أزمة المديونية العمومية – الرهان المقبل للمغرب

المعلومة القانونية

*إدريس بنمسعود

طالب باحث بسلك ماستر المهن القانونية و القضائية بكلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية بمارتيل.

صادق المجلس الحكومي على مشروع مرسوم قانون تعديلي لقانون المالية متعلق برفع سقف التمويلات الخارجية[1]، على أن يتم استكمال المسطرة المنصوص عليها في الفصل 81 من الدستور، وذلك بعرض مرسوم قانون على البرلمان للمصادقة عليه خلال دورته العادية الحالية، و جاء ذلك على الرغم من تحذيرات سابقة من مؤسسات ذات الإختصاص كمندوبية التخطيط و المجلس الأعلى للحسابات من خطورة ارتفاع حجم مديونية البلاد و أثارها السلبية.

كل هذا يأتي في ظروف استثنائية، متعلقة بالتبعات الاقتصادية لحالة الطوارئ الصحية المرتبطة بفيروس كوفيد 19 المستجد،  حيث بدأت تظهر انعكاسات توقف المعاملات الدولية  على الموارد الجمركية للدولة بالنظر إلى ركود منظومة الطلب الخارجي وإيرادات العملة الصعبة للمغاربة المقيمين بالخارج، وتراجع المداخيل السياحية و نقص العمليات الإنتاجية… ما معناه أن بلادنا ستحتاج موارد إضافية لتغطية التكاليف الاستثنائية للجائحة.

خلق هذا القانون جدلا واسعا  وسط الفرق البرلمانية و تخوفا مستقبليا من تضخم مستوى مديونية المغرب أكثر مما هو عليه الحال الأن ، حيث كانت و ماتزال سياسة الإقتراض تعرف انتقادا لادعا على مدار السنوات الأخيرة، خصوصا و أنها  تحول دون تحقيق التنمية المستهدفة و الغايات المتوخاة منها.

و للإشارة فقصة المغرب مع الاستدانة ليست وليدة اليوم، بل سمح سابقا للاستعمار الفرنسي والاسباني من بسط سيطرتهم عن طريق باب المديونية الخارجية.

و بعد مرور قرن من الزمن مازال المغرب يتأرجح داخل نفس الدوامة،  على الرغم من تغير التسميات والفاعلين، لكن بقيت أداة المديونية تلعب نفس الدور  وهي أن تحول عائقا أمام تقدم الشعوب و ازدهارها.

و يرجع مصدر هذا القلق إلى  إحصائيات تقدمها مؤسسات تختص بمراقبة المالية العمومية يتأكد من خلالها بأن الإقتراض المفرط يسير بالبلاد نحو المجهول كون الأرقام تجاوزت الخطوط الحمراء،  بحيث تتجه مديونية المغرب لتزيد عن 800 مليار درهم[2]،  لنقف أمام هاجس مخيف يطرح التساؤل حول نجاعة التدبير الإقتصادي و المالي بالبلاد.[3]

و تتوزع المديونية العمومية بين دين داخلي يمثل % 63 من إجمالي الدين، و مديونية خارجية تستحوذ على %37 منه، الصنف الأول من الدائنين هم الأبناك المتواجدة بالمغرب وكذا الصناديق الائتمانية وصناديق التقاعد، ويعتبر الاستثمار في أصول الدين المغربي عملية مربحة ومضمونة إلى حد ما.

أما الصنف الثاني يضمنه الدائنين المتعددين الأطراف ،أبرز دائنين هذا الصنف هو البنك الدولي الذي يمثل لوحده % 34 من إجمالي الدين الخارجي المتعدد الأطراف .

و يعمل المغرب على الإقتراض أيضا من عند دول الجوار لتبقى فرنسا  الدائن الأول بين الدول  تأكيدا على استمرار العلاقة الإقتصادية بين البلدين.

  • البنك الدولي يحذر :

جاء تقرير الأفاق الإقتصادية العالمية[4] الصادر من البنك الدولي ليسجل  مجموعة من العوامل التي تشوب الفعالية الإقتصادية العالمية  و التي تتمثل في أكبر موجة لتراكم الديون و أسرعها و أوسعها نطاقا، و حذر البنك الدولي البلدان النامية من خلال هذا التقرير بضرورة اتخاد خطوات لتقليص المخاطر المرتبطة بتراكم الديون بالإعتماد على حسن التدبير و الشفافية و على الحد من تكاليف الإقتراض و تعزيز القدرة على تحمل الأعباء .

  • رؤية المجلس الأعلى للحسابات : [5]

تضمنت تقارير المجلس الأعلى للحسابات كمؤسسة دستورية تراقب المالية العمومية خلال السنوات الأخير انتقادات و توصيات تهم ارتفاع حجم المديونية الداخلي و الخارجي، حيث دقت ناقوس الخطر بخصوص الصعوبات التي تواجه المالية العمومية في ظل تنامي حجم الميزانية و ارتفاع المديونية الخارجية، و أضاف تقرير المجلس الأعلى للحسابات سنة 2018 أن مالية الدولة تواجه صعوبات أخرى تتجلى في ارتفاع مديونية الخزينة و التي بلغت عند متم سنة 2018 ما قدره 722.6 مليار درهم بنسبة ارتفاع تناهز % 4.4 مقارنة مع سنة 2017 كما تضاعف جاري دين الخزينة أكثر من مرتين ما بين سنة 2009 و 2018 . و لمواجهة هذه الصعوبات يؤكد التقرير ضرورية إرساء حكامة جيدة على مستوى كل الوظائف من تخطيط و برمجة و تنفيذ و مراقبة و تقييم للبرامج و العمليات .

