إطلالة على التقادم الجنائي في ظل حالة الطوارئ الصحية المعلنة

لا مراء في أن بلادنا اليوم تعيش كغيرها من بلدان العالم ظرفا صحيا استثنائيا غداة ظهور وانتشار وباء كرونا المستجد19 –COVID، وهو ما جعل السلطات العمومية تتعبأ تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده لاتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الاستباقية والاحترازية التي من شأنها محاصرة هذا الوباء بما يكفل ضمان سلامة المواطنين وتحقيق أمنهم الصحي.

وعلى ذلك بادرت الحكومة بإصدار مرسوم بقانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، حيث استخدمت السلطة التنفيذية المكنة التي يخولها إياها الفصل 81 من الدستور في مجال التشريع بين دورات انعقاد البرلمان، بموجب مراسيم “مراسيم الضرورة”، ووفق مسطرة دقيقة حددها المشرع الدستوري في الفصل الموما اليه أعلاه.

ومن ثمة فان هذه التحولات المستجدة لها وقعها الاقتصادي والمالي والاجتماعي وكذا القانوني، سيما على مستوى الزمن القانوني الذي يهمنا في هذا المضمار، ومن ثمة وفي خضم هذه التغيرات المتسارعة والحراك القانوني المهم كان لابد من أن نبادر من جهتنا ونساهم بهذه المحاولة العلمية المتواضعة في دراسة التقادم في المادة الجنائية وفق احكام القانون 22.01 المتعلق المسطرة الجنائية وبعد القوانين ذات الصلة، والمرسوم بقانون  المذكور أنفا مواكبة منا للمستجدات التي تعرفها الساحة القانونية.

وهكذا فالموضوع قيد الدراسة يكتسي أهميته من راهنيته، والذي قد يستأثر بال الباحثين واهتمام الممارسين وكذا فعاليات المجتمع المدني وكافة المتدخلين والفاعلين في الحقل القانوني والشأن الجنائي بشكل الخاص.

 إن ما يمكن تسجيله بداية انه من التابث إن المشرع الجنائي لم يضع تعريفا صريحا للتقادم وهذا أمر محمود في الفقه، ومن تم سنحاول إعطاء تعريف له من خلال استقراءنا لنصوص الإجرائية والموضوعية، إذ يمكن اعتبار التقادم في هذا المنحى بأنه المدة التي يحددها القانون والتي تسقط بمرورها الدعوى العمومية أو العقوبة. 

وتماشيا مع ذلك ودون الدخول في النقاشات الفقهية واختلاف الآراء حول مسألة الجدوى من إقرار وتقنين التقادم، فان المسلم به تشريعيا هو تنصيص المشرع الجنائي على التقادم بهاجس تحقيق العدالة الجنائية في كل من المواد 5 و6 وكذا المواد من 648 الى 1-653 من قانون المسطرة الجنائية، التي تعد بمثابة الإطار القانوني الناظم لتقادم كل من الدعوى العمومية والعقوبات.

وتأسيسا على ما سبق يدفعنا موضوع كهذا إلى طرح تساؤل جوهري نصوغه كالتالي:

التقادم الجنائي وإعلان حالة الطورائ الصحية أية علاقة ؟

ولمقاربة الموضوع قيد الدراسة سنتبع تصميما كالتالي:

المبحث الأول: تقادم الدعوى العمومية وتقادم العقوبات وفق القواعد العامة

المبحث الثاني: وقف سريان التقادم الجنائي بين الاستحالة القانونية والاستحالة المادية او الواقعية

المبحث الأول: تقادم الدعوى العمومية وتقادم العقوبات وفق القواعد العامة

غير خاف أن التقادم في المادة الجنائية يعد سببا قانونيا مسقطاً لكل من الدعوى العمومية والعقوبات، وعليه سنقوم باستحضار المقتضيات الجنائية المسطرية والموضوعية التي تهم كلا من تقادم الدعوى  العمومية و تقادم العقوبات كما اقرها المشرع حتى تتضح الرؤية أكثر.

