دور المؤسسات الوطنية في تأمين المعاملات الإلكترونية
كانت التجارة الى وقت ليس بالبعيد تستغرق رحلة الشتاء والصيف، إلا أن هذا التطور الذي أصبح يعرفه العالم اليوم بسبب وسائل الاتصال الحديثة، غدت الصفقات التجارية رغم ضخامتها في دقائق معدودة وذلك عبر بوابة التجارة الإلكترونية ، حيث لا يكلف ذلك سوى زر على جهاز الكومبيوتر[1]، ولم تعد تكنلوجيا الإنترنيت[2] أداة مكملة كما كان عليه الاعتقاد عند بدايتها، وإنما أضحت من أهم مؤشرات التقدم وزيادة الإنتاج.
فاللغات الرقمية والكتابة الإلكترونية غيرت وجه المعاملات مما أدى إلى ظهور العقود الإلكترونية، وطرق التفاوض والتعبير عن الإرادة باعتماد التوقيع الإلكتروني وأنظمة التشفير، لتأمين تبادل المعطيات وسلامتها ونسبها للمتعاقدين، وبالتالي ضرورة الجمع في المعاملات ما بين الجانب التقني المعقد والجانب القانوني وقد تجلى ذلك في التجارة الإلكترونية والأسواق الافتراضية التي أضفت طابعا جديدا على مفهوم التاجر والزبون ومختلف الوسطاء[3].
وبما أن التجارة الإلكترونية تعني الانتقال من مرحلة التعامل الورقي إلى التعامل الإلكتروني، فقد أضحت القواعد القانونية التقليدية ومعها المؤسسات الوطنية عاجزة عن مجاراة واحتواء التطورات السريعة التي أحدثها التعامل عبر شبكة الإنترنيت في إطار التجارة الالكترونية.
لذا أصبح من الضروري إيجاد نظام قانوني يتلاءم وطبيعة الإنترنيت، والمعاملات والعقود التي تتم من خلالها على المستوى الوطني، كما أنها بحاجة إلى قواعد تحقق لها نوعا من التنسيق والتلاؤم فيما بينها وبين المؤسسات التي تؤمن التعاملات الالكترونية.
ولا يخفى علينا أن مجال التعاملات الإلكترونية هو مرحلة جديدة على رجال القانون، وأن القوانين الحالية ليست كافية لمواجهة هذا الوليد الجديد في مجال المعاملات الإلكترونية، وإزاء هذا الوضع بدأ المشرع المغربي في إصدار قوانين جديدة تتلاءم والتطورات التي أفرزتها الثورة الرقمية،
وبالتالي كانت الحاجة ملحة لهذه المواكبة لتأمين المعاملات الإلكترونية وازدهارها وزرع الثقة من خلالها لأفراد المجتمع لاقتحام هذا المجال وتطوير قدراهم لمواكبته، وسهولة الوصول إلى شبكة الإنترنيت وتأمين هذه المعاملات بصفة عامة.
وموضوع هذه الدراسة يكتسي أهمية قصوى تجعله يطرح العديد من الإشكالات لعل أبرزها: إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال سنه لمجموعة من القوانين التي أطرت المؤسسات الوطنية تأمين المعاملات الإلكترونية ؟
وللإلمام بجميع جوانب هذا الموضوع فإنه ارتأينا تقسيمه إلى مطلبين:
المطلب الأول: المؤسسات القانونية ودورها في تأمين المعاملات الإلكترونية.
المطلب الثاني: المؤسسات التقنية ودورها في تأمين المعاملات الإلكترونية.
المطلب الأول: المؤسسات القانونية ودورها في تأمين المعاملات الإلكترونية
تسعى المؤسسات القانونية إلى مواكبة التطورات الحاصلة في كل المجالات خاصة فيما يتعلق بتأمين المعاملات الإلكترونية، وذلك بإصدار قوانين جديدة أو تعديلها في محاولة منها لمجارات هذه التطورات، وذلك ما سنتطرق إليه في (الفقرة الأولى) تأمين المعاملات الإلكترونية من خلال المنظومة التشريعية، في حين خصصنا (الفقرة الثانية) إلى مؤسسة مقدمو خدمات المصادقة الإلكترونية ودورها في تأمين المعاملات الإلكترونية.
