أي دور لوزارة الداخلية في التدبير والوقاية من المخاطر الصحية -فيروس كورونا نموذجا-

المعلومة القانونية – أيوب الحجري

  • باحث بسلك الدكتوراه
  • مختبر البحث في حسن الأداء الإداري والمالي
  • جامعة محمد الخامس كلية الحقوق السويسي – الرباط.

تقديم

ظهر في الآونة الأخير وباء قاتل اجتاح العالم من حيث لا يدري، طارحا امام الدول معضلة صحية كارثية بتسجيل عدد هام من المصابين وحصيلة جد مهمة من الضحايا في كافة ارجاء المعمور تباينت من دولة لأخرى، نهيك طبعا عن التبعات الاقتصادية والسياسية التي خلفها الوباء الجديد، وقد عملت الدولة المغربية في الآونة الأخيرة على اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية التي تشكلت في مجملها وفق منحى تصاعدي، بدءا بفتح قنوات التواصل المؤسساتي لوزارة الصحة مع مجموع الفاعليين في الحقل الإعلامي، مرورا بوزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي التي اعتمدت خطاب الطمئنة بالإعلان عن تواجد مواد استهلاكية كافية بالأسواق المغربية و بوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة التي أكدت هي الأخرى بعزمها اعتماد في الأيام القليلة الماضية اتخاذ حزمة من الإجراءات لدعم الاقتصاد الداخلي وتقليل التبعات الاقتصادية على القطاعات الأكثر تضررا، انتهاء بوزارة الداخلية التي أعقبت اعلان قرار الغلق المؤقت لبعض الأنشطة الاقتصادية اعلان حالة الطوارئ الصحية.

ولان كانت القطاعات الحكومية بكافة مكوناتها لها علاقة وطيدة بالحالة السائدة اليوم الا أن النقطة الفاصلة في احتواء أو تفاقم الوضع ينطوي على سرعة تدخل وزارة الداخلية كون هذه الأخيرة تحظى بتمثيل مادي داخل كافة التراب الوطني  من جهة وقدرة التوغل في أدق التقسيمات الإدارية من جهة أخرى، وسنحول من خلال هذه الدراسة تسليط الضوء على طبيعة الاختصاص الموكل لسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية  في مجال الوقاية من أخطار الوباء الصحي من خلال مجموع الأجهزة المتدخلة في الوقاية وتدبير الوضعية الصحية حسب موقع كل جهاز على حدى، مع اعتماد مقاربة قانونية لقياس مدى مشروعية الإجراءات المتخذة الى حدود الساعة وذلك طبعا من أجل توضيح اختصاص كل متدخل واحترام اختصاص كل جهاز لتدبير الازمة الصحية التي تمر منها البلاد بسبب الوباء المستجد covid-19 بأقل الخسائر الممكنة.

  • مديرية التواصل بالسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية

تناط بمديرية التواصل مهمة وضع وتنفيذ سياسة التواصل الداخلي والخارجي للوزارة وفق توجهاتها الاستراتيجية. كما تقوم بوضع آليات اليقظة وكذا المساهمة في تحليل المعلومة بتنسيق مع المصالح المختصة وبتأمين تواصل الوزارة مع وسائل الإعلام[1]

من خلال المادة المذكورة فان جل عمليات التواصل التي تقوم بها وزارة الداخلية تمر عبر مديرية التواصل والتي جاءت  كإحدى المستجدات التي طبعت  المرسوم الجديد المتعلق بوزارة الداخلية، والحديث عن اليات التواصل التي نهجتها الوزارة منذ بداية أزمة الوباء تطرح مسألة مرتبطة أساسا  بإحدى أهم الوسائل المستحدثة لمواجهة الازمات بشتى أشكالها، فعملية التواصل بالرغم من كونها القناة الرئيسية لتمرير خطاب معين، فهي أيضا تشكل في الوقت نفسه الصيغة المستساغة للقرارات او الإجراءات الممكن اتخاذها في نفس الظروف، وذلك طبعا من خلال التصريح المباشر بمجموع الإجراءات التي تحاول الوزارة اتخاذها مع توازي التبرير المباشر لدواعي هذه الإجراءات، خصوصا وأن عموم القرارات من شأنها الحد ليس فقط من حريات المواطنين ولكن الحد أيضا من بعض الحقوق الاقتصادية لمجموع المواطنين التي طالتهم قرارات المنع المؤقت لممارسة الأنشطة المرتبطة بوضعيتهم الاقتصادية.