المطلب الأول: تقادم الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة

وسنقوم في هذا المقام بتبيان المدد التي تتقادم بها الدعوى العمومية ثم المقتضيات القانونية المتعلقة بقطع تقادم هذه الدعوى، على أن نعرج على المقتضيات القانونية التي تهم تقادم الدعوى المدنية التابعة.

الفقرة الأولى: تقادم الدعوى العمومية

  1. أمد التقادم

حدد المشرع الجنائي مدة تقادم الدعوى العمومية بمقتضى المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية باعتبارها الشريعة العامة في المجال المسطري، بناءا على الوصف القانوني للفعل المرتكب في:

  • خمس عشرة سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجناية.
  • أربع سنوات ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجنحة.
  • سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب المخالفة.

وقد حدد المشرع استثناء لهذه القاعدة في المادة المومأ اليها أعلاه حيث جاء فيها “غير انه إذا كان الضحية قاصرا أو تعرض لاعتداء جرمي ارتكبه في حقه احد أصوله أو من له عليه رعاية أو كفالة أو سلطة فان أمد التقادم يبدأ في السريان من جديد لنفس المدة ابتداء من تاريخ بلوغ الضحية سن الرشد المدني”.

ويشذ عن هذه القاعدة، تقادم الدعوى العمومية الناشئة عن الجرائم التي ينص على عدم تقادمها القانون او اتفاقية دولية صادقت عليها المملكة المغربية وتم نشرها بالجريدة الرسمية اذ وحسب تعبيرالمادة  5 فقرة اخيرا لا تتقادم الدعوى العمومية بشأن تلك الجرائم.

  1. قطع التقادم

ينقطع اجل تقادم الدعوى العمومية حسب المادة 6 من قانون المسطرة الجنائية بكل إجراء من إجراءات المتابعة، أو التحقيق، أو المحاكمة ، تقوم به السلطة القضائية أو تأمر به، وبكل إجراء يعتبره القانون قاطعا للتقادم.

ويسري هذا الانقطاع كذلك بالنسبة للأشخاص الذين لم يشملهم إجراء التحقيق أو المتابعة أو المحاكمة كالمساهمين والمشاركين في الجريمة المقترفة.

وتأسيسا على ذلك فان المشرع الجنائي اقر بسريان اجل جديد للتقادم ابتداء من تاريخ أخر إجراء انقطع به أمده وتكون مدته مساوية للمدد المحددة للتقادم

نشير في الأخير إلى أن القضاء دأب على اعتبار أن التقادم في هذا المنحى من النظام العام، حيث يمنع التنازل عنه من قبل المتهم المتابع كما يتعين إثارته تلقائيا من طرف المحكمة التي تنظر الدعوى العمومية إن هو ثبت لديها بشروطه القانونية، كما أن هذه الإثارة التلقائية له واجبة في كل أطوار الدعوى ولو أمام محكمة النقض.

الفقرة الثانية: تقادم الدعوى المدنية التابعة

إذا كانت المتابعة الجنائية عبر آلية تحريك الدعوى العمومية ترمي تكريس سلطة الدولة في العقاب واستيفاء حق المجتمع تحقيقا لردع العام، فان ذلك يترتب عنه أيضا حق المدعي المتضرر من أن ينتصب كطرف مدني للمطالبة بالتعويض عن الضرر الجسماني، أو المادي، أو المعنوي، الناتج عن العمل غير المشروع أو الفعل المجرم،

وقد تعمدنا  نعثها بالتابعة خلافا للمشرع الجنائي تميزا لها عن الدعوى المدنية التي ترفع طبقا لقواعد المسطرة المدنية، فهي تعد تابعة لدعوى عمومية رائجة أمام القضاء، ومن ثمة فهي تخضع في شقها المسطري لقواعد المسطرة الجنائية أساسا و لقواعد القانون المدني في شقها الموضوعي.

