الحماية القانونية لعمال المنازل في ضوء القانون 19-12

لقد انتشرت وطفت فوق السطح بشكل ملفت للأنظار في السنوات الأخيرة خادمات المنازل، وشهدنا الكثير من النقاشات حول هذه الظاهرة الاجتماعية التي تتطلب اليوم دراسة عميقة ومستفيضة، دراسة ليست باجتماعية لا تاريخية بل دراسة تأخذ بعين الاعتبار الوضعية القانونية لهذه الفئة. ويعتبر العمل المنزلي من أقدم الممارسات البشرية عبر التاريخ وقد ارتبط تاريخيا بالعبودية في كثير من البلدان بما فيها المغرب إلى بداية القرن المنصرم. غير أن ثقافة الاستعباد وعقلية السخرة ظلتا حاضرتين في السلوكيات المرتبطة بالخدمة المنزلية، وقد زادت حدة توثر العلاقة الشغلية في المجال الأسري ازدراء هذا النوع من العمل المؤقت في غالبيته العظمى الناتجة عن علاقة التراتبية بين الجنسين السائدة في النسيج المجتمعي. ومع التحولات الاقتصادية والسوسيوثقافية، والديموغرافية التي عرفها المجتمع المغربي. ابتداءا من ثلاثينات القرن الماضي، وانتقال المغرب، خلال نصف قرن من استقلاله، إلى سيادة المجتمع الحضري، وما رافق ذلك من انتشار أزمة الفقر حول المدن واللجوء على نطاق واسع إلى استئجار الخادمات المنزلية.

بارتباط مع خروج المرأة إلى سوق الشغل، من لدن أسر متوسطة الدخل بل أحيانا متواضعة الدخل بعدما كان حكرا على العائلات الميسورة الحضرية منها والقروية.

ومما لا شك فيه أن هذه التحولات دفعت بالعديد من الأسر المنحدرة من البوادي إلى عرض قوة عملها في أسواق المدن، مغذية بذلك ظاهرة العاملات المنزليات، وخاصة تشغيل طفلات في سن المدرس بمختلف الأشغال المنزلية، وأمام هذه التغيرات وتطور الظروف الاقتصادية العالمية فرض على كل بلد أراد محارتها تحديث هياكلها الاقتصادية الداخلية وملائتما بشكل يضمن مسايرة هذا الركب الاقتصادي، وفي هذا السياق ووعيا منه بثقل المنافسة التجارية  والاقتصادية انخرط المغرب منذ أوائل التسعينات في إرساء دعائم نظام اقتصادي حديث وعصري اضافة الى انضمام المغرب الى الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان مما فرض عليه الوفاء بالتزاماته الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان ، ولتحقيق هذا الهدف كان لزاما تحديث المنظومة القانونية وتحينها حتى تتلاءم والظرفية الدولية الخاضعة لقوانين العولمة. وبعض مخاض طويل وعسير تمت المصادقة على مدونة الشغل، هذه الأخيرة لم تستجب لكل الأجراء بحيث تم استبعاء عمال الصناعة التقليدية وخادمات المنازل بطريقة ذكية في المادة الرابعة من مدونة الشغل، التي نصت على أنه سيتم بموجب قانون خاص تحديد شروط شغل وتشغيل خدم البيوت، الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت.

وهكذا انتظر العمال المنزلين نحو عشر سنوات من أجل ملئ هذا الفراغ القانوني، بحيث تمت المصادقة في نهاية يوليو سنة 2016 على مشروع قانون رقم 19.12 من طرف البرلمان المغربي، هذا القانون الذي يحدد شروط شغل وتشغيل العمال المنزليين، وينظم علاقتهم بمشغليهم مكون من 26 مادة موزعة على خمسة أبواب، وبهذا أصبح لهؤلاء الفئة من الأجراء يتوفرون على إطار قانوني لحماية حقوقهم و مكتسباتهم بعد سنين من الحيف الاجتماعي، وليحدد كذلك مالهم وما عليهم.

فخروج هذا القانون إلى حيز الوجود يكتسي أهمية كبرى، وذلك في ظل الوضعية التي يعرفها هؤلاء العمال المنزليين وما يتعرضون له من سوء المعاملة ومن اعتداءات جنسية وجسدية.

وتتجلى أهمية دراستنا لهذا الموضوع في البحث في ظاهرة تزايد اللجوء إلى استخدام عمال المنازل في ظل الواقع الذي تعيشه هذه الفئة اجتماعيا واقتصاديا وقانونيا ومناهضة الاتجار في البشر بحيث أصبح جموع العمال المنزليين سوق للسماسرة الذين يجلبونهم من مناطق نائية ويتاجرون فيهم بحيث يعرفونهم على العائلات في المدن مقابل مبالغ مالية وبأثمنة تختلف حسب الولد أو البنت القاصر أو الراشدة وحسب معايير أخرى للأسف، وفي ظل محاولة المشرع حماية هؤلاء العمال المنزليين من خلال خلق جهاز إداري متمثل في مفتش الشغل.

وقد تطلب منا هدا البحت الاعتماد على المنهج الوصفي المقارن والتحليلي 

المنهج الوصفي  يظهر من خلال قيامنا بوصف ظاهرة تشغيل الأحداث خصوصا العمال المنازل عموما 

إما المنهج المقارن يظهر من خلال مقارنته مع عدة نصوص قانونية أجنبية مقارنة

ويظهر المنهج التحليلي من خلال قيامنا بتحليل هذه الظاهرة والغوص في النصوص القانونية والوقوف عند نقط ضعف وقوة هذا القانون المتعلق بتشغيل عمال المنازل 

صعوبات البحث تكمن في البحث نفسه بحيث لم يسبق أن تطرق له احد من قبل وفي قلة المراجع ومن هنا سوف نتطرق للإشكالية  التالية : عمال المنازل بين الحماية القانونية والتشريعات المقارنة 

الأسئلة المركزية 

  • ما هي الحماية القانونية التي نص عليها القانون 12/19  لعمال المنازل ؟
  • ماهي حقوق والتزامات عمال المنازل؟ 

وسوف نتبع التصميم التالي :

  • المبحث الأول :أطراف عقد الشغل وشروط وتشغيل عمال المنازل
  • المبحث الثاني: حقوق والتزامات عمال المنازل

  

المبحث الأول: أطراف عقد الشغل وشروط وتشغيل عمال المنازل

تطرق القانون 19.12 في الباب الأول إلى تحديد أطراف العلاقة الشغيلة وتعريفهم، وموضوع هذه العلاقة وذلك حتى يسهل تحديد مجال تطبيق هذا القانون، فما المقصود بكل من العامل(ة) المنزلي والمشغل (المطلب I) وما هي شروط تشغيل القاصرين والأجانب (المطلب II).

المطلب الأول: أطراف عقد الشغل 

إن أول ما يحسب لهذا القانون استخدامه مصطلح العاملة أو العامل المنزلي بصيغة المؤنث والمذكر في نفس الوقت، عوضا عن مصطلحخدم البيوتالذي استخدمه المشرع في مدونة الشغل في المادة الرابعة، والذي لاقى انتقادا من طرف البعض لما يشكله من تعبير عن استبعاد الإنسان لأخيه الإنسان وقد سبق للقضاء المغربي أن أكد استثناء فئة خدم المنازل في قرار المجلس الأعلى الصادر في 10 فبراير 1986 الذي جاء فيهلكن حيث خادمات المنازل لسن بعاملات ورش طبق ما ينص عليه الفصل الأول من النظام النموذجي المؤرخ في 23 أكتوبر 1948 حتى يصح إدراجهن ضمن مقتضيات الفصل 754 المحتج به وأن مفهوم عقد الإيجار المنصوص عليه في الفصل 723 المشار إليه يقضي ان يكون مؤجر الخدمة اختصاصيا او تقنيا أو يتقن عملا معينا الشيء الذي لا يتوفر عليه المستخدمات في أشغال المنزل…”.

