محمد بوزرادي: حرمة الآذان في التشريع الإسلامي

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، قال تعالى في محكم كتابه: ” وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير”[1].

أما بعد، مما لاشك فيه أن العالم بأسره يعيش تحد صحي خطير يدعى: ” كوفيد19″ أو ما يعرف عند العامة” بفيروس كورونا”، وهو فصيلة كبيرة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للإنسان والحيوان على حد سواء، ومن المعروف أن عددا من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر حالات عدوى يصعب التخلص منها خاصة تلك التي تصيب الجهاز التنفسي للإنسان.

وفي إطار تعبئة الجهود المبذولة الخاصة بالوقاية من انتشار فيروس كورونا المستجد، عمدت جل الإدارات المغربية إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات والتدابير الواجب احترامها حرصا على ضمان سلامة المواطنين والمواطنات من الإصابة بهذا الداء الفتاك، من قبيل مثلا: القرار الصادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القاضي بإغلاق أبواب المساجد حتى إشعار آخر مع وجوب رفع الآذان في مختلف مساجد المملكة، وقد استدلوا لهذا القرار بقول الله عز وجل في سورة النساء حيث قال وقوله الحق: “فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة”[2]، وحيث إن هذا المرض يغيب معه شرط الطمأنينة مما دفع بالمجلس العلمي الأعلى للإفتاء وبناءا على طلب من أمير المؤمنين المصادقة على هذا القرار.

إلا أنه في الأيام الماضية بقليل لوحظ خروج بعض المواطنين وفي بعض المدن إلى الشوارع والأزقة والأحياء بغية رفع الآذان جماعة وبأصوات مرتفعة، اعتقادا منهم أن هذا التصرف سيرفع الوباء والبلاء على الأمة جمعاء ويعيد الأمور إلى نصابها.

ومن هذا المنطلق يمكن أن نبرز إشكالا محوريا وهو كالتالي:

إلى أي حد استطاع الإنسان (المسلم) أن يستجيب لتعاليم دينه الحنيف، ومن ثم احترام والامتثال للأوامر الصادرة عن رؤساء بلده؟؟

لدراسة هذا الإشكال المطروح لابد من تقسيم الموضوع إلى محورين:

-المحور الأول: التعريف بالآذان لغة واصطلاحا

-المحور الثاني: موقف الشرع من رفع الآذان جماعة من قبل العامة

المحور الأول: التعريف بالآذان لغة واصطلاحا

الآذان في اللغة: من أذن يؤذن تأذينا وهو الإعلام والإخبار، قال تعالى في سورة الحج:” وأذن في الناس بالحج” أي أعلمهم وأخبرهم به، ويقال: أذن فلان تأذينا وأذانا: أي أكثر الإعلام بالشيء، فالمؤذن يؤذن بالصلاة خمس مرات في اليوم: أي ينادي بها ويدعوا لها كلما حصل وقتها.[3]

أما في الاصطلاح الشرعي: فمعناه التعبد لله عز وجل بالإعلام بوقت الصلاة المفروضة بألفاظ معلومة مأثورة على صفة مخصوصة.

وقد اتفق الفقهاء على أن الآذان من خصائص الإسلام وشعائره الظاهرة، ولكنهم اختلفوا في حكمه.

فقيل إنه فرض كفاية وهو مذهب الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقيل إنه سنة مؤكدة.

والصواب من القولين أنه فرض كفاية فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وفي رواية للترميذي والنسائي عن مالك بن الحويرث قال: أتيت الرسول صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي فقال: “إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما”[4] صححه الألباني.

فهذا الحديث دليل قاطع على أن الآذان فرض كفاية لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر أن يؤذن من الجماعة واحد فقط، ولم يأمر الجماعة كلها بالآذان لما في ذلك من غياب تام للمنفعة والمصلحة، ومن هنا تبرز لنا أهمية وقدسية ومكانة الآذان في التشريع الإسلامي.

المحور الثاني: موقف الشرع من رفع الآذان جماعة

إن لكل تشريع سواء كان سماويا أو وضعيا مصادر تستقى منها قواعده، وتجعل له قوة ملزمة، ومرونة بما يتسع لكل ما يجد من أحداث في زمن تطبيقه، فالحكم إذا لم يستند إلى مصدره لا يكون له أي اعتبار، وإذا كنا نقول إن لأحكام الشريعة الإسلامية مصادرها التي تستقى منها فإننا نقصد بذلك الأصول التي تستمد منها وتستند إليها، وبعبارة أخرى فإن هاته المصادر هي المنابع التي يرجع إليها المكلف عند كل طارئ للتعرف على حكم الله عز وجل بخصوصه.