  • تفاعل الحكومة مع الانتقادات و التوصيات:

أثناء مناقشة قانون المالية الأخير في قبة البرلمان أكد وزير المالية “محمد بنشعبون ” على حقيقة ارتفاع نسبة الدين العمومي، لكنه ذكر بأن الأهم هو  مدى استدامة هذا الدين، معتبرا أن المديونية لا محيد عنها من أجل تمويل العجز و توفير العملة الصعبة، و أن المستوى الحالي يبقى بعيدا عن الخط الأحمر الذي حدده صندوق الدولي بالنسبة للدول النامية و هو  % 70 من الناتج الداخلي الخام، و الحال أن مديونية الخزينة بقيت في حدود % 65.3 من الناتج الداخلي الخام نهاية سنة 2018، و أوضح أن الحكومة تعمل على احترام مجموعة من المبادئ أبرزها توجيه هذه القروض أساسا لتغطية المشاريع الاستثمارية و التنموية.[6]

  • اقتراحات لتجاوز الأزمة :

أرقام ارتفاع حجم المديونية دفعت السيد عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب و وزير المالية سابقا إلى تحذير المسؤولين في عدد من المناسبات، و أوصى بتوخي الحذر و اليقظة  إزاء مستوى الدين العمومي لتجنب الشروط التعجيزية التي تضعها المؤسسات المالية للبلدان التي تعاني من صعوبات جراء اختلالات توازناتها المالية[7] ،  و أكد أن هناك أهداف مستقبلية متمثلة في حصر عجز الميزانية في % 3 و التضخم في حدود %2 والمديونية في حدود%60 من الناتج الداخلي الخام.

أما بخصوص اعتماد الحكومة على مشاريع استثمارية من أجل تحقيق معدلات نمو اقتصادي فقد أكد خبراء اقتصاديون أن عائدات المغرب من الاستثمارات ما زالت منخفضة و أننا نحتاج  لمضاعفتها حتى نحقق الأهداف المسطرة، و أكدوا على ضرورة اعتماد سياسة واضحة المعالم من أجل تحسين مناخ الأعمال و الإستثمار داخل المملكة، منوهين ببرنامج دعم الشركات الصغرى و المتوسطة و الإستثمار بشكل عام  الذي وضع بتعليمات من جلالة الملك في خطوة يتنبأ لها الأغلبية بتحسين الوضعية الإقتصادية للمملكة.

ختاما وبناءا على كل هذه المؤشرات وجب تنبيه الحكومة بتوخي كامل الحذر و اليقظة من أجل تجنب مضاعفات المديونية العمومية التي من الممكن أن ترهن مستقبل البلاد و الحكومات المقبلة و الأجيال القادمة، بعودة  زمن التقويم الهيكلي[8]  و فرض شروط ستملى علينا في محاولة لتقليص نسبة المديونية كأولوية على حساب أي اختيارات تنموية مستقلبية من الممكن أن تنعكس إيجابا على حياة الفرد داخل موطنه، خصوصا مع انتشار جائحة كوفيد 19 المستجد،  بعد تأثر أغليبة القطاعات ذات الأهمية البالغة داخل المنظومة الإقتصادية المغربية، و ارتفاع حجم الطلب بين الدول على المواد الأساسية و حاجة البلاد للعملة الصعبة  لاستيراد الغاز والبترول والقمح والشعير وأشياء أساسية مهمة للمغاربة .

رهان و تحدي مقبل للحكومة يلزمها بتدبير حكيم و رزين و  فعال للمرحلة الحرجة، بالابتعاد عن المزايدات السياسية و وضع مختلف السينريوهات على طاولة النقاش و تنزيل استراتيجيات ناجعة  من الممكن أن تنهي الفترة الصعبة بأقل الخسائر .

الإحالات:

 [1]    مشروع مرسوم قانون تعديلي رقم 2.20.320 الصادر في 13 شعبان 1441 (7 أبريل 2020)    بتجاوز سقف التمويلات الخارجية.

 [2]  – ظهير شريف رقم 1.19.125 الصادر في 16 من ربيع الاخر 1441 ( 13 ديسمبر 2019 )  بتنفيد قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020.

[3]  –جريدة الأخبار ، العدد 2200 ، بتاريخ 20 يناير 2020 صفحة 7 .

[4]  – تقرير أفاق الأقتصاد العالمي منشور على موقع : https://www.imf.org/

 – تقرير المجلس الأعلى للحسابات 2018 .[5]

 [6]  – جريدة الأخبار ، العدد 2200 ، بتاريخ 20 يناير 2020 صفحة 6 .

[7]  – جريدة الأخبار ، العدد 2200 ، بتاريخ 20 يناير 2020 صفحة 7 .

[8]  – برنامج التقويم الهيكلي  نفذه المغرب  سنة 1983 نتيجة فشله في تسديد ديونه لمؤسسة صندوق النقد الدولي، حيث لجأت هذه المؤسسة المالية الدولية إلى تقديم برنامج إصلاحي في البنيات و البرامج التي يقوم عليها الإقتصاد المغربي .

قد يعجبك ايضا