الفقرة الأولى: تأمين المعاملات الإلكترونية من خلال المنظومة التشريعية
إن الثورة الرقمية التي اجتاحت العالم في الآونة الأخيرة غيرت الكثير من المفاهيم، مما فرض على المشرع المغربي تأطيرها من خلال مجموعة من القوانين لتأمين المعاملات الإلكترونية التي أفرزتها الثورة الرقمية، ومن بين هذه القوانين نذكر أهمها:
- القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية
قد سعى المشرع المغربي من خلال هذا القانون[4] إلى تهيئة بيئة قانونية تناسب والتطور المذهل الذي عرفه مجال المعاملات الإلكترونية، بحيث من خلاله وضع اللبنة الأساسية للتبادل الإلكتروني، ونص على مجموعة من الأحكام القانونية كمعادلة الوثائق المحررة على الورق وتلك المعدة على دعامة إلكترونية[5]، تشفير البيانات[6]، كيفية إبرام العقود الإلكترونية وكذا التوقيع الإلكتروني[7].
- القانون 07.03 المتعلق بالمس بنظم المعالجة الألية للمعطيات
والمشرع المغربي بدوره لحظة شعوره بخطورة الجريمة المعلوماتية منذ بداية الألفية الثانية تبنى للقانون الجنائي بابا خاصا بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، وذلك بإصدار القانون 07.03 المتعلق بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، ورغم محاولة المشرع مواكبة هذا التطور المتسارع من خلال إصدار القانون 07.03 فإنه لم يأتي بأي جديد بالبحث والتحري في الجرائم المعلوماتية وكذا كيفية التعامل معه ضمن قواعد المسطرة الجنائية المعتمدة في البحث التمهيدي بصفة عامة والبحث التلبسي بصفة خاصة، والتي نظمها المشرع في الباب الأول من القسم الثاني من الكتاب الأول بعنوان حالة التلبس بالجنايات والجنح وذلك في المواد من 56 إلى 77 من قانون المسطرة الجنائية[8].
ووعيا من المشرع المغربي بخطورة الجريمة الالكترونية قام بوضع القانون رقم 07.03 المتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات[9] من الفصول 607 – 3 إلى 607 – 11 من القانون الجنائي وبالتالي يكون قد وضع الإطار القانوني لهذه الجريمة، إلا أنه في هذا القانون لم يورد المشرع تعريف للجريمة الإلكترونية، وذلك راجع لطبيعة وخاصية الجريمة الإلكترونية، وقام بحصر مجموعة من الصور التي يمكن أن تتخذها الجريمة الإلكترونية.
ومن هذا المنطلق فإن المشرع المغربي تطرق على خلاف العديد من التشريعات العربية التي تفتقد لنصوص تشريعية في مواجهة الإجرام المعلوماتي، وبالأخص تلك المتعلقة بالاعتداءات على النظم الآلية للمعطيات، فكان بذلك المشرع المغربي سباقا إلى تنظيم هذا النوع من الإجرام الحديث لإصداره قانون 07.03 المتعلق بالمس بالنظم المعالجة الآلية للمعطيات، فأصبح هذا القانون جزءا من مجموعة القانون الجنائي[10].
- القانون 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي
شهدت الساحة القانونية المغربية سنة 2009 ولادة القانون 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي[11]، وحماية الهوية والحقوق والحريات والحياة الخاصة، ويتضمن هذا القانون 67 مادة مقسمة على سبعة أبواب، وقام من خلالها بتحديد نطاق تطبيقه والتعريفات اللازمة من أجل إنزاله على أرض الواقع وطبيعة المعطيات المراد معالجتها والشروط القانونية الواجب توافرها، وتبدو أهمية هذا القانون في أنه يساهم في تقوية ثقة المستهلك المغربي في المعاملات الإلكترونية والاستفادة من مزايا التجارة الإلكترونية، وسيشكل أداة هامة لحماية الحياة الخاصة والبيانات الشخصية للمواطن وجعل المغرب قبلة للمستثمرين في مجال تكنلوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي.
