خصوصيات العقاب في القانون الجنائي للأعمال :”قانون 17.95 الخاص بشركات المساهمة نموذجا”

يعد القانون الجنائي للأعمال من المواضيع المثيرة للنقاش بالنظر للخصوصيات التي تحيط بمجال الاستثمار وطنيا ودوليا، و نظرا لما يعرفه هذا القانون من تنامي مقتضياته الجنائية جعل منه منفردا بميزات عن ما هو مقرر في إطار القواعد العامة للقانون الجنائي في شقيه المتعلق بالتجريم و العقاب، وقانون شركات المساهمة في قسمه الرابع عشر يدخل هو الآخر ضمن القانون الجنائي للأعمال، وترجع هذه الخصوصيات إلى عدة مبررات من بينها بالأساس أن الجرائم المرتكبة ضمن القانون الجنائي للأعمال يعد مرتكبوها من ذوي الصفة إذ يعدون من ذوي الياقات البيضاء، في حين أن المخالفات في إطار القانون الجنائي العام تخاطب في غالبيتها أشخاص عاديين، زيادة أن جرائم الأعمال يكون الهدف من ورائها في غالب الأحيان إغناء الذمة المالية لمرتكبيها على حساب مصلحة المقاولة.

و هكذا خص المشرع المغربي القسم الرابع عشر من قانون 17,95 بالمقتضيات الزجرية فيما يناهز51 مادة، وتتسم هذه العقوبات بغلبة العقوبات المالية فضلا عن العقوبات الحبسية، على أن هذه الأخيرة تتميز بكونها لا تتجاوز حد السنتين في كل المقتضيات الواردة في هذا القانون ، وقد جاءت العقوبات من خلاله عبارة عن جنح مخاطبة في المرتبة الأولى أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير للشركة المساهمة، الأمر الذي يضفي على القسم الزجري لقانون شركات المساهمة خاصيات مميزة عما هو مقرر في نصوص مجموعة القانون الجنائي العام، وعليه فإننا سنحاول دراسة خصوصيات العقاب في قانون 17.95 وذلك وفق التصميم التالي:

المطلب الأول : نوعية العقاب المحدد في قانون شركات المساهمة 

المطلب الثاني : خصوصيات الأسباب المؤثرة في تحديد العقاب في قانون شركات المساهمة .

المطلب الأول : نوعية العقاب المحدد في قانون شركات المساهمة :

نص المشرع المغربي أن العقوبات التي قد تقضي بها المحكمة على المخالفات المرتكبة داخل شركة المساهمة يمكن أن تكون غرامة مقرونة بعقوبة حبسية أو قد تقضي بإحداهما فقط، باستثناء المادة 404 من قانون 17.95التي تكون فيها العقوبة الحبسية بجانب الغرامة. كما قد تكون العقوبة إضافية طبقا لما جاء به المشرع المغربي في المادة442 من قانون 17.95، والتي تتمثل في نشر الحكم الصادر بالإدانة في الصحف التي تحددها المحكمة ، ولها إمكانية أيضا أن تقضي بسقوط الأهلية التجارية وفق أحكام المادتين 717 و718 من مدونة التجارة.

ولهذا، يتضح أن للعقاب في قانون شركات المساهمة خصوصيات ينفرد بها عن ماهو مقرر في إطار القواعد العامة للقانون الجنائي، وعليه فإننا سوف نعمل على التطرق إلى العقوبات السالبة للحرية (الفقرة الأولى)، على أن نتحدث لاحقا عن العقوبات المالية في قانون 17.95 (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: العقوبات السالبة للحرية  في قانون 17.95:

تعد عقوبة الحبس عقوبة سالبة للحرية تخص الجرائم الخطيرة و المرتكزة على سوء النية والتي لها أثر على حياة الشركة أو النظام الاقتصادي بصفة عامة، فهي تهدف إلى التصدي لمختلف الأفعال التي جرمها المشرع في هذا القانون، وباعتبارها أيضا –عقوبة الحبس- الجزاء الأنسب لتحقيق الهدف الذي تقوم عليه العقوبة وهو الردع،كما تحتل مكانة متميزة في النظام العقابي المغربي، فهي آلية محورية للجزاء الجنائي.

