أي مقاربة قانونية لظاهرة الزيادة في أثمان المنتجات واحتكارها في زمن الكورونا

المعلومة القانونية – محمد الملكي

  • باحث في العلوم القانونية

تقديم

في الاونة الاخيرة شهد العالم عامة و المغرب خاصة ظاهرة وبائية لم تكن في الحسبان،بحيث شملت جل دور العالم.

وفي المغرب خاصة فبالموازاة مع هذه الظرفية التى يعيشها المجتمع، وبالنظر لخطورة هذا الوباء و كذا الوقاية منه، اصدرت الجهات الرسمية بلاغات تحث فيها مواطنيها على اتخاذ الحدود القصوى من الحيطة و الحذر، وذلك باستعمال كل الوسائل  المتاحة لتجنبه من قبيل البقاء في المنازل و عدم الاختلاط بالاخرين و اقتناء بعض المستلزمات الضرورية كالكمامات و القفزات  وباقي الاجراءات الاحترازية الضرورية، مما دفع بمواطنيها – بعامل خوفهم – الى احتكار بعض المنتجات الضرورية في الاسواق و كذا المحلات التجارية بحيث اصبح يأخذ ضعف المنتجات عوض احتياجاته، ليقوم بعد ذلك تجارها بمقابل هذه الظرفية الصعبة بالزيادة في ثمن المنتجات او السلع المنظمة اسعارها، مما لا يتلائم مع القوانين الجاري بها العمل، سواء في الاسلام او التشريعات المقارنة او المقتضيات القانونية المغربية وخاصة قانون المنافسة الذي اقر جزاءات جنائية على الباعة الذي يفتعلون ثمن للسلعة غير ذلك الثمن المنظم سعرها قانونا، و كذا قانون حماية المستهلك بحيث اقر جزاءات مدنية لحماية مستهلك هذه السلعة.

وسنوضح كل  ذلك بعد تناول الاشكالية التالية : مدى استطاعة المقتضيات القانونية المغربية التصدي لظاهرة الزيادة في الاسعار احتكارها غير المشروع؟

وفقا للاشكالية اعلاه سيتم تقسيم الموضوع بناء على ما يلي

المطلب الاول : – مبدأ التضامن المنصوص عليه دستوريا.

المطلب الثاني : الزيادة  في ثمن المنتجات واحتكارها في  القانون المغربي.

المطلب الأول: مبدأ التضامن المنصوص عليه دستوريا

يلاحظ في الاونة الاخيرة و تزامنا مع هذا الوباء العالمي(كفيد 19)،تهافت المستهليكن على اللأسواق و المحلات، سواء من اجل اقتناء مستلزمات التغذية او قصد شراء ضروريات التطبيب من كمامات و قفزات…، الا ان ما يثير الاستغراب هو قيام بعض المستهلكين من احتكار بعض المنتجات، سواء من ناجية التغذية او مستلزمات و ادوات الطبية بشكل غير عادي بحيث يشترى عددا كبيرا،مما يجعل الشخص الذي يأتي بعده لشراء نفس المنتوج عديم التحصل عليه، و لعل هذه السلوكيات ان كانت تدل على شئ فإنها تدل على الأنانية، و عدم الاحساس بالأخر في بعده الاحتكاري.وبالتالي كان من اللازم ان نوضح بأن هذه السلوكيات تخالف الدستور المغربي في مادته 40 الذي ينص : على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد. و بإعتبار ان الدستور اسمى تعبير عن الارادة الملكية و الشعبية فإن مخالفتها قد تترتب عنها جزاءات قانونية.

و التضامن في الآفات و الكوارث الطبيعية نعنى به ان تتفشى روح التآزر و التضامن و الاخوة بين افراد شعبها، و مؤسساتها، وبالقياس مع هذا الوباء كان لزاما ان نعوض و ندعم من تضرروا بهذه هذه الأفة كتعويض الطبقة الشغيلة عن حرمانها من شغلها – كعمال المقاهي مثلا – و التضامن على اداء وجيبة الكراء لمن فقد عمله و اعطاء السلف من طرف ارباب محلات المواد الغذائية للمتضررين من هذه الأفة و نشر روح المسؤولية و التوعية و التحسيس و الوقاية من هذا الوباء.

كما ان البائع الذي يقوم بالزيادة في ثمن السلعة بسبب هذا الظرف الاستثنائي، فإنه يتنافى مع مبادئ التضامن كون ان البائع كان من الاجدر عليه ان يخفض من  التسعيرة نظرا للأضرار التى شابة بعض البطقة الشغيلة، و إن اقتضى الامر ان يعطى سلفا لمن يحتاجه اذا استدعت الضرورة  ذلك و ليس الزيادة في الأثمنة. و عليه كان من الضروري على  اللجان المختصة بمراقبة الأسعار وجودة المواد الغذائية، التحرك لضبط هذه الأمور، وكذا جمعيات حماية المستهلك لتنوير بصيرة المستهليكن، وتحسيسهم و حمايتهم و التصدي  لكل ما من شأنه ان يكون ضدهم.

