حالة الطوارئ الصحية بالمغرب والمسؤولية الجنائية عن نقل وباء كورونا
نظرا لما يعيشه العالم الآن من تفشي فيروس كرونا بشكل سريع من شخص الى أخر وتجاوز العدد مليون مصاب ، اذ أصبحت جائحة عالمية حسب تصريح منظمة الصحة العالمية تزداد خطورتها يوم بعد يوم والأمر أصبح أسوء لما كان عليه من قبل ،فإن المغرب من أول البلدان الذي عمل على وضع آليات وتدابير إستراتيجية سابقة لغاية مواجهة هذه الجائحة وفضل شعبه عن اقتصاده .
وبالموازاة مع ذلك وفي إطارالاجراءات الاحترازية الرامية إلى الحد من عدوى وإنتشار فيروس كرونا، وتنفيذا لتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس ومع تسجيل أول حالات الوافدة بالمغرب ،تم إقرار قيود اقتصادية واجتماعية وإغلاق الحدود وتوقيف جميع الرحلات الجوية والبحرية وإعلان حالة الطوارئ الصحية ،مع الالتزام المواطنين والمواطنات بالتدابير الصحية بالبقاء في منازلهم والخروج إلا لضرورة القصوى طبقا لما هومنصوص عليه في الشهادة الاستثنائية الصادرة عن الدولة،في المقابل نجد هناك عقوبات زجرية لكل من يخالف الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية ومقتضيات حالة الطوارئ الصحية ،إضافة إلى ذلك وخاصة مع تزايد وثيرة الانتشار قد نواجه بعد السلوكيات الإجرامية المخالفة للقانون وهي نقل عدوى فيروس كرونا عمدا أو إهمالا وبخطأ من الأشخاص
وبناء على ذلك سنقوم بطرح الاسئلة التالية :
ماهو الأساس القانوني لحالة الطوارئ الصحية والتدابير الزجرية اللازمة في حالة مخالفتها ؟
وما هي المسؤولية الجنائية عن نقل عدوى وباء كرونا ؟
وانطلاقا من الإشكاليات أعلاه ووجوبا عليها فإننا سنعالج هذا الموضوع من خلال محورين التالين :
المحور الاول : الأساس القانوني لحالة الطوارئ الصحية والتدابير الزجرية اللازمة في حالة مخالفتها
المحور الثاني : المسؤولية الجنائية عن نقل عدوى وباء كرونا
المحور الاول : الأساس القانوني لحالة الطوارئ الصحية والتدابير الزجرية اللازمة في حالة مخالفتها
سنعمل على معالجة في هذا المحور حالة الطوارئ الصحية بالمغرب (أولا) ثم التطرق إلى الإجراءات الزجرية في حالة مخالفتها (ثانيا).
أولا: حالة الطوارئ الصحية بالمغرب
تعد حرية التنقل من الحقوق الأساسية للإنسان ، بحيث يؤدي ضمانها إلى تمتيع الفرد بباقي حقوقه و حرياته الأخرى و لازما لممارستها، و لهذا نجد المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تنص على أن ” لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة”، وتؤكد أيضا أنه “يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه”.
وباستقرائنا الفصل 21 من الدستور المغربي الفقرة الثانية منه نجدها تنص على أنه ”تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع”.
وتماشيا مع الفقرة الرابعة من الفصل 24 من الدستور على أن” حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون” .
وحسب ديباجة الدستور منظمة الصحة العالمية ”على أن الحكومات مسؤولية عن صحة شعوبها ولا يمكن الوفاء بهذه المسؤولية إلا باتخاذ تدابير صحية واجتماعية كافية”.
وبناء على الفصل 81 من الدستور المغربي حيث ”يمكن يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان”.
صدر مرسوم مرسوم رقم 2.20.293 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب 23 مارس 2020 بسائر أرجاء التراب الوطني إلى غاية 20 ابريل في الساعة السادسة مساء، قابلة لتمديد مدة سريان حالة الطوارئ الصحية وفق المادة التانية من مرسوم 2.20.92 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها جاء ذلك لمواجهة جائحة كرونا التي تهدد حياة الأشخاص والاتخاذ التدابير الإستعجالية القبلية لحمايتهم والحد من انتشار هذا الوباء تفاديا للأخطار التي يمكن أن تنتج عنها لاحقا.
