رضوان بنسليمان: المؤسسات السجنية وجائحة كورونا

بالرغم من كل التوصيات والمواثيق الدولية، مازالت المؤسسة السجنية بالمغرب تعاني مجموعة من الإشكالات متمثلة أساسا في نظام قانون السجون الحالي 98.23 المتعلق بتنظيم وتسير المؤسسات السجنية بالمغرب، حيث هذا الأخير لم يعد مناسبا لحماية المؤسسات والنزلاء لعدم قدرته على مسايرة تحديث الإدارة السجنية، وعجزه على توفير الرعاية الصحية والسلامة العامة تماشيا مع مبادئ حقوق الإنسان وما يمثله دستور 2011 ، وذلك باحتوائه على مضامين غير مسبوقة ومقتضيات متطورة تؤسس لعهد دستوري جديد. وفي هذا الإطار اعتنى الدستور بحقوق السجناء، حيث أدرج المشرع الدستوري لأول مرة فقرة نص من خلالها على حقوق أساسية لكل شخص معتقل التزاما من المملكة المغربية بتعهداتها الدولية وما تقتضيه مواثيقها من مبادئ حقوق الإنسان.

كما يأتي هذا الموضوع في هذه الظرفية الصعبة التي تعيشها بلادنا والعالم بأسره نتيجة تفشي وباء كوفيد -19 أخدا بعين الاعتبار إجراءات وقائية لحماية أمن المؤسسات وسلامة وصحة نزلائها، كل هذا عائد إلى عجز السياسة الجنائية عن إيجاد حلول معالجتها، وضعف التنسيق بينها وبين السياسات العمومية التي تشمل جميع القطاعات لمواجهة الحد من ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون( الاعتقال الاحتياطي، الافراط في العقوبات السالبة للحرية، حالة العود).

ومن مخرجات هذه الأزمة، يقتضي الأخد بكل المستجدات والتطورات التي تعرفها المنظومة القانونية، مع الانفتاح على مختلف الفاعلين والمتدخلين في مجال تدبير المؤسسات السجنية من منطلق نجاعة المقاربة التشاركية في معالجة القضايا المصيرية والإصلاحات الكبرى:

– أولا: أخذا بعين الاعتبار ( مطالب جمعية هيئات المحامين بالمغرب)

حيث راسلت الجمعية وزير العدل، من أجل المطالبة بتخفيف الاكتظاظ في المؤسسات السجنية، والإفراج عن بعض أصناف المعتقلين، بناء على الوضعية الوبائية التي تعيشها بلادنا (والعالم بأسره) نتيجة تفشي وباء “كوفيد-19″، والإجراءات الإحترازية الموصى بها من أجل الحد من انتشار فيروس “كورونا” المستجد، ونظرا إلى كون السجون من الأماكن التي تعرف تواجد عدة أشخاص في فضاءات محدودة ولمدة طويلة، إذ تعتبر من الأماكن ذات الخطورة العالية جدا”.

وبناء على مقتضيات المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، والذي ينص على أنه: “على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم.

ونظرا لمحدودية الإجراءات التي يمكن أن تتخذها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من أجل ضمان سلامة السجناء وسلامة موظفيها، واستمرار المرفق العام في احترام تام للقانون المنظم للمؤسسات السجنية وحقوق السجناء، أيضا أشرت إلى القواعد المعمول بها في هذا المجال، والتي تم التذكير بها مؤخرا من طرف ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان. كما تشير المراسلة إلى المناشدات المتكررة للجمعيات الحقوقية والمدنية حول وضعية المؤسسات السجنية بالمغرب، وضرورة تخفيف الاكتظاظ الذي تعاني منه، مشيرة إلى أن استمرار هذه الوضعية يشكل تهديدا لحياة السجناء والموظفين، وعقابا مضاعفا لهم. وبالنظر كذلك الى مطالبها المتعلقة بضرورة إطلاق سراح المعتقلين على خلفية الحراكات الاجتماعية والأنشطة المدنية والسياسية والإعلامية، واستغلال فرصة الإجماع الوطني التي تحققت في هذه الظروف العصيبة، من أجل تسوية هذه الملفات العالقة.

لهذه الأسباب التمست جمعية هيئات المحامين من جميع السلطات الحكومية والقضائية المعنية، إطلاق مسار جديد من المصالحة الوطنية، ووقف جميع المحاكمات والمتابعات الجارية ضد نشطاء وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، والصحفيين والمدونين وكتاب الرأي وكل المتابعين لأسباب سياسية، و”إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والحراكات الإجتماعية، بما في ذلك حراك الريف وجرادة.