وكما هو معلوم فإن الآذان من العبادات، والأصل في العبادات المنع أي لايحل لأحد أن يزيد فيه أو ينقص منه أو يغيير مكانه، لأن ديننا الحنيف مبني على الاتباع والاقتداء لا على الابتداع والإحداث، ويؤيد ذلك قول النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم” من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد له”[5]

ومن المعلوم أن من المقاصد العظمى للدين الإسلامي أن يسود الأمن والأمان والاطمئنان مهما كانت الأحوال، ذلك أن المؤمن يوقن يقينا جازما بأن تدبير الكون كله بيد الله تعالى، ولنا في ديننا الحنيف أفضل الوصايا للوقاية من هذا المرض المستجد من خلال إيصال مفهوم النظافة بفكرة الطهارة التي دعا إليها كتاب الله وسنة نبيه، وهذا مادفع بالسلطات المختصة إلى فرض جملة من الإجراءات الوقائية البسيطة التي تحمي من انتقال العدوى ولعل من أبرزها: تقرير الحجر الصحي(أي المكوث في المنازل)، وفض التجمعات البشرية، وقد جاء هذا القرار بعد تفكير عميق من جانب الهيئات المختصة والذي يدخل في صميم الإجراءات الاستباقية للحد من انتشار الفيروس مصداقا لقوله تعالى” ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم”[6]

وقد ظهر في الآونة الأخيرة تصرفات لها من الآثار الوخيمة على صحة المواطن المغربي، من قبيل الخروج إلى الشوارع والأزقة والأحياء جماعة لرفع الآذان من جهة، وطلب اللطيف من جهة أخرى دون أن يتفطنوا إلى ماقد يترتب عن ذلك من حصد للأرواح بدون سابق إنذار، ولنا في الدول الأوروبية المجاورة خير دليل.

وعموما فإن مثل هاته التصرفات من شأنها أن تؤدي إلى شل التدابير المتخذة من قبل الوزارات الوصية من جهة، ومن جهة ثانية تجاوز للمقاصد الضرورية [7] للشريعة الإسلامية وعلى رأسها حفظ النفس من التلف قبل وقوعه وذلك مثل مقاومة الأمراض التي من شأنها المساس بالنفس[8] استنادا إلى القاعدة القائلة بأن” حماية الأبدان أعظم عند الله من حماية الأديان”.

فالواجب أن يدفع البلاء بصدق اللجوء إلى الله عز وجل، فالله تعالى لا يطاع بالمعصية، وهذا التكبير والتهليل والآذان الجماعي الذي نراه ونسمع به لم يفعله سيد الخلق قطعا ولا أوصى بفعله.

فاللجوء إلى الله يكون بعبادة صحيحة دل عليها دليل صحيح من الشرع الحكيم.

وباستقراء تاريخي نجد أن الصحابة رضوان الله عليهم قد عايشوا مرض الطاعون، فعن عائشة رضي الله عنها سألت الرسول عليه الصلاة والسلام عن الطاعون فقال : ” كان عذابا يبعثه الله على من يشاء  فجعله الله رحمة للمؤمنين، ما من عبد يكون في بلد ويمكث فيه لايخرج من البلد صابرا محتسبا، يعلم أنه لايصيبه إلا ماكتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد”

وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول عليه السلام قال:” الشهداء خمسة: المطعون(أي الذي يموت بسبب وباء عام) والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله”[9].

أيها الناس من أراد أن يذكر الله فليفعل في حجرة بيته، استنادا إلى حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله ومنهم”رجل ذكر الله خاليا ففاضت عياناه”[10].

ومن أراد الدعاء فدعاء العبد بالليل من أرقى وأجل وأشرف  العبادة.

ومن أراد أن يؤذن فليؤذن في بيته منفردا للأسباب المشروعة.

فبهاذا نطق الوحي، ونزلت الحكمة.

خلاصة

إننا الآن ركاب سفينة واحدة موحدة إذا خرقها أحدنا فسنهلك أجمعين، فٱتقوا الله في أنفسكم وغيركم وألزموا بيوتكم ومنازلكم، ومما ينبغي التنبيه عليه هو أخذ الاحتياطات اللازمة المفروضة من قبل السلطات المعنية، ذلك أن الحفاظ على النفس والعقل من الضروريات المأمور بالحفاظ عليها شرعا، فجل الشرائع إنما أنزلت لمصالح العباد، وأي مسألة خرجت عن المصلحة والحكمة إلى المفسدة والعبث فليست من الشريعة في شيء، وتقدير مثل هذه الأمور موكول للمجلس العلمي الأعلى.

أما الخروج إلى الشوارع بحجة التكبير فهي خرق للحجر الصحي، وضرب للجهود المبذولة من أجل سلامتنا نهيا عن كونها مخالفة لتعاليم ديننا الحنيف، قال سبحانه “ولاتقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما”[11].

وفي الختام نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبعد عنا كل هم وبلاء، كما نتوسل إليه أن يرفع عنا هذا الوباء وأن يمر في أقرب وقت عن بلدنا وبلدان العالم بأسره، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بيبليوغرافي

[1] سورة الأنعام الآية: 17

[2] سورة النساء الآية:103

[3] أنظر في شأن ذلك لسان العرب لٱبن منظور

[4] رواه الترميذي والنسائي بسند صحيح

[5] رواه البخاري ومسلم

[6] سورة النساء الآية: 71

[7] يقصد بالمقاصد الضرورية:” تلك الأمور التي لابد منها لقيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا اختلت كلها أو بعضها اختل نظام حياة العباد وعمته الفوضى”. للتوسع أكثر راجع:

– البشير ازميزم، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، الطبعة: 2018، مطبعة: RIVE iMPRiMERiE، ص: 35.

[8] للإطلاع أكثر أنظر :

– عبد اللطيف خالفي، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى، المطبعة: الوراقة الوطنية، ص: 50.

[9] الحديثين معا في صحيح البخاري

[10] رواه مسلم

[11] سورة النساء الآية: 29

المعلومة القانونية – محمد بوزرادي

طالب باحث بسلك ماستر المهن القانونية والقضائية

بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمارتيل

قد يعجبك ايضا