  • المديرية العامة للإدارة الترابية

يشكل رجال السلطة أحد أعتق التنظيمات الإدارية بالمغرب، والتي لعبت دورا هاما ومحوري في الحفاظ لعقود من الزمن على وحدة الدولة، ولعل توسيع مهام رجال السلطة نابع من كونه الإطار الأنسب لمواجهة كافة الاخطار الممكنة ومن بينها خطر الأوبئة الصحية السهلة الانتشار،[2] لذلك عمل رجال السلطة بعد دخول حالة الطوارئ الصحية كقرار صادر عن السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بتاريخ 18 مارس 2020 ودخوله حيز التنفيذ في 20 مارس 2020 على معاينة مدى امتثال المواطنين المعنين بهذا القرار، غير أن ممارسة هذا الاختصاص يطرح في جوهره سؤال حول مضمون حالة الطوارئ الصحية وعلاقته بحالة حظر التجوال، هذين الإجراءين وان كانا منفصلين في ظاهرهما الا أن أحدهما يشكل منطلاقا لتفعيل الاخر،  فإجراء حظر التجول في الأماكن العمومية كإجراء وقائي يعد حالة لتنفيذ مضامين القرار الحكومي القاضي بحالة الطوارئ الصحية. ولعل قرار وزارة الداخلية بالإعلان عن حالة الطوارئ الصحية كعمل اداري صادر عن سلطة ادارية خصوصا بعد تسجيل حالات محلية يطرح ملاحظتين أساسيتين:

الملاحظة الأولى أن السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية اعتمدت النشر الشفوي للقرار الإداري القاضي بإعلان حالة الحظر، عوض النشر بالجريدة الرسمية وهو الامر الذي يطرح مسألة مدى مشروعيته، وان كان جائزا من الناحية القانونية لصحته وقابليته لنفاذ في مواجهة الافراد، فانه قد يشكل خرقا لضمانة حق اللجوء للقضاء للمطالبة بالتعويض من طرف مجموع المواطنين المتضررين من هذا القرار، خصوصا وأن توجه الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى -محكمة النقض-  في هذا الصدد قد صرحت أنه لا يحتج بالقرار عند اتخاذه الا اذا كان منشورا، وقد اعتبر المجلس الأعلى بخصوص هذه القاعدة في حكم سابق “أن ما جاء في القرار المطعون فيه أن نشر النصوص القانونية والتنظيمية في الجريدة الرسمية لا يكتسي سوى صبغة إخبارية محضة ويمكن الاستعاضة عنه بطريقة أخرى من طرق الاعلام، لا يمكن أخذه بعين الاعتبار  لان الجريدة الرسمية التي تصدرها الحكومة بصفة دورية ومنظمة تعتبر الضمانة الوحيدة لتبليغ النصوص القانونية والتنظيمية الى علم الافراد و الجماعات، وأنه يستحيل على المحاكم تطبيق نصوص لم يسبق ان اطلعوا عليها مسبقا من خلال نشرها في الجريدة الرسمية[3]، مما قد يشكل خرقا لضمانة مخولة قانونا للمواطن من أجل الدفاع عن حقوقه في مواجهة الإدارة ولو تعلق الامر بحالة الاستثناء. ولاشك أن من مميزات القرارات الإدارية أنها نافذة في حق الافراد بمجرد صدورها، الا أن القرار المذكور طبع بشرط وقتي أي ان السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية اعتبرت القرار بمثابة قرار اعلاني عن حالة مستقبلية وليس قرارا تنفيذيا، فالمدة الفاصلة بين الإعلان والتطبيق تقدر بحوالي 48 ساعة، وهي مدة كافية ليبلغ القرار التنفيذي مرحلة العلم اليقيني، مما ينتج عنه تبرير لحالات الممكن اتخاذها في حق كل من خرق مضمون قرار حظر التجول بدون رخصة.

أما الملاحظة الثانية: أن قرار حالة الطوارئ الصحية ترتبط أساسا بحالة حظر التجوال في الأماكن العمومية والذي سبقته مجموعة من القرارات القاضية بإغلاق مجموعة من المحالات ذات الطابع الترفيهي والتي تتميز بتجمعات بشرية مهمة كالمقاهي دور السينما ومحلات التسوق… وغيرها، وفي هذا الصدد صدرت مجموعة من الدوريات تحث ولاة الجهات وعمال العمالات والاقاليم على اتخاذ كافة التدابير اللزمة للحد أو التقليل من حركة السكان، وهو الامر الذي دفع عمل مجموع الباشوات والقواد وأعوان السلطة من شيوخ ومقدمين بالسهر على تدبير الوضعية الوبائية من خلال أولا الوقوف على احترام القرارات المتخذة في هذا المجال ثم استصدار الوثائق المعفية لمجموعة من الأنشطة الاقتصادية والخدماتية التي لا تحتمل التوقف نظرا لارتباطها الوثيق بحاجيات السكان الضرورية من أجل تجنب أي اضطراب محتمل في هذه الفترة الحرجة وذلك تفعيلا للقرار المشترك لسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية وكذا السلطة الحكومية المكلفة بالصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي والاخضر كمجالات استثنائية من هذا المنع المؤقت، كما أن اختصاص رجال السلطة في مجال الوقاية من الاوبة نابع من المرسوم الملكي القاضي بالتنسيق مع المصالح الصحية[4] عبر آلية تبليغ كل البرامج التي تروم وقاية الصحة العمومية ومن بينها الحالات الخاصة بوباء COVID -19

