التدابير الوقائية والقانونية لحماية الأجراء في زمن الوباء

مقدمة

تلعب الطبقة العاملة دورا مهما لما تقوم به من مجهود جبار وأساسي في النهوض بالحياة الاقتصادية للمجتمع وتنمية موارده الطبيعية وتطويرها, ولقد حظي الأجراء منذ وقت بعيد بحماية تشريعية ترجمة إلى العديد من النصوص والقواعد القانونية المطبقة على هذه الشريحة العريضة من المجتمع والأصل في هذه القواعد هو مدونة الشغل والتي حاول المشرع من خلالها وضع قواعد تهتم بحماية حقوق أطراف العلاقة الشغلية خاصة الأجير .

والمقاولة ككيان اقتصادي واجتماعي تعتبر النواة الحقيقية التي تعكس التقدم الإقتصادي داخل كل دولة الشيء الذي ينبغي معه الحفاظ على نشاط الوحدات الإنتاجية للمقاولة ومناصب الشغل حماية لحقوق الأجراء, غير أن تحقيق ذلك في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها بلادنا للتصدي لتفشي فيروس كورونا-كوفيد19 الذي أضحى يشكل منذ 30 يناير2020 جائحة عالمية كما وصفته منظمة الصحة العالمية, رهين باتخاذ عدة إجراءات والتدابير, ومن أهم هذه القرارات إعلان حالة الطوارئ الصحية الممتدة من  20مارس 2020 إلى غاية 20ماي 2020 وذلك بموجب المراسيم[1] التي باشرت الجهات التشريعية بسنها منذ بداية ظهور الوباء ببلادنا.

وقد نصت الفقرة الأولى من المادة الثالثة من المرسوم رقم 2.20.292 بتاريخ 23ماررس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها, على أنه :”على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل, تقوم الحكومة خلال فترة إعلان الطوارئ باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقضيها هذه الحالة, وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية, أو بواسطة مناشير وبلاغات من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض, وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم” وبتنزيل مقتضيات هذه المادة على موضوع حماية الأجراء فإن هناك مسؤولية مهمة ملقاة على عاتق أرباب العمل (المشغلين) باحترام وتنفيذ هذه التدابير وحث الأجراء على التقيد بها حفاظا على سلامتهم وسلامة كافة المواطنين, وبالتالي فكل مخالف للأحكام المتعلقة بالتقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية بشأن حالة الطوارئ يكون عرضة للمتابعة.

ولا شك أن هذا الوضع الذي يعيشه العالم وبلادنا خاصة قد أثر على الأشخاص المشتغلين في الوحدات الإنتاجية والصناعية (الأجراء), سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي وكذا على المستوى الصحي, لذلك لابد من تفعيل مجموعة من المقتضيات القانونية و الأوامر والتدابير الإجرائية على أرض الواقع من قبل مختلف جهات وشرائح المجتمع, الشيء الذي يثير إِشكالية تتمحور حول  التدابير المعتمدة لحماية حقوق الأجراء, جراء تفشي فيروس كورونا المستجد انطلاقا من التوجيهات الإجرائية  والمقتضيات القانونية ؟

وللتعمق أكثر في تحليل هذه الإشكالية ارتأينا تقسيم الموضوع إلى قسمين:

المطلب الأول: التدابير الوقائية لحماية الأجراء

المطلب الثاني: التدابير القانونية لحماية الأجراء

 

المطلب الأول: التدابير الوقائية لحماية الأجراء

 

كما هو معلوم أن الحفاظ على صحة المواطنين المغاربة أصبحت في ظل الجائحة من الأولويات التي تسعى الجهات المختصة إلى تحقيقها, لذلك على المقاولات والوحدات الإنتاجية والصناعية المعنية أن تتخذ التدابير الوقائية وتطبيق الإجراءات الاحترازية وفقا للمعايير المعتمدة من إرشادات ونصائح وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية, وكذا وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الشغل والإدماج المهني, لمواجهة المخاطر التي قد تواجه صحة وسلامة الأجراء والسير العادي للعمل، وهذا ما سنحاول الحديث في الفقرات الآتية:

