عثمان الأساس: الجريمة المنظمة العابرة للحدود

المعلومة القانونية

 *عثمان الأساس

طالب باحث بسلك الماستر تخصص العلوم الجنائية والتعاون الجنائي الدولي بسطات.

حاصل على اهلية مزاولة مهنة المحاماة لسنة 2019.

تقديم:                                   

تعتبر الجريمة ظاهرة اجتماعية قديمة قدم البشرية ذاتها , سعت المجتمعات الى مكافحتها بهدف نشر الأمن والطمأنينة في ابنائها, وقد ارتبطت طريقة ارتكاب الجريمة مع تطور العصر و تقدمه , وادا كانت ترتكب في العصور البدائية بوسائل تقليدية فان تقدم ورقي المجتمع في مختلف مجالات العلم والتكنولوجيا الحديثة , وتطور التجارة الدولية وانفتاح البلدان على بعضها البعض ,  قد شهد ظهور نمط جديد من الاجرام  الخطير يسمى بالجريمة المنظمة  , فهده الاخيرة تعد أخطر وأحدث الجرائم نظرا للأسلوب الحديث الذي ترتكب به من طرف فاعليها فهم غالبا ما يلجؤون في ارتكابهم لهدا النوع من الاجرام الى استعمال تقنيات وأساليب حديثة

وانطلاقا من هده المقدمة المبسطة الجريمة المنظمة العابرة للحدود ينتابنا تساؤل مفاده: ماذا يقصد بالجريمة المنظمة العابرة للحدود وماهي أهم الخصائص المميزة لها ؟ فالإجابة عن هدا التساؤل سنحاول التطرق له وفقا للتصميم التالي :

  • المحور الاول : مفهوم الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية .
  • المحور الثاني : خصائص الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية .

 

المحور الأول: الاطار المفاهيمي للجريمة المنظمة

لقد تناول تعريف الجريمة المنظمة كل من الفقه والتشريعات العربية, اضافة الى المنظمات الدولية , وهو ما سنتطرق أليه على النحو التالي :

          أولا: التعريف الفقهي للجريمة المنظمة

         عرفها بعض الفقه الجريمة المنظمة “بأنها مشروع اجرامي يقوم على أشخاص يوحدون صفوفهم للقيام بأنشطة اجرامية دائمة ومستقرة ويتميز هذا التنظيم بكونه يشبه البناء الهرمي وتحكمه لوائح ونظم داخلية لضبط سير العمل داخله في سبيل تحقيق أهدافها باستخدام وسائله من عنف وتهديد وابتزاز ورشوة لإخضاع وافساد المسؤولين سواء في أجهزة ادارة الحكم وأجهزة ادارة العدالة وفرض السيطرة عليهم  بهدف تحقيق الاستفادة القصوى من النشاط الاجرامي سواء كان دلك بوسائل مشروعة أو غير مشروعة [1].

كما عرفها بعض الفقه أيضا : ” بأنها جريمة جماعية لا يرتكبها شخص واحد تهدف  الى تحقيق أرباح مادية من خلال ممارستها لعدد من الأنشطة المشروعة وغير المشروعة واستخدامها للعنف أو للتخويف أو أي أدوات ترغيب أخرى كدفع الرشاوى وتقديم الخدمات لمن يتعاون معها في تحقيق أهدافها الاجرامية , فضلا عن النظام الصارم الذي يقوم عليها هيكلها الداخلي .”

          ثانيا: تعريف المنظمات الدولية للجريمة المنظمة

تعددت التعريفات الدولية للجريمة المنظمة , الأمر الدي يجعلنا نبحث في هده التعريفات من خلال التطرق لتعريف اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2000,  (1) ثم التطرق كدلك  للتعريف الدي جاءت به منظمة الإنثربول (2)  وكدلك تعريف مؤتمر الأمم المتحدة الخامس لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في جنيف عام 1975 (3).

