بطلان إجراءات التحقيق في ضوء قانون المسطرة الجنائية المغربي – دراسة نظرية
إذا كانت القاعدة في المتهم البراءة عبارة عن قرينة قانونية، فهذا لا يحول دون تصنيف القرائن القانونية إلى صنفين، قرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس وقرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس، وقرينة البراءة هي من الصنف الأخير، أي أنها تقبل إثبات العكس بدحضها بأدلة إثبات يقينية يبنى عليها حكم قضائي.
فبوقوع الجريمة التي لها أثر سلبي على المجتمع، ينشأ حق الدولة في كشف مرتكبها الذي كان بفعله قد أخل بالنظام الأمني الإجتماعي، ولما كانت الدولة لا تستطيع أن تلجأ إلى تنفيذ العقاب مباشرة، فمن الضروري أن تلجأ إلى القضاء ليؤكد لها هذا الحق، واللجوء لهذا الأخير المبتغى منه هو العدل، فإذا كان استقرار المجتمع وأمنه يوجبان معاقبة الجاني، فإن هذا لا يعني سوى التيقن ابتداءا من أنه قد ارتكب الجريمة المتابع من أجلها، ومن ثم فإن لم يقم الدليل وانتفى وجوده تعين ترك أمر الجريمة للنسيان[1].
فلا يمكن تصور العدل بغير حق يرد عليه، ولا حق إلا إذا تأسس على حقيقة، هذه الأخيرة التي لا يتصور بلوغها تلقائيا أو دفعة واحدة، وإنما طبقا لقواعد معينة ووفق مراحل إجرائية متسلسلة، ابتداءا من البحث التمهيدي ومرورا إلى التحقيق الإعدادي وانتهاءا إلى مرحلة المحاكمة.
ويشكل التحقيق الإعدادي مرحلة وسطى في مسيرة الدعوى العمومية، وهو عبارة عن مرحلة تحضيرية للمحاكمة، هذه المرحلة التي يتم خلالهاالجمع والتنقيب على أدلة الدعوى نفيا وإثباتا، ثم اتخاذ قرار الترجيح بينهما في حيدة واستقلالية تامة.
ويعرف التحقيق الإعدادي في معناه الواسع بأنه تلك الإجراءات القضائية التي يقوم بها قاضي التحقيق على الوجه المحدد قانونا من أجل جمع الأدلة بخصوص الجريمة المقترفة وتمحيصها ومعرفة مدى كفاية الأدلة قصد إحالة المتهم على هيئة الحكم أو عدم إحالة المتهم في حالة عدم كفاية الأدلة للقيام بذلك.
وقد تضمن قانون المسطرة الجنائية المغربي على غرار باقي التشريعات الأخرى إجراءات وضوابط ومعايير محددة من أجل القيام بتحقيق نزيه وفي إطار قانوني معين، حيث في حالة عدم موافقة تلك الإجراءات للقانون فمصيرها البطلان.
ويعتبر البطلان جزاءا إجرائيا يترتب على عدم توافر العناصر اللازمة لصحة الإجراء ويقع على إجراء معين فيبطله كليا أو جزئيا إما بسبب إغفال عنصر يتطلب القانون توفره في الإجراء وإما لأن الإجراء قد بوشر بطريقة غير سليمة.[2]
وهذا فإن المغرب فلم يعرف نظرية البطلان كجزاء إجرائي إلا بعد صدور قانون المسطرة الجنائية في 10 فبراير 1959[3]، أما قبل صدور قانون المسطرة الجنائية فكانت تطبق أحكام الشريعة الإسلامية وكان يتم الحكم بعدم مشروعية الأدلة إذا ما تم التوصل إليها بطريقة مخالفة لأحكامها.
وقد اقتبس المشرع المغربي البطلان لأول مرة من قانون 8 دجنبر 1897 الفرنسي والتعديلات اللاحقة به حتى سنة 1958، وبالاطلاع على مقتضيات ظهير 10 فبراير 1959 الملغى يتبين أن المشرع المغربي أخذ بالبطلان القانوني[4] في الفصل 190 والبطلان الجوهري[5] في الفصل 765 منه، وبذلك يكون قد أخذ بالمذهبين معا، وترك للقضاء أمر تقرير أي مذهب من المذاهب سيتم إعماله وهو النهج نفسه الذي احتفظ به في قانون المسطرة الجنائية الصادر في 3 أكتوبر 2002[6]، حيث تم تكريس البطلان القانوني كأساس في المادة 751.
ومن تم، فهذا الموضوع يطرح العديد من الإشكاليات، إلا أن الإشكالية الرئيسية متمثلة في مدى تفعيل البطلان كجزاء إجرائي في قانون المسطرة الجنائية على خرق إجراءات التحقيق الإعدادي؟
وعليه، فلملامسة هذه الإشكالية سنعتمد التصميم الآتي:
المطلب الأول: من له الحق في إثارة بطلان إجراءات التحقيق
المطلب الثاني: آثار بطلان إجراءات التحقيق
المطلب الأول: من له الحق في إثارة بطلان إجراءات التحقيق
إن الحديث عن من له الحق في إثارة بطلان إجراءات التحقيق يستوجب علينا تقسيم ذلك إلى فقرتين، حيث نتناول في الأولى، من له الحق في إثارة البطلان أثناء سريان التحقيق، على أن نأتي في فقرة ثانية للحديث عن الجهات المخول لها إثارة البطلان بعد الانتهاء من التحقيق
الفقرة الأولى: من له الحق في طلب البطلان أثناء سريان التحقيق
أعطى المشرع المغربي لكل من قاضي التحقيق والنيابة العامة والمتهم والمطالب بالحق المدني والغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف الحق في إثارة بطلان عمل من أعمال التحقيق الإعدادي وذلك وفق المادة 211 من قانون المسطرة الجنائية.
1- قاضي التحقيق
تنص الفقرة الأولى من المادة 211 من ق.م.ج على أنه:” إذا ظهر لقاضي التحقيق أن إجراءا من إجراءات التحقيق معرض للبطلان، فعليه أن يحيله إلى الغرفة الجنحية للبت فيه بعد استشارة النيابة العامة وإخبار المتهم والطرف المدني”.
وهكذا فإن المشرع المغربي خول لقاضي التحقيق كلما تبين له أن إجراء من إجراءات التحقيق باطلا أن يرفع أمره إلى الغرفة الجنحية بقصد إلغاءه، وذلك بعد استشارته للنيابة العامة[7] وإخبار كل من المتهم والمطالب بالحق المدني بذلك.