واعتمدت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في حكمها الصادر في 31 دجنبر 1986 على مبرر آخر لاستبعاد خدم البيوت من الخضوع لقانون الشغل، حيث جاء فيهالخادمة المنزليةتعمل في منزل وليس في مؤسسة تجارية أو صناعية أو مهنة حرة، ومن تم فطبيعة البيت أو حرمة المنزل تتنافى مع بعض مبادئ قانون العمل التي تقتضي زيارة مفتش الشغل لمراقبة كيفية وظروف تنفيذ العمل كما يجري به العمل في المؤسسات الكبرى….” فما المقصود بالعامل المنزلي حسب منطوق القانون 19.12.

الفقرة الأول: العامل المنزلي

تنص المادة الأولى من الباب الأول من القانون 19.12 يراد بما يلي في مدلول هذا القانون العاملة أو العامل المنزليالعاملة أو العامل الذي يقوم بصفة دائمة واعتيادية، مقابل أجر بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت أو بالأسرة كما هي محددة في المادة الثانية من هذا القانون، سواء عند صاحب بيت واحد أو أكثريلاحظ من خلال هذا التعريف أن المشرع اشترط في العامل المنزلي أن يكون متصفا بوصف الدوام والاعتياد، وإذا كان مصطلح الدوام يفيد الاستمرارية فإن مصطلح الاعتياد يفيد التكرار العمل ولو بشكل متقطع، وذلك حتى لا يدخل في حظيرة العمال المنزليين الأشخاص الذين يقومون بأعمال مؤقتة التي يستغرق شغلها بضع ساعات في الشهر، كما أن القانون استثنى العامل الذي يتم وضعه رهن إشارة صاحب البيت من قبل وكالة التشغيل المؤقت، كما لا يعتبر عاملا منزليا حارس البيت المرتبط بعقد شغل مع إحدى شركة الحراسة الخاصة، أو البوابون من البنايات، وذلك لأنه يقوم بخدمة شخص اعتباري، وبالتالي علاقته مع المشغل علاقة تعاقدية.

وبهذا يكون العامل المنزلي: كل عامل يقوم بأحد الأعمال التالية بصفة مستمرة واعتيادية من تنظيف وطبخ وتربية الأطفال أو العناية بفرد من أفراد البيت بسبب سنه أو عجزه أو مرضه أو لكونه من ذوي الاحتجاجات الخاصة أو سياقة السيارة لأغراض البيت، أو إنجاز أعمال البستنة وحراسة البيت

وتأتي تسميةالعمال المنزليينتمشيا مع المفهوم المتداول عالميا منذ صدور الاتفاقية 189 والتوصية 201 بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين عن منظمة العمل الدولية سنة 2011.

وبالرجوع إلى بعض القوانين المقارنة بالنسبة للتشريع الفرنسيخدم البيوتهم كل الأجراء المشغلين عند الخواص في أعمال منزلية“.

أما التشريع التونسي يعرف عامل المنزل:”كل أجير مرتبط بخدمة المنزل كيفما كانت طريقة أداء أجرته ودوريتها، ومستخدم في الأعمال في الأعمال المنزلية بصفة عادية من طرف مستأجر أو عدة مستأجرين ولا يقصدون من وراء هذه الأعمال غايات كسبية“.

وبالنسبة لخدم البيوت موضوع الدراسة هناك عدة آراء فقهية حول تعريفهم، فيرى الدكتور محمود جمال الدين زكي أنهم العمال المخصصون لأعمال تتصل بذات صاحب، إما مباشرة بالعناية بشخصيه أو بأشخاص ذويه، كالطاهي، والمربية، او بصفة غير مباشرة عن طريق أشياء مملوكة له، كالخادم في منزله، وسائل سيارته وحارس مسكنة، وذلك بتأدية أعمال مادية دنيا، فالذي يميز هذه الطائفة، حسب هذا الرأيهو اتصالها على النحو المذكور بشخص الإنسان (المخدوم) وقيامها بأعمال مادية متواضعة وبذلك يخرج بناءا على هذا التعريف من عداد هذه الطائفة العمال الذين لا يتصلون في أداء عملهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة بذات صاحب العمل ولو عهدت إليهم أعمال مادية متواضعة، كخدم المحالات التجارية وخدم الفنادق والمطاعم والمقاهي.

كما لا يدخل في عدادها من يقومون بأعمال ذهنية مع العلم، ولو كانوا متصلين بشخص الإنسان (المخدوم) كالمدرس الخاص، أو السكرتيرة الخاصة.

وتطبيقا لما تقدم يعتبر الحارس خادما إذا كان يؤدي عمله لمسكن خاص، ولا يعتبر كذلك إذا خصص لمبنى كبير مؤجر لسوي المالك بقصد الاستغلال وأيضا سائق السيارة يعتبر خادما إذا كانت السيارة مخصصة لركوب صاحبها أو ركوب أفراد عائلته، ولا يعتبر كذلك إنا كان هذا الأخير يؤجرها لغيره أو خصصها لأعمال متجره أو شركته أو مزرعته أو معلمه مثلا.

ويؤكد الفرق وجوب اتصاف العلاقة بين الخادم والسيد بصفة الاستمرارية، فلا يدخل مثلا في طائفة الخدم البستاني الذي يشذب حديقة المنزل بضع ساعات في الشهر، أو العامل الذي ينظف المنزل يوما في الأسبوع، ولكنهم مع ذلك لا يخضعون لقانون العمل لأنهم في حكم خدم البيوت الذين يشملهم نص القانون بالاستثناء وإن كانوا لا يعتبرون خدما على الوصف القانوني الدقيق.

ويمكن الأخذ على هذا الاتجاه أنه عند استثناء طائفة تقوم بأعمال ذهنية من طائفة خدم المنازل كالسكرتير الخاص، والمدرس الخاص، على أساس أن هذه الأعمال لا تحتاج إلى شيء من العقل فإن الأعمال اليدوية الأخرى حتى لم اعتبرت يدوية فإنها في الغالب لا تحتاج إلى شيء من الإدراك واستخدام العقل.

وأما التشريع الإسباني فقد جاء فيهعن علاقة العمل الخاصة بالخدمة في المنازل هي تلك التي تربط صاحب البيت بالخادم من أجل أداء الخدمة في البيت العائلي، وان موضوع هذه العلاقة هي الخدمة والأنشطة المنزلية المقدمة في المنزل، وإدارة هذه الأنشطة لأعضاء العائلة داخل البيت، وكذا أعمال الحراسة والعمل بحديقة البيت وسياقه السيارة

وعرفه التشريع الإيطالييحدد مجال العمل المنزلي بالنسبة للأشخاص الذي يمارسون أعمال لحساب مشغل واحد وعلى الأقل أربع ساعات في اليوم، التغطية الاجتماعية تطبق على جميع خدم البيوت كيفما كانت مدة عملهم“.

وعرفه المشرع المصريخدم البيوت هم من يقومون بالأعمال اليدوية أو المادية دون الأعمال الذهنية أو العقلية، بحيث يخرج عن طائفة الخدم المقصودة بالاستثناء ويخضع بالتالي لأحكام تقنين العمل كالسكرتير الخاص، وأمين المكتبة الخاصة، وهما يقومان بعمل ذهني في خدمة صاحب المنزل، أما الطاهي ومساعده ومن يقوم بتنظيف المنزل وقضاء حاجات ذويه، فيقومون بأعمال مادية تعتبر من قبيل الخدمة وقضاء حاجات ذويه، فيقومون بأعمال مادية تعتبر من قبيل الخدمة في المنازل، مما يجعلهم خاضعين لأحكام التقنين المدني لأحكام تقنين العمل وبالتشريع المصري قواعد قانون العمل لا تسري على خدم البيوت، وإنما تسري عليهم قواعد القانون المدني لأنهم يتصلون اتصالا مباشرا بشخص المخدوم أو ذويهم، مما يمكنهم من الاطلاع على أسرارها وشؤونهم الخاصة، والمشرع المصري أضاف إلى خدم التنازل، عبارة ومن في حكمه، ويقصد بذلك الطهاة وسائقي السيارة الخصوصيين والمنظفات والمربيات، وإذا كان خدم المنازل لا يخضعون لقانون العمل، فإنهم يخضعون للتامين الاجتماعي وذلك طبقا لقرار وزير التأمينات، إذ أن أحكام التأمين تسري على جميع المواطنين من فئة القوى العاملة الذين لا تشملهم أحكام قوانين المعاشات والتأمينات الاجتماعية. ومنهم خدم التنازل الذين يخضعون للتأمين الاجتماعى الخاص بالعاملين.