وهكذا فتقادم الدعوى العمومية لا يؤدي إلى سقوط الدعوى المدنية التابعة بل تظل قائمة أمام المحكمة المختصة لأنها واستنادا للمادة 14 من قانون المسطرة الجنائية تتقادم طبقا للقواعد المعمول بها في القانون المدني، وهذا في حقيقته يشكل مظهرا من مظاهر استقلالها.

وبالرجوع لقواعد قانون الالتزامات والعقود باعتباره يشكل القانون المدني المغربي فان هذه الدعوى المدنية تتقادم وفق القواعد التالية: 

 

  • القاعدة أن دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات. 
  •  باستثناء دعوى التعويض من جراء الأضرار الناجمة عن انفجارالألغام فإنها تتقادم بمضي خمس عشرة سنة.
  • وتبتدئ الآجال المذكورة من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه.
  • وتتقادم في جميع الأحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر.

 

وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجنائي اقر قواعد المسؤولية التضامنية في هذا المنحى، حيث أن جميع المحكوم عليهم ( من فاعلين أصليين ،مساهمين ومشاركين) من اجل نفس الجناية أو نفس الجنحة أو نفس المخالفة يلزمون متضامنين بأداء التعويضات المدنية بمعنى أخر يحق للمطالب بالحق المدني الرجوع عليهم جميعا أو على احدهم باختياره، ما عدا اذا نص الحكم على خلاف ذلك.  

المطلب الثاني: تقادم العقوبات

يرمي منطق التجريم والعقاب إلى التصدي للظاهرة الإجرامية وكبح جماع الجريمة فالعقوبات -كجزاء جنائي، Sanction pénales على اختلافها أنواعها وحجمها تبقى فلسفتها تروم أساسا تحقيق الردع بنوعيه العام والخاص.

وتبعا لذلك فصدور الحكم الجنائي النهائي، البات والقطعي بإدانة المتهم من اجل الجريمة المنسوبة إليه إنما هو في حقيقته يعد بمثابة تتويج لمسطرة جنائية توفرت فيا كل ضمانات المحاكمة العادلة، ومن تم فمبادئ العدالة الجنائية تحتم تنفيذ العقوبة في مؤسسة سجنية إن كانت سالبة للحرية بداهة.

وإذا كان هذا هو الأصل، فان المشرع الجنائي ارتئ ان يضع أسباب قانونية تؤثر في هذا التنفيذ، وتؤدي لا محالة إلى سقوط العقوبة كما هو عليه الامر بالنسبة للتقادم، اذ يترتب عليه حسب تعبير المشرع في الفصل 54 من القانون الجنائي تخلص المحكوم عليه من مفعول الحكم، ومن اثار الإدانة إذا لم تكون العقوبة قد نفذت في حقه خلال الآجال المحددة قانونا.

وانسجاما مع هذا الطرح فان المشرع الجنائي حدد أجال تقادم العقوبات حسب صنف الجريمة.

  • الجنايات: تتقادم العقوبات بشأنها بمضي خمس عشرة سنة ميلادية كاملة، تحسب ابتداء من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم الصادر بالعقوبة مكتسبا لقوة الشيء المقضي به.
  • الجنح: تتقادم العقوبات بخصوصها بمضي أربع سنوات ميلادية كاملة، ابتداء من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم الصادر بالعقوبة مكتسبا لقوة الشيء المقضي به.
  • المخالفات: تتقادم العقوبات الصادرة بشأنها بمرور سنة ميلادية كاملة، تحسب ابتداء من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم الصادر بالعقوبة مكتسبا لقوة الشيء المقضي به.

وفي نفس المنحى يتعين الإشارة إلى مسألة قد تخلق بعض الريبة والارتباك في ذهن القارئ والمتصفح لهذه المقتضيات، تهم تقادم المقتضيات المدنية الواردة في منطوق الحكم الزجري هل تخضع للنفس المقتضيات المومأ اليها أعلاه أم الأمر على النقيض تماما إذ يسري عليها التقادم المدني ؟

إن وباستقرائنا لأحكام تقادم العقوبات كما هو وارد النص عليها في قانون المسطرة الجنائية نجد أن المشرع الجنائي كان صريحا في هذه المسألة، ومن ثمة وعلى النقيض تماما من الأحكام السابقة، تتقادم المقتضيات المدنية الواردة في منطوق المقرر الزجري بعد صيرورته مكتسبا لقوة الشيء المقضي به حسب قواعد تقادم الأحكام المدنية.