وما يلاحظ هنا هو أن المشرع لم ينص عن طريقة إخبار المتهم والمسؤول المدني وما الجدوى من هذا الإخبار، هل هو الحصول على تنازل منهم عن الدفع بالبطلان؟ أو للتعقيب على هذا الإخبار؟ أو شيء آخر؟
هذه التساؤلات ستبقى معلقة إلى حين استقرار العمل القضائي على نهج أسلوب معين فى التعامل مع هذا النوع من الدفوع.
وإن كان بعض الفقه الفرنسي يعتبر أن قانون المسطرة الجنائية، يهدف من إخطار قاضي التحقيق للمتهم والمطالب بالحق المدني بوجود عيب إجرائي رغبة من قاضي التحقيق في الحصول عن تنازلهم عن البطلان [8].
وقد يثير قاضي التحقيق البطلان إما تلقائيا وإما بطلب من المتهم أو المطالب بالحق المدني، إلا أنه في الحالة الثانية غير ملزم بالاستجابة لطلب الأطراف، فإما أن يقبله ويثير البطلان وإما أن يرفضه، ولا يكون قرار الرفض قابلا للاستئناف أو النقض[9] .
وقاضي التحقيق حسب المادة 211 من ق.م.ج فهو يكتفي لإثارة البطلان بتقديم ملتمسه للنيابة العامة بإحالة الملف على الغرفة الجنحية وهو ما استقر عليه الفقه المغربي والفرنسي[10]
2- النيابة العامة
تنص الفقرة الثانية من المادة 211 من ق.م.ج على أنه:” إذا ظهر للنيابة العامة أو الطرف المدني أو المتهم أن إجراءا من إجراءات التحقيق مشوبا بالبطلان قد اتخذ، فلهم أن يطلبوا من قاضي التحقيق أن يوجه ملف الدعوى إلى النيابة العامة لإحالته إلى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف رفقة الطلب الذي يبينون فيه أسباب البطلان خلال خمسة أيام”.
مما يتضح معه أن المادة 211 من ق.م.ج أعطت للنيابة العامة حق إثارة بطلان إجراءات التحقيق، وأنه إذا تعلق الأمر بقاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف فإن الوكيل العام للملك هو الذي يطلب من قاضي التحقيق الاطلاع على الملف، ويحيله على الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف التي يعود لها الاختصاص [11].
أما إذا تعلق الأمر بقاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية، فإن إثارة بطلان إجراءات التحقيق تكون لوكيل الملك لدى هذه المحكمة الذي يحيله إلى النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف التي تحيله على الغرفة الجنحية، وذلك داخل أجل خمسة أيام من تاريخ التوصل.
وتكون هذه المسطرة كتابية عن طريق طلب تبين فيه أسباب البطلان كما يظهر ذلك من خلال مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 211 المذكورة أعلاه.
ويمكن القول أن إعمال هذه الضمانة بالنسبة للنيابة العامة أمر مهم إذا نظرنا إلى النيابة العامة كجزء من الهيئة القضائية، وكجهاز من مهامه الأساسية حماية الشرعية، إلا أن هذا يبقى محل نظر، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن النيابة العامة لا تمارس وظيفتها وفق معايير قانونية صرفة، بل تدخل في اعتبارها دائما المصلحة العامة وأنها سلطة اتهام وأداة لتنفيذ السياسة الجنائية للحكومة.
3- الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف
تعتبر الغرفة الجنحية هيئة قضائية تابعة لمحكمة الإستئناف، ولها اختصاصات متعددة حصرتها المادة 231[12] من قانون المسطرة الجنائية، ومن أهمها النظر في بطلان إجراءات التحقيق، ورغم أن المشرع خول لكل من قاضي التحقيق والنيابة العامة الحق في إثارة البطلان بمقتضى المادة 211 من ق.م.ج، فإنه خول للغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف إمكانية مراقبة صحة إجراءات التحقيق التي تقررت ضمانا لحرية المتهم وحقوقه في الدفاع.
وتجدر الإشارة إلى أن الغرفة الجنحية لا تعتبر درجة ثانية من درجات التحقيق إلا أنها تضع يدها على ملف التحقيق بطريقتين:
الأولى: عندما يرفع إليها ملف التحقيق بصفتها درجة استئنافية لأوامر قاضي التحقيق لا يجوز في قانون المسطرة الجنائية ما ينص صراحة على السماح للغرفة الجنحية بتقرير البطلان تلقائيا أثناء نظرها في استئناف أحد أوامر قاضي التحقيق.
فهل تخضع الغرفة الجنحية لمبدأ التقيد بموضوع الطعن المقدم إليها، فلا تتعداه إلى إثارة أسباب أخرى مادام صاحب المصلحة في الطعن لم يثره، وهو ما سنجيب عنه في ختام هذه النقطة.
الثانية: عندما يلتمس قاضي التحقيق أو النيابة العامة أو يتقدم المتهم أو المطالب بالحق المدني بطلب إبطال إجراء من إجراءات التحقيق طبقا للمادة 211 من ق.م.ج، هنا يطرح تساؤل عما إذا كانت الغرفة الجنحية ملزمة بأن تدقق في الطلب المرفوع إليها ببطلان إجراء من إجراءات التحقيق، أم تتعداه لفحص جميع الإجراءات، وتثير تلقائيا بطلان كل إجراء غير مشروع.
إذا ما قارنا الفقرة الأخيرة من المادة 211 من ق.م.ج والتي تنص على أنه:”… تقرر هذه الغرفة (أي الغرفة الجنحية) ما إذا كان يجب أن يقتصر على الإجراء المقصود أو يمتد كلا أو بعضا للإجراءات اللاحقة”، والمادة 227 من ق.م.ج التي تنص على أنه:” لا يمكن إثارة الدفع ببطلان إجراءات التحقيق بعد صدور قرار الغرفة الجنحية القاضي بالإحالة على هيئة الحكم”. يمكننا القول أن للغرفة الجنحية الحق في إثارة البطلان تلقائيا، سواء بناء على ملتمس قاضي التحقيق أو النيابة العامة أو بناء على طلب بطلان إجراء من إجراءات التحقيق المقدم من طرف المتهم أو المطالب بالحق المدني أو بناء على استئناف أحد الأطراف، حيث أن ملف التحقيق (أو نظير منه) يوضع بكامله رهن إشارة هذه الغرفة، لذلك لا يمكنها أن تقتصر على ما يطلب منها، بل تتعداه إلى مراقبة الملف بكامله، نظرا لكون قراراتها تطهر إجراءات التحقيق
4- أحقية المتهم والمطالب بالحق المدني في الدفع ببطلان إجراءات التحقيق
- في التشريع المقارن
بالرجوع إلى بعض التشريعات المقارنة نجد المشرع الجزائري لم يخول للمتهم والمطالب بالحق المدني حق التمسك بالبطلان مادام ملف القضية موجود بين يدي قاضي التحقيق[13] .