وقد جعل المشرع المغربي طبقا للمادة 405 من قانون 17.95 مدة سنتين كحد أقصى للعقوبة السالبة للحرية التي قد يمكن أن تقررها المحكمة في حق مراقب الحسابات الذي يؤكد أو يقدم معلومات كاذبة بشأن وضع الشركة وكذا عدم إعلامه  لأجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير بكل الأفعال التي بلغت إلى علمه أثناء مزاولة مهامه وبدا له أنها تكتسي صبغة جرمية، ويمكن القول أن هذه الصرامة تستمد تفسيرها في كون المشرع المغربي جعل  من مراقب الحسابات في مرتبة الحامي للشركة وذلك باعتباره المكلف بمراقبة تصرفات وأعمال المديرين والمتصرفين، وبالتالي فإنه لاشك بأن الضرر سيكون بليغا إذا زاغ عن مهامه من خلال ترك المجال لأجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير للشركة مفتوحا للتلاعب بأموال ومصالح الشركة. 

و بالرجوع إلى التشريع المقارن نجد المشرع  الفرنسي قرر عقوبة سالبة للحرية تصل إلى خمس سنوات. وعليه فإن هذا الأخير بالمقارنة مع التشريع المغربي يكون أكثر حدة في التعامل مع الخروقات التي قد تطال كل ما يتعلق بشركات المساهمة.

و ما يجب تأكيده هو أنه إذا كان حضور العقوبة الحبسية يعكس نوعا من التشدد في قانون شركات المساهمة ، فإن اقترانها الدائم بالغرامة يعكس نوعا من التسامح إزاء مرتكبي أحد الأفعال المنصوص عليها في هذا القانون. ويمكن تقسيم العقوبة الحبسية التي جاء بها المشرع في قانون شركات المساهمة إلى أربعة أصناف :

الصنف الأول: الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر مثلا:”المادة 381 والمادة 382 والمادة 422من قانون 17.95″؛

الصنف الثاني: الحبس من شهر إلى ستة أشهر وهي الطبقة الغالبة في قانون 17.95 منها مثلا:”379 و383 و384 من قانون 17.95″؛

الصنف الثالث: الحبس من شهر إلى سنة وتهم مادتين 397 و398 من قانون 17.95.

الصنف الرابع: من ستة أشهر إلى سنتين وقد تم التنصيص على هذه المدة الحبسية مرة واحدة فقط وذلك من خلال المادة 405 من قانون 17.95 وتطبق في حق مراقب الحسابات الذي يقدم أو يؤكد عن قصد معلومات كاذبة بشأن وضع الشركة وكذا عدم إعلامه لأجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير بكل الأفعال التي بلغت إلى علمه أثناء مزاولة مهامه وبدا أنها تكتسي صبغة إجرامية.

لكن ومع ذلك، فإذا كان المشرع المغربي قد توخى من النصوص الجنائية للشركات إيجاد الأسلحة اللازمة لمكافحة التصرفات المضرة بالشركة، جاعلا من عقوبة الحبس تعد العمود الفقري لتلك الأسلحة والوسيلة الأولى المعتمدة في الردع الجنائي اتجاه أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير للشركة  المساهمة، فإن الإشكال المطروح مازال يظل قائما بشأن البحث عن العقاب المناسب لجرائم الشركات.

وجدير بالذكر أن القانون رقم 20.05 المعدل والمتمم لقانون شركات المساهمة قد عمل على التخفيف من حدة العقوبة الحبسية في قانون 17.95، فضلا عن إلغاء بعض العقوبات الحبسية والإقتصار على الغرامة فقط في بعض المخالفات المضمنة في هذا القانون.

الفقرة الثانية: العقوبات المالية في قانون 17.95 :

تعد العقوبات المالية من الجزاءات الغالبة التي جاء بها المشرع المغربي في مختلف مراحل حياة الشركة بدءا من التأسيس و وصولا إلى مرحلة التصفية و الحل، و قد تم تكريسها من جانب المشرع المغربي استنادا إلى كونها الجزاء الأنسب في مواجهة مرتكبي مخالفات الشركة، وقد رغب من خلالها المشرع التصدي لكل التصرفات والأفعال التي من شأنها أن تستهدف الشركة، وقد جاءت متنوعة وذلك بالنظر إلى مدى خطورة الفعل المرتكب، كما أن هذه الغرامات في غالبية نصوصها شأنها في ذلك شأن  العقوبات الحبسية تخاطب بالأساس أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير للشركة.

