ميثاق اللاتمركز الإداري ورهان تفعيل ورش الجهوية المتقدمة

من بين الآليات المهمة التي اهتدى إليها المشرع تلك المتعلقة بسن نظام اللاتمركز الإداري الذي يسعى إلى إحداث قطيعة مع النظام المركزي التقليدي، من خلال الحد من تمركز سلطة اتخاذ القرار على مستوى الإدارات المركزية، وحصر نشاطها في الوظائف الإستراتيجية المتمثلة في بلورة تصور السياسات العمومية، مع ترك تنفيذها وتنزيلها على المستوى الترابي إلى المصالح اللاممركزة [1].

  ويمثل اللاتمركز الاداري خيارا استراتيجيا سياسيا بالنسبة لتعزيز ورش الجهوية المتقدمة,للانتقال من الصيغة التي كان فيها مستوى العمالات و الأقاليم يشكل محور تجميع الاختصاصات اللامتمركزة,إلى صيغة متقدمة تخول الجهة مكانة الصدارة في تنسيق الاختصاصات اللامتمركزة لمصالح الدولة,مع حصر أدوار الإدارات المركزية في بلورة التصور وتأطيرالسياسات والبرامج العمومية على المستوى الوطني تماشيا مع مقتضيات دستور2011 الذي بوأ الجهة في الفصل 143 مكانة الصدارة في التقسيمات الإدارية الترابية.

ومن الواضح أن المستوى الجهوي يمثل المستوى الأنسب للتنسيق بين مجالات تدخل الدولة والجماعات الترابية وتحقيق الالتقائية بينها، ومن هنا يبرز الدور الأساسي الموكول لكل من والي الجهة، باعتباره ممثل السلطة المركزية، ورئيس الجهة، في مجال تكريس المستوى الجهوي كأساس الاندماج والانسجام بين السياسات العمومية، والتعاقد بين الدولة والجماعات الترابية على المستوى العلاقات العمودية والأفقية القائمة بينهما[2].

وبعد النقائص التي أبانت عنها تجربتي مرسوم 20 أكتوبر 1993 ومرسوم 2 دجنبر 2005، دعا جلالة الملك محمد السادس في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة تخليد الذكرى 19 لجلوسه على العرش (30 يوليوز 2018)، إلى إحداث نقلة نوعية في مجالات الاستثمار ودعم القطاع الإنتاج الوطني.

ولتحقيق هذا الهدف، حدد جلالة الملك ثلاث أوراش أساسية يتعين العمل على إنجاحها، من بينها إصدار ميثاق اللاتمركز الإداري، داخل أجل لا يتعدى نهاية شهر أكتوبر 2018، بما يتيح للمسؤولين المحليين اتخاذ القرارات، وتنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في انسجام وتكامل مع الجهوية المتقدمة[3].

وتفعيلا لتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي دعا إلى نهج اللاتمركز الاداري في عدة مناسبات,صدر بتاريخ 15أكتوبر 2018 مشروع بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الاداري,ودخل هذا المرسوم[4] إلى حيز الوجود في  26ديسمبر2018,وبموجب هذا المرسوم يعتبر اللاتمركز الاداري لمصالح الدولة تنظيما إداريا مواكبا للتنظيم الترابي اللامركزي القائم على الجهوية المتقدمة ,وأداة رئيسية لتفعيل السياسة العامة للدولة على المستوى الترابي قوامه نقل السلط و الوسائل وتخويل الاعتمادات لفائدة المصالح اللاممركزة على المستوى الترابي ,من أجل تمكينها من القيام بالمهام المنوطة بها و اتخاذ المبادرة تحقيقا للفعالية و النجاعة [5]. 

ولمقاربة هذا الموضوع يمكننا طرح التساؤل التالي :”إلى أي حد يمكن أن يساهم الميثاق الوطني للاتمركز الإداري من خلال المستجدات التي حملها في تفعيل ورش الجهوية المتقدمة ؟ 

وللإجابة عن هذا التساؤل لابد من التطرق إلى دور الولاة والعمال في التنسيق على المستوى الترابي(أولا),ثم بعد ذلك سأنتقل للحديث عن دور ميثاق اللاتمركزالاداري في تفعيل ورش الجهوية المتقدمة (ثانيا).

