النظام القانوني للدعم العمومي للصحافة المكتوبة في المغرب

أثار إعلان وزير الثقافة والشباب والرياضة، في تدوينة له على حسابه الشخصي بموقع “فيسبوك”، يوم الثلاثاء 14 أبريل 2020، عن “تسوية الوضع الإداري لرصيد 2.77 مليون درهم لصالح خمس (5) جرائد” بعد تأخُّر دامَ أربع أشهر، ارتياحاً كبيراً لدى عموم العاملين بقطاع الصحافة والنشر، ولاسيما لدى أُجراء المؤسسات الصحفية المعنية بهذا الدعم.

ولئن كان الوزير، قد رَبَط هذا الإجراء، بهذه الفترة التي تمرّ منها البلاد، جرّاء تداعيات فيروس “كوفيد 19″، وهو ما أوْمأ إليه بعبارة “هذه الفترة الحاسمة”، فإنه لابد من الإشارة، إلى أن الدعم العمومي للصحافة المكتوبة له نظام قانوني خاص يُحدد ضوابط صرفه وتتبُّعه، بعد التأكيد على أن الوزير اختار ما يُسمّى في علم الاجتماع السياسي، “الفرصة السياسية المناسبة”، والتي تتجلي في اتخاذه لهذا الإجراء في غضون أسبوع من تعيينه وزيراً، ثم في ظل هذه الظرفية الصعبة التي تَوقَّف فيها توزيع الصحف.

وقَبْل الخوض في هذه الضوابط، لابُد من الاعتراف، بأنّني لن أخوض في كل تفاصيل هذا الموضوع، الذي يستحق مساحة أكثر، لا تقِل عن رسالة أو أطروحة جامعية، لذا سأكتفي بإبراز أهم ضوابط صرف دعم الدولة للصحف، بما قد يُبرز لعموم القرّاء أن للدعم العمومي الموجَّه للصحافة المكتوبة نظام قانوني صارم، وهذا بَعْد افتراض أن أغلب الإخوة الصحافيين والأخوات الصحافيات يعلَمون بهذا النظام القانوني، ولم يقرؤه فقط وإنما استوعبوا ما به من أحكام.

أولاً: الإطار الدستوري والقانوني للدعم العمومي 

        يَستمدُّ الدعم العمومي للصحافة المكتوبة، سَنده من روح الفصل 28 من دستور المملكة، الذي يُؤكد  في الفقرة الثالثة منه على أن ” تُشجّع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به”.

إن هذه الفقرة، ولئن كانت لا تذكُر الدعم العمومي الموجه للصحافة، فإنها خوّلت للسلطات العمومية وضْع القواعد القانونية المتعلقة بتنظيم قطاع الصحافة، وذلك بناءً على مبدأين، الأول خاص، وهو الاستقلالية، والثاني عام هو الديمقراطية، الذي جاء مقروناً بعبارة “أسُس” أي مبادئ، وكما هو معلوم فمن مبادئ الديمقراطية، الشفافية وتكافؤ الفرص والحياد، وهو ما تضمّنته المادة السابعة (7) من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، وهذه الأخيرة هي أول قاعدة قانونية تم وضعها تطبيقا للمادة المذكورة، لاسيما الفقرة الأولى منها.

إن قانون الصحافة والنشر، المنشور في الجريدة الرسمية للمملكة بتاريخ 15 أغسطس 2016، والذي من بين فصول الدستور الثلاثة التي جعلها مرجعاً له، الفصل 28 المومأ إليه أعلاه، نص بصريح العبارة، في المادة 7 منه، لاسيما الفقرتين الأولى والثانية، على أن تستفيد قطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع من الدعم العمومي.

بناءً على أحكام المادة المذكورة، يُلاحَظ أن المُشرّع، وبخلاف ما كان جاري به العمل في السابق، وسَّع مجال صرف الدعم العمومي ليشمل الطباعة والتوزيع، وهو في الحقيقة إجراءٌ تشريعي مُنزّهٌ عن العبث، فالطابع والموزع من أهم المتدخلين في صناعة الصحيفة الورقية، وهم من الأشخاص الذين يُعتبرون فاعلين أصليين، للأفعال المرتكبة عن طريق الصحافة، طبقاً للمادة 95 من القانون رقم 88.13 .

من خلال ما سبق، إذا كان يتضح أن الدعم العمومي للصحافة، هو حق دستوري، فإن السؤال الذي قد يُطرح، هو ما الهدف من هذا الدعم؟ وهو سؤالٌ، وإن كان قد يبدو للبعض بديهياً، فإنه مشروع ويتعيّن أن يكون الجواب عنه دقيقاً، لا ارتباط له بالعواطف والمشاعر والانفعالات.

إن هذا السؤال، تُجيب عليه الفقرة الأولى من المادة 7 السالفة الذكر، حين حَدّدت ثلاث أهداف للدعم، صيغت بأسلوب مباشر تضُم ثلاث مجالات، وإن كانت مختلفة إلا أنها مترابطة حدّ التكامل وهي، تنمية القراءة وتعزيز التعددية ودعم الموارد البشرية.