فالمقصود بحالة الطوارئ الصحية هي اتخاذ تدابير استثنائية تستوجب الحد من حركة المواطنين والاتخاذ السلطات العمومية المعنية التدابير اللازمة من أجل :
)أ( عدم مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم مع اتخاذ الاحتياطات الوقائية اللازمة، طبقا لتوجيهات السلطات الصحية
)ب( منع أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه، إلا في حالات الضرورة القصوى من خلال اشتراط مغادرة مقرات السكن باستصدار وثيقة رسمية عند رجال وأعوان السلطة
)ج( منع أي تجمع أو تجمهر أو اجتماع لمجموعة من الأشخاص مهما كانت أسباب الداعية إلى ذلك، ويستثنى من هذا المنع الاجتماعات التي تنعقد لأغراض مهنية، مع مراعاة التدابير الوقائية المقررة من قبل السلطات الصحية
)د(إغلاق المحالات التجارية وغيرها من المؤسسات التي تستقبل العموم خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلنة،ولا يمكن فتح هذه المحلات والمؤسسات من قبل أصحابها إلا لأغراضهم الشخصية فقط.
ولا يعني بتاتا إعلان حالة الطوارئ الصحية وقف عجلة الاقتصاد الوطني
والإشكال المطروح هو أن المشرع المغربي لم ينص على حالة الطوارئ بالدستور المغربي لسنة 2011 وتبيان مفهومها وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المغرب :يواجه
1) خطر وحادث محقق يهدد صحة المواطنين
2) هذا الحادث غير ممكن التوقع أي من الأمور النادرة الوقوع التي يستبعد الشخص من حصولها وخاصة عند بداية ظهور فيروس كرونا بالصين كان غير المتوقع وصوله إلى المغرب
3) مما يستوجب اتخاذ إجراءات إستعجالية وفورية لحماية صحة المواطنين خاصة بعد ظهور حالات وافدة فيروس عبر الحدود بالمغرب بعد انتشاره بالدول الأوروبية إثر التنقل والسفر من البلد الحامل للفيروس وهذا ما حتم على المغرب إغلاق جميع الحدود الجوية والبحرية وإعلان حالة الطوارئ الصحية من أجل تفادي انتشار هذا الوباء والسيطرة عليه وطنيا.
ثانيا: العقوبات المقررة في حالة مخالفة إجراءات حالة الطوارئ الصحية
وبالرجوع إلى المادة الرابعة من مرسوم 2.20.292 السالف الذكر وفي إطار التدابير الحجر الصحي، نجدها نصت على عقوبة جزرية في حالة مخالفة إجراءات حالة الطوارئ الصحية بمعنى الأصل هو الاعلان عن التدابير والإجراءات الضرورية المستعجلة للحد من إنتشاروباء كرونا بالمغرب مع التقييد بذلك وفق ما هومنصوص عليه قانونا ،والاستثناء أنه في حالة مخالفة ذلك سيتعرض صاحبها للجزاء حيث نصت المادة أعلاه على أنه یجب على كل شخص یوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فیھا حالة الطوارئ الصحیة، التقييد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومیة
ويعاقب كل شخص يخالف الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية بهذا الشأن بالحبس من شهر إلى 3 أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، ودون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد.