إن ظهور وتطور خدمات الاتصال ساهم بشكل كبير في وضع ترسانة قانونية مهمة، حاولت مقتضياتها الإحاطة قدر الإمكان بكل ما توصلت إليه هذه الثورة التي لم تتوقف ولن تتوقف ما دامت الحياة مستمرة، والمغرب كغيره من الدول لم يبقى مكتوف الأيدي أمام التطور الذي شهدته خدمات الاتصال فبعدما كانت له وقفة من خلالها نظم التعاقد بالهاتف والتلكس من خلال القواعد العامة، لكن هذه الأخيرة لم تستطع مواكبة التطور الحاصل في هذا المجال ما جعل الآلة التشريعية تتحرك لمواكبة ما استجد عبر إحداث مؤسسات لتأمين المعاملات الإلكترونية بصفة عامة، وإصدار قوانين في هذا الصدد.
الفقرة الثانية: مؤسسة مقدمو خدمات المصادقة الإلكترونية
جاءت مجموعة من التشريعات بتعريفات قانونية للجهة المختصة بإصدار شهادات التصديق الإلكترونية[12]، فقد عرفها قانون الأونسترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية[13] في المادة 2 بأنها: ”شخص يصدر شهادات ويجوز أن يقدم خدمات أخرى ذات صلة بالتوقيعات الالكترونية”، أما التوجيه الأوربي بشأن التوقيعات الإلكترونية فقد عرفها في المادة 02 في الفقرة 11 بأنها: ” كل كيان أو شخص طبيعي أو التجارة معنوي يصدر شهادات توثيق التوقيع الالكتروني أو يتولى تقديم خدمات أخرى متصلة بالتوقيعات الالكترونية”.
والملاحظ أن المشرع المغربي في القانون 53.05 لم يأت بتعريف لمقدمي خدمة المصادقة وإنما حدد شروطا يجب أن تتوفر في مقدمي خدمة المصادقة الالكترونية، على عكس التشريعات الأخرى التي أتت بتعريف لمقدمي خدمات المصادقة.
وبناء على ما سبق يمكن تعريف الجهة المختصة بإصدار شهادات التصديق الالكترونية بأنها: “هيئة أو مؤسسة يتولى إدارتها شخص طبيعي أو معنوي، تعمل بترخيص من إحدى مؤسسات الدولة، وظيفتها إصدار شهادات تصديق الكترونية تربط بين شخص (طبيعي أو معنوي) ومفتاحه العام، أو أية مهمة أخرى تتعلق بالتوقيع الالكتروني”.
ويقوم مقدمي المصادقة الإلكترونية بدور كبير في مجال تأمين المعاملات الإلكترونية، ذلك أنهم يعتبرون صلة وصل بين المرسل والمرسل إليه، بحيث لولا وجودهم لأحجم العديد من المتعاملين على المعاملات الإلكترونية، باعتبار أن المتعاملين بالشبكة العالمية يتعاملون عن بعد ولا يتلاقون بشكل مادي ملسوس، وغالبا لا يعرف بعضهم بعضا، لذلك كان من الواجب إيجاد مجموعة من الضمانات الكفيلة بتحديد هوية المتعاملين وموضوع التعاقد، فإبرام العقد بطريقة إلكترونية يلزم فيه التحقق من إرادة العاقدين وصحتها ونسبتها إلى من صدرت عنه، وكذلك التيقن من طبيعة التعاقد ومضمونه.