 

أولا: تعزيز دور الولاة و العمال في مجال التنسيق على مستوى الترابي

إن الفقرة الأولى من الفصل 145 من دستور2011 تؤكد على على أنه :”يمثل ولاة الجهات و عمال العمالات و الأقاليم السلطة المركزية ,ويعني هذا المقتضى أن الولاة و العمال يمثلون في نفس الوقت الحكومة كجهاز جماعي و الوزراء فرادا [6],وبالتالي فإن طبيعة مهام الولاة والعمال والتي توصف بالازدواجية في تطبيق مهامه فهو من جهة ممثل الحكومة ومن جهة ثانية يساعد رؤساء الجماعات الترابية على تنفيذ المخططات و البرامج التنموية على المستوى المحلي و الجهوي[7].

لقد تعاظم دور العامل منذ صدور ظهير 1977 المتعلق باختصاصات العامل، فقد جعله هذا الظهير الإداري الأول والسلطة العليا على صعيد العمالة أو الإقليم، وذلك على حساب الباشا الذي تقلص دوره بعد الإصلاح الجماعي لظهير 30 شتنبر 1976، فقد مثل هذا الظهير تحولا عميقا لمؤسسة العامل والذي أصبح بموجبه ممثلا لجلالة الملك ومندوبا للحكومة، ولعل الصفة المزدوجة التي أصبح يتمتع بها أن تخول له سلطة إدارية وأدبية اتجاه جميع الفاعلين المحليين[8].

كما أن العامل طبقا للفصل السادس من ظهير 15يوليوز 1977 مكلف تحت مراقبة الوزراء المختصين بمراقبة النشاط العام لموظفين وأعوان المصالح غير الممركزة للإدارات المدنية التابعة للدولة الذين يمارسون عملهم في العمالة أو الإقليم ,وهذا الاختصاص يسمح له بالسهر على حسن سير المصالح العمومية وكل المؤسسات التي تتقيد بمساعدة الدولة أوالجماعات الترابية,ومن أجل تدعيم مركز العامل في علاقته بأعوان الدولة فإن أي نقل لرؤساء المصالح ومساعديهم المباشرين يجب إطلاعه به [9].ولعل هذا الإجراء يسير في اتجاه تكريس التعاون الذي ينبغي أن يكون وثيقا بين العامل و رؤساء المصالح.

وفي هذا الإطار عمل المرسوم الجديد للاتمركز الإداري على تقوية مكانة مؤسسة الوالي و العامل حيث نصت المادة الخامسة من المرسوم على “الدور المحوري لوالي الجهة,باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الجهوي,في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة,والسهر على حسن سيرها ومراقبتها,تحت سلطة الوزراء المعنيين,بما يحقق النجاعة والفعالية و الاتقائية المطلوبة في تنفيذ السياسات العمومية على مستوى الجهة وتتبعها”.

 ومن أجل دعم مؤسسة الوالي والرفع من قدراته وفعالياته في مجال تنسيق أنشطة المصالح اللامركزية للدولة والمؤسسات العمومية التي تمارس مهامها على مستوى الجهة، والسهر على حسن سيرها، فقد تم إحداث لجنة جهوية تحمل إسم “اللجنة الجهوية للتنسيق”، تعمل تحت رئاسة الوالي  تناط بها المهام التالية[10] :

  •  العمل على تحقيق الانسجام والتقائية ووحدة عمل المصالح اللاممركزة على المستوى الجهوي.
  • العمل على تحقيق الانسجام والتقائية ما بين سياسات البرامج والمشاريع العمومية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب وبرامج التنمية الجهوية.
  •  العمل على تأمين استمرارية الخدمات العمومية للدولة على المستوى الجهوي.
  •  إبداء الرأي بشأن مقترحات الميزانية لثلاث سنوات، وتقارير نجاعة الأداء القطاعية وكذا المقترحات المعدة على المستوى الجهوي المتعلقة بإعداد مشاريع الميزانيات القطاعية، وكذا مخططات الدولة للاستثمار المتلائمة معه، وذلك انسجاما مع توجهات الدولة بهذا الخصوص.
  • إبداء الرأي بشأن مقترحات توزيع الإعتمادات المالية حسب الحاجيات والبرامج الجهوية وذلك انسجاما مع التوجهات العامة للدولة.
  •  مواكبة برامج ومشاريع الاستثمار المقررة، وأشغال التجهيز المراد إنجازها على المستوى الجهوي، واقتراح التدابير الكفيلة بتذليل كل الصعوبات التي تعترض إنجازها.
  • تتبع تنفيذ السياسات العمومية والقطاعية على المستوى الجهوي.