الفقرة الأولى: الإجراءات الاحترازية لأطراف العلاقة الشغلية

 

ينص الفصل 40 من دستور 2011 على أن الجميع يتحمل بصفة تضامنية وبشكل يتناسب مع الوسائل التي تتطلبها تنمية البلاد وكذا الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب بلادنا, ومنه فإن كل من المشغل والأجير يتحملون بصفة تضامنية مسؤولية اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الاحترازية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا- كوفيد19.

أولا_ إجراءات المشغل الإحترازية للحفاظ على سلامة الأجراء

 

1~ القيام بأعمال التطهير والتعقيم الشامل لكافة المرافق والمنشآت الخاصة بالمقاولة ليشمل كذلك وحدات التوزيع ومكاتب المبيعات إن وجدت, وذلك باستخدام مواد معتمدة وأجهزة الرش المناسبة لضمان سلامة الجميع.

2~ تزويد الموظفين والأجراء بالكمامات الطبية والقفازات ومواد التعقيم الفردية للاستخدام اليومي وقياس درجة حرارة الجسم في إطار تتبع الحالة الصحية للأجراء .

3~ لابد من إنشاء لجنة داخلية لإدارة الأزمات لحماية الموظفين والأجراء وكافة أطقم المقاولة, وإقامة اجتماعاتها بواسطة وسائل الاتصال الرقمي بصفة يومية مع ضرورة حث الأجراء على الالتزام بالتعليمات والقرارات المتخذة لضمان استمرارية العمل.

4~ توفير وسائل الوقاية لحماية العمال والعناية بنظافة الوحدات الصحية وتطهير الأرضيات والمعدات ذات الاستعمال المشترك من طاولات وكراسي… بصفة مستمرة وتوفير الصابون والسائل المطهر مع الحرص على استعمال المعدات ذات الاستغلال الواحد, مع الحرص على التهوية الكافية لأماكن العمل.

5~ اتخاذ التدابر اللازمة لضمان عدم لمس المنتجات والسلع خلال عملية التصنيع أو التعليب خصوصا المواد الغذائية.

6~ تنظيم العمل بالوحدات الإنتاجية بما يضمن التقليص من كثافة المستخدمين أو الزبناء المتواجدين في وقت واحد, ناهيك عن التقليص من عدد المستخدمين أثناء نقلهم من وإلى مقرات العمل.

7~ تقييد الاجتماعات وحركة التنقل داخل المؤسسة وذلك بتنظيم عمليات الحضور والانصراف.

8~ تعليق الأنشطة غير الضرورية في القطاعات التي لا تمس المعيش اليومي للأجراء والتي يمكن أن تنطوي على مخاطر بسبب خرق التدابير الوقائية.

ثانيا: الإجراءات الإحترازية للأجراء للحفاظ على سلامتهم

 

1~ التقيد بتدابير الوقاية والنظافة المكثفة سواء في أماكن العمل أو وسائل النقل أو داخل البيوت.

2~احترام مسافة الأمان على الأقل متر ونصف بين الأجراء داخل أماكن اشتغالهم.

3~ في حالة ظهور أعراض الإصابة بفيروس كورونا يجب على الأجير إخبار المشغل للتعامل مع الأمر لإحالته على الحجر الصحي درءا لتفشي الوباء داخل المقاولة.