أما الأساس القانوني للإعلان عن حالة الطوارئ الصحية فتجد له أسسا دستوريا من خلال الفصل 21 الذي بمقتضاه ينص على أنه “تضمن السلطات العامة سلامة السكان”، والحالة الصحية الحالية وان كانت تشكل حالة خاصة تستدعي تفعيل الفصل 59 بإعلان حالة الاستثناء الا أن قرار الملك كرئيس لدولة بتدبير المرحلة بقرارات وزارة الداخلية يحيل على أن المرحلة الحالية لا تستدعي هذا التوجه نظرا للحمولة السياسية التي يحملها قرار الإعلان عن حالة الاستثناء، فالأمر في أخر المطاف يندرج ضمن اختصاص الضبط الإداري الذي يعد مكون الصحة العامة أحد أبرز مكوناته، ومفهوم الضبط الإداري أو الشرطة الإدارية يحيل في مجمله على مجموع التدابير التي تتخذ طابعا تنظيميا أو وقائيا من أجل الحفاظ على النظام العام[5]

القوات العمومية المسخرة للوقاية وتدبير الاخطار الصحية

يشكل الامن الداخلي للدولة من بين الاختصاصات الحصرية للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية وذلك طبعا تماشيا مع طبيعة هذه الوزارة واختصاصاتها، ولهذا الغرض تم احداث مجموعة من المديريات التابعة لها، ولعل المديرية المنوط بيها تدبير الإجراءات الوقائية من الاخطار الصحية نجد: قوات الامن الوطني، القوات المساعدة، وكذا رجال الوقاية المدنية، عمليا فان عمل هذه الأجهزة تتقاطع في مجملها خصوصا وأن الامر يتعلق بتدبير أزمة صحية والتي تأثر بشكل مباشر على الامن والصحة العموميين.

إدارة القوات المساعدة 

منذ أن أعلنت وزارة الداخلية حالة الطوارئ الصحية عملت مصالح القوات المساعدة كجهاز تابع لوزارة الداخلية على تسخير كافة الإمكانيات المتاحة من أجل حث المواطنات والموطنين على احترام قرارات نفس الوزارة، ولعل تدخل هذا الجهاز في تدبير الوضعية الوبائية جاءت تفعيلا بالدرجة الأولى لمقتضيات الظهير الشريف الخاص والمنظم لهذا الجهاز والذي نص في المادة 2 منه على أنه  “مع مراعاة الاختصاصات والصلاحيات المسندة الادارات العمومية الأخرى، تتولى القوات المساعدة مهمة المساهمة في  حفظ النظام والامن العموميين بسائر تراب المملكة كما تقوم بتقديم مختلف أشكال العون والمساعدة للسكان عندما تصيب البلاد احدى الآفات أو الكوارث الطبيعية[6].ان الحديث عن دور القوات المساعدة يحيل بالدرجة الأولى على توجه وزارة الداخلية بإحداث مفتشية العامة بقطبين تهتم بالدرجة الأولى بالعنصر البشري من خلال اعداد برنامج متكامل لتكوين في أسلاك القوات المساعدة، وهو الامر الذي ينعكس بشكل كبير على وضعية عنصر القوة العمومية في تدبير حالات الوباء الصحية.

المديرية العامة للوقاية المدنية

تعد المديرية العامة للوقاية المدنية احدى الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية، وهي بذلك مسؤولة عن تدبير الوضعية الفردية لكافة الموظفين المنتسبين لها ويخضع رجال الوقاية المدنية لنظام عسكري كما أنهم يعتبرون ضمن قوات الجيش الرديف. وينحصر دور رجال الوقاية المدنية حسب المادة 6 من القانون الخاص برجال الوقاية المدنية على أنه “العمل على حماية السكان والممتلكات من الاخطار الطبيعية والتكنولوجية والعمرانية وكذا الاخطار المرتبطة بالأنشطة الترفيهية، كما يعمل رجال الوقاية المدنية السهر على مكافحة الحوادث والكوارث والتخفيف من أثارها على السكان والممتلكات والبيئية” كما يساهمون في اطار المهام السابقة عملية حفظ النظام العام”[7].

