تأثير وباء كورونا على الالتزامات التعاقدية – العربون نموذجا

يعتبر فيروس كورونا (كوفيد 19) جائحة عالمية دولية أثرت على جل المجالات الاجتماعية والاقتصادية (السياحة، الشغل….)، ليصبح هذا الفيروس موضوع الساعة، الأمر الذي نتج عنه تتبع دقيق من لدن الجهات المختصة ، لما يشكله من خطر على الدول وتهديد للصحة العالمية.

وبهذا نجد معظم دول العالم كانت ملزمة باتخاذ التدابير الضرورية لمحاولة التخفيف من انتشاره ، كمنع التجمعات و الأبعد من ذلك توقيف الدراسة وإغلاق المساجد في الدول الإسلامية …  ، وذلك للحفاظ على البشرية هذا إلى جانب انتباه الدولة إلى أن أغلب الحالات هي وافدة من الدول الأخرى ليتم الإعلان عن توقيف كل الرحلات بين الدول تفاديا لفقدان السيطرة.

وهكذا نجد المغرب كسائر دول العالم قد أعلن عن حالة الطوارئ الصحية بموجب مرسوم قانون 2.20292 الصادر بتاريخ 28من رجب 1441 (23.مارس2020) يوضح الاحكام الخاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها[1]، استلزمت حجرا صحيا إلى أجل غير محدد.

وهي  التدابير التي اتخذتها الدول للحفاظ على الكائن البشري حتى وإن انعكس ذلك بشكل مباشر على القطاع الاقتصادي والاجتماعي و السياسي .

ولا يخفى أن الاوبئة الصحية واقعة مادية يكون لها آثار سلبية واضحة على العلاقات القانونية بوجه عام والعلاقات التعاقدية بوجه خاص، مما سيكون معه تعليق تنفيذ بعض الالتزامات  أو استحالة تنفيذها بما أننا أمام قوة قاهرة .

وهو ما سوف يثير جدلا حول التصرفات القانونية  السابقة الإنجاز قبل الوباء ، والتي كان من المتوقع تنفيذها على المدى البعيد  ما يمكن من توقع  إكتضاض المحاكم  بالملفات بعد انتهاء هذا الوباء ، ومحاولة أحد الطرفين التحلل من المسؤولية تحت دريعة القوة القاهرة[2].

كما  تجدر الإشارة أن القاعدة القانونية العامة المنصوص عليها في ق. ل. ع. أن “العقد شريعة المتعاقدين” والتي نص عليها  الفصل 230 ، وبالرجوع أيضا إلى الفصل 228 نجده يقضي بأن العقد لا يلزم إلا من كان طرفا فيه.

فالبرغم من أن الفيروس يفتك بأرواح بعض الأشخاص الذين قد يكونون عملوا على ابرام عقود مدنية فإن دلك لا يعني تحللهم من التزاماتهم، إذ أن أثار الالتزامات لا تلزم المتعاقدين فقط بل يحل محلهم ورثتهم وخلفائهم…[3]

علما بأن المشرع المغربي يفترض حسن النية في تنفيذ العقد تطبيقا للفصل 231، لأن هذا المبدأ-مبدأ حسن النية- يقيد المدين في تنفيذ التزاماته كما يقيد الدائن في مطالبته بتنفيذ الالتزام، ومنه فلا يمكن العقد بما يخالف مبدأ حسن النية.

فإذا كانت الالتزامات تنتج آثارها بمجرد الاتفاق وتصبح ملزمة للجانبين تطبيقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين فإن هناك بعض الاستثناءات ترد على هده القاعدة من قبيل:

  • v نظرية الظروف الطارئة [4]
  • v مهلة المسيرة [5]
  • v تدخل القاضي لتعديل الشروط التعسفية…[6]

لكنه في إطار تنفيذ الالتزامات نجد أن المشرع المغربي نظم وسائل  ضمان تنفيذ الالتزام في الباب الرابع من ق ل ع متمثلة في العربون إلى جانب حق حبس المال، لكن ما يهمنا في موضوعنا هذا هو الجزء الأول المتعلق بالعربون الذي نظمه المشرع المغربي في الفصول من 288الى 290 إذ سيكون هذا الأخير “العربون” محل نزاع وخصام ، لنصبح أمام قضايا مرفوعة إلى المحاكم حول استرجاعه خاصة في ظل الظروف المعلن عنها.