فإنه من الصعوبة استخدام هذا المعيار بشكل مطلق للتمييز بين الطائفتين ففي أعمال المدرس والسكرتير جانب من العمل اليدوي، وفي عمل خدم المنازل جانب من استخدام العقل ولكن يظهر أن هذا الرأي يستند إلى الصفة الغالبة في كل من الصنفين حيث أن السمة الغالبة في عمل خدم التنازل هي العمل اليدوي بعكس الطائفة الأخرى،  حيث فيها السمة الغالبة لعملهم العمل الذهني، السكرتير مثلا يستخدم الآلة الكاتبة أو الكومبيوتر والمدرس يقوم بالكتابة على السبورة وصحح الدفاترالخ. وإن كان الطابع الغالب لعملها هو العمل الذهني. ومن الآراء الفقهية الأخرى التي طرحت في هذا الصدد ما ذهب إليه الأستاذ الدكتور غالب الدودي من أنه يقصد بخدم المنازل العمال الذين يشتغلون عادة في أعمال تحتاجها العائلة في البيت، كالبواب والبستاني والطباخ وسائق السيارة والمرضعة والخادمة المنظفة وحارس البناء وخادم السفرة، لان طبيعة العمل الذي يؤديه هؤلاء تختلف عن طبيعة العمل الذي يؤذيه عمال العمل التابع فعملهم ذو صلة مباشرة بمخدوميهم ويمكنهم الاطلاع على أسرارهم وشؤونهم الخاصة، كما أن عملهم ينبني على أساس الثقة التي لا تتوفر في باقي علاقات العمل، وأن استمرار بعضهم في العمل لمدة طويلة في البيت يخلق شهور التعاطف المتبادل بين الطرفين فلا يحتاجون إلى حماية تشريعية.

ومن خلال كل ما سبق فإن الخادم يلتزم بأداء العمل المكلف به وفق ما تفرضه عليه قواعد العقد وعليه الالتزام بتعليمات وتوجيهات المخدوم وعلى المخدوم أن يلتزم بدفع الأجر المتفق عليه للخادم، وهذه الالتزامات هي التزامات رئيسية لطرفي العقد التي يجب تنفيذها إضافة إلى التزامات أخرى سوف تتطرق اليها لاحقا.

الفقرة الثانية: صاحب البيت

من مزايا هذا القانون أيضا أنه أعطى تعريفا لصاحب البيت بحيث يحل محل تسمية المشغلة أو المشغل، وقد تم تعريفه في المادة الأولى بأنهكل شخص ذاتي يستأجر عمل عاملة أو عامل منزلي لإنجاز الأشغال المنصوص عليها في المادة الثانية أو احدها“.

يبين من خلال التعريف أن صاحب البيت هو كل شخص ذاتي أي شخص طبيعي وليس اعتباري كما نصت عليه مدونة الشغل في مادتها السادسة، بأن المشغل هو كل شخص اعتباري خاصا كان أو عاما وذلك لأن العامل المنزلي يجب أن يكون في خدمة شخص ذاتي وليس في خدمة شخص اعتباري، لأنه إذا كان في خدمة شخص اعتباري لا يعد عاملا منزليا.

المطلب الثاني: شروط شغل وتشغيل عمال المنازل

خصص القانون 19.12 الباب الثاني لشروط تشغيل العاملات وعمال المنازل والذي جاء في عشرة مواد، تطرق من خلالها إلى  كيفية إبرام عقد شغل وشروط الإبرام والتزامات الأطراف، بحيث نصت المادة الثالثة على أنه يتم تشغيل العامل المنزلي بمقتضى عقد عمل محدد  أو غير محدد المدة، يعده المشغل وفق نموذج يحدد بمقتضى نص تنظيمي، ويوقع هذا العقد من قبل المشغل والعامل المنزلي، يحرر العقد في ثلاث نظائر يحتفظ المشغل بنسخة ويسلم العامل النسخة الثانية ويودع الثالثة لدى مفتش الشغل. ويمكن أن يكون العقد شفوي ويتم إثباته بكل وسائل الإثبات.

كما كان يكون العقد شفوي ويتم إثباته بكل وسائل الإثبات.

كما أن المشرع حدد سن التشغيل في 18 سنة كحد أدنى لا يجوز للمشغل النزول عنه، لكنه عاد وفتح الباب أمام إمكانية تشغيل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 سنة، وذلك خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، إضافة إلى أن المشرع حدد شروط من تشغيل الأجانب باعتبار ان المغرب صادق على عدة اتفاقيات في هذا الصدد.

الفقرة الأولى: تشغيل الأحداث

جاء القانون 19.12 أكثر حماية من الاتفاقية رقم 138 التي حددت سن العمل في 15 سنة كحد أدنى، وذلك على اعتبار أن الاشتغال بالمنازل خاصة الأعمال التي تتعلق بالتنظيف والطبخ وكذا رعاية الأطفال. تبقى أعمال يصعب تصور القيام بها من طرف طفل لا يتجاوز 18 سنة. والاضطلاع بها بالشكل المطلوب والذي يرضي المشغلة او المشغل، بل إن البيئة الاجتماعية للبيت والأسر المغربية، قد يكون لها تأثيري الصحة النفسية والسلوك الأخلاقي، كما أن تشغيل الأطفال في سن مبكرة ينتج جملة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، بحيث يمنع هؤلاء الأطفال من متابعة دراستهم، كما تنتهك قوتهم قبل الأوان.

لكن المشرع نص استثناءا على إمكانية تشغيل الأطفال في أعمال منزلية تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 سنة بشرط الحصول على إذن مكتوب وموقع على صحة إمضائه من لدن أولياء أمورهم، كما يحرض العمال المنزليين المتراوحة أعمارهم ما بين 16 و18 سنة وخضوعهم  إلزاميا إلى فحص طبي كل ستة أشهر وعلى نفقة المشغل.

يتضح من خلال هذه المقتضيات أن المشرع سمح بتشغيل الأطفال في سن 18 سنة علما أن مدونة الشغل سمحت بتشغيل الأطفال في سن 15 سنة واعتبرته كحد أدنى. وعلى كل حال سواء سن 15 أو 16 سنة في الأمر لا يختلف ما دام الأمر يتعلق بطفل لم يصل بعد سن الرشد، إذ أن القانون المغربي حدد سن الرشد القانوني في 18 سنة شمسية كاملة، واتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب تعتبر الطفل في مادتها الأولكل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة“.

ومعلوم أن الموقع الطبيعي للطفل هو المدرسة أو مراكز التكوين وكذا موقع اللعب والترفيه التي تساهم في نوه وتكوين شخصيته، ومعلوم أيضا أن العمل هو مسؤولية ترتب التزامات وحقوق لكل طرف في مواجهة الطرف الآخر مما يفرض وعيا ونضجا ومسؤولية قانونية واجتماعية لا تتوفر للشخص القاصر. بل إن الواقع العمل يثبت صعوبة الأمر حتى بالنسبة للراشدين فبالأحرى القاصرين. فالعمل المنزلي هو عمل شاق ودقيق على عكس ما يعتقد البعض، خاصة أن المشرع اعتبر من الأعمال المنزلية، الاعتناء بفرد من أفراد البيت بسبب سنه أو عجزه أو مرضه أو لكونه من ذوي الاحتياجات الخاصة، والاعتناء بالأطفال، فكيف يعتني طفل بطفل أو بتمريض شخص مريض أو من ذوي الاحتياجات الخاصة؟ فضلا عن الطبخ والتنظيف وغيره. كل هذا يجعل مقتضى السن في هذا القانون من أكبر نقط ضعفه، بل إن كثير من جمعيات المجتمع المدني اعتبرت تشغيل القاصرين بمثابة انزلاقة خطيرة للمشرع لابد له من التراجع عنها. برغم من أن المشرع اقترح مرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات. وهي ليس لها أي مبرر قانوني أو اجتماعي، كان الأجدر به اعتماد سن الرشد مباشرة ويمكن فقط منح أجل قصير لتسوية وضعية العمال القاصرين وهذا لا يمكنه أن يتعدى شهورا.