ولتحديد هوية المتعاملين، وكذا حقيقة التعامل ومضمونه، فقد استلزم ذلك وجود طرف ثالث محايد موثوق به، يقوم بطرقه الخاصة بالتأكد من صحة صدور الإرادة التعاقدية الإلكترونية ممن تنسب إليه، خاصة وأن التعامل الإلكتروني يتم من خلال شبكات مفتوحة مثل الإنترنيت، حيث يجهل المستعمل من يقف وراء جهاز الكمبيوتر، ولمن تعود المنظومات العمومية للتشفير، ولذلك فالاستعانة بمؤسسة مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية باث ضرورة ملحة.
وإذا كانت المصادقة بمعناها العام تعني المطابقة لضوابط ومعايير وشروط معينة، فإن المصادقة في المجال الإلكتروني وتكنولوجيا المعلومات، تعني بشكل خاص ضمان سلامة وتأمين التعاملات الإلكترونية، سواء من حيث أطرافه، مضمونه، محله، وتاريخه، وبعبارة أخرى فهي تساهم في خلق بيئة إلكترونية آمنة، حيث إنه كما ذكر سابقا أن أهم المشاكل في التعاملات الإلكترونية تتجلى في كونها تتم بين طرفين لا يعرف كلاهما الأخر، لذا باتت الحاجة ملحة إلى ألية تبعث الثقة والأمان لدى المتعاقدين وقد تحقق ذلك فعلا من خلال آلية المصادقة الإلكترونية، وذلك من خلال إيجاد وسيلة تؤدي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف:
- تحديد هوية أطراف المعاملة: سواء أكانوا أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين وكذا تحديد أهليتهم للتعامل.
- ضمان سلامة محتوى البيانات المتداولة، ويتم ذلك بالتحقق من مضمون الرسالة وتسلمها، بل وأثناء فترة حفظها كدليل إثبات عند النزاع.
- ضمان السرية الكاملة للبيانات المتداولة بين البائع والمشتري.
- ضمان عدم إنكار رسالة البيانات الصادرة من قبل أي من الطرفين.
ومما لا شك فيه أن القاعدة القانونية هي أهم الآليات المستعملة في عمليات انخراط المغرب في عصر التكنولوجيات الحديثة، وبالتالي هي الفضاء الذي يتفاعل مع مختلف القطاعات الدولية التي أصبحت تدق أبوابه في جميع الجهات بحيث لا يمكن له إلا البحث عن وسائل ليجد مكانه اللائق بين المجتمعات الدولية، وهكذا فالمغرب ليس له إلا أن يسير وفق التوجهات العالمية، ويتضح ذلك من خلال سنه مجموعة من القوانين كما رأينا سلفا، والذي حاول من خلالها مسايرة التوجهات العالمية، وقد تناول الإطار القانوني المطبق على العمليات المنجزة من قبل مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية، وكذا الجهات المعنية بإصدار شهادة المصادقة الإلكترونية، وعلاقتها بكل من أطراف التعامل الإلكتروني، وتطرق كذلك لعدة شروط لممارسة خدمات المصادقة الإلكترونية، أوردها في المادة 21 من القانون رقم 53.05 كما تبني المغرب نظام الترخيص المسبق لممارسة هذه الخدمات، تم أناط مهمة هذا الترخيص المسبق إلى السلطة الوطنية حسب ما نصت عليه مقتضيات المادة 21 من ذات القانون.
المطلب الثاني: المؤسسات التقنية ودورها في تأمين المعاملات الإلكترونية
سنتطرق في هذا المطلب إلى الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات ودورها في تأمين المعاملات الإلكترونية، باعتبار هذه الوكالة مؤسسة تقنية بالدرجة الأولى وذلك في (الفقرة الأولى)، في حين خصصنا (الفقرة الثانية) للحديث عن تأمين المعاملات الإلكترونية من خلال مركز النقديات.
الفقرة الأولى: الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات
تعتبر الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات مؤسسة عمومية مكلفة بتنظيم وتقنين قطاع المواصلات، والوكالة محدثة لدى رئيس الحكومة و تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي[14]، أحدثت لدى الوزير الأول بمقتضى القانون رقم 24.26 المتعلق بالبريد والمواصلات[15]، كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم [16]01.55.