4~ امتثال الأجير لأوامر المشغل بأداء العمل وفق الظروف الملائمة, وفي حالة الرفض يعتبر ذلك خطأ جسيم بحسب مقتضيات المادة39 من مدونة الشغل,أو يمكن تكييف هذا الرفض بناء على ظرف القوة القاهرة[2] فانطلاقا من الفصل  269 من قانون الالتزامات والعقود يمكن اعتبار وباء كورونا قوة قاهرة لا يمكن توقعها لا من قبل المشغل ولا الأجير, وهو ما أكده القضاء الفرنسي بحيث اعتبر وباء كورونا قوة قاهرة وذلك في القرار رقم 20/01098 الصادر عن الغرفة 6 لمحكمة الاستئناف كولمار بتاريخ 12مارس 2020[3]وبالتالي نكون أمام فصل تعسفي, وفي كافة الأحوال تبقى السلطة التقديرية للقضاء للحسم في ذلك.

كل هذه الإجراءات سواء الملقاة على عاتق المشغل باعتباره المسؤول الأول للحفاظ على صحة وسلامة الأجراء أو تلك التي يتحملها الأجير نفسه, تبقى رهينة بضرورة تكاتف كافة الفاعلين والمؤسسات المعنية وذلك بوضع سلامة وصحة الأجراء من الأولويات, ورفع درجة الاستعداد لكافة الاحتمالات لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

الفقرة الثانية: الإجراءات المتخذة من قبل الجهات المختصة لحماية الأجراء

 

أولا_ إحداث صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا:

 

لقد تم إحداث هذا الصندوق بمبادرة ملكية  للمساهمة بشكل كبير في تخفيف العبء والمعاناة الناتجة عن تفشي جائحة كورونا باعتباره يستهدف المنظومة الصحية والفئات الفقيرة والهشة والمقاولات التي توجد في وضعية صعبة والأجراء يتكون من جزأ من ميزانية الدولة ومساهمات الجماعات المحلية ومساهمات المؤسسات العمومية كذلك القطاع الخاص ومساهمات بعض المنظمات الدولية ثم هبات ووصايا المواطنين, فالغاية من إحداث هذا الصندوق هي تأهيل المنظومة الصحية نظرا لأن ميزانية وإعتمادات هذا القطاع لا تكفي لمواجهة الجائحة ودعم الإقتصاد الوطني لأن بعض القطاعات الإنتاجية وبعض المقاولات قد تأثرت من تداعيات جائحة كورونا وثم التخفيف من التخفيف من التداعيات الاجتماعية وبالتالي دعم الأجراء الذين فقدوا مورد عيشهم بسبب إغلاق مقاولاتهم

ثانيا_إحداث لجنة اليقظة الاقتصادية:

 

تضم هذه اللجنة وزارة الاقتصاد والمالية والمجموعة المغربية لأبناك ثم بنك المغرب كذلك الاتحاد العام لمقاولات المغرب والغرف المهنية وغرف الصناعة والتجارة والخدمات.., تتكلف هذه اللجنة بتتبع وتقييم وضعية الاقتصاد الوطني ودراسة التدابير التي يتعين اتخاذها من أجل التخفيف من حدة هذه الأزمة, وقد عقدت هذه اللجنة عدة اجتماعات توصلت من خلالها إلى عدة تدابير تهم أولا أجراء القطاع المهيكل أي الأجراء المصرح عنهم في صندوق الضمان الاجتماعي بحيث خصصت دعما ماليا مقدر في 2000درهم عن كل شهر وثانيا أجراء القطاع غير المهيكل وقد قامت اللجنة بتقسيم أجراء القطاع غير المهيكل إلى فئتين, فئة الأجراء المتوفرين على بطاقة الراميد والتي ستستفيد من إعانات خاصة تختلف بقدر عدد أفراد الأسرة ويعتبر هذا الدعم مهم إلا أن الإشكال المطروح هنا بالنسبة للأسر التي تتكون من أكثر من معيل بحيث سيستفيد معيل واحد من كل أسرة, وهناك فئة الأجراء غير المتوفرين على بطاقة الراميد والذين سيستفيدون من الإعانات بواسطة عملية التصريح التلقائي من خلال ملئ استمارة البيانات الخاصة بالأسرة.