ونرى أن عدم تمكين المتهم والمدعي المدني من إثارة البطلان والتمسك به أمام قاضي التحقيق أو غرفة الإتهام من قبل المشرع الجزائري يشكل مساسا بحقوق الدفاع، بل وعدم مساواة بين الأطراف، خاصة إذا علمنا أن النيابة العامة تستطيع ممارسة هذا الحق متى تريد، وما يزيد الأمر تعقيدا أن المشرع الجزائري أجاز للأطراف التنازل عن البطلان دون الحق في طلبه، وهو ما يشكل تناقضا واضحا ضمن مقتضيات قانون الإجراءات الجزائية الجزائري يجب إعادة النظر فيه.
أما بالنسبة للمشرع الفرنسي فإنه كان هو الآخر لا يقر بحق المتهم والطرف المدني في الدفع بالبطلان في إجراءات التحقيق أمام غرفة الاتهام، إلا أنه قد عدل عن موقفه وفسح المجال أمامهما للطعن بالبطلان، وذلك إثر تعديل قانون الإجراءات الجنائية بموجب قانوني 4 يناير و12 غشت [14]1993 .
وبذلك وازنت قوانين 1993 بين كل الاعتبارات وأعطت لكل من المتهم والطرف المدني إمكانية إثارة البطلان مباشرة أمام غرفة الإتهام وبضمانات جد هامة، وذلك خلال التحقيق أو خلال عشرين يوما بعد إشعار الأطراف بانتهاء التحقيق بحيث لا تبقى إمكانية لإثارة البطلان بعد ذلك[15] .
- التشريع المغربي
لقد أصبح في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديد في مادته 211 لكل من المتهم والمطالب بالحق المدني أن يطعنا بالبطلان في أي إجراء اتخذه قاضي التحقيق، بعد أن كان الفصل 191 من ق.م.ج الملغى لا يمنحه هذه الإمكانية، وحسنا فعل المشرع المغربي بتبنيه ما ذهب إليه المشرع الفرنسي في تعديله لسنة 2003 للفصل 173 من ق.إ.ج.ف[16] وذلك عندما قام بتوسيع دائرة من لهم إمكانية إثارة بطلان إجراءات التحقيق وجعلها تشمل المتهم والطرف المدني، وبنفس الشروط التي تمارس بها النيابة العامة هذه المهمة، محاولا بذلك إقامة نوع من المساواة بين أطراف الدعوى.
إلا أن هذا الاختيار لا يبدو حاسما ومبنيا على قناعة ثابتة، حيث لم يسمح للمتهم ولا الطرف المدني صراحة أن يتوجه بطلبه الرامي إلى إبطال إجراء التحقيق غير الصحيح مباشرة أمام الغرفة الجنحية، بل عليه أن يطلب من قاضي التحقيق أن يوجه الملف رفقة الطلب إلى النيابة العامة لتحيلهما معا إلى الغرفة الجنحية، ولم توضح مقتضيات قانون المسطرة الجنائية الذي يترتب على إغفال قاضي التحقيق أو النيابة العامة إحالة الطلب أو امتناعها عن ذلك، كما أنها لم تحدد أجلا للغرفة الجنحية للبت في الطلب، واكتفت بتحديد أجل خمس أيام للنيابة العامة لإحالة الملف على الغرفة الجنحية، إذ كان على المشرع المغربي أن يكون حاسما في اختياره مثل نظيره الفرنسي الذي خول للمتهم إمكانية إثارة البطلان مباشرة أمام غرفة الإتهام، وعليه فقط أن يوجه لقاضي التحقيق نسخة من الطلب، كما حدد لغرفة الإتهام ثمانية أيام كأجل للبت في الطلب المرفوع إليها بقرار غير قابل للطعن بقبول الملف أو عدم قبوله.
الفقرة الثانية: الجهة المختصة في إثارة البطلان بعد ختم التحقيق الإعدادي
تنحصر الجهة المختصة في إثارة البطلان بعد ختم التحقيق الإعدادي في:
أولا: أطراف الدعوى
إذا ما أعلن قاضي التحقيق ختم إجراءات التحقيق وصدر قرار الإحالة وفق المادة 218[17]، فإن إثارة بطلان أحد الإجراءات يبقى في متناول جميع الأطراف، وأطراف الدعوى هم النيابة العامة والمتهم والمطالب بالحق المدني، وقد نصت المادة 324 من ق.م.ج في فقرتها الأولى على هذه الإمكانية بقولها:” إذا أثير البطلان في غير الأحوال المشار إليها في المادة 227 من ق.م.م أعلاه، فيمكن للمحكمة المحالة عليها القضية، بعد الاستماع إلى النيابة العامة والأطراف، أن تصدر حكما بإبطال الوثائق التي تعتبرها مشوبة بالبطلان”.
وقد جاءت هذه المادة بصياغة عامة تتحدث عن المحكمة المحال عليها القضية أي تشمل المحكمة الابتدائية، وغرفة الجنايات، كما جاءت عامة من حيث من له الحق في إثارة البطلان حيث ابتدأت بعبارة “إذا أثير”، وهذا يعني أن لجميع الأطراف حق إثارة البطلان أمام محكمة الموضوع.
وبالرجوع إلى الفقرة الأخيرة من المادة 139 من ق.م.ج والتي تنص على أنه “إذا نص محضر الاستنطاق أو المواجهة أو الاستماع على حضور المحامي وعدم دفعه بأي إخلال يتعلق بالاستدعاء أو بالاطلاع على ملف القضية فإنه لا يجوز للمحامي أو للطرف المدني الذي يمثله أن يثير الدفع فيما بعد” .