وعموما يعتبر موضوع تشغيل القاصرين من المواضيع التي أسالت مداد رجال القانون، وذلك بسبب اغتصاب الطفولة، إذ لم يستطع العالم بجميع منظماته أن يقضي على الظلم الاجتماعي الذي يتجلى في الفقر والجهل والذي يدفع بأعداد كبيرة من الأطفال إلى سوق الشغل. حيث يخضعون لظروف غير إنسانية من قسوة واستغلال. لذلك لابد من خلق قانون يتماشى مع رغبة وطموح المغرب في التوفر على تشريع وطني ملائم يجنبه جميع الانتقادات لاسيما تلك الصادرة عن المنظمات المهتمة بظاهرة تشغيل الطفلات والأطفال، وأن يساهم في تجفيف المنابع التي تغذي هذه الظاهرة المشينة، خصوصا الوسطاء فالخادمات اللواتي تأتي العمل في البيوت لا يصلن بدون وسطاءسماسرةيكونون صلة الوصل بين العائلات التي ترغب في تشغيل بناتها، وبين العائلات التي تبحث عن عاملات المنازل، بل إنها تنشط شبكات سرية أحيانا وعلنية أحيانا أخرى في مجال الوساطة لتشغيل الخادمات. فالنسبة لعاملات المنازل نجد أن لكل واحدة منهن ظروفها الخاصة التي تدفعها للخروج إلى العمل في البيوت. إذ أن غالبيتها يتوافدن من البادية في إطار الهجرة القروية، وهروبا من الظروف المادية القاسية، التي تتمثل في كل الأحوال في الفقر المدقع الذي تعيشه عائلاتهن، وعجز رب الأسرة عن إعالة الأفراد الذين هم تحت نفقته فيهديتحت طائلة الإغراءإلى الدفع ببناته أو إحداهن إلى سوق العمل في المدينة، حيث تنشط حركات الوسطاء أو بمعنى أصحسماسرة البشرالذين لا يتوانون في البيع والشراء في هذه الأجناس وعقد صفقات على حساب القاصرات اللاتي لا حول ولا قوة لهن، مما يستدعي منهم طأطأة الرأس، والرضا بالشيء القليل مقابل ما تبذله من مجهود كخادمات داخل البيوت التي تستعين رباتها العاملة. أما بالنسبة للأسر المشغلة فهي أيضا تختلف ظروفها، فهناك نساء موظفات وهن في حاجة إلى من يقوم بأشغال البيت في غيابهن، وهناك أخريات لا تسمح لهن حالاتهن الصحية بالقيام بأعباء البيت لوحدهن فليتخذن العاملة ليستعن بها في أمورهن، ثم إن هناك فئة أخرى من النساء المشغلات يتخذن العاملة للتباهي أمام الناس، أن فلانة لديها عاملة إذن هي ميسورة.

ولعل القاسم المشترك بين أرباب البيوت من اختيار قاصرات للعمل عندها خوفا من أن تأخذ منها زوجها وهذا كثير الوقوع، ولابد من التطرق إلى الكيفية التي يتم بها الحصول على العاملة، فبعد الكثير من الاستفسارات وجمع بعض الآراء، اتضح أن سوق العاملات تعمه الفوضى وتسيب كبيرين، وأن سلبياته أكثر بكثير من إيجابياته، وأبطال هذه السوق هم السماسرة، الذين يتوسطون بين ولي الخادمة الباحثة عن شغل والعائلة التي في حاجة إلى عاملة، ليتم الاتفاق مع السمسار على ظروف العمل وحتى الثمن، وكثير من الأولياء لا يولون اهتماما لتعب وعناء بناتهم، علاوة على النظرة التي تنظر إليها قرينتها وكأنها ناقصإضافة إلى الوضعية المتدهورة التي تكون عليها داخل بيت الشغل، خصوصا نومها وهندامها واكلها، كأن تأكل داخل المطبخ وتنام بمفردها داخله أو في البيت المخصص للتصبين، فضلا عن إعارتها لبعض الأقارب والمعارف والجيران، خلال المناسبات والأفراح لاستعان بخدماتها لتصبح كعبد في يد حامله ينقله متى وأين شاء، في غياب أي تنصيص عن التعويض على الساعات الإضافية، ناهيك عن الإهانة المستمرة وكالسب والشتم والضرب وكل أنواع التعذيب، كما حدث مع الطفلة فاطمة من أكادير التي قامت مشغلتها بحرقها بالزيت وكيها، إضافة إلى الكارثة العظمى التي تنزل كالصاعقة على رؤوس معظم العاملات المتجلية في الاغتصاب، بحيث يتهجم عليها صاحب البيت الذي تشتغل فيه أو أحد أبناءه أو حتى الأقارب، الشيء الذي يكون السبب الرئيسي لضياع هذه العاملة المغلوبة على أمرها، فتقوم ربة الأسرة بطردها فتخرج إلى الشارع لتعزز طوابير بائعات الهوى. ولهذا فالمشرع جرم التوسط بين العامل المنزلي وصاحب البيت بصفة اعتيادية من طرف الأشخاص الذاتيين.

كما أن تشغيل الفتيات القاصرات من الظواهر المستفحلة التي تلقي بظلالها على المجتمع ككل، لهذا فإن تنصيص المشرع على تشغيل القصر ما بين سنة 16 و18 سنة يجب أن يلغى نظرا لان هؤلاء الخادمات مكانها هو المدرسة.

الفقرة الثانية: تشغيل الأجانب:

لقد جرمت المادة 521 من مدونة الشغل عدم احترام قيود تشغيل الأجراء الأجانب، وعاقبته من 2000 إلى 5000 درهم.

فمن خلال هذا النص، المجرم لتشغيل الأجراء الأجانب دون احترام الشروط المحددة قانونا، أنيط بالقانون الجنائي دور المقيد لحرية المشغل في التعاقد مع الأجراء الأجانب ما دام أن مهمته تتحدد في ضمان احترام شروط هذا النوع من التعاقد.

وفي هذا التدخل الجنائي الذي اهتما بتبنيه جل تشريعات العمل المقارن، يجد تبريره في اعتبارات وطنية تتمثل أساسا في ضمان حماية اليد العاملة الوطنية من المنافسة التي قد تكون اليد العاملة الأجنبية مصدرا مباشرا لها وإن كانت هاته الأخيرة قد يحتاجها البلد المستقبل لها بصفتها احد المقومات التنموية، فإن فسح المجال لكل أجنبي رغب في العمل داخل بلد غير بلده، سيساهم في جعل اليد العاملة الأجنبية مصدر مضايقة، ومصدر مشاكل اقتصادية واجتماعية للبلد المستقبل، كما أن هذا التدخل الجنائي في مادة تشغيل الأجانب، يمتد أثره ليضمن حماية اليد العاملة الأجنبية نفسها، حيث أن احترام هاته الفئة لشروط تشغيلها، من شأنه أن يحميها من كل تعسف قد تتعرض له، وهي في وضع غير قانوني، بل يلزمها بقبول شروط العمل كيفما كانت، خاصة وأن الأمرفي غالب الأحيانيتعلق بأيادي عاملة بيت ذات كفاءة عالية، كما يمتد أثره ليضمن بسط نوع من الرقابة على دخل اليد العاملة الأجنبية المهاجرة، وبالتالي حماية سوق الشغل الداخلية، وبطريقة غير مباشرة ضمان توازن الاقتصاد الوطني، وذلك عن طريق قياس الحاجات الحقيقية للاقتصاد وضبط إمكانية وحدود استيعاب اليد العاملة الأجنبية.