والتعاقد بالعربون لا يقتصر فقط على نوع معين من العقود دون سواه بل يشمل كذلك التي تقتصر على نقل المنافع كالكراء ، فهذا الاخير يثير جدلا كبيرا، خاصة في ظل الظروف الحالية سواء تعلق الأمر بالعقارات أو المنقولات.

وللتذكير فأن معظم المعاملات التي تستند إلى دفع العربون غالبا ما تكون من صنف العقود الابتدائية ليتم تكوينها نهائيا ، فيكون هذا الأخير واحدا من جملة الأدوات التي يتم بها ضمان تنفيذ العقود النهائية.

فإذا كان العربون يعتبر كمرحلة تمهيدية  و وسيلة من وسائل ضمان الالتزام فإن هناك بعض الظروف تجعله يحول دون تنفيذ العقد من قبيل القوة القاهرة، وهو ما جعلنا نطرح عدة تساؤلات حول مصير العربون إذ لم يصدر الخطأ لا من الدائن أو المدين؟ علما بأن أحدهم قد يتضرر جراء الظروف الطارئة أو القوة القاهرة.

وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 288 من ق. ل. ع , نستشف تعريف العربون بأنه هو:

ما يقدمه المشتري للبائع ضمانا لتنفيذ تعهده بالشراء ومن تم فهو تأكيد للبيع وليس أداة  للعدول [7]

مما يدل أن العربون ينطوي على فكرة ضمان التزام، لذلك فهو يعتبر بمثابة أداة قانونية هامة لحماية حقوق الدائنين من عبث بعضهم أو أحدهم ما دام أنه في جميع التشريعات والمذاهب يشكل أداة رادعة للمتعاقد المخل بالتزاماته[8]

و في إطار التشريع المغربي فالعربون يعتبر أداة لتأكيد العقد ووسيلة لعدم التراجع عنه، حيث يعد خطوة مبدئية نحو تنفيذ العقد  وأي عدول أو تراجع انفرادي بدون موافقة الآخر يستلزم اداء التعويض لأنه يعتبر إخلالا بالالتزام الرابط بين الطرفين ، ويترتب عن هذا الإخلال حق المتضرر في الحصول على التعويض المناسب الذي تحدده المحكمة في إطار سلطتها التقديرية.[9]

وعليه فقابض العربون في حالة امتناع دافعه عن التنفيذ لا يملك العربون، بل يحبسه إلى حين الحكم له بالتعويض عن الضرر الناجم عن عدم التنفيذ، وبعد ذلك يستطيع تملكه على أساس أنه يمثل جزءا من التعويض المحكوم به أو يمثل مبلغ التعويض، كمثال حالة تساوي ما قدم من العربون مع المبلغ المحكوم به كتعويض، أما إذا تبين أن مبلغ التعويض المحكوم به يقل عما قدم من عربون وجب في هذه الحالة أن يخصم مبلغ التعويض مما قدم من عربون ويرد الباقي إلى الممتنع عن التنفيذ[10]

فكل ما تم الحديث عنه يمكن تطبيقه في الحياة العادية، لكن ماذا عن الحالات الاستثنائية التي تعلن فيها الدولة الحجر والحظر؟ وما مآل العقود التمهيدية المحددة بأجل لتصير نهائية؟ وكيف تعامل المشرع لحل مشاكل الظروف الاستثنائية؟ علما أنها ستسبب خسارة مادية لكل الطرفين في الوقت الذي تعيش فيه معظم الدول أوقات جد عصيبة بسبب وباء فيروس كورونا (كوفيد19).