1: تعريف اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2000

انه بالرجوع لمضمون المادة الثانية في فقرتها الأولى من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية التي أبرمت بتاريخ “15” نوفمبر لسنة 2000[2],نجدها عرفت الجماعات الاجرامية بقولها “يقصد بتعبير جماعة اجرامية منظمة جماعة ذات هيكل تنظيمي مؤلفة من تلاث أشخاص فأكثر , موجودة لفترة من الزمن , وتعمل بصورة متظافرة بهدف ارتكاب واحد أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة وفقا لهده الاتفاقية من أجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى “.

2: تعريف الإنتربول للجريمة المنظمة العابرة للحدود

من خلال مخرجات الندوة الأولية التي عقدتها الإنثربول حول الجريمة المنظمة بفرنسا في مايو سنة  1988  التي تعريف الجريمة المنظمة العابرة للحدود “بأنها جماعة من الأشخاص تقوم بحكم تشكيلها بارتكاب أفعال غير مشروعة بصفة مستمرة وتهدف بصفة أولية الى تحقيق الربح ولو تجاوزت أنشطتها الحدود الوطنية.”

3: تعريف المؤتمر الخامس للأمم المتحدة لمكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في جنيف”1975″

عرف الجريمة المنظمة العابرة للحدود بأنها هي ” تلك الجري[3]مة التي تتضمن نشاطا اجراميا معقدا وعلى نطاق واسع تنفده مجموعة من الأشخاص على درجة من التنظيم وتهدف الى تحقيق الثراء للمشتركين فيها على حساب المجتمع وأفراده وهي غالبا ما تتم عن طريق الاهمال التام للقانون وتتضمن جرائم تهدد الأشخاص وتكون مرتبطة في بعض الأحيان بالفساد السياسي “.

لكن هدا التعريف انتقد لأنه لم يشر الى المنظمة الاجرامية بشكل مباشر , وانما ركز على السلوك الاجرامي دون بيان العناصر الأساسية لقيام المنظمة الاجرامية , ومنها الاستمرارية في ممارسة النشاط الاجرامي والتخطيط لارتكاب الجريمة واستخدام وسائل العنف والتهديد بارتكابها .

            ثالتا: التعريفات العربية للجريمة المنظمة العابرة للحدود

سنعمل في هده النقطة على دكر أهم التعريفات التي جاءت بها التشريعات العربية وهي بصدد حديثها عن الجريمة المنظمة العابرة للحدود والتي يمكن اختصارها فيما يلي :

  1: تعريف المشرع المصري للجريمة المنظمة العابرة للحدود :

      عرفها المشرع المصري في المادة الأول[4]ى من قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم    64لسنة 2010 بأنها هي ” الجماعة المؤلفة من وفقا لتنظيم معين من ثلاثة أشخاص على الأقل للعمل بصفة مستمرة أو لمدة من الزمن بهدف ارتكاب جريمة محددة أو أكثر من بينها الاتجار بالبشر وحدها أو مع غيرها ودلك من أجل الحصول بشكل مباشر  على منافع مادية أو معنوية “.

الملاحظ أن المشرع المصري وهو  يعرف الجريمة المنظمة حدد أن الهدف الأساسي من هده الجريمة هو الحصول  بشكل مباشر على منافع مادية ومعنوية من هده الجريمة .

2: تعريف المشرع الأردني للجريمة المنظمة العابرة للحدود

      بالرجوع للمادة الثانية من قانون منع الاتجار بالبشر رقم 9 لسنة 2009 بقولها بأنها ” جماعة مؤلفة من ثلاثة اشخاص أو أكثر موجودة لفترة من الزمن والعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب فعل أو أكثر من الأفعال المجرمة وفقا لأحكام هدا القانون من أجل الحصول على منفعة مالية أو عادية أخرى .