 كما عمل مرسوم 26 دجنبر 2018 أيضا على إعادة النظر في العلاقة بين الولاة  والمصالح اللاممركزة حيث جاء في المادة 26 من المرسوم المذكور ما يلي: “يشرف الولاة والعمال على تحضير البرامج والمشاريع المقررة من قبل السلطات العمومية، أو تلك التي كانت موضوع اتفاقيات أو عقود مع هيئات أخرى.ويسهرون على ضمان إلتقائيتها وإنسجامها وتناسقها، كما يعهد إليهم كل في دائرة اختصاصه, باتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ المصالح اللاممركزة للدولة لمهامها والالتزامات الملقاة على عاتقها وقيامها بإنجاز البرامج والمشاريع.

كما نصت المادة 28 على أنه: “يمكن للولاة والعمال كل في دائرة اختصاصه، أن يقترحوا على السلطات الحكومية المعنية اتخاذ كل تدبير ذي طابع قانوني أو مالي أو إداري أو تقني أو بيئي، يندرج ضمن اختصاصاتها, من شأنه تحسين أداء المصالح اللاممركزة على مستوى الجهة أو العمالة أو الإقليم، حسب الحالة، قصد الاستجابة لإنتظارات المرتفقين وتبسيط إجراءات استفادتهم من الخدمات العمومية المقدمة لهم.

ويسهر الولاة والعمال,بصفتهم ممثلين للسلطة المركزية كل في دائرة اختصاصه على اتخاذ جميع التدابير المناسبة واللازمة لضمان مواكبة المصالح اللاممركزة للدولة للجماعات الترابية وهيئاتها في إنجاز برامجها ومشاريعها التنموية[11].

ويمكن اعتبار التنسيق الذي يقوم به الولاة والعمال كوظيفة تكميلية وكامتداد للمهام التي تقوم بها الإدارات المركزية تحت سلطة رئيس الحكومة، فلا يمكن للمصالح اللاممركزة أن تشتغل بدون تناسق وفي غياب الإلتقائية، وهذا ما يستدعي وجود سلطة تكون قادرة على ممارسة الإشراف لتفادي تشتت التدخلات الإدارية المحلية ولتأمين حد أدنى من الوحدة في التدبير الترابي للقطاعات الوزارية.

والجدير بالإشارة أنه وفقا لدستور 2011 تمت إعادة النظر في العلاقة التي تربط الجماعات الترابية بالعمال والولاة أخذا بعين الإعتبار مجموعة من المبادئ الدستورية[12]:

  • يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ في التدبير الحر… (الفصل 136).
  • يقوم رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى بتنفيذ مداولات هذه المجالس و مقررتها (الفصل 138).
  • يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية و خاصة رؤساء مجالس الجهوية على تنفيذ المخططات و البرامج التنموية ( الفصل 146).

ويمكن تفسير إعادة تركيز مهام الولاة والعمال من خلال الفصل 145 بهدف تحقيق التكييف المنطقي للاختصاصات والتوطيد للامركزية والارتقاء بموقع هؤلاء الموظفين السامين كممثلين للحكومة في الجماعات الترابية.

وعلى ضوء ما سبق فقد عمل دستور 2011، مثل الدستور السابق، على توسيع مهام الولاة والعمال لإقامة مسلسل لا رجعة فيه ينطوي على إبداع سياسي يتمثل في قلب منطق اشتغال الإدارة القائم  على نظام المركزية.

ونظرا لما للولاة والعمال من مهام السهر على تطبيق القوانين و الأنظمة والقرارات الحكومية و تمثيل الدولة في الجهات والعمالات والأقاليم,ينبغي أن توكل لهم صلاحيات واضحة و فعلية ليتمكنوا من تنسيق المصالح اللاممركزة والتأكد من حسن تسييرها ومن حسن سير برامجها ومشاريعها ,في حدود دائرة اختصاصهم الترابي.