و تتحدد عقوبة الغرامة استنادا إلى خطورة الفعل المرتكب، ونجد أن المشرع المغربي قد عمل على الرفع من قيمة بعض العقوبات المالية بهدف جعل رجال الأعمال و أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير للشركة المساهمة يدركون مدى خطورة العقوبة التي يمكن أن تصدر في حقهم عند تفكيرهم منذ الوهلة الأولى في ارتكاب الفعل المجرم.وقد لوحظ أن أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير للشركة  المساهمة يفضلون الحكم عليهم بعقوبة الغرامة حتى ولو كانت مرتفعة، على اعتبار أن العائد المادي من وراء اقتراف بعض الجرائم غالبا ما يفوق قيمة الغرامة المحكوم بها، فهي على نحو لا تؤثر عليهم وعلى مركزهم الاجتماعي.

ولقد أظهرت التجربة الفرنسية أن أكثر ما يهابه رجال الأعمال هو عقوبة إشهار المحاكمة ونشر الحكم الذي يضر بسمعتهم، فعنصر السمعة يعد شيئا أساسيا ومهما بالنسبة لرجل الأعمال هذا الأخير الذي يبحث دائما عن مركز اجتماعي محترم، وقد لوحظ من خلال التجربة الفرنسية أن التنصيص على العقوبة السالبة للحرية خلف استياء لدى فئة رجال الأعمال، بل إن كثيرين منهم إنصبت وجهات نظرهم كلها على عدم الترحيب بالعقاب الجنائي بأكمله، حيث يأملون في وقوع تعديل يبقي على الغرامة ولو كانت مرتفعة بدل العقوبة السالبة للحرية.

كما تجدر الإشارة أيضا أن الغرامات التي حددها المشرع في قانون شركات المساهمة لها حد أدنى وهو 1.000 درهم، حيث نص المشرع على أنه قد يعاقب بهذه الغرامة أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير وذلك طبقا لما جاء في المادة 419، وأما بخصوص الحد الأقصى للغرامة التي يمكن أن تقضي بها المحكمة في إطار المخالفات المرتكبة داخل شركات المساهمة فقد حدد في غرامة مالية قدرت في 1.000.000 درهم كعقوبة يمكن أن تحكم بها على أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير وذلك طبقا لما جاء في المادة 384 .وقد عاقب المشرع المغربي أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير للشركة  المساهمة الذين يقترفون هذه الجرائم بعقوبات مالية كبيرة على اعتبار أنهم هم المكلفون بإدارة وتسيير أموال الشركة، وبالتالي من البديهي أن يعاملهم المشرع بنقيض قصدهم وذلك بإنزال غرامات ذات قيمة كبيرة تطال ذمتهم المالية الخاصة بهم كلما أساؤوا إدارة أموال الشركة، ولهذا، فإنه ينبغي أن تكون السياسة الجنائية المرتبطة بالشركة محكومة بشروط وضوابط قصد توفير المجال المناسب لخلق الاستثمارات.

ومما تجدر الإشارة أيضا أنه طبقا للمادة 442 من قانون 17.95 يمكن للمحكمة أن تقضي بعقوبتين إضافيتين: الأولى: نشر الحكم الصادر بالإدانة أو مستخرج منه أو إعلانه في الأماكن التي تعينها المحكمة، والثانية: سقوط الأهلية التجارية كما أشرنا سابقا في إطار حديثنا عن العقوبات الحبسية في قانون 17.95 ضمن الفقرة الأولى.

فهذه العقوبات الإضافية ينبغي لتطبيقها أن تأمر أو تقضي بها المحكمة، هذه الأخيرة التي تبقى لها كامل السلطة التقديرية في النطق بها حيث إستعمل المشرع لفظ “يمكن” في المادة 442 من قانون 17.95 مما يفي التخيير بين القضاء بها من عدمه.

وعموما فإن ما يمكن قوله بخصوص الغرامات التي قررها المشرع في قانون شركات المساهمة،  فمن وجهة نظرنا نرى أن الغرامات التي تم التنصيص عليها لا تتناسب مع العقوبة الحبسية المقترنة بها، فعلى سبيل المثال نجد المادة 379 قد حددت فيها العقوبة الحبسية من شهر إلى ستة أشهر مقرونة بغرامة من 8.000 إلى 40.000 درهم في حين نجد نفس العقوبة الحبسية منصوص علها في المادة 384 من قانون 17.95 لكن مقرونة بغرامة من 100.000 إلى 1.000.000 درهم، وبالتالي يتضح أن العقوبة الحبسية المحكوم بها في المادتين السالفتين هي نفسها لكن يلاحظ أن هناك فرق شاسع بخصوص الغرامة المقررة في كل مادة.وعليه، فإنه يجب أن يكون هناك تناسب بين الفعل المرتكب والعقوبة المحددة في إطار قانون شركات المساهمة حتى يمكن القول بأن هناك فعلا ترسانة قانونية جنائية قادرة على التصدي لكل أعمال التلاعب والسرقة والاحتيال التي يمكن أن تستهدف أموال الشركة من خلال فرض جزاءات تناسب خطورة الفعل المرتكب.