ثانياً: شروط وكيفيات الاستفادة من الدعم

        أحالت الفقرة الثانية من المادة 7 من القانون رقم 88.13 على نصّ تنظيمي  يُحدّد شروط وكيفيات الاستفادة من الدعم، ولقد صدر هذا النص التنظيمي، بعد مرور ثلاث سنوات عن صدور مدونة الصحافة والنشر، وذلك بتاريخ 18 مارس 2019.

ويتعلّق الأمر بالمرسوم رقم 2.18.136 الذي حدّد فقط شروط ومعايير الاستفادة من الدعم، وأحال على قرار مشترك تُصدره السلطة الحكومية المكلفة بالاتصال والسلطة الحكومية بالمالية ليُحدِّد طرق وكيفيات صرف الدعم المذكور.

وبصرف النظر، عن بعض الملاحظات التي يُثيرها المرسوم، مادامت لا تؤثر في شفافية معايير منح الدعم وحكامته، فإن المرسوم، بموجب مادته الأولى، بعدما كرّرَ مبادئ الدعم المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة السابعة من القانون المشار إليه أعلاه، فقد أعاد أيضاً الأهداف، لكن هذه المرة أسماها بـ”العمليات” وقام بتفكيكها في جُمَل على شكل شُروح، لاسيما الهدف المتعلق بـ”دعم الموارد البشرية” الذي أسماهُ بـ”تقوية القدرات البشرية والتكوين والمواكبة من أجل التأهيل”.

كما أضاف المرسوم هدفان، استوحاهما من القانون، الذي كان يُفترض فيه وضعهما مع الأهداف التي قرّرها في المادة 7منه ، ويتعلق الأمر بكل من “تحديث الإنتاج والتجهيز والطباعة” ثم التوزيع.

وفي وضعه للشروط، لقد اختار واضعوه، اختياراً ذكياًّ، حينما حدّدوا شروطاً مشتركة بين المؤسسات الصحافية وشركات الطباعة والتوزيع، وشروطا خاصة بالمؤسسات الصحافية، فالشروط المشتركة، يُلاحظ أنها هي الشروط الواجب توفرها في المؤسسة الناشرة، للتمتع بصفة ناخب في انتخابات أعضاء المجلس الوطني للصحافة، الواردة في المادة الخامسة (5) من القانون رقم 90.13 القاضي بإحداث المجلس المذكور، لاسيما الشروط الواردة في البنود 1 و2 و3 و5، أضاف إليها فقط شرطاً عاماً هو تحصيل حاصل، ويتعلق بأن تكون المؤسسات الصحافية وشركات الطباعة والتوزيع في وضعية سليمة إزاء مدونة الصحافة والنشر والقوانين الجاري بها العمل.

إذا كانت تلكُم هي الشروط المشتركة، والتي لا تَثريب عليها، فإنه بالنسبة للشروط الخاصة بالمؤسسات الصحافية، فهي تتمة الشروط الواردة في المادة 5 من القانون رقم 90.13 السالف الذكر، أي الشروط الواردة في كل من البند 4 والبند  6 والتي يتم فيها التمييز بين شروط المطبوع الدوري الورقي وشروط الصحيفة الإلكترونية، وهو تمييز عادي وواجبٌ لاختلاف خصوصية الدعامتين،  فقد أضاف شروطاً أخرى، تحترم خصوصية كل إصدار، هل ورقي أم إلكتروني، علاوةً على شروط عامة مشتركة بينهما، مثل الالتزام بتطبيق الاتفاقيات الجماعية الخاصة بالصحافيين واحترام ميثاق أخلاقيات المهنة.

إن الشروط المُضافة في المادة الثانية، أطول مواد المرسوم ومحوره، هي بمثابة عمليات توليف للشروط التي كان يتضمنها عقد البرنامج لتأهيل المقاولة الصحفية الموقع بين وزارة الاتصال والفيدرالية المغربية لناشري الصحف، فضلاً عن بعض أحكام القانون رقم 88.13، لاسيما الأحكام المتعلقة بالمساحة الإشهارية.

إذا كانت هذه هي الشروط، التي بتحقّقها تستحق المؤسسة الصحافية أو شركة الطباعة والتوزيع الاستفادة من الدعم، فإن العملية الأصعب هي كيف سيتم احتساب هذا الدعم، وهو ما تركه المرسوم، بموجب المادة الثالثة منه، إلى القرار المشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالاتصال والسلطة الحكومية المُكلّفة بالمالية، والذي عليه أن يرتكز في تصنيفه للمؤسسات الصحافية على المعايير التالية:

  • بالنسبة للمطبوع الدوري الورقي
  • حجم السحب؛
  • كلفة الأجور،
  • كلفة الإنتاج.
  • بالنسبة للصحيفة الإلكترونية
  • كلفة الأجور؛
  • كلفة استضافة موقع الصحيفة مع مراعاة عدد الزوار.