 

ثانيا :اللاتمركز الإداري لازمة لقيام الجهوية المتقدمة

 يشكل المجال الجهوي مجالا مفضلا لسياسة اللاتمركز الإداري، ثم أن أهمية المجال الجهوي كإطار لازم وضروري وملائم لسياسة اللاتمركز الإداري كانت على أكثر من صعيد محل إشارة واهتمام سواء من قبل الباحثين أو من قبل الحكومة، وكذلك من قبل أعلى السلطات داخل الدولة.

 كما أن مشروع الجهوية يشكل خيار استراتيجي لبلوغ مغرب العهد الجديد لكون هذا المشروع دعامة أساسية لمسلسل الحكامة الترابية وكوسيلة لضبط وتيرة التنمية، وتستمد الجهة هذا الاهتمام لكونها الإطار الأنسب لممارسة سلطة صناعة القرار العمومي المحلي مقارنة مع الجماعة أو العمالة أو الإقليم وكآلية لتخفيف من ظاهرة المركزية المفرطة كما أن القيمة الدستورية للجهة والتي تحتل مكانة الصدارة داخل التقسيمات الترابية، تجعل منها وحدة لتنسيق الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الممارسة على صعيد الترابي الذي يضم المستويات الأدنى للإدارة الترابية [13].

فالجهة تشكل المستوى الأكثر ملاءمة لتحقيق تعامل منتج وعملي اقتصاديا واجتماعيا بين الجهوية واللاتمركز، كما أن الجهة هي الجماعة الترابية المؤهلة أكثر لتطبيق السياسات العمومية في ميداني الاستثمار والتشغيل[14].

وتؤكد الرسالة الملكية المتعلقة بالتدبير اللامتمركز للاستثمار على “أن من شأن الإطار الجهوي أن يوفر المجال الترابي والإداري الأنسب نظرا لما لإدارتنا الترابية حاليا من وسائل لحل المشاكل المتعلقة بإجراءات الاستثمار”.

كما دعا جلالة الملك محمد السادس في خطابه التأسيسي للجنة الاستشارية للجهوية في 3 يناير 2010 إلى “انتهاج اللاتمركز الواسع، الذي لن تستقيم الجهوية بدون تفعيله، في نطاق حكامة ترابية ناجعة، قائمة على التناسق” [15] ، كأحد المرتكزات التي يتعين أن تقوم عليها الجهوية المتقدمة [16].

ومن هذا المنطلق، يمكن أن نشير إلى الخطاب الملكي حول تعيين اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة ليوم 03 يناير 2010[17] ، الذي حدد الإطار العام للجهوية المقبلة في أربعة مبادئ مرجعية، الوحدة، والتضامن، والتوازن، واللاتمركز الواسع على اعتبار أن المبدأ الرابع هو المحدد الأساسي لطبيعة الجهوية المقبلة.

ويرتكز مشروع الجهوية المتقدمة وفق تصور اللجنة الاستشارية للجهوية على ثمانية محاور، حيث يقترح المحور السادس مجموعة من التدابير الهادفة لتفعيل ورش اللاتمركز والمتعلقة باعتماد سياسات عمومية ذات بعد ترابي ومتناسقة فيما بين القطاعات، والعمل على تنسيق الاختصاصات والانتشار الترابي للمصالح الخارجية للإدارة وللهيئات العمومية المركزية في مختلف القطاعات الأساسية، وتعميم عقود البرامج والتدبير بين الإدارات المركزية ومصالحها اللاممركزة [18].

حيث ورد في الخطاب بأن الجهوية لن تستقيم بدون تفعيل اللاتمركز الواسع، في نطاق حكامة ترابية ناجعة، قائمة على التناسق والتفاعل، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال ضرورة تجاوز المنظور الكلاسيكي الذي يحكم دور اللاتمركز الذي يجعله منغمسا في تلك الوظائف الإدارية الروتينية، والاعتماد على تصور أكثر ديناميكية يصبح بمقتضاه اللاتمركز فاعلا اقتصاديا واجتماعيا ومحركا أساسيا لتنمية ترابية متوازنة [19].

إن الملك محمد السادس ومنذ إعلانه عن انطلاق التحضير لورش الجهوية الموسعة، ما فتئ يؤكد على ضرورة تطوير اللاتمركز الواسع، حتى تتمكن الجهوية المنتظرة من الرقي بالتنمية المحلية وبلوغ مستوى الحكامة الترابية.