ثالثا_المصادقة على القانون رقم 25.20 :

 

صادق المجلس الحكومي على مرسوم تطبيقي رقم 25.20 الذي جاء لتحديد المقاولة والمشغل الذي يستفيد من المساعدة  والتعويضات التي ستمنح من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كما صادق على مشروع مرسوم رقم 2.20.331 بتطبيق القانون رقم25.20 والذي يهدف بدوره إلى تحديد الشروط الواجب توفرها للاستفادة من الدعم.

ومن أهم ما جاء به القانون رقم 25.20 وتماشيا مع مقتضيات المادة32 من مدونة الشغل هو أن فترة التوقف عن العمل في حكم فترة توقف مؤقتة, وبالتالي فالعلاقات الشغلية ستبقى قائمة إلى حين انتهاء أزمة فيروس كورونا-كوفيد19, كما أن المادة الأولى من هذا القانون جاءت بأهم مقتضى للأجراء وحتى المتدربين المصرح بهم برسم شهر فبراير 2020 لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وهو الإستفادة من التعويض جراء تأثر نشاطهم بفعل تفشي الوباء.

 

المطلب الثاني: التدابير القانونية المعتمدة لحماية الأجراء

 

إن تفشي جائحة كورونا-كوفيد19 ببلادنا قد ترتب عنه مجموعة من الآثار على مختلف الوحدات الإنتاجية والصناعية وغيرها من المؤسسات ذات الصلة من جهة وعلى أجرائها من جهة أخرى, وانطلاقا من الترسانة القانونية المعتمدة في مجال الشغل نجد أن مدونة الشغل قد تضمنت مجموعة من التدابير القانونية لحماية الطبقة الشغيلة إضافة إلى بعض الاتفاقيات والقوانين ذات الصلة, ولا ننسى المراسيم التطبيقية والقوانين التي بادرت الحكومة في المصادقة عليها والتي تضمنت بدورها حيزا مهما من التدابير الحمائية للأجراء.

وللتفصيل أكثر في التدابير القانونية المتخذة لحماية الأجراء في زمن الوباء، سنعمل على تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين، نعالج في الأولى التدابير الحمائية المنصوص عليها في مدونة الشغل، على أن نترك الثانية للحديث عن الجهات المتدخلة لضمان سلامة الأجراء وصحتهم.

الفقرة الأولى: التدابير الحمائية المنصوص عليها في مدونة الشغل

 

أولا_ أوجه الحماية المقررة للأجراء

 

1_المادة 24 من مدونة الشغل تنص على أنه:” يجب على المشغل, بصفة عامة, أن يتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الأجراء وصحتهم, وكرامتهم, لدى قيامهم بالأشغال التي ينجزونها تحت إمرتهم…” بالتالي فمدونة الشغل حسب هذه المادة ركزت على حماية صحة وسلامة الأجراء داخل الوحدات الإنتاجية, باعتبار أن الصحة والسلامة هي أولوية من أولويات المشغلين قبل أي شيء.

2_المادة185 تنص على أنه:” يمكن للمشغل, للوقاية من الأزمات الدورية العابرة وبعد استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم… أن يقلص من مدة الشغل العادية ولفترة الشغل العادية ولفترة متصلة أو منفصلة لا تتجاوز ستين يوما في السنة, وذلك عند حدوث أزمة اقتصادية عابرة لمقاولته أو لظروف خارجة عن إرادته.” وبالتالي فقد مكن المشرع للأجراء من التخفيف من ساعات العمل وذلك راجع إلى الوضعية التي قد تعيشها بعض المقاولات إذا استمرت في نفس وثيرة الإنتاج العادية لذلك فمصلحتها تقضي بتخفيض مستوى إنتاجها تماشيا مع متطلبات العرض والطلب في زمن الجائحة.