بقي أن نشير أخيرا إلى مقتضى قانوني تستثنى بموجبه من قاعدة التقادم، العقوبات الصادرة بشأن جرائم ينص على عدم تقادمها القانون أو اتفاقية دولية صادقت عليها المملكة المغربية ونشرت بالجريدة الرسمية.

المبحث الثاني: وقف سريان التقادم الجنائي بين الاستحالة القانونية والاستحالة المادية أو الواقعية

إن المقصود بوقف التقادم في هذا المعنى، توقفه عن السريان مدام سبب الوقف قائما ثم يتمم مسيرته بعد اختفاء هذا السبب، وعليه فان التقادم يتمثل في توقفه عن السريان ردحا من الزمن بعد أن يكون قد بدأ وذلك اثر قيام سبب معين ثم يستأنف سريانه عقب زوال هذا السبب، وبالتالي فان مدة قيام سبب الوقف لا تدخل في حساب التقادم  وإنما تحسب فقط المدة التي سرت قبل وقوع هذا السبب والمدة اللاحقة لزواله لأجل اكتمال مدة التقادم المحددة في القانون.

ومن ثمة يحيلنا ذلك على إيقاف التقادم يرجع لقيام عارض- ظرف عام استثنائي- من شأنه تعطيل سير التقادم فإذا ما زال هذا العارض عاد التقادم إلى سريانه من النقطة التي توقف عندها مع احتساب المدة السابقة التي تم فيها سريان اجله، ونضرب مثلا لذلك في حالة حدوث الآفات والكوارث الطبيعية كالفيضانات أو الأوبئة.

للوهلة الأولي قد يبدو الأمر سهلا ومحسوما والحال أن الأمر يكتسي بعض الصعوبة القانونية والواقعية الناجمة عن تفسير النصوص القانونية و الإشكالات الممكن ان تطرحها على مستوى التطبيق، وهو ما يقتضي منا حتما ان نعرج عليها بنوع من التفصيل والدراسة المعمقة محاولين قدر المستطاع رفع البس والغموض الذي قد يشوبها.

المطلب الأول: وقف سريان التقادم الجنائي وفق قواعد المسطرة الجنائية

بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية وبالإضافة لتحديده أمد التقادم وقطعه بخصوص الدعوى العمومية كما تطرقنا لهما سلفا في هذا البحث، فان ما يمكن ملاحظته هو ان المشرع اقر صراحة مكنة توقف مدة التقادم بشان هذه الدعوى وجعل مناط هذا التوقف هو قيام استحالة قانونية.

ويستشف من خلال ذلك أن المشرع الجنائي وفي إعماله لهذه المكنة ميز الاستحالة التي ترجع للقانون حيث يتوقف إذ ذاك تقادم الدعوى العمومية عن السريان حتى يزول العائق القانوني كإصابة المتهم بخلل عقلي (الفصل79 من القانون الجنائي) وبين العائق المادي أو الواقعي الذي يحول دون إقامة الدعوى العمومية إذ لا يترتب عنه إيقاف سريان مدة التقادم التي تستمر في الانصرام إلى أن تنتهي المدة ما لم يتم قطعها باحد أسباب الانقطاع لتبدأ مدة جديدة في السريان وهكذا.

 وتتعدد الأمثلة وصور العائق المادي غير الموقف للتقادم بناءا على توجه المشرع المسطري في هذا المنحى ونورد منها إثارة حرب أهلية أو التقتيل والتخريب والنهب او حصول كوارث طبيعية من زلازل وفيضانات وأوبئة كتفشي وانتشار فيروس كورونا الجديد والتي عوامل كلها تشترك وتتحد في كونها و بلا شك تؤدي الى شل أو على الأقل تعطيل عمل الأجهزة المكلفة بالعدالة لمدة من الزمن.