فقد جاء في خطابه الموجه إلى المشاركين في الملتقى الوطني حول الجماعات المحلية بأكادير “إن اعتزازنا بالخطوات الهامة التي قطعها نظامنا اللامركزي، على تثبيت دعائمه بنظام الجهوية الواسعة واللاتمركز الإداري… ومهما يكن تقدمنا في مجال ترسيخ النظام اللامركزي، فإنه سيظل ناقصا ما لم يدعمه إصلاح نظام الجهات، وبناء أقطاب جهوية متجانسة، واعتماد التدبير غير المتمركز للشأن المحلي[20].لذا نعتبر أنه قد آن الأوان للعمل على تسريع مسلسل اللاتمركز الإداري وتوسيع صلاحيته، باعتباره لازمة ضرورية لمواكبة الجهوية الواسعة التي نعمل جاديين على تحقيقها”[21].

وقد جاء في خطابه إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثامنة لعيد العرش “وترسيخا للحكامة الترابية، فإننا مصممون على توطيد اللاتمركز و الجهوية مع وجوب تلازم الجهوية الناجعة، مع تفعيل نظام اللاتمركز الواسع والملموس، في إطار أقطاب محددة، تفوض لها السلطة المركزية، الصلاحيات والموارد اللازمة، من خلال مقاربة جهوية مندمجة” [22].

إن إقرار مبدأ الجهوية في عدم التركيز واعتماد الجهة مستوى لأي عمل لا تركيزي وتخويل المسؤولين فيها سلطات تقريرية حقيقية، هو نابع من اعتبار المستوى الجهوي الإطار الأكثر ملائمة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والمناسب لتجديد أسلوب التدبير العمومي، فالمستوى الجهوي يمكن من عدم تفتيت مراكز القرار الترابية، ويخول المسؤولين إمكانية مباشرة وظائف التنسيق والبرمجة والتخطيط ومراقبة عمل المستويات الدنيا[23].

كما أن ارتقاء الجهة إلى مستوى جماعة ترابية مر عبر تطور تحكمت فيه اعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية، سيجعلها مجالا اقتصاديا للدولة بامتياز، وهذا ناتج عن الطابع الاقتصادي غير الملائم للعمالة أو الإقليم، ولذلك فإن التخطيط الجهوي سيساعد حتما الأقاليم الفقيرة على مواجهة انعدام التوازن بينها وبين الأقاليم الغنية وهذا سيؤهل الجهة لتصبح إطارا للتنشيط وتذويب الفوارق بين اللامركزية واللاتركيز[24].

من خلال ما سبق نخلص إلى أن خطاب جلالة الملك  في 3يناير 2010 بشأن تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة, شكل محطة أساسية في بناء معالم الجهوية المتقدمة حيث قدمت هذه اللجنة تقريرا لصاحب الجلالة يتضمن مجموعة من الاقتراحات و التوصيات لبناء ورش الجهوية المتقدمة.وقد عمل دستور فاتح يوليوز 2011 على تفعيل وتكريس توصيات اللجنة الاستشارية في الباب التاسع من الدستور (الجهات والجماعات الترابية الأخرى),وبمقتضى هذا الإصلاح الدستوري أصبحت الجهة تحظى بمكانة الصدارة في التقسيمات الإدارية الترابية خاصة في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية ,والتصاميم الجهوية لاعداد التراب ,كما نص الدستور في فصله الأول على أن “التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي, يقوم على الجهوية المتقدمة”.

كما شكل صدور الميثاق الوطني للاتمركز الاداري قفزة نوعية في إصلاح و تحديث البنيات الإدارية للدولة من خلال تقوية مركز الولاة والعمال وتعزيز نقل السلط والاختصاصات لفائدة المصالح اللاممركزة, و تمكين الجماعات الترابية من مخاطبين للدولة في عين المكان من أجل إنجاز و تنفيذ البرامج العمومية و المشاريع التنموية في آجال معقولة وهذا ما سيساهم إلى حد كبير في تفعيل ورش الجهوية المتقدمة. 

 

 المراجع المعتمدة:

[1] سعيد نكاوي: “ميثاق اللاتمركز الإداري والتدبير اللامتمركز للاستثمار”، الطبع: مطبعة الأمنية، الرباط، طبعة 2019,ص11 .