ويستنتج من هذه المادة أن المتهم أو المحامي الذي يؤازره والمسؤول المدني أو المحامي الذي ينوب عنه، إذا أرادوا الدفع بأي إخلال يتعلق بالاستدعاءات أو بالاطلاع على ملف الضحية فإن ذلك يجب أن يتم أثناء الاستنطاق أو المواجهة أو الاستماع ولا يمكنهما إثارة بطلان الاستدعاء أو عدم احترام قواعد الاطلاع على ملف التحقيق أمام هيئة الحكم، وإمكانية الدفع بالبطلان تبقى مفترضة في حالة عدم حضور المحامي للاستنطاق أو المواجهة او الاستماع ليس إلا.
ويبقى الاتجاه الذي سار عليه المشرع في المادة 139 اتجاها صائبا، بحيث أنه حسن في مسألة الدفع بالإخلال المتعلق بالاستدعاء أو الاطلاع وذلك تحديد الوقت الذي يجب أن يتم فيه الدفع بالبطلان، وهو ما من شأنه أن يمكن من تصحيح المسطرة في بدايتها دون أي تأخير يضر بمصلحة الأطراف أو حسن سير العدالة.
ثانيا: محاكم الموضوع
لقد سبق وأشرنا بأن صياغة المادة 324 من ق.م.ج جاءت عامة، وبالتالي فهي تشمل محاكم الابتدائية وغرفة الجنايات.
وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 324 من ق.م.ج نجد أن الفقرة الأولى منها تنص على أن:”… فيمكن للمحكمة المحالة عليها القضية، بعد الاستماع إلى النيابة العامة والأطراف أن تصدر حكما بإبطال الوثائق التي تعتبرها مشوبة بالبطلان”.
وجاء في الفقرة الأخيرة من هذه المادة:”… فإن المحكمة تأمر بإجراء تحقيق تكميلي إذا ارتأت أنه بالإمكان تدارك…”.
كذلك نصت الفقرة الثالثة من هذه المادة على أن:” يمكن للأطراف أن يتنازلوا عن التمسك بالدفع بالبطلان إذا لم يكن مقررا إلا لمصلحتهم فقط…”.
وهو ما يفيد بمفهوم المخالفة أنه متى تعلق البطلان بالنظام العام[18] فلا يمكن للأطراف التنازل عليه ويتعين على المحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها.
فمحاكم الموضوع تكون هي المختصة بتقرير البطلان كلما كانت لها صلاحية البت في ملف القضية.
إلا أن المشرع قيد سلطة محاكم الموضوع في البت في طلبات البطلان المقدمة إليها بمقتضى المادة 227 من ق.م.ج أي أنه لا يجوز لمحكمة الموضوع قبول الدفع ببطلان إجراءات التحقيق بعد صدور قرار الغرفة الجنحية القاضي بالإحالة على هيئة الحكم، وهو ما يعني بمفهوم المخالفة أنه يجوز قبول الدفع بالبطلان في غير هذه الحالة.
ثالثا: الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف
تتكون الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف[19] طبقا للمادة 231 من ق.م.ج من الرئيس الأول أو من ينوب عنه، ومن مستشارين اثنين بحضور ممثل النيابة العامة وكاتب الضبط وتختص بالنظر في:
– طلبات الإفراج المؤقت المقدمة إليها مباشرة طبقا لمقتضيات الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة 179، وفي تدبير الوضع تحت المراقبة القضائية المتخذة طبقا للمادة 160.
– طلبات بطلان إجراءات التحقيق المنصوص عليها في المواد من 210 إلى 213.
– في الاستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاضي التحقيق طبقا للمادة 222 وما يليها.
– كل إخلال منسوب لضابط من ضباط الشرطة القضائية خلال مزاولته لمهامه طبقا لما هو منصوص عليه في المواد من 29 إلى 35 من هذا القانون .
وبذلك فالغرفة الجنحية حسب هذه المادة تختص بالنظر في طلبات البطلان في مناسبتين.
الأولى: في طلبات البطلان الموجهة ضد إجراءات التحقيق أثناء سريانه طبقا للمواد من 210 إلى 213 من ق.م.ج.
والثانية: عند النظر في الاستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاضي التحقيق.
وقد أعطى المشرع لقرارات الغرفة الجنحية قوة تطهيرية لإجراءات قاضي التحقيق مما قد يشوبها من عيوب طبقا لما نصت عليه المادة 227 ق.م.ج.
المطلب الأول: آثار البطلان
إذا قررت الجهة المختصة، ببطلان إجراء بسبب خرقه للمقتضيات المنصوص عليها في المادة 210[20] و212[21] من قانون المسطرة الجنائية، فإنه يعود لها تقرير ما إذا كان البطلان يقتصر على الإجراء ذاته (الفقرة الأولى)، أم يسري على كل من الإجراءات السابقة وكذا اللاحقة عليه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أثر البطلان على الإجراء ذاته
يترتب على الحكم بالبطلان تجريد الإجراء الباطل من آثاره القانونية فيصبح كأن لم يكن وتهدر القيمة القانونية لهذا الإجراء، ويصبح كأن لم يباشر ولا يترتب عليه أثر قانوني، ويتعين إهدار الدليل المستمد منه.
وبذلك فإنه متى تقرر بطلان إجراء معين، فإنه لا يترتب عليه قطع التقادم، على اعتبار أن قطع التقادم أثر قانوني لا يترتب إلا على إجراء صحيح[22] .
كما أن الدليل الناتج عن الإجراء الباطل لا يمكن أن يشكل وسيلة إثبات وقد نصت معظم التشريعات الجنائية على أثر البطلان على الإجراء ذاته، فنص المشرع الفرنسي في الفصل 174 ق.إ.ج.ف على أنه لغرفة الإتهام أن تقضي ببطلان الإجراء وحده أو تمدده إلى الإجراءات اللاحقة، وهو ما نص عليه المشرع المصري أيضا في المادة 336 من ق.إ.ج.م بأنه:” إذا تقرر بطلان أي إجراء فإنه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة، ولزم إعادته متى أمكن ذلك”.
وقد تبنى المشرع المغربي نفس نهج المشرع الفرنسي والمصري بتنصيصه على آثار البطلان وذلك في المواد 210 و211، 212، 213، 239، 324 ق.م.ج، حيث أعطى لمحاكم الموضوع وللغرفة الجنحية الحق في أن تقصر البطلان على الإجراء ذاته فقط، فتسحبه من المناقشات، وتأمر بحفظه في كتابة الضبط أو أن تمده لباقي الإجراءات اللاحقة.