وتضم هذه الوكالة ثلاث أجهزة:
أولا: المجلس الإداري[17]: وهو الذي يترأسه الوزير الأول ”رئيس الحكومة حاليا”، ويتكون من ممثلي الدولة وخمس شخصيات من القطاعات العمومية والخاصة، كما نصت على ذلك المادة 33 من القانون 24.96 ” يتألف مجلس الإدارة، بالإضافة إلى رئيسه، من ممثلي الدولة ومن شخصيات يتم اختيارها من القطاع العام والقطاع الخاص لمدة خمس سنوات وبمقتضى مرسوم، لكفاءتها في المجالات التقنية والقانونية والاقتصادية المرتبطة بتكنولوجيا المواصلات والإعلام عضوية مجلس الإدارة بالنسبة لممثلي القطاع العام والخاص تتنافى مع كل مصلحة خاصة مرتبطة بميدان تكنولوجيا المواصلات والإعلام”.
ويتداول المجلس الإداري التوجيهات العامة للوكالة ويضع البرنامج أنشطتها السنوية ويحد ميزانيتها السنوية ويتابع تنفيذها للأحكام.
ثانيا: جهاز التدبير يتضمن لجنة التدبير وتقوم بمساعدة المجلس الإداري، ويعين أعضاؤها من طرف المجلس الإداري، لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، وتقوم أيضا بالفحص والبيت في القضايا التي يوكلها إليها المجلس الإداري وخاصة التي لها علاقة بالنزاعات المتعلقة بالربط البيني[18].
ثالثا: المدير العام وهو الجهاز الذي يقوم بالإشراف على إدارة الوكالة، ويتولى الإشراف على أربع مديريات، وهي مديرية المنافسة، مديرية التقنية، والكتابة العامة، والمعهد الوطني للبريد والمواصلات، وقد نصت المادة 36 من القانون 24.96 على ما يلي: يدير الوكالة مدير يعين طبقا للقوانين المعمول بها، ويتمتع بجميع السلط والاختصاصات اللازمة لتدبير شؤون الوكالة وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يفوض المدير من قبل مجلس الإدارة لتسوية بعض القضايا التي تفرض طبيعتها التقنية أو الاستعجالية جوابا عاجلا وملائما من الناحية التقنية”.
من المهام المسندة إلى الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات:
هي السلطة الوطنية المخول لها منح الإعتماد لمزاولة نشاط مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية، وهي مسألة بديهية خاصة إذا عدنا إلى القانون المتعلق بالبريد والمواصلات باعتباره الإطار القانوني الذي تنطلق منه جل الوسائل الحديثة.
من مهامها كذلك تدبير مجال الإنترنت، والقيام بنشر مستخرج من قرار الاعتماد بالجريدة الرسمية، ومسك سجل يتضمن أسماء مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية المعتمدين يتم نشره في الجريدة الرسمية نهاية كل سنة، إضافة إلى مراقبة نشاط مقدمي الخدمات المذكورين، وتأكدها من احترام هؤلاء الذين يسلمون الشهادات الإلكترونية المؤمنة.
التحقق من مدى مطابقة نشاط مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية للقانون والنصوص التطبيقية سواء بنفسها أو عن طريق أعوانها، وخبرائها المنتدبين بعد إثبات صفاتهم، وتمكينهم من الولوج إلى المؤسسات والإطلاع على وسائلها وألياتها التقنية.
كما تلتزم الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بالبيت في طلب الإعتماد في أجل 60 يوما، وتحديد القوانين والأنظمة التي يخضع لها تدبير المجال «ma.» وتتبع تطبيقها، تلتزم كذلك بوضع قواعد التدبير الإداري والتقني في ظروف تطبعها الشفافية وبعيدا عن أي تمييز، ووضع الشروط والمتطلبات التقنية اللازمة حتى يكون التسيير التقني للمجال «ma.»، مستجيبا لحاجيات كافة المستخدمين ومقدمي الخدمة، مع تيسير عملية تسجيل أسماء المجال الجديدة.
