حالة الطوارئ الصحية بين الحد من حرية التنقل و ضمان الحق في الحياة

مع تزايد وتيرة ارتفاع عدد المصابين بعدوى فيروس كورونا يوما بعد يوم، صرحت منظمة الصحة العالمية، أن فيروس “كورونا المستجد  19COVID ” أصبح جائحة[1] حيث يتوقع أن يتخطى عدد البشر المصابين على مستوى العالم حوالي مائة ألف نسمة وهو العدد الذي سيتضاعف بمعدلات أسرع. ومؤدى ذلك أن هذا الفيروس تحول إلى خطر على الإنسانية جمعاء، ويهدد الحق في الحياة الذي يشكل أول الحقوق وأبرزها، الشيء الذي دفع أغلب دول العالم التي أصيبت بفيروس كورونا المستجد إلى الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية، لاحتواء المرض و الحد من انتشاره؛ حيث سارعت الدول إلى إغلاق حدودها، كما فرضت الحكومات حظرا على التجمعات في الأماكن العامة، وعلقت المدارس ورحلات الطيران …

و بما أن المغرب يعد من الدول التي إنتقلت إليها عدوى فيروس كورونا[2]، و أخد هذا الأخير بالإنتشار ، الشيء الذي دفع المغرب إلى إعلان “حالة الطوارئ الصحية” بشكل رسمي يوم 19 مارس 2020  و ذلك وفاءا بالتزاماته الدولية التي تنص على أن حالة الطوارئ التي تتخدها الدول يجب أن تكون بشكل رسمي كما أكدت المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية [3]، و ذلك من أجل حماية كافة الأفراد على صعيد التراب الوطني[4].

و تعتبر حالة الطوارئ حزمة تدابير وإجراءات تتخذها سلطات دولة على المستوى الوطني، أو في جزء معين من الحوزة الترابية للدولة، بهدف ضبط الأمن والحفاظ على النظام العام إثر وقوع أحداث استثنائية من شأنها أن تهدد النظام العام، و تتلخص إعلان حالة الطوارئ في منح صلاحيات استثنائية للسلطات العمومية و الإدارية، بحيث تخولها حالة الطوارئ المس و الحد من بعض الحريات والحقوق الأساسية الفردية والجماعية، كحرية  التنقل وحرية التظاهر والتجمع …

كل هذا يدفع إلى توجيه الاهتمام نحو حقوق و حريات الإنسان في ظل حالة الطوارئ الصحية خاصة حرية التنقل، وعليه نطرح التساؤل التالي:

إلى أي حد يمكن إعتبار تقييد حرية التنقل  ضمانة للحق في الحياة ؟

للإجابة عن هذا السؤال سنحاول مقاربته وفق مطلبين على الشكل التالي:

المطلب الأول: حرية التنقل و القيود الواردة عليها

  •         الفقرة الأولى: حرية التنقل
  •         الفقرة الثانية: تقيد حالة الطوارئ لحرية التنقل

المطلب الثاني: حالة الطوارئ و حماية الحق في الحياة

  •    الفقرة الأولى: الحق في الحياة
  •        الفقرة الثانية: حالة الطوارئ كإجراء لحماية الحق في الحياة

المطلب الأول: حرية التنقل و القيود الواردة عليها

إن الحديث عن حرية التنقل يقتضي منا تعريف هذه الحرية و المقتضيات المنضمة لها سواء على المستوى الدولي أو الوطني(الفقرة الأولى)، ثم تبيان القيود الواردة على هذه الحرية ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: حرية التنقل

تعد حرية التنقل من الحقوق الأساسية للإنسان ، بحيث يؤدي ضمانها إلى تمتيع الفرد بباقي حقوقه و حرياته الأخرى و لازما لممارستها، و لهذا نجد المادة الثالثة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تنص على أن ” لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة”، وتؤكد أيضا أنه “يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه”، و لم يقتصر التنصيص على حرية التنقل على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بل خصصت المادة 12 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية الفقرة الأولى التي تنص أنه “لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق التنقل فيه، وحرية اختيار مكان إقامته”، و أضافت الفقرة الثانية من نفس المادة أن “لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده”. كما أكدت الفقرة الرابعة من المادة نفسها أنه “لا يجوز حرمان أحد، تعسفا، من حق الدخول إلى بلده”.

و على الصعيد الوطني و بما أن المغرب صادق على العهد الدولي  الخاص بالحقوق المدنية و السياسة[5] فقد كرس الدستور المغربي لسنة 2011 الحرية في التنقل سواء داخل التراب المغربي أو  خارجه و العودة إليه، وذلك من خلال تنصيصه في الفصل 24 على أن ” حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون”.

الفقرة الثانية: تقيد حالة الطوارئ لحرية التنقل

لا شك ان حرية التنقل ليس حرية مطلقة وإنما هي مقيدة ويأتي هذا التقييد في عدة جوانب يكون هدفها تحقيق التوازن بين المصلحة العامة للمجتمع و المصلحة الخاصة للإفراد و من ثم  تغليب الأولى على الثانية عند تعارضها، وهذه القيود اما أن ينص عليها الدستور صراحة أو في اغلب الأحيان يحيل في تنظيمها إلى القوانين العادية.

