تأملات في مشروع القانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الإجتماعي

غني عن البيان ان المغرب اليوم وفي إطار مواجهة جائحة كرونا “كوفيد 19″ قد حقق العديد من النقاط الإيجابية في التصدي لهذا الوباء العالمي، باقرار اجراءات احترازية استباقية كانت محط إشادة دولية ، سواء من حيث شكل التصدي او طريقة التعامل والعلاج.
هذه المعطيات اعطت اشارة واضحة ان المواطن شكل محور إهتمام الدولة وأولية من أولوياتها دون اعتبارات جانبية ،مما رفع منسوب الثقة المتبادلة بين كافة أجهزة الدولة الرسمية وغير الرسمية والمجتمع المدني، ودليل ذلك تقيد غالبية المغاربة بالحجر الصحي وارتداء الكمامات في ظل حالة الطوارىء الصحية، ليس بدافع الخوف من السلطة او الخشية من القانون، بل بقناعة راسخة بكون الجميع مسؤول ومن جانبه بالمساهمة في ابحار سفينة الوطن بأمان إلى بر شاطئ النجاة دون مجازفات غير محمودة العواقب.

وأمام نجاح المغرب في ضمان أمن صحي وأمن غذائي وظهور مؤشرات مشجعة على تجاوز الأزمة قريبا، والنجاح في رد الإعتبار للقطاع العمومي خاصة التعليم والصحة ببروز كفاءات وطنية أثارت حب الوطن والتفاني في خدمته بعيدا عن المصالح الشخصية الضيقة، فنالت الإشادة والتنويه.

هذا التصالح الإجتماعي زكاه ترديد النشيد الوطني عاليا في كافة ارجاء المملكة بصوت صادق اقشعرت له الأبدان ، وأعطى بوادر عقد إجتماعي جديد أساسه الولاء للوطن وهزيمة المصالح الخاصة أمام المصلحة العامة.

في ظل هذا الجو الذي كان يوحي بأن مغرب مابعد كورونا سيكون مغربا جديدا وقويا متعافى صحيا واجتماعيا واقتصاديا، المكان فيه للكفاءة أولا وأخيرا، لكن ولإفساد هذه الفرحة المنتظرة كان لابد من ظهور جيوب المقاومة والتي تحب دائما ان تصطاد في الماء العكر، ولعل من تجليات ذلك صدور مسودة مشروع القانون 22-20 في ظروف مشبوهة تثير اكثر من علامات الاستفهام بخصوص دواعي التنزيل؟؟؟ وتوقيته؟؟؟

والمشروع كما هو معلوم تم عرضه بتاريخ 19 مارس 2020 على المجلس الحكومي وتمت المصادقة عليه مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة بشأنه والتي أوكل أمر دراستها من قبل اللجنة التقنية واللجنة الوزارية المشكلتين لهذا الغرض، والفترة الفاصلة بين عرضه على مجلس الحكومة دون فتح نقاش عمومي، ونشره بإحتشام عن طريق تسريبات لبعض مواده فقط، ثم نشره في صيغة غير مقروءة في بعض أجزائه على خلاف العادة، وهو مايجعل مكنة جس النبض حاضرة منذ البداية، خاصة وان الظرفية الاستثنائية التي يعيشها المغرب اليوم لاتسمح بسن قوانين ذات الصلة بالحقوق والحريات، وتشتيت الانتباه عن كورونا كعدو متربص .