وجدير بالذكر، أنه رغم تعدد المخالفات المتعلقة بالشركات فإنه تبقى المتابعات التي يتم بها محدودة على اعتبار أن هناك مخالفات لا يتم تفعيل المقتضيات المتعلقة بها منها مثلا ما يتعلق بإشهار المحاكمة ونشر الحكم الذي يصدر ضد مرتكبي الأفعال المجرمة في قانون الشركات.

المطلب الثاني : خصوصيات الأسباب المؤثرة في تحديد العقاب في قانون 17.95 :

تعد حالة العودة للجريمة ظرفا من ظروف التشديد في قانون شركات المساهمة خلافا لما هو منصوص عليه في أحكام القانون الجنائي العام، وما يجب التأكيد عليه هو أن المشرع المغربي قبل صدور القانون 20.05 المعدل والمتمم لقانون شركات المساهمة كان مرتكب الفعل في قانون شركات المساهمة الذي تتحقق لديه حالة العود يجد نفسه أمام ضعف العقوبة خاصة في ظل غياب تحديد مدة فاصلة بين ارتكاب الفعلين المجرمين، مما يساهم في تشديد العقوبة والزجر في مجال شركات المساهمة، فالقانون رقم 20.05 المعدل والمتمم لقانون 17.95 أتى بمقتضيات جديدة تخص حالة توفر العود، حيث رغب المشرع من خلال المقتضيات الجديدة لحالة العود التراجع عن الطابع الزجري في قانون شركات المساهمة، وعليه يتضح أن المشرع المغربي قد عمل على تنظيم هذا الظرف خلافا لما جاء في أحكام القانون الجنائي، زيادة على أن هناك  أحكام خاصة بخصوص وقف التنفيذ وتتمثل في عدم جواز النزول عن الحد الأدنى للغرامات المحددة، وذلك طبقا لما جاء في المادة 377من قانون 17.95، وهذا كله سوف نحاول تبيانه من خلال التطرق إلى حالة العود في قانون شركات المساهمة (الفقرة الأولى)، على أن نتطرق إلى ظروف التخفيف ووقف التنفيذ في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: حالة العود في قانون شركات المساهمة :

لقد كانت المنظومة الجنائية لقانون شركات المساهمة تتسم بالطابع العام بخصوص حالة العود من خلال عدم تحديد فترة زمنية بخصوص الحالة التي تعتبر فيها حالة العود كظرف مشدد، بحيث كان قانون 17.95 ينص في مادته 375 قبل التعديل بواسطة القانون 20.05 على أنه:” يعتبر في حالة عود من يرتكب جريمة بعد أن يكون قد حكم عليه بالحبس أو الغرامة أو هما معا بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به من أجل جريمة سابقة وذلك خلافا للفصلين 156 و157 من القانون الجنائي”. وعليه فمن الملاحظ أنه قبل صدور القانون 20.05، كان المشرع المغربي قد نهج مبدأ التشديد في التجريم وبالتالي تشديد المسؤولية على أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركة المساهمة.

 و بالتالي فإن العقوبة المقررة في حالة توفر حالة العود في ظل المادة 375 قبل تعديل قانون شركات المساهمة بقانون 20.05 تتحدد في الضعف على خلاف القانون الجنائي العام الذي قام من خلاله المشرع بتصنيف الجرائم وتحديد العقوبات المقررة لها بحسب ما إذا كانت جنحة أو مخالفة. وعليه ، فإنه لاشك أن المادة 375 من قانون شركات المساهمة قبل تعديلها، كانت تستهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الردع لدى مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في القسم الرابع عشر من هذا القانون، حيث كانت تخلق نوعا من الحذر والتريث لدى أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركة المساهمة خاصة بعد ارتكاب جريمة أولى وتنفيذ العقوبة المترتبة عنها، على اعتبار أن هؤلاء سيكونون على بينة من أن ارتكاب جريمة أخرى سيعتبرون في حالة عود مما يترتب عنه تشديد العقوبة في حقهم، وبالتالي فإن هذا من شأنه أن يساهم نوعا ما في تنقية عالم الأعمال من بعض التصرفات غير المشروعة والتي تستهدف الإضرار بمصالح الشركة.