ومن أجل التخفيف من الإكتظاظ الذي تعرفه السجون، قالت الجمعية إن الدولة مدعوة لإتخاذ إجراءات ذات طابع إنساني، تستهدف سجناء وسجينات الحق العام، من خلال الإفراج عن بعض الفئات الهشة، وخصوصا المسنين الذين يتجاوز عمرهم ستون سنة”، والمرضى الخاضعين للعلاج بالمصحات والمستشفيات، والنساء اللواتي لهن أطفال صغار خارج السجن متكفـل بهن وممن قضين نصف المدة من العقوبة، والسجينات والسجناء ممن لم يبق على نهاية عقوبتهم سوى ستة أشهر أو أقـل.
وطالبت الجمعية بالإفراج، أيضا، عن الموضوعين رهن الإعتقـال الاحتياطي في قضايا جنحية، وتحويل عقوبة الحبس النافذ إلى حبس موقوف بالنسبة إلى الأشخاص المحكومين ابتدائيا لمدة تقـل عن ستة أشهر، مع التأكيد على أن هذه الإجراءات لا يجب أن تشمل السجناء المحكومين أو المتابعين في قضايا الاتجار في المخدرات والإعتداء على الأطفـال والنساء والأصول، ومرتكبي جرائم الاعتداء على الأشخاص والإستيلاء على المال العام. وفي الاخير طالبت الجمعية بتعزيز إجراءات الحفـاظ على الصحة والسلامة بالنسبة إلى باقي السجناء، وتمكينهم من الرعاية الصحية ومن المتابعة الطبية والتحاليل الضرورية، ومضاعفة أعمال النظافة والتعقيم في مختلف مرافق المؤسسات السجنية، وتسهيل تواصل السجناء بمحاميهم ومتابعتهم لقضاياهم.”

-ثانيا: أخدا بعين الاعتبار ( بلاغ المكتب التنفيذي للمرصد المغربي للسجون)

“أصدر المرصد بلاغا إلى الرأي العام يوم 17 مارس 2020 ضمنه عدد من إقتراحاته الإحترازية لضمان عدم تفشي الفيروس وسط السجناء والسجينات، وراسل بعدها السيد رئيس النيابة العامة لإتخاذ عدد من الإجراءات والتدابير للحد من ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون والتي تجاوزت ساكنتها نهاية شهر دجنبر 2019 ما مجموعه 86 384 سجينة وسجين : الأولى بتاريخ 16 مارس 2020 والثانية بتاريخ 18 مارس 2020.

كما راسل المرصد السيد رئيس الحكومة المغربية بتاريخ 26 مارس 2020 يطالبه بتقديم المعطيات للرأي العام، وتوضيح الصورة حول الوضعية داخل السجون والإجراءات والتدابير الصحية وغيرها التي شملت نزلاء المؤسسات السجنية، لتفادي تفشي هذا الفيروس داخلها، حيث طالب المرصد باتخاذ عدة مبادرات يؤكد عليها من جديد وهي :

– دعوته جميع المتدخلين في الشأن السجني ببلادنا إلى تكثيف الجهود وتقديم مختلف الخدمات المطلوبة لضمان سلامة السجناء والسجينات والموظفين والموظفات وعدم تفشي الفيروس داخل المؤسسات السجنية؛

– دعوة السلطات القضائية، إلى إتخاذ إجراءات مستعجلة من أجل الإفراج عن السجينات والسجناء الذين ستنقضي مددهم خلال شهر مارس 2020، وإطلاق سراح السجناء الأحداث الذين ينتظرون محاكمتهم، والسجناء المسنين ما فوق 65 سنة، والنساء السجينات المرفقات بأطفالهن، والسجنالسجينات في وضعية إعاقة، مع إعمال التدابير الخاصة المقيد بشروط؛

-المطالبة بإطلاق سراح سجناء الرأي والتظاهر السلمي، وتقليص عدد السجناء الإحتياطيين للتخفيف من الإكتظاظ داخل السجون كإجراء وقائي واحترازي؛

– تأجيل إحضار المتهمين المعتقلين في طور المحاكمة إلى المحاكم وتنقليهم من وإلى المؤسسات السجنية وتأخير محاكمتهم إلى أجل لاحق، كإجراء احترازي ووقائي من شأنه ضمان عدم انتقال العدوى وتفشيها داخل المؤسسات السجنية إلخ.
يعتبر المرصد المغربي للسجون وهو يتابع اليوم الوضع السجني ببلادنا على ضوء جائحة كورونا يعلن للرأي العام الوطني وأسر السجناء مايلي :

– أن المبادرات والإجراءات الإحترازية التي طالب بها المرصد المغربي للسجون سابقا، سواء عبر بلاغه الأول أو عبر الرسائل الموجهة إلى السيد رئيس النيابة العامة والسيد رئيس الحكومة المغربية، تشكل مدخلا حقيقيا لمحاصرة الفيروس ومنعه من الإنتشار داخل المؤسسات السجنية؛

– يثمن مبادرات المندوبية العامة لإدارة السجون المتخذة من أجل ضمان عدم انتشار الفيروس في أوساط السجناء والسجينات وأطر وموظفي المندوبية العامة والتي تبقى غير كافية أمام الاكتظاظ الكبير الذي تعرفه السجون؛