وفي هذا الصدد يطرح سؤال إمكانية اعتبار صدور المرسوم الحكومي المعلن لحالة الطوارئ الصحية بمثابة استحالة قانونية ترقى لدرجة إيقاف تقادم الدعوى العمومية؟

الواقع أننا محكومون في الميدان الجنائي بقاعدة عدم التوسع في تفسير النصوص الجنائية وان كان هذا المنطق يسري على ميدان التجريم والعقاب المحكوم بقاعدة شرعية التجريم والعقاب أساسا والتي يقوم عليها القانون الجنائي برمته هذا من جهة، من جهة أخرى فان إعلان حالة الطوارئ الصحية والذي أعقبته مجموعة من التدابير القانونية التي اتخذتها السلطات العمومية سواء تلك المتعلقة بالحد من تنقل الأشخاص بصفة عامة أو المتعلقة بتعطيل انعقاد جلسات المحاكم للحد من تردد عدد كبير من المرتفقين والمتقاضين عليها، ولعل ذلك ما قد يزكي الطرح القائل باعتبار ذلك بمثابة استحالة قانونية موقفة للتقادم.

بناء على هذه المعطيات نرى انه من المنطق والمعقول والمصادف لصواب اعتبار أن إعلان حالة الطوارئ الصحية تدخل في مفهوم الاستحالة المنصوص عليها في الفقرة السابعة من المادة 6 من قانون المسطرة الجنائية، على الأقل حتى يتم إقرار مقتضيات صريحة بشأن الاستحالة الفعلية والواقعية، والتي تؤدي بنا كنتيجة إلى وقف سريان التقادم الجنائي بشأن الدعوى العمومية.

ولعل الذي يبدو واضحا من خلال استقرائنا لهذه المقتضيات، هو تبني مشرع المسطرة الجنائية للمانع القانوني الذي يتوقف بموجبه سريان التقادم لأنه لا معنى لتقرير التقادم والحال أن القانون نفسه هو الذي يمنع المتابعة أو السير في إجراءاتها هذا من جانب.

أما من جانب أخر ومع وضوح الحكم بالنسبة لعدم استساغة المشرع المغربي للأخذ بنظام توقف التقادم لأسباب واقعية أو مادية في القانون المغربي ومن تم استعاده الأخذ بهذا النظام إذا مكانا الظرف طارئا استثنائيا وعاما والذي قد يقف حائلا دون ممارسة الدعوى (اقامة، ومتابعة) من قبل النيابة العامة واقعيا لأسباب متعددة، ومن ثمة غل يد القاضي الجنائي في التوسع في تفسير النصوص الجنائية الموقفة للتقادم.  

وصفوة القول  فان لوقف تقادم الدعوى العمومية اثر طبقا لنص منطوق الفقرة الأخيرة من المادة 6 من القانون المسطرة الجنائية “على أن التقادم يبدأ من جديد ابتداء من اليوم الذي ترفع فيه الاستحالة لمدة تساوي ما بقي من أمده في وقت توقفه”.

بمعنى اخر تستأنف فترة تقادم الدعوى العمومية بمجرد زوال الاستحالة للمدة المتبقية في عمرها تحتسب منذ توقف سريانها.

المطلب الثاني: وقف سريان التقادم الجنائي استنادا لحالة الطوارئ الصحية المعلنة

كما هو معلوم وتطبيقا لأحكام المرسوم بقانون يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، أعلنت السلطات العمومية عن حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني إلى غاية 20 ابريل 2020 في الساعة السادسة مساءا، وذلك من اجل مواجهة تفشي وباء كورونا المستجد، وفي ظل ذلك تم اتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية تروم مواجهة هذه الظروف الاستثنائية الطارئة الناجمة عن غزو هذا الوباء لجل دول العالم.

وتأسيسا على ذلك فان حدوث هذه الظروف الصحية الطارئة وإعلان حالة حالة الطوارئ  سيؤثر حتما على مستوى سريان الآجال القانوني في خضم ذلك.

