من القراءة الأولية لمواد مشروع القانون 22.20 أن مقتضياته جاءت خانقة لمفهوم حرية التعبير إلى حد استشعره المواطنون و رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بغض النظر عن اهتمامهم بالميدان القانوني من عدمه ،و بدورنا حصرنا بعض الإشكالات الملاحظة على امتداد هذا المشروع التي تأتي على الشكل التالي:
- تحجج الحكومة في المذكرة التقديمية لمشروع القانون أنه جاء لمواكبة المعايير الدولية المعتمدة في محاربة الجريمة الالكترونية خاصة اتفاقية بودابست التي صادق عليها المغرب في 29 يونيو 2018 ،و بالرجوع إلى مضامين الاتفاقية لا يوجد أي منع أو حد لحرية التعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي ،بل تخص الاتفاقية جرائم التزوير و النصب و الصور الفاضحة للأطفال و انتهاكات حقوق الملكية و الحقوق المجاورة فقط
- الانتقادات الموجهة للمادة 14 منه في نسخته المسربة ،التي تعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى ثلاث سنوات و غرامة من 5000 إلى 50000 درهم أو بإحدى العقوبتين فقط من قام عمدا عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك .
إذ لا يفهم سبب لتمرير هذه المادة بالذات إلا ما ناقشناه بمقدمة المقال وهو حماية الشركات من حملات المقاطعة التي أصبحت حملات راقية يعاقب بها المواطنون الشركات التي يرون نقصا في خدماتها أو سوءا في منتجاتها أو غلاءا في أسعارها ،ولعل الوصف الذي جاء على لسان الاستاذ عمر الشرقاوي في إحدى اللقاءات المتلفزة أنه لا يمكن للقانون أن يصبح في خدمة رجال الأعمال على حساب حرية التعبير المكفولة دستوريا يبقى الوصف الأصح لمقتضيات هذه المادة .
- المادة 18 أيضا لم تسلم هي الأخرى من نفس النقد الموجه لسابقتها إذ تجرم المادة كل محتوى يتضمن خبرا زائفا من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتوجات و البضائع و تقديمها على أنها تشكل تهديدا و خطرا على الصحة العامة والأمن البيئي، مقتضى يزجر أي محاولة للتعبير عن الرأي في بعض المنتجات المعينة ويضع الشخص تحت المتابعة .
- خرق الفصل السادس من دستور 2011 الذي يؤكد على أن القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة و الجميع متساوون أمامه ،وذلك بتجريم نفس الافعال بعقوبات مختلفة بين ماجاء من عقوبات حبسية بالمادة 17 من مشروع القانون تتراوح بين سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 2000 إلى 20.000 درهم وبين الإكتفاء بغرامات مالية فقط في المادة 72 من القانون 88.13 المتعلق بقانون الصحافة و النشر، إذ من غير المستساغ هذه التفرقة لمجرد أنه بالحالة الثانية ينتمي مرتكبها لجسم الصحافة ،مما يشكل خرقا واضحا للنص الدستوري و مبدأ المساواة أمام القانون.
- العقوبات المقررة بالمواد 14-15-18 غير منطقية وفي غير انسجام مع الفعل المرتكب ،وهو ما عبر عنه الاستاذ الصوصي عبر صفحته بالفايسبوك أن العقوبة المقررة للتحريض ضد منتوج معين تفوق في حدها الأقصى القذف و السب في حق جلالة الملك الوارد بالفصل 179 من القانون الجنائي بل تفوق في حدها الأقصى عقوبة اهانة العلم الوطني ورموزها الواردة بالفصل 267-1 من القانون الجنائي
- مشروع القانون 22.20 يتعارض و التزامات المغرب الدولية، خاصة الفقرة الثانية من المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الذي يؤكد حرية التعبير في التماس مختلف ضروب المعلومات و الأفكار و تلقيها ونقلها ….وبأي وسيلة كانت ،بينما يجر مشروع القانون الأفراد نحو متابعات زجرية ثقيلة لمجرد ابداء آرائهم حول منتوج معين.
- المواد 19 و 20 و 21 و 22 من مشروع القانون تؤكد على تجريم نشر و تقاسم و ترويج محتوى الكتروني يتضمن أخبارا زائفة و معاقب عليها بنفس العقوبة ،دون تمييز بين صانع الخبر المزيف بسوء نية في المقام الأول و بين الذي قام بتلقيها و تصديقها و أعاد نشرها بحسن نية أو أعاد نشرها فقط عن طريق الخطأ ليصبح في نفس خانة صانع الخبر الزائف.