ويعتبر حصول الأجير الأجنبي على ترخيص للعمل من الجهة المختصة في البلد المستقبل من أهم شروط إضفاء الصفة القانونية على عمله.

حيث يعتبر قيام مشغل باستخدام أجير أجنبي غير حاصل على هذا الترخيص، بمثابة جريمة معاقب عليها، لما فيه من مس باليد العاملة الوطنية، وإخلالا بالتوازن الاقتصادي الوطني على المدى البعيد، ومسؤولية المشغل الجنائية تتار في هاته الحالة، لأنه يصنف كضامن لحسن تنفيذ عمليات المراقبة التي يقوم بها الجهاز الحكومي من خلال عملية منح الترخيص، ودوره هذا يفرض عليه منطقياعدم استخدام أجير أجنبي غير حاصل على ترخيص عمل، ذلك أن الأجير الأجنبي الغير حاصل على ترخيص عمل، لا يخرج وضعه على إحدى الحالات التالية:

إما انه لم يتقدم بطلب هذا الترخيص، وبالتالي فالشك الذي يحوم حول أسباب موقفه هذا، بل إن وضعه الغير القانوني والذي يستوجب طرده من البلاد، يجب أن يكون كافيا لرفض استخدامه من طرف المشغل.

إما أن الجهة المختصة رفضت منحه الترخيص، أو انه تم إلغائه أو سحبه، وفي هاته الحال صار تواجده غير قانوني، وهو ملزم قانونا بمغادرة البلاد، فكيف يتسنى لمشغل غض الطرف عن كل هاته الأمور، والقيام باستخدام هذا الأجير، دون ان  متابعته جنائيا؟

وهكذا فقد ألزم المشرع المغربي كل مشغل يرغب في تشغيل أجير أجنبي أن يحصل على ترخيص بذلك من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، او من السلطة المفوض لها هذه الصلاحية من طرف الوزير، ويكون هذا الترخيص على شكل تأشيرة توضع على عقد الشغل، وعليه، فإن المشغل الذي يتقاضى على احترام هذا القيد، ويقوم بتشغيل أجير أجنبي دون أن يتوفر على الترخيص المذكور يكون مرتكبا لجنحة ضبطية أو مستحق لجزاء جنائي، قدره المشرع بغرامة قد تصل إلى 2000 درهم.

وكذا تعتبر الأفعال المادية التالية:

عدم مطابقة العقد الخاص بالأجير الأجنبي للنموذج المحدد من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل.

عدم تضمين العقد في حالة رفض منح الترخيص المذكورإلى تزامن المشغل بتحمل مصاريف عودة الأجير الأجنبي إلى بلده، أو البلد الذي كان يقيم فيه.

وهي جنح ضبطية تتحقق بمجرد اقترافها كأغلب جرائم الشغل، دون انتظار تحقق نتيجة معينة، وقد سبق للقضاء الفرنسي أن ذهب إلى حد اعتبار جريمة تشغيل أجير غير حاصل على ترخيص العمل محققة بمجرد ثبوت اقتراف الفعل المادي، ولو تمت إقامة الحجة على النية الحسنة للمشغل، أو اختفاء النية التدليسية، أو تأخير الإدارة في منح الترخيص.

كما أن القضاء الفرنسي قد ذهب إلى اعتبار تسوية وضعية الأجنبي، في وضعية غير قانونية يؤدي إلى إلغاء الجريمة.

وجريمة تشغيل الأجراء الأجانب في وضعية غير قانونية، وهي جنحة غير عمدية  وقد تحتمل عنصر العمد، الذي لأجل إثباته يتعين إقامة الدليل على أن المشغل كان على علم بالوضع غير القانوني للأجير، ومع ذلك قام بتشغيله.

وإقامة هذا الدليل هو من السهول بمكان إذا استحضرنا الالتزامات الملقاة على عاتق المشغل، فالمادة L-1-8251 من قانون العمل الفرنسي تلزم المشغل بأن يستعلم عن جنسية الشخص الذي يشغله، وهو ما يفضي إلى أن يتأكد من أن الأجير الأجنبي يتوفر على رخصة الإقامة، كما يفرض القانون على المشغل ضرورة التأكد مما إذا كان الأجير يتوفر على ترخيص ممارسة عمل مأجور (المادة L.8.5221 من قانون العمل الفرنسي).

وهل السؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح هو: ما مصير عقد العمل الغير مستوفي للشروط المتطلبة في تشغيل الأجراء الأجانب؟

فبالإضافة إلى اتفاق التشريعات حول تجريم خرق مقتضيات تشغيل الأجراء الأجانب؟

وإضافة إلى اتفاق جل التشريعات حول تجريم خرق مقتضيات تشغيل الأجراء الأجانب، انقضت كذلك حول بطلان عقد العمل الذي يربط بين الأجير الأجنبي المتواجد في وضعية غير قانونية، ومشغله بطلانا مطلقا، وهذا البطلان يستند على خرق قاعدة من النظام العام، على مجرد تجاهل مقتضى قانوني، وهذا هو الاتجاه الذي سار عليه القضاء الفرنسي إلى غاية صدور قانون 17 أكتوبر 1981، حيث انه يعد صدور هذا الأخير، تخلى القضاء الفرنسي عن تقنية بطلان العقد، ذلك أن المادة 341-6-1 المتضمنة للقانون المذكور (المادة 1-8251-L حاليا)، قد أقرت للأجير الأجنبي مجموعة من الحقوق رغم  بطلان العقد، حيث جعلت الأجير الأجنبي المتواجد في وضعية غير قانونية، شبيه من حيث الحقوق بالأجير الفرنسي في وضعية غير قانونية، وتمثلت أهم الحقوق المعترف بها، في الحق على الحصول على الأجر وملحقاته بناء على المقتضيات القانونية والتنظيمية، والشروط العقدية، وفي حالة وقف علاقة العمل، يساوي أجر 3 أشهر، ما لم تقرر الاتفاقات العقدية ما هو أفضل (22-8252-L)، حيث انه وكما ذهب إلى ذلك القضاء الفرنسي، فعدم قانونية الإقامة تشكل سببا لوقف عقد العمل، ولا تشكل خطأ يبرر المنع من تعويضات الفصل، فالمادة 1-8251-L من قانون العمل الفرنسي تلزم المشغل بإنهاء عقد عمل الأجير الأجنبي في وضعية غير قانونية، وبالمقابل فهذا الأخير يستفيد من مقتضيات قانون العمل الفرنسي، خاصة حقه في الحصول على أجره، باستثناء القواعد القانونية المنظمة لمسطرة الفصل من العمل، ويمكن أن يضاف إلى هذا التعويض الجزافي التعويض عن الضرر الخاص عند تحقق وقوعه، حيث يمكن القول بان المشرع، وبقصد تحقيق الردع، قام بإلزام المشغل بنفس الالتزامات التي تقع على عاتقه حيال العقود الصحيحة، إضافة إلى العقوبات ذات الطابع الإداري والجنائي، عوض تجريد عقد العمل الغير القانوني الذي يربط المشغل بالأجير الأجنبي من أثاره. أما الفقه المصري فقد اتفق على اعتبار عقد العمل الذي يربط المشغل بالأجير الأجنبي المتواجد في وضعية غير قانونية باطلا بطلانا مطلقا.

وبالنسبة للتشريع المغربي، فلم يتبين أي موقف صريح بشان المسألة، وكذلك الأمر بالنسبة للفقه والقضاء الذين التزما الصمت كذلك، عوض سد هذا الفراغ التشريعي، إلا أننا نرى ومسايرة كما استقر عليه الفقه في فرنسا ومصر، وترجيحا للقاعدة العامة التي تقضي بان ما بني على باطل فهو باطل، أن مصير عقد الشغل المبرم بين مشغل وأجير أجنبي في وضعية غير قانونية هو البطلان المطلق.