من مهامها أيضا تمثيل المجال «ma.» لدى الهيئات والمنظمات الدولية، وحماية المستخدمين من أي استخدام تعفي الأسماء المجال «ma.»، وضع قواعد لتسوية المنازعات الناشئة عن استخدام المجال «ma.»، كذلك ضمان استمرارية خدمات تسجيل أسماء المجال «ma.»[19].
الفقرة الثانية: مركز النقديات
تعد النقود الإلكترونية أحد الوسائل المستحدثة للتعامل التجاري عبر شبكة الإنترنت، لها نفس خصائص النقود التقليدية أو الورقية، غير أنها غير ملموسة تأخذ شكل وحدات مخزنة على وسيط إلكتروني تمثل إيداع مالي، مقبولة كوسيلة لتسوية المدفوعات قليلة القيمة عند التعامل عبر الشبكة، وتعمل النقود الإلكترونية من خلال تحميل برنامج خاص على جهاز الحاسب الألي لكل من المشتري والبائع والبنك الوسيط، فالنقود تحتفظ بطبيعتها ولا تختلف عن مثيلتها الورقية إلا من خلال كيفية إدارتها، الذي ينتقل من أسلوب يدوي إلى أسلوب إلكتروني،
فمن الناحية القانونية لم يتم خلق أسلوب جديد للدفع، لأن التعامل عن طريق الوفاء بالنقود الالكترونية سواء بصيغة النقود الرقمية أو المحفظة الإلكترونية، ما هو في الحقيقة سوى تحويل النقود من حساب الى حساب أخر بالطريقة البسيطة المعتادة.
فبالرغم من الفروق الشكلية ما بين النقود العادية والإلكترونية، إلا أنهما يؤديان نفس الوظيفة، فالنقود الإلكترونية ما هي سوى نقود عادية متطورة، بالرغم من اختلافهما في الشكل، إلا أن لهما نفس المضمون فكلاهما يصلح كأداة للدفع عند التعامل ما بين المشتري والتاجر وقبول النقود الإلكترونية كوسيلة لسداد فإنها تصلح لإبراء الذمة تماما كالنقود الورقية.
وقد نشأت العديد من المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي التي تم استحداثها للحد من الجرائم المعلوماتية، ولعل من أبرزها مركز النقديات والبنوك، أحدث قانونيا كشركة مجهولة الإسم في 15/02 /2001 وبدأ عمليا في ممارسة مهامه بداية فبراير 2004.
أنشا هذا المركز من طرف المجموعة المهنية لأبناك بالمغرب، وهو مركز متخصص في إدارة الصفقات النقدية وضمان سيرورتها، مع تأمين استخدام البطائق وتشجيع عمليات الأداء بواسطتها.
من مهام مركز النقديات:
- إدارة النشاط النقدي ( الدفع بالبطائق البنكية).
- تنظيم عمليات المقاصة بين البنوك الوطنية وكذلك الأجنبية فيما يتعلق بسحب الأموال عبر الشبابيك الأوتوماتيكية.
- خلق طريقة مضمونة للأداء عبر الإنترنيت تساهم في تطوير الصفقات عبر التجارة الإلكترونية، وإنشاء موقع إنقاذ عن بعد للمعلومات البنكية المخزنة لديه.
- محاربة الجرائم الماسة بالبطائق البنكية.
- كما يلعب مركز النقديات دورا مهما في التصدي للجريمة الإلكترونية ومعرفة مرتكبيها فقد تم انتدابه للاتصال بمختلف البنوك على الصعيد الوطني بغية الإفادة عن جميع عمليات السحب عبر الشبابيك البنكية بواسطة بطائق الائتمان المزيفة.
- ويقوم المركز بمساعدة الضابطة القضائية في التحريات التي تجريها والتي بمقتضاها تتوصل إلى قراصنة الائتمان وتقديمهم للعدالة وهو ما يبرز دور هذا المركز في رصد الجريمة المعلوماتية.