[2]زهير الوراصي:”ميثاق اللاتمركز الإداري وآفاق تجويد الإدارة الترابية”,رسالة لنيل دبلوم ماستر في قانون المنازعات,كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية بمكناس,السنة الجامعية 2018/2019,ص4 .

[3] – خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة تخليد الذكرى 19 لعيد العرش، بتاريخ 30 يوليوز 2018.

[4] مرسوم رقم 2.17.618 صادر في 18 من ربيع الآخر 1440 (26 ديسمبر 2018) بمثابة ميثاق وطني التمركز الإداري.

[5]المادة 3من مرسوم 26دجنبر 2018 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الاداري.

[6] إيمان داودي: “الوالي والعامل والتنمية المحلية بالمغرب”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، بالرباط، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، سلا، السنة الجامعية: 2014-2015,ص71.

[7] مامين الغالية:” اللاتمركز الإداري وتحديث التدبير العمومي الترابي”، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والإقتصاديةوالإجتماعية، مراكش، السنة الجامعية: 2016-2017,ص99.

[8] خالد صديق: “مؤسسة الوالي والعامل بين سياستي اللاتمركز واللامركزية”، منشورات مجلة العلوم القانونية، سلسلة البحث الأكاديمي، عدد 28، الطبعة الأولى 2018,ص17.

[9]الفقرة الثانية من الفصل 6من ظهير 15فبراير1977.

[10]المادة 30 من مرسوم 26دجنبر2018

[11]المادة 27من مرسوم 26دجنبر2018 .

[12] عبد الفتاج البجيوي: “مؤسسة الوالي والعامل وآفاق عدم التمركز الإداري”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة “مؤلفات وأعمال جامعية” عدد 100، ط: 2014,ص106.  

[13] أيوب الحجري: “رجال السلطة والحكامة الترابية بالمغرب”, رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2019-2018,ص60.

[14] محمد اليعكوبي: “مفهوم الجهوية المتقدمة في الخطب الملكية”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 93 يوليوز-غشت 2010,ص25.

[15] محمد أهل بوبكر:” رجل السلطة ورهان الحكامة الترابية بالمغرب”، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، السنة الجامعية: 2011-2012,ص272.

[16] راجع نص الخطاب التأسيسي للجنة الاستشارية للجهوية 3 يناير 2010.

[17] الخطاب الملكي بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة، 3 يناير 2010.

[18] إسراء التوزاني:” الجهوية المتقدمة بالمغرب مقاربة ناجعة للحد من إكراهات الواقع الجهوي”، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، عدد خاص، 2017,ص121.

[19] أجلاب رشيد :”اللاتمركز الواسع في سياق الجهوية المتقدمة”، سلسلة الدراسات الدستورية والسياسية، منشورات مجلة العلوم القانونية,”الجهوية  المتقدمة على ضوء المستجدات التشريعية”، العدد السابع، مطبعة الأمنية، الرباط,ص57.

[20] عماد أبركان، “القانون التنظيمي للجهات قراءة تحليلية ومقاربة نقدية في ضوء متطلبات الحكامة الترابية”، سلسلة الدراسات الدستورية والسياسية، منشورات مجلة العلوم القانونية، العدد السابع، مطبعة الأمنية، الرباط، ص: 44.

[21] نص خطاب الملك إلى المشاركين في الملتقى الوطني حول الجماعات المحلية، أكادير 12-12-2006.

[22] خطاب الملك بمناسبة الذكرى الثامنة لعيد العرش انبعاث أمة، الجزء 52، القسم الثاني، المطبعة الملكية، الرباط، 2007، ص: 134.

[23] عبدالحنين سليم:”عدم التركيزالإداري وآفاق الجهوية الموسعة”،رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون المنازعات،جامعة مولاي إسماعيل،كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية،بمكناس،السنة الجامعية: 2011-2012,ص121.

[24] محمد زيوال، “الإدارة العمومية بالمغرب وتحديات التحديث”، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون المنازعات، جامعة مولاي إسماعيل، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس، السنة الجامعية: 2016-2017، ص: 87.

المعلومة القانونية

*ذ/ زهير الوراصي

طالب باحث في العلوم القانونية

قد يعجبك ايضا