غير أنه نجد أن المادة 375 من هذا القانون بعد  تعديلها بمقتضى القانون رقم 20.05 المغير والمتمم للقانون رقم 17.95، قد اتبع فيها المشرع المغربي نهج القانون الجنائي فيما يخص مدة حالة العود كظرف مشدد للعقوبة، فتم حصر هذه المدة في خمس سنوات، بعدما كانت مفتوحة لا تخضع إلى أي تحديد زمني، حيث أضحت هذه المادة في فقرتها الثانية تنص على ما يلي:” يعتبر في حالة عود في مفهوم هذا القانون من يرتكب جريمة مماثلة قبل مضي خمس سنوات من تمام تنفيذ العقوبة أو تقادمها وذلك خلافا للفصلين 156 و157 من القانون الجنائي”، وبالتالي يتضح أن المشرع المغربي قام بمقتضى القانون رقم 20.05 المغير والمتمم لقانون شركات المساهمة بمخالفة قواعد القانون الجنائي العام المنصوص عليها في الفصلين 156 و157 من القانون الجنائي.

وعليه فإنه من خلال التعديل الذي جاء به القانون 20.05 المعدل والمتمم لقانون شركات المساهمة فإن المادة 375، نصت على مقتضيات جديدة إذ اشترطت عدم مضي خمس سنوات من أجل تحقق العود، كما استوجبت توفر شرط “المماثلة” بين الجريمة الأولى والثانية. ومن هذا المنطلق، يمكن أن نطرح التساؤل التالي:

 هل المماثلة التي جاء بها المشرع المغربي في المادة 375 من قانون شركات المساهمة تنحصر فقط في الجرائم المحددة في هذا القانون أم أنها تنصرف حتى إلى الجرائم الأخرى  المحددة في القانون الجنائي؟

يمكن لنا القول أن المماثلة التي توفر حالة العود في إطار المادة 375 من قانون شركات المساهمة تتجسد من خلال ضرورة توفر المماثلة بين الأفعال المنصوص عليها في قانون 17.95 دون غيرها على اعتبار أن المشرع المغربي قد رغب من خلال المادة المذكورة أن يضفي على حالة العود خصوصية تميزه عما ما هو محدد في إطار القانون الجنائي.إضافة إلى أن المشرع المغربي من خلال الفصل 158 من القانون الجنائي يكون قد حدد حالات الجنح المتماثلة لتقرير حالة العود في ظل هذا القانون.

ويلاحظ في هذا الإطار أنه من خلال شرط المدة الفاصلة بين الفعلين المرتكبين والتأكيد على شرط المماثلة، يكون المشرع المغربي قد قلص بذلك من الطابع الزجري في قانون شركات المساهمة، كما يتجسد التخفيف من الطابع الزجري من خلال نسخ أحكام المادة 376 من قانون رقم 17.95 التي كانت تتعلق بتطبيق العقوبة الأشد، حيث إنه قبل صدور القانون رقم 20.05، كانت الأحكام الجنائية المنصوص عليها في قانون شركات المساهمة لا يتم تطبيقها إلا إذا كانت تقبل تكييفا جنائيا أشد من القانون الجنائي، وبالتالي فإن المشرع المغربي أراد من هذا التعديل الذي أتى به في قانون رقم 20.05 المعدل لقانون شركات المساهمة تطبيق الأحكام الجنائية لقانون شركات المساهمة بشكل يخلق قانونا جنائيا خاصا بالشركات مما يجعل تطبيق مقتضياتها الزجرية مستقلا عن القانون الجنائي العام.

الفقرة الثانية: وقف التنفيذ وظروف التخفيف في قانون 17.95 :

جاءت العقوبات الزجرية المنصوص عليها في قانون 17.95 بأحكام خاصة فيما يتعلق بوقف التنفيذ وظروف التخفيف، وتتمثل في عدم جواز النزول عن الحد الأدنى للغرامات المحددة، وذلك طبقا لما جاء في المادة 377 من قانون 17.95.كما أنه بالاستناد إلى المادة السالفة الذكر لا يحق للمحكمة أن تكون عقوبتها مشمولة بإيقاف التنفيذ إلا فيما يخص العقوبة الحبسية مما يفيد عدم إمكانية إعتبار عقوبة  الغرامة المنطوق بها من طرف المحكمة مشمولة بإيقاف التنفيذ.

