الأساس القانوني لحالة الطوارئ الصحية بالمغرب

يعيش المغرب كباقي دول العالم حالة تفشي فيروس كورونا , كوفيد 19 هاته الجائحة التي جعلت اطباء العالم يبحثون عن الدواء المناسب لمكافحة هدا الفيروس  ,والمملكة المغربية  تحث القيادة السامية  لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ,بدورها انخرطت في ايجاد الحل المناسب لمواجهة تفشي هذا الفيروس وهو ما حصل بالفعل عن طريق اتخاد مجموعة من التدابير الاحترازية مخافة انتشار هدا الفيروس وهو ما حصل  بالفعل حيث اعلن وزير الداخلية السيد عبد الوافي لفتيت عن حالة الطوارئ الصحية بالمغرب ,عن طريق مرسوم بقانون رقم 2: 20: 292  صادر في 28 من رجب 1441 ,23 مارس 2020 يتعلق بسن حكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية واجراءات الاعلان عنها ,بالإضافة الى مرسوم رقم 2; 20 :293 صادر في 29 من رجب 1441 ,24 مارس 2020 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي كورونا كوفيد 19.

كل هذا يعلنا نطرح التساؤلات التالية:

  • ما هو الاساس القانوني لحالة الطوارئ الصحية ؟
  • ماهي الجزاءات المترتبة عن مخالفة حالة الطوارئ الصحية ؟

فالإجابة عن هده التساؤلات قمنا بتقسيم الموضوع وفقا للتصميم التالي :

  • المحور الاول : الاساس القانوني لحالة الطوارئ الصحية .
  • المحور الثاني : التدابير الزجرية المتخذة لمخالفة حالة الطوارئ الصحية ,

               

المحور الأول: الأ ساس القانوني لحالة الطوارئ الصحية

انه بالرجوع  الى دستور المملكة المغربية لسنة “2011 [1]” نجده غني بالفصول المؤطرة لحماية حقوق الانسان ,وضمان سلامته الصحية ,فالباب الثاني من الدستور الذي جاء تحث عنوان الحريات والحقوق الاساسية يكرس لهده الحماية المقررة لجل المواطنين بالمملكة ,فالفصل 20  [2] “من الدستور ينص في مضمونه على انه الحق في الحياة هو اول الحقوق لكل انسان ,ويحمي القانون هذا الحق ” ,بالإضافة الى مضمون الفصل  ” [3]21 ” كذلك هو الاخر يكرس لمبدا  السلامة الصحية حيث جاء فيه  انه لكل فرد الحق في سلامة شخصه واقربائه ,وحماية ممتلكاته . وتضمن السلطات العمومية سلامة السكان  ,وسلامة التراب الوطني ,في اطار احترام الحريات والحقوق الاساسية المكفولة للمجتمع .  كل هذا ضمان للاستقرار داخل المملكة فالفقرة الاخيرة من الفصل  “[4]24 ” اشارت الى انه حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه ,والخروج منه ,والعودة اليه مضمونة للجميع وفقا للقانون . فالإضافة الى هده الفصول هناك الفصل[5] ” 81  “من الدستور ايضا يخول للحكومة ان تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات باتفاق مع اللجان التي يعنيها الامر في كلا المجلسين ,مراسيم قوانين يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان ,خلال دورته العادية الموالية .

يودع مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب ,وتناقشه بالتتابع اللجان المعنية في كلا المجلسين ,بغية التوصل داخل اجل ستة ايام ,الى قرار مشترك بينهما في شانه ,وادا لم يحصل هدا الاتفاق ,فان القرار يرجع الى اللجنة المعنية في مجلس النواب .

ادن من خلال هده الفصول الواردة في دستور المملكة المغربية لسنة 2011 يتبين ان حالة الطوارئ الصحية جاءت مؤطرة بأساس قانوني الهدف منه هو ضمان حقوق وحريات الموطنين حفاظا على سلامتهم الصحية .

المحور الثاني: التدابير الزجرية لمخالفة حالة الطوارئ

سنحاول التطرق في هذا المحور الى  بعض المقتضيات الزجرية التي جاء بها مرسوم قانون حالة الطوارئ الصحية , لردع مخالفي أوامر السلطات العمومية بمختلف أصنافها , وذلك بمعالجة مضمون المادة الرابعة من المرسوم ( اولا ) على نتطرق أيضا للحديث عن الأثار المترتبة عن تجاوز حدود المادة الرابعة من المرسوم  (ثانيا ).