3_ المادة 187 تنص على أنه:” يمنع الشغل بالتناوب أو بالتعاقب إلا في المقاولات, التي تحتم عليها أسباب تقنية اعتماد هذا النمط في الشغل… يراد “بالشغل بالتعاقب”, الطريقة التي ينظم بها الشغل, بحيث تؤديه فرق شغل تتعاقب الواحدة تلو الأخرى…”, وبتحليل هذه المقتضيات بمفهوم المخالفة فإنه يجوز للمقاولات اعتماد استراتيجية الشغل بالتناوب في الحالة التي تفرضها أسباب تقنية ويمكن إسقاط هذه الأسباب على حالة الطوارئ الصحية التي يعرفها المغرب, شأنها في ذلك شأن مجموعة من الدول الأوربية التي كانت سباقة في اعتماد هذه التقنية من العمل نظرا لنجاحها في مواجهة انتشار الوباء بين الأجراء.

4_ المادة196 تنص على أنه:” يمكن, إذا تحتم على المقاولات أن تواجه أشغالا تقتضيها مصلحة وطنية, أو زيادة استثنائية في حجم الشغل, تشغيل أجرائها خارج مدة الشغل العادية, وفق الشروط التي ستحدد بنص تنظيمي…” وحسب مدلول هذه المادة فإن المقاولات التي تختار الزيادة في نشاطها أو أن الضرورة تحتم عليها ذلك في إطار طلبات استثنائية لمواجهة جائحة كورونا وذلك وفق الشروط  المنصوص عليها في المراسيم والبلاغات الصادرة عن الجهات المختصة, كما هو الشأن بالنسبة للبلاغ المشترك لوزارة الصحة ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي ووزارة الشغل والإدماج المهني الصادر يوم الجمعة17أبريل 2020, والذي تحت فيه أرباب ومسيري المقاولات والوحدات الصناعية والإنتاجية على اتخاذ عدة تدابير وقائية واحترازية.

5_ المادة281 تنص على أنه:”يجب على المشغل,أن يسهر على نظافة أماكن الشغل, وأن يحرص على أن تتوفر فيها شروط الوقاية الصحية, ومتطلبات السلامة اللازمة للحفاظ على صحة الأجراء…” تعتبر مقتضيات هذه المادة من أهم التدابير الحمائية التي نصت عليها مدونة الشغل, فالأصل في المقاولات أن تتوفر فيها شروط الوقاية الصحة والسلامة في أيام العمل العادية فما بالك بالظروف العصيبة التي نواجهها لمواجهة جائحة كورونا, لذلك فإن مخالفة هذه التدابير تعرض صاحبها لتدابير زجرية.

ثانيا_العقوبات الزجرية لردع المخالفات:

 

لقد ألزمت المادة 281 من مدونة الشغل المشغل باتخاذ مجموعة من التدابير  لحماية صحة وسلامة الأجراء, وكل مخالفة لأحكام هذه المادة توقع جزاء غرامة مالية من 2000 إلى 5000 درهم تضمنتها المادة296 ونظرا لهزالة هذا الجزاء فإن المادة قد ضاعفته في حالة العود.

وانطلاقا من مقتضيات المادة 300 من مدونة الشغل, يمكن للمحكمة في حالة خرق المقتضيات التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بمراعاة شروط السلامة وحفظ الصحة, أن تصدر حكمها بالإدانة مقرونا بقرار الإغلاق المؤقت للمؤسسة, طيلة مدة لا يمكن أن تقل عن عشرة أيام, ولا أن تتجاوز ستة أشهر, سواء كانت مسطرة الإنذار سارية أو لا, وفي حالة عدم احترام مقتضيات هذه المادة وحسب مقتضيات المادة90 من القانون الجنائي يعاقب كل شخص خالف هذا القرار بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم, ناهيك عن حالة العود التي يمكن أن يصدر الحكم فيها بالإغلاق النهائي للمؤسسة.

كما أن المادة الرابعة من المرسوم رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها تنص على أنه يعاقب على مخالفة الأحكام المتعلقة بالتقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية بشأن حالة الطوارئ الصحية بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.