3: تعريف القانون الاتحادي بشأن مكافحة الاتجار بالبشر رقم 51 لسنة 2006  لدولة الإمارة العربية

عرفها بأنها[5] “جماعة مؤلفة من ثلاثة أشخاص فاكثر تقوم معا بفعل مدبر بهدف ارتكاب أي من الجرائم الاتجار بالبشر بهدف الحصول على بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو منقعة مادية أخرى “.

فالملاحظ على كل من المشرع الاردني والاماراتي وهو يعرف الجريمة المنظمة اقتصر في تعريفها على صورة من صور هده الجريمة لهي جريمة الاتجار بالبشر .

ادن ما يمكن استنتاجه من خلال التعريفات المتنوعة التي قمنا بسردها حول مفهوم الجريمة المنظمة العابرة للحدود يتبين ما يلي :

أن الجريمة المنظمة العابرة للحدود لم يحظ تعريفها بأي اجماع واضح فلا يزال مفهومها غامض وغير واضح المعالم فهو يخفي أنواعا متعددة من الأفعال الاجرامية وأشكالا مختلفة من المنظمات الاجرامية . ويرجع عدم الاتفاق على تعريف واضح محدد الى عدة اعتبارات أهمها :

  • حداثة مصطلح الجريمة المنظمة .
  • وجود خلافات وصعوبات عملية حول صياغة تعريف عالمي لها نظرا لاختلاف الانظمة القانونية من دولة الى أخرى لدلك كثرت تعريفات الجريمة المنظمة .

 

المحور الثاني: خصائص الجريمة المنظمة 

سنعمل في هذا مناقشة خصائص الجريمة المنظمة  من حيث الهيكل  والبنيان (أولا ) ثم الخصائص من حيث طبيعة النشاط (ثانيا ).

    أولا: خصائص الجريمة المنظمة من حيث الهيكل والبنيان:

يمكن اجمال خصائص الجريمة المنظمة من حيث البنيان والهيكل على الشكل التالي :[6]

        1: عدد الاعضاء

نجد أنه لكي توصف الجريمة المنظمة بأنها , يجب أن تنطوي على تعدد الفاعلين وهكذا نجد أن معظم التشريعات اشترطت  عدد معينا من الأشخاص لكي توصف الجماعة الاجرامية على منظمة مثل القانون العقوبات الايطالي وتعريف الاتحاد الاوروبي والذي اشترط  أن تكون الجماعة مكونة من ثلاثة اشخاص[7] . فاكثر لكي توصف بأنها جماعة اجرامية منظمة . بالإضافة الى اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في مادتها الثانية أن تكون الجماعة مؤلفة من ثلاثة أشخاص…….}.

 

2: طابع التنظيم

يعتبر التنظيم الصفة الرئيسة للجريمة المنظمة عبر الوطنية ويقصد به ترتيب وتنسيق وجمع الأعضاء داخل بنيان أو هيكل شامل ومتكامل قادر على القيام بأعمالها الاجرامية ويكفل هذا التنظيم خضوع الاعضاء الى نظام سلطوي رئاسي . بحيث يكون الأعضاء تحث قيادة زعيم أو قائد لجنة عليا تكون مسؤولة عن اتخاد القرارات وتوجيه الأعضاء لتحقيق الأهداف الجماعة الاجرامية .

3: طابع التخطيط

معناه أن المنظمة لا تعمل على نشاط شخص واحد بل على عمل جماعي يقوم على تقسيم الادوار بدءا من الاعداد حتى التنفيذ . حيث تقوم بدراسة ما هو متوافر على امكانيات ووضع خطط دقيقة لتنفيذها[8] بدقة وكفاءة وتستعين لا جل دلك بذوي الخبرة والاختصاص في المجالات والتخصصات والتي تفييدها سواء كانت ادارية أو قانونية أو اقتصادية أو حتى سياسية ودلك بهدف تطوير أسلوب عملها وتنمية قدراتها .

