أثر “covid 19” على مهنة التوثيق العدلي: رؤية اقتصادية واجتماعية – الجزء 2

-الجزء الثاني-

كشف لنا وباء فيروس” كورونا – covid 19 “، زيف ملامح المجتمع الحديث التي رسمها النظام العالمي الجديد، فأصبحنا أمام أنماط حياة اقتضادية و اجتماعية جديدة غيرمألوفة، انعكست بشكل درامي على  دخل الاشخاص الطبيعين والاعتبارين، بسبب السرعة التي سرح بها الموظفون والعمال والمستخدمين وأصحاب المهن الحرة، وهو ما أشارت إليه تقديرات منظمة العمل الدولية؛ الى أن 25 مليون شخص إضافي قد يصبحون عاطلين عن العمل، مع خسارة في الدخل تصل الى 3,4 ترليون دولار أمريكي([1]). ومنحى هذه الإنعكاسات مرشح  للإرتفاع، على صعيد جميع دول العالم، من بينها المغرب، الذي توقفت فيه مجموعة من الشركات والمقاولات و المؤسسات، والمهن الحرة، والمهن الحرة القانونية، من مهنة التوثيق العدلي، التي ظلت تشكل مصدرالدخل الوحيد لفئة عريضة من مساعدي العدالة، مما سيرتب نتائج وخيمة على الوضعية الاجتماعية للعدول الموثقين ومستخدميهم، وسيمتد هذا الآثر الى ممتهني  مهنة النساخة بالمحاكم الابتدائية و المراكز القضائية التابعة لها.

أدى شلل مكاتب التوثيق العدلي الى حرمان حوالي  2970 عدلا موثقا، من دخلهم القارالذي يشكل مصدر رزقهم الوحيد، مما سينعكس على مصاريف إعالة أسرهم  وعائلاتهم، وسداد متطلبات حياتهم اليومية، بالإضافة الى مصاريف كراء المكتب، وباقي الالتزامات والتحملات المختلفة. وأدى هذا الإغلاق كذلك الى توقيف جميع مستخدمي مكاتب التوثيق العدلي، الذي يبلغ عددهم 1221 مستخدم و مستخدمة تقريبا، مما أنعكس على أوضاعهم الاجتماعية، في غياب حماية اجتماعية، إذ نجد أن حوالي 221  مستخدم و مستخدمة فقط، هم المصرح بهم لدى مؤسسة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي([2]).

بالاضافة الى فئة العدول الموثقون، ومستخدميهم. أثرإغلاق مكاتب التوثيق العدلي بشكل غير مباشر على الوضعية الاجتماعية لفئة النساخ الذي يصل عددهم حوالي 669 ناسخا، منهم 474 ذكورا و 195 من الاناث تقريبا، المعينين بمختلف أقسام قضاء الاسرة بالمحاكم الابتدائية، والمراكز القضائية التابعة لها، ويختص الناسخ حسب المادة 11 من القانون 49.00 المتعلق بمهنة النساخة([3]):  تضمين محررات التوثيق العدلي بعد مراقبتها من طرف القاضي المكلف بالتوثيق، في احدى سجلات التضمين. وإستخراج منها نسخ الشهادات المضمنة والمخاطب عليها،  بعد توقيع العدلين عليها، مقابل أجرة، نصت عليها المادة 15 من نفس القانون، وحددها قرار لوزير العدل([4])، غير أن عطالة مكاتب التوثيق العدلي جعل مهنة النساخة أليا معطلة، إذ في الحالة الاولى تتوقف عملية التضمين على وجود محررات التوثيق العدلي، وفي الحالة الثانية تتوقف عملية إستخراج النسخ على توقيع العدلين، وكلاهما في حكم الجائحة عدم، مما أدى الى التحجير المالي على مهنة حرة منظمة قانونا، كرس وضع قانوني شاد يمس بالأمن الاجتماعي لهذه الفئة في غياب تغطية اجتماعية. وهذا ما عجل بالنقابة الوطنية للنساخ بالمغرب أن تتقدم بمراسلة؛ المجموعة النيابية للتقدم و الاشتراكية، لأجل مراسلة السيد وزير الاقتصاد و المالية و إصلاح الإدارة، بإدراج مهنة النساخة ضمن الفئات  المتضرر التي ستسفيد من الدعم المالي المباشر ([5]).