المبحث الثاني: حقوق والتزامات عمال المنازل

من الضروري أن يكون الخادم الذي يقوم على شؤون البيت  ومصالح الأسرة سواء أكان رجلا أو امرأة، من الأمناء الملتزمين بالخلق الرفيع، وعلى أهل البيت أن يحسنوا معاملة الخدم وأن يراعوا إنسانيتهم والرفق بهم، ويمكن أن يكون المخدوم في ذلك وسطا بين اللين والخشونة، فظاهرة الخدم رافقتها بعض المظاهر السلبية إذ هناك بعض الشكوى للعمال المنزليين ضد أرباب العمل، فمنهم من يشتكي من سوء المعاملة وأخرى اعتداءات جسدية وأخرى جنسية، أو الشكوى من عدم كفاية الطعام، أو الأجر الهزيل، وبالمقابل فإن أرباب العمل يشتكون من العاملة المنزلية، عدم إتقانهم العمل أو تعرض منازلهم للسرقة واستغلال المعاملة الحسنة من قبل أرباب العمل.

المطلب الأول: حقوق عمال المنازل

تطرق القانون رقم 19.12 المتعلق بشروط شغل وتشغيل العمال المنزليين في الباب الثالث إلى الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية وأيام الأعياد الوطنية والدينية ومدة العمل بحيث حدد المشرع هذه الأخيرة في 48 ساعة موزعة على أيام الأسبوع باتفاق الطرفين، في حين حددها في 40 ساعة في الأسبوع بالنسبة للعمال المتراوحة أعمارهم ما بين 16 و18 سنة، أما بخصوص الراحة الأسبوعية فقد حددها في 24 ساعة متصلة وفتح المشرع الباب الأجل اتفاق الطرفين على تأجيل الاستفادة منها وتعويضها في أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر، كما تستفيد الأم العاملة المنزليةمن استراحة يومية خاصة براضعة إثر الوضع مدتها ساعة يوميا وتستمر على غاية اثني عشر شهرا متوالية، كما أن هذه الراحة مستقلة عن الراحة اليومية التي تستفيد منها العاملة المنزلية. إلا انه باتفاق الطرفين أي المشغل والعاملة المنزلية المرضعة أن تستفيد هذه الأخيرة من المدة المذكورة بشكل يلاءم ظروف العمل لكنه أغفل التنصيص إذا كانت هذه الراحة مؤدى عنها أم لا.

في ما يخص العطلة السنوية فقط تطرقت لها المادة 16 التي نصتستفيد العاملة  أو العامل المنزلي من عطلة سنوية مدفوعة الأجر إذا قضى سنة متصلة في خدمة المشغل، على ألا تقل مدتها عن يوم ونصف يوم عمل كل شهر. يمكن تجزئة العطلة السنوية أو الجمع بين أجراء مدتها على مدى سنتين متتاليتين، إذا اتفق الطرفان على ذلك.

ومن حقوق العامل المنزلي التي نص عليها المشرع الراحة مؤدى عنها خلال أيام الأعياد الدينية والوطنية كما انه هي أيضا يمكن باتفاق الطرفين تأجيل الاستفادة منها. ومنح أيضا رخص التغيب لأسباب عائلية وفي حالة زواجه يستفيد من سبعة أيام منها أربعة أيام مؤدى عنها الأجر، وفي حالة زواج أحد أبناء العاملة أو العامل المنزلي أو احد ربائبه يستفيد من يومان، وفي حالة وفاة زوج العاملة أو العامل المنزلي أو احد أبنائه أو أحفاده أو أصوله ربائبه من ثلاثة أيام ويومان في حالة وفاة أحد إخوته أو إخوة زوجه أو احد أصول زوجه، كما يستفيد من يومان بمناسبة إجرائه لعملية جراحية او أحد أبناءه، ويوم واحد في حالة فقدان أحد أبناءه وبمناسبة كل ولادة فهو يستفيد من إجازة مدتها ثلاثة أيام، وهذه التغيبات كلها غير مدفوعة الأجر باستثناء التغيب بمناسبة زواج العامل أو العاملة المنزلي فإنها يؤدى عنها الأجر كاملا.

كما أعطى المشرع الحق للمشغل في خصم كل يوم عند تغيب العامل المنزلي بدون ترخيص منه بحيث يخصم مقابله من الأجر إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك. كل هذه التغيبات التي أشار إليها المشرع هي نفسها التي نظمتها مواد مدونة الشغل في المواد 269 و274، ويلاحظ فقط أنها جاءت موافقة لما جاء في مدونة الشغل باستثناء زيادة ثلاث أيام عن التغيب بسبب زواج العامل المنزلي، لتصير المدة سبعة أيام مؤذاة الأجر عن أربعة أيام منها فقط.

في ما يخص الأجر فقط تطرق له المشرع في المادة 19 التي نصتلا يمكن أن يقل مبلغ الأجر النقدي للعاملة أو العامل المنزلي من 60 بالمائة من الحد الأدنى القانوني للأجر، المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة، ولا يمكن بأي حال من الأحول اعتبار مزايا الإطعام والسكن ضمن مكونات الأجر النقدييلاحظ من خلال هذه المقتضيات أن المشرع اعتبر ضمنيا أن الطعام والسكن بمثابة الجزء الثاني للحد الأدنى القانوني للأجر للعامل المنزلي، ويستحق هذا الأخير أجره عن نهاية كل شهر ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.

وإن كان المشرع قد تطرق  إلى كيفية إبرام عقد الشغل بحيث يتم تشغيل العامل بناء على تصريح يعده صاحب البيت وفق نموذج يحدد بنص تنظيمي، ويوقع هذا التصريح من قبل صاحب البيت والعامل المنزلي على أن تراعى عند التوقيع الشروط المتعلقة بالأهلية المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود، لكن يمكن أن يكون العقد شفوي ويمكن إثباته بكل وسائل الإثبات. أن العامل المنزلي من حق أن يعلم بكل مرض معدي يعاني منه المشغل أو أي فرد من أفراد أسرية، هذا إضافة أنه يمنع على المشغل تشغيل العاملات والعمال المنزليين ما بين 16 و18 سنة ليلا أو في أماكن مرتفعة غير آمنة، أو حمل الأجسام الثقيلة، واستعمال التجهيزات والأدوات والمواد الخطرة، وفي الأشغال التي تشكل خطرا يضر بصحتهم أو سلامتهم أو بسلوكهم الأخلاقي أو قد يترتب عنه ما قد يخل بالآداب العامة. كما أن المشرع أحال على نص تنظيمي بخصوص تحديد لائحة الأشغال الممنوعة على العاملات او العمال المنزليين المتراوحة أعمارهم ما بين 16 و18 سنة.

كما يتوجب على المشغل أن يتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة العاملات أو العمال المنزليين وصحتهم وكرامتهم عند أدائهم العمل الذي ينجزوه تحت إمرته، كما أن القانون خول للعمال المنزليين الحق في الاستفادة من برامج محو الأمية والتربية غير النظامية وبرامج التكوين المهني. إضافة إلى مادة جديدة تنص على رفع فترة التجربة من ثمانية أيام على خمسة عشر يوما مؤدى عنها الأجر. وخلال هذه الفترة يمكن لأحد الطرفين إنهاء عقد الشغل بإرادته ودون تعويض الطرف الآخر. كما يتوجب على المشغل عند إنهاء عقد الشغل تحت طائلة أداء تعويض، أن يسلم الأجير شهادة شغل داخل أجل أقصاه ثمانية أيام، حسب منطوق المادة 10 كما يجب أن تتضمن شهادة الشغل تاريخ التحاق العامل بالبيت وتاريخ مغادرته له، وأنواع الأشغال التي شغلها، وبإنفاق الطرفين يمكن تضمين شهادة الشغل بيانات تتعلق بالمؤهلات المهنية للعامل  أو العاملة المنزلي.