یعاقب بنفس العقوبة كل من عرقل تنفیذ قرارات السلطات العمومیة المتخذة تطبیقا لھذا المرسوم بقانون، عن طریق العنف أو التھدید أو التدلیس أو الإكراه، وكل من قام بتحریض الغیر على مخالفة القرارات المذكورة في ھذه الفقرة، بواسطة الخطب أو الصیاح أو التھدیدات المفوه بھا في الأماكن أو الاجتماعات العمومیة،أو بواسطة المكتوبات أو المطبوعات أو الصور والأشرطة المبیعة أو الموزعة أو المعروضة للبیع أوالمعروضة في الأماكن أوالاجتماعات العمومیة، أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعیة البصریة إلكترونیة. وأي وسیلة أخرى ستعمل لھذا الغرض دعامة إلكترونیة
كما تقرر العمل بإجبارية وضع الكمامات الواقية بالنسبة لجميع الأشخاص المسموح لهم بالتنقل خارج مقرات السكن في الحالات الاستثنائية المقررة سلفا ،فإن عدم حمل الكمامات الواقية أوعرقلة تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتعلقة بوضع الكمامات بواسطة العنف أو التهديد أو التدليس أو الإكراه أو التحريض الغير على عدم وضع الكمامة الواقية بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات …… يشكل جنحة يعاقب عليها بنفس العقوبة المقررة في المادة الرابعة أعلاه من مرسوم 2.20.292.
وفي هذا الإطار وتبعا لذلك وحسب بلاغ رئاسة النيابة العامة تابعت منذ دخول المرسوم حيز التنفيذ إلى غاية 02 أبريل 2020 ما مجموعه 35 48 شخصا قاموا بخرق حالة الطوارئ الصحية ،من بينهم 334 أحيلوا على المحكمة في حالة اعتقال
وقد أصدرت محاكم المملكة في حق مجموعة من الأشخاص المتابعين، أحكاما قضت بالعقوبات الحبسية إلى جانب الغرامات المالية.
فالإشكال المطروح هنا هو كيف يعقل نحن نعيش فترات صحية جد حرجة على المستوى الوطني تهدد حياة المواطنين ،وكل الإجراءات والتدابير الصادرة عن الدولة تهم أساسا المصلحة العامة وحماية صحة وحياة المواطنين من أجل السيطرة على الوضع وتجاوز ذلك ،ونجد مثل هذه التصرفات المخالفة للقواعد حالة الطوارئ الصحية وما يمكن أن ينتج عن هذا الخرق من أثار وخيمة التي ستساهم في انتشار وباء كرونا بشكل أسرع.
فالغاية من إصدار مثل هذه القوانين حاليا هو تطبيق الأمثل للقانون بصرامة اللازمة في حق المخالفين الذين يعرضون الأمن الصحي للمواطنين للخطر ويستهينون بحياة المواطنين وسلامتهم
المحور الثاني: المسؤولية الجنائية عن نقل عدوى وباء كرونا
فالانتشار بشكل سريع لجائحة كرونا بالمغرب وتجاوز العدد 1400 حالة مصابة وأكثر من 100 الوفيات حسب تصريح وزارة الصحة المغربية ، إلى غاية نشر هذه المقالة فالأرقام تتغير كل يوم ، وفي ارتفاع ،في المقابل تم متابعة مجموعة من الأشخاص قانونيا على إثر مخالفة وخرق مقتضيات حالة الطوارئ الصحية وأحيل على المحكمة في حالة اعتقال .
وأمام هذا الخرق للقواعد القانونية وعدم الامتثال والتوجيه لها قد نواجه في الأيام المقبلة جرم من أخطر الجرائم في عصرنا الحالي ،هو نقل عدوى وباء كرونا من شخص إلى أخر عمدا أو إهمالا وبخطأ من المعني بالأمر ،فهذه السلوكيات الغير القانونية يجب أن يعاقب عليها القانون أشد العقاب لأننا وبكل بساطة وأمام هذا الخرق نجد إصابة أشخاص بوباء كرونا نتيجة هذه التصرفات المنافية للقانون وخرق حالة الطوارئ الصحية.
وبالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي لا نجد أي نص يتحدث عن نقل عدوى فيروس كرونا للغير،لكن يوجد إمكانية البحث في بعض الجرائم العمدية الممكن أن تصنف أوصافها على الصور المختلفة لإصابة الغير مثل جريمة التسميم أو القتل العمد أو القتل الخطأ.
وبناء على ذلك سنقوم بدراسة الأركان العامة لهذه الجرائم مع تطبيق أوصافها على جريمة نقل عدوى وباء كرونا.