  اولا: مضمون المادة الرابعة من المرسوم

انه بالاطلاع على مضمون المادة الرابعة[6] من مرسوم قانون حالة الطوارئ الصحية[7] نجدها جاءت بطعم الردع والزجر لكل مخالف لحالة الطوارئ الصحية ,حيث نصت في مضمونها على أنه يجب على كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي اعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية ,التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية .

وقرارات واوامر السلطات العمومية هي تلك الواردة في المادة  الثالثة[8] من المرسوم نفسه حيث جاء فيها على الرغم من جميع الاحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل تقوم الحكومة خلال اعلان حالة الطوارئ باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تفتضيها حالة الطوارئ ,وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وادارية ,بواسطة مناشير وبلاغات من اجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض , وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية الاشخاص وضمان سلامتهم , كما ان هده التدابير التي اتخذتها السلطات العمومية دون استمرارية المرافق العمومية الحيوية ,وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين .

ادن يظهر من خلال مضمون المادة الرابعة يتبين على انه كل شخص يوجد في منطقة من بين المناطق التي اتخذت فيها السلطات العمومية حالة الطوارئ يعتبر مخالفا لأوامرها وقرارتها بالتالي وجب اتخاد العقوبة المقررة في حقه .

ثانيا : الآثار المترتبة عن مخالفة حالة الطوارئ الصحية

بالاطلاع على مضمون الفقرة الثانية من المادة الرابعة من مرسوم القانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية نجدها تنتص على انه ” يعاقب كل شخص خالف حالة الطوارئ الصحية من خلا ل عدم امتثاله لأوامر وقرارات السلطات العمومية بعقوبة تتراوح ما بين الحبس من شهر الى تلاته اشهر ,وغرامة مالية تتراوح ما بين “300درهم الى    1300 درهم , او بإحدى هاتين العقوبتين  وذلك دون الاخلال بالعقوبات الاشد .

كما ان المشرع من خلال الفقرة الثالثة من المادة المد كورة قرر نفس العقوبة “اذا ما تم واستعان معرقل قرارات السلطات العمومية بإحدى الوسائل التي من بينها اما استعمال العنف او الاكراه او التهديد أو التدليس او الاكراه ,او عن طريق تحريض الغير على مخالفة اوامر وقرارات السلطات العمومية ,او بواسطة الخطب او الصياح او التهديدات المفوه بها في الاماكن أو الاجتماعات العمومية ,او بواسطة المكتوبات او المطبوعات او الصور أو الاشرطة  المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع او المعروضة في الاماكن أو الاجتماعات العمومية ,أو بواسطة الملصقات المعروضة على انظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الاعلام السمعية البصرية أو الالكترونية ,أو أي وسيلة اخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة الكثر ونية .”

فباستقراء هده المادة يتضح لنا أن المشرع اعتبر مخالفة أوامر وقرارات السلطات العمومية وهي تقوم بتنفيذ مهامها أثناء حالة الطوارئ الصحية  جنحة تتراوح عقوبتها ما بين شهر الى تلاته اشهر ,وغرامة مالية ما بين  “300 ” درهم ,الى  “1300 ” درهم .

لكن اذا ما قمنا بتحليل الفقرة الثانية [9]من المادة الرابعة ,وبالضبط العبارة التي اشارت في مضمونها الى “دون الاخلال بالعقوبات الاشد ” وبالتالي ما يمكن استنتاجه من خلال هده الفقرة على ان مخالفة اوامر السلطات العمومية ,قد تتحول من مجرد مخالفة عادية لأوامر السلطات  العمومية من طرف الشخص المعني بالمخالفة ,الى الوقوع في جريمة العصيان المدني المنصوص عليها وعلى عقوبتها في مجموعة القانون الجنائي وبالضبط ضمن مضمون الفصل  “300 ” الى الفصل “308” , فما المقصود بجريمة العصيان المدني متى تتحقق وما هي عقوبتها ؟

ثالثا : جريمة العصيان المدني

بالرجوع للفصل”[10] 300  “من مجموعة القانون الجنائي المغربي نجده ينص على انه كل هجوم او مقاومة ,بواسطة العنف او الايذاء ضد موظفي او ممثلي السلطة العامة القائمين بتنفيذ الاوامر او القرارات الصادرة من تلك السلطة او القائمين بتنفيذ القوانين او النظم او احكام القضاء او قرارته او الاوامر القضائية يعتبر عصيانا .واضافت العبارة الاخيرة من الفصل ان التهديد بالعنف يعتبر مماثلا للعنف نفسه . ولقد عاقب المشرع المغربي مرتكب جريمة العصيان المدني ,طبقا لمقتضيات الفصل ” [11]301″ من القانون الجنائي الذي نص في مضمونه على انه اذا وقعت جريمة العصيان المدني من شخص او شخصين فالعقوبة هي الحبس من شهر الى سنة وغرامة مالية من ستين الى مائة درهم .