كما يستفيد العامل المنزلي عند إنهاء عقد الشغل تعويضا عند فصله إذا قضى سنة متواصلة من الشغل الفعلي لدى نفس المشغل وهي نفس التعويضات التي نصت عليها مدونة الشغل، بحيث أن المشرع أعطى لكلا الطرفين الحق في إنهاء عقد الشغل غير المحدد المدة بناءا على إرادة الطرفين إذ يمكن للعامل المنزلي إنهائه عن طريق تقديم استقالتهم كما يمكن للمشغل إنهائه عن طريق فصل العامل المنزلي، وإن كان الفصل إجراء بمقتضاه ينهي المشغل عقد الشغل بإرادته المنفردة فإنه ملزم بتعويض العامل أو العاملة المنزلية إذا قضى هذا الأخير سنة من العمل عنده بشكل فعلي ومستمر بحيث يستحق:

-96 ساعة من الأجرة، فيما يخص الخمس سنوات الأولى من الأقدمية.

-144 ساعة من الأجرة، فيما يخص مدة الأقدمية المتراوحة بين السنة السادسة والعاشرة.

-192 ساعة من الأجرة فيما يخص مدة الأقدمية المتراوحة بين السنة الحادية والخامسة عشر.

-240 ساعة من الأجرة، فيما يخص مدة الأقدمية التي تفوق خمس عشر سنة.

يلاحظ من خلال هذه المقتضيات إن اشتراط المشرع أن يكون العامل أو العاملة المنزلي قد قضى مدة سنة من العمل لدى نفس المشغل، هي مدة طويلة، قد تدفع بعض المشغلين إلى التحايل من خلال فصل العامل المنزلي قبل مرور ثلث المدة وتعويضه بعامل آخر لدى يستحسن جعل هذه المدة هي ستة أشهر كما هو الشأن بالنسبة للمادة 52 من مدونة الشغل.

وعموما فإن سعي المشرع إلى تنظيم وضبط العلاقة الشغيلة التي تربط العاملات والعمال المنزليين بمشغليهم من خلال توثيق هذه العلاقة في إطار عقد شغل مكتوب يوقع عليه الطرفان ويودع لدى مفتشيه الشغل التي تتأكد من مدى مطابقته لأحكام القانون.

كما أن هذا القانون سيحد من تشغيل العاملات والعمال المنزليين دون السن القانوني للرشد المتمثل في 18 سنة بشكل غير مباشر وذلك من خلال عدم السماح بتشغيلهم دون الحصول على إذن من لولي أمورهم، وإخضاعهم لفحص طبي كل ستة أشهر وتحديد اللائحة الممنوعة والخطرة عليهم.

علاوة على ما سبق فإن هذا القانون قد نص على عدة حقوق أخرى سوف تساهم في تحسين ظروف عمل فئة من العاملات والعمال المنزليين من قبيل تحديد فترة الاختبار، ومدة العمل، والراحة الأسبوعية، والعطلة السنوية، وأيام العطل المؤدى عنها، وتعويضا عن الفصل. كما أن القانون أعطى مفتش الشغل صلاحية إجراء محاولة الصلح بين المشغل والعاملة أو العامل المنزلي وتحرير محاضر، بالمخالفات والجنح ضد المشغلين المخالفين، وتشديد العقوبات في حالة خرق المقتضيات التي نص عليها القانون، حيث أن هذه العقوبة تكون عبارة عن غرامة مالية كعقوبة أصلية والتي يمكن أن تتحول إلى الحبس في حالة العود، فإذا كان مشرع مدونة الشغل قد جعل للغرامة حدا أدنى وأقصى يتمثل في 300 و30.000 درهم فإن مشرع القانون 19.92 رفع من الحد الأدنى ليصل إلى 500 درهم، كما جرم مجموعة من الأفعال التي قد تقترف من طرف المشغل أو أي شخص آخر كتشغيل العمال المنزليين دون سن 16 سنة أو التوسط في تشغيلهم بمقابل، كما للعامل المنزلي حقوق فإن عليهم التزامات.

المطلب الثاني: التزامات عمال المنازل

أصبح وجود الخادمة بالنسبة للكثير من العائلات المغربية في السنوات الأخيرة أمرا ضروريا، وبقيت الاستعانة بها للقيام بأشغال البيت والتنظيف وحتى تربية الأولاد حاجة ملحة تدفع ربة البيت للبحث عن هذه المرأة التي تهتم بكل تلك الأمور في غيابها وكذا حضورها، ورغم الخصوصية المعروفة عن العائلة المغربية، إلا أن متطلبات الحياة بما في ذلك عمل الزوجة جعل وجود الخادمة التي كان الأهل والجيران يتوسطون لتشغيلها في البيوت، مع اشتراط أن تكون أمينة على ممتلكات وأسرار العائلة التي تعمل لديها. فإن كان دخول بعض الخادمات إلى المنازل بهدف الحصول على دخل مادي يضمن لهن قوت يومهن فهناك أخريات من كانت أهدافهن من هذه المهنة أكبر وأوسع، حاولن في البداية أن يكسبن ثقة أرباب البيوت من خلال طرق خبيثة بحجة أنها في حاجة إلى هذا العمل، وما إن يستقررن في المنزل ويطلعنا على جميع أسرار المنزل وخباياه تبدأ في تنفيذ خطتهن التي وضعتها والمتمثلة أساسا في السرقة، فهي تتحين غياب مشغلتها عن المنزل فتبحث في أشيائها الخاصة وربما تقدم على سرقتها، وكثيرة هي الحوادث من هذا النوع متفرقة عبر التراب الوطني، الذي أدانت المحاكم مثل هذه السرقات التي تعتبر خيانة الأمانة، بحيث نص الفصل 549 من القانون الجنائي على أنهترفع عقوبة خيانة الأمانة إلى الحبس من سنة إلى خمس سنوات والغرامة من مائة وعشرين إلى خمسة آلاف درهم في الحالات التالية:

إذا كان مرتكبها أجير أو موكل إضرار بمستخدمه أو موكله“.

وهذا الانتقال النوعي في شدة الجزاء يجد تبريره في القاعدة العامة للمكر والخداع، ذلك أن صاحب البيت ما كان ليشغله لولا أنه وضع فيه ثقته، وبالتالي فإن تجرأ الأجير على خرق هاته الثقة، وخيانة لهاته الأمانة، هي المبررة لتشديد الجزاء.

وعموما فإن التصاق تهمة السرقة بالخدمات هو أمر كائن في بعض المرات.

وإن كانت خادمات تقمن بسرقة أموال الأسرة التي يشتغلون عندها فهناك سرقة من نوع آخر وهي سرقة الأزواج، بحيث في كثير من الأحيان تأخذ العاملة المنزلية مكان الأم وتصبح تهتم بجميع أمور المنزل بداية من الأشغال اليومية إلى الأطفال واحتياجاتهم، وكذا الزوج الذي يرجع في كل ما يبحث عنه إلى العاملة التي هي على دراية تامة بكل صغيرة وكبيرة في البيت، هذا الوضع أعطى لها صلاحيات اكبر وأصبحت تعوض الزوجة خاصة إذا تكرر غياب هذه الأخيرة عن المنزل، هنا انطلقت الأخطاء المترتبة عن هذه التصرفات التي تصل إلى حد الخيانة الزوجية.

إضافة إلى طردهن شر طردة دون الحصول على أجورهن، وهناك من تقوم بوضع المنوم في حليب الأطفال لتفادي إزعاجهم وصراخهم مما يؤثر على طفل لا ذنب له، أو قد تسيء إلى الأطفال الذين يكونون في عهدتها مما يؤثر سلبا في تربيتهم، سواء عن وعي أو غير وعي، وفي هذا الصدد نذكر قضية الخادمة جميلة من أكاد ير التي قامت بقتل الطفلين التوأمين ادم وسارة خنقا انتقاما من والدتهما التي كانت حسب ادعائها تسيء معاملتها، لتقوم بعد ذلك بوضع الجثتين في علبة كبيرة بقبو المنزل الذي تشتغل فيه.