وللجريمة أركان عامة لا يمكن أن تتحقق إلا بوجودها وهذه الأركان :
هي الركن القانوني (أولا) ثم الركن المادي (ثانيا) والركن المعنوي (ثالثا )
أولا: الركن القانوني
الركن القانوني للجريمة يعني أن التصرف مهما كان ضارا بالفرد أوالمجتمع فإنه لا يعتبر جريمة إلا إذا تدخل المشرع المغربي واعتبره كذلك من خلال نصوص قانونية تجرم الفعل أو الترك ويعاقب الفاعل وهذا ما يعبر عنه بمبدأ شرعية التجريم والعقاب والمشرع المغربي أثار هذا المبدأ في الفصل الثالث من القانون الجنائي” لا يسوغ مؤاخذة أحد على لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون ” وبناء على ذلك فإن الركن القانوني للجرائم التي تنطبق أوصافها على جريمة نقل وباء كرونا هي :
فبالرجوع إلى الفصل 432 من ق ج م نجده يحدد لنا جريمة القتل الخطأ التي تعتبر جريمة غير عمديه قوامها الخطأ الجنائي بحيث نص الفصل المذكور على أن ” : من ارتكب بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم والقوانين قتلا غير عمدي أو تسبب فيه عن غير قصد يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من250 إلى 1000 درهم “.
وبالنسبة لجريمة التسميم فقد نص عليها المشرع الجنائي المغربي في الفصل 398 من ق.ج بقوله ” من اعتدى على حياة شخص بواسطة مواد من شأنها أنتسبب الموت عاجلا أو أجلا أيا كانت الطريقة التي استعملت أو أعطيت بها تلك المواد وأيا كانت النتيجة يعد مرتكبا لجريمة التسميم ويعاقب بالإعدام”
أما جريمة القتل العمد نص عليها الفصل 392 من القانون الجنائي على أن ” كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا و يعاقب بالسجن المؤبد “
ثانيا: الركن المادي
فالمشرع المغربي لا يعاقب على مجرد الأفكار والمعتقدات التي لم ينشأ عنها أي خلل أو اضطراب اجتماعي، وإنما التجريم يطال الأفعال التي تلحق الأذى بالفرد أو المجتمع وقد تكون هذه التصرفات المخلة بالقانون إيجابية أو سلبية .
ولتوافر الركن المادي لجريمة القتل الخطأ التي قد تنطبق أوصافها على جريمة ناقل عدوى فيروس كرونا لا بد من توافر ثلاث عناصر هي :
(1)- النشاط الإجرامي : أي إسناد الإصابة إلى خطأ الفاعل نتيجة إهماله أو عدم مراعاته النظم والقوانين مثالا عدم الالتزام المصاب بفيروس كرونا بإجراءات العزل المفروضة عليه من قبل السلطات العمومية
(2)- العلاقة السببية بين النشاط الإجرامي والنتيجة :إسناد الوفاة إلى هذه الإصابة بمعنى أن المصاب بفيروس كرونا نتيجة خطأ وإهماله وعدم احترام إجراءات الطوارئ الصحية المفروضة قانونا مما تسبب غيره بفيروس كرونا وإلحاق الضرر بالغير.
(3)- النتيجة : إصابة الغير بفيروس كرونا وحدوث الوفاة نتيجة هذه الإصابة .
ويكون الأمر أكثر خطورة ،وأشد عقوبة ما إذا تعلق الأمر بجريمة عمدية وإرتأت معه المحكمة تكييف الفعل باعتباره جريمة قتل عمدا أو تسميم.
وإذا كانت العناصر التكوينية الخاصة بجريمة التسميم هي :
(1)- الاعتداء على حياة شخص
(2)- ارتكاب هذا الاعتداء بواسطة مواد من شأنها أن تسبب الموت (مثال السعال والعطش الشخص المصاب وعلمه بذلك في وجه الآخرين وتوجيه نيته قصدا لإلحاق الضرر بهم).