– يثمن مجهودات الأطر الطبية العاملة داخل السجون ومجهودات أطر وموظفي المؤسسات السجنية وتضحياتهم والتزامهم خلال هذا الظرف الحرج ويطالب الجهات المسؤولة بتقديم الدعم اللازم لإنجاح مجهودات ومبادرات المندوبية العامة لإدارة السجون؛

– يدعو أسر السجناء والسجينات إلى المساهمة الفعالة لإنجاح التدابير الاحترازية التي أعلنت عنها المندوبية العامة لإدارة السجون، ويؤكد على استمراره في متابعة الوضع داخل السجون وإتخاذ ما يلزم من المبادرات؛

– يعتبر أن قلق أسر السجناء والسجينات على ذويهم وراء الأسوار، قلق مشروع ويدعو الجميع إلى تحمل مسؤوليته وتنوير الرأي العام وأسر النزلاء والنزيلات حول الوضع الصحي داخل المؤسسات السجنية،

– ينبه إلى وضعية السجناء والسجينات خلال هذه الفترة الحرجة، ويدعو الجهات المسؤولة إلى العناية بمصيرهم ووضعها ضمن الأولويات في مواجهة انتشار الفيروس؛

– يدعو مجددا إلى إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والإحتجاجات السلمية وتقليص عدد السجناء الإحتياطيين بالإفراج عن النساء السجينات المرفقات بأطفالهن والسجناء في وضعية إعاقة وذوي الأمراض المزمنة والمسنين للتقليص من ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، كما يخبر الرأي العام وعموم أسر السجينات والسجناء أن المرصد سيبقى على تواصل مستمر ودائم مع المندوبية العامة لإدارة السجون لمتابعة الوضع الصحي للسجينات والسجناء داخل عموم السجون المغربية؛

– يطالب رئيس الحكومة المغربية ووزير الصحة بتنوير الرأي العام وأسر السجناء والسجينات حول الإجراءات والتدابير الإحترازية المتخذة لضمان سلامة ذويهم وأقاربهم على المستوى الصحي، خاصة ما يتعلق بالأطقم الطبية المؤهلة والأدوية ووسائل المراقبة والتجهيزات المرصودة لهذا الغرض؛

– يدعو الحكومة المغربية إلى دعم مبادرة المندوبية العامة لإدارة السجون لمواجهة فيروس كورونا عبر رصد ميزانية استثنائية عن طريق صندوق تدبير جائحة فيروس كوروناCovid-19- في هذا الظرف الحرج والإستجابة للحاجيات والمتطلبات الصحية للسجينات والسجناء أمام الاكتظاظ المرتفع الذي تعرفه السجون المغربية ؛

– يشيد بمجهودات الأطقم الطبية داخل المستشفيات لمحاربة هذا الفيروس ويدعو إلى تمكينها من كافة المتطلبات والمستلزمات الطبية والشروط اللازمة لتسهيل عملها.

– يثمن عاليا مواقف ومبادرات المنظمات الحقوقية والفاعلين الجمعويين والحقوقيين الداعمة للسجناء والسجينات في هذا الظرف الحرج والمدافعة عن حقهم في الصحة والحياة، ويؤكد على أهمية مبادرة توقيع العريضة من أجل إطلاق سراح المعتقلين التي تنخرط فيها الحركة الحقوقية ببلادنا، ويدعو إلى المزيد من التعبئة للدفاع عن حق هذه الفئة المجتمعية في الخدمات الصحية والحياة

رغم تزايد الإهتمام بالمؤسسة السجنية، كفضاء لإعادة تأهيل السجين وإدماجه في المجتمع، فإن جوانب القصور لا زالت تقف دون بلوغ ذلك، وترتب انعكاسات سلبية على سياسة إصلاح السجين المتبعة من قبل الإدارة السجنية لهذا أصبحت ضرورة تبني توجه شمولي مشترك كمدخل أساسي لتجاوز هذه الوضعية وتخطي أزمة المؤسسات السجنية وفق مقاربة تشاركية دامجة لكل المعنيين والمهتمين عبر حوار وتواصل تعددي وعمومي، وذلك من خلال اعتماد آليات حديثة للعقاب ومناهج متطورة في تدبير الأزمات.

الملاحظ أيضا أن القانون المنظم للسجون مهما بلغ من درجات الدقة والنجاعة، ومهما بلغت جهود تنزيل مضامينه، فلن تتحقق العدالة المنشودة إلا من خلال إعمال سياسة جنائية، وعقابية على وجه التحديد، تعتمد بالأساس ترشيد الإعتقال الاحتياطي وتفريد العقوبة السالبة للحرية وإعمال آليات موجبة للإفراج.

المعلومة القانونية

*رضوان بنسليمان

باحث في العلوم الجنائية والدراسات الأمنية

قد يعجبك ايضا