ان أهم الملاحظات الممكن تسجيلها بخصوص المادة التي تأسس لطبيعة تدخل رجال الوقاية المدنية أن المادة المذكورة ولو لم تشر بشكل مباشر لمجال التدخل في مجال الحماية من اخطار الاوبة الفيروسية، الا أن الوضع الحالي يشكل خطر على الصحة العامة وهو الذي يحيل على إمكانية التدخل كلما دعت الضرورة لذلك، خصوصا وأن طبيعة تدخل رجال الوقاية المدنية يتسم بطبيعة شبه طبية ووقائية بالدرجة الأولى وذلك لارتباطها بحالات الإسعاف الاولي مما يقلل احتمالية تفاقم الأوضاع المرتبطة بالمصاب ومن يحيطون به، وحيث أن المادة جاءت مطلقة وشاملة الا أن المشرع من حقه التدخل لتأسيس لاختصاص التدخل في حالات الأوبئة الصحية بشكل مباشر مع توسيع صلاحيات التدخل لفائدة رجال الوقاية المدنية.

المديرية العامة للأمن الوطني

لا يخفى على أحد أن دور قوات الامن الوطني في الحفاظ على الامن العام يعد من صميم اختصاص هذا الجهاز، لذا فالقانون المنظم للمديرية العامة للأمن الوطني في مادته الثانية جاءت هي الأخرى بعبارات شاملة وعامة  مطلقة وشاملة، فانحصاص المادة على التصريح بكون اختصاص رجال الشرطة في الحفاظ على النظام العام يحيل على توسع دائرة التدخل لفائدتهم خصوصا وأن المشرع المغربي في مجموعة من النصوص القانونية لم يعمل على توضيح المقصود بالنظام العام، لذا نجد مصالح الامن العمومي تمتك صلاحية التدخل وتدبير الوضعية الصحية الحالية الى جانب باقي المتدخلين الرئيسين من خلال عملية اخلاء الأماكن العمومية من كافة المواطنين.

عموما يمكن أن نقول على أنه تبقى وزارة الداخلية من خلال المديريات المكونة لها، الجهاز الحكومي الأكثر ملائمة للوقاية وتدبير الاخطار في المجال الصحي، من خلال اليات البشرية والوسائل اللوجستيكية المتوفرة لحث المواطنين على اتباع التعليمات القاضية بالحفاظ على الصحة العامة، مع طبعا احترام المقتضيات القانونية المعمول بيها بالرغم من الحالة الاستثنائية السائدة التي لا تبرر خرق مقتضى أو حق في اطار احترام تام لسيادة القانون من طرف الجميع.

بيبليوغرافي

[1]  المادة 27  من المرسوم رقم 2.19.1086، الصادر في 30 يناير  2020، يحدد بمقتضاه اختصاصات وزارة الداخلية.

[2]  أيوب الحجري، رجال السلطة والحكامة الترابية بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، تخصص القانون الإداري وعلم الإدارة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية القاضي عياض، السنة الجامعية 2018-2019، ص46

[3][3]  قرار عدد 5 بتاريخ 1972، ارملة الشرقاوي ضد الشركة الطيران الفرنسية، مجوعة القرارات المجلس الأعلى، الغرفة الإدارية 1972، أورده الأستاذ حسن صحيب في مؤلفه، القضاء الإداري المغربي، طبعة 2008، الصفحة 302

[4] مرسوم ملكي رقم 554.65 بتاريخ 17 ربيع الأول 1387 موافق ل 26 يونيو 1967 بمثابة قانون يتعلق بوجوب التصريح ببعض الامراض واتخاذ التدابير الوقائية للقضاء على هذه الامراض.

[5] أحمد البخاري، القانون الإداري العملي، الطبعة الأولى 2001، ص34

[6]  ظهير شريف رقم 1.17.71 صادر في جمادى الأولى 1439 (15 فبراير2018) يتعلق بإعادة تنظيم القوات المساعدة وبتحديد النظام الأساسي الخاص بأفرادها

[7]  ظهير شريف رقم 1.17.70 صادر 10 ذي القعدة 1439 ( 24 يوليو 2018) بمثابة النظام الأساسي الخاص بموظفي الوقاية المدنية والأطباء، العاملين بالمديرية العامة للوقاية المدنية والمصالح الخارجية التابعة لها.

قد يعجبك ايضا