خاتمة:
وخلاصة لما سبق يمكن القول أن كل من المؤسسات التقنية و القانونية تسهر على تأمين كافة الاحتياجات الاستعلامية والخدماتية للمواطنين، كما تلعب المؤسسات الوطنية دورا هاما في الرفع من مستوى الكفاءة والفعالية في استخدام و توظيف تقنيات المعلومات.
الاستنتاجات :
نستنتج مما سبق أن المؤسسات الوطنية تسعى إلى تحقيق ثالث شروط أساسية وهي المسائلة، المرونة و الحكم الصالح، بعدما أدركت حقيقة أن العالم اليوم ومستجداته يحتم على المجتمع أن يكون متقدم ومتميز ومواكب للتطور الحاصل على مستوى التكنلوجيا.
الاقتراحات:
من بين الاقتراحات التي يمكن اعتمادها هي:
تقوية المؤسسات الوطنية حتى تتمكن من مواكبة هذا التطور المتسارع وتعمل في ظل تأمين المعاملات الالكترونية.
الحماية الفعالة للتجارة الالكترونية تتطلب توافر الأمن التقني مع ضرورة تعزيزه بالأمن القانوني.
المعالجات الجزئية للتحديات القانونية والتقنية المتصلة بالمعاملات الإلكترونية وتقنية المعلومات والاتصالات وضرورة مراجعة التشريعات الحالية، وفحص مدى ملائتها مع البيئة الإلكترونية تمهيدا لإصدار منظومة قانونية تنظم أعمال ووسائل المعاملات الإلكترونية.
بيبليوغرافي
[1] عبد الفتاح بيومي حجازي، حقوق الملكية الفكرية وحماية المستهلك في عقود التجارة الإلكترونية، 2008، ص 61.
[2] ظهرت الإنترنت سنة 1957 إثر إحداث الولايات المتحدة الأمريكية لوكالة مشروع الأبحاث المتقدمة Advanced research projet AGENCY لخدمة عمليات التأهب السريع للقوات المسلحة الأمريكية حوفا من الهجوم النووي المباغت إبان الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، عن طريق ربط عدة حواسيب بواسطة كابل إلكتروني قوي الطاقة والسعة يخفض المخاطر الناجمة عن فقدان أحد الحواسب المركزية.
[3] العربي جنان، الأنظمة المعلوماتية والأنترنيت بين التنظيم المعلوماتي وأحكام المسؤولية -النظرية والتأصيل-، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة القاضي عياض، 2010، ص 204.
[4] ظهير الشريف رقم 129.07.1 الذي يقضي بتنفيذ القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، والمنشور بالجريدة الرسمية رقم 5584، في 2007/12/06.
[5] أنظر الفقرة الأولى من الفصل 417 من قانون الالتزامات والعقود المغربي –مضاف-.
[6] أنظر الفقرة الأولى من المادة 12 من القانون المغربي المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية والتي تنص على ما يلي: ” تهدف وسائل التشفير على الخصوص إلى ضمان سلامة تبادل المعطيات القانونية بطريقة إلكترونية أو تخزينها أو هما معا بكيفية تمكن من ضمان سريتها وصدقيتها ومراقبة تماميتها”.
[7] أنظر الباب الثاني من القسم الثاني من القانون 53.05 تحت عنوان: المصادقة على التوقيع الإلكتروني.
[8] صابر كمال، التلبس في الجريمة المعلوماتية، مقال منشور في موقع www.marocdroit.ma تم الاطلاع عليه بتاريخ: 12/04/2020 على الساعة 15:33.
[9] القانون رقم 07.03 المتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الصادر بتنفيده ظهير رقم 197.03.1 بتاريخ 16 رمضان 1424 ( 11 نوفمبر 2003 )؛ الجريدة الرسمية عدد 5171 بتاريخ 27 شوال 1424 ( 22 ديسمبر 2003 )، ص 4284.