بالرجوع إلى المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسة في فقرته الثالثة نجده ينص على الظروف الاستثنائية التي يمكن فيها تقييد الحقوق المكفولة بموجب الفقرتين 1 و2 (المشار إليهما في الفقرة الأولى من المطلب الأول)، فالفقرة 3 تجيز للدولة تقييد هذه الحقوق لأسباب تكون ضرورية[6] لحماية “الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم…”، و بالرجوع إلى تقييد حرية التنقل في المغرب نجد أن السبب في ذلك غايته الحفاظ على الصحة العامة من خلال الحد من إنتشار الفايروس داخل تراب الدولة خاصة أن هذا الإنتشار يكون بطريقة سريعة و غير مكشوفة مما يؤدي إلى تفشي العدوى بكثرة و يهدد حياة الأشخاص في ظل غياب لقاح أو علاج لهذا الفايروس.

بالعودة إلى الدستور المغربي نجده و ان كفل حرية التنقل بتنصيصه في الفقرة الإخيرة من الفصل 24 على أن “حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون”، إلا إنه لم يجعلها مطلقة ولكن ربطها بقيد وجوب خضوعها لمقتضيات قانونية مؤطرة لهذه الحرية كحالة الطوارئ الصحية التي تم الإعلان عنها بمقتضى مرسوم رقم  2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا  كوفيد -19 [7].

و في نفس الإتجاه و تأكيدا منه على تقديم الحق في الحياة على حرية التنقل، و حفاظا منه على الصحة العامة و حماية لحق المواطنين في الحياة ، أمر قاضي الأمور الإستعجالية بالمحكمة الإدارية بالرباط، برفض طلب دخول مغربيين  إلى التراب الوطني المغربي ، لما في ذلك من خرق لحالة الطوارئ الصحية التي أعلن عنها المغرب[8].  

المطلب الثاني: حالة الطوارئ و حماية الحق في الحياة

يعد الحق في الحياة أسمى الحقوق و أولها ، لذلك سنخصص (الفقرة الأولى) لهذا الحق و تكريسه على المستوى الدولي و الوطني ، لنتطرق في (الفقرة الثانية) إلى حالة الطوارئ الصحية باعتبارها ألية لحماية هذا الحق.

      الفقرة الأولى: الحق في الحياة

الحق في الحياة أول الحقوق الأساسية وأهمها بين حقوق الإنسان، فلا يمكن الحديث عن باقي الحقوق إذا ما تم إهداره، بحيث يعتبر من أوائل الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؛ ومن ذلك ما نصت عليه المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه ” لكل فرد الحق في الحياة…”، ثم أعيد التأكيد على هذا الحق في الفقرة الأولى من المادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بتنصيصها على أن ” الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا”.

كما أن المغرب عمل على ضمان هذا الحق الأساسي و ذلك بتخصيص الفصل 20 من الدستور لهذا الحق حيث جاء في هذا الفصل أن ” الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق”، ثم أن تخصيص فصل بأكمله لحق واحد يظهر أهمية هذا الحق، إذ يعتبر الحق في الحياة الحق الأساسي الذي تتأسس عليه باقي الحقوق والحريات التي يتمتع بها الإنسان، بحيث لا يمكن تصور أن يتمتع الفرد بباقي حقوقه دون ضمان حقه في الحياة .

   الفقرة الثانية: حالة الطوارئ كإجراء لحماية الحق في الحياة

إن الهدف من إعلان المغرب لحالة الطوارئ الصحية هو ضمان عدم إنتشار فيروس كورونا المستجد و بالتالي تفادي إصابة المواطنين بهذا المرض الذي يؤدي إلى وفاة العديد منهم؛ خاصة أن هذا الفايروس مستجد و ليس له لقاح أو علاج –في الفترة الحالية – يضمن الشفاء منه، و بالتالي فهو يهدد حياة الأفراد و يمس حقهم في الحياة، لذلك عملت السلطات الحكومية على إتخاد “حالة الطوارئ الصحية” كألية لتقييد حركة المواطنين و الحد من حريتهم في التنقل.

و في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الدستور المغربي جعل حرية التنقل تخضع لمقتضيات يؤطرها القانون، و ذلك بتنصيصه في  الفصل على أن “حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون”، من هنا يمكن القول أن “حالة الطوارئ الصحية” تدخل ضمن عبارة ” مضمونة للجميع وفق القانون “، بمعنى أخر أن القانون الذي ينضم حرية التنقل في  هذه الفترة هو  المرسوم رقم  2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا  كوفيد -19 . حيث تم تقييد هذه الحرية بموجب مقتضيات الفقرة الثانية و الثالثة من المادة الثانية من المرسوم، و اللتان تنصان على ما يلي : ”

أ- عدم مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم مع اتخاذ الاحتياطات الوقائية اللازمة، طبقا
لتوجيهات السلطات الصحية؛

ب- منع أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه، إلا في حالات الضرورة القصوى…”.