وإيمانا منها بذلك وجوابا منها على الإشكالات القانونية التي يمكن تثار بهذا الصدد أقرت السلطة الحكومية نص صريح وبمقتضى المرسوم بقانون المذكور، بوقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة الطوارئ الصحية المعلن عنها ويستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ.

وتماشيا مع هذا المنحى، أصدرت وزارة العدل بلاغا بشأن توقف الآجال بموجب حالة الطوارئ الصحية حيث جاء في نص البلاغ:

تخبر وزارة العدل أسرة العدالة و عموم المتقاضين و المرتفقين أن مرسوما بقانون صدر بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها. 

و بموجب المادة السادسة من هذا المرسوم بقانون، فإن جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية ، سواء في قوانين الشكل أو قوانين الموضوع ،  و كذا النصوص التنظيمية ، سيتوقف احتسابها ، و سيستمر هذا التوقف طيلة فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها، و إلى غاية الإعلان الرسمي عن رفع هذه الحالة  ، حيث سيستأنف احتساب الأجل ابتداء من اليوم الموالي  لرفع الحالة المذكورة .

و بموجب الفقرة الثانية من هذه المادة ، فإن آجال الطعن بالاستئناف الخاصة بالقضايا المتابع فيها أشخاص في حالة اعتقال، وكذا مدد الحراسة النظرية ومدد الاعتقال الاحتياطي المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية، لن يتوقف احتسابها خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، وستبقى مستثناة من مقتضى الوقف المنصوص عليه في الفقرة الأولى.

يستشف من كل ذلك آن اجل التقادم في المادة الجنائية مشمول بهذه المقتضيات ومن ثمة ستتوقف مدة تقادم كل من:

  • الدعوى العمومية
  • الدعوى المدنية التابعة
  • تقادم العقوبات

وهذا في كنهه ما هو إلا تجسيد لطبيعة العلاقة التي تربط بين التقادم الجنائي و إعلان حالة الطوارئ الصحية.

وحسبنا أن نقول في هذا المقام أن المشرع من خلال سنه لهذه الأحكام ذات الصلة بموضوع التقادم الجنائي سواء من حيث أمده وقطعه أومن حيث توقفه إنما يرمي إلى تكريس العدالة الجنائية التي هي في حقيقتها كنه السياسة الجنائية.

ولا غرو في أن إعلان حالة الطوارئ الصحية أثرت بلا هوادة في سريان هذا التقادم باعتباره أجلا قانونيا يترتب عليه ما يترتب بمروره سواء على مستوى إجراءات تحريك المتابعة الجنائية أو تنفيذ العقوبة.

وحيث وعملا بحالة الطوارئ الصحية المعلنة يتوقف الزمن في الميدان الجنائي لاعتبارات النظام الصحي إذ غذى عنصر الصحة العامة ذو أولوية حكومية ومن ثمة تعين العمل على حمايتها وحفظها.

وحيث إن حالة الطوارئ الصحية لازالت قائمة والتي قد يتم تمديدها بناءا على تقييم للوضع الراهن بقرار للسلطات الحكومية المعنية إن اقتضت ذلك مصلحة البلاد والعباد. 

لكل هذه الأسباب وغيرها ولان المناسبة شرط نرى انه لا حرج على المشرع الجنائي أن ينتهز الفرصة ويضمن مقتضيات أكثر صراحة – في مشروع المسطرة الجنائية مثلا- بشأن وقف سريان التقادم الجنائي إبان حدوث الآفات والكوارث الطبيعية والأوبئة كوقائع مادية لها وقعها على حسن سير العدالة الجنائية وهذا هو المعول عليه حتى يستجيب النص القانوني لحاجيات الواقع العملي ومن ثمة يتم تطوير المنظومة الجنائية حتى تواكب المستجدات الطارئة.   

المعلومة القانونية

*ذ/ يوسف بن الشيخ
باحث بسلك الدكتوراه في القانون
جامعة القاضي عياض مراكش

 

قد يعجبك ايضا