الأستاذ الفرسيوي: الحق في الصورة على ضوء جائحة كورونا

في ظل الصخب الذي أحدثه فيروس كرونا وتنامي معدلات انتشاره ظهرت مجموعة من الانتهاكات التي مست مجموعة من الحقوق المكفولة دستوريا وكونيا، والتي يتقدمها الحق في الصورة، باعتبار من الحقوق اللصيقة بالحياة الخاصة للفرد، وخصوصيات الإنسان خاصة وأنها تعبير جزء لا يتجزأ من مواقف حياته التي لا يريد أن يتداولها الآخرون، فالصورة هي تعبر عن مكنون نفس الفرد ومشاعره وعواطفه والتي تنعكس على تقاسيم وجهه، ولما للصورة من أهمية ودور كبير في تصوير الواقع وتجسيد المشهد ونقله للآخرين هو ما دفع الفقهاء للحديث عن صعود الصورة وسقوط الكلمة.

ونظرا لخطورة ازدياد احتمالية المساس بحق الشخص في صورته خاصة في الأوضاع الراهنة، من خلال سرعة نقلها ونشرها وسهولة التلاعب بها، فإن صاحب الصورة يخول له منع الآخرين من تصويره أو نشر صورته دون موافقته، وهذا الأمر سعى إلى فتح قيمة وحماية أكبر لصورة الإنسان في إطار ما يسمى بالحق في الصورة، باعتبار هذا الحق أكتسب صفة الإبداع القضائي في قضية شهيرة لراشيل التي رفعت بالمحكمة المدنية للسين سنة 1885، والتي عبرت فيها المحكمة عن حماية الحق في الصورة نظرا لكون هذا الحق امتداد لشخص صاحبها يخول له الحق في الإعتراض عن نشر صورته بدون إذن منه، إذ أن ميزة هذه الفكرة تسمح بمن لحقه اعتداء على صورته اللجوء إلى القضاء لوقف الإعتداء دون الحاجة لإثبات وجود ضرر مادي أو معنوي، وذلك عملا بحقوق المالك حتى ولو لم يرتكب المدعى عليه أي خطأ.

وحيث إن الفصل 24 من دستور المملكة لسنة 2011 ينص على:
“لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة “.

وحيث إن الفصل 2 ـ 477 من القانون الجنائي ينص على:

” يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم”.

وهو نفس المقتضى الذي نجده في قانون الصحافة والنشر 88.13 في مادته 89 كذلك القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، فضلا عن مجموعة من النصوص الأخرى التي تصب كلها في هذا الصدد، إذ أن كل هذه القوانين أولت أهمية قصوى للصورة والحق في حمايتها من كل ما من شأنه المس بها، ولو أن القانون ركز على الفضاءات الخاصة إلا أن المس بالحياة الخاص لا يرتبط بفضاء دون الأخر مادام أن احتمال إلحاق الضرر وارد سواء في الفضاء الخاص أو العام.

وهو الإتجاه الذي تؤسس له محكمة النقض من خلال قرارتها ونورد في هذا الصدد قرار صادر عنها بتاريخ 28 يونيو 2011، والذي جاء فيه:
” أن لكل إنسان الحق في الاعتراض على نشر صورته بدون إذن منه”، “ويترتب عن نشر صورة المرء بدون إذن منه

الحكم بالتعويض جبرا للضرر الناجم عن الفعل الضار”.

إلا أن الواقع خلال الأسابيع الأخيرة أفرز لنا مجموعة من الممارسات التي تمس بشكل أو بآخر الحق في الصورة، وذلك بعرض ونشر فيديوهات وصور على مواقع التواصل الإجتماعي بمختلف تموجاتها وتلاويها والتي تصل إلى أعلى مستويات المشاهدة في ثوان معدودة، مما يعد خرقا سافرا للحياة الخاصة للأفراد وتجاوزا للقانون وموجب من موجبات المتابعة و الزجر.

وبما أن حق الصورة هو من المقدسات الواجب صونها، وخاصة في هذه الظروف الإستثنائية والمفصلية، كون أن الأصل هو حق الإنسان على صورته أما الإستثناء فهو إباحة النشر، واستشهد هنا بقرار صادر عن القضاء الفرنسي يقضي بعدم جواز إنتاج الصورة أو نشرها بدون إذن صاحبها، كذلك قضى بأن نشر صورتين للرئيس الفرنسي الراحل ( Francois Mitterrand ) وهو على سرير المرض يعد اعتداء على ألفة الحياة الخاصة.

وفي الأخير أود القول أن حالة الطوارئ المعلن عنها هي محطة للتاريخ ونكران الذات، وبها وجب على الجميع الإنخراط في التدابير المرصودة لتجاوز هذه الظرفية، وتغليب القانون عن أية ارتجالية والإنصياع له في كل التدابير والإجراءات المتخذة في سيبل الإنفلات بأقل الأضرار من هذه الأزمة.المعلومة القانونية – ذ/ محماد الفرسيوي

باحث في العلوم القانونية

قد يعجبك ايضا