وفي هذا الصدد، فإذا كان البعض يرى أن المشرع المغربي تبنى في قانون 17.95 أسلوب التشديد في العقاب من خلال ما تضمنه هذا القانون من عقوبات زجرية،فإنه من وجهة نظرنا نخالف هذا الرأي على اعتبار أن المشرع المغربي قد تراجع عن الطابع الزجري في قانون شركات المساهمة بواسطة القانون 20.05 حيث جاء هذا الأخير بعدة تعديلات شملت العديد من المواد المضمنة للعقوبات الزجرية، ويتجلى ذلك بالأساس في التخفيف من حدة العقوبات حيث تم التقليص من قيمة بعض الغرامات و العقوبات الحبسية من خلال ما تضمنه القانون 20.05 المعدل و المتمم لقانون شركات المساهمة من مقتضيات بخصوص هذا الجانب.

و إذا كانت المادة 377 من قانون 17.95 قد سمحت بإمكانية إيقاف تنفيذ العقوبة الحبسية فإن هذا الإقرار أثار جدلا فقهيا، إذ لاحظ أحد الفقه أنه منذ بداية تطبيق النصوص الجنائية للشركات من جهة القضاء الفرنسي، فإنه في مجمل القضايا يتغاضى الحكم على مقترفي جرائم الشركات بعقوبة حبسية نافذة حيث يكتفي فقط بالحكم بعقوبة الغرامة في مقابل جعل العقوبة الحبسية موقوفة التنفيذ، ويمكن إسناد سبب إقرار هذا الأمر في القانون الفرنسي إلى عدم منح جهة القضاء سلطة تفريد العقاب، فالمشرع الفرنسي حدد العقوبة في قانون شركات المساهمة في حد واحد بخلاف المشرع المغربي الذي حددها في حدين.

وبما أن القضاء الفرنسي يتفادى الحكم بالعقوبات السالبة للحرية الطويلة أو النافذة، فإنه يكون من خلال هذا لم يتعامل مع النصوص بما تقتضيه من صرامة، لأن القصد من التنصيص على هذا النوع من العقاب أي “عقوبة الحبس” أضحى غير ذي جدوى لعدم قيام هذا السلاح بالدور المنوط به والمتمثل في العمل على الحد من تزايد نسبة ارتكاب جرائم الشركات المرتكبة من طرف أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير للشركة المساهمة ، إذ أضحت أهم خاصية يتميز بها العقاب في قانون شركات المساهمة وهي “قسوة العقاب” غير محققة من حيث الواقع

خاتمة:

و في الأخير نؤكد على أنه يجب أن يكون الجزاء الجنائي متناسبا مع خطورة الفعل المرتكب حيث يتعين التشديد إلى الحد الأقصى في الحالة التي يتم فيها تحقيق مصالح شخصية لأعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركة المساهمة على حساب مصلحة الشركة، وذلك حتى يمكن تحقيق الردع المعنوي لدى أجهزة التسيير لشركة المساهمة من ارتكاب المخالفات المنصوص عليها في قانون شركات المساهمة ، فالجزاء الجنائي يبقى خير وسيلة وأقوى رادع في مواجهة كل السلوكات والتصرفات التي تخرج عن نطاقها القانوني.

ومن جانب آخر يجب على جهة القضاء تفعيل هذه النصوص وذلك بالتطبيق السليم للمقتضيات الجنائية المنصوص عليها قصد الضرب على أيدي المتلاعبين بشكل يشجع الثقة والاطمئنان داخل عالم الأعمال، ويدفع بأصحاب الثروات الضخمة إلى الاستثمار والإقبال على تأسيس شركات المساهمة، كما ندعو إلى التوسيع من صلاحيات مراقب الحسابات بمنحه إمكانية تبليغ النيابة العامة بشأن الأفعال المرتكبة داخل الشركة على غرار المشرع الفرنسي، وليس حصر دوره في تبليغ الجهاز الإداري للشركة، فهذا الأخير قد يكون نفسه هو المرتكب للفعل الجرمي وهو الأمر الغالب واقعيا مما يؤدي إلى عدم تفعيل المقتضيات الزجرية المضمنة بقانون الشركات بسبب غياب المتابعة وعدم تحريك الدعوى.

المعلومة القانونية

*ذ/ هشام أزكاغ

دكتور في الحقوق

                                                              

 

قد يعجبك ايضا