يترتب إذن البطلان على الإجراء المعيب في حد ذاته، وهو إما أن يقتصر على الإجراء الذي تنطبق عليه القاعدة القانونية التي أصدرت، أو يمتد إلى الإجراءات الأخرى اللاحقة.
ويرجع ذلك إلى مدى تطبيق القاعدة القانونية التي كان جزاءا على مخالفتها، فإن كانت قاصرة على إجراء واحد كان وحده باطلا ، ومن أمثلة ذلك بطلان أقوال الشاهد وبطلان عمل الخبير الذي لم يحلف اليمين.[23]
وإذا كان المبدأ تقرير بطلان الإجراء المعيب يجرده من أي أثر قانوني، فهل يمكن أن يمتد هذا الأثر إلى الإجراءات السابقة عليه.
الفقرة الثانية: أثر البطلان على الإجراءات السابقة والإجراءات اللاحقة عليه
أولا: أثر البطلان على الإجراءات السابقة
لا يمس الحكم ببطلان الإجراء المعيب الإجراءات السابقة عليه، بل تبقى هذه الإجراءات صحيحة منتجة لآثارها الوظيفية المرحلية ، أي أن بطلان عمل إجرائي معين لا أثر له على الإجراءات السابقة عليه متى تمت صحيحة في ذاتها، إذ هي مستقلة عنه، فليس الإجراء الذي تقرر بطلانه من عناصرها، ومن تم تبقى منتجة لجميع آثارها.
فمثلا بطلان الحكم لانعدام التعليل لا يترتب عليه بطلان إجراءات المحاكمة متى تمت صحيحة قبل الإجراء الباطل ودون التأثر به.
ومن خلال مقتضيات قانون المسطرة الجنائية يلاحظ أن المشرع المغربي شأنه في ذلك شأن المشرع الفرنسي والمصري لم يرتب أي أثر في حالة بطلان الإجراء المعيب على الإجراءات السابقة عليه عكس ما فعل بالنسبة للآثار المترتبة على الإجراء اللاحق.
إلا أن هذه القاعدة غير مطلقة فقد يمتد أثر البطلان إلى الإجراءات السابقة إذا توافر نوع من الارتباط بينها وبين الإجراء الباطل، وهي أن تعتبر الإجراء الباطل تكملة ضرورية أو جزء لا يتجزأ عن الإجراءات السابقة عليه[24] .
ومن الأمثلة على ذلك، بطلان أمر الإحالة الصادر من قاضي التحقيق إلى الجهة المحال عليها متى تبث خلو أمر الإحالة من تحديد التهمة المتابع من أجلها المتهم، ففي هذه الحالة يمتد البطلان إلى محضر الاستنطاق الذي أجراه قاضي التحقيق، طالما أن الاستنطاق قد تم بناءا على التهمة المجهولة في أمر الإحالة[25] .
ومن تم يتبين أن الإجراء الباطل وإن كان ليس له تأثير على الإجراءات السابقة وبالتالي لا تتأثر به كقاعدة عامة، فإن هذه الإجراءات رغم كونها سابقة قد يمتد إليها البطلان إذا توافر نوع من الارتباط بينها وبين الإجراء الباطل.
وفي غير حالات الارتباط هذه فالقاعدة هي أن بطلان الإجراء لا يتعداه إلى الإجراءات السابقة عليه والتي وقعت صحيحة.
ولقد حاول أحد الفقهاء[26] وضع معيار للاستهداء به في القول بوجود ذلك الارتباط بين الإجراء الباطل والإجراء السابق يرتكز أساسا على التسليم بوجود تلك الرابطة متى كان الإجراء الباطل يعتبر تكملة ضرورية أو جزء لا يتجزأ عن الإجراءات السابقة عليه.
ويبقى للجهة المقدم أمامها الدفع ببطلان الإجراء المعيب، وكذا الإجراءات السابقة عليه، النظر في الارتباط القائم بينهما، وأن تقدر ذلك، وتعتبر هذه المسألة مسألة موضوع لا رقابة للمجلس الأعلى عليها.
وإذا كان المشرع المغربي قد سكت عن آثار بطلان الإجراء على الإجراءات السابقة، فإنه حدد كيفية التعامل مع آثار البطلان على الإجراءات اللاحقة.
ثانيا: أثر البطلان على الإجراءات اللاحقة
إن بطلان الإجراء المعيب لا يؤدي إلى إهدار قيمته القانونية وحسب، بل يؤدي كذلك إلى إبطال الإجراءات الأخرى اللاحقة به متى كانت هذه الإجراءات مترتبة على الإجراء المعيب ومرتبطة به ارتباطا مباشرا ، ويعتبر ذلك تطبيقا للمبدأ المعروف “ما يبنى على باطل فهو باطل”.
وبذلك فإن بطلان الإجراء يمتد إلى الإجراءات اللاحقة به والتي تكون مرتبطة به، بمعنى أن يكون الإجراء الباطل ضروريا لصحة العمل اللاحق أو منشئا له، بحيث لولا الإجراء الباطل لما وقع الإجراء اللاحق، وبالتالي فكلما كان العمل السابق ضروريا وشرطا لصحة العمل اللاحق إلا وتترتب على بطلانه بطلان هذا العمل.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد تتوالى الإجراءات بعد الإجراء المشوب بالبطلان، فتكون كلها مبنية عليه ومرتبطة به فتبطل جميعها، لأنها إجراءات لاحقة لإجراء الباطل، وقد تتوالى بعدها عدة إجراءات دون أن تكون مبنية عليها مباشرة، إذ يكون كل واحد منها مبنيا على من سبقه، وأثر البطلان ينصرف هنا إلى الإجراءات كلها لأن بطلان الإجراء الأول يمتد أثره للإجراء الذي يليه مباشرة باعتباره مترتبا عليه فيجعله باطلا، وهذا الأخير يحدث أثره فيما يليه إلى أن نصل إلى الإجراء الأخير [27].
أما إذا كانت الإجراءات الموالية للإجراء الباطل غير مبنية عليه أو على بعضها البعض فلا يترتب بطلانها نظرا لاستقلالها.
وقد نظم المشرع المغربي شأنه شأن المشرع الفرنسي والمصري آثار البطلان على الإجراءات اللاحقة بنصوص واضحة.