- تضمن المادة 8 من مشروع القانون لمقتضى يعطى فيه لمزود الخدمة سلطة التحقق من عدم مشروعية محتوى معين و حذفه أو توقيفه أو تعطيل الولوجية إليه مما يفتح الباب لسلطات واسعة لمزودي الخدمة قد تكون مشوبة بالتعسف و الشطط و لا يجب أن تخول لهم بالأصل و انما هي من اختصاص القضاء .
- يتضمن مشروع القانون 25 مادة ،22 مادة منه خاصة بالجزاءات الادارية و الحبسية و المالية، مما يحيل للمتأمل في هذه النصوص انها مدونة للعقاب وتجريم التواصل الاجتماعي بل أقرب لقانون جنائي جديد يحد من الحريات على حد قول الاستاذ الشرقاوي ،ولا يجب أن يكون القانون اداة انتقام لما حصل من مقاطعات سنة 2018 كانت انطلاقتها من وسائل التواصل الاجتماعي .
خاتمة
إن رغبة المشرع المغربي في تعزيز الترسانة القانونية الوطنية لمكافحة ظاهرة الأخبار الكاذبة و الزائفة التي انتشرت بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي لا يختلف عاقلان حول مدى تأثيرها على الثقة والطمأنينة السائدة بالمجتمع ،لأمر إيجابي و مشجع ولا يحيل إلا على حرص المشرع على مواكبة التطورات التكنولوجية و المعلوماتية و الحد من أثارها السلبية ما أمكن ،لكن المرفوض دستوريا و قانونيا و مجتمعيا هو استغلال هذه الأسباب لتكميم أفواه التعبير و حرية النقد بطريقة لا تحيل إلا على تشبيه وضع السم بالعسل ،لهذا فمن الضروري اعادة النظر بطريقة شاملة في كل مقتضيات مشروع االقانون 22.20 و الابتعاد كل البعد عن جعله قانونا في خدمة رجال الأعمال على حساب حقوق كونية لا مساومات حولها مطلقا.
الهوامش
1-المصطفى بنعلي ،شبكات التواصل الاجتماعي ومعضلة الأخبار الزائفة: مقدمات لنقد التوجهات التشريعية المغربية في مجال تقنين الفضاء العمومي الافتراضي،مقال منشور على منصة مجلة مغرب القانون الالكترونية MAROCLAW، تاريخ الولوج 24 مارس 2020.
2-ظهير شريف رقم 1.18.15 صادر في 5 جمادى الثانية 1439 {22 فبراير2018} الصادر بتنفيذ القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة، الجريدة الرسمية عدد 6655 ص 1438.
3- ماورد بالبلاغ الرسمي لمجلس الحكومة أنه تمت المصادقة على المشروع ،على أن تتم مراجعته على ضوء ملاحظات السادة الوزراء من قبل لجنة تقنية و بعدها لجنة وزارية.
4- علال البصراوي : لامصلحة وطنية في اعتماد مشروع القانون 22.20 مقال الكتروني منشور على موقع مغرب القانون MAROCLAW تاريخ لولوج 29/04/2020
5- هسبريس :الحكومة تطلب موافقة البرلمان لتفنين شبكات التواصل الاجتماعي ،موقع hespress.com، تاريخ الولوج 26/04/2020
6- ظهير شريف رقم 1.18.19 بتاريخ 5 جمادى الأخرة 1439 [22فبراير 2018] ،الصادر بتنفيذ القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 12 مارس 2018 ص 1449.
7- ظهير شريف رقم 1.59.413 صادر في 28 جمادى الثانية 1382 [26 نونبر 1962] بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي، الجريدة الرسمية عدد 2640 مكرر بتاريخ 12 محرم 1383 [5يونيو1963]،ص 1253 ،[ الصيغة المحينة بتاريخ 25 مارس 2019]
8- ظهير شريف رقم 1.16.122 الصادر في 6 ذي القعدة 1437[10 اغسطس 2016] بتنفيذ القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة و النشر ،الجريدة الرسمية عدد 6491 الصادرة في 11 ذو القعدة 1437 [15 أغسطس 2016] ص 5966
9- عبد الرحيم العسري ،وزارة العدل تتراجع عن مشروع القانون 22.20 و تعد بمقاربة تشاركية ،مقال صحفي منشور على موقع هسبريس HESPRESS ،تاريخ الولوج 3 ماي 2020
المعلومة القانونية
*إيمان البوزيدي
طالبة باحثة بسلك ماستر القانون الاجرائي وطرق تنفيذ الاحكام، بوجدة