الفقرة الثانية: الجهات المتدخلة لضمان سلامة الأجراء وصحتهم

 

أولا_مصلحة طب الشغل

 

لقد ألزم المشغل المقاولات الصناعية والتجارية التي تشغل أقل من 50 أجيرا بضرورة إحداث مصالح طبية للشغل مستقلة أو مصالح طبية مشتركة وذلك بصريح المادة305 من مدونة الشغل, حيث يلعب طبيب الشغل دورا وقائيا, يتمثل في إجراء الفحوص الطبية الواجبة على الأجراء خاصة في الظرفية الوبائية التي يعيشها قطاع الوحدات الإنتاجية, بحيث يسهر طبيب الشغل على مراقبة شروط النظافة في مقرات إشتغال الأجراء, وكذا تجنيبهم مخاطر العدوى.

وبحسب مقتضيات المادة 324 من مدونة الشغل فإن طبيب الشغل ملزم بالتصريح بكل حالة من حالات الأمراض المهنية أو الأمراض ذات الصبغة المهنية التي علم بها, ويمكن اعتبار فيروس كورونا المستجد مرضا ذو صيغة مهنية على اعتبار أن الأجراء يصابون بالفيروس أثناء أداء عملهم داخل المقاولة.

ثانيا_لجنة الصحة والسلامة المهنية

 

 لقد نص المشرع في المادة336 من مدونة الشغل على ضرورة إحداث لجان السلامة وحفظ الصحة داخل المقاولات التي تضم 50 أجيرا على الأقل, ويعهد إلى هذه اللجنة مجموعة من المهام من أهمها استقصاء المخاطر المهنية التي تتهدد أجراء المقاولة والسهر على على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية في مجال السلامة وحفظ الصحة, إضافة إلى التحسيس بضرورة اتقاء المخاطر المهنية, لذلك وفي ظل الظروف الوبائية التي طالت مجموعة من الوحدات الإنتاجية والصناعية فإن دور لجنة الصحة والسلامة المهنية يعتبر مهما جدا للحد من تفشي فيروس كورونا-كوفيد19 وحماية صحة وسلامة الأجراء.

 

ثالثا_مفتش الشغل

 

 تناط بجهاز تفتيش الشغل مهمة السهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل بما في ذلك تنزيل قرارات السلطات العمومية المرتبطة بهذه الظرفية الحرجة وتحسيس وتقديم النصائح إضافة إلى التبليغ عن كل التجاوزات المرتكبة من طرف المشغلين وأرباب العمل.

وتدخل مفتش الشغل يعتبر لازما لضمان صحة وسلامة الأجراء من خلال السهر على مراقبة التدابير المتعلقة بقواعد الصحة والسلامة ومدى التزام أرباب العمل والأجراء باحترامها,وبحسب المواد539 و540 و541 و542 و543 من مدونة الشغل على مفتش الشغل في حالة ضبط أي مخالفة  للأحكام والتدابير الوقائية أن يقوم بتوجيه تنبيه للمشغل مع تحديد الآجال تبعا لظروف المؤسسة على ألا يقل عن أربعة أيام قبل اللجوء إلى تحرير المحضر المتعلق بمعاينة المخالفة وتوجيهه إلى المحكمة المختصة, وفي ظل مواجهة تقشي فيروس كورونا, فإنه يجب تجاوز هذه الآجال والقيام بتنبيه المشغل فورا, وفي حالة الرفض على مفتش الشغل تحرير محضرا يثبت فيه امتناعه عن الامتثال لمضمون التنبيه ويوجهه فورا إلى رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة مرفقا بمقال, ليقوم هذا الأخير بكل التدابير التي يراها ملائمة لإيقاف الخطر الحال, مع إمكانية منح المشغل أجلا لهذه الغاية, كما له أن يأمر بالإغلاق عند الإقتضاء داخل المدة الضرورية المحددة له.