فبالنسبة للمشرع المصري فإنه وبالرجوع إلى المادة 336 من ق.إ.ج.م نجدها تنص على أنه إذا تقرر بطلان أي إجراء فإنه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة أما بالنسبة للمشرع الفرنسي فقد كان قبل تعديل 4 يناير و24 غشت 1993 يميز في ترتيب البطلان على الإجراءات اللاحقة بين قواعد قانونية دون أخرى، فقد كان الفصل 170 من ق.إ.ج.ف يخص القواعد المتعلقة باستجواب المتهم والمنظمة في الفصول 114 و118 بإلزامية ترتيب البطلان على الإجراءات اللاحقة على الاستجواب الباطل. بينما كان الفصل 172 من ق.إ.ج.ف –الذي يهم الإجراءات الأخرى غير الاستجواب- يسمح لغرفة الإتهام أن تحدد بكل حرية اقتصار البطلان على الإجراء المعيب وحده أو امتداده إلى الإجراءات اللاحقة عليه .
أما بعد تعديلات 1993 فقد تم إلغاء هذا التمييز بين الإجراءات وأصبح الفصل 174 من ق.إ.ج.ف في فقرته الثانية ينظم هذه المسألة بصفة عامة بالنسبة للتحقيق الإعدادي حيث يقرر أن لغرفة الاتهام سلطة تحديد بطلان الإجراءات اللاحقة أو الاقتصار على الإجراء المعيب، فنطاق البطلان في التشريع الفرنسي ترك تحديده لتقدير غرفة الاتهام تحت رقابة محكمة النقض.
هذا بالنسبة لغرفة الاتهام أما بالنسبة لمحكمة الموضوع فإنها عند نظرها في بطلان أعمال التحقيق تملك ثلاث احتمالات، فإما أن تحدد البطلان في الإجراء المعيب أو تمدده إلى الإجراءات اللاحقة أو أن تبطل المسطرة بأكملها .
هذا عن موقف التشريعين المصري والفرنسي، أما بالنسبة للتشريع المغربي، فإنه نظم آثار البطلان اللاحق بإجراءات التحقيق الإعدادي في المادة 211 من ق.م.ج في فقرتها الأخيرة، حيث تنص على أنه:” تقرر هذه الغرفة[28] ما إذا كان يجب أن يقتصر البطلان على الإجراء المقصود أو يمتد كلا أو بعضا للإجراءات اللاحقة”، كما نص في المادة 324 من ق.م.ج على إمكانية تمديد بطلان الإجراء إلى بطلان الإجراءات اللاحقة من طرف محاكم الموضوع إذ نصت في الفقرة الأخيرة منها على أنه:” إذا أدى بطلان الإجراء إلى بطلان الإجراءات اللاحقة كلا أو بعضا فإن المحكمة تأمر بإجراء تحقيق تكميلي إذا ارتأت أنه بالإمكان تدارك البطلان، وفي حالة العكس تحيل المحكمة القضية إلى النيابة العامة، وتبث علاوة على ذلك وعند الاقتضاء في شأن الاعتقال الاحتياطي أو المراقبة القضائية”.
ويلاحظ أن المشرع المغربي أعطى للغرفة الجنحية ومحاكم الموضوع سلطة تقديرية في تحديد ما إذا كان يجب إبطال الإجراء المعيب فقط أو تمديد آثار البطلان ليشمل الإجراءات اللاحقة عليه كلا أو بعضا.
وقد استقر المجلس الأعلى[29] (محكمة النقض حالية) على إبطال الإجراءات اللاحقة للإجراء الباطل المرتبطة به وهكذا فقد حدد القانون في المادتين 211 و324 ق.م.ج كيفية التعامل مع الوثائق المحكوم بإبطال إجراءاتها، حيث تأمر بسحبها من المناقشات وتأمر بحفظها في كتابة الضبط، ويمنع الرجوع إليها لاستخلاص أجلة ضد الأطراف في الدعوى، تحت طائلة متابعات تأديبية في حق القضاة والمحامين، كما تنص على ذلك المادة 213 من ق.م.ج.
خاتمة
وختاما يمكن القول بأن موضوع البطلان له أهمية بالغة في استظهار القيمة العلمية لقواعد قانون المسطرة الجنائية، ذلك أن هذا الموضوع له اتصال وثيق بمختلف قواعد المسطرة الجنائية، وفي جميع مراحل الدعوى الجنائية.
كما يعتبر من أهم الدفوع الإجرائية، فهو أساس حق الدفاع أمام القضاء، ذلك أن المشرع أتى بمجموعة من النصوص لضمان احترام القانون ولما كانت هذه القواعد تمس حقوق وحريات الأفراد فإنه كان من اللازم إحاطتها بقيود وشكليات تكفل حمايتها، حتى لا يتم المساس بها خارج الحدود المسموح بها قانونا، ومن ثم إذا وقع الإخلال بهذه القيود والشكليات فإن ذلك يجب أن يترتب عليه البطلان.
بيبليوغرافي
[1] أحمد فتحي سرور، “نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية”، مكتبة النهضة المصرية، السنة 1989، ص 72.
[2] إدريس الحياني، “نظرية البطلان في القانون المسطري المغربي، دراسة تحليلية في قانوني المسطرتين المدنية والجنائية”، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2002- 2003، ص: 23
[3] ظهير شريف رقم 1.58.261 المؤرخ في 1 شعبان (10 فبراير 1959).
[4] يقصد بالبطلان القانوني أن القانون هو الذي يتولى وحده دون غيره تحديد حالات البطلان مسبقا جزاءا لعدم مراعاة القواعد الإجرائية التي نص عليه القانون، فدور القاضي في هذا المذهب تقريري إذ لا يجوز له أن يحكم بالبطلان إلا في الحالات التي أوردها القانون على سبيل الحصر، ولا يملك أن يجتهد في ذلك. ومن حالات البطلان القانوني في قانون المسطرة الجنائية نجد المادة 63 من ق.م.ج حيث نص المشرع على بطلان جميع الإجراءات المعيبة، وما قد يترتب عنها من إجراءات في حالة مخالفة شكليات التفتيش، ورتبت المادة 210 من ق.م.ج البطلان على مخالفة مقتضيات المواد 134 و135، 59، 60، 62، 101، 139.
[5] مؤدى هذه النظرية أن الحكم ببطلان إجراء ما ليس متوقفا بالضرورة على النص القانوني الذي يقرر البطلان، ولكن للقضاء سلطة تقديرية في الحكم ببطلان الإجراء إذا خالف قاعدة جوهرية من قواعد قانون المسطرة الجنائية.