(3) القصد أو النية الجريمة( الأصابة عمدا بعدوى كرونا )
وهكذا إذا كنا أمام جريمة قتل عمدا فإنه يجل إثبات أمرين :
(1)- إسناد فعل القتل إلى المجرم (المصاب بفيروس كرونا)
(2)- إسناد وفاة الضحية إلى هذا الفعل ) نتيجة الاصابة بوباء كرونا(
وفي حالة إذا ثبت أن المعني بالأمر وبالرغم من علمه بالإصابة بالفيروس ،عمل على توجيه إرادته للقيام بأعمال من شأنها توسيع دائرة انتشار وباء كرونا عن طريق السعال أو العطش في وجه الآخرين عمدا ،أو في الأماكن العامة أو الأشياء التي من شأنها أن يقوم بلمسها الأشخاص وتنتقل العدوى إليهم أو قيام شخص مصاب بالفيروس بالرغم من سابق علمه بذلك باستعمال مجموعة من الكمامات وتوزيعها على أشخاص آخرين مستغلا ذلك عن سوء النية .
فالنشاط الاجرامي هنا قائم المتمثل في توجيه قصد وإرادة الجاني وعلمه بأنه مصاب بهذا الفيروس،نتيجة هذه الإصابة تكون لها علاقة مباشرة بالنتيجة الإجرامية هي إصابة الغير وإلحاق الأذى به مما قد يؤدي إلى الوفاة.
ثالثا: الركن المعنوي
فلا يكفي توافر الركن القانوني والركن المادي لتصبح الجريمة قائمة، بل يجب أن تتدخل إرادة الفاعل وتتجلى في عزمه بكل حرية واختيار ارتكاب الجريمة سواء تعلق الأمر بفعل ماهو ممنوع أو ترك ما هو واجب.
إن هذه الحالة هو ما يعبر عنه بالنية الإجرامية عند المجرم ،التي تنتج عن إرادة واعية ومتبصرة لتكون صلة الوصل بين النشاط الإجرامي المادي وبين فاعله والنص المعاقب على ذلك .
فالركن المعنوي وكما عرفه الدكتور المحترم احمد الخمليشي هو الإرادة الجنائية ، أي توجيه الإرادة فعلا إلى تحقيق النشل الإجرامي، أو على الأقل تعطيل هذه الإرادة وارتكاب الجريمة عن طريق الإهمال .
وانطلاقا من ذلك سنتطرق إلى العنصر المعنوي في الجرائم العمدية (1) ثم العنصر المعنوي في جرائم الإهمال المخالفات (2)
(1)المعنوي في الجرائم العمدية
فالركن المعنوي في الجرائم العمدية هو الإدراك والتمييز والإرادة الحرة ، أي القصد الجنائي وهذا الركن في الجرائم العمدية لا يتحقق إلا بتواجد شرطين هما :
(أ)- توجيه إرادة الجاني إلى تحقيق إجرامي عمدا
(ب)- انتفاء الجهل أو الغلط في الواقعة الإجرامية
ونكون أمام نية إجرامية إذا تعلقت بالفعل الإجرامي ونتائجه ، ونكون أمام خطأ جنائي إذا تعلقت بالفعل الإجرامي دون نتائجه.
مثالا :لو أقدم قصدا وعمدا شخص مصاب بفيروس كرونا بالعطش والسعال في وجه الآخرين بنية إصابتهم بفيروس كرونا بغض النظر عن تحقيق الوفاة أم فيكفي تحقق شرط وهو الإصابة.
(2)- العنصر المعنوي في جرائم الإهمال والمخالفات
العنصر المعنوي في جرائم الإهمال والمخالفات هو الخطأ الجنائي والخطأ الجنائي في جرائم الإهمال يكون نتيجة عدم التبصر وأخذ الاحتياطات اللازمة ،فعندما يتابع الشخص بالقتل الغير العمدي نتيجة نقل عدوى فيروس كرونا عن طريق الخطأ الجنائي المتمثل في الاهمال وعدم مراعاة النظم القانونية طبقا للفصل 432 من ق.ج.