وقد يتخذ مفتش الشغل جميع الوسائل لحث المشغل على الإلتزام بالمقتضيات والتدابير التي تفرضها علينا الظرفية الوبائية لحماية الأجراء, إلا أن المشغل الذي لا يستجيب لهذه الأوامر فحسب المادة 544 من مدونة الشغل على مفتش الشغل أن يحرر محضرا جديدا يوجهه إلى وكيل الملك, الذي يحيله بدوره إلى المحكمة الابتدائية  داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ التوصل لتطبيق المقتضيات الزجرية.

خاتمة

 

لقد حاولنا من خلال هذا الموضوع إبراز أهم التدابير التي اتخذتها الدولة ومختلف الجهات الفاعلة لمواجهة تداعيات تفشي فيروس كورونا نظرا لما يشكله من تهديد على أرواح الأشخاص وخاصة فئة الأجراء الذين لازالوا يشتغلون ليومنا هذا للحفاظ على استمرارية المنتجات والسلع الضرورية لإشباع حاجيات المواطنين, لكن في نفس الوقت عرفت عدة مقاولات انتشارا واسعا لفيروس كورونا وبالتالي أصبحت تعتبر بؤر وبائية نظرا لإصابة عدد كبير من الأجراء مما أدى بالسلطات المختصة للإسراع بإغلاقها, لذلك لابد من التكثيف من الإجراءات والمجهودات لأن الأجير والمشغل هما في خانة واحدة, لأن الحفاظ على صحة وسلامة الأجراء يتطلب تدخل مجموعة من الهيئات من خلال تفعيل استراتيجة توافقية بين الأطراف الفاعلة في ميدان الشغل.

 

الفهرس

مقدمة 1……………………………………………………………..……………

المطلب الأول: التدابير الوقائية لحماية الأجراء 4

الفقرة الأولى: الإجراءات الاحترازية لأطراف العلاقة الشغلية 4

أولا_ إجراءات المشغل الإحترازية للحفاظ على سلامة الأجراء 4

ثانيا: الإجراءات الإحترازية للأجراء للحفاظ على سلامتهم 5

الفقرة الثانية: الإجراءات المتخذة من قبل الجهات المختصة لحماية الأجراء 6

أولا_ إحداث صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا: 6

ثانيا_إحداث لجنة اليقظة الاقتصادية: 7

ثالثا_المصادقة على القانون رقم 25.20 : 8

المطلب الثاني: التدابير القانونية المعتمدة لحماية الأجراء 9

الفقرة الأولى: التدابير الحمائية المنصوص عليها في مدونة الشغل 9

أولا_ أوجه الحماية المقررة للأجراء 9

ثانيا_العقوبات الزجرية لردع المخالفات: 11

الفقرة الثانية: الجهات المتدخلة لضمان سلامة الأجراء وصحتهم 12

أولا_مصلحة طب الشغل 12

ثانيا_لجنة الصحة والسلامة المهنية 12

ثالثا_مفتش الشغل 13

خاتمة 14

الفهرس.. 15

 

الإحالات

[1] _ مرسوم  بقانون رقم 2.20.292 بتاريخ 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ وإجراءات الإعلان عنها

مرسوم بقانون رقم 2ز20.293 بتاريخ 24 مارس 2020 يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا_ كوفيد19

مرسوم رقم 2.20.330 بتاريخ 18 أبريل 2020 المتعلق بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد19

[2] _ ومن الشروط اللازمة للتمسك بالقوة القاهرة هي ثلاثة: عدم التوقع, استحالة الدفع, عدم صدور خطأ من الطرف المتمسك بالقوة القاهرة.

[3] _ www.lexis360.fr   date de25 mars2020

المعلومة القانونية

*أميمة شهاب

طالبة باحثة بسلك الماستر تخصص قانون الأعمال

قد يعجبك ايضا