محمد عياش: مدى قابلية قرارات قاضي تنفيذ العقوبات للطعن

تلقيت على صفحتي الخاصة بوسائل الاتصال الاجتماعي ،سؤالا من إحدى المتتبعات للشأن القانوني و القضائي بالمغرب مفاده: هل قرارات قاضي تنفيذ العقوبات قابلة للطعن أم لا ؟

وارتأيت أن أضع رهن إشارة المتتبعين الكرام هذا المقال المتواضع و المختصر حول مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات.

تقديم

ظهرت مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات مع مدرسة الدفاع الاجتماعي و يعتبر الفقيه الايطالي جراماتيكا من أبرز روادها ،و قد دعت هذه المدرسة إلى أن قانون العقوبات يجب أن يكون هدفه حماية المجتمع من مخاطر السلوكيات المجرمة و ألا تكون وظيفته مجرد القصاص من الجاني وتخويفه لذا يجب إقرار تدابير الدفاع الاجتماعي ،و نظرا لهذه الأهمية فقد أقرت العديد من التشريعات منذ وقت مبكر مبدأ الاشراف القضائي على التنفيذ الجنائي في أشكال و سيغ مختلفة ، و كان أول تشريع أخذ بنظام تدخل القضاء في التنفيذ العقابي هو قانون العقوبات الإيطالي سنة 1930 [1].

إن قانون المسطرة الجنائية المغربي لسنة  1959 لا يتضمن أي مقتضيات تهم قاضي تطبيق العقوبة .و لتدارك هذا النقص أحدث المشرع المغربي بمقتضى قانون المسطرة الجنائية الحالي مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات كآلية مدعمة لدور النيابة العامة للسهر على تنفيذ العقوبات و تتبعها في إطار يضمن حقوق السجناء و يساهم بشكل فعال في تسهيل عملية إعادة إدماجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم .

يكتسي هذا الموضوع أهمية بالغة سواء على المستوى النظري حيث أن مرحلة التنفيذ هي مرحلة حاسمة تتبلور فيها مجهودات القضاء و وضعيته الحقيقية ،و هذه المرحلة هي حلقة هامة من حلقات السياسة الجنائية الحديثة .

أما على المستوى العملي فتبرز أهميته في كون مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات تشكل ضمانات لحقوق المحكوم عليه و الحفاظ على كرامة المعتقل ،كما تعمل على إعادة إصلاح و تأهيل المحكوم عليه ليصبح فردا قابلا للإدماج في المجتمع .

و بناء عليه تطرح لنا مشروعية التساؤل حول:

أهمية مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات بالمغرب ،و مدى قابلية قراراته للطعن .

المحور الأول: قاضي تنفيذ العقوبات في المغرب

تعتبر مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات نسبيا حديثة بالمغرب عكس الدول الأخرى ،حيث أن قاضي تطبيق العقوبات بالمغرب هو وليد قانون المسطرة الجنائية لسنة 2003 ،و لم يتطرق المشرع المغربي و كعادته للتعريف بهذه المؤسسة ،تاركا بذلك للفقه و القضاء هذه المهمة ،و يعرفه بأنه قاضي مختصا بالمحكمة الابتدائية ،مهمته الأساسية تتبع حياة المحكوم عليهم داخل وخارج السجن مطبقا ضدهم القرارات القضائية السالبة للحرية حيث تبتدئ مهمته بعد النطق بالحكم و يحدد الأساليب الناجعة لتطبيق العقوبة[2] .

ولأجل ذلك أسندت له الصلاحيات التالية من خلال ( المواد 596 و 616 ق م ج ):

– زيارة المؤسسات السجنية التابعة لدائرة المحكمة الابتدائية التي ينتمي إليهت مرة كل شهر على الأقل

– تتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية في شأن قانونية الاعتقال وحقوق السجناء

– الاطلاع على سجلات الاعتقال و إعداد تقرير عن كل زيارة

– إمكانية مسك بطاقات خاصة بالسجناء الذين يتتبع وضعيتهم تتضمن بيانات حول هويتهم ورقم اعتقالهم و المقررات القضائية و التأديبية الصادرة في شأنهم و ملاحظاته

– تقديم مقترحات حول الإفراج المقيد بشروط و العفو

– التأكد من سلامة الإجراءات المتعلقة بالإكراه البدني .

و قد جاء تعديل طفيف في مسودة قانون المسطرة الجنائية حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 596 من المسودة على :” يعين هؤلاء القضاة بقرار للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بناء على اقتراح من رئيس المحكمة و بعد استشارة وكيل الملك لديها….”