أما الركن المعنوي في المخالفات هو الخطأ ويعاقب عليه سواء وجد الضرر أو لم يوجد الضرر فيكفي خرق القواعد القانونية التي وضعها المشرع والقواعد التنظيمية التي وضعت لمصلحة النظام العام ولصالح الأمن والسكينة.
ويبقى التمييز بين الإرادة العمدية والقصد الغير العمدي مسألة وقائع يعود أمر التمييز بينهما إلى السلطة التقديرية لقضاة الموضوع مع التعليل عند تفريد العقاب
خاتمة:
ومن وجهة نظري فنحن نعيش في معركة والعالم ككل وباختلاف الدول. والأمراض والأوبئة جزء من حياة الإنسان ،ولذلك يجب علينا السعي نحو التعاون والتضامن والثقة في البعض والدولة وأن نضع يدا في يد من أجل تجاوز هذه المرحلة الحرجة ،حماية لحياتنا وحياة الأجيال القادمة فهذا لا يتطلب مجهودا كبيرا فالاحترام الاجراءات والتدابير الصادرة عن الدولة في أطار الحجر الصحي والتقييد بمقتضيات حالة الطوارئ الصحية مع الالتزام بالبقاء في المنزل والخروج إلا لضرورة القصوى ، تفاديا للجوء إلى الإجراءات الجزرية المقررة قانونا في حالة مخالفة ذلك ،فالغاية من فرض هذه الإجراءات هو حماية الصحة العامة للمواطنين للحد والسيطرة من انتشار جائحة كرونا ،وبالتالي عدم تمديد فترة حالة الطوارئ الصحية في حالة الالتزام بذلك ، أما فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية عن نقل عدوى كرونا فأننا نتمنى أن لا نصل إلى مثل تلك السلوكيات الغير الأخلاقية والمنافية للقانون وإلا سيعرض صاحبها لأشد العقوبات المقررة في القانون.
بيبليوغرافي:
[1] عبد اللطيف بوحموش ” دليل الشرطة القضائية في تحرير المحاضر وتوثيق المساطر ” الطبعة الثانية مطبعة الأمنية الرباط (2011).
[2] ذ/ احمد أبو العلاء “القانون الجنائي العام بين النطري والتطبيقي “الطبعة السادسة مطبعة الخليج العربي تطوان 2015.
[3] منصف الكردي “حالة الطوارئ الصحية بين الحد من حرية التنقل وضمان الحق في الحياة ” منشورات موقع المجلة القانونية لنشر العلوم القانونية www.alkaunia.info أطلع عليه بتاريخ 2020/04/08 على الساعة 18.00.
[4] مرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد -19 ، صادر في 29 من رجب 1441 الموافق ل (24 مارس 2020 )، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020.
[5] مرسوم بقانون رقم 292.20.2 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها ،صادر في 28 من رجب 1441 )23 م ارس 2020 ) المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020.
[6] دستور المملكة المغربية لسنة 2011 الصادر بتنفيذ الظهير رقم 91.11.1 مؤرخ في 27 شعبان 1432 (29 يوليوز 2001)منشور بالجريدة الرسمية عدد 5964.
[7] عبد لمالك صبري” المسؤولية الجنائية عن نقل فيروس كرونا ” مقال منشور بالموقع الالكتروني ttps://ar.hibapress.comأطلع عليه بتاريخ 2020/04/09 على الساعة 15.00.
[8] بلاغ منشور بالموقع الرسمي لرئاسة النيابة العامة www.presidenceministerpublic.com أطلع بتاريخ 2020/04/09 علية على الساعة 13.30.
[9] ظهير شريف رقم 1.59.413 صادر في 28 جمادى الثانية 1382 (26نونبر 1962 )المتعلق بمجموعة القانون الجنائي المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2640 مكرر.
[10] ديباجة دستور منظمة الصحة العالمية الذي دخل حيز التنفيذ 07 أبريل 1948.
المعلمووة القانونية – إدريس بنشطاب
طالب باحث بسلك ماستر المهن القانونية والقضائية بتطوان