يلاحظ إذن أن عملية احتساب الدعم، هي عمليةٌ تقنية، بالغة التعقيد، وتتطلب القيام بها التحلّي، ليس فقط بالاستيعاب الجيّد لأحكام المادة 7 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر ولمقتضيات المرسوم رقم 2.18.136 المتعلق بدعم الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع، وإنما بالمعرفة الجيّدة لواقع هذه القطاعات الثلاث، وفق ما كان قد دعا إليه المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره برسم سنة 2016-2017 الذي طالب بالقيام برصدٍ للحالة القائمة وتشخيصها من أجل معرفة الصعوبات التي تواجه قطاع الصحافة الذي يتميّز بالتغيير المستمر.

أما في ما يخص الجهة، أو بالأحرى الهيأة الموكول لها القيام بهذه العمليات، فهي اللجنة الثنائية المنصوص عليها في المادة الرابعة، التي تتشكل، بالإضافة إلى الرئيس، من 16 عضواً بموجب المادة الخامسة من المرسوم المومأ إليه أعلاه، وهي نفسها التي كانت تقوم بهذه المهمة بموجب عقد برنامج تأهيل المقاولة الصحافة، مع تغيير في تركيبتها، لاسيما إضافة رئيس لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة، فضلاً عن ممثل عن شركات الطباعة والتوزيع العاملة في مجال الصحافة يُنتخب من بينهم ومن قِبلهم.

وقبل ختم هذا المحور، الذي اكتفيتُ فيه، فقط بإبراز الخطوط الكبرى لمسطرة الدعم، فإنه لا بد من الإشارة إلى أنه ولئن جاء هذا المرسوم متطابقاً مع أحكام المادة 7  فإنه يُثير ملاحظات فجّة، لاسيما في ما يتعلق بتصنيف شركات الطباعة والتوزيع، من أجل احتساب الدعم، حيث المُثير في ذلك أن هذه العملية، تمّ تحدديها بالنسبة للمؤسسات الصحافية، فيما أغفلها بالنسبة لشركات الطباعة والتوزيع، ولربما هذا ما ينبغي معه العمل بتوصية المجلس الأعلى للحسابات المشار إليها أعلاه، من أجل استدراك هذا الإغفال مستقبلاً للتقيُّد بالمبادئ التي أقرتها الفقرة الثانية من الفصل 28 من الدستور والفقرة الأولى من المادة السابعة من قانون الصحافة والنشر.

على سبيل الختم

تأسيساً على كُل ما سبق، الذي يُبرز أن الدعم العمومي الموجه للصحافة المكتوبة، الورقية والإلكترونية، وفقاً لما كان يدعوا إليه جلالة الملك، في أكثر من خطاب، هو مُحصّنٌ بالدستور وبالقانون، وليس بتقدير الإدارة كما قد يعتقد البعض، مع العِلم أن الإدارة لا تحتكر سُلطة احتساب وصرف الدعم، بل هي بمثابة عضو في لجنة تتشكل من المهنيين وممثليهم (الناشرون من هيأة ناشري الصحف الأكثر تمثيلية بـ6 أعضاء والناشرون من خارج هيأة ناشري الصحف الأكثر تمثيلية بـ2أعضاء فضلاً عن ممثل المجلس الوطني للصحافة باعتباره هيأة للتنظيم الذاتي للمهنة…).

إنّ صرف الدعم واحتسابه، قانوناً، فهو مقيّدٌ بأقصى ضمانات الشفافية والحياد والاستقلالية، هذه العبارة الأخيرة التي وردت مرتين، أولاً في الفقرة الثالثة من الفصل 28 من الدستور ثم بتشديد أكثر في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون الصحافة والنشر، حين الإحالة على نصّ تنظيمي، حيث جاءت مقرونة بعبارة “معايير الموضوعية والاحترام المُطلق للاستقلالية”.

وفي الأخير، لا بد من الإقرار، بأن قرار وزير الثقافة والشباب والرياضة، بصرف الدعم المتأخر عن سنة 2019 لفائدة خمس صحف، هو قرار لا يُمكن إخضاعه لشكليات التشريع والتنظيم، ولو أن في إعلان الوزير لهذا الخبر، استعمل عبارتين مصطلحاهما من قاموس القانون، ولئن كانتا لا تقولان كل شيء، فإنهما قالتا الأهم وهو صرف الدعم، في هذه الفترة الصعبة التي تمرّ منها بلادنا، والتي توقّف فيها توزيع الصحف، وبالتالي لابد من إجراء مثل هذا الذي حدث، لأن المواطن مثلما هو محتاج لمنظومة صحية قوية فإنه محتاج لمنظومة إعلامية مُتعافية.

المعلومة القانونية

*ذ/ سعيد تمام

باحث في القانون العام،

بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، كلية الحقوق المحمدية

قد يعجبك ايضا