و هناك من يلاحظ أن الصلاحيات التي منحت لقاضي تنفيذ العقوبات  هي نفس الصلاحيات التي يقوم بها قاضي التحقيق و النيابة العامة في هذا المجال ،خاصة فيما يتعلق بالعفو و الإفراج المقيد ،اللذين هما من اختصاص مديري المؤسسات السجنية و النيابات العامة ،و من ثم فإن الدور الذي تلعبه هذه المؤسسة يبقى ثانويا و لا يلبي الغاية المنوطة به و التي من أجلها أحد هذا الجهاز ،مادام دوره يقتصر على الاقتراح خاصة فيما يخص مسطرة الإفراج المقيد بشرط ، بل يجب أن يكون لرأيه دور حاسم في اتخاذ القرار النهائي .

بينما يرى آخرون أن مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات هو توجه جديد يهدف إلى إشراك السلطة القضائية في تتبع تنفيذ العقوبات تعزيزا للمؤسسات الأخرى المعهود لها بالتنفيذ و التتبع ،و هذا لا يشكل تداخلا بين اختصاصاته و الاختصاصات الأخرى و إنما هو إطار للتعاون و التنسيق لما فيه مصلحة السجناء .

المحور الثاني: إمكانية الطعن في قرارات الصادرة عن قاضي تنفيذ العقوبات

     تعرضت مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات لعدة انتقادات باعتبارها لم تف بالغرض المنوط بها و هو إدماج المحكوم عليهم داخل المجتمع ، و هي الغاية الأساسية التي أحدثت من أجلها ،و يرجع فشلها لعدة عوامل سواء أكانت قانونية أم عملية ، بحيث أن في بعض الحالات يكون قاضي تنفيذ العقوبات خاضعا للجهاز الإداري ،و هذا بحد ذاته يعتبر خرقا لمبدأ الفصل بين الوظائف الجنائية .أما من الناحية العملية فهذا القاضي لا يمكنه بأي شكل من الأشكال التوفيق بين العمل داخل المكتب و خارجه ،مما يستلزم و الحالة هذه تزويده بالوسائل المادية و البشرية الكافية لإنجاح هذه العملية.

      وقبل الحسم في طبيعة القرارات التي يصدرها قاضي تنفيذ العقوبات ، ما إذا كانت من قبيل الإجراءات الإدارية القضائية أو تتوفر فيها مواصفات المقررات القضائية كما هو الشأن بالنسبة للقضاء الفرنسي ،و من بين هذه القرارات نذكر :

– قرار تطبيق الإكراه البدني

– قرار تطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة

– قرار بعدم تطبيق الإكراه البدني

نقوا أن المقررات الصادرة قبل تاريخ دخول ق م ج حيز التنفيذ تظل خاضعة من حيث الطعون و آجالها للمقتضيات المضمنة في القوانين المنسوخة .

و مراعاة لصبغة النظام العام التي تلحق المقتضيات الجنائية الإجرائية و الموضوعية ،و التي من مقتضاها أنه لاطعن إلا بنص ، و حيث أنه لا وجود لنص يجيز إمكانية الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات ،فإننا نميل و بكل تواضع إلى تأكيد عدم قابلية قرارات قاضي تنفيذ العقوبات للطعن ،خاصة فيما يخص قرار تطبيق الإكراه البدني و قرار تطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة ،و استقلالا عن الطعن في باقي إجراءات الإكراه البدني .

ختاما

رغم كل ما قيل ،فإن مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات تلعب دورا هاما في تدعيم ضمانات حقوق الدفاع و صيانة كرامة المعتقل ،بالإضافة إلى استمرار الحماية القضائية للمحكوم عليه لما بعد صدور الحكم و هو من أهم المكتسبات في حقوق الإنسان و إرساخ عدة اجتهادات قضائية على شكل نصوص قانونية ،و بلورة كافة الضمانات التي تقتضيها المحاكمة العادلة كما نصت عليها المواثيق الدولية.

بيبليوغرافي

 محمد عبد الغريب :الإفراج الشرطي في ضوء السياسة العقابية الحديثة ،دار الإيمان 1994- 1995 ص 66 . -[1]

 – عادل العابد مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات في التشريع المغربي ،مقال منشور بموقع المجل الإلكترونية  “القانون ” 2018 .[2]

المعلومة القانونية – محمد عياش

باحث في العلوم القانونية

خريج ماستر القانون الجنائي والتعاون الجنائي الدولي – كلية الحقوق مكناس

قد يعجبك ايضا