تأملات في جنوح الأحداث من منظور علم الإجرام

المعلومة القانونية

*أيوب بنشريفة

باحث في مجال العلوم القانونية

جامعة محمد الخامس

  مما لا يريب فيه، أن التفسير العلمي للسلوك الإجرامي كان ولازال يشكل جوهر علم الإجرام، فالإنسان مند القدم ما لبث إلا وأنه سعى وراء البحث عن تفسير للجريمة كسلوك إنساني.

   ومع منتصف القرن 17 ظهر التنظير الذي أخد طابعا علميا في إيجاد تفسير للجريمة إلا أنه لم يفلح في إعطاء تفسير علمي للسلوك الإجرامي، بل حتى التعريف القانوني للجريمة هو تعريف قاصر ونسبي، الشيء الذي أدى بالعلماء للانتقال إلى نظرية العوامل.

   ومن العوامل التي تأثر بشكل كبير على الحدث من جهة، وتتمركز في نظرية العوامل من جهة أخرى، نجد عامل السن، الأمر الذي يؤدي بنا إلى طرح تساؤلات عدة التي من بينها ما السن؟ وما علاقاته بالحدث؟ وما مدى قدرة عامل السن على إعطاء تفسير علمي للسلوك الإجرامي؟، ومن جانب آخر ما هو الدور الذي يلعبه التحليل الاستراتيجي في ظل علم الاجتماع في وقاية الحدث من الجنوح؟

    وبناء على ما سبق، فلكي نجيب على الأسئلة المطروحة أعلاه، فالأمر يستدعي منا تناول هذا الموضوع من خلال نقطتين اثنين وذلك على الشكل التالي:

  • أولا: عامل السن وتأثيره على الحدث
  • ثانيا: التحليل الاستراتيجي ودوره في وقاية الحدث من الجنوح

أولا: عامل السن وتأثيره على الحدث

   لا يختلف اثنان حول كون عامل السن من العوامل الداخلية المكتسبة الأمر الذي يؤدي بنا إلى استنتاج أن علاقة العامل بالجريمة هي علاقة ارتباط وليس علاقة سبب، فالإجرام مرتبط بسن الإنسان، والسن بدوره له تأثير على سلوك الانسان، فمرحلة الحدث هي المرحلة المهمة في السن، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الآونة ما الحدث؟

    حسب تعبير كوسون فالحدث هو المراهق، إذ ينتقل هذا الأخير من مرحلة الطفل إلى مرحلة الحدث.  فلماذا إذن كل هذا الاهتمام بالحدث؟

    فخلال مرحلة الحدث تحدث أمور عدة خاصة التغير الهرموني والفيزيولوجي، فالحدث خلال هذا التغير يسعى إلى أن يثبت ذاته من جهة، ويرفض السلطة الأبوية من جهة أخرى، فلفهم سلوك الحدث أكثر وأكثر لابد من الرجوع إلى خمس السنوات الأولى من حياة الطفل التي تعد الأساس والمرجع والمؤثر على ما يأتي من عمر الإنسان.

    ولكي نفهم جنوح الأحداث أيضا لابد من التطرق إلى الصراعات الطبقية، فجنوح الأحداث غير مقتصر على الطبقة الفقيرة كما هو مشاع عند بقية أفراد المجتمع، بل يشمل أيضا الطبقة الغنية، لكن من غير المفهوم وغير المنطقي أن نجد ارتفاع في نسبة جنوح الأحداث عند الطبقة المتوسطة التي تعد نواة المجتمع وحلقة الميزان وحامية القيم، الشيء الذي يساهم طرح الكثير من علامات الاستفهام …

    وإذا كانت المبادئ هي عنصر أساسي في الحراك الاجتماعي، فماذا عن التحليل الاستراتيجي ودوره في وقاية الحدث من الجنوح؟

ثانيا: التحليل الاستراتيجي ودوره في وقاية الحدث من الجنوح

    إن المنطلقات الأساسية لهذا التحليل بزغت في علم الاجتماع وبالذات مع عالم الاجتماعي الفرنسي ميشيل كروزيه.

    ولفهم السلوك المنحرف للحدث، فلابد من الإقرار على ان هذا السلوك المنحرف هو سلوك إنساني له هدف معين وغايات أساسية كالوصول للسلطة مثلا إمكانية إشباعها روحا وجسدا دون الاكتراث لمسألة إنحراف سلوكه من عدمه لتحقيق رغباته، وفي هذا الصدد ألا يمكن اعتبار السلوك المنحرف متجدر في الطبيعة الإنسانية؟

     وفي اعتبار السلوك المنحرف هو سلوك متجدر في الطبيعة الإنسانية، ذهب في هذا الاتجاه المفكر يوسف زيدان إلى اعتبار كون أصلنا همجيين، وبلغة كسوف كلنا منحرفون حسب طبيعتنا، بل الأكثر من ذلك فالإنسان دئب لأخيه الإنسان، ولتجاوز هذه العقبة ما علينا إلا زرع القيم الإنسانية، والمبادئ النبيلة، فالمفكر أحمد محمود عكاشة قال ذات مرة أن الأمم تتقدم بالأخلاق وليس بالتقدم التكنولوجي، وباختصار شديد بناء الانسان أهم من بناء الحجر.

      والأكيد كلما تلقى الحدث تنشئة اجتماعية جيدة وتربية سوية، ومجتمع غير متناقض فإننا لا نكون أمام مشروع حدث جانح، وإذا ما تلقى العكس فإننا غالبا ما نكون أمام حدث جانح بامتياز.  

     صفوة القول، فظاهرة جنوح الأحداث من الظواهر التي طالما شكلت تهديدا للحياة الاجتماعية على مستوى العالم ليس لأنه يتعلق بارتكاب أفعال وممارسات تخالف القوانين الجنائية والاجتماعية فقط، بل لأن هذه الممارسات تصدر عن شريحة الأطفال، التي يفترض لسياسات تربوية وتأطيريه من كافة مؤسسات التنشئة، وبالتالي فنحن محتاجين إلى مدرسة عربية إسلامية لتفسير السلوك الإجرامي للإنسان العربي المسلم، لأن الإنسان ابن بيئته، كما نحن في حاجة إلى مراكز للأبحاث والإحصائيات لتفسير الظاهرة الاجتماعية.

قد يعجبك ايضا