[10] فـــؤاد بـــرامي، استراتيجية الأمن المعلوماتي فــي حماية نظم المعطيات، رسالة لنيل دبلوم الماستر العلوم الجنائية والأمنية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة القاضي عياض، مراكش، السنة 2017/2018. ص40.
[11] ظهير شريف رقم 1.09.15 صادر في 22 من صفر 1430 (18 فبراير 2009) بتنفيذ القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5711 بتاريخ 27 صفر 1430 (23 فبراير 2009)، ص 552.
[12] نضال سليم برهم: أحكام عقود التجارة الالكترونية، دار الثقافة، الطبعة الأولى، 2009، ص 248.
[13] قانون الأونسيترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية 1996: يهدف القانون النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية (القانون النموذجي) إلى التمكين من مزاولة التجارة باستخدام وسائل إلكترونية وتيسير تلك الأنشطة التجارية من خلال تزويد المشرعين الوطنيين بمجموعة قواعد مقبولة دوليا ترمي إلى تذليل العقبات القانونية وتعزيز القدرة على التنبّؤ بالتطورات القانونية في مجال التجارة الإلكترونية، والغرض من قانون التجارة تحديدا هو التغلّب على العقبات الناجمة عن الأحكام القانونية التي قد لا تكون متنوّعة تعاقديا عن طريق معاملة المعلومات الورقية والإلكترونية معاملة متساوية. وهذه المساواة في المعاملة مقوّم أساسي للتمكّن من استخدام الخطابات اللاورقية، مما يعزّز من الكفاءة في التجارة الدولية.
[14] أنظر المادة 27 من القانون 24.96 التي تنص على: ”تحدث لدى الوزير الأول مؤسسة عامة تحت اسم ” الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات ” تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي.
تخضع الوكالة لوصاية الدولة ويكون الغرض من هذه الوصاية ضمان تقيد الأجهزة المختصة للوكالة بأحكام هذا القانون وخاصة كل ما يتعلق بالمهام المسندة إليها”.
[15] القانون رقم 96.24 المتعلق بالبريد و المواصلات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 162.97.1 بتاريخ 2 ربيع الأخر 1418 (7 أغسطس 1997).
[16] القانون رقم 01.55 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 96.24 المتعلق بالبريد والمواصلات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 154.04.1 بتاريخ 21 من رمضان 1425( 4 نوفمبر 2004).
[17] أنظر المادة 32 من القانون 24.96 التي غيرت وتممت بمقتضى المادة 01 من القانون رقم 121.12 التي تنص: ”تتألف أجهزة الإدارة والتدبير للوكالة الوطنية لتقنين المواصلات من مجلس إدارة ولجنة تدبير ولجنة مخالفات ومدير”.
[18] تنص المادة 35 من القانون 24.96 على ما يلي: ” تساعد مجلس الإدارة لجنة تدبير تتداول في المسائل التي حصلت بشأنها على تفويض من المجلس المذكور، وخاصة تلك المتعلقة بالبت في نزاعات الربط البيني المشار إليها في المادة 8 أعلاه.
يتم تعيين أعضاء لجنة التدبير من طرف مجلس الإدارة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد”.
[19] أنظر الفقرتين 11 و 12 من القانون 24.96 التي تنصان على ما يلي ”… اقتراح النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة باستعمال أسماء مجال الأنترنيت ( نقطة ma ) المشار إليها برمز «ma. » و «المغرب .» على الحكومة و التي تمكن من التعرف على عناوين الأنترنيت المطابقة للتراب الوطني.
تخصيص أسماء مجال الأنترنيت « ma.» و « المغرب . » وتحديد كيفيات تدبيرها الإداري والتقني والتجاري وفق شروط الشفافية وعدم التفضيل وتمثيل أصحاب هذه العناوين لدى الهيئات الدولية الحكومية أو غير الحكومية المكلفة بتدبير أسماء مجال الأنترنيت على الصعيد الدولي”.
المعلومة القانونية – بلال الشرقاوي
محامي متمرن بهيئة الدار البيضاء
وطالب باحث بماستر المعاملات الإلكترونية – سطات