[6] ظهير شريف رقم 1.02.255 صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 27 ذي القعدة 1423 (30 يناير2003)، ص 315.
[7] الوكيل العام للملك إذا تعلق الأمر بقاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف ووكيل الملك إذا تعلق الأمر بقاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية.
[8] – Jean Bouchot, « Analyse et commentaire du code de procédure pénal, Librairie de la cour de cassation, Paris, 1958, p 114.
[9] محمد عياط، “دراسة في قانون المسطرة الجنائية المغربية”، الجزء الثاني، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى، السنة 1991، ص 163.
[10] عبد الواحد العلمي، “شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية”، الجزء الثاني، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، السنة 2018، ص 143.
[11] إدريس طارق السباعي، “قانون المسطرة الجنائية بين النظرية والتطبيق”، مطبعة الصومعة، الدار البيضاء، (بدون طبعة)، السنة 1990، ص 54.
[12] تنص المادة 231 على ما يلي: “تنظر الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف وهي مكونة من الرئيس الأول أو من ينوب عنه ومن مستشارين اثنين بحضور ممثل النيابة العامة وكاتب الضبط:
أولا: في طلبات الإفراج المؤقت المقدمة إليها مباشرة طبقا لمقتضيات الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة 179، وفي تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية المتخذة طبقا للمادة 160؛
ثانيا: في طلبات بطلان إجراءات التحقيق المنصوص عليها في المواد 210 إلى 213؛
ثالثاً: في الاستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاضي التحقيق طبقا للمادة 222 وما يليها؛
رابعاً: في كل إخلال منسوب لضابط من ضباط الشرطة القضائية خلال مزاولته لمهامه طبقاً لما هو منصوص عليه في المواد من 29 إلى 35 من هذا القانون”.
[13] عمر أبو الطيب، “التحقيق الإعدادي على ضوء التغييرات المدخلة بمقتضى ظهير 28 شتنبر 1974″، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، الرباط، السنة الجامعية، 1977-1978، ص 161.
[14] George Levasseur, Jean Montrevil, « Droit pénal général et procédure pénal », 11 édition, 1994, p 223
[15] شادية شومي، “حقوق الدفاع خلال مرحلة ما قبل المحاكمة في النظام الجنائي المغربي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2002-2003، ص 589.
[16] – قانون 2.93 بتاريخ 24 يناير 1993، وقانون 93-1013 بتاريخ 24 غشت 1993.
[17] جاء في المادة 218 ما يلي: إذا تبين لقاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف أن الأفعال تكون جناية، أصدر أمرا بإحالة المتهم على غرفة الجنايات.
يجب أن يتضمن هذا الأمر هوية المتهم وبيان الأفعال الجرمية وجميع الظروف التي من شأنها أن تشدد أو تخفف العقوبة، وينص كذلك على الوصف القانوني للجريمة مع الإشارة إلى النصوص المطبقة.
لا يمكن الطعن في الأمر المذكور إلا بالنقض وفق الشروط المنصوص عليها في المادتين 523 و 524.
يحيل قاضي التحقيق ملف القضية على الوكيل العام للملك من أجل الاستدعاء طبق الشروط المنصوص عليها في المادتين 419 و420 من هذا القانون.
يبقى الأمر الصادر بإلقاء القبض على المتهم أو بإيداعه في السجن قابلا للتنفيذ إلى أن يصبح مقرر هيئة الحكم مكتسباً لقوة الشيء المقضي به.
يبت قاضي التحقيق بشأن الوضع تحت المراقبة القضائية.
إذا تعلق الأمر بجنحة أو مخالفة، أصدر قاضي التحقيق أمراً بالإحالة على المحكمة المختصة وبت في شأن الاعتقال الاحتياطي والوضع تحت المراقبة القضائية.
[18] لم يعرف المشرع المغربي البطلان المتعلق بالنظام العام، شأنه في ذلك شان المشرع الفرنسي، وعلى خلاف المشرع المصري ، وحسنا فعل، إذ أن تحديد ما يتصل مباشرة بالنظام العام وما لا يتصل به يخرج عن نطاق المشرع، فالمشرع لا يمكن له أن يحدد مقدما حالات البطلان المتعلق بالنظام العام، ويحصر ما يتعلق بالنظام العام، لكون هذا الأخير فكرة مرنة تختلف من زمان لآخر ومن مكان لآخر، بل يجب ترك ذلك للاجتهاد القضائي الذي يحدد مدى تعلق الأمر بالنظام العام في كل حالة على حدة بناءا على نوع المصلحة التي يرمي إلى حمايتها من القاعدة الإجرائية، مع مراعاة مبدأ جوهرية الإجراء أو تعلقه بحق عام أو بمبدأ حسن سير العدالة. وأما القضاء المغربي، فيكتفي بالإشارة إلى أن الإجراء من النظام العام، ويقضي ببطلانه، وهو يعتمد على نفس العبارة كلما تعلق الأمر بالنظام العام، وتتمثل في الحيثية التي تقول بأن “تشكيل المحاكم من النظام العام وأن كل حكم يجب أن يتضمن الحجة على أن المحكمة التي أصدرته كانت مشكلة بصفة قانونية”
وأمام الغموض الحاصل على مستوى التشريع والاجتهاد القضائي، فإنه يتعين معرفة موقف الفقه من البطلان المتعلق بالنظام العام.
فقد عرفه محمد نجيب حسني بأنه البطلان الذي يترتب على مخالفة القواعد الخاصة بالإجراءات الجوهرية المتعلقة بالنظام العام .
كما عرفه Pierre CHAMBON بأنه ذلك البطلان الذي يمس اختصاص المحاكم وقواعد التنظيم القضائي وإدارة العدالة
فهذه التعاريف وغيرها التي لم نذكرها تتمحور حول مخالفة العمل الإجرائي للمبادئ الأساسية للقانون وكذا قواعد التنظيم القضائي.
ويعزى عدم الوضوح إلى تعلق هذا البطلان بفكرة النظام العام، ومدى نسبية هذا المفهوم وعدم التمكن من تحديد نطاقه والمقصود به، لذلك فقد التجأ الفقه إلى ضابط يتحدد على أساسه مدى تعلق البطلان بالنظام العام.