والمشرع المغربي من العقوبة المقررة لجريمة العصيان اذا ما تم وصاحبتها وسائل اخرى لارتكابها كاستعمال السلاح فهنا العقوبة ترتفع  حسب ما ورد في الفقرة الاخيرة من الفصل ”    301من مجموعة القانون الجنائي التي نصت في مضمونها على اذا كان مرتكب الجريمة او احد مرتكبيها مسلحا , فان الحبس يكون من ثلاثة اشهر الى سنتين والغرامة من مائتين الى خمسمائة درهم .

اما في حالة ارتكاب جريمة العصيان المدني من طرف اكثر من فاعل اي بصفة الجمع فهنا ايضا العقوبة ترتفع حسب الفصل” 302[12]  “من مجموعة القانون الجنائي حيث نص في مضمونه على انه جريمة العصيان المدني التي تقع من اكثر من شخصين مجتمعين يعاقب عليها بالحبس من سنة الى تلاث سنوات وغرامة من مائتين الى الف درهم .

ويكون الحبس من سنتين الى خمس والغرامة من مائتين الى الف درهم اذا كان في الاجتماع اكثر من شخصين يحملون اسلحة ظاهرة.

أما اذا وجد احد الاشخاص حاملا لسلاح عير ظاهر ,فان العقوبة المقررة في الفقرة السابقة تطبق عليه وحده .

اذن يتبين لنا من خلال الدراسة التحليلية لمضمون العبارة الواردة في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من المرسوم قانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية ان مسالة مخالفة حالة الطوارئ الصحية قد يتغير وصفها من مجرد مخالفة عادية الى الوقوع في جريمة العصيان المدني في حالة تجاوز مخالفي حالة الطوارئ الصحية حدود واوامر السلطات العمومية وهي تمارس مهامها المؤطرة بقوة القانون.

خاتمة

اخيرا يبدوا ان المملكة المغربية تحث القيادة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ,نجحت في اتخاد التدابير والاجراءات الاحترازية المناسبة من دلك اصدار مرسوم قانون خاص بسن اجراءات حالة الطوارئ الصحية بجميع انحاء تراب المملكة المغربية ,بالإضافة الى احداث صندوق مالي مخصص لمواجهة  هده الجائحة ودلك برصد اموال هدا الصندوق لدعم القطاع الصحي ودعم القطاع الاقتصادي المتضرر من جراء هده الجائحة , بالإضافة الى تسخير الطب العسكري للعمل يدا في يد مع الطب المدني .كما لا ننسى الدور الذي تلعبه السلطات بمختلف اصنافها اليوم من اجل توفير الامن والاستقرار للمجتمع بالإضافة  الى   دور المجتمع المدني حيث كان له دور فعال في محاربة هدا الوباء عن طريق امتثاله لا وامر وقرارات السلطات العمومية وهي تقوم بتنفيذ مهامها وغيرها من الاجراءات .كل هذا يجعل بلدنا اليوم يسير صوب النجاح للقضاء ومحاربة هذا الفيروس مقارنة مع باقي دول العالم .

بيبليوغرافي

[1] :انظر دستور المملكة المغربية ,الصادر بمقتضى الظهير الشريف رقم 1;11 :91  صادر في 27 من شعبان 1432, 29 يوليو 2011 بتنفيذ نص الدستور .

[2] : الفصل ” 20 ” من الدستور .

[3] : الفصل” 21 ” من الدستور .

[4] : الفقرة الرابعة من الفصل  24  من الدستور .

[5] : الفصل 81 من الدستور .

[6] :انظر المادة الرابعة من مرسوم قانون حالة الطوارئ الصحية .

[7] :انظر مرسوم بقانون رقم 2 :20: 292 صادر في 20 من رجب 1441.23 مارس 2020,يتعلق بسن احكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الاعلان عنها .

[8] :انظر المادة الثالثة من مرسوم قانون حالة الطوارئ الصحية .

[9] :الفقرة الثانية من المادة الرابعة من المرسوم قانون حالة الطوارئ الصحية .

[10] :انظر الفصل  300   من مجموعة القانون الجنائي المغربي .

[11] : انظر الفصل     301   من مجموعة القانون الجنائي المغربي .

[12] :انظر الفصل    302  من مجموعة القانون الجنائي المغربي .

المعلومة القانونية – عثمان الأساس

طالب باحث بماستر العلوم الجنائية والتعاون الجنائي الدولي بسطات

حاصل على اهلية مزاولة مهنة المحاماة لسنة 2019

قد يعجبك ايضا