فرض حالة الطوارئ الصحية.. هل هي حالة استثناء أم حالة خاصة؟

COVID 19 في خضم الأحداث التي توالت في الآونة الأخيرة بسبب الفيروس كورونا، الذي اجتاح العالم منطلقا من مدينة يوهان الصينية، سارعت الحكومة المغربية شأنها في ذلك شأن باقي الحكومات دول العالم، إلى اتخاذ جملة تدابير لتطويق تفشي الفيروس المذكور شملت مجموع التراب الوطني تحت القيادة النبيلة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وأهم إجراء اتخذته الحكومة المغربية هو سن مرسوم بقانون أو ما يعرف لدى الفقه القانوني بمراسيم تدابير تحت رقم 2.20.292 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة طوارئ الصحية وإجراءات إعلان عنها والجزاءات المترتبة عن مخالفتها[1].

وبقراءة متأنية لمقتضياته السبع نتساءل حول طبيعة هذا النص ؟ وعن شرعيته ؟ تم إذا كان هذا النص يهدف إلى توفير الأمن الصحي لكافة مكونات المجتمع، كحق من الحقوق الدستورية نتساءل عن الظرفية التي أتخذ فيها هل هي حالة خاصة أم حالة استثناء ؟

ودواعي هذه الدراسة المتواضعة تتجلى في البحث عن  الضمانات المكفولة لجميع المواطنين والمواطنات في ظل هذه الظرفية ؟

للجواب عن هذه التساؤلات سنعتمد التقسيم التالي:

المطلب الأول: ظرفية صدور مرسوم بقانون المتعلق بفرض حالة الطوارئ الصحية

كما أشرت إلى ذلك تعد  هذه الظرفية التي صدر فيها النص المذكور ظرفية خاصة تتعلق بمحاربة الأوبئة والأمراض المعدية حيث يلزم الحكومة والسلطات المحلية اتخاذ جملة تدابير لمحاصرتها والحيلولة دونها والمساس بالصحة العامة كأهم مدخل لتحقيق الأمن الصحي .

كانت هذه الإجراءات تتخذ في ظل المرسوم الملكي بمثابة قانون[2] تتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض، وكان قرار الحجر الصحي يتخذ من قبل وزير الصحة العمومية وكان يلزم السلطات المحلية بتقديم مساعدتها إلى السلطات الطبية لتنفيذ مقتضيات المرسوم الملكي .

وتجدر الإشارة إلى أن المرسوم الملكي المشار إليه أعلاه أتخذ في ظرفية كان المغري تحت حالة  الاستثناء التي كان يعيشها المغرب آنذاك ، وكما نعلم أن حالة استثناء تجمع جميع السلط بيد رئيس الدولة وهو ملك البلاد سواء تعلق الأمر بسلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية.

الحالة التي أعاد المشرع الدستوري تنظيمها في الفصل 59 من الدستور الحالي حيث حدد موضوعها وإجراءات الإعلان عنها على الشاكلة التالية :

موضوع حالة الاستثناء يجب أن يتعلق الأمر ب :

  • كون حوزة التراب الوطني مهددة
  • أو وقع ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية

أما عن الإجراءات التي يتم الإعلان بها عن حالة الاستثناء فتتجسد فيما يلي :

  • بعد استشارة كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ورئيس المحكمة الدستورية
  • توجيه خطاب للأمة
  • يعلن جلالة الملك حالة الاستثناء بظهير

لكن مرسوم بقانون الصادر في 23 مارس 2020 أتخذ في إطار الفصل 81 من الدستور الحالي.

الذي ينص بالحرف على ما يلي : { يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية }

بمعنى أننا لسنا  أمام حالة استثناء وإنما يتعلق الأمر بحالة خاصة التي تبقى جميع الحقوق والحريات مكفولة للجميع .

وهو الأمر نفسه يكون  حتى في حالة استثناء حيث تقتضي الفقرة الثالثة من الفصل 59 من الدستور الحالي ما يلي: { تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها  في الدستور مضمونة }.

لماذا ركزت على الحقوق والحريات لأن مرسوم بقانون الذي سنته الحكومة وإن جاء لهدف نبيل هو حماية أهم وأسمى هذه الحقوق التي ذكرت ألا وهي الحق في الحياة والحق في الصحة تماشيا مع الدستور نفسه والمبادئ التي تقتضيها المواثيق الدولية ذات صلة فإن ممارسة هذه التدابير تقتضي من السلطات المعنية بتطبيقه مراعاة التوازن والعقلانية حتى لا تقع في التناقض.

بحيث يجب على السلطات العمومية خاصة المحلية منها أن تأخذ بعين الاعتبار الفصل 22 من الدستور الحالي الذي جاء فيه { لا يجوز المس بسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص كان_ في أي ظرف كان _ ومن قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة .

لا يجوز لأحد أن يعامل الغير تحت أي ذريعة معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية …} .

المطلب الثاني: مشروعية مرسوم بقانون المتعلق بفرض حالة طوارئ الصحية

تنبه المشرع الدستوري إلى مثل هذه الظرفية حينما رخص للحكومة بأن تسن قوانين التي هي في الأصل يعود الاختصاص فيها إلى البرلمان طبقا للفصلين 70 و 71 من الدستور الحالي، حيث نص في الفصل 81 منه على أن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات ، وباتفاق مع اللجان التي عينيها الأمر في كلا المجلسين مراسيم قوانين يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان خلال دورته العادية الموالية .

وإذا كان للحكومة أن تشرع مكان البرلمان فإن ذلك معلق على شروط يجب مراعاتها في ذلك كما حددها الفصل المذكور ويتعلق الأمر ب:

  1. بروز الحاجة إلى النص المذكور في الفترة الفاصلة بين الدورات : أي يكون البرلمان متوقف عن العمل، وذلك في الفترة الفاصلة بين الدورة الأولى التي تبتدئ في اليوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر والتي يرأسها الملك، والدورة الثانية التي تبتدئ في يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل .
  2. وجود اتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر وفي هذه الحالة هي كل لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة داخل مجلس النواب ولجنة الداخلية والجهات والجماعات الترابية والبنايات الأساسية داخل مجلس المستشارين .
  3. إيداع مشروع مرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب
  4. مناقشته بالتتابع مع اللجان المعنية في كلا المجلسين
  5. التوصل إلى قرار مشترك داخل أجل 6 أيام

في حالة عدم حصول هذا الاتفاق فإن القرار يرجع إلى اللجنة المعنية في مجلس النواب.

بيبليوغرافي

[1] – منشور بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24/03/2020

[2] –  منشور بالجريدة الرسمية عدد 2853 –  الصادرة بتاريخ 26 ربيع الأول 1387- الموافق 5 يوليوز 1967.

المعلومة القانونية – محمد مؤاب

محام متمرن وباحث في القانون الخاص

قد يعجبك ايضا