ورغم كل  سبق ذكره فإنه ليس كل الخادمات معرضات إلى ما سبق ذكره، بحيث نجد بعض رباب البيوت تعطف على الخادمة كما تعطف على أبناءها وترعاها رعاية فائقة كما لو كانت فرد من العائلة، وفي هذا السياق لنا في رسول الله تعالى عليه أفضل الصلاة والسلام أسوة حسنة من الواجب علينا أن نتبعها، بحيث كان صلى الله عليه وسلم في علاقته مع خادمه انس بن مالك (انس كان ابن العاشرة والسادسة عشر عند وفاة النبي الكريم)، كان يحنو ويعطف عليه ويسميهأنيسوكان انس يصف هذه العلاقة فيقول: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ما قال لي نعمل عملته أف، ولا لأمر تركته أو لم فعلته لما فعلتهومعنى هذا انه كان يعامله برقة ورقي وحتى يروى أنه كلف أنس بأمر وغاب أنس فانطلق الرسول صلى الله عليه وسلم فرآه يلعب مع الأطفال في الطريق، فلم ينهره وإنما قال: “أين أنت يا أنسومعنى الحديثوهناك حديث آخر يقول خدمكم حولكم (يعني الذين يطوفون بينكم وبين  أهاليكم أطعموهم مما تطعمون وأكسوهم وألبسوهم مما تلبسون حتى يحس الخادم بأنه من أهل البيت وانه لا يعامل معاملة كريمة، وبالتالي يتعامل مع أهل البيت بالخير والحب ويشعر بأنه مسؤول عما يتولى أمر. ويتوجب على العامل المنزلي أن يقدم لصاحب البيت جميع الوثائق التي يطلبها ولاسيما المتعلقة باسمه وعنوانه وتاريخ ازدياده ومكانه وبحالته العائلية، ونسخة من الشهادات المدرسية والمهنية التي يتوفر عليها، وعند الاقتضاء نسخة مصادق عليها من البطاقة الوطنية، وقد نص المشرع على مجموعة من العقوبات المالية في حق كل من:

عامل منزلي لم يقدم لصاحب البيت جميع الوثائق التي يطلبها.

كل عامل منزلي لم يحط صاحب البيت علما بكل تغيير يطرأ على عنوانه او حالته العائلية.

وتتراوح هذه العقوبة ما بين 300 و500

خاتمة

واضح مما سبق ،أن موضوع عمال المنازل  كان ولا زال هاجس يؤرق مضاجع العديد من الأجراء (عمال المنازل ) خاصة في ظل الوضعية الاقتصادية التي يشهدها العالم ،فالحماية  تظل أرقى الأمنيات التي يمكن التطلع إليها ليس من المنظور القانوني الصرف فقط

،وإنما أيضا من المنظور الاجتماعي للأجير الذي يظل اللبنة الأساسية في تحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي  لبلادنا ،كل هذا لن يستقيم إلا بنصوص قانونية مرنة وتطبيق سليم لها بمفهوم ونظرة القاضي الاجتماعي الذي يصدر حكم هو يعلم أنه يساهم في إحقاق الحق ويساهم في تطوير المنظومة  الاقتصادية والاجتماعية ، فالقاضي الاجتماعي لا يفصل في النزاع فقط وإنما يعمد في كل حكم من أحكامه إلى إرساء التوجه الحقوقي الذي دشنه المغرب في مسيرته الإصلاحية في منظومة حقوق الانسان .

من هنا يبرز دور القاضي الاجتماعي الذي جعله المشرع المغربي الضامن الأول لمراقبة حسن تطبيق قانون  المتعلق بعمال المنازل  من طرف أصحاب المنازل  ،وذلك في إطار مقاربة شمولية تتوخى حماية الأجير باعتباره قوة إنتاجية من جهة ، وتوفير الظروف اللازمة لضمان استقرار وتطور المقاولة كأداة فاعلة لتحقيق نهضة اقتصادية من جهة أخرى.

وتبعا لذلك فإن المشرع المغربي يحاول من خلال ما حملته مدونة الشغل وكذلك قانون 19/12 متعلق بعمال المنازل وذلك  لتوفير حماية لهم باعتبارهم الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية ،وفي نفس الوقت حاول الحفاظ على نوع من التوازن بين المصالح المتعارضة لكل من أرباب العمل والأجراء.

و تتمظهر الحماية المخولة للأجراء من خلال المساطر التي خولها المشرع لهذه الفئة ،حيث عملت محاكم الموضوع على ترسيخها في الأحكام الصادرة عنها من خلال عدة قرارات على تأكيده ،واستشراف القواعد الحمائية الخاصة ببعض الفئات الخاصة ودراسة نطاق الحماية المقررة لفائدتهم سواء من الناحية القانونية أو من خلال تطبيقاتها القضائية

وعليه بعد دراسة موضع عمال المنازل باعتباره مستجد  حولنا خروج من هذا البحث ببعد التوصيات و هي كتالي :

  • الاهتمام بالطابع الشكلي لعقد الخدمة المنزلية
  • توحيد الاجتهاد القضائي فيما يخص بعض النقط التي لازالت تعرف تضارب داخل المحاكم.
  • تعميم ونشر الأحكام القضائية المتميزة حث يسهل معرفة التوجه القضائي فيما يخص الإشكالات المرتبطة بعمال المنازل
  • تعزيز دور وتدخل مفتش الشغل في حماية الطبقة العاملة من الفصل باعتباره جهة يمثل المصالح المتعارضة داخل المؤسسة و قادر على خلق شروط الثقة بينهم.

ضرورة تدعيم دور الآليات المؤسساتية في تفعيل الحماية القانونية لخدم المنازل


–     اكتفاء المشروع بالتنصيص على وجوب ألا يقل أجر عمال المنازل عن خمسين في المائة من الحد الأدنى للأجور المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة.

–   سكوت المشروع عن تحديد الواجبات أو الالتزامات التي تقع على المشغل، خصوصا تلك المتعلقة بالتصريح بالشغل لفائدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

–    استعمال عبارات غير دقيقة وفضفاضة؛ من قبيل “أشغال مرتبطة بالبيتوأعمال خطيرة”، قد تحد من نطاق الحماية المرتقبة من هذا القانون، مما يفتح المجال أمام المشغل للتمسك ببنود هذه المواد الفضفاضة والتهرب من تطبيق المقتضيات الحمائية لهذا القانون المرتقب،

–   غياب عقوبات زجرية في المخالفات التي يرتكبها المشغل، في حق عامل المنزل، وذلك في حالة رفض منح رخصة التغيب والعطل القانونية، والاكتفاء بغرامات هزيلة في حال استخدام عمال المنازل في أعمال خطيرة أو تخل بالآداب العامة.

–       تكريس ظاهرة تشغيل القصر كخدم لمنازل في هذا القانون 

.    تحسين العلاقة بين المشغل والأجير .

وختاما فإننا نؤكد أن موضوع عمال المنازل ، يعتبر من المواضيع الشائعة والعسيرة ، ولا ننكر أنه يصعب معالجته بالبحث و الدراسة 

فالصعوبة تنبع من طبيعة قانون الشغل الذي ينعته البعض بقانون المتناقضات إضافة إلى نصوصه متعددة كما أنها كانت مشتتة ، مما يجعلها ليست في متناول المهتمين والباحثين .

ان ما يمكن ان نختم به هذه القراءة بانه اذا كان من الصعب تنظيم علاقة شغلية مابين طرفين يجمعهما مكان شغل فقط فكيف الحال بالنسبة لاطراف يجمعهما مكان شغل وفي نفس الوقت هو في نفس بيت الاسرة .

المعلومة القانونية – سكينة بونونة

باحثة في العلوم القانونية

قد يعجبك ايضا