وباعتبار ان قواعد القانون الدستوري تعتبر مرآة لتطلعات المجتمع من حيث النظام العام الذي يسعى إليه، وبالتالي فان قواعد القانون الدستوري تمثل الإرادة العليا للمجتمع مما يترتب عن خرقها اختلال التوازن داخله الشيء الذي يكسبها صفة القواعد الآمرة التي لا تترك للفرد أو الجماعة خيار مخالفتها. فعندما ينص الدستور المغربي مثلا على أن “الإسلام دين الدولة …” فإننا نكون بصدد قاعدة دستورية آمرة تحرم انتهاك حرمة الدين الإسلامي باعتباره الخيار المقدس للمجتمع المغربي. ومن المسلم أن القاعدة الآمرة يصاحبها جزاء مادي محسوس توقع السلطة العامة على المخالفين، وهو ما لم تتطرق إليه القاعدة الدستورية في شتى جوانبها مما أثار جدلا بشان إلزامية قاعد القانون الدستوري وطبيعتها القانونية.[1]

المطلب الثاني: الزيادة في المنتجات واحتكارها في القانون المغربي

أولا: في قانون حرية الأسعار  والمناقسة

يعتبر قانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة[2]المكنة الاساسية لتنظيم الاسعار و حرية المنافسة، ونظرا للأفعال الذي لقيام بعض الباعة بالزيادة في سعر المنتوجات و السلع تزامنا مع وقت الضرورة و مستغلا فرصة الوباء، فإن المشرع المغربي قد عاقب على مثل هذه السلوكيات بعقوبات جنائية، وذلك في المواد [3]68 و [4]36 و 60[5] من  قانون 06.99 المتعلق بحرية الاسعار والمنافسة،  بحيث نص في المادة 68 على انه يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة من 10.000 إلى 500.000 درهم أو بإحدى  هاتين العقوبتين فقط، كل من افتعل أو حاول افتعال رفع أو تخفيض سعر سلع أو خدمات أو سندات  عامة  أو خاصة، باستعمال أية وسيلة كانت لنشر  معلومات كاذبة أو افتراءات أو بتقديم عروض في السوق  قصد الإخلال بسير الأسعار أو عروض مزايدة على الأسعار التي طلبها الباعة أو باستخدام أية وسيلة أخرى من وسائل التدليس

في حين نص في المادة 36 في فقرته الثانية على انه : يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية. تحدث هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ليأتي بعد ذلك في المادة  60[6] وينص على انه تعتبر زيادات غير مشروعة في الأسعار فيما يخص البضائع أو المنتوجات أو الخدمات المنظمة أسعارها

-البيوع وعروض البيع واقتراحات البيع واتفاقات البيع المنجزة أو المبرمة بسعر يفوق السعر المحدد ؛

-الشراء وعروض الشراء واقتراحات الشراء واتفاقات الشراء المنجزة عمدا بسعر يفوق السعر المحدد ؛

-مقاسمة عدة وسطاء لربح يتجاوز قدره نسبة الربح القصوى المأذون فيها بخصوص مرحلة من مراحل التسويق عندما يتدخلون في هذه المرحلة وفي هذه الحالة يعتبر الوسطاء المذكورون مسؤولين على وجه التضامن

يلاحظ ان المشرع المغربي قد شدد كثيرا من حيث العقوبة المترتبة عن مثل هذه السلوكيات، بحيث ارقاها لمستوى الجزاءات الجنائية وهو ما يبرر حجم خطورة هذا الفعل على المجتمع.

ثانيا: الزيادة في ثمن السلع والمنتجات في قانون حماية المستهلك

بالرجوع القانون رقم 31.08[7] القاضي بتحديد تدابير لحماية المتسهلك نجد بأن المشرع المغربي قد نص في المادة 29 [8]على انه يقع باطل بقوة القانون كل التزام نشأ بفعل استغلال ضعف أو جهل المستهلك، مع حفظ حقه في استرجاع المبالغ المؤداة من طرفه وتعويضه عن الاضرار اللاحقة.

وعليه ووفقا للمادة اعلاه فان اي استغلال من البائع ازاء المستهلك بخصوص التسعيرة التى زاد فيها، نظرا لجهل المستهلك بالثمن الحقيقي، او استغلال ضعفه، بالنظر الى الظرفية التى يمر بها، فإن هذا الالتزام يقع باطلا و بقوة القانون، اضافة الى استرجاع المبالغ المؤداة و تعويضه عن الضرر الذي اصابه من جراء هذه المعاملة.

خاتمة

من خلال ما سبق، يتضح بأن الأصل في التعامل هو التضامن بين شرائحها و الإستثناء غير القانوني هو التفرق و التباعد و احتكار المنتجات و الزيادة في الأسعار ، وبالتالي كان لزاما على اللجان المختصة بمراقبة اللاسعار، ان تتدخل من اجل ضبط الاسعار، كما ان على جمعيات حماية المستهلك ان تتدخل من اجل تنصوير بصيرة و حماية مستهلكيها، و بالمقابل فان السلطات العامة هي مدعوة ايضا للحد من احتكار المستهلكين للمنتوجات و احساسهم بأن الأمر لا يستدعي سوى الأخذ بما يناسب حاجيتهم ، و يبقى في الاخير الضمير الإنساني و البعد الديني هو اساس التصرف في كل شئ و بإنعدامهم ننعدم. و اختم بمقولة أحد الأدباء حين قال أن الضمير هو وجود الله في الإنسان.

بيبليوغرافي

  • دستور 2011
  • القانون رقم 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة
  • قانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك

 على الساعة 15.00 بتاريخ 2020/03/21، مقتطف من موقع  [1]

ظهير شريف رقم 1.00.225 صادر في 2 ربيع الأول 1421 (5 يونيو 2000) بتنفيذ القانون رقم 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة[2]

المادة 68 من قانون 06.99 المتعلق بحرية الاسعار و المنافسة [3]

المادة 36 من قانون 06.99 المتعلق بحرية الاسعار و المنافسة [4]

المادة 60 من قانون 06.99 المتعلق بحرية الاسعار و المنافسة [5]

نفس المادة اعلاه [6]

ظهير شريف رقم 1.11.03 صادر في 14 من ربيع الاول )1432-18 فبراير 2011بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية  المستهلك [7]

المادة 29 من قانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك [8]

قد يعجبك ايضا