كل هذه المقتضيات و التدابير و الإجراءات التي اتخدها المغرب تهدف إلى ضمان الحق الأسمى؛ ألا و هو حق في الحياة المنصوص عليه في الفصل 20، وكذا الحق في السلامة (الفصل 21)، والحق في الصحة (الفصل 31)، و في هذا الإطار حدد المرسوم بقانون مجموعة من العقوبات في حق كل من خالف أحكام حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها من خلال المادة الرابعة التي قد تصل فيها العقوبة إلى الحبس[9].

كما أن المغرب بإصداره للمرسومان ( مرسوم بقانون رقم 22.20.29 و مرسوم رقم 2.20.293  ) اللذان يؤطران “حالة الطوارئ الصحية”، و الذي حدد فيهما كيفيات و إجراءات الإعلان عن حالة الطوارئ من جهة ، و كذا الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية و العقوبات المتعلقة بمخالفيها، قد تلافى وجود ثغرة قانونية و قام بملء هذا الفراغ تشريعي ليكون بذلك هذا الحظر مؤسس على مبدأ الشرعية؛ التي تتيح معاقبة كل شخص خالف أحكام القانون.

خاتمة

مبدئيا تعتبر حقوق الإنسان  حقوق شاملة و غير قابلة للتجزيئ، إلا أنه إستثناءا و في بعض الحالات المحصورة جدا –كحالة الطوارئ – يمكن تقييد أو الحد من بعض هذه الحقوق من أجل ضمان حماية أكبر لحقوق أسمى، كالحق في الحياة، و عليه فإتخاد المغرب لقرار تقييد حرية التنقل داخل التراب الوطني أو الدخول و الخروج منه كان الهدف منه حماية حق المواطنين في الحياة.

بيبليوغرافي

[1]  تقسم منظمة الصحة العالمية الجوائح إلى 6 مراحل هي:

المرحلة الأولى: فيروس يصيب الحيوان لكنه لا يسبب عدوى للبشر.

المرحلة الثانية: فيروس يصيب الحيوان أدى لعدوى بشرية.

المرحلة الثالثة: أدى الفيروس إلى إصابة حالات متفرقة أو إلى إصابة جماعات صغيرة بالمرض، ولكن لا زال غير كا ٍف لحدوث وباء في المجتمع
المحلي.

المرحلة الرابعة: خطر حدوث وباء بات قريبًا إلا أنه غير مؤكد، أصبح المرض كافيًا لحوث وباء في مجتمع محلي.

المرحلة الخامسة:العدوى باتت منقولة من شخص إلى آخر وقد سببت لحدوث إصابات في بلدين مختلفين موجودين في إقليم واحد حسب توزيع
الأقاليم  المعتمد من منظمة الصحة العالمية.

المرحلة السادسة:الوباء بات عالميًا وسجلت إصابات في إقليمين مختلفين اثنين على الأقل حسب توزيع الأقاليم المعتمد من منظمة الصحة العالمية
فيتم إدراجه كـ”جائحة.”

[2]  أعلنت وزارة الصحة المغربية  في البلاغ رقم 10عن تسجيل أول إصابة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد بتاريخ الإثنين 02 مارس 2020، الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة المغربية، اطلع عليه بتاريخ 03-28-2020 .

[3]  تنص الفقرة الأولى من المادة 4 على ” في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، …”

[4]  أعلنت وزارة الداخلية في بلاغ لها عن إعلان “حالة الطوارئ الصحية” و تقييد الحركة في البلاد ابتداء من يوم الجمعة 20 مارس 2020 على الساعة السادسة مساء لأجل غير مسمى، الموقع الألكتروني الحكومي لتتبع انتشار فيروس كورونا كوفيد-19، اطلع عليه بتاريخ 28-03-2020  .

[5]  صادق عليه المغرب بظهير رقم 1-78-4 الصادر في 27 مارس 1979، ودخل حيز النفاذ وطنيا في 03 غشت 1979، منشور في الجريدة الرسمي عدد 3525 بتاريخ 21 ماي 1980.

[6]  اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية، التعليق العام رقم 27 حول المادة 12 (حرية التنقل)، الدورة السابعة والستون ، سنة 1999.

[7]  مرسوم رقم  2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا  كوفيد -19 ، صادر في  29 من رجب  1441 الموافق ل (24مارس  2020 )، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24مارس  2020.

[8]  أمر استعجالي رقم 955 صادر في المقال الاستعجالي ملف رقم 2020/7101/667 بتاريخ 2020/03/31، صادر عن القضاء المستعجل بالمحكمة الإدارية بالرباط.

[9]  تنص المادة 4 من المرسوم بقانون رقم 22.20.29  على ما يلي : “يعاقب على مخالفة أحكام الفقرة السابقة بالحبس من شھر إلى ثلاثة أشھر و بغرامة تتراوح بين 300و 1300درھم أو بإحدى ھاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائیة الأشد”.

المعلومة القانونية – منصف الكردي

طالب باحث بماستر حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني

كلية الحقوق أكدال بالرباط

قد يعجبك ايضا