إلا أن الفقه اختلف في تحديد المعيار أو الضابط الذي يحدد على أساسه مدى تعلق البطلان بالنظام العام، فذهب البعض إلى أن هذا الضابط يتمثل في نوع المصلحة التي تحميها القاعدة الإجرائية فإن كانت مصلحة عامة كان البطلان المترتب عن مخالفتها متعلقا بالنظام العام، وإن كانت خاصة بالخصوم كان البطلان غير متعلق بالنظام العام.
وذهب رأي ثاني إلى أن الضابط الصحيح هو أهمية المصلحة التي تحميها القاعدة التي خولفت، بصرف النظر عما إذا كانت عامة أو خاصة بأطراف الدعوى، وأن قاضي الموضوع هو الذي يقدر أهمية هذه المصلحة في كل حالة على حدة .
وقد ذهب فريق ثالث من الفقه إلى أن الفيصل في تحديد مدى تعلق البطلان بالنظام العام هو مدى قابلية الحق الذي تحميه القاعدة الإجرائية للتصرف فيه، فإن كان الحق لا يقبل التصرف فيه كان البطلان متعلقا بالنظام العام، وإلا لم يكن كذلك.
وطبقا لهذا الضابط، فإن البطلان الذي يترتب على مخالفة القواعد الإجرائية التي تحمي حقوق أو مصالح عامة يعتبر بطلانا متعلقا بالنظام العام، لأن هذه الحقوق أو المصالح لا تقبل التصرف فيها، ومن هذا القبيل البطلان الناشئ عن مخالفة القواعد المتعلقة بعلانية الجلسات أو بإجراءات الطعن في الأحكام، أما القواعد التي تحمي حقوق أو مصالح الخصوم فإن البطلان الذي يترتب على مخالفتها يصح أن يكون متعلقا بالنظام العام ويصح أن يكون غير متعلق به، وذلك تبعا لمدى قابلية الحق للتصرف فيه، وعلى هذا الأساس فإن البطلان الناشئ عن مخالفة القواعد الإجرائية الخاصة بتفتيش الشخص أو مسكنه أو بتسجيل مكالمته يعتبر بطلانا غير متعلق بالنظام العام، لأن هذه الحقوق جميعها تقبل التنازل عنها، أما البطلان الناشئ عن محاكمة المتهم بجناية من غير مؤازرة محام، أو محاكمته عن واقعة غير التي تم تحريك الدعوى العمومية من أجلها، والتي لم تضف النيابة العامة متابعتها فإنه يعتبر بطلانا متعلقا بالنظام العام، لأن هذه الحقوق وإن كانت مقررة لمصلحة المتهم إلا أنها لا تقبل التنازل عنها ولا التصرف فيها.
-نحو ذلك أنظر بذلك: – عوض محمد عوض، “المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجنائية”، مطبعة منشأة المعارف، (بدون طبعة)، السنة 2002، ص 580.
[19] لم تكن الغرفة الجنحية موجودة في ظهير 10 فبراير 1959 وإنما تم إحداثها بظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 28 شتنبر 1974 في الفصل 10 منه، وخولها النظر في الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية في الجنح والمخالفات، وعهد لها بالاختصاصات المخولة سابقا لغرفة الاتهام بمقتضى الظهير المشار إليه (قانون 10 فبراير 1959) في الفصول من 213 إلى 250 ما لم تكن منافية لمقتضيات هذا الظهير بمثابة قانون.
[20] جاء في المادة 210 مايلي: “يجب مراعاة مقتضيات المادتين 134 و135 من هذا القانون المنظمتين للحضور الأول للاستنطاق والمادة 139 المتعلقة بحضور المحامي أثناء الاستنطاقات والمواجهات، والمواد 59 و60 و62 و101 المنظمة للتفتيشات، وذلك تحت طائلة بطلان الإجراء المعيب والإجراءات الموالية له، مع مراعاة تقدير مدى هذا البطلان وفقا لما هو منصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة 211.”
[21] تنص المادة 212 على ما يلي: “يترتب كذلك البطلان عن خرق المقتضيات الجوهرية للمسطرة إذا كانت نتيجتها المساس بحقوق الدفاع لكل طرف من الأطراف.
يمكن لكل متهم أو طرف مدني أن يتنازل عن ادعاء البطلان المقرر لفائدته، ويجب أن يكون هذا التنازل صريحا. ولا يقبل تنازل المتهم إلا بحضور محاميه أو بعد استدعائه قانونياً.
يعرض التنازل على الغرفة الجنحية وفقاً للمادة السابقة.”
[22] عبد الحكم فودة، “البطلان في قانون الإجراءات الجنائية”، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، السنة 1996، ص 441.
[23] إدريس الجناني، “نظرية البطلان في القانون المسطري المغربي”، دراسة تحليلية في قانوني المسطرتين المدنية والجنائية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، السنة 2002-2003، ص 165.
[24] محمد كامل إبراهيم، “النظرية العامة للبطلان في قانون الإجراءات الجنائية”، دار النهضة العربية للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، السنة 1989، ص 110.
[25] أحمد فتحي سرور، “نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية”، مكتبة النهضة المصرية، السنة 1989، ص 72.
[26] محمد كمال ابراهيم، م.س. ص: 110.
[27] محمد عوض، “قانون الإجراءات الجنائية المحاكمة والطعون”، ج 2، منشأة المعارف، (بدون طبعة)، السنة 1995، ص 92.
[28] أي الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف.
[29] وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى في هذا الشأن ما يلي:” يحيط السيد قاضي التحقيق المتهم بالأفعال المنسوبة إليه، ويشعر بأنه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح، وينص على ذلك في المحضر، كما يشعره بأنه له الحق في اختيار محام، وإلا فيعين له محاميا إن طلب ذلك (الفصل 127 من ق.م.ج القديم والمادة 134 من ق.م.ج الجديد) ويترتب بطلان الإجراء المعيب والإجراءات التي تليه على عدم احترام ذلك (الفصل 190 ق.م.ج القديم والمادة 210 ق.م.ج الجديد)، وأن المحكمة لما لم تجب عن الدفع المبني على عدم احترام المقتضيات المذكورة، تكون قد أخلت بحقوق الدفاع وعرضت قرارها للنقض” .
– القرار عدد 4435 ملف جنحي 76706 بتاريخ 16/5/1985 أورده الحبيب بيهي، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد، الجزء الأول، الطبعة الأولى ، السنة 2004، هامش 185، ص 197.
المعلومة القانونية – صابر كمال
طالب باحث في سلك ماستر المعاملات الالكترونية