4:البناء الهرمي المتدرج

يعتبر الهيكل التنظيمي الهرمي من الخصائص المهمة التي تتميز بها معظم المنظمات الاجرامية وهوما يجعل من الاستحالة ضبط قادة هده المنظمات متلبسين بارتكاب عمليات اجرامية كما يجعل من الصعب اتباث ارتباطهم بأية انشطة اجرامية محددة .

          ثانيا: خصائص الجريمة المنظمة من حيث طبيعة النشاط:

تتجلى خصائص الجريمة المنظمة ,من حيث طبيعة النشاط الدي يقوم به أفراد وعناصر الجريمة المنظمة على النحو التالي :

 

 1: خاصية الاحتراف

               حيث يعتبر الاحتراف من أخطر نماذج العمل الاجرامي حيث عادة ما يكون أعضاء الجماعة الاجرامية المنظمة من فئة المحترفين في ارتكاب الجرائم ويملك هؤلاء المحترفين مهارة وقدرة فائقة في تنفيذ الأعمال الاجرامية وقد يصل هذا الاحتراف الى تخصص أعضاء المنظمات في نشاط معين بحيث يكون كل تنظيم اجرامي متخصصا في ارتكاب جرائم معينة فتجد من هو متخصص في المخدرات أو الرقيق أو السلاح وغيرها من الجرائم المختلفة التي تمارسها تلك المنظمات .[9]

2: خاصية الاستمرارية

معناه استمرار عمل المنظمة بغض النظر عن حياة أي فرد فيها حتى ولو كان رئيسا وهو ما يعني أن الرؤساء الدين يتوفون يأتي بدلا منهم رؤساء جدد لدلك تستمد هده التنظيمات الاجرامية صفة الاستمرارية من نشاطها وليس حياة أعضائها ورؤسائها .لأن العبرة في استمرارية الجماعة الاجرامية المنظمة في مباشرتها لأ نشطتها المشروعة وغير المشروعة وليس حياة أي فرد.

خاتمة:

انطلاقا من  التعريفات الفقهية والدولية والعربية , التي رصدت للجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية , بالاطلاع كدلك على الخصائص المميزة لها سواء من حيث البنيان والهيكل او من حيث طبيعة النشاط , يتضح بأن الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية , تتخذ صورة ونمط اجرامي حديث مخالف للجريمة التقليدية , ودلك راجع لطريقة وأسلوب ارتكابها .فالجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية , تتخذ أشكالا وصور مختلفة من دلك جريمة الاتجار بالبشر, وجريمة غسل الأموال , وجريمة تهريب المهاجرين , وجريمة الاتجار بالأعضاء البشرية …الأمر الدي يجعل منها جريمة مخالفة لباقي الجرائم الأخرى …وهو ما سيكون موضوع مقالنا المقبل .

       (يتبع..)

   الإحالات:

[1] : طارق زين .الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية التعاون الدولي وسبل المكافحة التدابير الاحترازية . المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية مجلس وزراء العدل العرب .جامعة الدول العربية .الطبعة الاولى بيروت .لبنان 2017 ص11 ص12 .

[2] :اعتمدت هده الاتفاقية وعرضت للتوقيع والتصديق الانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة الخامسة والخمسين المؤرخ في  15 نوفمبر2000 .

[3] : مايا خاطر الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية وسبل مكافحتها .مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية .المجلد 27 العدد الثالث 2011 ص 511 .

[4] :انظر المادة الاولى من القانون المصري المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010.

[5] :انظر القانون الاتحادي لدولة الامارات العربية رقم  51  لسنة 2006.

[6] :محمد امين الرومي ,الجريمة المنظمة ,دار الكتب القانونية مصر, مطابع شتات ص11  , و ص 12.

[7] طارق زين مرجع سابق ص 20 و ص 21.

[8] مايا خاطر مرجع  سابق ص 513 .

[9] طارق زين مرجع سابق ص22.

قد يعجبك ايضا