وأمام هذه الانعكاسات وأثرها على الوضعية الاجتماعية للعدول الموثقين، سارعت بعض مكاتب المجالس الجهوي للعدول([6])، الى أداء مساعدات مالية مباشرة، للعدول التابعين لدائرة نفودها، مع أدائها واجبات التغطية الاجتماعية والصحية لفائدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، خلال مدة تداعيات هذه الجائحة، ويرى جانب من العدول الموثقين أن مشروعية هذه المساعدات تأتي من صلب المهام الملقاة على عاتق مكاتب المجالس الجهوية، تجاه العدول التابعين لدئرة نفوذها، طبقا لنص المادة 74 من القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة([7])،  والمادة 47 من النظام الداخلي للهيئة الوطنية للعدول([8])، في حين يرى جانب أخر أنه لا يوجد في القانون المنظم لخطة العدالة، ولا في النظام الداخلي للهيئة الوطنية للعدول ما يشير الى شرعنة هذا الانفاق ، في حين يرى جانب ثالث([9]) أن الإشكال يتعلق بميزانية بعض المجالس الجهوية التي تعاني من ضعف مواردها، و لاتكفي لتغطية حاجيات هذه المساعدات للعدول التابعين لدائرة نفوذها.

إلا انه بقراءة المواد 53 و 58 و 70 و 74 من القانون المتعلق بخطة العدالة، و كذا المادة 47 من النظام الداخلي للهيئة الوطنية للعدول، نجد أن الهيئة الوطنية للعدول، ملزمة بإحداث وإدارة مشاريع التغطية الاجتماعية والصحية الاساسية للعدول، كما أن المجالس الجهوية ملزمة كذلك بأداء واجبات الاشتراك من ماليتها لفائدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن العدول التابعين لدائرة نفوذها. وليس الاقتصار على تسليم الصندوق لائحة العدول المتوفرة لديها، لتمكينه من تهيئ الأرضية اللازمة لتسجيلهم،  ومتابعة تحينها بشكل مستمر، وإلزام العدل بأداء الاشتراكات عن طريق الاقتطاع من الحساب البنكي لدى الصندوق، تحت طائلة الامتناع عن تسليمه أي وثيقة مرتبطة بمزاولة المهنة بما فيها مذكرة الحفظ، ويبدو أن هذا المقتضى غريب جدا عن تشريع التوثيق العدلي، ويمس بالامن القانوني و الاجتماعي للعدول الموثقين، حسب بنوذ الاتفاقية الموقعة بين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و الهيئة الوطنية للعدول، في إطار التأمين الاجباري الأساسي عن المرض و المعاشات الخاصة بالعدول([10])، والتي لا تسمح الوضعية الحالية بتفعيل بنودها في ظل تداعيات أزمة “covid 19″،  وتجب الاشارة في هذا الصدد الى ان عدد العدول المصرح بهم من طرف الهيئة الوطنية للعدول لدى الصندوق بلغ 2780 عدلا، منهم 996 الذين تقدموا بطلبات التسجيل لدى الصندوق تقريبا([11]).

أما فيما يخص الشق المتعلق بتقديم مساعدات مالية لفائدة العدول، نجد أنه بقراءة مقتضيات المادة 74 من القانون المنظم لخطة العدالة، والمادة 47 من النظام الداخلي للهيئة الوطنية للعدول، ان نفقات المجالس الجهوية  محددة على سبيل الحصر، و ليس فيها ما يفيد صرف نفقات مالية مباشرة للعدول التابعين لدائرة نفوذها، وحتى البند المتعلق ب: “إنشاء وإدارة مشاريع اجتماعية لفائدة العدول” لايحمل في معناه تخصيص مبالغ مالية مباشرة للعدول،  بل يفيد إنشاء مساكن و إقامات و مقتصديات خاصة بالعدول الموثقين([12])، وهو نفس المقتضى تم التنصيص عليه في المواد  53 و58 و 70 من نفس القانون، بمناسبة الحديث عن أهداف الهيئة الوطنية للعدول والمكتب التنفيذي، ومن جهة آخرى لا مجال لإعمال مقتضيات البند الاول من المادة 74 المشار إليها،  لتنفيذ البلاغ الصادر عن رئيس الهيئة الوطنية للعدول([13])، القاضي في جزء منه بحث رؤساء المجالس الجهوية  بتخصيص مبالغ مالية للعدول الممارسين والمتخرجين حديثا، لانه لا يعدو أن يكون مجرد بلاغ  لايكتسي صبغة مقرر، كما أنه يتعارض مع مقتضيات المواد 53 و 58 و 70 من القانون المنظم لخطة العدالة، والمادة 47 من النظام الداخلي للهيئة الوطنية للعدول.

وإذا كان من المسلم  به في التدبير والتسيير المالي، أن أي إلزام يكلف ميزانية هيئة معينة، يجب أن يستند الى نص واضح لاغموض فيه، فإننا نرى أن هذا التحليل يبدو في الوقت الراهن شبه معطل، مع متغير الجائحة التي ضربت العالم، و مست أنماط الحياة الاجتماعية، واتخدت أشكالا متعددة من التصرف الاجتماعي لدى الافراد و المؤسسات، وأحيت الادوار الكلاسيكية العرفية  لديها، ومنها المجالس الجهوية للعدول، من منطلق قيم الانسانية التي تلزمها بتقوية روح التضامن و تكريس قيم التكافل و التآزر والشراكة الاجتماعية، بأي شكل كان، غير أنه من باب الانصاف و روح التضمان،  يجب توسيع دائرة المساعدات على العدول الذين قضوا فترة التمرين و اجتازوا الامتحان المهني بنجاح، لتتخد هذه المساعادات بعدا اجتماعيا يحكم و يسود على الجميع طبقا لمبدأ تكريس ثقافة التماسك المهني.