واذا كانت الحكومة قد امتكلت زمام التشريع ظرفيا لإقرار تدابير مستعجلة في زمن كورونا في غياب البرلمان كمؤسسة تشريعية، فإن هذا ليس معناه استطابة حلاوة التشريع والاجهاز على الشرعية الدستورية المحددة لمبدأ اختصاص السلط واستقلالها، فإذا كانت تدابير الطوارئ الصحية مقبولة ومفهمومة لكونها ترتبط بظرفية خاصة ومؤقتة في الزمان والمكان تزول بزوال موجبات التنزيل ، فإن مشروع القانون 22-20 شرع على سبيل الدوام وهو مالايمكن القبول به إطلاقا، وهنا يصح التساؤل عن سبب الاستعجال، إذ ان الحكومة تسابق الزمان لإقراره ربما قبل رفع حالة الطوارىء، لغرض في نفس يعقوب……وهو ما يفسر مصادقة الحكومة عليه ثم عرضه على اللجتنين التقنية والوزراية، والحال أن عرض المشروع على اللجنتين كان يجب أن يكون قبليا أثناء الإعداد والدراسة، وليس بعد المصادقة، وهو مايؤكد الاستعجال والتسرع دون مبرر مسوغ.

ومشروع القانون يدور حول حرية التواصل الرقمي عبرشبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح وباقي الشبكات المماثلة وهي حرية مضمونة تمارس طبقا لدستور المملكة لسنة 2011 والذي جاء في تصديره ان المملكة المغربية وفاءا لأختيارها الذي لارجعة فيه، في بناء دولة الحق والقانون واصلت بعزم تقوية مؤسسات دولة حديثة مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحريات والكرامة والعدالة الإجتماعية .

وكرس دستور المملكة كل هذه الحقوق في الباب المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية في بابه الثاني وخاصة الفصل 25منه والذي نص على أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل اشكالها وهو لفظ جاء بصيغة العموم والاطلاق دون تقييد، ومعناه ان الدعامة المستعملة كالوسائط الإلكترونية لايمكن ان تحد من هذه الحرية، مادامت مجرد وسائل فقط لنقل الأفكار والمعلومات وسمتها الأساسية الحياد التقني.

وربما أن منطلق خوف مشرعي هذا القانون وهم نفسهم منفذوه هو كون المعلومة في الفضاء الأزرق تنتشر كالنار في الهشيم ويصعب ايقاف انتشارها او تحديد مداها وتداعياتها، ودليل ذلك دور فضاء التواصل الإجتماعي في الربيع العربي، ومادامت الضرورات تبيح المحظورات عقدت النية بالاجهاز على الحريات بدافع حماية الشرف والاعتبار الشخصي، والحال ان القانون الجنائي حافل بنفس المقتيضات وهو ما من شأنه أن يخلق تضخما تشريعيا وتناثرا لنصوص زجرية عديدة تحكم نفس الفعل وهو مايمس مبدأ الشرعية وعمق السياسة الجنائية بشقيها سياسة التجريم وسياسة العقاب كإحدى تمثلات دولة الحق والقانون.
وخطورة القانون تتجلى في كونه يعاقب مستعملي شبكات التواصل الإجتماعي سواء على نشر المحتويات اوتقاسمها اوالتفاعل معها او من يجعلها متاحة للجمهور ، بمعنى أن فعل ” j’ aime” commenter ” partager” ” j adore ” envoyer” كلها أفعال تقع تحت طائلة المتابعة الجنائية وعقوبات مشددة سالبة للحرية وغرامات ثقيلة، وهو مايشكل تكميما للافواه ، وجعل فضاء التواصل الإجتماعي مخصص للتهنئة في الأعياد والتعزية في المآثم دون سواهما، وهو مايؤدي بنا إلى القول بأن التغني بالرقمنة مجرد شعارات جوفاء فقط.

لذلك يمكن القول أن مجرد التفكير في وضع هذا القانون بعيدا عن طرحه او المصادقة عليه يعد ردة وانتكاسة حقوقية بامتياز وخرق سافر لدستور المملكة لسنة 2011 لمساسه بحرية التفكير والرأي والتعبير بشكل فاضح.

لذلك نقول بأن الزيادة اخت النقصان، والفضيلة شيء وسط يين رذيلتين.

المعلومة القانونية

*لحسن عازف

دكتور في الحقوق

قد يعجبك ايضا