فبالرجوع إلى الفصل  268يمكن تكييفه كقوة قاهرة بحيث يمكن تعريف هذه الأخيرة حسب الفصل المذكور هي كل أمر لا يستطيع الإنسان توقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات، الجفاف العواصف والحرائق، والجراد، وغارات العدو وفعل السلطة…) ويكون معه الالتزام مستحيلا…… علما بأن القوة القاهرة في القانون والاقتصاد هي إحدى الوسائل التي تعفي كل من الطرفين المتعاقدين من التزاماتهما عند حدوث ظروف طارئة خارجة عن ارادتهما وقد تمنع طرفي التعاقد من الالتزام. إذ ان فيروس كورونا (كوفيد19) يدخل ضمن القوة القاهرة التي حالت دون تنفيذ العقد، وبالتالي يترتب عن ذلك الفسخ [11] سواء تعلق الأمر بالعقود ذات الطابع المحلي او ذات الطابع الدولي ما دمنا أمام جائحة عالمية.

ومن آثار الفسخ سواء كان بقوة القانون او بحكم القضاء او بحكم الاتفاق، زوال العقد بأثر رجعي واعتباره كأنه لم يكن، ووجوب إعادة الحالة بين المتعاقدين إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، ورد ما قبض تنفيذا للعقد.

بيبليوغرافي

[1] منشور بالجريدة، عدد6867 مكرر (24مارس 2020)

[2] القوة القاهرة هو كل شيء لا يمكن توقعه ولا يمكن دفعه ويصبح معه تنفيذ الالتزام مستحيلا

[3] الفصل 229 “تنتج الالتزامات اترها لا بين المتعاقدين فحسب، ولكن أيضا بين ورتتهما وخلفائهما ما لم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عن طبيعة الالتزام او القانون…. ”

[4] كإضافة، لقد استبعد القضاء العادي المغربي نظرية الظروف الطارئة، فهو مستقر عل ان الالتزامات التعاقدية المقامة على وجه صحيح تقام مقام القانون بالنسبة لمنشئها، على اعتبار أن القضاء الاداري أقر بنظرية الظروف الطارئة مند وقت طويل مبكر من القرن الماضي. عبد الرحمان الشرقاوي، مصادر الالتزام الجزء الأول ص 258

[5] الفقرة الأولى من الفصل 128″لا يسوغ للقاضي ان يمنح اجلا او ان ينظر إلى ميسرة، مالم يمنح هذا الحق بمقتضى الاتفاق او القانون”

[6]   الفصل 264 الفقرة الثالثة “يمكن للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه او الرفع من قيمته اذا كان زهيدا، ولها أيضا ان تخفض من التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي.

[7] الفصل 288 “العربون هو ما يعطيه أحد المتعاقدين للآخر بقصد ضمان تنفيذ تعهده”

[8] عبد الرحمان الشرقاوي: مصادر الالتزام الجزء الأول التصرف القانوني، الطبعة الخامسة، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط ص105

[9] الفصل 290من قانون الالتزامات والعقود “اذا كان الالتزام غير ممكن التنفيذ، أو إذا وقع فسخ، بسبب خطأ الطرف الذي أعطى العربون، كان لمن قبضه ان يحتفظ به، ولا يلزم برده، إلا بعد اخده التعويض الذي تمنحه له المحكمة، ان اقتضى الأمر ذلك.

[10] maroclaw.com

[11] قياسا على الفصل659، وذلك دون أي خطأ من المتعاقدين، فإن عقد الكراء ينفسخ، من غير أن يكون لأحدهما عللى الاخر اي حق في التعويض.

المعلومة القانونية – نوال الجناني

باحثة في القانون الخاص بماستر المهن القانونية والقضائية – كلية الحقوق طنجة

قد يعجبك ايضا