ونافلة القول؛  يتضح لنا من خلال مدارج هذا الموضوع، أن وباء covid 19كشف لنا أن مهنة التوثيق العدلي، تعاني من أزمة عميقة مركبة، سواء على مستوى؛ التشريع المنظم للتوثيق العدلي، الذي أصبح يعتريه الكثير من العيوب والنقائص، وتعوزه الحداثة والعصرنة، تاريخه ليس تاريخ المغرب الحديث، أم على مستوى آليات التدبير والتسيير الاداري والمالي، للهيئة الوطنية للعدول ومجالسها،التي أصبحت عاجزة عن مواكبة مبادئ الحكامة الجيدة المنصوص عليها في دستور 2011،

و لقد أضحى من الضروري؛  إعادة النظر في الموارد المالية للهيئة الوطنية للعدول، و عقلنة نفقاتها. و تخصيص حساب خاص للتكافل الاجتماعي، و الكوارث الطبيعية، و الاوبئة. وإعادة النظر في التسيير و التدبيير الاداري و المالي، رقمنة شاملة لجميع اجراءات التوثيق العدلي، والتنصيص على المحرر العدلي التوثيقي الالكتروني، واستقلالية المهنة عن القاضي المكلف بالتوثيق، وإلزامية التكوين الاساسي و التكوين المستمر، تحت إشراف الهيئة الوطنية للعدول، و تعميم الحماية الاجتماعية لمستخدمي مكاتب التوثيق العدلي.

وأخيرا إذا استمرت تداعيات هذه الجائحة الى مابعد 20 أبريل؛ هل ستتقدم الهيئة الوطنية للعدول بطلب الدعم من صندوق كرونا؟

بيليوغرافي 

[1] _   منظمة العمل الدولية: ” وباء covid 19 وعالم العمل: آثار المرض وردود الأفعال عليه”  .، دراسة  منشورة  بالموقع الالكتروني لمنظمة العمل الدولية : www.ilo.org بتاريخ  18مارس 2020، تمت زيارته بتاريخه.

[2] _  حسب تصريح مصدر من مؤسسة الضمان الإجتماعي.

[3] _  القانون رقم 49.00 المتعلق بتنظيم مهنة النساخة، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.01.124 بتاريخ 29 من ربيع الاول 1422 ( 22 يونيو 2001). منشور بالجريدة الرسمية عدد 4918 في 19/07/2001.

[4] _ حددت الاجرة بواسطة المادة الأولى من قرار لوزير العدل رقم 618.03 صادر في 07 أبريل 2003 كما تم تعديله بقرار وزير العدل رقم 2994.16 الصادر في 15 يونيو 2017، وبعد مسار طويل من النضال تم تعديله مرة ثانية بقرار لوزير العدل رقم 3064.19 الصادر بتاريخ 26 ديسمبر 2019

[5] مراسلة المجموعة النيابية للتقدم و الاشتراكية عدد ص ح / 457/2020.

[6] _ المجالس الجهوية  للعدول التي قدمت الدعم المالي  لفائدة العدول التابعين لدائرة نفوذها – الى حدود كتابة هذه المقالة – : الجديدة، أكادير، الرشيدية ،سطات، بني ملال، فاس،العيون، الحسيمة، خريبكة.

[7]قانون خطة العدالة، ظهير شريف رقم 1.06.56 صادر في 15 من محرم 1427 ( 14 فبراير 2006) باتنفيذ القانون رقم 03.16 المتعلق بخطة العدالة، الجريدة الرسمية عدد 5400 بتاريخ صفر 1427 ( 2 مارس 2006) ص 556.

[8] _ دخل حيز التطبيق في  فاتح دجنبر 2007

[9] _ من خلال منشورات  للمجموعة المغلقة للعدول الممارسسين عبر موقع التواصل الاجتماعي ، و غرف المحاذثة واتساب

[10] _ تم توقيع هذه الاتفاقية بالرباط بتاريخ 03 مارس 2020، بين رئيس الهيئة الوطنية للعدول و المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنيابة.

[11] _  حسب تصريح مؤسسة الضمان الإجتماعي. – الى حدود كتابة هذه المقالة -.

[12] _ العلمي الحراق، الوجيز في شرح القانون المتعلق بخطة العدالة، الطبعة الاولى 2009، مطبعة CANA PRINT: ص 152.

[13] _  مرجع عدد 91/2020 بتاريخ 30/03/2020

المعلومة القانونية – ذ/ أنوار جاحظ

الكاتب العام للمجلس الجهوي لعدول إستئنافية سطات

-أنقر هنا.. للاطلاع على الجزء الأول-

قد يعجبك ايضا